Iran, Iraq, and Arabs
إِيرَان والعِرَاق والعَرَب

 

Iran and the Curse of the Demon
إيرَانُ ولَعْنَةُ الشّيْطانِ

 

لَعْنَةُ الجُغرافيَا السِّياسيَّةِ والعِمَامَةِ الإِيرانيَّةِ
رِحْلَةٌ فِي أَسْرارِ عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ وفُصُولِهِ السِّياسَّةِ
العِرَاقُ والعَرَبُ والغَرْبُ والجِنُّ والجَانُّ
الحَقِيقَةُ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ
السَّمَاءُ والأَرْضُ
كانَ "مَا" كانَ

 

كيْفَ تَحَوَّلَتْ عَرُوسُ البِلادِ وأَوَّلُ البِلادِ وأَقْدَمُ البِلادِ وأَسْمَى البِلادِ وأَبْهَى البِلادِ وأَزْهَى البِلادِ وأَحْلَى البِلادِ وأَرْقَى العِبَادِ -- بِناسِهَا بِأَنْهَارِهَا بِأَرْضِهَا بِزِينَتِهَا بِسَمَائِهَا بِخَيْرَاتِهَا بِعِرْقِهَا بِأَصْلِهَا بِفَصْلِهَا بِأُصُولِهَا بِآشُورِهَا بِعِرَاقِهَا وبَغْدَادِهَا بِجَمَالِهَا بِسِحْرِهَا بِحُكَّامِهَا مِنَ المُلُوكِ والأُمَرَاءِ والبَاشَوَاتِ والرُّؤَسَاءِ حَمُورَابي المُعتَلي وآشوربانِيبال أوسنَابير ونَبُوخَذ نَصر وفيصَل الأَوَّل وغازِي وفيصَل الثَّانِي ونُورِي السَّعِيد والبَكِر وصَدّام حسين -- إِلى مُحَافَظَةٍ مِنْ مُحَافَظَاتِ بِلادِ فَارِسَ! كانَ مَا كانَ -- القِصَّةُ الحَقِيقِيَّةُ مِنَ الأَلِفِ إِلى اليَاءِ بِعُيُونِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ

 

مُقْتَطَفَاتٌ ومُخْتَارَاتٌ وقِطَعٌ مُخْتَارَةٌ، بَعْدَهَا نُحَلِّلُ ونَرْتَحِلُ ونَنْتَقِلُ إِلى بِسَاطِ التَّفْصِيلِ مِنْ كِتَابٍ إلى آخَرَ ومَكانٍ إلى آخَرَ وزَمَانٍ إِلى آخَرَ لِتَبْدَأَ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ والأَسْرَارِ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ والغَرْبِ وشَاطِئِ البَحْرِ والنَّهْرِ والرَّافِدَيْنِ والنَّهْرَيْنِ، لِنَكْتَشِفَ مَاهِيَّةِ الأَسْبَابِ والأَسْرَارِ فِي التَّحَوُّلِ الكامِلِ وشُبْهِ الكامِلِ لِبِلادِ العَرَبِ والعِرَاقِ وسَاكِنِيهِ وأَرْضِهِ التِي كانَتْ "وهِيَ" أَرْضُ الجَّمَالِ والعِلْمِ والعُلُومِ والحَيَاةِ والحَضَارَاتِ، لِتَكُونَ بَعْدَ إِنْهِيَارِ 2003 مِيلادِيَّة ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا أَرْضُ الجَّهْلِ والقَتْلِ والفَسَادِ والفَوْضَى والحُشُودِ والمِيلشيَاتِ والعِمَامَةِ والعِمَامَاتِ، أَيْ، فِي كلِمَاتٍ نَاطِقَاتٍ، لِتَكُونَ، وهِيَ فِي هذِهِ السَّنَوَاتِ والأَوْقَاتِ، مُحَافَظَةً بَائِسَةً مِنْ مُحَافَظَاتِ إِيرَانَ التَّائِهَاتِ -- النَّاطِقُ فِيهَا لِسَانُ العَرَبِ والفُرْسِ وشِيعَةِ الجَّهْلِ والخُرَافَاتِ وغَرَائِبِ العَادَاتِ، والرَّاقِصُ فِيهَا العَدِيدُ مِنَ غَرَائِبِ الأَقْوَامِ والمُجْتَمَعَاتِ واللُغَاتِ

 

مِنْ كِتَابِ "السَّمَاءُ والأَرْضُ" -- مازن لِن، 2020

2

 

وهكذَا، تَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ فِي سَنَةِ 2003 مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ -- تَغَيَّرَ وتَشَوَّهَ الحَجَرُ والبَشَرُ والبَرُّ والنَّهْرُ! مِنْ كُلِّ ذاكَ الرُّقِيِّ البَابِلِيِّ إلى الإنْحِطَاطِ الفَارِسِيِّ...، الأَحْزَابُ والعِصَابَاتُ والعَصَائِبُ والميلشيَاتُ والفَوْضَى والبَطَالَةُ والفَقْرُ، والأَمْرَاضُ والدّمَارُ والغَوْغَاءُ مِنَ النّاسِ والأَوْبَاشُ مِنَ البَشَرِ، سِلاحٌ هُنَا وهُنَاكَ والصَّغِيرُ كالكبيرِ والكبيرُ كالصَغِيرِ وصِرَاعٌ بَيْنَ القَبَائِلِ والعَشَائِرِ، وفَتَاوَى هُنَا وهُنَاكَ فِي حُكْمِ العِمَامَاتِ، وفَتَاوَى الجَّهْلِ تَنْزِيلٌ سَمَاوِيٌّ وأَمْرٌ! والجُهَلاءُ والجُهَّالُ يُقَادُونَ كالحَمِيرِ يَمِينَاً مِنْ أَهْلِ العُسْرِ أَو هُمْ مِنْ أَهْلِ اليَسَارِ واليُسْرِ، ولَطْمٌ وسَوَادٌ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقَاتِ ولا مَمَرَّ أَو مَفَرَّ، وإنْهَيَارُ التَّعْلِيمِ والقَضَاءِ بَعْدَ كُلِّ غَزْوٍ هُوَ قَضَاءٌ وقَدَرٌ، والعِلْمُ والعَدْلُ هُمَا أسَاسُ المُجْتَمَعَاتِ الإنْسَانيَّةِ مُنْذُ خَلَقَ الرَبُّ البَشَرَ، وهَكذا، بِسُقُوطِ العِلْمِ والعَدْلِ... سَقَطَ الوَطَنُ الحُرُّ! وبَدَأَتْ لُعْبَةُ العُرُوشِ والكَرَاسِيَ والحُكُومَاتِ، وبَدَأَ عَصْرُ الطَّائِفيَّةِ، ولَمْ يَتَعَلَّمَ "البَشَرُ" والعَرَبُ والعِرَاقيُّونَ مِنْ لُبْنَانَ فِي سَنَةِ 1990 بَعْدَ نَتَائِجِ ونِهَايَاتِ ومَآسِي الحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ ولَعْنَةِ الطَّائِفيَّةِ بَعْدَ تَأْسِيسِ حِزْبِ اللهِ الإِيرَانِيِّ-الُّلبْنَانِيِّ فِي سَنَةِ 1982 بِفَتَاوٍ فَارِسيَّةٍ وأَيَادٍ فِلِسْطِينيَّةٍ وأَسْلِحَةٍ سُورِيَّةٍ وأَمْوَالٍ لِيبيَّةٍ ومُبَارَكَةٍ "إِسْرَائِيليَّةٍ" وحَفَلاتٍ لُبْنَانِيَّةٍ-إِسْرَائِيليَّةٍ رَقَصَتْ فِيهَا العِمَامَةُ الإِيرَانِيَّةُ مَعَ السِّلاحِ الإِسْرَائِيلِيِّ فَكانَتْ الصُّحْبَةُ الحَقِيقيَّةُ والصَّدّاقَةُ الأَبَدِيَّةُ والأَعْرَاسُ الكاثُولِيكيَّةُ، ومُدَّتْ فِيهَا مَوَائِدُ ومَائِدَاتُ الرَّحْمَنِ، وذُبِحَ فِيهَا السَّمِينُ مِنَ الخِرَافِ والخِرْفَانِ، فَكَانَتْ بِدَايَاتُ نِهَايَاتِ لُبْنَانَ، ودَمَارِهِ وحُرُوبِهِ ودُمُوعِهِ والدُّرُوسِ التَّأرِيخيَّةِ. وأَعُودُ إلى عِرَاقِ سَنَةِ 2003 وهُوَ أَبْرَزُ المَسَارِحِ الإِيرَانِيَّةِ... وأُسِّسَ مَجْلِسُ حُكْمٍ أشْبَهُ بِعَرْضِ الدُّمَى، وأبْطالُهُ الضِّفْدَعُ كيرمِت وحَبِيبَتُهُ الآنِسَةُ بِيجِي، وفِيهِ مَنْ فِيهِ ويأتِيَ مَنْ يأتِيَ، مِنَ الخَلْقِ والمَخْلُوقاتِ الأرْضِيَّةِ، وقُتِلَ المَسِيحيُّونَ والأبْرِياءُ فِي الدُّورَةِ والغَزَاليَّةِ والجّادريَّةِ، وقُتِلَ العَدِيدُ مِنَ الفِلِسْطِينيّينَ وأَهْلِ فِلِسْطِينَ السَاكِنينَ فِي بَغْدَادَ وسُلِبُو وأُخِذَتْ مِنْهُم الأَسْوَاقُ والأَرْزَاقُ والبُيُوتُ والشُّقَقُ السَكَنِيَّةُ، وطُرِدُو وهُجِّرُو بِأَمْرِ الميلشيَاتِ والأَحْزَابِ الطَّائِفيَّةِ والعِمَامَاتِ الإيرانيَّةِ -- واليَوْم تِلْكَ الإحْزَابُ والميلشيَاتُ "ذَاتُهَا" تُجَهِّزُ الصَوَارِيخَ ومُسَيَّرَاتِ القَتْلِ والجَّهْلِ لِ "نُصْرَةِ أَهْلِ فِلِسْطِينَ" وضَرْبِ إِسرَائيلَ "عِندمَا يَحِينَ الوَقْتُ" بِأَمْرِالعَمَائِمِ والعِمَامَاتِ الفَارِسيَّةِ، وقَادَتُهَا مِنَ عُمَلاءِ إيرَانَ يَتَبَاكُونَ "اليَوْمَ" عَلى أَهْلِ فِلِسْطِينَ والقُدْسِ ويُنَادُونَ "نِفَاقَاً" بَلْ ويَصْرُخُونَ بِتَحْرِيرِهَا وتَدْمِيرِ بِلادِ دَاوُدَ ورَمْيِ اليَهُودِ فِي البَحْرِ وإنْهَاءِ الصُّهْيُونيَّةِ!! لا تَنسِ يَا هِندُ، إِنَّهُ الجَّهْلُ والنِّفَاقُ. وأُكْمِلُ فِي أَحْزَانِ بَغْدَادَ فِي أَمْسِهَا وأَيَّامِنَا... وعُلِّقَتْ وحُمِلَتْ الرَّايَاتُ الطَّائِفيَّةُ، السَّوْدَاءُ والخَضْرَاءُ والحَمْرَاءُ فِي الأعْظَميَّةِ، وضَابِطُ جَيْشٍ يُقَبِّلُ يَدَ المُعَمَّمِ فَيُهِينَ العِراقَ والجَّيْشَ والهَيْبَةَ العَسْكَريَّةَ! ودَخَتْ قَامُوسَ العِرَاقِيّينَ مُفْرَدَاتٌ لَمْ يَسْمَعُو بِهَا مِنْ قَبْلُ مِثْلُ "مُفَخَّخةٌ، عَبْوَةٌ، خَطْفٌ، كَاتِمٌ...،" وسَكَنَتْ يَوْمِيَّاتُهَا فِي عُقُولِ الكِبَارِ والصِّغَارِ، وأَصْبَحَ طُلاّبُ وتَلامِيذُ المَدَارِسِ "الجَّالِسُونَ عَلى الأَرْضِ" فِي المَدَارِسِ المَهْجُورَةِ يَحْفَظُونَ أَسْمَاءَ وأَنْوَاعَ المُتَفَجِّرَاتِ والصَّوَارِيخِ كَأَسْمَاءِ أَصْحَابِهِم وآبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِم، لِيَبْكِيَ عِلْمُ النَّفْسِ وفُصُولُهُ الإجْتِمَاعِيَّةُ! وتَمَّ تَغْيِيرُ أَسْمَاءِ بَعْضِ الشَّوَارِعِ والمَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ كَمَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" فِي بَغْدَادَ -- وهِيَ مَجْمُوعَةُ عَشْوَائِيَّاتٍ وأَحْيَاءٍ شَعْبِيَّةٍ تُشَكِّلُ مَعَ بَعْضِهَا مَا يُشْبِهُ "بَلَدَاً" صَغِيرَاً مُكْتَظَّاً بالسُّكَّانِ أَو مُحَافَظَةً دَاخِلَ المُحَافَظَةِ -- يَسْكُنُهَا شِيعَةٌ نَزَحَ جُلُّهُم مِن مُحَافَظَةِ مِيسَان ومُحِيطِهَا فِي جُنُوبِ العِرَاقِ فِي أَوْقَاتٍ وأَزْمَانٍ مَا، وكانَتْ تُسَمَّى فِي عَهْدِ المَلَكِيَّةِ بِ "الصَّرَايِفِ" قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ "الثَّوْرَةُ" فِي عَهْدِ قَاسِم ثُمَّ "حَيُّ الرَّافِدَيْنِ" فِي عَهْدِ الأَخَوَيْنِ عَارِفَ ثُمَّ "الثَّوْرَةُ" مَرَّةً أُخْرَى فِي عَهْدِ البَكِرِ ثُمَّ لاحِقَاً - وأَحْيَانَاً - "مَدِينَةِ صَدّام" لكِنَّهَا بَقِيَتْ تُسَمَّى "الثَّوْرَةُ" فِي أَذْهَانِ سُكَّانِ وأَهْلِ بَغْدَادَ وعَائِلاتِهَا وأُصُولِهَا، وأَصْبَحَتْ مِثَالاً يُسْتَخْدَمُ إِجْتِمَاعِيَّاً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ تَدَنِّيَ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ أَو حَتّى "الأَذْوَاقِ" فِي الحَدِيثِ والمَلْبَسِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ، فَأَصْبَحَتْ قِيَاسَاً ومِقْيَاسَاً فِي العَشْوَائِيَّةِ والعَبَثِ فِي الذَّوْقِ الخَاصِّ والعَامِ، مَثَلاً، تَقُولُ الأُمُّ الرَّاقِيَةُ أَو الأَبُ الرَّاقِ لِلصَبِيِّ أَو البِنْتِ إِنْ تَحَدَّثُو أَو تَصَرَّفُو بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ لائِقَةٍ أَو لَبِسُو أَزْيَاءَ أَو مَلابِسَ بِأَلْوَانٍ عَشْوَائِيَّةٍ أَو تَصَامِيمٍ غَيْرِ مُتَنَاسِقَةٍ "شُنُو هذَا؟! أَيْ مَا هذَا؟! هَلْ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الثَّوْرَةِ؟!" كَتَوْبِيخٍ لَطِيفٍ عَنْ تَدَنِّي الذَّوْقِ الخَاصِّ. وسَاكِنُو "الثَّوْرَةِ" غَالِبَاً مِنْ أَتْبَاعِ شِيعَةِ إيرانَ فِي بَعْضِ أُصُولِهَا ومَدَارِسِهَا وفُرُوعِهَا وحَوْزَاتِهَا المَذْهَبِيَّةِ أَو آلِ الصَّدْرِ -- مِنْهُم الطَّيِّبُونَ البُسَطَاءُ، ومِنْهُم الجُهَّالُ والجُّهَلاءُ، ومِنْهُم مُغَنُّونَ وشُعَرَاءٌ أَبْدَعُو فِي الشِّعْرِ الشَعْبِيِّ والأَهازِيجِ والهُوسَاتِ والغِنَاءِ، وجُلُّهُم مِنْ البُسَطَاءِ فِي العِلْمِ أَو غَيْرِ المُتَعَلِّمِينَ أَو مِمَّنْ رَفَضُو التَّعْلِيمَ وأَتْعَبُو وِزَارَاتِ التَّعْلِيمِ والحُكُومَاتِ العِرَاقِيَّةَ عَلى مَرِّ العُقُودِ. لَهُم كَلِمَاتُهُم وعَادَاتُهُم ويُعْرَفُونَ للسَّامِعِ بِأَحادِيثِهِم ولَهَجَاتِهِم ومَخَارِجِ حُرُوفِهِم الدَّالَةِ عَلَيْهِم "والأَقْرَبُ فِيهَا إلى لَهَجَاتِ سُكَّانِ جُنُوبِ العِرَاقِ،" لكِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ عَنْ سُكَّانِ مُحَافَظَاتِ الجَّنُوبِ الأُخْرَى فِي أَنَّ الأَخِيرَةَ كالبَصْرَةِ والنَّاصِرِيَّةِ أَعْطَتْ لِلعِرَاقِ خِيرَةَ العُلَمَاءِ والسَّاسَةِ والشُّعَرَاءِ والأُدَبَاءِ والكُتَّابِ والمُطْرِبِينَ ويُعْرَفُ سُكَّانُهَا بِالهُدُوءِ والجَّمَالِ ورُقِيِّ التَّعْلِيمِ والمَوَاهِبِ والذَّوْقِ وحُبِّ الحَيَاةِ، فِي حِينِ أَنَّ سُكَّانَ مَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" يُعْرَفُونَ بِالقَسْوَةِ والخُشُونَةِ والعَشْوَائِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكِيرِ والعَادَاتِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ -- قَلِيلُهُم أَحَبُّو صَدّام حسين وجُلُّهُم أَبْغَضُوهُ. وهكذَا، أَصْبِحَ إسْمُهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ 2003 مَدِينَةَ "الصَّدْرِ" نِسْبَةً إِلى آلِ الصَّدْرِ إرْضَاءً لِمُقْتَدَى الصَّدْرِ وإِيرانَ وقَادَتِهَا وإِنْتِصَاراً لَهُم! وأَصْبَحَتْ اليَوْمَ "مَعْقِلاً" لِبُيُوتٍ "مُؤَقَّتةٍ ودَائِمَةٍ" وأَحْيَاءٍ ومُعَسْكَرَاتٍ تُسَيْطِرُ عَلَيْهَا - سِرَّاً - العِصَابَاتُ والمِيلشيَاتُ الشِّيعِيَّةُ المُوَالِيَةُ لِطَهْرَانَ. وبَعْدَ إِنْهِيَارِ بَغْدَادَ ومُجْتَمَعَاتِهَا فِي سَنَةِ 2003 إِنْتَقَلَ "أَصْحَابُ المَلايِينِ" مِنَ السُّرَّاقِ والقَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ والمَافِيَاتِ والعِصَابَاتِ وتُجَّارِ البَشَرِ والسِّلاحِ والمُخَدَّرَاتِ أَو الغَوْغَاءِ مِمَّنْ عُرِفُو بِالسُّلُوكِ السَّيِّءِ وهُم فِي كُلِّ العُصُورِ "أَغْنِيَاءُ مَا بَعْدَ الحُرُوبِ وإِنْهِيَارِ الأَوْطَانِ" إِلى مَنَاطِقَ "كانَتْ" تُعْرَفُ بِالرُّقِيِّ والهُدُوءِ كالمَنْصُورِ وزَيُّونَةَ والأَعْظَمِيَّةِ كيْ يَنْدَمِجُو مَعَ المُجْتَمَعَاتِ الرَّاقِيَةِ هُنَاكَ، وبِهَذَا يَتَخَلَّصُو مِنْ عُقْدَةِ "الطَّبَقَةِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ" لكِنَّ الأَصْلَ فِي الأَقْدَارِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ الحَجَرَ والبَشَرَ والجَّارَ والإِسْمَ والمَكانَ والزَّمَانَ أَو حَتّى مَلْبَسَاً آخَرَ ومَلامِحَ أُخْرَى لكِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ، أَبَدَاً، أَنْ يَشْتَرِيَ الأَصْلَ والتأرِيخَ والقَدَرَ والمَكْتُوبَ! وأَصْبَحَتْ المَنَاطِقُ الرَّاقِيَةُ المَذْكُورَةُ، بِهذَا التَّحَوُّلِ والتَّشْوِيهِ الديمُغرافِي الهَائِلِ، تُدْعَى فِي الأَوْسَاطِ البَغْدَادِيَّةِ بِمَنَاطِقِ "اللَّمْلُومِ" أَيْ المَنَاطِقُ والأَحْيَاءُ التي "لَمَّتْ" كُلَّ أَنْوَاعِ البَشَرِ وتَشَوَّهَتْ وسُكِنَتْ مِنْ هُنَا وهُنَاكومُنْذُ إِنْهِيَارِ البَشَرِ والحَجَرِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا عُرِفَتْ مَدِينَةُ "الثَّوْرَةِ" أَو "الصَّدْر" كمَا إِسْمُهَا اليَوْمَ بِالإِنْحِرَافِ الإِنْسَانِيِّ والأَخْلاقِيَِّ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ أَو مَا يُعْرَفُ بِالجِّنْسِ الثَّالِثِ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، أُكَرِّرُ، فَقَطْ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، وهُم اليَوْم تَحْتَ حِمَايَة قَادَةِ المِيلشيَاتِ الشِّيعِيَّةِ أَو "المُقَاوَمَةِ" وهذَا، رُبَّمَا، أَيْضَاً، مِنْ أَجْلِ "تَحْرِيرِ القُدْسِ" وتَدْمِيرِ إِسْرَائِيلَ ورَمْيِ اليَهُودِ "الأَشْرَارِ" فِي البَحْرِ!! وأَصْبَحَ هذَا، أَي الجِّنْسُ الثَّالِثُ، "سِمَةُ فَخْرٍ" لَهُم فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ، كمَا أَصْبَحَ "وَصْمَةُ عَارٍ" فِي تأريخِ بَغْدَادَ الحَدِيثِ ودَلِيلاً عَلى إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ بِإِنْهِيَارِ البُلْدَانِ والأَوْطَانِ والحَضَارَاتِ البَشَرِيَّةِ! وتَمَّ تَغْيِيرُ النَشِيدِ الوَطَنِيِّ ومَعَهُ عَلَمِ البِلادِ، لِيَحْتَارَ فِي أَمْرِهِ الكثيرُ مِنَ العِراقِيّينَ، وأَصْبَحَ تَغْيِيرُهُ كَتَبْدِيلِ المَلابِسِ اليَوْمِيَّةِ، فَقَدْ كانَ الأجْمَلُ فِي التَّصْمِيمِ فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والمَلَكيَّةِ، بِنَجْمَةٍ ونَجْمَتَيْنِ فِي العِرَاقِ والأُرْدُنِ كَأُسَرٍ هاشِميَّةٍ، ثُمَّ غُيِّرَ بَعْدَ الإنْقِلابِ والخِيَانَةِ فِي سَنَةِ 1958 وتَأْسِيسِ الجُّمْهُورِيَّةِ، ثُمَّ بُدِّلَ "بَعْدَ الإنْقِلابَاتِ والحَرَكَاتِ والصِّرَاعَاتِ الحِزْبِيَّةِ" بِعَلَمٍ ونُجُومٍ أَسَاسُهَا مِصْرَ وسُوريَة والبَعْثِيَّةُ والقَوْمِيَّةُ والنَّاصِريَّةُ وشِعَارَاتُ الوِحْدَةِ العَرَبيَّةِ، وجَاءَ زَمَانُ الحُرُوبِ العِرَاقيَّةِ العَرَبيَّةِ الغَرْبيَّةِ، فَكَتَبَ صَدّام حسين بِيَدِهِ عَلى العَلَمِ عِبَارَاتٍ إسْلاميَّةٍ، لِتَمِيلَ القُلُوبُ مَعَ المَعَانِيَ الدِينيَّةِ، وحَصَلَ الإنْهِيَارُ فِي سَنَةِ 2003 مِيلادِيَّةٍ، لِيَبْدَأَ عَصْرُ الغَوْغَاءِ والغَوْغَائِيَّةِ، وإحْتَلَّتْ إيرانُ العِرَاقَ "ولا زالَ الإحْتِلالُ" وشُوِّهَ العَلَمُ مَرَّةً أُخْرَى وأُزِيلَتْ النُّجُومُ البَعْثِيَّةُ، لِتَبْقَى شِعَارَاتُ إسْلامِيَّةٌ، والغَايَةُ مِنْهَا لَيْسَ الإيمانُ بَلْ النِّفَاقُ والقَوْمِيَّةُ والطَّائِفيَّةُ!! وحَكَمَ فِيهِ "الهَمَجُ" بِأَسْمَاءٍ ومَعَانٍ شَيْطَانيَّةٍ... لَنْ أَذْكُرَ الكَثِيرَ مِنْهَا حِفَاظَاً عَلى أذْوَاقِ القُرَّاءِ الرَّاقِيَةِ، فَهِيَ وُجُوهٌ ونَمَاذِجٌ بَشَريَّةٌ "لا إنْسَانيَّةً" مُقَزِّزَةٌ غَرِيبَةٌ عَنْ مُجْتَمَعَاتِنَا العِرَاقِيَّةِ، لكِنِّي سَأَذْكُرُ أَكْثَرَهَا "إنْحِطَاطَاً" بِكُلِّ جَوَانِبهِ السِيَاسِيَّةِ والإجْتِمَاعِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ: الفَتْلاوي عاشِقَةُ الفِتْنَةِ الطَّائِفيَّةِ، صَاحِبَةُ نَظَرِيَّةِ الكَعْكَةِ وتَقْسِيمِهَا، إحْتارَتْ فِي خَلْقِهَا الأَزْمَانُ والأَقْدَارُ، فَأرادَتْ قَتْلَ شَبابٍ مِنَ السُّنَّةِ "العِراقِيّينَ" مُقابِلَ كُلِّ شابٍّ شِيعِيٍّ "عِراقِيٍّ" يَمُوتُ... وهِيَ حِساباتُ الشَّيْطانِ والمَوْتِ!! وعَبدُ المَهْدِي يَحْكُمَ ويَقْتُلَ ويَسْرِقَ ويُحَوِّلَ أمْوَالَ نَفْطِ العِراقِ إلى إيرانَ ثُمَّ يَلْطُمَ بَعْدَهَا عَلى إمَامِهِ الحُسَيْنِ. وعلاّوي والتَّآمُرُ والخِيانَةُ والغَدْرُ وفَتْحُ أبْوابِ بَغْدادَ للدَبَّاباتِ. والمالِكِيُّ الذي بَاعَ المُوصِلَ وأقْسَمَ عَلى قَتْلِ سُنَّةِ العِرَاقِ لِيَنْتَقِمَ لِإيرانَ "بِتَسْجيلٍ فِي طَهْرانَ" ونَجَحَ مَعَ إبْنِهِ فِي ذلِكَ فَقَتَلُو مَنْ قَتَلُو وسَرَقُو المَصَارِفَ بدَنانيرِهَا بِسَبَائِكِهَا بِخَزائِنِهَا بِدُولاراتِهَا بِبَابا غَنُّوجِهَا ولَمْ يَتَبَقَّى إلاّ الأرْضِيَّةَ... رَسْمِي فَهْمِي نَظْمِي. ودُمِّرَتِ آثَارُ آشُورَ وسُرِقَ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَادٍ، وحَقَائِبُ الدُّولاراتِ حَمَلُوهَا بَيْنَ البِلادِ. والجَّعْفَرِيُّ الإمِّيُّ صَاحِبُ الأَلْفِ كِتَابٍ، ولَم يَقْرَأ خَمْسَةً مِنْهَا. وحَدّاد الذي سَمَّى نَفْسَهُ قاضِي قُضَاةِ العِرَاقِ والعَرَبِ لكِنَّهُ لا يَتَحَدَّثَ الصَّحيحَ مِنْ لَهْجَةِ العِرَاقِ ولُغَةِ العَرَبِ، ولَيْسَ فِي مَكْتَبِهِ إلاّ القَلِيلَ مِنْ تَسْجِيلاتٍ إبْتِزَازيَّةٍ، ولَيْسَ فِي قَلْبِهِ إلاّ الكَثِيرَ مِنَ الأَحْقادِ. والصَّيَادِي أَيْقُونَةُ الإِنْحِطَاطِ الأَخْلاقِي والإِجْتِمَاعِيِّ والعِلْمِيِّ فِي أَسَاسِهِ البَشَرِيِّ. والزَّيْدِي والفَسَادُ وشِرَاءُ العِبَادِ. وزيبارِي والجُّبُورِي والسُّودَانِي والبَيْعُ والشِّرَاءُ وإهْدَاءُ المَنَاصِبِ لِهذَا وذَاكَ مِنَ الأَوْغَادِ. والأَعْرَجِي والمَشْهَدَانِي والبَيَاتِي والجَّابِرِي والعَانِي والعَقِيلي والسَّعْدُون والعُبَيْدِي والهِيتِي والوِنْدَاوِي والنَّجَفِي ومُطْلَكُ والعِيسَاوِي والحَلْبُوسِي والعقَابِي والبَغْدَادِي والبَرزَنجِي وحَمُّودِي والشِّيخُ عَلِي، وهَلُمَّ جَرَّا... ومَشَارِيعُ "الفَنْكُوشِ" والصّفَقَاتُ الوَهْمِيَّةُ. والدَّبَّاغُ والشِيبانِي والحَمَدَانِي والنَّاصِرِيُّ والسَّرِقاتُ. والعَبُودِي الذي أَقِسَمَ فِي "التَّسْرِيبَاتِ" أَنْ "يَنْسُخَ" تَعْلِيمَ إيرَانَ فِي مَدَارِسِ العِرَاقِ والجَّامِعَاتِ -- بِكُلِّ طَائِفِيَّتِهِ وأَحْقَادِهِ، واليَوْم، حَوِّلَ تَعْلِيمَ العِرَاقِ المَعْهُودِ إلى رَمَادٍ وفُتَاتٍ. والمُوسَوِيّ والرَّغْبَةُ فِي الإنْتِقامِ مِنَ أصْحابِ الشَّهاداتِ -- لِعُقْدَةٍ فِي نَفْسِهِ بِحِرْمانِهِ مِنْهَا حّتّى الإبْتِدائِيَّاتِ. والرُّبَيْعي أرَادَ قَتْلَ العِراقِيّينَ وعُرِفَ عَنْهُ الإضْطِرابُ النَّفْسِيُّ وغَرَابَةُ العَادَاتِ. ثُمَّ نَأتِيَ إلى مُهَنْدِسِ إحْتِلالِ بَغْدَادَ وتَدْمِيرِهَا - هُولاكُو العَصْرِ الحَدِيثِ - الجَّلَبِي "الدُكتُورِ صَاحِبُ الشَهَادَاتِ بِعَلامَاتِ إسْتِفْهَامِهَا" وتَزْوِيرُ الحَقَائِقِ والوَثَائِقِ والتَّسْرِيبَاتِ، بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ ثُمَّ إِشْتَرَى ثُمَّ تَاجَرَ ثُمَّ بَاعَ العِرَاقَ لِلمُخَابَرَاتِ الأَمرِيكيَّةِ بِالمُسْتَنَدَاتِ، وسَرَقَ مَصَارِفَ بَغْدَادَ والبَنْكَ المَرْكَزِيَّ، ولَمْ يَكْتَفِي، فَسَرَقَ الآثَارَ والمُقْتَنَيَاتِ. لِنَصِلَ بِقِطارِ الخِيَانَةِ إلى العامِرِيُّ، زَعِيمِ ميلشياتِ بَدْر مِنَ الأُمِّييّنَ والمُجْرِمينَ والجُهَلاءِ والعُمَلاءِ، ومَعَهَا عِصَاباتِ الثَّمانينيّاتِ، عَذَّبَ الأسْرى العِراقِيّينَ فِي إيرانَ ثُمَّ أصْبَحَ وَزيرَ نَقْلٍ لِيَنْقُلَ السِّلاحَ والمُخَدَّراتِ، فَيَقْتُلَ الشَّبابَ ويُخَدِّرَ. ويَأتِيَ دَوْرُ قَنْبَر، فِي بَيْعِ الوَثَائِقِ والأسْرارِ والأفْلامِ والشِّراءِ، والتِّجَارَةِ بِالدِّمَاءِ، لإبْتِزازِ الوِزَرَاءِ والنِّسَاءِ. والسِّيستَانِيُّ والفَيَّاضُ والفَتَاوَى والمِيلشياتُ والقَتْلِ. والحَكِيمُ وعِمامَةُ الجَّهْلِ -- وهُوَ أَشْبَهُ بِالوَزِيرِ اللُبْنَانِي جُبْرَان بَاسِيل الرَّاقِصِ عَلى الحِبَالِ السِّيَاسِيَّةِ، وشِعَارُهُمَا "مَن يَتَزَوَّجَ أُمِّي يَكُونَ عَمِّي... ويِدَلَّل!" وبَاسِيلُ هَذا يُذَكِّرُنِي بالسِيركِ الشَّعْبِيِّ وخَاصَّةً "أبُو الثَّلاثِ وَرَقَاتٍ" وقَدْ نَعَتَهُ أحَدُ وِزَرَاءِ أُوروبّا بَعْدَ لِقَاءِهِ بِقَرَقُوزِ حِزْبِ اللهِ والعِمَامَاتِ. وأُكْمِلُ فِي "النَّماذِجِ" البَشَريَّةِ التي حَكَمَتْ أَرْضَ الحَضَارَاتِ -- والصَّدرُ والنِّفَاقُ والرِّيَاءُ يُنَادِي صَارِخَاً أَنَا الدَّاءُ وأَنَا الدَّوَاءُ، لَهُ ميلشيَاتٌ وجَيْشٌ مَهْدِيٌّ طَائِفِيٌّ وسَرَايَا وعِصَابَاتٌ حُلَّ مِنْهَا عَلَنَاً وبَقِيَ مَا بَقِيَ فِي الخَفَاءِ -- والخَزْعَلِيُّ والقَتْلُ فِي الَّليْلِ والنَّهَارِ وعِصَابَاتُهُ وعَصَائِبُهُ تَبُثُّ السُّمَّ كالثَعَابِينِ العَمْيَاءِ -- والمَوْتُ يَنْتَظِرُ ومِنَ البُيُوتِ يَتِمُّ الخَطْفُ والإخْفَاءُ -- والسّهيلُ والرَّيِّسُ وجَهْلُ السُّفَراءِ -- والسِّياسَةُ الخارِجيَّةُ والغَباءُ -- ونصيّف المَحْسُوبَةُ ظُلْمَاً وخَطَأً وسَهْواً عَلى مَعْشَرِ النِّسَاءِ، التي إنْ نَظَرْتَ إليْها أصَابَكَ العُقْمُ وغابَتْ عَنْكَ شَهِيّةُ الطَّعامِ والمَاءِ والنِّساءِ -- وُجُوهٌ وأَسْمَاءٌ وأَلْقَابٌ شَوَّهَتْ آذَانَ العِرَاقِيّينَ مِنَ المُثَقَّفِينَ والرُّقَاةِ بَلْ حَتّى مِنَ البُسَطَاءِ  --كُتَلٌ وأَحْزَابٌ وجُيُوشٌ ومِيلشيَاتٌ بِالمِئَاتِ والآلافِ تَجَاوَزَتْ أَرْقَامُهَا تِعْدَادَ أَهْلِ العِرَاقِ -- عِمَامَةُ النِّفاقِ وعِقالُ الشِّقاقِ وبَدْلَةُ الخُبْثِ وثَوْبُ الأسْقامِ، والسِّلاحُ بِالمَجَّانِ وكاتِمُ الصَّوْتِ والقَتْلُ فِي النّهارِ وَسَطَ الزِّحَامِ، عادِي، تِلْكَ هِيَ الأيَّامُ -- والوَزيرُ "الصّالِحُ" عَدْنان الباجَجِيّ الذي جاءَ مَعَ "الهَمَجِ" والغَوْغَاءِ، فَشَوَّهَ تأريخَهُ ولَوَّثَ السُّمْعَةَ الطَّيِّبَةَ وما عُرِفَ بِهِ وعَنْهُ مِنْ رُقِيٍّ وحِكْمَةٍ وهُدُوءٍ وبِهِ نَفْتَخِرُ - فِي بِلادِ العَرَبِ مِنَ الأحْبَابِ والأشِقَّاءِ - فَهُوَ مَن كَتَبَ الخِطَابَ فِي بِدَايَةِ السّبعينيّاتِ، فأُسِّسَتْ دَوْلَةُ الإمَاراتُ -- وحُدودُ العِراقِ اليَوْم مَفْتوحَةٌ مِن كُلِّ الجِّهاتِ، والحَرَسُ الثّوْرِيُّ وفَيْلَقُ القُدْسِ والعِصَاباتُ، والجِّنُّ والجَّانُ والأفاعِيَ النِّيَامُ، والثَعَابِينُ السَوَامُ، والإنْتِخَاباتُ والرَّشَوَاتُ والعَقَارِبُ السَّامَّاتُ، و "الشرُوك" وهُم اليَوم فَنّانونَ وسَاسَةٌ وضُبَّاطٌ وقُضَاةٌ، ومُحامُونَ ومُهَنْدِسونَ ورُؤسَاءُ جامِعاتٍ، وبَرلَمانيّونَ وصَحفيّونَ وإعْلامِيّونَ ونُجومُ  تِلْفازٍ وعُرُوضٍ وبَرامِجٍ ومُسَلْسَلاتٍ، بَلْ مُديرُو شَبَكاتِ إعْلامٍ وفَضائِيَّاتٍ! والنَّاسُ تَحْزَنُ وتَضْحَكُ عَلَيْنَا مِنَّا، مِنْ هَذا المُسْتَوَى مِنَ الهَمَجِ والغَوْغَاءِ، والأقْدارُ والقَدَرُ، والزَّمانُ إنْ سَخِرَ بالبِلادِ، ولا يَزَالُ بالعِبَادِ يَسْخَرَ. فالمَالِكِي يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي أنْفِهِ أمامَ النّاسِ والكامِيرا، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا. والجَّعْفَرِي "يُونس شَلَبي العِرَاقِ، مَعَ الإعْتِذارِ لِرُوحِ الفَنّانِ المَحْبُوبِ" يَتَحَدّثُ عَشْرَ سَاعاتٍ دُونَ أنْ يَقولَ شَيْئَاً مَا، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا. والعبادِي يُحَاوِلُ "جاهِدَاً" ولِسَاعَاتٍ أنْ يَربِطَ ويُمْسِكَ بَنْطَلُونَهُ أمَامَ النّاسِ والكامِيرا لِيَمْنَعَهُ مِنَ "الإِنْزِلاقِ" دُونَ جَدْوَى، فَيَضحَكُ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا. والفَتْلاوي تُنافِسُ عَلِي بابا فِي سَرِقاتِهِ! وإبْنَةُ نصيّف "تُوَلْوِلُ" وتَصْرُخُ وتَعْرِضُ بَضائِعَ البَرلَمانِ ولَيَاليهِ وهَمَسَاتِهِ، وتُخْطِئُ حَتّى فِي كِتابَةِ إسْمِهَا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهَا وعلَيْنا!! أَيًعْقَلُ أَن يَحْكُمَ "هَؤُلاءُ" أَرْضَاً هِيَ الاَقْدَمُ والأَرْقَى لِمَنْ سَكَنَ الأَرْضَ ومَنْ فِيهَا ومَا عَلَيْهَا؟! يَحْكُمُونَ أَوَّلَ مَنْ حَرَثَ الأَرْضَ وأَسَّسَ للبَشَريَّةِ نُظُمَ الزِّرَاعَةِ والرَّيّ والإرْوَاءِ والمَسَاحَاتِ -- أَوَّلَ مَنْ حَلَّلَ الأَرْقَامَ وحِسَابَاتِ المُثَلَّثَاتِ، والرِيَاضِيَّاتِ وحِسَابَاتِ الأَيَّامِ والأَوْقَاتِ والسَّاعَاتِ، والتَوْقِيتَ والفَلَكَ والفُصُولَ -- أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ للكِتَابَةِ إِسْمَاً وأُسَسَاً وعَلامَاتٍ وأُصُولٍ -- أَوَّلَ مَنْ أَسَّسَ شَرِيعَةً إجْتِمَاعِيَّةً وأَخْلاقِيَّةً لِتَأْسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ مَدَنيَّةٍ لِذَوِي العُقُولِ، تَعِيشُ بِسَلامٍ ورُقِيٍّ وإحْتِرَامٍ للقَانُونِ والمُؤَسَّسَاتِ؟! الأَرْضُ الوَحيدَةُ التي وُجِدَتْ فِيهَا وعَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ حَضَارَةٍ فِي حَضَارَاتٍ -- أَرْضٌ إخْتَارَهَا اللهُ لِآدَمَ ونُوحٍ وإِبْرَاهِيمَ أَبِ الأَدْيَانِ -- حَضَارَةُ الحَضَارَاتِ، مَشَارِيعُ الجِّنَانِ، الأُولَى فِي قِدَمِ الوُجُودِ، قَبْلَ الكُتُبِ والعُهُودِ والوُعُودِ... قَبْلَ وَادِي السِّنْدِ ومِصْرَ والمَايَا والصِّينِ والسُّلالاتِ، قَبْلَ قَدِيمِ المَخْطُوطَاتِ! غَوْغَاءُ الأَيَّامِ والجُهَّالُ والجُّهَلاءُ والعُمَلاءُ، يَحْكُمُونَ مُنْذُ سَنَةِ 2003 أَوَّلَ وأَوَّلَ وأَوَّلَ كُلِّ شَيءٍ وبِدَايَاتِ الأَشْيَاءِ!! أَهِيَ الأَقْدَارُ والشَمْسُ والقَمَرُ ولُعْبَةُ الأَرْضِ والدَوَرَانِ، أَم هِيَ الأُمَمُ والعُرُوشُ والزَّمَانُ والأَزْمَانُ؟ أَم كَمَا قَالَتْ الوَزِيرَةُ الشَّقْرَاءُ مُخَاطِبَةً الشَّعْبَ العِرَاقِيَّ "أَنْتَ شَعْبٌ مُنَافِقٌ وجَبَانٌ؟!" أَم هِيَ إيرانُ ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا والمَكَانِ؟ أَم هِيَ جِيرَةُ الإنْسَانِ للإِنْسَانِ؟! أَم، أَم، أَم...؟ إذَنْ، هُوَ عَصْرُ الجَّهْلِ والطَّائِفيَّةِ والخُرَافاتِ، هُمْ "بَعْضُ" المُسْلِمينَ و "بَعْضُ" العَرَبِ، وهُمْ السَّلَفُ والإرْهَابُ ومَنْ جَرَّبَ، وهُمْ "أَكْثَرِيَّةُ" شِيعَةِ الجَّهْلِ والفِتْنَةِ والشِّقَاقِ والنِّفَاقِ -- وأَنَا أُصِرُّ عَلى إِسْتِخْدَامِ كَلِمَاتٍ مِثْلِ "بَعْض ولَيسَ كُلّ أَو أَكْثَرِيَّة ولَيْسَ عُمُوم" كَيْ أَتَجَنَّبَ إِهَانَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقَّ التَّقْلِيلَ مِنَ الشَّأْنِ والكَرَامَةِ والمَقَامِ -- وأُكْمِلُ... وهِيَ مَواكِبُ الدّموعِ واللَّطْمِ والخِيَامِ والأتْرابِ والأوْحَالِ، والرَّكْضُ والصُّرَاخُ والدِّمَاءُ والمَجامِيعُ والزَّناجيلُ، والسِّيوفُ والطُّبُولُ والأطْبالُ، وزِحَامٌ وجِنْسِيَّاتٌ وبَشَرٌ وألْوانٌ وأشْكالٌ، والهَوَاءُ المُلَوَّثُ والرَّوَائِحُ والأزْبالُ، والنِّفَاياتُ والأمْراضُ والعَدْوَى والأَسْقَامُ! ومَرَّتْ الأَيَّامُ والأَسَابِيعُ الشُّهُورُ، ورَفَضَ صَدّام حسين وأَوْلادُهُ الإِثْنَانِ الإسْتِسْلامَ أَو الهُرُوبَ ومُغَادَرَةَ العِرَاقِ، لكِنَّ العُيُونَ هُنَا وهُنَاكَ والفَوْضَى وضَعْفَ النُّفُوسِ والخَوْفَ مِنَ المَجْهُولِ عَوَامِلٌ سَيْطَرَتْ عَلى القَرِيبِ والبَعِيدِ وأَهْلِ العِرَاقِ، فَقُتِلَ أَوْلادُ صَدّام حسين "عُدَي وحَارِسُهُ وقُصَي وإبْنُهُ مُصْطَفَى" فِي غَارَةٍ أَمْرِيكيَّةٍ ومَعْرَكَةٍ عَنِيفَةٍ ومُعَقَّدَةٍ إسْتَمَرَّتْ لِسَاعاتٍ وكانَ ذَلِكَ فِي تَمُّوزَ يُوليُو 2003. وبَعْدَهَا، تَحْدِيدَاً فِي كانُون الأَوَّلِ دِيسَمْبَر 2003 قُبِضَ عَلى صَدّام حسين فِي بَيْتٍ رِيفِيٍّ صَغِيرٍ. وقَرَّرَ عُمَلاءُ إيرانَ فِي بَغْدَادَ صِنَاعَةَ نَصْرٍ إيرانِيٍّ وَهْمِيٍّ وإهَانَةَ العِرَاقِ والعَرَبَ بِقَوْلِهِم إنَّ صَدّامَ كانَ يَخْتَبِئَ فِي حُفْرِةٍ تَحْتَ الأَرْضِ، وهِيَ أَكاذِيبٌ عَبَثِيَّةٌ إذْ أنَّ الشُّهُودَ والسُّكَّانَ ومَعَهُم جُنُودَ الجَّيْشِ الأَمرِيكيِّ كانُو هُنَاكَ، وكانَ صَدّام فِي غُرْفَةٍ صَغِيرَةٍ وهُوَ مَلْجَأٌ أَرْضِيٌّ يُحْتَمَى بِهِ فِي أَوْقَاتِ الحَرْبِ والفَوْضَى. وبَعْدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ مِنَ الغَزْوِ والإنْهِيارِ ومُحاكَمَاتٍ عَبَثِيَّةٍ وإنْتِقاميَّةٍ وفَوْضَوِيَّةٍ، وإخْتِيَارِ "قُضَاةٍ" بِنَزْعَةٍ إنْتِقَامِيَّةٍ مِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ العَرَبِيَّةَ بِصُعُوبَةٍ ومِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ أَو يُحَاوِلَ التَّحَدُّثَ بِالفُصْحَى بِأَخْطَاءٍ وأَغْلاطٍ بِدَائِيَّةٍ فَيَكُونَ مَحَطَّ إسْتِهْزَاءِ القَرِيبِ والبَعِيدِ -- وبَعْدَ إهانَةِ وادِي الرّافِدَيْنِ وإذْلالِ العِرَاقِ والعِراقِيّينَ -- أُعْدِمَ الرَّئِيسُ صَدّام حسين! أُعْدِمَ فِي يَوْمٍ تَمَّ إخْتِيارُهُ "طائِفيَّاً" بِعِنَايَةٍ مِنْ خامَنئِيّ والحَرَسِ الثَوْرِيِّ الإيرَانِيِّ. وتَمَّ الإعْدامُ بِتَوْقِيعِ خادِمِ إيرانَ "المُفَضَّلِ" المالِكِيّ إذْ كانَ جُنْدِيَّاً "مُطِيعَاً" فِي الجَيْشِ الإيرَانِيِّ فِي الثّمانينيَّاتِ ثُمَّ لاحِقَاً مَسْؤولاً "أَمْنِيَّاً" عَنْ قَتْلِ البَعْثِيّينَ والمَسْؤولينَ والفَنّانينَ ومَنْ "بِإعْتِقادِهِ" أَحَبَّ صَدّام حسين! وكانَ الإعْدَامُ بِحُضُورِ الصَّدِر الزَّعيمِ الأُمِّيِّ، وأَحَدِ أبْناءِ شُيُوخِ الكُوَيتِ الذي أَصَرَّ "بِعِلاقَاتِهِ وأَمْوَالِهِ" عَلى أَنْ يَشْهَدَ حَفْلَةَ الإنْتِقامِ الوَحْشِيِّ. وبَدَءَ الأَمْرُ وكانَتْ رَقْصَةُ الشَّيْطانِ البَرْبَرِيِّ، بِحُضُورِ ضَابِطٍ أمريكِيٍّ، ومَجْمُوعَةٍ مِنَ حُثالَةِ النَّاسِ مِنْ إيرانَ والشَّرْقِ العَرَبِيِّ. وغَابَ عَن المَشْهَدِيَّةِ "القَلِيلُ" مِنَ الرُّقَاةِ الذينَ رَفَضُو هَذا العَارَ العَرَبِيِّ. ورَفَضَ المالِكيُّ أنْ يَتِمَّ إكْمالُ التَّصْويرِ بَعْدَ أنْ فاجَأَ صَدّامُ حسينَ الجَّمِيعَ إذْ وَقَفَ شُجَاعَاً مُتَمَاسِكَاً بَيْنَمَا القَتَلَةُ يَرْتَجِفُونَ! وحَدَثَ مَا حَدَثَ وأُكْمِلَ التَّصْويرُ بأَمْرِ الضّابِطِ الأمريكِيِّ، فَلا تُوجَدُ جَريمَةٌ كامِلَةٌ بَلْ هُوَ الغَبَاءُ والحِقْدُ الأعْمَى وهِيَ الأَيَّامُ، والخَفافِيشُ إنْ رَقَصَتْ كانَ رَقْصُهَا سِرَّاً فِي الظَّلامِ والنَّاسُ نِيَامٌ، لكِنَّهَا تَخَافُ أَنْ تَرْقُصَ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ الشُّرُوقِ، وهَكذا، تَمَّ إعْدَامُ الرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ صَدّام حسين، وأُنْجِزَ الأَمْرُ قَبْلَ الشُّرُوقِ وبَعْدَ الشُّرُوقِ، فَهُزِمَ الشّانِقُ وأنْتَصَرَ المَشْنُوقُ! وأُعْدِمَ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهُوَ بالنِسْبَةِ للعِراقِ وكَثيرٍ مِنَ العَرَبِ والغَرْبِ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهَذِهِ مَعْلُومَةٌ ولَيْسَ تَحْلِيلٌ أو تَفْسِيرٌ عَقْلِيٌّ. وأقُولُ "شَرْعِيٌّ" وأَنَا لَسْتُ بِحِزْبِيٌّ أو بَعْثِيٌّ، ولا مِنْ مُنَاصِرِيهِ، ولا أَنَا مُحِبٌّ أَزَلِيٌّ "فأنَا مِنْ مُنْتَقِدِيهِ خاصَةً بَعْدَ خَطِيئَةِ إحْتِلالِ الكُوَيتِ" ولَيْسَ لِي عِلاقَةٌ بالأحْزابِ أو بِهَذا وذاكَ، ولا أُحِبُّ الأحْزَابَ أَو أعْتَرِفُ بِالمُنَافِقِينَ مِنْهَا، لا أَنَا ولا جَدِّي -- وجَدِّي مَلَكِيٌّ دُسْتُورِيٌّ أَحَبَّ الرَّخَاءَ والسَّلامَ والإِسْتِقْرارَ السِّياسِيَّ والإجْتِمَاعِيَّ. وأُؤْمِنُ أَنَّ تَعْرِيفَ الدِّيمُقرَاطيَّةَ، وهَذا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ، هُوَ فِي ثَلاثٍ: الأَمَانُ والسِّيَادَةُ والإزْدِهَارُ، وهَذا يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ العَائِلَةِ أَو المَلَكِيَّةِ الدُّسْتُورِيَّةِ أَو الحِزْبِ الوَاحِدِ أَو القَلِيلِ والمَعْدُودِ مِنَ الأَحْزَابِ الوَطَنِيَّةِ مِنْ ذَوِي العِلْمِ والأَصْلِ والثَّقَافَةِ دُونَ الجُهَلاءِ والعُمَلاءِ والدُّخَلاءِ -- وأَنَا عاشِقٌ للمَلَكِيَّةِ كَجَدِّيولا أُحِبُّ الأحْزَابَ لأنَّهَا، فِي رَأْيِي، مَشَارِيعُ نِفَاقٍ ودَمَارٍ "بَطِيءٍ" وخَرَابٍ ولا عِلاقَةَ لَهَا بالتَّعَدُّديَّةِ والدِّيمُقراطِيَّةِ، بَلْ هِيَ وَسِيلَةٌ "قَانُونِيَّةٌ" لِقَتْلِ العِبَادِ ونَهْبِ البِلادِ، وهِيَ مِنَ الأوْهَامِ السّياسِيَّةِ -- وهَكذا، أقُولُ هُوَ رَئيسٌ شَرْعِيٌّ لأنِّي أعْشَقُ الحَقِيقَةَ المُجَرَّدَةَ أَو عَلى الأقَلِّ الحَقيقَةَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِي المُتَوَاضِعَةِ. ثُمَّ أنِّي كَباحِثٍ فِي عِلْمِ الإجْتِمَاعِ والسِياسَةِ والتأريخِ أتَحَدَّثُ تَحْتَ مِجْهَرٍ تأريخِيٍّ، وهُو إخْتِصَاصٌ لِي، وأكْتُبُ كلِماتِي بِقَلَمٍ واقِعِيٍّ براغماتِيٍّ، فَقَد أُطِيحَ بِحُكْمِ صَدّام حسين بِغَزْوٍ إيرانِيٍّ أمريكِيٍّ. وكُلُّ مَنْ حَكَمَ العِراقَ بَعْدَهُ وإلى يَوْمِنَا ومَنْ "عُيِّنَ" يَحْكُمُونَ تَحْتَ الإحْتِلالِ "أوَّلاً" الأمريكِيِّ، ثُمَّ "لاحِقَاً" بَعْدَ نِهَايَتِهِ، وإلى اليَوْمِ، الإيرانِيِّ. ورَئيسُ "الدَّوْلَةِ" مُنْذُ سَنَةِ 2003 وإنْهِيارِ العِرَاقِ هُوَ مُوَظَّفُ تَشْرِيفاتٍ ولا عِلاقَةَ لَهُ بِأُمُورِ الحُكْمِ! ورَئيسُ الوِزَراءِ لا يَجْرُؤَ أو يَتَجَرَّأَ عَلى حَكِّ رأسِهِ أَو دُخُولِ الحَمَّامِ دُونَ إذْنِ طَهْرانَ وقُمّ!! وهَكذا، أُعْدِمَ وقُتِلَ الرَّئِيسُ الشَّرْعِيُّ، وأُكْمِلُ مَا كانَ وجَرَى، واللَّيْلُ مَعَ "الإسْرَاءِ" إذَا سَرَى...، وأَقَامَ رَئِيسُ الوِزَارَةِ وهُوَ "بِحُكْمِ القَدَرِ والأَقْدَارِ" رَئِيسُ الوِزَرَاءِ فِي تِلْكَ اللَيْلَةِ حَفْلاً رَقَصَ وسَكِرَ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ العُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والشُّعَرَاءِ مِنَ المُنافِقينَ والرَّاقِصينَ عَلى كُلِّ الأَحْبَالِ وهُمْ يَدَ "الزَّعِيمِ" وقَلَمَهُ الذي وَقَّعَ بِهِ الإِعْدامَ يُقَبِّلونَ. وهُمْ أنْفُسُهُم اليَوْمَ لَهُ يَشْتِمُونَ، وأَسْلافَهُ يَلْعَنُونَ!! لا تَتَعَجَّبْ! فَلا زِلْنَا فِي أَرْضِ النِّفَاقِ، وهُوَ النِّفَاقُ، يَا هِنْدُ، هُوَ النِّفَاقُ! ودُعِيَ إِلى الحَفْلِ ضُبَّاطٌ مِنْ مُخابَراتِ الأَمريكانِ والبِريطانِيّينَ والأَلْمَانِ، والكَثِيرُ مِنَ الجَّميلاتِ الحِسَانِ. وتَطَايَرَ "الغُبَارُ" والوِيسكِي والنَّبيذُ مِنْ فَسَاتِينِ الرّاقِصاتِ، وتَطَايَرَتْ مَعَهَا المَلابِسُ الدَّاخِليَّةُ لِوَزِيرِ الدَّاخِليَّةِ "إنْ وُجِدَ أَو تَبَقَّى شَيءٌ مِنْهَا" لِتَرْقُصَ العَذَارَى والعَذْراواتُ، والزَّوْجَاتُ والبَاقِياتُ الصَّالِحَاتُ... وقُبَلٌ وآهَاتٌ ولَقَطَاتٌ فَاقَتْ فِي "حَلاوَتِهَا" أَفْلامَ ميرفَت أَمِين وسُهير رَمزِي ونَجْلاء فَتْحِي وجَمَالَ السّبعِينيَّاتِ! ونَامَ مَنْ نَامَ، وصَوَّرَ مَنْ صَوَّرَ، وضَرَبَ مَنْ ضَرَبَ، ورَقَصَ مَنْ رَقَصَ، وسَكِرَ مَنْ سَكِرَ... وسَكِرَ أحَدُهُم وأَكْثَرَ فِي السُّكْرِ، فَقَفَزَ عَلى صَاحِبِهِ وقَبَّلَهُ بِالخَطأِ ويَدُهُ عَلى "رَأْسِهِ" وإِعْتَذَرَ، لِيَرُدَّ الصَّديقُ الصَّدُوقُ قَائِلاً "حَبِيبِي، ولا يهِمَّك!!" وهَكذا "بَقِتْ مَلْيَطَة... وكُومِيديا مِلْحُ وسُكَّر!" وتَشَابَكَتِ الأَصَابِعُ والشِّفاهُ والشَّفَهَاتُ، وإخْتَفَتِ "بِقُدْرَةِ قادِرٍ" الفَسَاتِينُ والكَلْسُوناتُ والتَنُّوراتُ، وإِرْتَفَعَ الصُّرَاخُ وإِزْدادَتِ الآهَاتُ، وإِخْتَفَتْ مَعَهَا السَّرَاويلُ، وإِرْتَفَعَتْ المَوَاوِيلُ، لكِنَّهَا الأَعْمارُ والأقْدَارُ، يَا هِنْدُ، و"ماكُو حِيل..." وعَلى اللهِ قَصْدُ السَّبيلِ. وفَجْأَةً ظَهَرَتْ وتَطَايَرَتْ الفِياجرَا والسيلدينافيل، فَصَفَّقَ الجَّمِيعُ فَرَحاً بالنَّجَاةِ، ورَحِمَ اللهُ نَجَاة، إذْ قالَتْهَا آخِرَ الليْلِ وَغَنَّتْ وقْتَ السَّحَرِ، أَنَا بَعْشَقِ البَحْرِ! وصَاحَ الدِّيكُ صَيْحَةَ الفَجْرِ، هَلُمَّ يَا رَجُل، إِفْرَحْ، إِرْفَعْ "رأسَكَ" فَلَقَد حَضَرَتْ الفِياجرَا! ورَقَصَ الجَّمِيعُ، ورَدَحَ الكُلُّ فَرَحاً بِالرَّبيعِ، وشَكَرُو المَوْلَى لِنِعْمَةِ "السِّقايَةِ" والمَطَرِ. وتَحَوَّلَ الرَّجُلُ مِنْ "حبُّوب وكيُوت وبَرَكَة" إِلى وَحْشٍ كاسِرٍ وكُلُّهُ حَرَكَةٌ، وصَرَخَ وَلِيُّ الأَمْرِ "واقِفَاً" عَلى الفِراشِ "أَنَا رُشدي أَبَاظة أَنَا فَريد شَوقِي أَنَا الشِّرِّيرُ غَسّان مَطَر..." وهَلَّلَتِ البَنَاتُ البِكْرُ، والنِّسَاءُ بِالأَحْمَرِ والتِّرْتِرِ، وجَاءَ الفَرَجُ فِي حَبَّةٍ أَو حَبَّتَيْنِ أَو ثَلاثِ حَبَّاتٍ. يارَبُّ، يا مُسَهِّلُ، فَهُوَ الشَّيْبُ وهُوَ السِّنُّ وهِيَ الأَعْمارُ، واللهُ حَليمٌ سَتَّارٌ! بَعْدَهَا، زَادَ الحَمَاسُ واللهُ المُسْتَعَانُ، وفِي غَفْلةٍ وغِرَّةٍ خُلِعَتِ القُمْصَانُ، ومَرَّةً أُخْرَى إخْتَفَى الفُسْتَانُ، والشَّقْراءُ مِنْ غُرْفَةٍ لِأُخْرَى تَمْشِي والقَدَحُ مُلآنٌ، وتُغَنِّي والفَمُ مُلآنٌ "طالعَة مِنْ بِيت أَبُوها رايحَة لبِيتِ الجِّيرانِ،" وظَهَرَ الحَريرُ الأَسْوَدُ والأَبْيَضُ ومَعَهَا البِيجامَاتُ، وكانَتْ مِنْ قِطْعَةٍ أَو قِطْعَتَيْنِ أَو "حَسَبِ الطَّلَبِ" مِنْ ثَلاثِ قِطْعَاتٍ، مِنْهَا بِزَهْرَتَيْنِ ومِنْهَا بِثَلاثِ وَرْداتٍ. رَنَا وسُعَادُ وريمَا ورَشَا ومَايا ولارا وسَمَرُ. وغُيِّرَ عَلَمُ العِراقِ وأُزيلَتْ عِبَارَةُ اللهُ أَكْبَرُ، وتَمَّ إسْتِبْدالُهَا بِيَدِ الوَزِيرِ "إِنْتَ عُمْرِي!" وكُتِبَتْ بِالأَحْمَرِ. وأَصْبَحَ شِعَارُ الدَّوْلَةِ "تَعَا... ولَيْسَ تَعَال... يَا رُوحِي إنْتَ... يَا أَزْعَرُ،" وذَابَتِ القُلُوبُ والأَبْدانُ وذَابَ البَشَرُ. ثُمَّ تَعِبَ الجَّميعُ بَعْدَ لَيْلَةِ ال +18 هَذِهِ ونَامُو فِي الغُرَفِ والصَّالاتِ كمَا يَنَامُ النَّبَاتُ. والحِمَايَةُ "الله يِحْمِيهُم" مَعَ القَنَانِي فِي السَيَّاراتِ... والثَّعْلَبُ "الشَقِيُّ" فَاتَ، وفَاتَ وفَاتَ وفَاتَ...، ونَفْسُ الثَّعْلَبِ بَعْدَ أَنْ كانَ "واقِفَاً" كالأَسَدِ خَرَجَ وسَقَطَ أَرْضَاً وتَعِبَ... والثَّعْلَبُ "النَّعْسَانُ" أَصَابَهُ النُّعَاسُ والتَّعَبُ ونَامَ ومَاتَ، ومَاتَ ومَاتَ ومَاتَ...، وإِسْتَمْتَعَتْ العَصَافيرُ بِفِلْمِ الوَزِيرِ، الذي وُزِّعَتْ مِنْهُ نُسَخٌ ومِنَ النُّسَخِ كَثِيرٌ، فِي بِلادٍ كَثيرَةٍ وقارَّاتٍ بِأَمْرِ الأَمريكِيِّ المُدِيرِ، وفِي بَيْتِ المُدِيرِ بِيرٌ وزِيرٌ، وكانَتْ أَحْلامُ العَصَافِيرِ، وتُصْبِحُونَ عَلى خَيْرٍ! وظَنَّ أُولَئِكَ أنَّ الأمْرَ قَدِ إنْتَهَى وَبَانَ، ولَمْ يُدْرِكُو أنَّ بَعْدَ عِشْرينَ سَنَةٍ مِنْ لَيْلَةِ الإعْدامِ والرَّقْصِ بالحِبَالِ عَلى الجُّثَثِ أنَّهُ قَدْ يَأتِيَ الحِينُ ويَدُورَ الزَّمَانُ، وتَنْقَلِبَ الأُمُورُ عَلى رُؤوسِهِم كَمَا عَلَّمنَا التأريخُ وقالَتْ لَنَا الأزْمَانُ، لكِنَّهُ الإنْسانُ ونِعْمَةُ أو "نِقْمَةُ" النِّسْيانِ!! وأعودُ إلى عِراقِ هَذِهِ الأيَّامِ أو ما تَبَقَّى مِنْهُ ومَا يَحْدُثَ فِيهِ والمُجْتَمَعَاتِ وأشْكالِ الحَيَاةِ... وبَعْدَ تَدْقيقٍ ومَسْحٍ وإطِّلاعٍ عَلى "الكَثيرِ، ولَيْسَ الكُلّ" مِنْ المَدَارِسِ فِي عِراقِ ما بَعْدَ 2003 وَجَدْتُ أُمورَاً لَمْ أتَخَيَّلَ أنّهَا سَتَكونَ حَقائِقَ فِي أرْضٍ وحَضَارَةٍ عَلَّمَتْ أهْلَ الأرْضِ الكِتابَةَ والفَلَكَ وحِسَابَ الوَقْتِ والزَّمَانِ والعُلُومَ والحِكْمَةَ والأُصُولَ!! فَوَجَدْتُ أطْفالَ المَدَارِسِ اليَوْمِ لا يَتَعَلَّمُونَ العُلُومَ والفَضَاءَ والآثَارَ والطَّبيعَةَ والمُوسيقَى والتأريخَ وجَمَالَ الأدْيانِ والثَّقافاتِ والتَنَوُّعَ والتَّعايُشَ والإنْسِجامَ والتَّعَلُّمَ مِنَ الشُّعُوبِ والفُنُونَ الشَّعْبِيَّةُ، ولا العاداتِ الصِحّيَّةَ والأنْشِطَةَ الرِياضِيَّةَ، بَل يَتَعَلّمُونَ دُعاءَ الشّيعَةِ فِي الصَّبَاحِ الباكِرِ وإنْتِظارِ المَهْدِيِّ فِي المَدارِسِ والصُّفوفِ اليَوْميّةِ!! ولا إحْتِرامَ ولا خَوْفَ ولا وَقَارَ ولا تَرْبِيَةَ، وقِيمَةُ المُعَلِّمِ أصْبَحَتْ صِفْرِيَّةٌ! وهُنَا دَائِمَاً أَقُولُ... جِيلٌ بِلا تَعْلِيمٍ أَشْبَهُ بِخَليَّةِ جَهْلٍ قائِمَةٍ أَو خَلِيَّةِ إِرْهَابٍ نَائِمَةٍ. وهَكذَا، هِيَ ظُلْمَةُ العُقولِ والظُّلُمَاتُ الفارِسيَّةُ، لا تَعْليمَ لا كَرامَةَ لا وَظائِفَ لا ماءَ لا طاقَةَ لا زِراعَةَ لا صِناعَةَ لا فَرَحَ لا أمَانَ إلاّ بِشُروطٍ إِيرانيَّةٍ! ومَنْ سَاعَدُو الغَرْبَ فِي إحْتِلالِ العِراقِ وتَدْميرِهِ وحَرْقِ الكَنائِسِ والمَساجِدِ والمَعابِدِ والبُيُوتِ وقَتْلِ العِراقِيّينَ يَظْهَرُونَ على الشّاشاتِ الإيرانِيَّةِ "العِراقِيَّةِ" وهُمْ يَحْكُونَ ويَفْتَخِرونَ بأنَّهُم ساعَدُو المَعْتُوهَيْنِ بُوش وبلير فِي إحْتِلالِ العِراقِ! وهُنا، كَيْ يُفْهَمَ الأمْرُ، خَطَرَ عَلى بالِيَ لِأقولُ... نَحْنُ نَعْلَمَ، أو بالنِّسْبَةِ لِي، أنّ الإجْرامَ والجَّريمَةَ والغَدْرَ مَعَ الخَلْقِ والإنْسانِ قَدْ بَدَأَ وخُلِقَ، فأولادُ آدَمَ كانَ فيهِم الخَيْرُ والشَّرُّ، وكانَ فِيهِم الصّالِحُ يَرْعَى الخِرافَ وقَدَّمَ أفْضَلَ خِرافِهِ قُرْباناً للرَّبِّ لأنَّهُ أحَبَّ الرَّبَّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِقَلْبِهِ -- وأخٌ آخَرُ زارِعٌ للأرْضِ والحَرْثِ كانَ فيهِ شَرٌّ وأحَبَّ نَفْسَهُ أكْثَرَ مِنَ الرَّبِّ، وجَمَعَ الشِّرّيرُ الفاسِدَ مِنْ زَرْعِهِ وقَدَّمَهُ قُرْباناً للرَبِّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِعَقْلِهِ لا بالقَلْبِ، ونَسِيَ أنَّ اللهَ رَبٌّ للقُلُوبِ قَبْلَ العُقُولِ، فَتَقَبَّلَ اللهُ قُرْبانَ الصّالِحِ ورَفَضَ نِفاقَ الشِّرّيرِ، فَغَضِبَ الشِّرّيرُ وغارَ وكَرِهَ أخَاهُ وحَقَدَ عَلَيْهِ، والحِقْدُ مِنْ مَقَاماتِ العاطِفَةِ وفُصُولِ شَرِّها، وقَتَلَهُ وحَدَثَ هذا فِي بِداياتِ الخَلْقِ والأيَّامِ بِوُجودِ الرَّبِّ والخالِقِ وحُكْمِهِ...، فَكَيْفَ بأيَّامِنَا ولَمْ تَبْقَى إلاّ الكِتاباتُ والكُتُبُ، والخالِقُ بَعِيدٌ وقَريبٌ؟! وهَلْ يَكُفَّ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ وقَتْلِهِ لِأخيهِ دُونَ رَقيبٍ؟! أنَا أعْتَبِرُ، مَثَلاً، أنَّ هِتْلَر هُوَ مِنْ أشَدِّ الزُّعَماءِ إجْراماً فِي تأريخِنا المُعاصِرِ، فَلَو أجْرَيْتُ مَسْحَاً إجْتِماعِيَّاً وسِياسيَّاً للتأريخِ لَوَجَدْتُ مُجْرِمينَ وقَتَلَةً هُنَا وهُنَاك، وكُلٌّ لَهُ أَسْبابُهُ وأَوْهامُهُ الصَّغيرَةُ والكبيرَةُ، مِثْلَ هُولاكو الذي قَتَلَ أَهْلَ بَغْدادَ وأبْكى دِجْلَةَ وأَحْرَقَ بَغدادَ ومَعَهَا كُتُبَ السَّماءِ والأرْضِ...، إِلى ستالين الذي قَتَلَ وعَذَّبَ المَلايينَ فِي مُعَسْكَرَاتِ سيبِيريَا البَارِدَةِ وأُهْمِلُو ودُفِنُو فِي ثُلُوجِهَا لِتَكُونَ الأُمُّ الطَّبِيعَةُ الحَزِينَةُ والحَنُونُ، كالعَادَةِ، مَقْبَرَةً لِأَوْلادِهَا البَشَرِ الذينَ أَحْزَنُوهَا وأَتْعَبُو قَلْبَهَا...، إلى تشِرشِل الذي عَشِقَ الخَمْرَ والسِّيكَارَ والقَتْلَ كمَا كرِهَ العِرَاقَ وألمانيَا وأيرلندا. فَقَتَلَ عَشَائِرَ العِرَاقِ بالغازِ فِي العِشرينيَّاتِ. وأحْرَقَ مُدُنَ أيرلندا الثَّائِرَةَ وجَوَّعَ وقَتَلَ أهْلَهَا، ومَحَى بِحِقْدِهِ وجُنُونِهِ الأَجْيَالَ، فَقَط، لأنَّهُم أرادُو الحُريَّةَ والكرامَةَ والإسْتِقْلالَ. وأَصَرَّ عَلى الإِسْتِمْرَارِ فِي تَدْمِيرِ مُدُنِ أَلمانيَا وقَتْلِ أَو "مُعَاقَبَةِ" سُكَّانِهَا وسَاكِنِيهَا رَغْمَ هَزِيمَةِ الجَّيْشِ الأَلمانِي وإِسْتِسْلامِ الكثِيرِ مِنْ مُدُنِ وقُرَى أَلمانيَا بِشَكْلٍ كامِلٍ أَو شُبْهِ كامِلٍ. لكِنَّ هِتْلَر قَتَلَ المَلايينَ بأجْسادِهِم وأرْواحِهِم وآمالِهِم، فَقَدْ قَتَلَ اليَهُودَ الأَلمانَ والأُوروبِّيينَ مِنَ الأَبْرياءِ والعُلَماءِ والأَطِبَّاءِ، والمُدَرِّسِينَ والمُهَنْدِسينَ وأَرْقى الفَنَّانينَ والمُخْرِجِينَ والمُبْدِعِينَ والرَّسّامينَ والأُدَبَاءِ، وأيْضاً أفْضَلَ عازِفِي المُوسِيقى عَلى الإطْلاقِ، وحَتّى مَنْ كانَ مِنْهُم مِنْ أَصْدِقائِهِ والأَقْرِبَاءِ! وقَتَلَ ذَوِي الإحْتِياجاتِ الخاصَّةِ والمَرْضى والفُقَرَاءَ، وذَوِي الإِضْطِرَابِ الإِجْتِمَاعِيِّ والخَوْفِ المُجْتَمَعِيِّ لِيُحافِظَ عَلى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ مِنْ "شَرِّ" الإِسْرَافِ وضَيَاعِ المَالِ عَلى العِلاجَاتِ و "التَّفَاهَاتِ" والسُّلالاتِ التي لا "جَدْوَى" مِنْهَا وأَيْضَاً لِلحِفَاظِ عَلى الجُذُورِ الأَلْمانِيَّةِ والذُريَّةِ الآرِيَّةِ وسُلالَتِهِ النَقِيَّةِ والحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنَ الإِنْحِرَافِ والتَّشْوِيهِ والتَّغْيِيرِ كمَا قَالَ -- رَغْمَ أنَّهُ مَريضٌ بإِضْطِرابٍ عَقْلِيٍّ ولَهُ سِجِلٌّ مُفَصَّلٌ بِهذَا! وقَتَلَ مُعارِضِيهِ مِنَ المَسِيحيّينَ والمُسْتَقلّينَ والشُيوعيّينَ والمُخالِفينَ مِنَ السِّياسِيِّينَ، وقُتِلَ بِسَبَهِ آلافُ المُسْلِمينَ مِنَ المُقاتِلينَ الذينَ دَفَعَ بِهِم المُنافِقُ أمينُ الحُسَيْنِيّ مُفْتِي القُدْس "وَقُودَاً" لِيُقْتَلُو فِي سَبيلِ تَحْريرِ القُدْسِ!!" ورَغْمَ كُلِّ هذا تَظْهَرُ صُوَرُ هِتْلَر هُنا وهُناكَ فِي صَفَحاتِ التّوَاصُلِ العَرَبيَّةِ فِي أيّامِنَا إحْتِفاءً بِهِتْلَر وحِقْداً عَلى إسْرائيلَ، والسَّبَبُ، كالعادَةِ، هُوَ جَهْلُ العَرَبِ بالسِّيَاسَةِ والأَحْدَاثِ والتَأرِيخِ. ونَسِيَ الكَثِيرُ مِنْ تُجَّارِ السِّيَاسَةِ والدِّينِ فِي بِلادِ العَرَبِ أَنَّ الأَرْضَ كانَتْ وبَقِيَتْ وقُدِّرَ لَهَا أَنْ تَكُونَ كُرَوِيَّةَ الشَّكْلِ دُونَ زَوَايَا، وإِنَّ أَعْدَاءَ الأَمْسِ هُم أَصْدِقَاءُ اليَوْم، وإِنَّ أَصْدِقَاءَ اليَوم قَدْ يَكُونُو أَعْدَاءَ الغَدِ -- وأَنَّ اللهَ يَضَعُ أَسْبَابَاً لِلأَسْبَابِ، ولا يَعْلَمُ الإِنْسَانُ مَنْ يُسَاعِدُ مَنْ، ومَنْ يَتَآمَرُ عَلى مَنْ. مَثَلاً، فِي حَرْبِ 1948 والتي غَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ فُصُولِ التأرِيخِ بَيْنَ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ، وفِي وَقْتٍ كادَ العَرَبُ فِيهِ بِكُلِّ جُيُوشِهِم أَنْ "يُدَمِّرُو" إِسْرَائِيلَ ومُجْتَمَعَاتِهَا الوَلِيدَةِ، حَدَثَ أَمْرٌ أَشْبَهُ بِالمُعْجِزَةِ أَو، كيْ أَبْقَى وَاقِفَاً عَلى أَرْضِ الوَاقِعِ، حَرَكةٌ أَشْبَهُ بِ "كِشْ مَلِك" فِي لُغَةِ ولُعْبَةِ الشِّطْرَنْجِ -- فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" وفِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الحَرْبِ -- أَثْبَتَ قَطْعَاً أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُدْرِكُ مَقَادِيرَ الأُمُورِ وأَقْدَارَ السَّمَاءِ ومَا يَكُونُ، وذَلِكَ عِندمَا أُنْقِذَتْ "إِسْرَائِيلُ" بِطَائِرَاتِ "أَلمانيَا النَّازِيَّةِ" التي قَلَبَتْ مِيزَانَ القُوَى فِي الحَرْبِ وغَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ أَقْدَارِ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ كمُجْتَمَعٍ ودَوْلَةٍ! كيْفَ؟ فِي خِضَمِّ الحَرْبِ والحَيَاةِ والصُّعُوبَاتِ قَامَتْ جُولدا مَائِير -- التِي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا إِحْدَى أَذْكى نِسَاءِ الأَرْضِ فِي مَقَامٍ مَا -- بِجَمْعِ الكثِيرِ مِنْ أَمْوَالِ المُتَعَاطِفِينَ فِي الولايَاتِ المُتَّحَدةِ وأُورُوبّا ومَنَاطِقٍ أُخْرَى. وإِلْتَقَتْ سِرَّاً وعَلَنَاً ولَيْلاً ونَهَاراً "رَغْمَ آلامِهَا ومَرَضِهَا" بِسَادَةِ وأَسْيَادِ الكوَالِيسِ وأَشْبَاحِ السَّفَارَاتِ وتُجَّارِ السِّلاحِ. فَكانَتْ جُهُودُهَا - بِالإِضَافَةِ إِلى قَرَارِ ستالِين المُنْتَصِرِ بِدَعْمِ القَضِيَّةِ الصِّهْيُونِيَّةِ - عَامِلاً غَيَّرَ كُلَّ شَيءٍ فِي التَّأرِيخِ والحَرْبِ والسَّلامِ. وأَمَّا مِصْبَاحُ عَلاءِ الدِّينِ فَكانَ حُصُولُ جُولدا مَائِير عَلى بَعْضِ الصَّفَقَاتِ ومِنْهَا مَخْزُونَاتِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ وطَائِرَاتِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ التي إِسْتَوْلَى عَلَيْهَا المُقَاوِمُونَ والجُّيُوشُ المُنْتَصِرَةُ فِي التشِيك وأُوروبّا الشَّرْقِيَّةِ بَعْدَ هَزِيمَةِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ. وهكذَا، دَارَتْ عَجَلَةُ الزَّمَانِ لِتَكُونَ الطَّائِرَاتُ النَّازِيَّةُ التي قَتَلَتْ مَلايِينَ اليَهُودِ قَبْلَ سَنَوَاتٍ، هِيَ ذَاتُهَا، الطَّائِرَاتُ التي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اليَهُودِ وتَكُونُ سَبَبَاً فِي إِنْقَاذِهِم وإِرْسَاءِ دَعَائِمِ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ! فَهَلْ تَعَلَّمَ العَرَبُ والشَّرْقُ والغَرْبُ الدَّرْسَ -- بِأَنَّ الأَرْضَ كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ والتَّصْمِيمِ والأَقْدَارِ؟ وأَنَّكُم، مَرَّةً أُخْرَى، تَضْحَكونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ؟! لكِنْ رَغْمَ جَرائِمِ هِتْلَر وقَتْلِهِ لِمَلايينِ الأَبرياءِ رَمْيَاً بالرَّصَاصِ أَو التَّجْويعِ أَو الحَرْقِ فِي السُّجونِ ومُعَسْكرَاتِ "العَمَلِ" والإِعْتِقَالِ، إِلاّ أَنَّ كلِمَاتِهِ لِعَشيقَتِهِ الحَسْنَاءِ الحَزينَةِ إِيفا براون التي أَصْبَحَتْ "فراو هِتْلَر" أَو السَّيِّدة هِتْلَر قَبْلَ سَاعَاتٍ مِنْ نِهايَتِها مَعَ هِتْلَر إِنْتِحاراً -- هُوَ بالرَّصَاصِ وهِيَ بِكبْسُولَةِ السُّمِّ ثُمَّ الرَّصَاصِ فِي السَّاعَةِ الثّالِثَةِ والنِّصْفِ ظُهْراً -- ومَا قالَهُ ودُوِّنَ فِي أَرْشِيفِهِ السِّرِّيِّ يَسْتَحِقُّ أَنْ أَقِفَ عِنْدَهُ بِشَيءٍ مِنَ الإِسْقَاطِ والوُضُوحِ، إِذْ قالَ لَهَا، وهُمَا يَتَحَدَّثانِ ويَتَهامَسَانِ بأُمُورِ الحَياةِ وأيَّامِها الأُولَى، والدُّنْيا وغَدْرِهَا، والحُبِّ والخِيانَةِ ومَا جَرَى، ومَاهِيَّةِ الأحْداثِ الأُخْرَى "حَبيبَتِي إِيفا، لَقَدْ عِشْتُ كثيراً حَتّى قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِسِنِين، وأَحْبَبْتُ القَليلَ مِنَ البَشَرِ وكرِهْتُ الكثيرَ مِنْهُم، وأَمَّا مَنْ إِحْتَقَرْتُهُم أَكْثَرَ وأَكْثَرَ فَهُم الذينَ سَاعَدُونِي فِي إِحْتِلالِ أَوْطانِهِم الأُمِّ، وكانُو لِي يُهَللِونَ!" وهكذَا، أَقْسَى المُجْرِمينَ وأَقَلُّهُم رَحْمَةً فِي التأريخِ إِحْتَقَرُو خَوَنَةَ أَوْطانِهِم، وكلِماتِي هذِهِ وإِسْقاطاتِي التأريخيَّةِ لِهَؤُلاءِ الذينَ سَاعَدو أَمريكا وإِيرَانَ عَلى إِحْتِلالِ العِرَاقِ وهُمْ يُهَللِونَ، وقَتْلِ العِراقِيّينَ وإِغْتِصابِ النِّسَاءِ والأَسْرى فِي سُجُونِ أَبو غريب وهُم يَضْحَكُونَ -- وأُولَـٰئِكَ الذينَ سَاعَدو بِريطانيا فِي تَدْميرِ البَصْرَةِ وقَتْلِ أَهالِيها وهُمْ يُغَنّونَ، والتَبَوُّلِ عَلى رُؤوسِ أَسْرَاهَا فِي سُجُونِها وهُمْ يَسْكرُونَ ويَرْقُصُونَ ويُصَوِّرونَ ويَحْتَفِلُونَ. وأَنَا أُجْزِمُ أنَّ الغَرْبَ بِكامِلِ حُكومَاتِهِ وشُعُوبِهِ "أَو جُلَّهُم كَيْ أَبْقَى فِي المُنْتَصَفِ" يَحْتَقِرُ حُكَّامَ العِرَاقِ ومَسْؤولِيهِ الذينَ حَكَمُو بَعْدَ إنْهِيارِ العِرَاقِ مُنْذُ تَدْمِيرِهِ فِي سَنَةِ 2003 وإِلى يَوْمِنَا هَذا، وإِنْ كانَ سِرَّاً أَو فِي كَوَاليسِهِم أَو فِي أَحَادِيثِهِم مَعَ الأَصْدِقاءِ والعَائِلاتِ، وأَنَا شَاهِدٌ عَلى هَذا. لكِنْ لا يَجِبُ عَلى العِراقيِّينَ والعَرَبِ أَو العُقَلاءِ مِنْهُم أَنْ يَنْسَوْ أَنَّ المَلايينَ مِنَ الأَمريكانِ والبِريطانِيِّينَ وأَهْلِ الأَرْضِ كانُو يَجُوبونَ الشَّوارِعَ والأَحْيَاءَ إِحْتِجَاجَاً ورَفْضَاً لِحَرْبِ الخَليجِ "العَرَبِيِّ" وإِحْتِلالِ العِرَاقِ وتَدْميرِهِ مِنْ أَجْلِ النَّفْطِ والثَّرَوَاتِ والأَحْقَادِ الشَّخْصِيَّةِ. وأَنَّ قَرَارَ الحَرْبِ فِي إِحْتِلالِ البَيْتِ الأَبْيَضِ للعِرَاقِ -- كمَا قَرَارَ الحَرْبِ وإِحْتِلالِ العِرَاقِ للكُويَتِ -- لَيْسَ إِلاّ قَرارَ شَخْصٍ وأَشْخاصٍ وأَفْرادٍ ولا عِلاقَةَ للشُّعُوبِ بالأَمْرِ المُخْزِيّ فِي هذَا وذَاكَ. فَقَد رَفَضَ العالَمُ ورَفَضَ شَعْبُ أمريكا الحَرْبَ وإحْتِلالَ العِراقِ وصُدَمَ بِهِ وبِهَا وبِأكاذيبِهَا ونَتَائِجِهَا فِي قَتْلِ وإفْقارِ وتَشْرِيدِ المَلايين مِنَ العِراقِيّينَ، وقَتْلِ الآلافِ مِنَ الأَمْرِيكِيِّين المَخْدُوعِين، وهُوَ إحْتِلالُ البَيْتِ الأبْيَضِ أو فِرَقٍ مِنَ الجَّيْشِ الأمريكيِّ للعِراقِ ولَيْسَ إحْتِلالُ أمريكا للعِراقِ. كَمَا صُدِمَ شَعْبُ العِراقِ صَبَاحاً بالحَرْبِ وإحْتِلالِ الكُوَيتِ، وهُوَ إحْتِلالُ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ أو فِرَقَاً مِنَ الجَّيْشِ العِراقِيِّ للكُوَيتِ ولَيْسَ إحْتِلالُ العِراقِ للكُوَيت. لِهذَا لا يَجِبُ مُحاسَبَةُ الشُّعوبِ، أَو عَلى الأَقَلِّ، لا يَجِبُ كراهيَّتُها أَو إِتِّهامُهَا بأَحْداثٍ تأريخيَّةٍ أَو أَخْطَاءٍ "سِيَاسِيَّةٍ" جَسِيمَةٍ أَو قَرَاراتِ الحَرْبِ والسِّلْمِ فِي بِلادِ الرَّأْيِ الوَاحِدِ، وهِيَ، أَيْ الشُّعوبُ، مَغْلُوبَةٌ عَلى أمْرِهَا. بَلْ أكْثَرُ مِنْ ذَلِك، حَتّى هِتْلَرَ وخِلالَ الحَرْبِ العالَميَّةِ الثَّانيَةِ كانَ لَهُ كارِهُونَ ومُعَارِضُونَ مِنْ وفِي طَبَقَاتِ الشَّعْبِ والجَّيْشِ الألمَانِيِّ الذينَ إِمْتَلأتْ بِهِم السُّجُونُ ومُعَسْكَراتُ الإِعْتِقَالِ وسَاحَاتُ الإعْدَامَاتِ -- مِنْهُم قادَةٌ كِبَارٌ ومِنْهُم مَنْ قاتَلَ وحَارَبَ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الأولَى وإِلْتَزَمَ بِعَقِيدَةِ الجَّيْشِ الأَلْمَانِيِّ ومَا فِيهِ مِنْ أُسُسٍ ومَبَادِئٍ مَعْرُوفَةٍ -- وبَلَغَتْ مُحَاوَلاتُ إغْتِيَالِ هِتْلَرَ وقَتْلِهِ العَشَرَاتِ مَا أُعْلِنَ مِنْهَا ومَا أُهْمِلَ لِأَسْبَابٍ شُعُوبِيَّةٍ وأَمْنِيَّةٍ ودَعَائِيَّةٍ. وأَبْقَى لِزَمَانٍ فِي تأرِيخِ هِتْلَرَ لِأَضَعَ "مَا فِي رَأْسِهِ" تَحْتَ مِجْهَرِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ كيْ نَعْرِفَ "سِرَّ" كَرَاهِيَتِهِ لِليَهُودِ رَغْمَ كُلِّ مَا عُرِفُو بِهِ مِنْ رُقِيٍّ وعِلْمٍ وهُدُوءٍ وسَلامٍ وإِحْتِرَامٍ لِلقَانُونِ والمُجْتَمَعِ وكَوْنِهِم العَمُودِ الفَقَرِيِّ لِإِقْتِصَادِ أَلمانيَا وأُورُوبّا والكَثِيرِ مِنْ بِلادِ الأَرْضِ، إِضَافَةً إِلى قِتَالِ ومَقْتَلِ الآلافِ مِنْهُم مِنْ أَجْلِ أَلمانيَا فِي الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى ومِنْهُم مَنْ كانُو زُمَلاءً لِهِتْلَرَ فِي خِدْمَتِهِ العَسْكَرِيَّةِ عَلى بَعْضِ الجَبَهَاتِ ومِنْهَا الجَبْهَةُ الغَرْبِيَّةِ، ومَقَابِرُهُم فِي أَلمانيَا ومِنْهَا بَرلِين شَاهِدَةٌ عَلى ذَلِكَ. عِندمَا كَتَبَ هِتْلَرُ كِتَابَهُ الشَّهِيرَ "كِفَاحِي" والذي كَتَبَهُ فِي سِجْنِهِ الشَبِيهِ بِالإِقَامَةِ فِي هُوتِيلٍ بِنُجُومٍ مَا والمَلِيءِ بِزُهُورِ المَعْجَبَاتِ بِأَفْكَارِهِ المُتَطَرِّفَةِ فِي وَقْتٍ كانَتْ أَلمانيَا تَعِيشُ فَوضَى وعَشْوَائِيَّةً سِيَاسِيَّةً وإِجْتِمَاعِيَّةً كَنَتَائِجٍ طَبِيعِيَّةٍ وقَدَرِيَّةٍ لِخَسَارَتِهَا الحَرْبَ وإِجْبَارِهَا عَلى دَفْعِ الثَّمَنِ والأَثْمَانِ مِنْ أَمْوَالِ وكَرَامَاتِ الشَّعْبِ الأَلْمَانِيِّ المُنْهَكِ والمَهْزُومِ حِينَهَا، لَمْ يَكُنْ حِينَهَا فِي عِلْمٍ أَو إِعْتِقَادٍ بِأَنَّ كِتَابَهُ سَيَكُونُ دُسْتُوراً شَيْطَانِيَّاً لِلقَتْلِ والإِبَادَةِ لِكُلِّ مُخْتَلِفٍ ومُخَالِفٍ لِإِيديُولوجِيَّةٍ وفِكْرَةٍ وطَرِيقٍ مَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَن الحُرِّيَّةِ والمَكانِ والزَّمَانِ، ولَمْ يَكُنْ فِي مُخَيَّلَتِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي زَمَانٍ ومَكانٍ وسَنَوَاتٍ بِأَنْ يَحْتَلَّ بُلْدَانَاً بِإِتِّصَالٍ هَاتِفِيٍّ قَصِيرٍ، وعَلى طَرِيقَتِهِ: إِمَّا التَّسْلِيمُ والتَّيْسِيرُ، أَو الإِبَادَةُ والتَّدْمِيرُ. وقَدْ إِستَمَدَّ أَفْكَارَهُ ومَشَاعِرَهُ مِنْ الكَثِيرِ مِمَّنْ عُرِفُو بِمُعَادَاتِهِم لِلسَّامِيَّةِ وكَرَاهِيَتِهِم لِليَهُودِ الأَغْنِيَاءِ والرُّوسِ والآخَرِينَ -- مِنْهُم، مَثَلاً، السِّيَاسِيُّ النَّمسَاوِيُّ وعُمْدَةُ فِيينا القَوِيُّ وزَعِيمُ وأَحَدُ مُؤَسِّسِي الحِزْبِ الإِجْتِمَاعِيِّ المَسِيحِيِّ "الشُّعُوبِيِّ" فِي الإِمبِراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ كارل لُوجر، وكذَلِكَ كِتَابَاتُ اللَّاهُوتِيِّ الأَلمانِيِّ مارتِن لُوثَر الذي أَحْدَثَ شَرْخَاً تأرِيخِيَّاً فِي الكنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ وسِيَاسَاتِهَا وعُرِفَ بِكَرَاهِيَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لِليَهُودِ "سَوَاءٌ مِنْ مُنْطَلَقٍ وأَسَاسٍ لاهُوتِيٍّ مَعْرُوفٍ" يَتَعَلَّقُ بِصَلْبِ السَّيِّدِ المَسِيحِ ولَعْنَةِ كَبِيرِ كَهَنَةِ اليَهُودِ لِجِيلِهِ وأَوْلادِهِ ومَا تَلاهَا فِي إِنْجِيلِ القِدِّيسِ مَتّى، أَو لِمَشَاعِرٍ وأَحْدَاثٍ شَخْصِيَّةٍ "مِنْ مُنْطَلَقٍ إِنْسَانِيٍّ وإِجْتِمَاعِيٍّ مَفْهُومٍ" ومَا كانَ وكانَ مِنْ أَحْدَاثٍ وَقَعَتْ فِي بِلادٍ ومُجْتَمَعَاتٍ مِثْلِ إِيطاليَا وإِسْبَانيَا وأَلمانيَا وغَيْرِهَا. وكانَتْ كِتَابَاتُ لُوثَرَ عَمِيقَةً فِي قُوَّتِهَا ومَعَانِيهَا وغَرَابَتِهَا وقَدْ نَعَتَ اليَهُودَ بِالكِلابِ وصِفَاتٍ أُخْرَى كالكَذِبِ والخِيَانَةِ وغَيْرِهَا، لكِنَّهُ إِعْتَذَرَ عَنْ بَعْضِهَا وبَعْضِ كِتَابَاتِهِ المُثِيرَةِ لِلجَدَلِ والعُنْصُرِيَّةِ والأَحْقَادِ قَبْلَ مَوْتِهِ خَاصَّةً التي بُنِيَتْ عَلى أَحْدَاثٍ ومُعْتَقَدَاتٍ شَخْصِيَّةٍ ولَيْسَ عَلى أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ أَو إِيمَانِيٍّ أَو لاهُوتِيٍّ -- رُبَّمَا بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، ومَا حَدَثَ لاحِقَاً دَلِيلٌ عَلى مَا أَقُولُ -- وهذَا يَدُلُّ قَطْعَاً عَلى أَنَّ الكَلِمَةَ سِلاحٌ قَدْ يَكُونُ مُمِيتَاً وقَاتِلاً لِلأَرْوَاحِ والأَجْسَادِ والمُجْتَمَعَاتِ. لكِنَّ هِتْلَرَ، بِالعَوْدَةِ إِلَيْهِ، أَخْفَى عَنْ نَفْسِهِ والآخَرِينَ والتأرِيخِ شَيْئَاً ولَو القَلِيلَ واليَسِيرَ مِنْ جُذُورِهِ اليَهُودِيَّةِ. ولِفَتْحِ هذَا البَابِ عَلَيَّ أَولاً، ولِثَوانٍ، أَنْ أَعُودَ إِلى التأرِيخِ وعُصُورٍ خَلَتْ -- فَنَحْنُ نَعْلَمُ، أَو جُلُّنَا، بَأَنَّ غَالِبِيَّةَ الشُّعُوبِ المَسِيحِيَّةِ فِي أُوروبّا هِيَ شُعُوبٌ ذَاتُ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ تَحَوَّلَتْ فِي غَالِبِيَّتِهَا إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ السَّائِدَةِ بِفِعْلِ التَّهْدِيدِ بِالقَتْلِ أَو الطَّرْدِ والتَّهْجِيرِ كمَا حَدَثَ فِي إسْبانيَا وإِيطاليَا وأَلمانيَا، ولاحِقَاً، ومِنْهَا، الِإمبراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ المَجَرِيَّةِ ثُمَّ مَمْلَكَةِ المَجَرِ فِي حِينِهَا. ومِئَاتُ الآلافِ تَنَكَّرُو فِعْلاً لِدِيَانَتِهِم اليَهُودِيَّةِ فِي جَلَسَاتٍ خَاصَّةٍ وعَامَّةٍ وتَحَوَّلُو إِلى الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ والكَنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ خَوْفَاً مِنَ القَتْلِ أَو الإِضْطِهَادِ الدِّرَاسِيِّ أَو العِلْمِيِّ أَو الوَظِيفِيِّ أَو السِّيَاسِيِّ أَو حَتّى المُجْتَمَعِيِّ كَحَقِّ الإِيجَارِ والتَمَلُّكِ والزَّوَاجِ وغَيْرِهَا. وكَثِيرٌ مِنَ مَشَاهِيرِ ونُجُومِ الفَنِّ والصَّحَافَةِ والرِّيَاضَةِ كانُو مِمَّنْ تَحَوَّلُو إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ ومِنْهُم مَن شَارَكَ فِي عُقُودٍ لاحِقَةٍ كرِيَاضِيِّينَ كاثُولِيكٍ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيِيٍّ سِرَّاً أَو جَهْرَاً أَو خَوْفَاً أَو نِفَاقَاً أَو حُبَّاً، مَثَلاً، فِي الأَلعَابِ الأُولمبِيَّةِ فِي بَرلِينَ مِنْ عَامِ 1936 وفِي أَوْجِ قِمَّةِ وقُوَّةِ النَّازِيَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ والعَالَمِيَّةِ، وحَصَلُو عَلى المَرَاتِبِ الأُولَى والمِيدَاليَاتِ وتَسَلَّمُوهَا مِنْ هِتْلَرَ ومُسَاعِدِيهِ وضُبَّاطِ الرَّايخِ الثَّالِثِ وأَجْهِزَتِهِ الأَمْنِيَّةِ المُخِيفَةِ، فِي وَقْتٍ كانَتْ مُعَسْكَرَاتُ التَّعْذِيبِ والعَمَلِ والإِعْتِقَالِ وتَكْسِيرِ عِظَامِ إِخْوَانِهِم اليَهُودِ عَلى بُعْدِ أَمْيَالٍ قَلِيلَةٍ! وأَعُودُ إِلى هِتْلَرَ، الزَّعِيمِ المُخْتَلِّ عَقْلِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ -- فَهُوَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكَرِهَ نَفْسَهُ وعَائِلَتَهُ لِهَذَا. أَمَّا حُبُّهُ الشَّدِيدُ لِوَالِدَتِهِ كلارَا، والتي تَعَلَّقَ بِهَا جَسَدِيَّاً ورُوحِيَّاً، فَقَدْ كانَ إِسْتِثْنَاءً وَحِيداً لِإِحْسَاسِهِ بِالنَّقْصِ والوِحْدَةِ والرَّفْضِ مِنَ المُجْتَمَعِ، وأَيْضَاً عَطْفَاً عَلَيْهَا وغَضَبَاً مِنْ وَالِدِهِ أَلوِيس الذي عُرِفَ بَقَسْوَتِهِ الشَّدِيدَةِ عَلَيْهِ وعَلى أُمِّهِ كلارَا والتي كانَتْ إِبْنَةُ عَمِّ أَلوِيس -- وكانَتْ صَغِيرَةُ السِّنِّ بِمَا يَكفِي لِتَكونَ إِبْنَتَهُ إِذْ كانَتْ تُنَادِيهِ "عَمِّي أَلوِيس" -- وقَدْ إِنْضَمَّتْ أَوَّلاً إِلى أُسْرَتِهِ كخَادِمَةٍ لكِنَّهَا غَادَرَتْ بَعْدَ زَوَاجِهِ الثَّانِي -- ثُمَّ عَادَتْ عِندمَا مَرِضَتْ زَوْجَةُ أَلوِيس الثَّانِيَةُ لِرِعَايَةِ أَطْفَالِ أَلوِيس ومَنْزِلِهِ، وإِنْتَهَى بِهَا الأَمْرُ حَامِلاً بِطِفْلٍ لَهُ مَا لَهُ فِي تأرِيخِ البَشَرِ. وكَرَاهِيَةُ هِتْلَرَ لِأُصُولِهِ اليَهُودِيَّةِ ولاحِقَاً الكاثُولِيكِيَّةِ وعَدَمِ إِحْتِرَامِهِ لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ "رَغْمَ ثَبَاتِ مَعْمُودِيَّتِهِ الكاثُولِيكِيَّةِ" لَهَا أَحْدَاثٌ وأَسْبَابٌ شَخْصِيَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِجِيرَتِهِ فِي إِقْلِيمِ النَّمْسَا العُلْيَا، ثُمَّ عَدَمِ قُبُولِهِ كَرَسَّامٍ أَو فَنَّانٍ ذِي مَوْهِبَةٍ فَنِّيَّةٍ رَغْمَ تَمَتُّعِهِ بِشَيءٍ مِنْهَا ونَرَى ذَلِكَ فِي لَوْحَاتِهِ المَعْرُوفَةِ والمَحْفُوظَةِ والتَّسْجِيلاتِ الخَاصَّةِ بِنِقَاشَاتِهِ فِي بِدَايَاتِ التَّصَامِيمِ الهَنْدَسِيَّةِ والمِعْمَارِيَّةِ مَعَ مُهَنْدِسِيهِ ومِنْهُم أَلبرت شبِير، إِذْ كانَا يَشْتَرِكَانِ بِحُلْمِ إِنْشَاءِ بَرْلينَ الكُبْرَى، لكِنَّ الحُرُوبَ، كالعَادَةِ، تَقْتُلُ الفَنَّ وتُمِيتُ مَا فِيهِ مِنْ جَمَالٍ وخَيَالٍ ورَوْعَةٍ. لكِنَّ كرَاهِيَةَ هِتْلَرَ لِليَهُودِ شَابَهَا "بَعْضُ" النِّفَاقِ وعَلامَاتِ الإِسْتِفْهَامِ التِي دُوِّنَتْ فِي مَلَفِّهِ السِّرِّيِّ، وهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ حِقْدَهُ عَلى اليَهُودِ كانَ لِأَسْبَابٍ شَخْصِيَّةٍ "فِي مُعْظَمِهَا" ولَيْسَتْ أَيديُولوجيَّاتٍ وأَفْكارٍ وفَلْسَفَةٍ عَقْلِيَّةٍ. مَثَلاً، إِحْتِرَامُهُ للسَّيِّدِ إِدوارد بلوخ وهُوَ الطَّبِيبُ العَائِلِيُّ لِعَائِلَةِ هِتْلَرَ فِي مَاضِيهِ وكانَ يَهُودِيَّاً صَالِحَاً أَحَبَّ هِتْلَرَ وكانَ يُسَاعِدُهُ طِبِّيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً خَاصَّةً فِي أَوْقَاتِ مَرَضِ أُمِّهِ الشَّدِيدِ. وعِندمَا وَصَلَ هِتْلَرُ إِلى قِمَّةِ النُّفُوذِ والسُّلْطَةِ والمَجْدِ أَهْدَى الطَّبِيبَ بلوخ إِحْدَى لَوْحَاتِهِ وأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ "اليَهُودِيُّ النَّبِيلُ،" وكانَ مُسْتَثْنَى مِنْ إِحْتِمَالاتِ التَّعْذِيبِ والمَحْرَقَةِ والإِجْرَامِ النَّازِيِّ. وأَذْكُرُ هُنَا مِثَالاً آخَرَ، وهِيَ عَشِيقَةُ هِتْلَرَ وزَوْجَتُةُ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" الحَسْنَاءُ إِيفَا برَاون -- إِذْ كانَتْ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكانَتْ جَدَّتُهَا يَهُودِيَّةً طَيِّبَةً وصَالِحَةً -- وكانَ هِتْلَرُ لِإِيفَا حَبِيبَاً وقَدَرَاً مُمِيتَاً، وكانَتْ لَهُ رَغْبَةٌ وحَيَاةٌ. كذَلِكَ سَائِقُ هِتْلَرَ الأَمِينُ ودِمَاؤُهُ السَّامِيَّةُ -- والكَثِيرُ مِنْ ضُبَّاطِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ والأَمْنِ الخَاصِّ والعَامِّ والمُقَرَّبِينَ إِذْ كانُو مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ أَثْبَتَ التأرِيخُ وأَرْشِيفُهُ الكَثِيرَ مِنْهَا، وأَثْبَتَ التأرِيخُ أَيْضَاً رَفْضَهُم لِأُصُولِهِم اليَهُودِيَّةِ وكَرَاهِيَّتَهُم لِأَنْفُسِهِم ولَهَا -- عَلى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، الجَنِرَالُ المُدْمِنُ هِيرمَان غورِينغ، والقَاتِلُ الهَادِئُ راينهَارد هايدرِيش المَسْؤُولُ عَنْ قَوَائِمِ اليَهُودِ والبَحْثِ عَنْهُم وإِنْهَاءِ أَقْدَارِهِم، ولا يَجِبُ أَنْ أَنْسَى زَعِيمَ النِّفَاقِ هاينرِيش هيملَر قائِدَ القُوَّاتِ الخَاصَّةِ الشُوتزشتَافِل، والذي كانَ أَحَدُ أَقْوَى رِجَالِ هِتْلَرَ وأَحَدُ "مُهَنْدِسِي ومُنَفِّذِي" الهُولوكوست! إِذَنْ، أَقُولُ، يَا سَادَة، إِنَّ مَا كانَ ويَكُونُ وسَوْفَ يَكُونُ مِنْ إِرْهَابٍ وحُرُوبٍ وصِرَاعَاتٍ وقَتْلٍ وتَدْمِيرٍ وتَهْجِيرٍ وأَحْزَانٍ فِي أُوروبّا أَو أَمرِيكا أَو آسِيَا أَو أَفرِيقيَا أَو بِلادِ العَرَبِ -- فِي المَاضِي والحَاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ -- جُلُّهَا وجُلُّ أَسْبَابِهَا إِرَادَاتٌ وصِرَاعَاتٌ "شَخْصِيَّةٌ" أَو أَفْكارٌ وعُقَدٌ إِجْتِمَاعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالطُّفُولَةِ والشَّبَابِ والمَاضِي والأَحْدَاثِ الأُولَى ومَا تَلاهَا أَو مَا كانَ مِنْهَا وحَوْلَهَا فِي حَيَاةِ الحَاكِمِ والحُكَّامِ أَو أَصْحَابِ النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ، ولاَ سَبِيلَ إِلى الشَّكِّ فِي ذَلِكَ. وأَمَّا الحُكَّامُ العَرَبُ فَقَدْ أُعْجِبَ الكَثِيرُ مِنْهُم بِسِيرَةِ هِتْلَرَ ومَسِيرَتِهِ سِرَّاً أَو جَهْرَاً وعَلَنَاً، كمَا كانَتْ صُوَرُهُ الصَّغِيرَةُ فِي غُرَفِ الكَثِيرِ مِنْهُم وبُيُوتِهِم وبُيُوتِ مُوَاطِنِهِم -- خَاصَّةً فِي جَنُوبِ العِرَاقِ فِي الحَدِيثِ عَنِ العِرَاقِ كمِثَالٍ مَعْلُومٍ بِالأَدِلَّةِ التَّأرِيخِيَّةِ المُسَجَّلَةِ. وحَاوَلَ "بَعْضُ" الحُكَّامِ العَرَبِ بِشَكْلٍ مُبَاشَرٍ أَو غَيْرِ مُبَاشَرٍ أَنْ يُقَلِّدَ شَيْئَاً مِنْ سِيرَةِ هِتْلَرَ أَو أَفْكارِهِ فِي بِدَايَاتِ مَجْدِهِ. مَثَلاً، صَدّام حسين، وقَبْلَ خَطِيئَةِ إِحْتِلالِ الكُوَيتِ، الذي أَعْجَبَتْهُ قِصَّةَ الإِتِّفَاقِ والإِتِّفَاقِيَّةِ بَيْنَ هِتْلَرَ وستَالِين فِي "السَّلامِ المُؤَقَّتِ" وعَدَمِ الإِعْتِدَاءِ أَو حَالَةِ اللّا حَرْبَ واللّا سِلْمَ التي أَرَادَ مِنْهَا هِتْلَرُ تَوْفِيرَ الوَقْتِ والجُّهْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضَّ عَلى فَرِيسَتِهِ وفَرَائِسِهِ عَلى طَرِيقَةِ "الذِّئْبِ الصَّبُورِ" قَبْلَ بَدْءِ "مُغَامَرَاتِ" الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ فِي سَنَةِ 1939 ومَا كانَ مِنْهَا مِنْ دَمَارٍ وتَدْمِيرٍ وضَحَايَا فَاقَ الخَمْسِينَ مِليُونَاً مِنَ العَسَاكِرِ والمَدَنِيِّينَ مِنْ كُلِّ الأَجْيَالِ. الرَّئِيسُ الرَّاحِلُ صَدّام حسين إِذَاً ومِنْ قَبْلِهِ المَعْتُوهُ جَمَال عَبد النَّاصِرِ أَو الخَائِنُ عَبد الكرِيم قَاسِم وغَيْرُهُم... كُلُّهُم تَذَكَّرُو البِدَايَاتِ لكِنَّهُم نَسُواْ النِّهَايَاتِ! تَذَكَّرُو كيْفَ بَدَءَ الأَمْرُ لكِنَّهُم نَسُواْ كيْفَ إِنْتَهَتْ وآلَتْ إِلَيْهِ الأُمُورُ! تَذَكَّرُو كيْفَ كانَتْ بِدَايَةُ هِتْلَرَ لكِنَّهُم نَسُواْ كَيْفَ إِنْتَهَى. وأبْقَى لِثَوانٍ أُخْرَى فِي ألمانيا لِأُقارِنَ فِي الأسْبابِ التي أدَّتْ "خِلالَ سَنَوَاتٍ فَقَط" إلى بِنَاءِ وإزْدِهارِ ألمانيا بَعْدَ دَمَارِهَا وتَدْمِيرِهَا كُليَّاً فِي سَنَةِ 1945 بَيْنَمَا غابَ الإسْتِقْرارُ والرَّخاءُ عَن العِراقِ مُنذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا وإلى يَوْمِنَا هَذا رَغْمَ مُرُورِ السِّنين! إذا أرَدْنَا أنْ نُحَلِّلَ الأسْبابَ والأحْداثَ بِواقِعِيَّةٍ، ونُجَرِّدَ القُلُوبَ مِنَ العاطِفَةِ، والعُقُولَ مِنَ الجَّهْلِ لِدَقائِق ولَو مَعْدُودَاتٍ، فَعَلَيْنَا أن نَبْحَثَ فِي سُلُوكِ الشُّعُوبِ وعِلْمِ الإجْتِمَاعِ ونَبْقَى لِثَوانٍ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِياسِيِّ وأسْرارِهِ. فالألْمانُ، مَثَلاً، يُحِبُّونَ بِلادَهُم بِشِدَّةٍ وصِدْقٍ وعُرِفَ عَنْهُم ذلِكَ وهُمْ يَفْتَخِرونَ بِهِ وهُوَ سِمَةٌ لَهُم ومِن سِمَاتِهِم -- كمَا عُرِفَ عَن الكُورِيِّينَ، مَثَلاً، حُبُّهُم لِلتَّقَالِيدِ الجَّمِيلَةِ والأَصِيلَةِ، وهُوَ مَثَارُ إعْجَابِ الشُّعُوبِ -- لِهذا نَهَضَ الشَّعْبُ الأَلْمَانِيُّ الحَزِينُ مِنَ النِّساءِ والشّابَّاتِ ومَن تَبَقَّى مِنَ الرِّجَالِ والشَّبَابِ مِنَ رُكَامِ الحُزْنِ والصَّدْمَةِ والفَقْرِ والدَّمَارِ بَعْدَ الهَزيمَةِ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانيةِ وإنْهيارِ أوْهَامِ النّازِيَّةِ فِي سَنَةِ 1945 وبَنُو بِلادَهَم وعمَّرُوهَا إذْ لَيْسَ لَهُم سِواهَا. ولا نَنْسَى هُنَا الأسَاسَ فِي هَذا وهُوَ المُعْجِزَةَ الألمانيَّةَ ومَشْرُوعَ مارشال لِإعادَةِ إعْمارِ ألمانيا وأُوروبّا وهُو الأضْخَمُ فِي تأريخِ ما بَعْدَ الحُرُوبِ بالتَّعاوِنِ مَعَ أوَّلِ حُكومَةٍ ألمانيَّةٍ ديمقراطيَّةٍ مُنْتَخَبَةٍ فِي عامِ 1949 مِنْ سَاسَةٍ ألمانٍ أحَبُّو بِلادَهُم ولَم يَكُن بَيْنَهُم لُصُوصٌ أو جُهَلاءٌ أو سُرَّاقٌ -- وقَد قامَتْ أمريكا بِهذا المَشْرُوعِ خَوْفَاً مِن أنْ يَبْتَلِعَ الإتَّحادُ السّوفيتيُّ أوروبّا ومَا فِيهَا خاصَةً بَعْدَ تَقْسيمِ بَرْلينَ بَيْنَ المُنْتَصِرينَ والحُلَفَاءِ وأسْبَابٍ أُخْرَى. وأمّا العِرَاقِيُّونَ مِنْ عَرَبٍ وكُرْدٍ وآشُورِيِّينَ وغَيْرِهِم "وهُنا أتَحَدَّثُ عَن القَوْميَّاتِ" أَو يَهُودٍ ومَسِيحِيِّينَ ومُسْلِمينَ وغَيْرِهِم "وهُنَا أتَحَدَّثُ عَن الإِيمَانِ والأَدْيانِ والدِّياناتِ" فَقَدْ كانُو يُحِبُّونَ بِلادَهُم العِرَاقَ ويَعْشَقُونَهُ قَبْلَ سَنَةِ 1958 وإنْقِلابِهِ المَشْؤُومِ. وبَقِيَ الحُبُّ وإِسْتَمَرَّ حَتّى فِي السِتينيَّاتِ والسَبْعينيَّاتِ إِلى عَامِ 1979 وإِنْتِهَاءِ العُصُورِ الذَهَبيَّةِ والفِضِّيَّةِ ومَعَهَا الخَيْرُ والرَّخَاءُ -- فِي مَقَامِ عِلْمِ النَّفْسِ والإِجْتِمَاعِ وسُلوكِ الشُّعُوبِ. وبَقِيَ شَيءٌ مِنَ الحُبِّ والوَلاءِ فِي الثّمانينيَّاتِ وتَلاشَى كَسَرابٍ فِي التِسْعينيَّاتِ لِيَخْتَفِيَ فِي سَنَةِ 2003 بِإِحْتِلالِ إِيرانَ للعِرَاقِ بَعْدَ غَزْوِ البَيْتِ الأبْيَضِ للبِلادِ وقَتْلِ العِبَادِ! والأَسَاسُ فِي الإِنْهِيارِ وغِيابِ الإِعْمَارِ هُوَ عُمَلاءُ إِيرانَ الذينَ حَكَمُو ويَحْكُمُونَ العِرَاقَ مِنَ الجُّهَّالِ والسُّرَّاقِ وهُمْ الأَشَدُّ حِقْدَاً عَلى العِرَاقِ والعِرَاقِيِّينَ، عَلى عَكْسِ مَا كانَ فِي أَلمانيَا كمِثالٍ تأرِيخِيٍّ لَعِبَتْ فِيهِ عَوامِلُ الجُّغرافيَا السِّياسِيَّةُ والأَخْلاقُ والتَّربِيَةُ والعِلْمُ والثّقافَةُ والأَصْلُ والجِّيلُ والأَجْيالُ وحُبُّ الأَوْطانِ والإِخْلاصُ الدَّوْرَ والأَدْوارَ! وهُنَا أَقُولُ... الوَطَنُ "إِنْ وُجِدَ" فَهُوَ جَمِيلٌ ونِعْمَةٌ مِنَ الرَّحْمَن، والأَوْطَانُ "إِنْ وُجِدَتْ" فَكُلُّهَا جَمِيلَةٌ وجِنَانٌ -- والعَيْبُ والخَلَلَلُ، يَا سَادَة، لَيْسَ فِي السَّمَاءِ والأَرْضِ والخَلْقِ بَلْ فِي الإِنْسَانِ والبَشَرِ وخَلِيقَتِهِ، ولَيْسَ فِي الوَطَنِ بَلْ فِي المُوَاطِنِ وطَبِيعَتِهِ -- لَيْسَ فِي العِرَاقِ وحَضَارَتِهِ ورَوْعَتِهِ، ولَيْسَ فِي دِجْلَةَ الخَيْرِ والفُرَاتِ الذي ذُكِرَ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ وأَسْفَارِهِ، ولا فِي نَخِيلِ البَصْرَةِ وجَمَالِهِ وشَطِّ العَرَبِ وسِحْرِهِ وأَسْحَارِهِ، ولَيْسَ فِي أَسَدِ بَابِلَ وتَأرِيخِهِ، أَو أُورَ وبَيْتِ سَارَةَ وإِبْرَهِيمَ ومَلائِكَتِهِ، ولَيْسَ فِي المَلْوِيَّةِ والمَنَارَةِ والكَنَائِسِ والمَسَاجِدِ والمَعَابِدِ والجِّبَالِ والتِّلالِ والمَزَارِعِ والأَنْهَارِ والهَوَاءِ والصَّحْرَاءِ وبَغْدَادَ والتَّأرِيخِ ونَسِيمِهِ ونَسَمَاتِهِ، بَلْ كُلُّ العَيْبِ فِي مَنْ نَسِيَ أَو يَنْسَى كُلَّ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ ولَحَظَاتِهِ...، والخَلَلُ فِي العِلْمِ إِذَا غَابَ، وفِي الجَّهْلِ إِذَا حَضَرَ، وفِي العَمِيلِ إِذَا أَمَرَ، فَصَارَ الإِنْسَانُ حَيَوَانَاً سَرَقَ وقَتَلَ وخَرَّبَ ودَمَّرَ!! وإنْ أرادَ العِراقيّونَ أو العَرَبُ أنْ يَبْنُو أوْطانَاً جَميلَةً يَفْخَرُونَ بِهَا ويَتَفاخَرُونَ لأجْيالٍ وأجْيالٍ، أو إنْ أرادَ البَشَرُ أنْ يَعِيشُو رَغَدَ الحَياةِ والأَمَانَ فِي الأَوْطَانِ، فَعَلَيْهِم أوَّلاً أنْ  يُحِبُّو الأرْضَ التي تُبْنَى عَلَيْها تِلكَ الأوْطانُ، وعَلَيْهِم أنْ يَعْلَمُو أنَّ الحُرُوبَ "غَيْرَ الدِّفاعِيَّةِ" هِيَ مِن فَصُولِ الأمْراضِ النَّفْسيَّةِ والإضْطِراباتِ العَقْليَّةِ، وأنَّ هُناكَ حُدُوداً للغَضَبِ والحِكْمَةِ، وفُرُوقَاً بَيْنَ التَرَيُّثِ والإسْتِكانَةِ، وبَيْنَ الصَّبْرِ والإنْدِفَاعِ، وبَيْنَ الشَّجاعَةِ والتَهَوُّرِ، وبَيْنَ التّعَاوُنِ والعَمَالَةِ، وخُطُوطَاً رَفيعَةً ودَقيقَةً ومَفْصَليَّةً بَيْنَ هذا وذاكَ وهذهِ وتِلْك. وأقُولُ... عَلى العِراقِيّينَ أنْ يَحكُمُو أنْفَسَهُم وعَلى العَرَبِ أن يَحْكُمُو أرْضَهُم، فَمِنَ المُعِيبِ والغَريبِ أنْ يَكُونَ شِيعَةُ العِرَاقِ والعَرَبِ "عَبيداً" للسِيستانِيِّ وهُوَ رَجُلٌ فارِسِيٌّ، أو أنْ يَكُونُو "عَبيدَاً" لِخامَنَئِيِّ وهُوَ رَجُلٌ أذَرِيٌّ، وقَبْلَهُ الخُمَيْنِيُّ وهُوَ رَجُلٌ هِنْدِيٌّ، مَعَ الإحْتِرَامِ لِكُلِّ القَوْميَّاتِ والجِنْسِيَّاتِ والحَضَاراتِ. لكِنَّ مَنْطِقَ الإِنْسَانِ أَنَّ حُبَّ الأَوْطَانِ والحِفَاظَ عَليْهَا لا يَقُومُ ويَسْتَقيمُ إِلاّ مِنْ أَصْحابِ الأَرْضِ ومَنْ تَعِبَ فِي زِراعَتِهَا وتَعَرَّقَ فِي إِعْلاءِ البُنْيَانِ، مَعَ الصَّبْرِ والحِكْمَةِ دُونَ أَن يَقَعَ فِي فَخِّ الغَضَبِ والغُرُورِ وجُنُونِ العَظَمَةِ والنِسْيَانِ. والأمْرُ يَخْتَلِفُ، مَثَلاً، مَعَ محمّد عَليّ بَاشَا الألْبَانِيِّ الذي حَكَمَ مِصْرَ، أَو نابليون بُونابرت الإيطالِيِّ الذي حَكَمَ فرَنسا، أَو أَدُولف هِتْلَر النَّمسَاوِيِّ الذي حَكَمَ ألمانيا...، فالحُكْمُ قَدْ يَكونَ مِنْ نَتَائِجِ الحُرُوبِ والفَوْضَى كمَا أُوروبّا، أو مُخَلَّفَاتِ الصِّرَاعَاتِ والفَرَاغِ والتّأسِيسِ والبِدَايَاتِ كمَا هُوَ الحَالُ فِي مِصْرَ والعُثْمَانيّينَ وغَيْرِهِم، أو لُبْنانَ والشَامِ وفَرَنسا، أو مِثَالِ العِرَاقِ والبِرِيطانيّينَ وأُمَرَاءِ الحِجَازِ... وقَدْ بَنُو البِلادَ وأَحَبُّو الأرْضَ أَكْثَرَ مِنْ أصْحَابِ الأَرْضِ الذينَ عَبَثُو فِيهَا ودَمَّرُوهَا! فَالحِكْمَةُ والمَشُورَةُ وعَلامَاتُ المُسْتَقْبَلِ والحِفَاظُ عَلى البِلادِ والعِبَادِ هِيَ أَسَاسِيَّاتُ الحُكْمِ والحَاكِمِ، أو المَفْرُوضُ هكذَا. فَلَوْ أنَّ الرَّئِيسَ الرَّاحِلَ صَدّام حسين، مَثَلاً، كانَ قَدْ إكْتَفَى بإنْتِصارِهِ عَلى إيرانَ فِي حَرْبِ العِراقِ والعَرَبِ "العادِلَةِ" عَلى مَلالِيَ الحِقْدِ والشَرِّ، ولَم يَقُمْ بإحْتِلالِ الكُوَيت لَكانَ حَقَّاً حَبِيبَاً للعِراقِ والعَرَبِ رَغْمَ أوْهامِ البَعْثِ والنّاصِريَّةِ والقَوْميّةِ فِي تَحْريرِ القُدْسِ وغَيْرِهَا مِنَ الأَوهَامِ التِي لا تَمُتُّ إِلى الحَقِيقَةِ أَو واقِعِ الأَيَّامِ والأَحْدَاثِ بِصِلَةٍ. ولَوْ أَنَّهُ، أَيْ صَدّام حسين، قَبِلَ أَو، عَلى الأَقَلِّ، تَقَبَّلَ "عَرْضَ" المَحَبَّةِ فِي إِطَارِ السَّلامِ والإِحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ "إِنْسَانِيَّاً" فِي السُّكُونِ وعَدَمِ الإِعْتِدَاءِ الذي قَدَّمَهُ لَهُ رَئِيسُ الوُزَرَاءِ الإِسْرَائِيلِيِّ الأَسْبَقِ إِسحاق شَامِير فِي رِسَالَةٍ خَطِّيَّةٍ أُرْسِلَتْ إِلى صَدّام حسين -- الذِي كانَ "مَعَ شَعْبِ العِرَاقِ" يَعِيشُ نَشْوَةَ الفَخْرِ والفَرَحِ والنَّصْرِ فِي عَامِ 1989 أَيْ بَعْدَ عَامٍ مِنْ إِنْتِصَارِ العِرَاقِ عَلى إِيرَانَ -- لَكانَ العِرَاقُ وصَدّام حسين "اليَوْمَ" فِي مَكانٍ وزَمَانٍ آخَر. فَلَوْ أنَّ صَدّام حسين أقامَ سَلاماً أو عِلاقاتٍ طَيّبةٍ أو "عَلى الأقَلِّ مَبَادِئَ سَلامٍ ولَوْ أوّليَّةً" مَعَ جِيرانِهِ ثُمَّ مَعَ إسْرائيلَ -- التي يَسْكُنُ فِيهَا عِراقِيّونَ بابِليّونَ طَيّبُونَ مُحِبُّونَ أُجْبِرو قَهْرَاً وظُلْمَاً عَلى تَرْكِ العِرَاقِ الذِي أَحَبُّوهُ وتَرْكِ بُيُوتِهِم وأمْلاكِهِم وجِيرانِهِم وهُم اليَوْمَ مِنْ أكْبَرِ الجّالياتِ فِي إسْرائيلَ وأكْثَرِهِم ثَقافَةً وعِلْمَاً كثَقافَةِ بابِلَ العَظيمَةِ -- لَكانَ العِراقُ (فِعْلاً) بَيْتَ الحِكْمَةِ كمَا كانَ يُلَقَّبُ فِي سَابِقِ الأزْمَانِ والدُّهُورِ والتأريخِ القَدِيمِ والحَدِيثِ قَبْلَ وبَعْدَ السَبْيِ البابِلِيِّ. ولَو كُنْتُ رَئيسَاً أو مَسْؤولاً لَكانَتْ سِياسَةُ البابِ المَفْتُوحِ مَعَ الحِفاظِ عَلى القُوَّةِ والإزْدِهَارِ والسِّيادَةِ أسَاساً للحُكْمِ، وهُوَ حُكْمُ المُسْتَقْبَلِ والإِزْدِهَارِ مَعَ السِّيَادَةِ والكرَامَةِ وحُرِّيَّةِ الإِخْتِيَارِ. ولَوْ أنَّ هِتْلَرَ، مِثَالاً آخَرَ، إكْتَفَى بِحَرْبِهِ "الظّالِمَةِ" وإنْتِصَاراتِهِ "الخَاطِفَةِ" عَلى أُوروبّا وإحْتِلالِ غَرْبِهَا وشَرْقِهَا وشَمَالِهَا دُونَ أنْ يُهَاجِمَ الإتّحادَ السّوفيتِيَّ بَعْدَهَا، لَكانَ (رُبَّمَا) زَعِيماً مَجْنُونَاً مَحْبُوبَاً فِي العَديدِ مِنْ طَبَقاتِ شَعْبِهِ وبِلادِ الشَّرْقِ والغَرْبِ بالرَّغْمِ مِنْ أمْراضِهِ النَّفْسيَّةِ والعَقْليَّةِ ويَدِهِ المُلَطَّخَةِ بِدِمَاءِ الأبْرياءِ، ومِنْهُم الألْمانِ! فَقَدْ كانَتْ شَعْبِيَّةُ هِتْلَر قَدَرِيَّةً تأريخيَّةً، ولَمْ تُضَاهِيهَا شَعْبيَّةٌ مُنْذُ الإسكندرِ الأكبَرِ وسٌلَيْمَانِ القَانُونِيِّ، وكانَتْ النِّسَاءُ والفَتَيَاتُ فِي ألمانيا وأُوروبّا وأَمْريكا وبِلادٍ أُخْرَى فِي سَنَةِ 1939 وقَبْلَ الحَرْبِ، مَثَلاً، يَبْكِينَ حُبَّاً وشَوْقَاً ورَغْبَةً بِهِ خاصَةً بَعْدَ أنْ قالَ بِأَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ مِنْ "ألمانيا العُظْمَى" وأنَّهُ لَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِسَاءِ "قَبْلَ أنْ يَتَزَوَّجَ إيفَا قَبْلَ الإنْتِحَارِ إرْضَاءً لَهَا،" كمَا هِيَ حَسْنَاءُ التِّجَارَةِ والأعْمَالِ التي أَتَتْ مِنْ أمريكا، فَقَطْ، لِتَلْمِسَ يَدَهُ، أو جَمِيلَةُ بِريطانيا التي وَقَعَتْ فِي حُبِّهِ ومَاتَتْ مِنْ أَجْلِهِ!!! وتِلْكَ الأَوْهَامُ والأَيَّامُأعُوُدُ بالأَيَّامِ إلى الأَيَّامِ... أَيَّامُهُم وأَيَّامُنَا وأَحْوَالُ العِرَاقِ والعَرَبِ، ونَرَى كيفَ يُفَكِّرُ الرِّجَالُ وتَبدو النِّساءُ كالرّجَالِ، وعَمِليّاتُ التّجْمِيلِ التي قَتَلَتْ كُلَّ طَبِيعِيٍّ وأَصِيلٍ وَزَانٍ، ونُفِخَتِ الشِّفاهُ، وقُطِعَ وقُطِّعَ الأَنْفُ وإخْتَفَتْ الأُنُوفُ، وثُقِبَتْ الخُدُودُ، وسُحِبَتْ البَشَرَةُ، وحُقِنَتِ المُؤخِّرةُ، وزُرِعَ الشَّعْرُ الغَجَرِيُّ المَجْنُونُ، ورُكِّبَتْ الأَسْنانُ، وأَشْرَقَتْ العُيُونُ بِعَدَسَاتِهَا وكُحِّلَتْ، فَتَشَابَكَتْ عَلامَاتُ الجَّمَالِ، وإحْتَارَتْ قُلُوبُ الرِّجَالِ، وتَشابَهَ الجَّمِيعُ، وبَكَتْ أغصَانُ البَانِ ومَاتَتْ، وإخْتَفَى الرَّبِيعُ!! وأصْبَحَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِ السَّمَاءِ أَنْ يُمَيّزَ الرَّجُلُ أَو الشَابُّ حَبِيبَتَهُ أَو زَوْجَتَهُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فإِنْ جُنَّ أَو غَابَ عَن الوَعْيِ والآنَ، أَو تَذَكَّرَ أَو ذُكِّرَ أَو إلى شَيءٍ "جَمِيلٍ" قَدْ نَظَرَ، وكانَ "ولَوْ لِبُرْهَةٍ" ذَاكَ العاشِقُ الوَلْهَانُ، أَو كانَ مَعَ نَفْسِهِ وسِنِّهِ فِي تَحَدٍّ ورِهَانٍ، أَو نَسِيَ الأَمْرَ أَو سُحِرَ -- وأرَادَ سَهْوَاً أنْ يُقَبِّلَهَا "مُغْرَمَاً أَو مُكْرَهَاً" أَو أَنْ يُطارِحَهَا الغَرامَ، لإظْهَارِ الوَلاءِ والوَفاءِ وغَايَتُهُ رَاحَةُ البَالِ والسَّلامُ -- تأكَّدَ أَوَّلاً أنَّهَا زَوْجَتُهُ مِنْ عَلامَةٍ فِي الجَّسَدِ أَو تَخْمِينٍ أَو تَرْكِيزٍ أَو دِرَاسَةٍ أَو سُؤالٍ أَو "كودٍ" أَو كَلِمَاتِ سِرٍّ وأَرْقامٍ! لا يُصَدَّقُ أَنِّي أتَحَدَّثُ وأكْتُبُ عَنْ نَفْسِ الأَرْضِ والجُّغرافيَا والبَلَدِ وذاتِ الخَليقَةِ والبَشَرِ والإِنْسَانِ! بَلْ هِيَ الأَحْداثُ التِي لَمْ أَشْهَدْ الكثِيرَ مِنْهَا، إِذْ لَمْ أَكُنْ فِي ذَاتِ الزَّمَانِ والمَكانِ والخَلْقِ حِينَهَا وكانَ جُلُّهَا قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِعُقُودٍ وسِنِين، لكِنَّهَا أَحْدَاثٌ كانَتْ، ولا زَالَ خَيْرُهَا، وهُوَ قَلِيلٌ، وشَرُّهَا، وهُوَ كثِيرٌ، تَرْسِمُ أَيَّامَ وأَحْلامَ وأَقْدَارَ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والأَزْمَانِ، وتَنْقَلِبُ هُنَا وهُنَاكَ فِي آونَةٍ وآنٍ، والحِاكِمُ فِي طَهْرَانَ، والعِمَامَةُ إِذا إنْقَلَبَتْ بِغَدْرِ الزَّمَانِ وكانَ مَا كانَ...، وهِيَ دَوَاءُ الحَقيقَةِ ومَرَارُها وحَلاوَتُهَا أُدَوِّنُهَا بِقَلَمِي قَبْلَ أنْ تَمُرَّ العُقُودُ وتَبْدَأَ لُعْبَةُ الزَّمَانِ أَو نِعْمَةُ النِّسْيانِ. كانَتْ النِّسَاءُ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 يَتَنَافَسْنَ فِي العِلْمِ والأَزْيَاءِ والرُقِيِّ والإِتيكيتِ واللِياقَةِ واللبَاقَةِ والهُدُوءِ والفَنِّ والرّقْصِ والمُوسِيقى والأُنُوثَةِ والدَّلالِ والجَّمَالِ -- وهُدُوءُ الرِّجَالِ. وأَمَّا اليَوْمَ، فَالنِّسوةُ أَو "النِّسْوانُ لا النِّسَاءُ" يَتَنَافَسْنَ فِي عَمَلِيَّاتِ "التَّجْمِيلِ" والتَّشْوِيهِ والفَضَائِحِ والشَّتَائِمِ وإِنْحِطَاطِ صَفَحَاتِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ أَو اللَطْمِ والغَرَقِ فِي التُّرَابِ والأَوْحَالِ -- وصُرَاخُ الرِّجَالِ. إذَنْ، ذَهَبَ زَمَانُ الحَضَاراتِ والعِلْمِ والرُّقِيِّ والثَّقافَةِ والشَّهاداتِ، وزَمَانُ الرُّقاةِ و "أوْلادِ الأُصُولِ" والوَزيراتِ الرّاقِياتِ، وجَاءَ زمَانُ الإغْتِيالاتِ، وأحْزابٌ بالمِئاتِ، وإمّعاتٌ لَبِسُو العِمامَةَ والعِقالَ ورَبْطَةَ العُنُقِ فأصْبَحُو شَخْصِيّاتٍ، وزُوِّرَتِ الشّهاداتُ، والعُقُودُ والسّرِقاتُ. وهكذَا، فَسَادُ البَرلمانيّينَ والبَرلمانيّاتِ، مِن خِرِّيجِيّ الإبْتِدائِي والإبتِدائيّاتِ -- حَصَلو على الحَقائِبِ والكراسِي بالمَالِ وقوّةِ السِّلاحِ وليالِيَ السَمَرِ والرَّشاوَى والرَّشَوَاتِ، وهذا وذاكَ وَذات، وتَعْلَمونَ ما هذا وذاكَ وذات. كانَ مَا كانَ، فِي رَوْعَةِ الزَّمَانِ، كانتْ خِطاباتُ المُلُوكِ والوُزَراءِ والرُّؤسَاءِ فَخْراً في البَلاغَةِ والخَطَابَةِ والإتْقانِ، وأمّا اليَوْمَ، فَكَلِمَاتُ وخِطاباتُ الرُّؤسَاءِ والوُزَراءِ والمَسْؤولينَ فَضَائِحٌ في الفُصْحَى وأخْطاءٌ في اللّغاتِ يَخْجَل مِنْها البَشَرُ، وأصبَحَتْ مَخَارِجُ الحُرُوفِ كَ "صُراخِ" خَرُوفِ البَحْرِ، وخَرُوفُ البَحْرِ هُوَ النّادِرُ في الحَيَواناتِ المَائِيّةِ، وأنْهارَتِ اللغةُ العَرَبيّةُ، وأصْبَحَ "المَسْئُولونَ والمُتَحَدِّثونَ" يَحْتارونَ بينَ اللغةِ العَرَبيّةِ وهُمْ لَهَا جاهِلون، وبينَ اللغةِ الفارِسِيّةِ وهُمْ لَهَا عارِفون! وأصبَحَ خِطابُ المَسْؤولِ اليَوْمَ أشْبَهَ بِمَلْحَمَةِ الحُبِّ والدُّمُوعِ ولَيالِ الغَرَامِ والشّمُوعِ "الحَلَزُونة" للزَّعيمِ عادِل إمام! وأصْبَحَ الرّؤسَاءُ والوُزَراءُ والنُّوّابُ والصَّحَفِيُّونَ أو "الإعْلامِيُّونَ" يَنْصِبونَ الفاعِلَ ويَرْفَعونَ المَفْعولَ بِهِ ويَنْصِبونَ إسمَ كانَ ويَرْفَعونَ إسمَ إنّ...، وقَلَبُو الطّاوِلَةَ عَلى النَّحْوِ والبَلاغَةِ إنْ كانُو يُسَجِّلُونَ أو عَلى أو تَحْتَ الهَوَاءِ، وأصْبَحَ المُذِيعُونَ والمُحَرِّرُونَ والمُتَرْجِمُونَ والمُدَرَاءُ ورُؤَسَاءُ التَّحْريرِ وأصْحَابُ أو "مُلاَّكُ" القَنَوَاتِ، مَثَلاً، كَيْ أتَحَدَّثَ قَليلاً عَن الإعْلامِ المُنْهَارِ، لا يَسْتَطِيعُونَ إنْهاءَ مُوجَزٍ أو نَشْرَةٍ أو لِقَاءٍ أو بَرْنَامَجٍ أو مُقَابَلَةٍ أو مُدَاخَلَةٍ مَا دُونَ إرْتِكَابِ أخْطَاءٍ غَريبَةٍ وبَسِيطَةٍ لا يَقَعَ فِيهَا "خِرِّيجُو" المَرْحَلَةِ الإبْتِدائيَّةِ!! وهّذا هُوَ الحَالُ فِي أيَّامِنَا فِي القَنَواتِ العِراقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ وخاصَةً فِي الخَليجِ العَرَبِيِّ "والذي تُعانِيَ فِيهِ اللُغَةُ العَرَبيَّةُ الفُصْحَى بِشِدَّةٍ" حَيْثُ أصْبَحَ قِيَاسُ ومِقْيَاسُ التَّوظِيفِ فِيهَا عِلاقَاتِ "الرَّجُلِ" مَعَ المُدَرَاءِ والأقْرِبَاءِ، أو جَمَالَ "المَرْأةِ" ودَلالَهَا لِيَكُونَ هَذا وذَاكَ هُوَ ال "سِي فِي" المُعْتَمَدُ!! إيهٍ وإيهٍ... أُرْقُدْ بِسَلام يا جَاحِظ! نَعَم، لا إنْكَارَ فِي أَنَّ نِسَاءَ العَرَبِ هُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، لكِنَّ جَمَالَ الثَّقَافَةِ والأُنُوثَةِ والهُدُوءِ والقَلْبِ النَقِيِّ هُوَ الأَبْقَى. وعِندمَا كُنَّا أطْفَالاً وصِغَاراً ونَرَى ثَقَافَةَ المُذِيعينَ وجَمَالَ وثَقَافَةَ المُذِيعاتِ ونَسْألُ عَن أَسْرارِهَا كانَتْ الإجَابَةُ سَريعَةً وبَسِيطَةً وهِيَ المَوْهِبَةُ والتَّدْرِيبُ. إذَنْ، فالمَوْهِبَةُ دُونَ تَدْريبٍ لا بُنْيَانَ لَهَا، والتَّدْريبُ دُونَ مَوْهِبَةٍ لا أسَاسَ لَهُ. ورُبَّمَا غابَتْ المَوْهِبَةُ فِي أَيَّامِنَا وغابَ مَعَهَا التَّدْريبُ أيْضَاً! واللُغَةُ العَرَبيَّةُ جَمِيلَةٌ وسَاحِرَةٌ ولا تَسْتَحِقُّ العَبَثَ والجَّهْلَ الذي نَرَاهُ اليَوْمَ فِي الفَضَائِيَّاتِ وعَلى الشَّاشَاتِ، ولَيْسَ العَيْبُ أنْ يُدَرَّبَ المُذِيعُونَ بَيْنَ الحِينِ والحِينِ، بَلْ العَيْبُ أنْ تَسْتَمِرَّ أَخْطَاءُ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ!! وأَمَّا التَّشْكيلُ وضَبْطُ الحُرُوفِ بالحَرَكاتِ "ولَيْسَ بالسَّهْلِ دائِمَاً حَسَبَ تَحْدِيثِ اللُغَاتِ السَّامِيَّةِ والتَنْصِيبِ" فَمَا هُوَ إلاّ شَيءٌ أسْتَمْتِعُ بِهِ لأنِّي أَحْبَبْتُ اللُغَةَ العَرَبيَّةَ مُنذُ الطُّفُولَةِ وأَرَدْتُهَا دائِمَاً أنْ تَكونَ مُتَقَدِّمَةً كاللُغَةِ الإنكِليزيَّةِ. وأَقُولُ دائِمَاً إِنَّ الإنْسَانَ عِبَارَةٌ عَنْ تِرْحَالٍ وأَسْفَارٍ ولُغَاتٍ. كانَ مَا كانَ... كانَ المَلِكُ والرَّئيسُ إِذا زَارَ البِلادَ والبُلدَانَ وَقَفَ لَهُ الجَّمِيعُ وَقارَاً وإِحْتِراماً وقَبْلَ ذلِكَ يَأتِيَ الحُبُّ والإِعْجَابُ، كمَا زَارَ المَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي، مَثَلاً، بِريطانيَا فَجَاءَ لِإِسْتِقْبَالِهِ الحُشُودُ والمَلِكةُ والبَلاطُ والبِلادُ والعِبَادُ، لِأَنَّهُ، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، يَا سَادَة، مَلِكُ العِرَاقِ، سَيِّدُ المَقَامِ وأَرْضِ الكِتَابِ والحَضَارَاتِ والمَلَكِيَّةِ ومَا كانَ لَهَا مِنْ عِزٍّ وقُوَّةٍ وسِيَادَةٍ ورُقِيٍّ. وَأَمَّا اليَوْمَ، فإِنْ "فَكَّرَ" المَسْئُولُ بِأَنْ يَزُورَ البِلادَ والبُلدانَ "بِالأَمْرِ والنِّداءِ أَوالإِسْتِدْعاءِ" فَهُوَ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ يَا وَلَدي، إِنْ، كانَ فِي إِسْتِقبالِهِ طَبَّاخُ المَلِكِ أَو الرَّئيسِ، أَو، إِنْ كانَ أَكثَرُ حَظَّاً، مُديِرُ مَكْتَبِهِ أَو مُوَظَّفُ البَرِيدِ، ورُبَّمَا مَنْ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ مِنْهُم لِعَدَمِ الأَهَمِّيَّةِ أَو ضِيقِ الوَقْتِ! وأَمَّا رَئيسُ الدّوْلَةِ ومُنْذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا فَهُوَ يُقَدِّمُ "الشّاي يَا سَيّدي الدّوقَ،" ورَئيسُ الوُزرَاءِ لا يَدخُلُ الحَمّامَ قَبْلَ أَخْذِ الإِذْنِ مِنْ مَلالِيَ الجَّهْلِ فِي قُمَّ وطَهْرانَ، بَعْدَ أَنْ يُبْدِيَ ويُظْهِرَ الإِحْتِرامَ والشَّوْقَ والوَلاءَ والبَيَانَ. هكذا هُوَ الأمْرُ عِندَما تُدَمَّرُ البُلدانُ والأوْطانُ وتَتَلاشى الحَضَاراتُ وتَضيعُ الهَيْبَةُ! ولا زَالَ "بَعْضُ" العِراقِيّين يُهلّلون، وفي البَلاءِ يَلطمون! شُعُوبُ الأرْضِ تَبنِي، والأطفالُ يَتَعَلّمون، والنَّاسُ يَبتكرون ويُعَمّرون ويَفرَحون، ويُغَنّونَ ويَرْسِمونَ ويَرقصُون ويَحتَفِلون، ثُمَّ يَرْتَقونَ ويَرْتَقونَ، وإلى الفَضَاءِ يُسافِرون، لكنّ الجُهَلاءَ -- بَعْضَ العِراقِيّينَ مِن إيرانِييّ الهَوَى والإنْتِماءِ -- الشّعاراتِ والصّواريخَ يُطلِقون، ورُءُوسَ "آيَاتِ اللهِ" يُقَبّلون، وهُمْ لِكُلِّ جَميلٍ ورَاقٍ كارِهوُن، ويُهَلّلون، ويَقتُلونَ ويُهَلّلونَ ويَلطمون! هِيَ لَعْنةُ الجَّهْلِ والفَوْضَى، هُم شِيعَةُ الميلشياتِ، هُوَ حُكْمُ الغَابِ والغَابَاتِ، هِيَ العِصَابَاتُ، هِيَ الأوْهامُ والشِّعاراتُ، وإنْقِلابُ الزَّمَانِ، مِنْ هَيْبَةِ بَغدادَ والمُلُوكِ والرُّؤسَاءِ والحُكومَاتِ، اليَوْمَ والأَيَّام، إِلى لَعْنَةِ الطَّوائِفِ والمَذاهِبِ والحَوْزاتِ والعِمَامَاتِ. وعَنْ هذَا وهَذِهِ أَقُولُ... العِمَامَةُ "عِنْدِي" عِمَامَتان: عِمَامَةٌ تَدْعُو إلى التَّقْديرِ والإِحْتِرامِ كعِمَامَةِ السَّيِّدِ مُوسَى الصَّدِر الذي أَحَبَّ لُبْنَانَ والجَّميعَ وَتَمَنّى السَّلامَ للقَريبِ والبَعيدِ وكانَ إِسلامُهُ وَسَطِيٌّ وخَيْرُهُ كَثِيرٌ، لِهَذا قُتِلَ بِأَمَانٍ سُورِيَّةٍ وأَيَادٍ لِيبيَّةٍ وفَتَاوٍ خُمَيْنِيَّةٍ. وهُناكَ عِمَامَةٌ أٌخْرَى تُخْفِي تَحْتَها رُءُوسَاً مَليئَةً بالخُبْثِ والحِقْدِ والإِرْهَابِ والدَّجَلِ والنِّفاقِ، كعِمَامَةِ خامَنئِي والخُمَيْنِيّ وأَمْثَالِهِمَا، وقبْلَ ذلِكَ تُخفِي تَحْتَها العُقَدَ النَّفْسِيّةَ! فَالخُمَيْنِيُّ كَرِهَ المُخالِفِينَ والمُخْتَلِفِينَ وكُلَّ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ والهُدُوءَ والرَّخاءَ والحُريَّةَ. وغَادَرَ النَّجَفَ قائِلاً للعِراقِيّينَ ولَهَا "الوَعْدُ الوَعْدُ... أَتْرُكُ النَّجَفَ اليَوْمَ وَهِيَ عِرَاقِيّة، وأَعودُ لَهَا غَدَاً وَهِيَ فارِسيَّةٌ!" وهَكذا، هُوَ العِراقُ، أَرْضٌ تَبْكِي وتَصْرُخُ وتُرِيدُ، وشِيعَةٌ ومِلَلٌ وطَوائِفٌ لا تُحْكَمُ إلاّ بالقُوَّةِ والحَدِيدِ، وشَعْبٌ تَعِبَ وإِشْتَكى مِنْهُ المَلِكُ الطَيِّبُ فيصَل الأوّلُ والمَلِكُ غَازي والمَلِكُ الحَبيبُ فيصَل الثّانِي والبَاشا الحَكيمُ نُوري السَّعيدُ... وقَبْلُهُم تَعِبَ وإشْتَكى مِنْهُ إبراهيمُ والأَنبياءُ، والخُلَفَاءُ والعُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ، وعَلِيٌّ وأَوْلادُهُ والحَجَّاجُ وهاروُنُ الرَّشيدُ، واليَهودُ والمَسيحِيّونَ والمُسْلِمونَ والوَسَطيّونَ والوُسَطَاءُ، والتَّلاميذُ والصَّحابَةُ والأَصْحَابُ والقَريبُ والبَعيدُ! إِشْتَكَى مِنَ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ كُلُّ هَؤُلاءِ! كُلُّهُم قَالو لِشِيعَةِ العِرَاقِ "يَا شِيعَةَ العِرَاقِ مِنْكُم قَدْ تَعِبْنَا، شِئْنَا فأَبَيْتُم ثُمَّ شِئتُم فأَبَيْنَا، وتَعِبَ مِنْكُم الرَبُّ والأَرْبابُ!" فَشِيعَةُ العِرَاقِ قَدْ أَحَبُّو "ولَوْ نِفَاقَاً" الإِمَامَ عَليٍّ ثُمَّ إنْقَلَبو عَليْهِ! نَافَقُو إبْنَهُ الحُسَيْنَ ثُمَّ أنْقَلَبو عَليْه! وبَعْدَ عُقُودٍ ودُهُورٍ هَلّلو لِنُوري السَّعيدِ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد شَدَّة وَرِد، وصَالِح جَبُر رَيْحانَه،" ثُمَّ - وبَعْدَ أَرْبَعٍ وعِشْرينَ سَاعَةٍ - إنقَلبُو عَلى نُوري السَّعيدِ وشَتَمُوهُ وهُم يَهْتِفُونَ "نُوري السَّعيد القُنْدَرَة، وصَالِح جَبُر قِيطانَه!" وَهَلّلو لِلمُلُوكِ والرُّؤَسَاءِ ثُمَّ إنقَلَبو عَليهِم. والعَرَبُ المُسْلِمونَ عُمُومَاً نَافَقُو وأَحَبُّو الفِتَنَ هُنَا وهُنَاكَ فِي مِصْرَ والشَّامَ ولُبْنانَ والجَّزائِرَ وغَيْرِها -- وأَقوُلُ العَرَبُ "المُتَعَصِّبُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ" لأَنَّ التأريخَ حَكَى لَنَا وأخْبَرَنَا وشَهِدَ "نَادِرَاً" أَنَّ الآشُورِيِّينَ "أَيْ السُّكَّانَ الأَصْلِيِّينَ" واليَهودَ والصَّابِئَةَ وآخرِينَ مِمَّنْ شَهِدَ التأرِيخُ بِسَلامِهِم فِي أَرْضِ السَّلامِ لَمْ تُخْلَقْ فِي عُقُولِهِم الفَوْضَى العَمْيَاءَ، ولَمْ يُخْلَقْ فِي قُلُوبِهِم الغَدْرُ والكَذِبُ والحِقْدُ والخُبْثُ والنِّفاقُ – أَو مِنْ هذَا وذَاكَ فِي "مُرَكَّبَاتِهِم مِنَ الحَامِضِ أَو الحَمضِ النَّوويّ" مِثْلَ الكَثِيرِ "ولَيْسَ الكُلُّ" مِنَ العَرَبِ، وهُنَا أتَحَدَّثُ عَنْ سَاسَةِ الدِّينِ وعِبَادَةِ البَشَرِ، ولَيْسَ كُلُّ البَشَرِ. وهَذا تأريخٌ وهِيَ أَحْداثٌ، وأَنَا هُنَا أتَحَدَّثُ عَن بِلادِ العَرَبِ ولا أَخُوضَ فِي بِلادِ الغَرْبِ وفَسَادِ بَابواتِ الفاتيكانِ وجَمْعِ الأَمْوَالِ وبَيْعِ صُكُوكِ الغُفْرَانِ للنِّعْمَةِ والبِرِّ والخَلاصِ مِنَ الذُّنُوبِ أَو النِّفَاقِ أَو إِرْسَالِ الجُّيوشِ الصَّليبيَّةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ بِحِجَّةِ حِمَايَةِ الكَنائِسِ والأَرْضِ والتُّراثِ والإِيمَانِ! وأنا هُنا لا أنْوِيَ أَو أَتَعَمَّدُ الإِهانَةَ والتَّجْرِيحَ الأَعْمَى، بَلْ أُحَلِّلُ التأريخَ والأَحْداثَ تَحْتَ مِجْهَرِ العُلُومِ السِّياسِيَّةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَقَافِيِّ واللاهُوتِ والأَدَبِ والدِّينِ المُقارَنِ، وهِيَ لِي إخْتِصَاصٌ وتَعْرِيفٌ ودِرَاسَةٌ. واليَوْم فِي العِراقِ قَدْ تَجَمَّعَ السُّرّاقُ والذُّبَابُ، وعَلى مِصْرَاعَيْهِ قَدْ فُتِحَ البَابُ! وهُنَا أَقولُ... عِندَما أَضَعُ البُلدانَ والأوْطانَ تَحْتَ مِجْهَرِ التأريخِ والأيّامِ فإنِّي أرَى بِوُضوحٍ تامٍّ بأنّ "مُعْظَمَ وجُلَّ" الخَرَابِ والدَّمَارِ والجّهْلِ والتَخَلُّفِ والفِتَنِ والحُرُوبِ وأكْثَرِ الظَّلامِ وجُلِّهِ كانَ مِن "شِيعَةِ" العَرَبِ وال "الشّيعَةِ" مِنَ المُسْلِمين! فإنْ نَظَرْنا، مَثَلاً، إلى المَغْرِبِ العَرَبِيِّ أو مِصْرِ المَحْروسَةِ -- والمَحْروسَةُ لَقَبٌ لَهَا لأنَّ اللهَ وَضَعَها فِي مَكانَةٍ خاصّةٍ فَكُتِبَ عَليْها ولَها الأمْنُ والأمَانُ -- وأيْضَاً إنْ نَظَرْنا إلى دُوَلِ الخَليجِ العَرَبِيِّ فنَحْنُ نَرى بِوُضُوحٍ تامٍّ وإعْتِماداً على السِّنينِ ومُجْرياتِ الأمُورِ وسِجِلاّتِ التأريخِ بأنَّ وَسَطيّةَ الإسْلامِ وإعْتِدالِهِ قَدْ نَجَحَتْ فِي بِناءِ أوْطانٍ ومُجْتَمَعاتٍ عَرَبيّةٍ مُستَقِرّةٍ وآمِنة أو، على الأقَلِّ، أفْضَلُ مِن غيْرِها بِكَثِيرٍ. إذَن، فإنَّ الحُكّامَ مِنَ المَسيحيّينَ أو اليَهودِ أو المُسلِمينَ مِن أهْلِ الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ أو العَلْمانيّةِ والفَّصْلِ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ قَد نَجَحُو فِي خَلْقِ وتأسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ تَفَخَرُ بِنَفْسِها وأوْطانِها وتَعيشُ بِسَلامٍ وَرَخاءٍ وإسْتِقْرارٍ. وهذا لِلأسَفِ على عَكْسِ الشِّيعَةِ أو الإخْوانِ المُسلِمينَ أو الراديكاليّينَ أو السَّلَفيّينَ أو حَتّى القَوْمِيّينَ الذينَ حَكَمُو بِإسْمِ الشِّعَارَاتِ والأوْهامِ والأكاذِيبِ والدِّينِ فَشَوَّهُو أدْيَانَهُم ومَذَاهِبَهُم ومُجْتَمَعَاتِهِم وسِيَاسَاتِهِم وأدْخَلو بُلْدانَهُم والآخَرينَ فِي ظُلُمَاتِ الفَقْرِ والبُؤْسِ والجَّهْلِ والعُنْفِ والحُرُوُبِ والخَرَابِ، مِثْلَ إيرانَ بَعْدَ ثَوْرَتِها المَشْؤومَةِ أو اليَمَنِ أو سُوريَة أو لُبْنانَ، كذَلِكَ العِراقَ بَعْدَ سُقوطِ المَلَكيّةِ الرّاقيَةِ أو رُبَّمَا، كَيْ أبْقَى مُتَفائِلاً، بَعْدَ سُقوطِ نِظامِ صَدّام حسين الذي كانَ عَلْمَانيَّاً صَحِيحَاً فِي بِدَايَاتِهِ، والقاسِمُ المُشْتَرَكُ فِي "مُعْظَمِ" الدَّمَارِ هُوَ جَهْلُ ونِفَاقُ الشِّيعَةِ وحُبُّهُم للخَرَابِ والفِتَنِ، أو السَّيْطَرةُ المُباشَرَةُ أو غَيْرُ المُباشَرَةِ لِمَلاليَ إيرانَ على تِلْكَ المُجْتَمَعاتِ بِحُكومَاتِها الضَّعيفَةِ ومُجْتَمَعاتِهِا الهَشَّة، ولا نَنْسَى عامِلَ الجُّغرافيا وهُوَ لُعْبَةُ الخَلْقِ والخَليقَةِ ولَعْنَةُ الأقْدار! وكيْ أَكونَ مُنصِفَاً مَعَ نَفْسِي وقَلَمِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقُولَ بَأنَّ الشّيعَةَ وَحْدَهُم لَيْسُو فِي دائِرَةِ الجَّهْلِ والنِّفَاقِ، بَلْ أَيُّ إِنسَانٍ مُتَعَصِّبٍ لِدينِهِ أَو مَذهَبِهِ أَو مِلَّتِهِ أَو مُجتَمَعِهِ أَو خِيارَاتِهِ فِي الحَيَاةِ، فَيَكُونَ بِهَذا فَريسَةً لآفَةِ الجَّهْلِ والدُّخولِ فِي نَفَقِ الظُّلُمَاتِ مَهِْمَا كانَ دينُهُ أَو مَذهَبُهُ أَو إِيمانُهُ أَو حَتّى قَوْمِيَّتُهُ سَواءٌ كانَ مَسيحيَّ الإِيمانِ أَو يَهودِيَّ الدِّينِ أَو مُسْلِمَ العَقيدَةِ أَو قَوْمِيَّ الكُرْدِيَّةِ أَو مِن أَيِّ دِيانَةٍ سَماوِيَّةٍ أو أَرْضِيَّةٍ أُخْرَى. مِثالٌ على ذلِكَ الإيمانُ والإرْهابُ، فالمُسْلِمُ السُّنِيُّ أو الشّيعِيُّ قد يَتَحَوَّلُ إلى قاتِلٍ وإرهابِيٍّ إذا إبْتَعَدَ عَن الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ وفَتَحَ بابَ عَقْلِهِ وقَلْبِهِ للجَّهْلِ وظُلُماتِ المَاضِي الذي كُتِبَ بأيَادٍ مَريضَةٍ، كالجَّماعاتِ والتّنْظيماتِ المُسَلَّحَةِ مِثْلِ القاعِدة وداعِش وحَمَاسٍ والإخْوانِ والحَرَسِ الثَّوْرِيِّ والمِيلشياتِ الشِّيعيَّةِ وغَيْرِها، وشَهِدْنا ماذا فَعَلُو بالعِراقِ وسُوريَة مِن قَتْلٍ ودَمَارٍ بَعْدَ أنْ أعْطاهُم العَمِيلُ الإيرانِيُّ المَالِكيّ مِفْتاحَ الموصِلِ كَيْ تَصْدُرَ الفَتَاوَى هُنَا وهُنَاكَ وتَدخُلَ إيرانُ، ثُمَّ تُؤَسَّسُ المِيلشياتُ بِحِجَّةِ التَّحْريرِ فِي لُعْبَةٍ لا يَقْدِرَ على تَنْفيذِها إلاّ الشَّيْطانُ، وهُوَ سَاكِنٌ فِي عُقُولِ الجُّهَلاءِ والعُمَلاءِ! مِنْ ناحِيَةٍ أُخْرى، نَرَى كَيْفَ تَحَوّلَتِ السّعوديّةُ، مَثَلاً، مِن سِجْنٍ كَبيرٍ ودَوْلَةٍ مُخيفَةٍ يَحْكُمُها سَابِقَاً النِّفَاقُ والخَوْفُ والأمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ "حَسَبَ إعْتِقادِهِم" إلى دَولَةٍ جَميلَةٍ ومُتَطَوِّرَةٍ ومَحْبُوبَةٍ فِي أيَّامِنَا بِمُجَرَّدِ تَخَلِّيها عَنِ الوَهابيّةِ والتَعَصُّبِ والإنْغِلاقِ والعَمَالَةِ وجَهْلِ العُقولِ. وهَكذا، الدِّينُ والمَذْهَبُ والعُنْصُريَّةُ والقَومِيَّةُ يُمْكِنُ أن تَكونَ سُمُومَاً قاتِلَةً للمُجْتَمَعاتِ إنْ حَلَّ الجَّهْلُ فِيهَا، وهُوَ السُّمُّ القاتِلُ. وهذا فَصْلٌ مِنَ المُفِيدِ والمَنْطِقِ فيهِ أنْ أتَحَدّثَ بِكَلِماتٍ عَن مأسَاةِ ومَآسِ "الفَرْهُود،" والتي حَدَثَتْ فِي العِراقِ فِي سَنَةِ 1941 بَعْدَ فَشَلِ المُحاوَلَةِ الانْقِلابيّةِ التي قامَ بِها رَشيد عالِي الكيْلاني وعَساكِرٌ آخَرونَ للإطاحَةِ بالمَلَكيّةِ الدّستوريّةِ بِإسْنادٍ وتَخْطِيطٍ مِن هِتْلَر والإسْتِخْباراتِ الألمانيّةِ للرّايخِ الثالِث. فَبَعْدَ أنْ عاشَ العِراقيّونَ بِسلامٍ وَرَخاءٍ مُنْذُ عامِ 1921 وبِناءِ الدّوْلَةِ بِأطْيافِها وألْوانِها والعِلاقَةِ بَيْنَ العِراقِ وبريطانيا والتي كانَ أساسُها المَصالِحَ المُشْتَرَكَةَ والرّخاءَ للشَّعْبينِ، وبَعْدَ صُعُودِ هِتْلَر والنّازِيّةِ وبَدْءِ فُصُولِ غَسْلِ العُقُولِ والقُلُوبِ سَواءٌ بِخطاباتِ هِتْلر المَسْرَحيّةِ التي كانَ يُلَخِّصُها يُونِس بَحْري مِن إذاعةِ بَرْلينَ الدّوليّةِ والمُنافِسَةِ لل بي بي سي البريطانيّةِ قَبْلَ وخِلالِ الحَرْبِ العالَميّةِ الثّانيةِ، حَصَلَ إتّفاقٌ بيْنَ هِتلر ورشيد عالي الكيلاني فِي لِقاءٍ حَميمٍ فِي بَرلينَ إلتَقى فيهِ هِتلر مَعَ رشيد الكيلاني أوّلاً ثُمّ لاحِقاً مع أمين الحُسيني مُفتِي القُدْسِ وكلاهُما، أيْ الكيلاني والحُسيني، مِن الكارِهِينَ لِبريطانيا والعاشِقينَ لِهِتلر وخِطاباتِهِ النّاريّةِ والتّحَرّريّة. أَمَّا هِتْلر فَكانَ يُفَكِّرُ فِي حُقولِ النَّفْطِ العِرَاقِيَّةِ والثَرَوَاتِ العَرَبِيَّةِ كما كُتِبَ ودُوِّنَ فِي العُقودِ الأوّليّةِ "المُسْوَدَّةِ" التي وُضِعَتْ فِي الدُّرْجِ وكانَتْ "تَنْتَظِرُ" نَجاحَ إنْقِلابِ الكيلاني ودُخولَ القُوّاتِ الأَلمانيَّةِ إِلى العِراقِ فِي خَيَالٍ مِنْ خَيَالاتِ هِتْلَرَ "كمَا سَمَّاهَا أَحَدُ جِنِرَالاتِهِ،" وَحَصَلَ الكيلاني مِنْ "زَعِيمِهِ" عَلى دَعْمٍ مالِيٍّ كبِيرٍ – هَديَّةٍ -- وبَعْدَ أشْهُرٍ قَليلةٍ، حَصَلَ الحُسَيْنِي عَلى مِثْلِها مِنْ أَجْلِ "تَحْريرِ القُدْسِ" مِنَ البِرِيطانِيِّينَ واليَهُود!! عُموماً، هِيَ الأقْدارُ وهُوَ النِّفاقُ وهِيَ العُقُولُ ومَا فِيهَا ومِنْهَا. ثُمَّ فَشِلَ إنقِلابُ الكيلاني لِصمودِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ وقُوّتِهِ وقُوّةِ الجَّيْشِ البِريطانِيِّ الي سانَدَهُ ودارَتْ مَعارِكَ هُنا وهُناكَ و "إللي هَرَب هَرَب وإللي ضَرَب ضَرَب" وأسْتَقَرَّ الأمْرُ لِلوَصِيِّ عبد الإله الذي كانَ وَصِيّاً على العَرْشِ لِصِغَرِ سِنِّ الأميرِ فيصَل الثّانِي -- وأصْبَحَ الأَخِيرُ فيما بَعْدُ مَلِكاً حَبيباً للعِراقِ فِي سَنةِ 1953 لِيَسْكُنَ قُلُوبَ الصِّغَارِ والكِبَارِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ أَو الأَجْيَالِ اللاحِقَةِ ومَنْ وُلِدُو بَعْدَ عُقودٍ وأَزْمَانٍ أُخْرَى، وأَنَا مِنْهُم. وهَرَبَ الكيلاني إِلى إِيرَانَ ومِصْر ولُبْنانَ يَتَسَوَّلُ ويَتَوَسَّلُ هُنَا وهُنَاكَ، وطَبْعاً إِلتَقَى بَعْدَ سَنَواتٍ بِعَبدِ النّاصِرِ لأَنَّ "المَخْلُوقَاتِ" تُحِبُّ أَمْثالَهَا. وقُبِضَ عَلى الخَوَنَةِ والمتُآمِرينَ وأُعْدِمَ المُنَفِّذونَ مِنَ القَادَةِ والضُبَّاطِ بِأَمْرِ الوَصِيِّ -- وكانَ إِعْدامُهُم نَواةَ الإِنْتِقامِ مِنَ الوَصِيِّ عَبد الإِلهِ والتَّنْكيلِ بِجُثَّتِهِ فِي الإِنْقِلابِ المَشْؤومِ فِي سَنَةِ 1958 مَعَ أَنْهارِ الدِّمَاءِ المَلَكِيَّةِ والدُّمُوعِ العِرَاقِيَّةِ التِي سَالَتْ حِينَهَا، وبَعْدَها، وأَيَّامِنَا، وغَدِنَا! وهُنَا وفِي هذَا المَقَامِ نَقِفُ قَلِيلاً لِنَتَحَدَّثَ فِي أَسْطُرٍ وأَسْطَارٍ وسُطُورٍ عَنِ الإِعْلامِ الخَبِيثِ ودَوْرِهِ فِي غَسْلِ العُقُولِ وغَسِيلِهَا واللَّعِبِ بِالقُلُوبِ والمَشَاعِرِ وتَأْلِيبِهَا. مَثَلاً، كيْ أَبْقَى فِي عَنَاصِرِ الزَّمَانِ والمَكانِ، فَقَدْ لَعِبَ الإِعْلامُ، المَسْمُوعُ، فِي مِثَالِنَا دَوْرَاً أَسَاسِيَّاً، مَعَ الجَّهْلِ، فِي مُحَاوَلاتِ الإِنْقِلابِ والإِنْقِلابَاتِ وبِدَايَاتِهَا أَو بِدَايَاتِ التَّفْكِيرِ بِهَا، وأَهَمُّهَا فِي ذَلِكَ الوَقْتِ إِذَاعَةُ بَرْلِينَ وغُرَابُهَا يُونس بَحْرِي. وكانَ يُونس صَالِح بَحْرِي صَحَفِيَّاً ومُذِيعَاً "لَيْسَ إِعْلامِيَّاً" عِرَاقِيَّاً ومُؤَسِّسَاً لِإِذَاعَةِ بَرْلِينَ العَرَبِيَّةِ فِي أَلمانيَا. وكانَ هَدَفُ الرَّايخِ النَّازِيِّ مِنَ الإِذَاعَةِ الوَلِيدَةِ فِي سَنَةِ 1939 مُنَافَسَةَ الإِذَاعَةِ البِرِيطَانِيَّةِ المُوَجَّهَةِ "بِقُوَّةٍ" إِلى شُعُوبِ الشَّرْقِ الأَوْسَطِ بِغَالِبِيَّتِهَا المُسْلِمَةِ الدِّينِ والإِتِّجَاهِ، والمُتَوَاضِعَةِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ آنَذَاكَ. وكان يُونس بَحْرِي يُذِيعُ خِطَابَاتِ هِتْلَرَ النَّارِيَّةَ ومُلَخَّصَاتِهَا مَعَ بَعْضِ آيَاتِ وسُوَرِ القُرْآنِ الكرِيمِ، رَغْمَ كرَاهِيَةِ هِتْلَرَ لِهذَا الأَمْرِ ومُعَارَضَتِهِ لِهذَا المُقْتَرَحِ فِي البِدَايَةِ ومُوَافَقَتِهِ لاحِقَاً! وكانَ بَحْرِي، أَحْيَانَاً، يَحْرِصُ عَلى إِضَافَةِ بَعْضِ الكلِمَاتِ "البَهَارِ والبُهَارَاتِ" مِنْ عِنْدِهِ لِمُدَاعَبَةِ مَشَاعِرِ العَرَبِ خَاصَّةً المُتَمَرِّدِينَ والجُهَّالِ والجُّهَلاءِ مِنَ العَشَائِرِ والقَبَائِلِ والجُّنُودِ والضُبَّاطِ فِي الجُّيُوشِ العَرَبِيَّةِ خِدْمَةً لِمَصَالِحِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ بِإِتِّفَاقٍ مَعَ رَشِيد عَالِي الكيلانِي وأَمِينِ الحُسَيْنِي -- وقَدْ إِسْتَلَمَ بَحْرِي أَمْوَالاً طَائِلَةً مِنْهُمَا ومِنْ يُوزف غُوبِلز الذِي كانَ يَشْغَلُ مَنْصِبَ وزيرِ الرَّايخِ لِلتَّنْوِيرِ العَامِ والدَعَايَةِ أَيْ "وَزِيرِ الثَقَافَةِ والإِعْلامِ" مَعَ وَضْعِ العَشَرَاتِ مِنَ الخُطُوطِ تَحْتَ كلِمَةِ "ثَقَافَة،" وكانَ غُوبِلز لِسَانَ هِتْلَرَ الصَّارِخَ فِي البَرِيَّةِ والإِذَاعَاتِ والمُؤْتَمَرَاتِ. وتَلَقَّى بَحْرِي مِنْ غُوبِلز بَعْضَ الدُّرُوسِ فِي الإِلْقَاءِ والخَطَابَةِ والتَّوْجِيهِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والسِّيَاسَةِ وعِلْمِ النَّفْسِ الإِعْلامِي -- ومِنْهَا تِكْرَارَ الكذِبِ والأَكاذِيبِ لِتَتَحَوَّلَ إِلى مُوسِيقَى أَوَّلاً ثُمَّ إِلى حَقِيقَةٍ لا مَفَرَّ مِنْ تَرْسِيخِهَا فِي عَقْلِ المُسْتَمِعِ وخَاصَّةً إِذَا كانَ المُسْتَمِعُ والمُتَلَقِّيَ مِنَ الطَّبَقَاتِ البَسِيطَةِ أَو السَّاذَجَةِ أَو مُتَوَاضِعَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ أَو مِنْ مَعْدُومِيهِ -- وهُوَ مِنْ شُرُوطِ النَّجَاحِ الإِعْلامِي -- حَتّى فِي يَومِنَا، إِذْ بَرَعَتْ القَنَوَاتُ الإِعْلامِيَّةُ والفَضَائِيَّاتُ فِي تَحْوِيلِ الأَكاذِيبِ إِلى حَقَائِقٍ رَاسِخَةٍ، لَيْسَ بِسَبَبِ ذَكاءِ الإِعْلامِ بَلْ بَسَبَبِ غَبَاءِ وسَذَاجَةِ المُتَلَقِّيَ إِنْ كانَ مُسْتَمِعَاً أَو مُشَاهِدَاً وفِي إِخْتِلافِ الأَزْمَانِ. والأَمْرُ لا يَقْتَصِرُ عَلى الإِعْلامِ العَرَبِيِّ الذِي بَرَعَ فِي أَكاذِيبِهِ وسَاهَمَ "بِهَا" فِي سَفْكِ دِمَاءِ العِبَادِ وتَدْمِيرِ البِلادِ، بَلْ أَيْضَاً الإِعْلامِ الغَرْبِيِّ الذِي سَاهَمَ بِنُفُوذِهِ وأَمْوَالِهِ وسُلْطَانِهِ وسُلْطَتِهِ فِي غَسِيلِ العُقُولِ والقُلُوبِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأَكاذِيبِ والإِرْهَابِ -- وغَبَاءُ الجُّمْهُورِ لَعِبَ دَوْرَاً مُهِمَّاً وأَسَاسِيَّاً فِي ذَلِكَ، لِلأَسَفِ! وكانَ يُونس بَحْرِي، بِصُرَاخِهِ وعِبَارَتِهِ الشَّهِيرَةِ "هُنَا بَرلِين حَيُّ العَرَبِ" التي كانَتْ مِنْ إِقْتِرَاحِ أَحَدِ مُسَاعِدِي هِتْلَرَ "كدُعَابَةٍ هَامِشِيَّةٍ تَحَوَّلَتْ إِلى إِشَارَةٍ وشِعَارٍ" وبكلِمَاتِهِ الرَنَّانَةِ وأَكاذِيبِ وَلِيِّ نِعْمَتِهِ وزَعِيمِهِ هِتْلَرَ المُنْعِمِ عَلَيْهِ بِالهَدَايَا والأَرْزَاقِ، يَزْرَعُ الفِتَنَ والأَحْقَادَ والغَضَبَ عَلى الحُكُومَاتِ والمُلُوكِ والأُمَرَاءِ ويُلقِيَ الشَّتَائِمَ والتُّهَمَ هُنَا وهُنَاكَ! وقَدْ عُرِفَ "فِي مَلَفَّاتِ المُخَابَرَاتِ الأَلْمَانِيَّةِ والسِجِلاّتِ الأَمْنِيَّةِ" ومُنْذُ وُجُودِهِ فِي مَدِينَةِ ميُونِخ الأَلْمَانِيَّةِ بِلَقَبَيْنِ هُمَا "المُنَاقِقُ الرَّخِيصُ" و "الكذَّابُ الصَّغِيرُ" وأَمّا غُوبِلز فَكانَ يُسَمِّيهِ "عَلِي بَابَا" لِبَرَاعَتِهِ ومَهَارَتِهِ فِي الكذِبِ والنِّفَاقِ والمُرَاوَغَةِ. لكِنَّ بَحْرِي ورَغْمَ نِفَاقِهِ وبَرَاعَتِهِ ومُحَاوَلاتِهِ إِلاَ أَنَّهُ فَشِلَ فِي مُقَابَلَةِ زَعِيمِهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ الأَمْنُ الأَلْمَانِيُّ يُحِبُّهُ أَو "يَثِقُ بِهِ" عَلى أَقَلِّ تَقْدِيرٍ. وقَدْ تَنَقَّلَ بَحْرِي بَيْنَ البِلادِ وطُرِدَ مِنَ الكثِيرِ مِنْهَا لِأَسْبَابٍ أَمْنِيَّةٍ وأَخْلاقِيَّةٍ، ومِنْهَا الهِنْدُ التِي عَمِلَ فِيهَا كمُرَاسِلٍ صَحَفِيٍّ، وكذَلِكَ أَندَنُوسِيَا التِي أَصْبَحَ فِيهَا مُفْتِيَاً لِنِسَائِهَا المُسْلِمَاتِ، ثُمَّ إِمَامَاً لِمُسْلِمِي بَلَدِيَّةِ بَارِيسَ! والعَرَبُ، رَغْمَ كُلِّ ذَلِكَ، كانُو يَسْمَعُونَ ويَسْتَمِعُونَ لَهُ ويُنْصِتُونَ إِلَيْهِ ويُعْجَبُونَ بِأَكاذِيبِهِ وصُرَاخِهِ! إِيهٍ إِيهٍ مِنْ عَرَبٍ وأُنَاسٍ!! وفِي حُزيرانَ مِن سَنَةِ 1941 وبَعْدَ فَشَلِ حَرَكَةِ الكيلاني فِي أيّارَ، بَدَءَ الغَوْغاءُ والرُّعاةُ والإرْهابِيّونَ وعاشِقو هِتلر مِنْ جُهَلاءِ ونَازِيِّي العِرَاقِ أعْمالَ قَتْلٍ وإغْتِصابٍ ونَهْبٍ وتَخْريبٍ ضِدَّ الأبْرياءِ مِن اليَهودِ مِن نساءٍ ورِجالٍ وأطفالٍ وعائِلاتٍ مِن أبْناءِ العِراقِ إنتِقاماً لِما حَدَثَ ورَدَّةَ فِعْلٍ لِفَشَلِ الإنْقِلابِ النّازِيِّ، والذي لَوْ كُتِبَ لَهُ النَّجاحُ لَكَانَ كارِثةً سِياسيّةً وإجْتِماعِيّةً تَسْتَمِرّ لِسَنَواتٍ. وكانَ المُسْلِمونَ أَو "بَعْضُ" المُسْلِمينَ مِنَ القَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ يَجولُونَ الشَّوارِعَ حَامِلِينَ السَّكاكينَ والسُّيوفَ والسَّواطيرَ وهُمْ يَهْتِفُونَ بِقَتْلِ اليَهُودِ الذينَ عَاشُو مَعَهُم لِسِنينَ... يَأْكلونَ سَوِيَّةً ويَفْرَحُونَ ويَحْزَنُونَ ويَعْمَلُونَ ويُعَمِّرُونَ ويَرْقُصُونَ لِأَفْراحِ وأَعْيَادِ الوَطَنِ "الواحِدِ" يَدَاً بِيَدٍ!! هُوَذا النِّفَاقُ والشِّقاقُ والمُجُونُ الذي كانَ ويَكُونُ!! وقُتِلَ يَهُودٌ بالعَشَراتِ وجَاوَزَ المِئَةَ وأَكْثَرَ بِكَثِيرٍ، وجُرِحَ المِئاتُ مِنَ الكِبَارِ والصِّغَارِ، ولَمْ يَسْلَمَ لا صَغِيرٌ ولا كَبِيرٌ، وتَمَّ نَهْبُ المِئَاتِ مِنَ البُيُوتِ والمَحَلاّتِ والأَسْوَاقِ والدَّكاكِينِ. وصُدِمَ الجَّميعُ وخاصّةً المَسِيحِيُّونَ واليَهُودُ مِنَ الزَّمَانِ والأَقْدارِ والقَدَرِ والأَيَّامِ ونُفُوسِ البَشَرِ، وكَيْفَ يَتَكوَّرُونَ كالأَرْضِ ويَنْقَلِبُونَ ويَتَغَيَّرُونَ كالبَحْرِ فِي مَدِّهِ والجَّزْرِ!! وهُنا جاءَتْ كَلِمَةُ "فَرْهُود" وهُوَ مُصْطَلَحٌ مَحَلِّيٌّ يُسْتَخْدَمُ فِي العِراقِ وبَعْضِ البِلادِ والمُجْتَمَعاتِ العَرَبيّةِ ويَعْنِي السَّرِقَةُ والنَّهْبُ والسَّلْبُ خاصّةً بإسْتِخْدامِ القُوّةِ أوالإرْهابِ أو الخِلْسَةِ أو الحِيلَةِ بِجَهْلِ وقِلّةِ أخْلاقِ السّارِقِ، مَعَ ضَعْفِ وطِيبَةِ الضَحِيَّةِ أو المَسْروُقِ الذي يَعْجَزُ عَنْ الدِّفاعِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّعْفِ أو الأَخْلاقِ أو الطِّيبَةِ أو قِلّةِ الحِيلَةِ أو الصَّدْمَةِ أو حُبِّهِ لِوَطَنِهِ أو مَحَبَّةِ السَّلامِ. ويُطْلَقُ على مأْساةِ الفَرْهودِ اليَوْمَ بالهولوكوستِ العِراقِيِّ أو مَآسِيَ يَهُودِ العِرَاقِ، وهُوَ وهِيَ فِعْلاً كذلِك. وأُضِيفُ بأنَّ أعْمَالَ العُنْفِ والقَتْلِ والنَهْبِ والتَّهْجيرِ بِحَقِّ اليَهودِ لَمْ تَحْدُثَ فقط فِي العِراقِ بَلْ وأيْضاً فِي العَديدِ مِنَ الدُّوَلِ العَرَبيّةِ كمِصْرِ والجَّزائِرِ قَبْلَ وأثْناءَ وبَعْدَ الحَرْبِ العالَميّةِ الثّانيةِ -- وكانَ الإِعْلامُ المَسْمُوعُ حِنَهَا مِنْ إِذَاعَاتٍ وخِطَابَاتٍ نَازِيَّةٍ وقَوْمِيَّةٍ مُسَجَّلَةٍ أَو مَنْقُولَةٍ أَو شَائِعَةٍ أَو مُتَدَاوَلَةٍ، كاليَوْم، سِلاحَاً لِلنِّفَاقِ ونَشْرِ الأَكاذِيبِ والفِتَنِ والجَّهْلِ والغَوْغَائِيَّةِ وتَشْوِيهِ الأَفْكارِ وغَسْلِ العُقُولِ وغَسِيلِهَا وتَدْمِيرِ المُجْتَمَعَاتِ المُسْتَقِرَّةِ وغَيْرِ المُسْتَقِرَّةِ. وكانَتْ مَأْسَاةُ "الفَرْهُودِ" نُقْطَةَ تَحَوِّلٍ "أَخْلاقِيَّةً ونَفْسِيَّةً" فِي حَيَاةِ الكثِيرِ مِن يَهُودِ العِرَاقِ الذينَ كانُو أَسَاسَاً فِي بِنَاءِ دَوْلَةِ العِرَاقِ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وفَخْرٍ ورَخَاءٍ وغِنَىً "آنَذَاك" وغَادَرَ الكثِيرُ مِنْهُم بِسَبَبِ الخَوْفِ أَو الصَّدْمَةِ مِمَّا كانَ أَو قَدْ يَكُونُ لاحِقَاً. وبَعْدَ إنْتِهاءِ أَعْمالِ العُنْفِ والجَّهْلِ والقَتْلِ والغَوْغائيّةِ، وبَعْدَ إِسْتِتْبابِ الأَمْنِ وإِسْتِقْرَارِ النِّظَامِ فِي الشَّوارِعِ والأَزِقَّةِ ومُسَاعَدَةِ العُقَلاءِ والشُّرَفَاءِ والأُصَلاءِ والبُسَطَاءِ والرُّقَاةِ والمُثَقَّفِينَ والطَّيِّبِينَ مِنَ المُسْلِمينَ والمَسِيحيِّينَ "العِرَاقِيِّينَ" لِإِخْوانِهِم مِنَ اليَهُودِ "العِرَاقِيِّينَ" إِنْتَهَى الأَمْرُ وعَادَتْ المَحَبَّةُ وعَادَ النِّظَامُ ومَعَهُ الحُبُّ والوِئَامُ لِيَكونَا الأَسَاسُ فِي نَسِيجٍ إِجْتِماعِيٍّ ومُجْتَمَعِيٍّ يُحْسَدُ العِراقُ عَلى أَلْوانِهِ وجَمَالِهِ. وعاشَ الجّميعُ فِي سَلامٍ وإِزْدِهارٍ خاصَةً وأَنَّ مُعْظَمَ اليَهودِ العِراقِيِّينَ أَصَرُّو عَلى أَنْ يَبْقو فِي بِلادِهِم وأَرْضِهِم التي وُلِدُو فِيهَا وأَحَبُّوهَا وأَسَّسُو بُنيانَهَا وجَمَالَهَا بالسَّهَرِ والحُبِّ والإِبْدَاعِ والأَفْكَارِ والمَشَارِيعِ الصُّغْرَى والكُبْرَى، ولَمْ يُهاجِرُو إلى إِسرائِيلَ رَغْمَ التَّرْهيبِ مِنْ جِهَةٍ والتَّرْغِيبِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وعَادَ الكثِيرُ مِمَّنْ هَاجَرَ وغَادَرَ وإِسْتَمَرَّ جَمَالُ وسِحْرُ الأَربَعينيَّاتِ بِجَمَالِ وسِحْرِ عُيُونِ مَلِكَةِ جَمَالِ بَغْدَادَ رِينِيه دَنكور وهِيَ أَوَّلُ مَلِكةِ جَمَالٍ فِي تأرِيخِ العِرَاق. وكانَتْ تِلْكَ الفَتْرَةُ فَتْرَةً جَميلَةً تَدْمَعُ عُيُونُ العِراقِيِّينَ كُلَّما تَذَكّرُوهَا، حَتّى شَاءَ الشَّيْطَانُ وسَمَحَ الرَّبُّ أَنْ تَكُونَ حَرْبُ سَنَةِ 1948 بَيْنَ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ الوَلِيدَةِ فَتَغّيَّرَ كُلُّ شَيءٍ وكانَ مَا بَعْدَ الحَرْبِ شَيءٌ يَخْتَلِفُ فِي قُبْحِهِ وجَهْلِهِ عَمَّا قَبْلَهَا. وتَغَيّرَ وَجْهُ الحَيَاةِ بَعْدَ حَرْبِ 1948 والصِّرَاعَاتِ العَرَبِيَّةِ-الفِلِسْطِينيَّةِ-الإِسْرَائِيليَّةِ "الأَبَدِيَّةِ" أَو كمَا تُسَمَّى "إِعْلامِيَّاً وتِجَارِيَّاً" حَرْبُ "القَضِيَّةِ" التي "تاجَرَ" بِهَا وفِيهَا أَصْحَابُهَا "الفِلِسْطِينِيُّونَ" قَبْلَ غَيْرِهِم مِنَ العَرَبِ والغَرْبِ، وبَاعُوهَا لِيُصْبِحُو وأَوْلادُهُم مِنْ أَصْحَابِ المَلايِينِ والشَّرِكَاتِ واقِعِيَّاً، ومِنْ أَصْحَابِ الشِّعَارَاتِ إِعْلامِيَّاً، وَأَصْبَحَتْ "صُدَاعَاً" وكابُوسَاً فِي لَيَالِ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والغَرْبِ تأرِيخِيَّاً! وتَمَّ التّآمُرُ عَلى يَهودِ العِراقِ وتَهْديدِهِم بِتَلْفِيقِ التُّهَمِ، وهُمْ لا ذَنْبَ لَهُم سِوى أنّهُم يَهودٌ عِرَاقِيُّونَ مُسَالِمُونَ يُحِبُّونَ العِرَاقَ وهُوَ لَهُم أَرْضٌ وحُبٌّ وذِكْرَيَاتٌ وحَيَاةٌ وبَلَدٌ أُمٌّ. وهَاجَرَ البَعْضُ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ قَسْرَاً وظُلْمَاً وتَهْرِيبَاً وعَذَاباً عَن طَرِيقِ الشَّمَالِ أَو شَرْقَاً وجَنُوبَاً عَن طَرِيقِ إيرانَ، وبَقِيَ جُلُّهُم رَغْمَ المُؤامَراتِ والتّهْديداتِ والإتّهاماتِ بالعَمالَةِ تارَةً والتَّجَسُّسِ تارَةً أُخْرى، وعُلِّقَ الكَثِيرُ بِالمَشانِقِ وكانَتْ الإعْداماتُ وصَفَّقَ لَهَا الغَوْغَاءُ مِنْ "بَعْضِ" العَرَبِ. والسَّماءُ تُراقِبُ والمَلائِكةُ تَنظُرُ وتَرْقَبُ الجَّوْرَ والظُّلْمَ، وكانَ بُكاءُ الأبْرِياءُ يُسْمَعُ مِنَ الرَّبِّ، وجُرِّدَ العَديدُ مِنَ اليَهودِ مِنَ الجِنْسيّةِ العِراقيّةِ، وعَلى ذلِكَ تَمَّ "إرْغامُ" الحُكومَةِ العِراقيّةِ. وهاجَرَ أكْثَرُ وأكْثَرُ لِلخَلاصِ، مِنْهُم مَنْ باعَ أمْلاكَهُ ومِنْهُم مَنْ تَرَكَ كُلَّ شَيءٍ وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ النَقِيَّةُ. وإِسْتَمَرَّتْ الظُّغُوطُ العَرَبِيَّةُ والإِقْلِيمِيَّةُ والعَالَمِيَّةُ عَلى الحُكُومَةِ العِرَاقِيَّةِ فَكانَ إِسْتِسْلامُهَا لِلأَمْرِ الوَاقِعِ والحَزِينِ وإِنْحِرَافِ العُقُولِ وتَغَيُّرِ الأَحْوَالِ فِي مُعَاقَبَةِ الأَبْرِيَاءِ أَو وَضْعِ اليَهُودِ بِطِيبَتِهِم وحُبِّهِم لِبَلَدِهِم فِي سَلَّةٍ واحِدَةٍ مَعَ "أَعْدَاءِ" العَرَبِ أَو مَا تَمَّ "إِعْتِبَارُهُ" مِنْ أَلَدِّ الأَعْدَاءِ واقِعَاً أَو قَدَرَاً أَو جَهْلاً أَو حُكْمَاً. وأُجْبِرَ البَقِيَّةُ مِنَ يَهُودِ العِرَاقِ عَلى مُغَادَرَةِ بَلَدِهِم الذي أَحَبُّوهُ، وكانَ ذَلِكَ فِي عَمَلِيَّةِ نَقْلٍ جَوِّيٍّ سُمِّيَتْ بِعَمَلِيَّةِ "عِزْرَا ونَحَميا" وكانَتْ أَشْبَهُ بِالعَمَلِيَّةِ الجِّرَاحِيَّةِ المُعَقَّدَةِ التي بَدَأَتْ فِي سَنَةِ 1950 وإِسْتَمَرَّتْ لِسَنَتَيْنِ ونُقِلَ فِيهَا أَكثَرُ مِنْ مِئَةِ أَلفِ يَهُودِيٍّ عِرَاقِيٍّ إلى إِسْرَائِيلَ عَبْرَ إِيرَانَ وقُبْرُصَ، وكانَ الكثِيرُ مِنْهُم يَبْكِي حُزْنَاً عَلى تَجْرِيدِهِ مِنْ جِنْسِيَّتِهِ وحُبِّهِ وأَصْلِهِ وأُصُولِهِ وأَرْضِهِ وبَيْتِهِ وجِيرَتِهِ وفِرَاقِ المَاضِي الجَّمِيلِ، أَو خَوْفَاً مِنْ المَجْهُولِ فِي إِسْرَائِيلَ. ولَمْ يَبْقَى ويَتَبَقَّى سِوَى المِئَاتُ مِنْ اليَهُودِ فِي إِحْصَاءٍ يَهُودِيٍّ فِي عَامِ 1968 -- بَعْدَ أَنْ كانُو الأَكبَرَ والأَكثَرَ نِسْبَةً مِنْ يَهُودِ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ! فَعَادَتْ ذِكْرَى السَّبْيِ البَابِلِيِّ لكِنْ بِشَكْلٍ آخَرٍ ومَأْسَاةٍ أُخْرَى، وسُمِّيَتْ العَمَلِيَّةُ "عِزْرَا" وبالعَرَبِيَّةِ "عَزِير" ومَعْنَى الإِسْمِ "الذِي يُسَاعِدُهُ الرَّبُّ" نِسْبَةً إِلى عِزْرَا الكاتِبِ أَو عِزْرَا الكاهِنِ الذِي كانَ مُوَظَّفًا وكاهِنَاً فِي بَلاطِ مَلِكِ الفُرْسِ فِي أَرْضِ بَابِلَ المُحْتَلَّةِ، وسُمِحَ لَهُ ولِليَهُودِ المَنْفِيِّينَ والمَسْبِيِّينَ بِالعَوْدَةِ إِلى أَرْضِهِم فِي فَتْرَةٍ مَا، فَعَادَ مِنَ الأَسْرِ البَابِلِيِّ وأَعَادَ تَعْلِيمَ التَّوْرَاةِ فِي القُدْسِ المُدَمَّرَةِ، وفَرَضَ إِحْتِرَامَ النَّامُوسِ وتَطْهِيرَ المُجْتَمَعِ مِنَ الإِنْحِرَافَاتِ الأَخْلاقِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والدِّينِيَّةِ فِي قِصَّةٍ تَوْرَاتِيَّةٍ وكِتَابِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ. وعِزْرَا شَخْصِيَّةٌ تَوْرَاتِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ تَحْظَى بِإِحْتِرَامٍ كبِيرٍ فِي اليَهُودِيَّةِ والمَسِيحِيَّةِ وعُلَمَاءِ اللاهُوتِ والدِّينِ المُقَارَنِ. وأَعُودُ إِلى مَا بَعْدَ مَأْسَاةِ الفَرْهُودِ ودُرُوسِهَا وهِجْرَةِ الأَحْبَابِ مِنَ المَسِيحِيِّينَ واليَهُودِ... وعِندمَا جَلَسَ المَلِكُ الحَبِيبُ فيصَل الثَّانِي عَلى عَرْشِهِ المَجِيدِ والوَقْتُ فِي عَامِ 1953 قَدْ حَانَ وكانَ، أَقْسَمَ بِأنْ يَبْنِيَ عِرَاقَاً جَدِيداً لا ظُلْمَ فِيهِ يَعيشُ فِيهِ الجَّمِيعُ سَويَّةً بِرَخَاءٍ ونَعِيمٍ وأَمَانٍ، وقالَها مِرَارَاً لِعائِلتِهِ وخَطِيبَتِهِ ومُربِّيَتِهِ وشَعْبِهِ ومَنْ وَثِقَ فِيهِم وبِهِم وأَحَبَّهُم مِنْ عَشيرَتِهِ مِنَ الهاشِميِّينَ وإِبْنِ عَمِّهِ الحُسَيْنِ والجِّيرَانِ، لكِنَّ العِراقِيّينَ، كعَادَتِهِم، لَمْ يَشْكرُو السَّمَاءَ عَلى نِعْمَةِ المَلِكِ الصَّالِحِ وهذِهِ الرَّحْمَةِ وهذَا العَطَاءِ مِنَ المَنَّانِ! فَقَتَلوُهُ!! وهُنَا أقُولُ، أَنَا مُؤْمِنٌ بِأَنَّ الحُكومَاتِ تُرِبِّيَ شُعوبَهَا كمَا يُرَبِّيَ الآبَاءُ الأَبْناءَ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. مَثلاً، كانَ العِراقِيُّونَ والعَرَبُ فِي سَنَوَاتِ المَلَكِيَّةِ والمَلَكيَّاتِ، وقَبْلَ غَسْلِ عُقُولِهِم بالجَّهْلِ والنّازيَّةِ والنَّاصِريَّةِ والقَوْمِيَّةِ وكُلِّ هَذهِ الأَوْهَامِ السِّيَاسِيَّةِ، يَتَمَتّعونَ بالرُقِيِّ والثَّقافَةِ والهُدُوءِ وحُبِّ القِراءَةِ والدِّراسَةِ والإِطِّلاعِ والسَّفَرِ والبِنَاءِ وكُلِّ جَديدٍ ومُمْتِعٍ لِتَكونَ للحَياةِ أَلوانٌ ويَكونَ للأَيّامِ مَعْنَى. لِمَاذَا؟ لأَنَّ المُلوكَ والأُمَراءَ والأَميراتِ كانو هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وكانَ للمَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّاني، مَثَلاً، حُلماً وأَحْلاماً فِي أَنْ يَجْعَلَ العِرَاقَ أَشْبَهَ بالمَمْلَكةِ المُتَّحِدةِ وأَنْ تَكونَ بَغدادُ لَنْدَنَ الشَّرْقِ والعَرَبِ. وكانَ المَلِكُ الشَّابُّ المُحِبُّ لِبَلَدِهِ وشَعْبِهِ يُخَطِّطُ لِهذا كمَا كانَ وهُوَ فِي أَرشيفِ العِرَاقِ الذي أَحْرَقَ وزَوَّرَ وشَوَّهَ الكثيرَ مِنْهُ المَعْتُوهُ عَبد الكريم قاسِم، لكِنَّ الأَصْلَ مِنَ الوَثَائِقِ حُفِظَ فِي أَرشيفِ لَندَنَ وبَرلينَ، لِأَنَّ الزَّمَانَ والمَكانَ أَذْكى مِنَ خَائِنِ الزَّمَانِ والمَكانِ. وبَعْدَ إنْقِلابِ مِصْر فِي سَنَةِ 1952 وخَرابِ المَحْروسَةِ وبَدْءِ عبدِ النّاصِر فِي بَثِّ السُّمومِ والأكاذِيبِ بِخِطاباتٍ وأوْهامٍ وعَنْتَريّاتٍ فارِغَةٍ وبَعْدَ "عَويلِ" و "صُراخِ" و "أكاذيبِ" صَوْتِ العَرَبِ التي دَخَلَتِ البُيوتَ وشَوّهَتِ الآذانَ والعُقُولَ والقُلُوبَ العَرَبيّةَ، مُدَّ بِسَاطُ الدَّمِ الأحْمَرِ لِتَسيرَ علَيْهِ شَيَاطينُ الحُرُوبِ والإنْقِلاباتِ النّاصِريّةِ مِن مَكانٍ لآخرَ وبِلادٍ لِأُخْرى ومِنْها العِراق، فَكانَ الإنقِلابُ المَشْؤومُ وحُكْمُ العَسْكَرِ، وأصبَحَ العِراقيِونَ والعَرَبُ أكْثَرَ عُنْفاً وسَريعِي الغَضَبِ ويَكْذِبونَ ويَسْرِقونَ ويَتَحايَلونَ على أنْفُسِهِم وغَيْرِهِم ولا يَثِقُونَ بِبَعْضِهِم البَعْضِ ويُنافِقونَ فِي حَيَاتِهِمُ اليَوْميّةِ لأنَّ الحُكّامَ بَعْدَ الإنْقِلاباتِ هُمْ هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وفِي السَبعينيَّاتِ عَادَ العِراقِيُّونَ لِيَكونُو أَكثَرَ إنْفِتاحاً وثَقافَةً وعِلْمَاً وحُبَّاً لِلحَياةِ والإزْدِهارِ لأَنَّ الحُكَّامَ حينَهَا، رَغْمَ الإِعْداماتِ والحَدِيدِ والنَّارِ، أَحَبُّو الِإنْفِتاحَ والرَّخَاءَ والتَّمَتُّعَ بالحَيَاةِ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكّامَهَا، ولا نَنْسَى، بأَنَّ فِي كُلِّ هَذهِ الأَزْمَانِ وحَتّى عامِ 1979 كانَ الشَّرْقُ والعَرَبُ فِي شَيءٍ مِنَ الإِنْفِتاحِ والإِزْدِهَارِ والرَّخَاءِ وجَمَالِ الحَيَاةِ -- فِي شَرْقِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَلالِي إيرانَ فِي قُوَّتِهِم رَغْمَ المُحاوَلاتِ -- ومَلالي إيرانَ، فِي كُلِّ الأَزْمانِ، أرَادُو ويُريدونَ خَفْضَ تِعْدادِ العَرَبِ إلى النِّصْفِ بالقَتْلِ والفِتَنِ والحُرُوبِ الأهْليّةِ، وزِيادَةَ تِعْدادِ الفُرْسِ إلى الضِّعْفِ بِغَزْوِ البِلادِ سِياسيّاً وثَقافيّاً وأخْلاقِيَّاً وإجْتِماعيّاً وعَسْكَريّاً وإقْتِصَادِيَّاً. وأرَادَ المَلالِي خَلْقَ أجْيَالٍ عَرَبِيَّةٍ أخْرَى لا تُشْبِهَ بَعْضَهَا أو حَضَارَاتِهَا ولا أخْلاقَ أو رُقِيَّ فِيهَا، ولِلأَسَفِ نَجَحُو بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي ذلِك، فَأصْبَحَ هُنَاكَ جِيلٌ عِراقِيٌّ وعَرَبِيٌّ عاشِقٌ للفِتَنِ والحُرُوبِ والغَوْغائِيَّةِ والهَمَجِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكيرِ والعَمَلِ بَلْ والعاداتِ اليَوْمِيَّةِ وشَكْلِ الحَيَاةِ وأشْكالِهَا وأنَا هُنَا لا أتَحَدَّثَ عَن العِراقِيّينَ والعَرَبِ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ بَعْدَ إنْهِيارِ المَلَكِيَّاتِ وعُصُورِ الرُّقْيِ وما تَلاهَا مِنْ إنْقِلابَاتٍ وفِتَنٍ وحُرُوبٍ وتَشْوِيهٍ للأجْيَالِ وثَوْرَاتٍ دَمَويَّةٍ وتَدْمِيريَّةٍ فَحَسْب، بَلْ أيْضَاً "بَعْضِ" أُولئِكَ مِنَ العِراقِيّينَ والعَرَبِ الذينَ يَعِيشُونَ اليَوْمَ فِي أوروبّا وأمْريكا وقارَاتٍ أُخْرَى -- ومِنْهُم مَشَاهِيرٌ لَهُم المِئَاتُ مِنَ المُتَابِعِينَ الذينَ يُشْبِهُونَهُم -- ويَظْهَرُونَ عَلى صَفَحاتِهِم بِشَكْلٍ آخَرَ وأخْلاقٍ مُغايِرَةٍ للواقِعِ، ومَا يَقُومُونَ بِهِ عَلَنَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ مِنْ عَاداتٍ يَوْمِيَّةٍ أو حَدِيثٍ بِصَوْتٍ عالٍ وهَمَجِيٍّ وسُوقِيٍّ فِي الشّوارِعِ أو مَعَ الجِّيرانِ أو المُوَظَّفِينَ أو العِيَاداتِ والمُؤسَّسَاتِ أو البَّصْقِ فِي الطُّرُقَاتِ أو التَحَرُّشِ مَعَ أيِّ "مَخْلُوقَةٍ" شَقْرَاءَ وإنْ كانَتْ طِفْلَةٌ أو مُراهِقَةٌ فِي طَرِيقِهَا إلى البَيْتِ أو المَدْرَسَةِ، وأيْضّاً ما يَكونُ مِنْهُم مِنْ هَمَجِيَّةٍ وإنْحِطاطٍ إنْسانِيٍّ أو حَتّى بَشَرِيٍّ فِي التَّجَمُّعاتِ والسّينَماتِ والحَفَلاتِ! فَهَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الأرْضِ والأوْطَانِ والأمَانِ والجِّنْسِ والحُبِّ؟ لا، بَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ. والنَّاسُ أو حُكُوماتُ الغَرْبِ لا يَتَحَدَّثُونَ عَن الفَرْدِ والأفْرادِ، ولا يَقُولونَ "عِراقِيٌّ أو عَرَبِيٌّ فَعَلَ هَذا أو ذاكَ" بَلْ يَجْمَعُونَ ويُعَمِّمُونَ ويَقُولوُنَ "العِراقِيّونَ والعَرَبُ فَعَلُو ويَفْعَلُونَ هَذا وذاكَ!!" إذَنْ، الشُّعُوبُ تُشْبِهُ أوْطانَهَا وحُكومَاتِهَا، فإنْ أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ الشُّعُوبَ وتَتَعَرَّفَ عَلى بَعْضِ عاداتِهَا وتَقِيسَ أخْلاقَ النّاسِ وسُلُوكيّاتِ البَشَرِ فِيهَا ومِنْهَا، فأٌنْظُر إلى أوْطانِهَا وحُكُومَاتِهَا، لأنّي، مَرَّةً أُخْرَى، أقُولُ، إنَّ الشُّعُوبَ تُشْبِهُ الأوْطَانَ والُحُكومَاتِ، والمُجْتَمَعُ وَلِيدُ الحَضَارَاتِ، والنَّاسُ يُشْبِهُونَ أوْطانَهُم، والبَشَرُ يُشْبِهُونَ حُكُومَاتِهِم، والخَلِيقَةُ مِنَ الخَالِقِ، والخَلْقُ للخَالِقِ، والحُبُّ يَنْمُو فِي القَلْبِ الصَّادِقِ، والأصِيلُ يَأْتِيَ مِنَ الأرْضِ الطَيِّبَةِ، والطِينُ مِنَ الخُبْزِ المَأدُومِ الرَّائِقِ، والرُّوحُ النَقِيَّةُ يَنْسَابُ جَمَالُهَا كالشَّرَابِ الرَّائِقِ، والخُبْثُ يَظْهَرُ فِي السّارِقِ، والقُبْحُ فِي المُنَافِقِ! وهكذَا، بالحَدِيثِ عَن النِّفَاقِ، أعُودُ إلى إيرانَ وأحْلامِهَا فِي تَشْويهِ بِلادِ العَرَبِ وتَصْديرِ أفْكارِهَا فِي صَنَادِيقٍ مَخْتُومَةٍ بِأخْتَامِ القَتْلِ والفَقْرِ والجَّهْلِ والخُبْثِ والفِتْنَةِ والطَّائِفيَّةِ...، وكانَ لِحُكّامِ إيرانَ، وإلى يَوْمِنَا، مِفتاحٌ عاطِفِيٌّ هُوَ "الماستَر كِي" الذي فَتَحَ ويَفْتَحَ لَهُم أبْوابَ وقُلُوبَ وعُقُولَ الجُّهّالِ مِنَ "المُسْلِمينَ" الشِّيعَةِ ومِنْهُم وجُلُّهِم الجُّهَلاءِ وغَيْرِ المُتَعَلِّمينَ، وهذا المِفْتاحُ هُوَ "مَظْلوميّةُ" الزَّمانِ وكَلِمَةُ "الحُسَيْن!!" لكِنْ لِماذا الإمامَ الحُسَيْنِ ولَيْسَ أخوهُ الحَسَنُ إبْنُ عَلِيٍّ وفاطِمَةَ والحَفيدُ المُباشِرُ للنَبِيِّ مُحَمَّدٍ أو أخٌ أو شَقيقٌ آخَرُ مِن أبْناءِ عَلِيٍّ الكُثُرِ؟؟ وهُنا لَنْ أتَحَدّثَ عَن "حَقيقَةِ" ما حَدَثَ فِي العِراقِ أو كربَلاءِ أو دِمَشْقَ أو ما حَدَثَ مَعَ الدّولَةِ الأمَويّةِ ومَا لِ "حَقيقَةِ" القِصَّةِ والأحْداثِ مِنْ حَقائِقٍ ومُفاجَآتٍ تَمَّ تَزْويرُها وتَغْييرُها لِتَكونَ مأساةً وقَطْعَاً للرُّؤوسِ وسَبْيَاً للنِّساءِ والأطْفالِ وخِطاباتٍ عاطِفيّةٍ وبُطولاتٍ شَوَّهَتْ تأريخَ آلِ البَيْتِ والمُسلِمينَ والذينَ لَهُمْ مِنِّي كُلُّ التَّقْديرِ والإحْتِرامِ. لكِنِّي سأُبَيِّنُ أنَّ الإيرانيّينَ وأحْفادَ فارِسَ "وهُنَا أتَحَدّثُ تَحْديداً عَنْ عِمَامَاتِ إيرانَ ومَنْ حَكَمَ مُنْذُ سَنَةِ 1979 وهِيَ السَنَةُ المَشْؤومَةُ وشُؤْمُهَا على الإيرانِيّينَ والعَرَبِ عَلى حَدٍّ سَوَاءٍ" لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم فِيمَا يَتَعَلّقُ بالعِرَاقِ والعَرَبِ سِوَى الإحْتِقارُ والأحْقادُ والرَّغْبَةُ فِي الإنْتِقامِ لِتأريخٍ وهَزائِمٍ بَعيدةٍ وقَريبَةٍ دَوَّنَتْها الكُتُبُ فِي الشَّرْقِ والغَرْبِ. ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ تَزْويرَ التأريخِ والكُتُبِ والمَخْطوطاتِ هِيَ عَمَليّةٌ مٌعَقَّدةٌ ودقيقَةٌ صُرِفَتْ وتُصْرَفَ علَيْها الأمْوالُ الطّائِلَةُ لِتَكونَ حَقائِقَ أُخْرى بأحْداثٍ مُخْتَلِفَةٍ تَسْكُنَ فِي عُقولِ الجُّهالِ والجُّهَلاءِ مِنَ البَشَرِ والأجْيالِ! وفِي هذا أقُولُ...، أمّا قِصّةُ الحُسَيْنِ وإخْتيارُهُ فَلَهُ سِرٌّ تأريخيٌّ غابَ عَنِ الكِتاباتِ وحَقيقَةٌ غُيِّبَتْ فِي كثيرٍ والكَثيرِ مِنَ الكُتُبِ، وهِيَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ "شهربانو" أو "شهربانويه" إبْنَةُ آخرِ أكاسِرةِ الفُرْسِ يَزْدَجَرْد -- وكانَتْ تِلْكَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ زَوْجَةً للحُسَيْنِ إبْنِ عَلِيٍّ الذي تَزَوَّجَها وأنْجَبَتْ مِنْهُ ولَهُ إبْنَهُ عليّ زَيْن العابِدِين، فَقالَ حينَها "أَنَا إِبْنُ الخِيرَتيْنِ،" مُشيراً إلى قَوْلِ جَدِّهِ الذي قالَ "للّهِ تَعَالى مِنْ عِبادِهِ خِيرَتانِ: مِنَ العَرَبِ هاشِم ومِنَ العَجَمِ فارِس!" إذَنْ، يا سَادَة، الأمْرُ هُوَ تأريخٌ فارِسِيٍّ وتَمْجيدٍ لآلِ فارِسَ، ولا عِلاقَةَ للعِراقِ والعَرَبِ بِكُلِّ فُصُولِ الجَّهْلِ واللَّطْمِ والأحْزانِ والطّائِفيّةِ التي أثارَتِ الحُرُوبَ والقَتْلَ والفِتَنَ لِدُهُورٍ وعُصُورٍ دُونَ أنْ يَسْألَ الكَثيرُ مِنَ الجُّهَلاءِ أو القَليلُ مِنَ العُقَلاءِ لِمَ ولِمَاذا؟! وأُكْمِلُ لأقولَ...، كانَ عامُ 1979 عامَ الفَصْلِ بَيْنَ العُصُورِ المُلَوَّنَةِ وبَيْنَ الحُرُوبِ والإغْتِيالاتِ والإضْطِراباتِ المُجْتَمَعيّةِ، وأصْبَحَ عامُ 1979 عِندَ الكَثيرينَ مِن عُلَماءِ الإجْتِماعِ والمُخْتَصِّينَ بِهِ، وأَنَا مِنْهُم، هُوَ عامُ العَدِّ التَنازُلِيِّ لإزْدِهارِ الكَثيرِ مِنَ دُوَلِ الشَّرْقِ ورَخاءِ الأيّامِ والسِّنينَ، وعامٌ بَدَءَ فِيهِ إنْشاءُ مُجْتَمَعاتٍ تُؤمِنُ بالعُنْفِ وال "العَنْتَريِّاتِ،" وإلى يَوْمِنا! واليَوْم... ومُنْذُ إنْهِيارِ الجَّسَدِ والرُّوحِ فِي سَنَةِ 2003 وإِحْتِلالِ إِيرانَ لِلعِرَاقِ وتَنْصِيبِ الغَوْغَاءِ عَلى حُكْمِهِ، إِنْهارَ كُلُّ مَا هُوَ رَاقٍ وأَصِيلٍ وجَميلٍ، وتَغَيَّرَ البَشَرُ سَلْبَا، وسَادَ جِيلٌ عَلى جِيلٍ بَعْدَ جِيلٍ، وهذَا يَعْنِي سُلُوكِيَّاتُ الشُّعُوبِ، والشُّعوبُ، غَالِبَاً، تُشْبِهُ حُكّامَهَا! وأَصْبَحَ السِّلاحُ فِي أَيَّامِنا رُكْنَاً أَسَاسِيَّاً مِنْ أَسَاسِيَّاتِ أَثاثِ البَيْتِ! والرَّجُلُ لا تَكْتَمِلُ رُجُولَتُهُ إِلاّ بِسِلاحٍ فِي خَصْرِهِ -- ولا تَكْتَمِلُ أُنوثَةُ المَرْأَةِ إِلاّ بِلِسَانٍ سَليطٍ فِي فَمِهَا -- بَعْدَ أَنْ كانَ سِلاحُ الرَّجُلِ فِي عُصُورِ المَلَكيَّاتِ الذَّهَبيَّةِ هُوَ المُوسِيقَى والكِتَابُ والسَّفَرُ والتِّرْحَالُ، وسِلاحُ المَرْأَةِ هُوَ العِلْمُ والثَّقافَةُ والأُنوثَةُ والجَّمَالُ -- وهُنا أتَحَدَّثُ عَنْ الجَّمَالُ الطَّبِيعِيِّ، أَو فِي أَقَلِّ تَقْديرٍ، كانَ سِلاحُ الإِثْنَيْنِ مِنَ النِّساءِ والرِّجَالِ فِي المَلَكيَّاتِ هُوَ الهُدُوءُ ورَاحَةُ البَالِ. وهُنَا أَضَعُ لِلنِّسَاءِ العِرَاقِيَّاتِ أَلْقَابَاً فِي أَسَاسِيَّاتِ الزَّمَانِ والمَكانِ والأَحْدَاثِ والأَقْدَارِ وسُلُوكِ الحُكُومَاتِ والشُّعُوبِ، مَثَلاً، فِي الثَّلاثِينيَّاتِ كُنَّ طَاهِرَاتٌ سَاكِنَاتٌ، وفِي الأَرْبَعينيَّاتِ جَمِيلاتٌ رَاقِيَاتٌ، وفِي الخَمسِينيَّاتِ دَارِسَاتٌ فَخُورَاتٌ، وفِي السِّتينيَّاتِ مُثَقَّفَاتٌ عَامِلاتٌ، وفِي السَّبعِينيَّاتِ مُجْتَهِدَاتٌ حِسَانٌ حَسْنَاوَاتٌ، وفِي الثَّمَانينيَّاتِ مُقَاتِلاتٌ مَاجِدَاتٌ، وفِي التِّسْعِينيَّاتِ صَابِرَاتٌ عَارِفَاتٌ --  لكِنْ مُنْذُ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا وإِلى يَوْمِنَا مِنْ عَبَثٍ فِي السُّلُوكِيَّاتِ والشَّخْصِيَّاتِ يَصْعُبُ عَلَيَّ وعَلى قَلَمِي وعَلى أَيِّ إِنْسَانٍ مَهْمَا كانَ ذَوْقُهُ وأَسَاسُهُ ومُسْتَوَاهُ الثَّقَافِيُّ ومَهْمَا كانَتْ خِيَارَاتُهُ فِي الحَيَاةِ أَنْ يَصُوغَ فِكْرَةً أَو لَقَبَاً أَو كلِمَاتٍ أَو مَعَانٍ لِشَخْصِيَّةِ اليَوْم فِي الحَيَاةِ الوَاقِعِيَّةِ أَو الإِفْتِرَاضِيَّةِ ومَا نَرَاهُ مِنْ تَشْوِيهٍ وإِنْحِطَاطٍ إِنْسَانِيٍّ وبَشَرِيٍّ وذَوْقِيٍّ فِي عَالَمِ الرِّجَالِ، ولِلأَسَفِ، النِّسَاءِ مِنْ أَجْيَالِ بِلادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ!! وهكذَا، هِيَ الشُّعُوبُ وهِيَ الحُكُومَاتُ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وأَصِفُ الآنَ مَا أَصِفُ كَيْ نَعْرِفَ كَيْفَ تَغَيَّرَتْ سُلُوكيَّاتُ الشَّعْبِ العِرَاقِيِّ بِتَغَيُّرِ حُكُومَاتِهِ -- وأَبْدأُ حَيْثُ بَدَأَ الرُقِيُّ، فالمَلِكُ الطَيّبُ فيصَل الأوّل الذي أسَّسَ البُنيانَ كانَ أساسُهُ الرُّقِيَّ وسُمْعَةَ الشُّعُوبِ الطَّيِّبَةِ أمَامَ النّاسِ، لكِنّ العِراقِيّينَ أحْزَنوهُ وأتْعَبُوهُ، فَكتَبَ فِي وَصيَّتِهِ أنَّ طَوائِفَ العِرَاقِ ومَنْ عَلى أَرْضِهِ مِنْ شِيعَةٍ ومِلَلٍ ومَذَاهِبٍ يَمْلأُ قُلُوبَهَم النِّفَاقُ وحُبُّ الذَّاتِ، وإِنَّ السَّيْطَرَةَ عَليْهِم مِنَ فُصُولِ المُعْجِزاتِ. والمَلِكُ غَازي الذي أحَبَّ الزَّعِيمَ النَّازِيَّ هِتْلرَ وعادَى البِريطانيّينَ بِالخِطَابَاتِ والكَلِمَاتِ والإذَاعَاتِ وأَسَّسَ إِذَاعَةً الزُّهُورِ هُنَا وهُنَاكَ وفِي قَصْرِ الزُّهُورِ فِي عامِ 1936 لِيُحَبَّهُ الكَثيرُ مِنَ العِراقيّينَ وهُمْ للإنجليزِ الذينَ أدْخَلوُ الرُّقِيَّ والعِلْمَ للعِراقِ كارِهونَ، فَحَصَلَ المَلِكُ العِرَاقِيُّ الثَّائِرُ عَلى الهَدَايَا الألْمَانيَّةِ كالسَّيَّارَاتِ الفَاخِرَةِ وتُحَفٍ نَادِرَةٍ كَهَدِيَّةِ بُلْبُلِ الإذَاعَةِ الذَهَبِيِّ بِمُنَاسَبَةِ إفْتِتَاحِ إذَاعَةِ الزُّهُورِ مَعَ خِطَابِ شُكْرٍ ومَوَدَّةٍ بِتَوْقِيعِ هِتْلَر، لكِنَّ المَلِكَ الطَّيَّبَ حَصَلَ أَيْضَاً عَلى فَخٍّ إنْكِلِيزِيٍّ وحَادِثٍ مُدَبَّرٍ فَقُتِلَ فِي سَيَّارَتِهِ وهُوَ فِي طَرِيقِهِ لِمُقَابَلَةِ الشَّقْرَاءِ البِرِيطَانيَّةِ، ليُضَافَ حُزْنٌ ودَمْعٌ لِأَحْزَانِ ودُمُوعِ المَلِكةِ عَاليَة... مَلِكَةِ الأَحْزَانِ والدُّمُوعِ. وحَانَ وَقْتُ عبد الإلهِ، خَالِ المَلِكِ الصَّغِيرِ فَيصَل الثَّانِي والوَصِيِّ عَلى عَرْشِ العِرَاقِ، والذي أَحَبَّ العِرَاقَ لكِنَّ العِرَاقَ رَفَضَ حُبَّهُ كَوَصِيٍّ! وبَنَى رَغْمَ ذَلِكَ جَيْشاً قويّاً وحَاوَلَ الحِفَاظَ عَلى الأَمَانَةِ كَوَصِيٍّ وخَالٍ، لكِنَّ العَداءَ مَعَ القَوْميّينَ والنَّاصِريّينَ والأَحْزَابِ والخَوَنَةِ كانَ لَهُ بالمِرْصادِ! أَمَّا فيصَل الثّاني فكانَ الرُّقِيُّ والطّيبَةُ لَهُ سِمَةٌ وسِمَاتٌ، فأحَبَّهُ المَلايينَ مِنْ أهْلِ العِراقِ والعَرَبِ والغَرْبِ ومَلائِكَةُ السّماواتِ، وتَعِبَتْ يَدُاهُ مِن البِناءِ والإعْمارِ والمَشاريعِ والبُحَيْراتِ، والثِّرْثارِ والصّناعَةِ والزّراعَةِ والحَدائِقِ والرِّحابِ والزُّهورِ والجّامِعاتِ، لكِنّ غَوْغاءَ العِراقيّينَ فِي شَبَابِهِ قَتَلوُهُ، فَقَتَلوُ مَعَهُ العِراقَ وأذَلّوُهُ! وبَدَءَ حُكْمُ الخَوَنَةِ والعَسْكَرِ بِقِيَادَةِ عبد الكريم قاسِم مَعَ رَئِيسٍ شَرَفِيٍّ لا سُلْطَةَ بِيَدِهِ ولا سُلْطَانَ لَدَيْهِ. وحَكَمَ قاسِمُ بِقُوَّةٍ ضَارِبَةٍ مُسَمِّيَاً نَفْسَهُ "الزَّعِيم" مَعَ المُعْجَبينَ بِهِ والتّابِعينَ لَهُ مِنَ الغَوْغاءِ والهَمَجِ وغَيْرِ المُثَقَّفِينَ. وكانَ فِي حُكْمِهِ رَاقِصَاً عَلى حِبَالِ الأَحْزَابِ يَمينَاً ويَسَارَاً هُنَا وهُنَاكَ، وعازِفَاً بِخُبْثٍ عَلى أَوْتَارِ الفُقَرَاءِ، فَسَرَقَ كُلَّ المَشاريعِ التي كانَتْ قَيْدَ التَّسْجِيلِ والتي تَمَّ تَخْطِيطُهَا وتَصْميمُهَا فِي عَهْدِ المُلُوكِ والأُمَراءِ والوَزِيرِ نُورِي السَّعيدِ وخاصَةً مَشَارِيعَ الإسْكانِ، وتَمَّ وَضْعُ إسْمِ قاسِمَ عَلى المَشارِيعِ والوَرَقِ، وهَكذا، إسْمُ الزَّعِيمِ المُحْتَالِ فِي تأريخِ العِرَاقِ بالتَّزْويرِ نُقِشَ وكُتِبَ -- كمَا صَنَعَ عبدُ النّاصِرِ فِي مِصْر فَسَرَقَ الكَثِيرَ مِنْ أَفْكارِ ومَشَارِيعِ وأمْجادِ المَلِكِ فارُوق ونَسَبَهَا إلَيْهِ!! وحَكَمَ عبدُ السّلام عارِف وكانَ دُمْيَةَ عبدِ النّاصِرِ وخادِمَهِ المُطِيعِ، وفِي سَنَواتِ حُكْمِهِ القَلِيلَةِ والمَعْدُودَةِ نَفَّذَ بِوَضَاعَةٍ وحَقَارَةٍ أمْرَ عَبْدِ النّاصِر بِتَرْهِيبِ وسَجْنِ وإعْدامِ المِئَاتِ مِنْ يَهُودِ العِرَاقِ الأبْرِيَاءِ فِي مُنْتَصَفِ السِّتينيَّاتِ! ثُمَّ حَكَمَ أخوُهُ عبدُ الرّحمَنِ عارِف، وكانَ مُسَالِمَاً ورُبَّمَا أيْضَاً مَهْزُوزَاً ولا سُلْطَانَ لَدَيْهِ وفَتَحَ أبْوَابَ العِرَاقِ للفِلِسْطينيّينَ وضُبَّاطِ وطَيَّارِي عبِد النّاصِر لِيَقُومو بِحُرُوبٍ "صَغِيرَةٍ" وضَرَبَاتٍ ضِدَّ إسْرائِيلَ هُنَا وهُنَاك، وكانَ مِنْ بَيْنِهِم الرَّئيسُ المِصْرِيُّ السَّابِقِ حُسنِي مُبارَك. وفِي عَهْدِ عَبد الرّحمنِ عارِف إسْتَطاعَ النَّقيبُ الطَيَّارُ مُنير روفا الفِرَارَ مِنَ العِراقِ بِطائِرَةِ الميغ الشَّهِيرَةِ لِيَحُطَّ بِهَا فِي إسْرائِيلَ بِعَمَلِيَّةٍ جاسُوسيَّةٍ خاطِفَةٍ. وتَمَّ إنْهَاءُ حُكْمِ عارِف بِسَلامٍ بَعْدَ ثَوْرَةٍ خاطِفَةٍ وضَمَانِ سَلامَتِهِ ومَنْ مَعَهُ وتَرَكَ العِراقَ لِيَبْدأَ حُكمُ البَعْثِيّينَ. وحَكَمَ لاحِقَاً أحمد حَسَن البَكِرُ الذي حَكَمَ نِهَايَةَ السِّتينيَّاتِ والسّبعينيّاتِ وجَعَلَ مِنْها عَقْدَ بِنَاءٍ وهُدُوءٍ ورَخاءٍ وإحْتِرَامٍ وسِيَادَةٍ وإقْتِصَادٍ مَدْرُوسٍ، وهَذا يَعِنِي فِي عِلْمِ الإجْتِمَاعِ السِّياسِيَّ الرَّخَاءُ والإسْتِقْرَارُ. لِنَصِلَ إِلى صَدّام حسين الذي إِحْتَارَ فِي أَمْرِهِ التأريخُ والزَّمانُ إِحْتَارَ--  وإِحْتَارَ فِي أَمْرِهِ القَادَةُ العَرَبُ وخَافُو مِنْهُ ومِنْ قُوَّتِهِ وشَخْصِيَّتِهِ أَو رُبَّمَا غارُو مِنْهُ وقَلَّدُوهُ فِي عِلاقَتِهِ الوَثِيقَةِ مَعَ النَّاسِ وقُرْبِهِ مِنْ طَبَقَاتِ شَعْبِهِ وزِيَارَاتِهِ لَهَا. لكِنَّ العَرَبَ لَمْ يَفْهَمُوهُ، فَهُوَ رَغْمَ خَلْفِيَّتِهِ الرِّيفيَّةِ والقَبَلّيّةِ التِي أَسَاسُهَا القُوَّةُ والحَزْمُ والقَسْوَةُ العَشَائِريَّةِ إِلاّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هذَا وذاكَ وبَيْنَ التَمَدُّنِ والثَّقافَةِ وهِيَ ثَقافَةُ الكُتُبِ التِي ذابَ فِيهَا لِسِنَواتٍ. فأَصْبَحَ شَخْصِيَّةً فَرِيدَةً بِحُضُورٍ لافِتٍ وصَوْتٍ مُمَيَّزٍ وكاريزما خاصَّةٍ جَعَلَتْ مَنْ عَرَفُوهُ مِنْ جِيلِهِ وحَتّى أَجْيَالِ اليَوْم إِمَّا أَنْ يَحْتَارُو فِيهِ، أَو يُحِبُّوهُ، أَو يَخَافُوهُ. فَقَدْ حارَبَ مَلالِي إِيرانَ وكسَرَ أُنوفَ فارِسَ وأَحْزابَ الخَرَابِ والدَّمَارِ وهذَا لَيْسَ بالأَمْرِ الهَيِّنِ -- ومَا يَحْصُلُ فِي أَيَّامِنَا دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ. وكانَ شُجَاعٌ قَوِيٌّ حازِمٌ عادِلٌ ماكِرٌ أَنيقٌ وَسيمٌ وفِيهِ وَقَارٌ، ورُبَّمَا مُتَهَوِّرٌ أَيْضَاً كيْ أَبْقَى واقِعِيَّاًومُخْلِصَاً لِقَلَمِي. وكانَ العِرَاقُ فِي سَنَواتِ حُكْمِهِ وحَرْبِهِ عَلى عِمامَاتِ طَهْرَانَ يَحْظَى بِالسِّيادَةُ والكرَامَةِ التِي حُرِمَ مِنْهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِهِ فِي سَنَةِ 1003 ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا. فَحَمَى العِرَاقَ والعَرَبَ مِنْ ثَعابينِ الجَّهْلِ والفِتَنِ، وهّذا لا يُقَدَّرَ بِثَمَنٍ. وكانَتْ المُخَدَّراتُ فِي زَمانِهِ لا وُجودَ لَهَا إِلاّ مَا قَلَّ ونَدَرَ، ولا وُجُودَ للفَسَادِ الإِدارِيِّ أَو الحُكومِيِّ ولا مَفَرَّ، إِذْ أَنَّ عُقوبَةَ الإِعدامِ كانَتْ لِتُجّارِ المُخَدّراتِ والمُدَراءِ والوُزَراءِ والفاسِدينَ والسُّرّاقِ بالمِرْصَادِ. وهذا مِنَ الأسْبابِ التي جَعَلَتِ المَلايينَ مِنَ العِراقيّينَ، ولا زالُو، يَحِنُّونَ لِسَنَوَاتِ حُكْمِهِ، وأسْبابٍ أُخْرى، مِنْهَا إنْحطاطِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الحُكّامِ وهُمْ اليَوْمَ فِي نَظَرِ المَلايينِ فِي العِراقِ والعالَمِ مِنْ حُثالاتِ البَشَرِ، وأَذْكُرُ هُنَا الوَزِيرَ الألْمَانِيَّ مُتَحَدِّثَاً إلى مُسَاعِدِيهِ قائِلاً "أَيُعْقَلُ أَنْ يُمَثِّلَ هَؤُلاءُ مِيسوبوتَاميا -- أَقْدَمَ الحَضَارَاتِ؟!" فِي إشَارَتِهِ إلى الوَفِدِ العِراقِيِّ فِي لِقَاءٍ قَبْلَ أَشْهُرٍ وشُهُورٍ! أَعُودُ إلى صَدّام حسين...، والعَرَبُ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الذينَ خانُوهُ أو تآمَرُو عَليهِ قَدْ عَرَفُو قِيمَةَ مَا صَنَعَ بَعْدَ إنْهِيَارِ العِرَاقِ وإحْتِلالِ عِماماتِ إيرانَ لِبِلادِ العَرَبِ وتَشْوِيهِ المُجْتَمَعاتِ فِي العِراقِ وسُوريةَ ولُبنانَ واليَمَنَ وبَعْضِ المُحَاوَلاتِ فِي البَحْريْنَ والخَليجِ العَرَبِيِّ هُنَا وهُنَاكَ. لكِنَّ هذهِ مِنْ مَصَائِبِ العَرَبِ والأقْوَامِ، فَهُمْ يَقْتُلونَ المُلُوكَ والرُّؤسَاءَ، وبَعْدَ عُقودٍ يَتَباكونَ عَلَيْهِم ورُبَّمَا يَبْكُونَ! وبَعْدَ أنْ إنْتَهَتِ المَلالِي مِن دَمارِ إيرانَ والعِراقَ وقَتْلِ الشَّبابِ والشّابّاتِ المُحِبّينَ للحُرِيّةِ والخَلاصِ، وأثارَتْ ما أثارَتْ مِن فِتَنٍ وقَتْلٍ وخَوْفٍ وحُزْنٍ ودَمَارٍ وفَقْرٍ فِي البيئَةِ والمُجْتَمَعاتِ، كانَتْ عَيْنُ إيرانَ بَعْدَ الخَليجِ العَرَبِيِّ عَلى أفريقيا والمَغْرِبِ العَرَبِيِّ ومِصْر المَحْروسَةِ -- وكانَتْ على وَشَكِ أنْ تَنْجَحَ فِي أنْ يَكونَ لَها وُجُودٌ أثْناءَ حُكْمِ الإخْوانِ بَعْدَ ثَوْرَةِ يَنايِر فِي سَنَة 2011 فِي إتّفاقٍ ولِقاءٍ شَيْطانِيٍّ تَحْتَ الأرْضِ مَعَ إرْهابِيِّ حَماسَ بِرِعايَةِ وأمْوالِ إحْدى دُوَلِ الخَليجِ العَرَبِيِّ وفَضائِيّاتِهَا الطَّائِفيَّةِ وصَحَفِيِّيهَا بِهَوِيَّاتٍ إعْلامِيَّةٍ و "قُلُوبٍ" إخْوَانيَّةٍ حَمْسَاوِيَّةٍ -- لَوْلا عِنايَةَ اللهِ الذي أحَبَّ مِصْرَ وكَتَبَ عَلَيْها ولَهَا السَّلامَ والأمَانَ والرَّخاءَ، ودَعَتْ لَهَا أُمُّنا العَذْراءُ مَرْيَم بالمَحَبَّةِ والنَّمَاءِ، إذْ عاشَتْ فِيها مَعَ الرَّبِّ ويوسُفَ والأقْرِباءِ. ولَوْلا قُوّةَ الشَعْبِ والأزْهَرِ والكَنيسَةِ المُحِبِّينَ للوَسَطيّةِ الدِّينيّةِ والحَياةِ والفَرَحِ والسَّلامِ الإسْتِقْرارِ والصَّفاءِ...، فأنْقَذُو مِصْر فِي عامِ 2013 ورَقَصَتْ مِصْرُ مِنْ جَدِيدٍ. ورَغْمَ أنَّ صَدّامَ حَمَى العَرَبَ مِن شَرِّ إيرانَ وسُمُومِها وهُوَ أمْرٌ يَجْعَلُ المَلايينَ مِنَ العَرَبَ يُقَدِّسونَهُ لِسَنَواتٍ وعُقُودٍ، غَيْرَ أنَّ إحْتِلالَ الكُوَيتِ كانَ ولا يَزالَ لِصَدّام حسين خَطَأٌ جَسيمٌ فِي حَيَاتِهِ السّياسيّةِ، مَهْمَا كانَتْ أسْبابُهُ وما سَبِقَهُ مِن "فِخاخٍ" ومُؤآمَراتٍ مِنْ "بَعْضِ" حُكّامِ العَرَبِ -- كَما ذُكِرَ فِي مَلَفّاتِ الغَرْبِ ومُخابَراتِهِ فِي تَآمُرِ بَعْضِ العَرَبِ والشُّيُوخِ بأمْرِ مُباشَرٍ مِنَ البَيْتِ الأبْيَضِ الذي غَذّى فِي قُلُوبِهِم الخَوْفَ والرُّعْبَ مِنْ صَدّام حسين الذي كانَ فِي قُوَّتِهِ ونَشْوَتِهِ، وذُكِرَ أيْضَاً فِي أسْرارِ الوَزيرِ طارِق عَزيز رَحِمَهُ اللهُ "غَيْرِ المُعْلَنَةِ" التي سَلَّمَها وأوْصَلَهَا لِأحَدِ أصْدِقائِهِ مِنْ صَحَفِيِّ المانيا قَبْلَ وَفاتِهِ، وكانَ طارِق عَزيز مِنَ القِلَّةِ الرَّاقِيَةِ التي وَثِقَ بِهَا صَدّام حسين وقَرَّبَهَا إلَيْهِ ومِنْ دائِرَةِ الحُكْمِ خاصَةً عَلى صَعيدِ الثَّقافَةِ والعِلاقاتِ الخارِجِيَّةِ والدُّوَليَّةِ، وكانَ للسَّيدِ عَزيز وَقَارٌ وإحْتِرامٌ عِنْدَ حُكُوماتِ الغَرْبِ، وكانَ مُسْتَحِقَّاً لِهَذهِ المَكانَةِ. إذَنْ، كانَتْ "خَطيئَةُ" إحْتِلالِ الكُوَيتِ، والتي كانَتْ بِدايَةُ نِهايَةِ العِراقِ، خَطيئَةٌ قَدْ لا تُغْفَرَ لِصَدّامِ حسين "سِياسِيّاً،" وهُوَ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي قَرَارَةِ نَفْسِهِ لكِنَّ الكِبْرَ والكِبْرِيَاءَ لَهُمَا مِنَ الأَمْرِ الشَّيءُ الكثِيرُ. فَهُوَ، بِهذِهِ الزَّلّةِ التأريخيّةِ، قَدْ فَتَحَ بَابَ العِرَاقِ عَلى مِصْراعَيْهِ لِتَدْخُلَ مِنْهُ خَفافيشُ الظَّلامِ وتَتَغَذّى عَلى دِماءِ العِراقِيّينَ ودَمَارِ وادِي الرّافِدَيْنِ، وأعْطى عِمَامَاتِ إيرانَ، بِعِنادِهِ، فُرْصَةَ العُمْرِ فِي الإنْتِقامِ مِنَ العَرَبِ والعِراقِيّينَ والسَّيْطَرَةِ عَلى مَنْ يَستَطيعُونَ مِنْهُم، وإلى يَوْمِنَا!! ومِن أخْطاءِ صَدّام الأُخْرى أنَّهُ وَثِقَ بِبَعْضِ رُؤَسَاءِ العَرَبِ وأطْلَعَهُم عَلى أسْرارِ الدَّوْلَةِ العِراقيَّةِ وخاصَةً العَسْكَريَّةِ مِنْهَا، فَخانُوهُ وبَاعُو تِلْكَ المَعْلُوماتِ الحَسَّاسَةِ وحَصَلُو عَلى المَلايين مَعَ الهَدَايَا وإسْقاطِ الدّيُونِ! كذَلِكَ مِنَ الأخْطَاءِ أنَّهُ أعْطى لِعائِلَتِهِ وخَاصَةً إخْوَتِهِ القُسَاةِ والأشِدَّاءِ والفَاسِدِينَ وبَعْضِ مَنْ أحَبَّهم ومَنْ وَثِقَ بِهِم "أو ظَنَّ مُخْطِئاً أنَّهُ يَستَطيعَ الوُثوقَ بِهِم" سُلْطاناً وقُوَّةً وأصْبَحُو فِي مَواقِعِ السَيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ وعَلى رأْسِ الوِزَاراتِ السِّيادِيَّةِ وأَقْدَارِ المُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِيَّةِ، رَغْمَ تَعْلِيمِهِم المُتَوَاضِعِ أَو المَعْدُومِ وثَقَافَتِهِم التي لا أَسَاسَ لَهَا وإِنْحِطَاطِ مَا كانَ "البَعْضُ" عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وقَضَاءِ أَوْقَاتِهِم سُكَارَى فِي أَحْضَانِ الرَّاقِصَاتِ والغَجَرِيَّاتِ، فَكانُو عَليْهِ وعَلى العِراقِ وَبَالاً ولَعْنَةً وكانُو مِنْ أسْبابِ إضْعَافِ سُلْطَانِهِ وسُقُوطِ الدَّوْلَةِ. والأمْثِلَةُ عَلى هَذا كَثيرَةٌ لكِنّي سَأتَحَدّثُ عَن مِثالٍ كانَ حَقَّاً وَبَالاً ولَعْنَةً عَلى العِراقِ وسَاهَمَ بِخُبْثٍ ودَهَاءٍ وغَباءٍ فِي نَفْسِ الوَقْتِ فِي تَدْميرِ وإضْعافِ حُكْمِ صَدّام حسين أو ما تَبَقّى مِنْهُ فِي عَقْدِ التِّسعينيّاتِ، وأتَحَدّثُ هُنا عَن زَوْجِ إبْنَتِهِ حسين كامِل، أو ما كانَ يُدْعَى ويُكَنّى سِرَّاً بَيْنَ الأوْسَاطِ السِياسيّةِ والعَسْكَريّةِ حِينَهَا ب "الزَّعْطُوط -- وتَعْنِي بالعَرَبيّةِ الطِّفْلِ أو الوَلَد لكِنَّها تُسْتَخْدَمُ للتَّحْقيرِ والتَّصْغيرِ" أو "التّافِهِ" أو "الأرْعَنِ" أو أحياناً ب "السَّرَطانِ الخَبِيثِ" كَمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ ضَابِطِ مُخابَراتٍ ألمانِيٍّ وهُوَ اليَوْم مِنْ سَاسَةِ ألمانيا مِنَ الصَّفِّ الأوّلِ، والذي كَشَفَ فِي مُذَكّراتِهِ بأنَّ حسين كامِل كانَ خَبيثاً و "طامِعَاً" للغايَةِ، وأنَّ كامِلَ كانَ يُخَطِّطُ لِإغْتِيالِ صَدّامِ حسين بإطْلاقِ النّارِ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ وقَتْلِ وَلَدَيْهِ عُدَي وقُصَي والإستيلاءِ عَلى حُكْمِ العِراقِ، تَحْديداً فِي مُنْتَصَفِ التِّسعينيّاتِ. ومِنْ جَرَائِمِ حسين كامِل الكُبْرَى "تَنْفيذُ الأَمْرِ الصَّعْبِ" والغَدْرُ والتَخَلُّصُ مِن أحَدِ أرْقى وِزَراءِ الدِّفاعِ فِي العِراقِ والعالَمِ العَرَبِيِّ والمُهَنْدِسِ الحَقيقيِّ للنَّصْرِ العِراقِيِّ على إيرانَ فِي حَرْبِ الثّمانينيّاتِ أو "القادِسيّةِ" وهُوَ الفَريقُ عدنان خيرالله، الذي كانَ قَريبُ صَدّام حسين وشَقيقُ زَوجَتِهِ ساجِدة خيرالله. ولَمْ يَكْتَفِي حسين كامِل بِهذا لكِنَّهُ ساهَمَ أيْضاً بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فِي تَدْميرِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ بِقَراراتٍ خَبيثَةٍ وغَبيَّةٍ لا أساسَ لَها وقامَ بالتَخَلُّصِ مِنَ المِئاتِ مِنَ القادَةِ والضُبّاطِ ذِي التأريخِ والكَفاءَةِ العَسْكَريّةِ، خاصَّةً وأنَّ الضُبّاطَ والجّنودَ فِي الجَّيْشِ العِراقِيِّ كانُو يَحْتَقِرونَ كامِل الذي تَمَّتْ تَرْقيَتُهُ بِلَمْحِ البَصَرِ إلى أعْلى المَرَاتِبِ العَسْكَريّةِ، فَقَط، لأنَّهُ زَوْجُ إبنَةِ الرَّئيسِ، وهُوَ، أيْ كامِل، المَشْكوكُ، حَتّى، فِي شَهادَتِهِ الإبْتِدائيّةِ!! وكانَ الفَريقُ عدنان خيرالله مِن مُحْتَقِرِي حسين كامِل ومُنْتَقِدِيهِ وبِشَكْلٍ عَلَنِيٍّ. وكانَ خيرالله، الرَّجُلُ القَوِيُّ والخَلُوقُ، خاصّةً فِي أوْسَاطِ الجَّيْشِ، يَتَمَتّعُ بِحُبِّ وإحْتِرامِ الضُبّاطِ والقادَةِ، وكانَتْ شَعْبِيَّتُهُ بَيْنَ النّاسِ، خاصّةً بَعْدَ إنْتِصارِ العِراقِ على إيرانَ فِي عامِ 1988، تَفُوُقُ شَعْبِيَّةَ صَدّام فِي أوْسَاطِ الجّيْشِ القَوِيِّ والشَّعْبِ المُنْتَصِرِ، وهذا ما جَعَلَ فِي قَلْبِ صَدّام بَعْضَ الإسْتِياءِ والسُّخْطِ، ورُبَّمَا الغِيرَةِ أو الخَوْفِ مِنْ الأقْدارِ والإحْتِمَالاتِ، خاصَةً بَعْدَ خِلافاتٍ عائِليَّةٍ تَتَعَلّقُ بِالزِّيجاتِ وصِراعاتِ النِّسَاءِ! وَبَعْدَ قَتْلِ عدنان خيرالله فِي سَنَةِ 1989 بِإسْقاطِ طائِرَتِهِ فُتِحَتْ أبْوابُ الوِزاراتِ والمُؤسَّساتِ أمامَ حسين كامِل بِدَعْمٍ مُباشَرٍ مِنْ صَدّام حسين وسَيطَرَ لاحِقاً على الكَثيرِ مِنْهَا بِخُبْثٍ وقَبْضَةٍ حَديديّةٍ، وتَسَلَّلَ كالأفْعَى إلى الجَّيْشِ الذي كانَ يُعانِيَ الغَضَبَ والحُزْنَ والصَّدْمَةَ والكَثيرَ مِنْ عَلاماتِ الإسْتِفْهامِ لِفُقْدانِ قائِدِهِ القَوِيِّ والمَحْبُوبِ خيرالله. وقَدْ حاكَ حسين كامِل الكَثيرَ مِنَ المُؤآمَراتِ مِنْها ما نَجَحَ ومِنْها ما أُسْقِطَ أو فَشِلَ حَتّى هُرُوبِهِ إلى الأُردُنِ "بَعْدَ إكْتِشافِ مُؤآمَرَتِهِ بالصُّدْفَةِ" وَسَلَّمَ حِينَها كُلَّ أسْرارِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ والحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ المَعْرُوفِ بِقُوَّتِهِ والتَّصْنيعِ العَسْكَرِيِّ والإسْتِخْباراتِ العِراقيّةِ إلى المُخابَراتِ الأمريكيّةِ، والتي "ساعَدَتْ" بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي هَزيمَةِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ وإحْتلالِ بَغدادَ فِي ساعاتٍ مَعْدُوداتٍ خِلالَ غَزْوِ العِراقِ بَعْدَ سَنَواتٍ، والتي كانَ الحَسْمُ فِيها مَعْرَكَةُ المَطَارِ التي أُضْطُرَّ فِيها الجَّيْشُ الأمريكيُّ إلى إسْتِخْدامِ الأسْلِحَةِ الكيميائِيَّةِ "الخَّاصَّةِ" بِسَبِ ضَرَاوَةِ المَعْرَكَةِ وصُعُوبَتِها خاصَّةً وأنَّ إحْتِلالَ بَغْدادَ كانَ مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكانٍ لِقُوَّةِ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ وقِتالِهِ الشَرِسِ الذي أدَّى إلى مَقْتَلِ آلافِ الجُّنودِ والضُّبَّاطِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وكانَ قُصي صَدّام حسين هُوَ القائِدُ المَيْدانِيُّ لِمَعْرَكَةِ المَطَارِ الكُبْرَى "كَمَا سُمِّيَتْ" وجاءَ ذَلِكَ ودُوِّنَ فِي أسْرارِ المُخَابَراتِ الألْمانيَّةِ والتي كانَتْ فِي أوْجِ نَشَاطاتِها فِي بَغْدادَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ! أُضِيفُ أنَّ ال سي أن أن وال بي بي سي والقَنَواتِ الخَليجِيَّةَ وغَيْرَها تَلَقَّتْ حِينَها الأوامِرَ بالخُرُوجِ مِن "دائِرَةِ التَّغْطِيَةِ!!" وهكذا، كانَ، حسين كامِل، الذي أفْشَى أسْراراً وأحْتَفَظَ بِأُخْرى، مِن أخْطاءِ صَدّام حسين القاتِلَةِ. أمّا أخْطاءُ صَدّام حسين الإجْتِماعيّةُ فَقَد كانَتْ مَنْحَ الحُريّةِ الكامِلَةِ إلى إبْنِهِ عُدَي والذي بِغُرورِهِ كَخَليفَةٍ مُحْتَمَلٍ سَبَّبَ لأبيهِ وأيْضَاً لِأخيهِ قُصَي الصُّداعَ وأحياناً الغَضَبَ الشَّديدَ والإحْرَاجَ سَواءً مَعَ المُحيطينَ أو العَشائِرَ الذينَ كانُو يَغْضَبُونَ لِتِلْكَ التَصَرُّفاتِ الصِّبْيانيّةِ والعُدْوانيَّةِ خاصّةً قَسْوَةَ عُدَي على الرِّجالِ والتَّحَرُّشِ بالنِّساءِ وفَتَياتِ الجّامِعاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ أجْمَلَ النِّسَاءِ، وكانَ عُدَي يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ودُونَ رادِعٍ أو رَقيبٍ، حَتّى تَمَّ "تَحْجِيمُهُ" أوَّلاً بِسَجْنِهِ بأمْرٍ مًباشَرٍ مِنْ أبِيهِ بَعْدَ أنْ قامَ بالإعْتِداءِ عَلى أحَدِهِم بالضَّرْبِ حَتّى المَوْتِ، ثُمَّ لاحِقَاً بِالإعْتِداءِ علَيْهِ بالرَّصاصِ لِيَهْدَأَ وتَهْدَأَ مَعَهُ الأُمُورُ. أمّا قُصَي، الإبْنُ القَويّ الهادِئ، فَقَد كانَ يُشْبِهُ أبَاهُ بِهُدُوءِهِ وشَجاعَتِهِ، وهُنَا عَلَيَّ أنْ أَضَعَ كَلِمَةَ هُدُوءٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ وخَطَّيْنِ، إذْ أنَّ حَفَلاتِهِ وعِلاقاتِهِ كانَتْ، كأَبِيهِ، مُحَاطَةً بالسِّريَّةِ ما أمْكَنَ ذلِكَ "رَغْمَ صُعُوبَتِهِ" ولَمْ تَكُنْ دائِمَاً عَلَنِيَّةً كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ أَخِيهِ عُدَي. وكانَ قُصَي إذا عاقَبَ أحَداً ما عادَةً ما كانَ الحَزْمُ والقُوّةُ والسِّريّةُ أساسَ العِقابِ والثّوَابِ، وهذا ما تَشابَهَ بِهِ أيْضاً مَعَ أَبيهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الأعْداءِ أو الأعْداءِ "المُحْتَمَلِينَ" بِشَكْلٍ تامٍّ ونِهائِيٍّ وحَازِمٍ ودُونَ أثَرٍ، خاصَّةً إذا نَظَرَ إلى أحَدِهِم بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فَوَجَدَ فِي عَيْنَيْهِ "نُقْطَةً سَوْداءَ" وهذا، فِي لُغَةِ صَدّام وإِبْنِهِ قُصَي، إشارَةٌ أو عَلامَةٌ لِإحْتِمَاليّةِ الخِيانَةِ أو عَلى الأقَلِّ "بِدَايَةِ التَّفْكيرِ" فِي التَّآمُرِ عَلَيْه...، وهذا ما جَعَلَ مَن سَمِعُو بِهَذا لاحِقَاً يَتَجَنَّبونَ النَّظَرَ إليْهِمَا بِشَكْلٍ مُباشَرٍ، وخاصَّةً صَدّام، خَوْفَاً مِنَ الأقْدارِ غَيْرِ المَحْسُوبَةِ ورُعْبَاً مِنْ نَظَرَاتِهِ الحَادَّةِ، ومِنْهُم الأقرباءُ والرُّؤسَاءُ والأُمَرَاءُ والمُلُوكُ والمَسْؤولونَ العَرَبُ، وبَعْضُ مَسْؤولِي الغَرْبِ، وهَذهِ حَقِيقَةٌ! وعَلَيْهِ أمَرَ صَدّامُ بالبَدْءِ بِإعْدادِ قُصي فِي التّسعينيّاتِ لِيَكونَ خَليفَةَ أَبيهِ والرَّئيسَ القادِمَ إنْ سَمِحَتِ الأقْدارُ والأيَّامُ بِهَذا، لكِنَّها لَمْ تَسْمَح. وهُنا، ولِلإنْصافِ التأريخِيِّ أقُولُ، أنَّ سِياسَةِ التّوْريثِ وسُلالاتِ الحُكْمِ العائِلِيِّ لَمْ تَقْتَصِرَ فَقَط عَلى العِراقِ، بَلْ كانَ ويَكُونُ مِنَ "الأعْرافِ" العَرَبيّةِ مُنْذ عُصُورٍ وأزْمَانٍ وأدْهارٍ ودُهُورٍ، حَتّى أصْبَحَ واقِعاً وقَدَراً تَقْبَلَ وتَرْضَى بِهِ الشُّعُوبُ العَرَبيّةُ كَما هُوَ الأمْرُ فِي سُورية وعائِلَةِ الأسَدِ أو ليبيا وعائِلَةِ القَذّافِي أو اليَمَن وعائِلَةِ صالِحٍ أو مِصْر وعائِلَةِ حُسنِي مُبارَك... وباقِي بِلادِ العَرَبِ. وأحْياناً كانَ هذا التَّوْريثُ للأوْلادِ لا بأْسَ بِهِ ولا خَطَرَ على الشُّعُوبِ مِنْهُ خاصَّةً كَمِفْتاحٍ للإسْتِقْرارِ والأمانِ عَلى مَبْدَأ "مَنْ تَعْرِفهُ خَيْرٌ مِمَّنْ لا تَعْرِفهُ!" والأُمورُ تأْخُذُ مَجْرَاها والأحْداثُ تَتَغَّيرُ، والزَّمانُ مِنَ العَرَبِ يَتَحَيَّرُ! لكِنَّ سُخْرِيَةَ الأقْدَارِ أنَّ الإنْقِلاباتِ العَسْكَريَّةَ التي أطاحَتْ بالمَلَكِيّاتِ والأوْطانِ والمُجْتَمَعاتِ الرّاقيَةِ ودَمَّرَتْ ما دَمَّرَتْ فِي الخمسينيّاتِ والسِّتينيّاتِ ومَا تَلاهَا كانَتْ أساساتُهَا وأسْبابُهَا أو "ما أُعْلِنَ للشُّعُوبِ السّاذَجَةِ" هِيَ التَّخَلُّصُ مِنَ حُكْمِ العائِلاتِ وسِياسَةِ التَّوْريثِ!! والإنْقِلابَاتُ إمَّا إنقِلاباتُ عَسْكَرٍ وعَسَاكِرٍ أسَاسُهَا الغَدْرُ والطَّمَعُ والخِيَانَةُ وتَدْمِيرُ الأوْطَانِ كَمَا هُوَ الحَالُ مَثَلاً فِي إنْقِلابِ 1952 فِي مِصْر الذي كانَ رَأْسُ الثُّعْبَانِ فِي بِدَايَةِ مُسَلْسَلِ الإنْقِلابَاتِ وخَرَابِ البُلْدَانِ والمُجْتَمَعاتِ العَرَبيَّةِ الرَّاقِيَةِ، وكذِلِكَ إنْقِلابِ 1958 فِي العِراقِ الذي أنْهَى مَشْرُوعَ جَنَّةِ الشَّرْقِ، وإنْقِلابَاتِ سُوريَة ولِيبيا واليَمَن وغَيْرِهَا. أو هِيَ إنْقِلابَاتٌ أشْبَهُ بِحَرَكاتٍ تَصْحيحِيَّةٍ لا مَفَرَّ مِنْهَا لِإنْقاذِ الأوطانِ والشُّعُوبِ مِن إحْتِمَالاتِ الظَّلامِ والدَّمَارِ والدُّخُولِ فِي "أنْفَاقِ" الزَّمَانِ، كَمَا هُوَ الحَالُ مَثَلاً فِي حَرَكَةِ الشَّعْبِ والجَّيْشِ المِصْرِي فِي عامِ 2013 لِإنْقَاذِ مِصْر مِن حُكْمِ الإخْوَانِ والإسْلامِ السِياسِيِّ وتَخْلِيصِ المَحْرُوسَةِ مِن قِوَىً لا تُؤمِنَ بالسَّلامِ والمُسْتَقْبَلِ وهُمْ إخْوَانُ مِصْر ومَجَانينَ حَمَاسٍ الفِلِسْطينيَّةِ وإرْهابِيُّو العَرَبِ والغَرْبِ الذين أرَادُو إشْعالَ الشَّرْقِ بِحُرُوبٍ عَبَثِيَّةٍ نَتَائِجُهَا الخَرَابُ وإزَالَةُ البِلادِ مِنَ الخَرَائِطِ وهِيَ نَتَائِجٌ مَعْرُوفَةٌ، كَمَا قالَ لَنَا أجْدادُنَا وحَكَى لَنَا التأريخُ والزَّمَانُ، لكِنَّ الإنْسَانَ يَنْسَى، والغَبَاءُ، كالذَكَاءِ، مَوْهِبَةٌ!! ولا نَنْسَى لَعْنَةَ الجُّغرَافيا والتي تَلْعَبُ فِيهَا الأقْدارُ أهَمَّ الأدْوَارِ، فالمَمْلَكَةُ المَغْرِبيَّةُ، مَثَلاً، هِيَ مِثالٌ للمُجْتَمَعِ الرَّاقِي والهادِئِ بِدَوْلَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ يَعيشُ فِيهَا المُسلِمُونَ والمَسيحيُّونَ واليَهُودُ مُواطِنُونَ وأحْبَابٌ فِي الوَطَنِ الواحِدِ، وهَذا مِن مَحَاسِنِ ورَكائِزِ ومُقَوِّمَاتِ الحُكْمِ المَلَكِيِّ المُسْتَقِرِّ. وعَوَامِلُ القَدَرِ والثَّقَافَةِ والحِكْمَةِ السِياسيَّةِ وحُبِّ الأرْضِ والوَطَنِ والجُّغْرَافيَا سَاعَدَتْ فِي هَذا الإسْتِقْرَارِ وهَذِهِ السَّعَادَةِ -- جُغْرَافيا البَّحْرِ والمُحِيطِ والمَاءِ والقُرْبِ مِنْ أوروبّا وهِيَ أسَاسٌ رُسِمَ فِيهِ القَدَرُ والإسْتِقْرارُ المُجْتَمَعِيُّ. فَجِيرَةُ المُحِيطِ والمَاءِ بَرَكَةٌ مُبارَكَةٌ، والمَاءُ فِيهِ الحَيَاةُ ولا يَسْكُنْهُ الشَّيْطانُ، والبَيْتُ المُبَارَكُ لا يَسْكُنْهُ الثُّعْبَانُ، والثُّعْبَانُ السَّامُّ قَدْ إِسْتَقَرَّ وسَكَنَ فِي إيرانُ. ومِنْ ضَحَايَا الإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ والمِيلشيَاتِ الطَّائِفِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانيَّةِ والجُّغرَافيَا السِّيَاسِيَّةِ هِيَ أَرْضُ اليَاسَمِينِ، سُوريَة، حَبِيبَةُ الرَّسُولِ بُولس... التِي دُمِّرَتْ وأَصَابَهَا الضَّيَاعُ والتَّقْسِيمُ وحَلَّتْ فِيهَا الفَوْضَى وبَكَى أَهْلُهَا -- ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا الفَارِسِيَّةِ بِجُسُورِهَا العِرَاقِيَّةِ أَسَاسٌ فِيهَا. وعَنْهَا، أَيْ عَنْ أَرْضِ اليَاسَمِينِ، هَمَسَ إِلَيَّ المَسْؤولُ (...) مَرَّةً بِحَديثٍ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وقَالَ "إِليْكَ، يَا مازن، الحَقِيقَةَ والخُلاصَةَ: إِنَّ الحَرْبَ والعُنْفَ والفَوْضَى فِي سُورية لَنْ تَنْتَهِي مَهمَا كانَ ويَكونُ إِلاّ إِذَا عَادَ الزَّمَانُ والمَكانُ إِلى عُقُودٍ خَلَتْ قَبْلَ أَنْ تَبدَأَ لَعْنَةُ الإِنْقِلابَاتِ النَّاصِرِيَّةِ ورِياحُ المَلالِيَ الفَارِسِيَّةِ بِالصَّفِيرِ، وبَعْدَ أَنْ تُزَالَ آثَارُ العَمِيلِ الفَارِسِيِّ حافِظ الأَسَدِ الذِي قَسَّمَ مُجْتَمَعَهُ وقَتَلَ شَعْبَهُ وخَانَ العَرَبَ، وآثَارُ وأَثَرُ إِبْنِهِ الصَّغِيرِ بَشَّار الأَسَدِ الذِي إِسْتَمَرَّ فِي هذِهِ العَمَالَةِ وهذَا الدَّرْبِ،" "وأَيُّ شَيءٍ عَدَا ذَلِكَ هُوَ خِدَاعٌ وضَيَاعٌ لِلوَقْتِ والمَالِ والأَرْوَاحِ والكلِمَاتِ ولَيْسَ لِلإِعْلامِ فِيهِ إِلاّ الإِثَارَةَ والتّخَبُّطَاتِ،" "فَلا أَمَلَ دُونَ قَرَارٍ (عَسْكرِيٍّ) أَمْرِيكِيٍّ-إِسْرَائِيليٍّ-تُرْكِيٍّ،" "وأَمَّا المُفَاوَضَاتُ بَيْنَ الحُكومَةِ والمُعَارَضةِ أَو المُعارَضَاتِ فهِيَ لَمْ تَفْشَلَ لأَنَّهَا لَمْ تَبْدَأَ... ولَنْ تَبْدَأ!" وعِندمَا أَرَدْنَا الحَدِيثَ عَنِ العِرَاقِ نَظرْنَا إِلى مَنْ جَاءَ مِنَ قَادَةِ الميلشياتِ والعُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والعَقليَّاتِ والمُسْتَويَاتِ فِي سَنَةِ 2003، ونَظرْنَا إِلى العَلمِ "الإِيرَانِيِّ" فِي المَقْعَدِ "العِرَاقِيِّ،" وعِنْدَهَا، تَحَدَّثْنَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ. وبَعْدَهَا، قَالَ "قائِلٌ" مِنْهُم "إِنَّ الجَّمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلى رَحِيلِ الرَّئيسِ السُّورِي بَشّارِ الأَسَد، ويَتَمَنَّى ذَلِكَ بِشِدَّةٍ اليَوْمَ وغَدَاً، لكِنَّهُم، أَيْ الأَغْبِيَاءَ مِنَ سَاسَةِ أُوروبّا، مُتَّفِقونَ عُمُوماً عَلى أَنَّهُ لَنْ يَرْحَلَ دُونَ قَرَارَاتٍ أَمْرِيكيَّةٍ-تُرْكِيَّةٍ وضَرَبَاتٍ إِسْرَائِيليَّةٍ،" "وأَنَّ بَعْضَ الأُوروبييّنَ يَتَهيَّئونَ "نَفْسِيَّاً" لِلإِعترَافِ بِ "سُوءِ الحِسَابَاتِ" فِي سُوريَة، والذي أَدَّى إِلى زَعْزَعةِ الإِسْتِقرَارِ المُجْتَمَعِيِّ فِي أُوروبّا، إِلاّ إِذَا قَرَّرَتْ إِسْرَائِيلُ شَيْئَاً آخَرَ، كالتَّخَلُّصِ، مَثَلاً، مِنَ الأَسَدِ وعَمَالَتِهِ لِإِيرَانَ. وأَنَّ حِسَابَاتِهِم كانَتْ مُتَسَرِّعَةً فِي إِعْتِقَادِهِم أَنَّ التَّجْرِبَةَ التُّونِسيَّةَ مِثَالٌ قابِلٌ للتَّطْبِيقِ فِي الشَّامِ - كمَا أَقْنَعَهُم بِذَلِكَ العَرَبُ والأَتْرَاكُ. وأَنَّ الخَارِجيَّةَ ال "......." تَضَعُ بَعْضَ الأَفكارِ المُعَقَّدَةِ و "الصَّعْبَةِ" لِ "تَصْحِيحِ الحِسَابَاتِ" والِإتِّصَالِ بِالقَاتِلِ السُّورِيِّ، لَيْسَ حُبَّاً بِهِ، بَلْ كُرْهَاً لِمُوَاطِنِيهِ، وهُنَا أَتَحَدَّثُ "بِكُلِّ إِحْتِرَامٍ" عَنْ الإِخْوَةِ اللاجِئِينَ الذينَ، هُم دَائِمَاً، ضَحِيَّةُ الحُرُوبِ الشَّخْصِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانِيَّةِ والطَّاوِلَةِ السِّيَاسِيَّةِ والأَقْدَارِ الأَرْضِيَّةِ والبَشَريَّةِ -- ولَيْسَ الأَقْدَارُ السَّمَاوِيَّةِ والإِلهيَّةِ. ومِثَالٌ آخَرٌ لِعَامِلِ الجُّغرَافيا الحاسِمِ هُوَ العِراقُ الذي وَجَدَ نَفْسَهُ مُحَاطَاً بِ "جِيرانٍ" أرَادُو أَنْ يُمَزِّقُوهُ أو يُدَمِّرُوهُ أو يَحْتَلُّوهُ، أو إنْقِلابِيُّونَ عَسْكَرٌ وعَسَاكِرٌ حَكَمُوهُ، أَو غَوْغَاءٌ وجُهَلاءٌ وعُمَلاءٌ اليَوْمَ يَحْكُمُوهُ، فَأَوْصَلُوهُ إلى حَالٍ ومَآلٍ لِيكونَ إِحْدَى المُحَافَظاتِ الإيرَانيَّةِ النَّاطِقَةِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، أَو لِيكونَ، كمَا عَبَّرَ عَنْهُ أَحَدُ القادَةِ الأُوروبِيّينَ فِي "دَرْدَشَةٍ" سِياسِيَّةٍ بِالبَلد التَّائِهِ! فَتَحَقَّقَتْ بِذَلِكَ نُبُوءَاتُ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ والعَهْدِ القَدِيمِ، إذْ بَعْدَ أَنْ أَعْطَى الرَّبُّ أَرْضَ بَابِلَ الخَيْرَ والبَرَكَةَ والشَّمْسَ والمَاءَ والزَّرْعَ وجَعَلَ مِنْهَا أَرْضَاً لِأُولَى الحَضَارَاتِ والسُّلالاتِ والرِّسَالاتِ، وجَدَ فِي شَعْبِهَا قَسْوَةً وحُبَّاً للفِتَنِ والشِّقَاقِ. فَأَمَرَ الرَّبُّ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وأَهْلَهُ وتَنَبَّأَ مَلاكُ الرَّبِّ بِخَرَابِ بَابِلَ بِسَبَبِ شَعْبِهَا العَاشِقِ للعُنْفِ وسَيْلِ الدِّمَاءِ. ودَلِيلُ الرَّبِّ عَلى هَذا مَا حَصَلَ بَعْدَ دُهُورٍ وعُصُورٍ فِي القُصُورِ المَلَكيَّةِ وقَبْلَهَا وبَعْدَهَا وسَيْلُ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ فِي أَربَعِينيَّاتِ وخَمْسِينيَّاتِ عَقْدِ الدِّمَاءِ. لِتَأْتِيَ سَنَةُ 2003 وتَكُونَ خَيْرُ دَلِيلٍ عَلى نِفَاقِ وشِقَاقِ وغَبَاءِ البَشَرِ الذينَ صَفَّقُو وهَلّلَو حِينَهَا لِدَمَارِ العِرَاقِ وإعْدَامِ صَدّام حسين، لِيَبْكُو اليَوْمَ عَلى بَغْدَادَ والعِرَاقِ وصَدّام حسين!! ومَرَّةً أُخْرَى، هُوَ النِّفَاقُ والشِّقَاقُ يَا هِنْد، هُوَ النِّفَاقُ والشِّقَاقُ! فَكَانَتْ الأقْدَارُ للعِرَاقِ ولِشَعْبِهِ بالمِرْصَادِ، وكانَ هُوَ لِنَفْسِهِ بالمِرْصَادِ. ومِثَالٌ آخَرٌ هُوَ مِصْر المَحْرُوسَةُ، الوَحِيدَةُ فِي البِلادِ التي كَتَبَ اللهُ لَهَا وعَلَيْهَا الأَمَانَ فِي كُتُبِ الزَّمَانِ، فَجِيرَانُهَا هُنَا وهُنَاكَ وأرْضٌ وبَحْرٌ، ومِنْهُم غَزَّة التي لَمْ يأتِيَ لِمِصْر مِنْهَا إلاّ أنْفَاقُ الظُّلْمَةِ والظَّلامِ والجَّهْلِ والإرْهابِ وتَهْرِيبِ السِّلاحِ والتَّآمُرِ وصُدَاعِ الرَّأْسِ، أَو جَارٌ آخَرُ لِمِصْرَ هِيَ إسْرائيل، والعِلاقَةُ مَعَ إسْرائيلَ واضِحَةٌ بَيِّنَةٌ لا غُمُوضَ فِيهَا، إمَّا حَرْبٌ ودَمَارٌ وإمَّا سَلامٌ ورَخَاءٌ وإعْمَارٌ...، إمَّا حُرُوبٌ ونَكَسَاتٌ كَمَا كانَتْ مَعَ عَبدِ النّاصِرِ وإمَّا حَرْبٌ وسَلامٌ ثُمَّ إسْتِرْدادُ الأرْضِ بِالحِكْمَةِ والإتِّفَاقِ وتَنَاوُلِ الكَّعْكِ والشَّاي دُونَ قَطْرَةِ دَمٍ كَمَا كانَ مَعَ أنورِ السَّادات -- وهكذَا، فَالعِلاقَةُ مَعَ إسرائيلَ تَعْتَمِدُ عَلى الحِكْمَةِ والتَّعَقُّلِ والحِفَاظِ عَلى الأرْضِ والسِّيادَةِ وكَرَامَاتِ النّاسِ عَنْ طَرِيقِ السَّلامِ والعَدْلِ والجِّيرَةِ الطَّيّيبَةِ والإحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ والقَبُولِ بأقْدَارِ الرَّبِّ ومَا أرَادَ وكانَ ويَكُونَ، ولَيْسَ عَن طَرِيقِ الغَبَاءِ والجَّهْلِ وغَسِيلِ العُقُولِ والإسْلامِ السِياسِيِّ والخِطَاباتِ النّاريَّةِ والمُظَاهَرَاتِ، والشِّعَارَاتِ والميلشياتِ والمُخَدَّرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ، والأكَاذِيبِ وشَتْمِ القَرِيبِ والبَعِيدِ، ورَفْعِ الأصَابِعِ والتَّهْدِيدِ، والأحْلامِ والأوْهَامِ بِحَرْقِ إسرائِيل والوَعِيدِ، وإزَالَتِهَا فِي دَقَائِقٍ مِنَ الوُجُودِ، وصِرَاعٍ بَيْنَ قِمَّةِ التَكنلوجيا الإسْرَائِيليَّةِ وقُوَّةِ الطَّائِراتِ ضِدَّ أفْرادٍ فِي أنْفاقٍ بِلا هَوَاءٍ بَيْنَ الحُدُودِ والحُدُودِ، وحُرُوبٍ وأعْمَالٍ بِخَوَاتِيمِهَا، والخَوَاتِيمُ، حَتْمَاً، هِيَ الدَّمَارُ وزَوَالُ الأُمَمِ وقَهْرُ الشُّعُوبِ والتَّهْجِيرُ والدُّمُوعُ والفَقْرُ والعَوْدَةُ قُرُونَاً إلى الوَرَاءِ! وهُنَا أَقُولُ، إِنَّ إِسْرَائِيلَ دَوْلَةٌ تُحِبُّ السَّيْطَرَةَ الدَّائِمَةَ، لَكِنَّهَا لا تُحِبَّ الحَرْبَ الدَّائِمَةَ، وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ فَرْقٌ كَبِيرٌ -- فَإِسْرَائِيلُ، وهُنَا دَائِمَاً أُكَرِّرُ، دَوْلَةُ رُدُودِ أَفْعَالٍ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالٌ، أَيْ أَنَّ السَّلامَ مَعَ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ، والحَرْبَ والتَّدْمِيرَ والتَّهْجِيرَ مَعَ مَنْ أَرَادَهَا أَو فَكَّرَ بِهَا أَو فِيهَا. والعَقْلِيَّةُ الإِسْرَائِيليَّةُ تَعْتَمِدُ "برَاغمَاتِيَّاً" عَلى العِلْمِ والعَمَل، وهُمَا مِنْ هِبَاتِ الرَّبِّ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ مُنْذُ القِدَمِ. فَقَد كانَ لَهُم مَوْهِبَةُ العِلْمِ والحِرَفِ اليَدَوِيَّةِ والإِبْدَاعِ والإِجْتِهَادِ فِي العَمَلِ والوُصُولِ إِلى الهَدَفِ قَبْلَ وبَعْدَ خُرُوجِهِم مِنْ مِصْرَ وإِلى تأرِيخِنَا المُعَاصِرِ، بَلْ حَتّى عِندمَا كانُو فِي مُعَسْكَرَاتِ الإِعْتِقَالِ فِي أَلمانيَا وأُوروبّا وهُم يَعْمَلُونَ ويَصْنَعُونَ التُّحَفَ النَّادِرَةَ والأَثَاثَ الجَّمِيلَ ويَعْزِفُونَ أَشْهَرَ المَقْطُوعَاتِ المُوسِيقِيَّةِ لِجَنِرَالاتِ الرَّايخِ الثّالِث الذينَ كانُو بِحَاجَةٍ إِلى مَوَاهِبِ اليَهُودِ أَو إِلى أَمْوَالِهِم المَوْجُودَةِ أَو المُهَرَّبَةِ عِندمَا بَدَءَ "سُوقُ الرَّشَاوَى" بِالإِنْتِعَاشِ فِي مُعَسْكَرَاتِ العَمَلِ والإِعْتِقَالِ. وهَذا مِنْ أَسْرَارِ بَقَاءِ أَو إِبْقَاءِ الكَثِيرِ مِنْهُم عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ قَبْلَ وبَعْدَ "إِجْتِمَاعِ الحَلِّ الأَخِيرِ" الذي "كَتَبَ" فُصُولَهُ القَائِدُ النَّازِيُّ أَدُولف آيشمَان. وهُوَ "مَجْمُوعَةُ أَفْكَارٍ" لِحَلِّ المَسْأَلَةِ اليَهُودِيَّةِ والتَّخَلُّصِ مِنْهُم بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ وفَعَّالٍ نُوقِشَتْ بِالتَّفْصِيلِ فِي مُؤْتَمَرِ وَانسِيي أَو فَانسِي فِي بَرْلِينَ فِي بِدَايَةِ سَنَةِ 1942 وكانَ إِحْتِمَاعَاً بِزَعَامَةِ القَائِدِ النَّازِيِّ راينهَارد هايدرِيش -- وهُوَ مِن أَصْدِقَاءِ هِتْلَر المُقَرَّبِينَ وإِبْنُهُ الرُّوحِيُّ وقُتِلَ وأُغْتِيلَ فِي برَاغ بِيَدِ المُقَاوِمِينَ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ ذَاكَ الإِجْتِمَاعِ -- وكانَ مِنْ جَدَاوِلِهِ "العَلَنِيَّةِ والسِّرِّيَّةِ" تَنَاوِلُ الطَّعَامِ والنِّقَاشِ وإِيجادُ طَرِيقَةٍ "مِثَالِيَّةٍ" وسَرِيعَةٍ وعِلْمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ لِحَرْقِ البَشَرِ وقَتْلِ الأَطْفَالِ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ الأَبْرِيَاءِ، فَقَطْ، لأَنَّهُم يَهُودٌ!! رَغْمَ ذَلِكَ بَقِيَ الكَثِيرُ مِنَ اليَهُودِ عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ لِأَنَّ اللهَ أَرَادَ ذَلِكَ -- عِلْمَاً إِنَّ الكَثِيرَ مِنْهُم كانَ قَدْ أَعْلَنَ نُكْرَانَهُ لِلرَبِّ والدِّينِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ والقَهْرِ والقَتْلِ والعَذَابِ والإِهَانَاتِ، والقَوَانِينِ العُنْصُرِيَّةِ والتَّفْرِيقِ وتَدْمِيرِ الزِّيجَاتِ والعَائِلاتِ، وسَلْبِ البُيُوتِ والثَّرَوَاتِ والمُمْتَلَكاتِ والكرَامَاتِ والجِّنْسِيَّاتِ، وحَرْقِ المَعَابِدِ وآلافِ النَّادِرِ والرَّائِعِ مِنَ الكُتُبِ والمُؤَلَّفَاتِ، -- لأَنَّ اللهَ نَسِيَ شَعْبَهُ مَرَّةً أُخْرَى كمَا قِيلَ وكُتِبَ. وإِسْتَمَرَّ الكَثِيرُ مِنْهُم فِي الصَّبْرِ وقُبُولِ الأَقْدَارِ الصَّعْبَةِ وعَمِلَ بِجِدٍّ وصَبْرٍ وصَنَعَ التُّحَفَ ورَسَمَ الجِّدَارِيَّاتِ وأَلَّفَ الكُتُبَ والمُوسِيقَى - وكَثِيرٌ مِنْهَا ومِن إِبْدَاعَاتِهِم لا زَالَتْ فِي مَتَاحِفِ أَلمانيَا والدُّوَلِ الأُوروبِيَّةِ، والأَكْثَرُ مِنْهَا نُشِرَ وأُذِيعَ لِلبَشَرِ. والشَّعْبُ الإِسْرَائِيلِيُّ لَهُ قُدْرَةٌ فِي البِنَاءِ تُثِيرُ الإِعْجَابَ مَهْمَا إِخْتَلَفَتْ الشُّعُوبُ مَعَهُم سِيَاسِيَّاً أَو وُجُودِيَّاً، فَقَدْ إِسْتَلَمُو الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ، مَثَلاً، صَحْرَاءَ جَرْدَاءَ لَكِنَّهُم صَنَعُو مِنْهَا بِيئَةً حَضَارِيَّةً وحَضَرِيَّةً وسَكَنِيَّةً وطَبِيعِيَّةً مُتَقَدِّمَةً مُجْتَمَعِيَّاً وعِلْمِيَّاً "فَوْقَ الأَرْضِ" فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ، بَيْنَمَا نَجَحَ العَرَبُ فِي فِلِسْطِينَ فِي صُنْعِ مَدِينَةٍ كَامِلَةٍ ومُحَصَّنَةٍ "تَحْتَ الأَرْضِ" عَلى شَكْلِ أَنْفَاقٍ لِقَتْلِ النَّاسِ وحِفْظِ أَمْوَالِ "القَادَةِ" وعَائِلاتِهِم الذينَ أَصْبَحُو مِنْ أَغْنِيَاءِ الشَّرْقِ فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ!! وأَصْبَحَتْ إِسْرَائِيلُ وتَحَوَّلَتْ مِنْ مَجْمُوعَةِ عَائِلاتٍ وشَتَاتٍ إِلى دَوْلَةٍ تُعْتَبَرُ مِنَ الأَوَائِلِ فِي البُنَى التَّحْتِيَّةِ والعِلْمِ والتَّكنَلُوحِيَا، بَيْنَمَا يُفَكِّرُ قَادَةُ حَمَاسَ وفَتْحَ وحِزْبِ اللهِ اللُّبْنَانِيِّ-الإِيرَانِيِّ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِ التَّبَرُّعَاتِ الأُمَمِيَّةِ والدُّوَلِيَّةِ التي أَسَاسُهَا، أَو المَفْرُوضُ فِيهَا، هُوَ بِنَاءُ المُسْتَشْفَيَاتِ والمَصَانِعِ والحَدَائِقِ العَامَّةِ والمَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ! ولا زَالَ السَّاسَةُ فِي أُوروبّا، مَثَلاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ، يَتَحَيَّرُونَ مِنْ ضَيَاعِ المَلايِينِ مِنَ الأَمْوَالِ "التَبَرُّعَاتِ الإِغَاثِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ" التِي أَسَاسُهَا التَّعْلِيمُ والبِنَاءُ والتي سُلِّمَتْ لِمَسْؤولِي فَتَحَ، مَثَلاً، المَوْجُودِينَ فِي أَلمَانيَا وأُوروبّا! أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ وكَيْفَ؟! عُمُومَاً، الكُلُّ يَصْرُخُ بِتَحْرِيرِ القُدْسِ، مِنْهُم مَنْ يُقَاتِلُ نِفَاقَاً مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ أَو إِيرَان، ومِنْهُم مَن يَصْرِخُ إِتِّفَاقَاً، "وأَيْضَاً" مَعَ إِيرَان، وإِيرَانُ لا تُفَكِّرُ إِلاّ بِإِيرَانَ، والمُنَافِقُونَ يَبْحَثُونَ عَنْ مَكَانٍ لَهُم فِي هذِهِ الدُّنْيَا "قَبْلَ النِّسْيَانِ" ولا عِلاقَةَ لِلأَمْرِ بِالقُدْسِ! القُدْسُ... وهِيَ أُورشَلِيم... وهِيَ أُورسَالِم، وهِيَ القُدْسُ العَرُوسُ، وهِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ العَرِيسِ، حِينَ هَرَبَ إِبْلِيسُ، وهِيَ مَدِينَةُ الحُبِّ والسَّلامِ ورَئِيسِ السَّلامِ، وهِيَ مَدِينَةُ اللهِ، واللهُ رَبُّ الجَّمِيعِ، واللهُ سَلامٌ لِلجَمِيعِ، وهَكذَا، أُورشَلِيم مَدِينَةُ الجَّمِيعِ -- مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمَعِ فَلْيَسْمَعْ! ولَوْ ذَهَبْتَ اليَوْمَ إِلى القُدْسِ بِقِسْمَيْهَا، مَثَلاً، لَعَرَفْتَ الفَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَحَبَّ اللهَ والسَّلامَ والبِنَاءَ والإِعْمَارَ مِنْ أَجْلِ الجَّمِيعِ، وبَيْنَ مَن يَهْوَى الخَرَابَ والدَّمَارِ لِلجَمِيعِ -- وهُنَا، مَرَّةً أُخْرَى، لَيْسَ الكُلُّ والجَّمِيعُ -- إِذْ أَنَّ الأَسَاسَ هُوَ تَرْبِيَةُ الإِنْسَانِ فِي طُفُولَتِهِ وبِيئَتِهِ قَبْلَ تَرْبِيَةِ الحُكُومَاتِ والأَوطَانِ. فَهُنَاكَ الطَّيِّبُ والرَّاقِيَ أَو الشِّرِّيرُ والخَبِيثُ مِنْ هَذا وذَاكَ وهُنَا وهُنَاكَ - والبَشَرُ يَبْقَى هُوَ البَشَرُ. لَكِنَّ الأَكْثَرِيَّةَ والأَقَلِيَّةَ والوَاقِعَ والأَهْلِيَّةَ هِيَ مِيزَانُ الأُمُورِ والأَحْدَاثِ. مَثَلاً، عِندمَا كُنْتُ أَعِيشُ فِي بَرلِينَ التي دَرَسْتُ وعِشْتُ فِيهَا، كانَ الأَمْرُ وَاضِحَاً وجَلِيَّاً بَيْنَ شَمَالِ بَرْلِينَ الهَادِئِ نَوْعَاً مَا، أَو جَنُوبِ غَرْبِهَا المَعْرُوفِ بِنَظَافَتِهِ وهُدُوءِهِ ورُقِيِّ سَاكِنِيهِ، وبَيْنَ غَرْبِهَا بِزِحَامِهِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مَقْصَدَ المُهَاجِرِينَ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ لِفَوْضَى قَوَانِينِ بَلَدِيَّاتِهِ وفَسَادِ "بَعْضِ" المُوَظَّفِين مِنْ ذَوِي الأُصُولٍ العَرَبِيَّةِ، وبَيْنَ شَرْقِهَا المَعْرُوفِ بِنَازِيَّةِ قَاطِنِيهِ وكرَاهِيَّتِهِم للغُرَبَاءِ، أَو وَسَطِ المَدِينَةِ أَو وَسَطِ جَنُوبِهَا قَلِيلاً وخَاصَّةً حَيِّ "نُويكُولن" المَعْرُوفِ بِأَوْسَاخِهِ وعَشْوَائِيَّاتِهِ ومُعَدَّلِ جَرَائِمِ سَاكِنِيهِ وحُبِّهِم لِلعُنْفِ والسُّوقِيَّةِ والفَوْضَى والصُّرَاخِ والعَوِيلِ -- أَو حَتّى "اللَّطْمِ" فِي الشَّوَارِعِ والتَسَبُّبِ فِي الفَوْضَى، وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنِ الأَجَانِبِ مِنَ الطَّائِفَةِ الشِّيعِيَّةِ -- أَو المُظَاهَرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ أَمَامَ كامِيراتِ الفَضّائِيَّاتِ، ثُمَّ تَكْسِيرِ المَحَلاَّتِ والأَسْوَاقِ والمَرَافِقِ العَامَّةِ والعِرَاكِ مَعَ الشُّرْطَةِ عِندمَا تَنَامُ الكامِيرَاتُ -- ومُعْظَمُ سَاكِنِيهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ والمَافِيَاتِ العَرَبِيَّةِ والخَلايَا الإِرْهَابِيَّةِ ومَجَامِيعِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ التي أَصْبَحَتْ أَحَادِيثَ المُجْتَمَعَاتِ اليَوْمِيَّةِ وأَخْبَارَهَا، خاصَّةً مِمَّنْ جَاءَ وحَضَرَ ودَخَلَ أَلمَانيَا فِي سَنَةِ 2015 أَيْ قَبْلَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ مِنْ كِتَابَةِ كلِمَاتِيَ هَذِهِ عِندمَا فَتَحَتْ المُسْتَشَارَةُ الأَلْمَانيَّةُ أَنجِيلا مِيركل بَابَ البِلادِ عَلى مِصْرَاعَيْهِ، فَكانَتْ فُرْصَةُ العُمْرِ لِدُخُولِ آلآفِ العَوَائِلِ الطَّيِّبَةِ، وهَذا بَابٌ إِنْسَانِيُّ. لَكِنْ، لِلأَسَفِ، مَعَهَا أَيْضَاً آلآفُ المُجْرِمِينَ والسُّوقِيِّينَ والإِرْهَابِيِّنَ "ومِنْهُم أَنِيس عَمْرِي أَو العَمْرِي أَو العَامِرِيّ" أَو الطَّائِفِيِّينَ والمُتَعَصِّبينَ مِنَ جُهَلاءِ العِلْمِ والدِّينِ والسِّيَاسَةِ والإِجْتِمَاعِ وعَدِيمِيّ الأَخْلاقِ والرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ، وهذَا بَابٌ تَخْرِيبِيٌّ. نَعَم، يَا سَادَة، هَذِهِ هِيَ أَلمَانيَا اليَوْم! وصَلَتْ؟ وأقُولُ فِي هَذا الفَصْلِ كَمَا قُلْتُ سَابِقَاً وفِي كُتُبٍ وفُصُولٍ أُخْرَى: غَرِيبٌ عاقِلٌ خَيْرٌ مِن أَخٍ بَغِيٍّ، ومَاجِنٌ تَقِيٌّ خَيْرٌ مِن مُنَافِقٍ وَلِيٍّ، وصَدِيقٌ رَاقٍ خَيْرٌ مِنْ جَارٍ سُوقِيٍّ، وعَدُوٌّ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِن حَلِيفٍ غَبِيٍّ. وإِنْ أَرَادَ الشَّعْبُ العِرَاقِيُّ أَو العَرَبِيُّ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً تُسَمَّى "حَيَاةٌ" ولَيْسَ شَيئَاً آخَرَ، فَعَلَيْهِ أَن يَثُورَ عَلى نَفِسِهِ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَثُورَ عَلى غَيْرِهِ. وعَلَيْهِ أَنْ يَتَّكِلَ عَلى نَفْسِهِ بَعْدَ الرَّبِّ، وأَنْ يُؤْمِنَ بِالتأرِيخِ ومَا كانَ فِيهِ مِنْ دُرُوسٍ وعِبَرٍ وأَهَمُّهَا "مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثلُ ظُفْرِكَ" فَالكُلُّ لَهُ مَا لَهُ مِنْ أَطْمَاعٍ ومَصَالِحٍ ولا يَنْفَعَ أَحَدٌ أَحَدَاً -- تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وتَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ! وأَمَّا عِرَاقِيَّاً، وبَعْدَ أَنْ يَثُورَ الشَّعْبُ عَلى نَفِْسِهِ ويُغَيِّرَ مَا فِيهَا مِنْ نِفَاقٍ وشِقَاقٍ وحُبٍّ لِلفِتْنَةِ والطَّائِفِيَّةِ وسُلُوكِيَّاتٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَاصَّةً "الشَّكْوَى" وهُوَ مَا عُرِفَ بِهِ طَوَالَ العُصُورِ والدُّهُورِ، يَبْدَأُ بَعْدَهَا فِي التَّخَلُّصِ مِنَ النِّفَايَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والمُجْتَمَعِيَّةِ وبَقَايَا ومُخَلَّفَاتِ الإِحْتِلالِ الإِيرَانِيِّ بِكُلِّ آثَارِهِ وعَادَاتِهِ وخُرَافَاتِهِ وسَخَافَاتِهِ المُقَزِّزَةِ للعُقُولِ والأَبْدَانِ! والأَهَمُّ هُوَ طَرْدُ نِفَايَاتِ إِيرَانَ مِنَ العُمَلاءِ والجُهَلاءِ والقَتَلَةِ والسُّرَّاقِ والفَاسِدِينَ سِيَاسِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وعِلْمِيَّاً... وعَلى رَأْسِهِم المَالِكِيّ وهُوَ الحِصَانُ الإِيرَانِيُّ والحَاكِمُ الفِعْلِيُّ لِبَغْدَادَ... الذي حَكَمَ العِرَاقَ ودَوْلَتَهُ العَمِيقَةَ قَبْلَ وِلايَتِهِ وأَثْنَاءَ وِلايَتِهِ وحَتّى بَعْدَ وِلايَتِهِ "وإِلى اليَوْم" لِإِتِّصَالِهِ المُبَاشَرِ واليَوْمِيِّ بِالمُخَابَرَاتِ الإِيرَانِيَّةِ وإِسْتِخْبَارَاتِهَا وتَلَقِّ الأَوَامِرَ والتَّعْلِيمَاتِ والوَصَايَا التَّخْرِيبيَّةِ للمُجْتَمَعِ والشَّبَابِ العِرَاقِيِّ -- وتَبَادُلِ التَّقَارِيرِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ! وهُوَ عَاشِقٌ لِلجَاسُوسِيَّةِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهِ وصِبَاهُ، وهَذَا مَا عُرِفَ عَنْهُ "وكُتِبَ" فِي سِجِلاَّتِ المُخَابَرَاتِ الغَرْبِيَّةِ وبَعْضِ الكَوَالِيسِ العَرَبِيَّةِ والإِقْلِيمِيَّةِ. وهَكذَا، هِيَ العُلومُ السّياسِيّةُ، وهُوَ عِلمُ الإجْتِماعِ، وهُوَ عِلمُ الإجْتِماعِ السّياسِيِّ، وهُوَ عِلمُ النّفْسِ السّياسِيِّ كَمَا حَالُ العِرَاقِ والعَرَبِ، وهِيَ لَعَنَاتُ الإنْقِلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ فِي الخَمسينيَّاتِ والسِّتينيَّاتِ التي تُلاحِقُ أصْحابَهَا، وعَدَمُ الرِّضَا بالمُلُوكِ الصّالِحينَ، والعَسَاكِرُ هُمْ للحُرُوبِ والغُرُورِ تَابِعِينَ...، أَو لَعَنَاتُ النِّفاقِ والشِّقاقِ وعَدَمِ الرِّضَا بالرُّؤسَاءِ وأَقْدَارِ السِّنِين، أو، كانَ مَا كانَ وَلا يَزَال، لَعْنَةُ 1979 ولَعَنَاتُ الزَّمَانِ والمَكَانِ وطَلاسِمِ الخُمَيْنِيِّ وإجْتِمَاعِ بَارِيسَ الَّليْلِيِّ والقَرَارِ الغَرْبِيِّ والإسْلامِ "السّياسِيِّ" والوَعْدِ الشِّيعِيِّ والجَّهْلِ الدِّينِيِّ. والعُنْصِريَّةُ وكَرَاهِيَةُ إسْرائِيل -- ومِحْوَرُ المُقاوَمَةِ -- وهُمْ لِإيرانَ تابِعِينَ ومِنَ الغَرْبِ وخاصَةً "فَرَنسَا" مَرْغُوبِينَ! ومَا أدْرَاكَ ما مِحْوَرُ المُقاوَمَةِ... هُوَ كابُوسٌ طالَتْ فُصُولُهُ فِي لَيَالِ العَرَبِ والغَرْبِ وإسرائِيل، وسَوْفَ يَتَّفِقَ الجَّميعُ عَلى الخَلاصِ مِنْهُ ومِن كُلِّ الميلشياتِ، رُبَّمَا فِي سَنَوَاتٍ، أو وَقْتٍ قَصِيرٍ لِتَكونَ صَدْمَةً للإرْهابيّينَ وتَهْجِيرٍ وشَتَاتٍ. مِحْوَرُ المُقاوَمَةِ؟! هُوَ مِحْوَرٌ وإتِّحادٌ بَيْنَ الجَّهْلِ الدِّينِيِّ والإنْحِطاطِ الإجْتِماعِيِّ والغَبَاءِ السِّياسِيِّ والإرْهابِ الإعْلامِيِّ، لكِنَّهُ إتِّحادُ الشَياطينِ والأفاعِيَ والثَّعابينِ وأوْلادِ إبْليس، والأُمُّ تُدْعَى إيران، وفِي طَهْرانَ خَلِيَّةُ السَّرَطانِ، قَدْ يَغْدِرونَ بالصَّديقِ والحَليفِ والأهْلِ قَبْلَ العَدُوِّ فِي أيِّ وَقْتٍ وزَمانٍ، أو يَبِيعونَ أنْفُسَهُم لِأنْفُسِهِم، ولا أبَ لَهُم، ويَقْتُلُونَ بَعْضَهُم عاجِلاً أو آجِلاً، لأنَّ حامِلَ السَّيفِ بالسَّيْفِ يُقْتَل، كَمَا قالَ السَيِّدُ المَسِيحُ لِتِلْمِيذِهِ "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، لأَنَّ كُلَّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" بِإخْتِصَارٍ، يا سَادَة، فإنَّ المُقَاوَمَةَ "ونِهَايَتُهَا مَحْتُومَةٌ بَعْدَ سَنَوَاتٍ" ما هِيَ إلاّ مُقاوَمَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ وبِناءٍ وفَرَحٍ ولِقاءٍ وسَلامٍ وإزْدِهارٍ -- وهِيَ "مُقاوَمَةٌ" لِكُلِّ ما هُوَ مُسْتَقِرٍّ وراقٍ وهادِئٍ وجَميلٍ، لِتَكونَ إسرائيلُ "الدّيمقراطيّةُ الوَحيدَةُ فِي الشَّرْقِ" هِيَ العدُوُّ ولَيْسَ إيرانُ التي إسْتَوْطَنَتْ أوْطانَ العَرَبِ ورَفَضَتْ الرَّحيلَ! وأَقُولُ، إنَّ الحِفَاظَ عَلى الأَرْضِ أو مَا تَبَقّى مِنْهَا لا يَكُونَ بِقَتْلِ الأبْرِيَاءِ والإِرْهَابِ وإشْعَالِ حُرُوبٍ غَبِيَّةٍ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ لَيْسَا فِي تَكافُؤٍ عَسْكَرِيٍّ ولَوْ الشَيءِ البَسِيطِ، بَلْ بالسِّياسَةِ وتَبَادُلِ الأَفْكارِ والمُحَاوَلاتِ والتَّنَازُلاتِ ومُعَادَلاتِ "الأَرْضِ والسَّلامِ" وتَقْليلِ الخَسَائِرِ والحِفَاظِ عَلى مَا تَبَقَّى قَبْلَ ضَيَاعِ مَا تَبَقَّى وإنْشَاءِ دَوْلَةٍ للفِلِسْطينيّينَ لِيَعِيشُو بِسَلامٍ مَعَ إسْرائِيل. وأَمَّا الإتَّكالُ عَلى عِمَامَاتِ إيرَانَ "وهِيَ لا تُرِيدُ الخَيْرَ والسَّلامَ للعَرَبِ، بَلْ شِعَارُهَا بَيْعُ القَرِيبِ وشِرَاءُ الغَرِيبِ والأَهَمُّ هُوَ الغَرْبُ والمَكْسَبُ" أَو مَا كانَ ويَكونَ مِنْ أوْهَامِ "تَحْريرِ القُدْسِ" والشِّعاراتِ فَهِيَ لَيْسَتْ حَقائِقٌ بَلْ أكاذِيبٌ بَرَعَ فِيهَا المُنَافِقُونَ وتَوَارَثَها الشَّبابُ جِيلٌ بَعْدَ جِيلٍ لِعَوامِلَ "رِبْحِيَّةٍ" ودينيَّةٍ وطَائِفِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ. والبُؤْسُ والفَقْرُ فِي إيرانَ والعِراقَ ولُبْنانَ وسُوريةَ وفِلِسطينَ واليَمَنَ وأفغانِسْتانَ، والدَّمَارُ القادِمُ بَعْدَ سَنَواتٍ قَليلَةٍ، خَيْرُ دَليلٍ. والبِلادُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالفَنِّ والسَّلامِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ، ولَيْسَ بِالجَّهْلِ والحُرُوبِ والفَوْضَى والدَّمَارِ. والمُجْتَمَعَاتُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالعِلْمِ ومَشَارِيعِ المُسْتَقْبَلِ ومَاكِنَاتِ البِنَاءِ، ولَيْسَ بِاللَّطْمِ وخُرَافَاتِ المَاضِيَ وخَيْمَاتِ البُكَاءِ. فَإِنْ أرَادَ العَرَبُ أنْ يَكُونَ لَهُم شَأنٌ بَيْنَ الأُمَمِ، فَلَيْسَ بالشِّعاراتِ والمُسَيَّرَاتِ والصَّوَارِيخِ والحُرُوبِ والإِرْهَابِ والعَمَالَةِ والمُظَاهَرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وعُبُودِيَّةِ البَشَرِ، وإنَّمَا بالعِلْمِ والتَّعْلِيمِ والفَنِّ والرُّقِيِّ والحِكْمَةِ والسِّيَادَةِ والعِلاقَاتِ الطَّيِّبَةِ والسَّلامِ والإِزْدِهَارِ والبِنَاءِ والفَرَحِ والسَّفَرِ. فالنَاسُ عَشِقُو لُبْنَانَ، مَثَلاً، لَيْسَ بِالأَحْزَانِ والحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ وحِزْبِ اللهِ والقَتْلِ والإِغْتِيَالاتِ والجَّهْلِ والفَقْرِ والعَمَالَةِ لِمَلالِيَ طَهْرَانَ والفَوْضَى وإِرْهَابِ عَائِلَةِ الأَسَدِ والقُوَّاتِ السُّورِيَّةِ ونِفَاقِ الحَرَكاتِ الفِلِسْطِينِيَّةِ ومُؤَامَرَاتِ العِمَامَاتِ الإيرانِيَّةِ، إنَّمَا بِصَوتِ فَيْرُوزَ والثَّقَافَةِ والجَّمَالِ والجِّبَالِ والقُرَى والجِّنَانِ، والإِيمَانِ والكَنَائِسِ والأَدْيِرَةِ وأَقْلامِ جُبْرَانَ، وذِكْرَى بَشِيرِ الجميّل وكَلِمَاتِهِ الوَطَنِيَّةِ وحُبِّهِ لِبِلادِهِ وإِخْلاصِهِ وصَوْتِهِ الجَّمِيلِ الرَّنَّانِ، والعَذْرَاءِ مَرْيَمَ أُمِّ الرَّبِّ والمِسْبَحَةِ والقُلُوبِ الوَرْدِيَّةِ بَابِ الأَمَانِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. والعالَمُ عَرَفَ مِصْرَ وأَحَبَّهَا لَيْسَ بِحُرُوبِ عَبد النّاصِرِ العَبَثِيَّةِ وأَمْرَاضِهِ النَّفْسِيَّةِ وقَتْلِهِ لِلقَرِيبِ وسَجْنِهِ لِلغَرِيبِ -- ومَسْرَحِيَّاتِهِ الهَزَلِيَّةِ التي أَبْكَتِ الجُّمْهُورَ ثُمَّ أَضَحَكَتْهُ كمَسْرَحِيَّةِ الإِغْتِيَالِ أَو التَنَحِّي والتَّنْحِيَةِ والعَوْدَةِ عَنْهَا بَعْدَ "تَمْثِيلِيَّةِ" المُظَاهَرَاتِ، ولا بِنِفَاقِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ، بَلْ بِأَحمَد رامِي وبَلِيغ حَمْدِي ونَجِيب مَحفوظ وأَحمَد زويل وجَوائِزِ نُوبِلَ والأَدَبِ والعُلُومِ والفَنِّ وعُمَرِ الشّريفِ وفَاتِن حَمَامة وعَادِل إِمَام، وبَسَاطَةِ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِي وعِلْمِهِ وأُسْلُوبِهِ السَّهْلِ والمَحْبُوبِ وتَوَاضُعِ الإِمَامِ، وعِلْمِ وإِيمَانِ الدّكتُور مُصطَفَى مَحمُود ورُقِيِّ المَقَامِ، وجَمَالِ كَلِمَاتِ البَابَا شنُودَة وإِيمَانِهِ بِالسَّلامِ، وحِكْمَةِ الدّكتُور أَحمَد الطَّيِّبِ والأَزْهَرِ والوَسَطِيَّةِ والوِئَامِ، وخِفَّةِ دَمِ المِصْرِيّينَ وأَرْوَاحِهِم الجَّمِيلَةِ وحُبِّهِم لِلمُسْتَقْبَلِ والحَيَاةِ، والمَخْطُوطَاتِ المُقَدَّسَةِ والآثَارِ وإبْدَاعِ الفَرَاعِنَةِ الرُّقَاةِ، وخَيْرَاتِ الأَرْضِ وجَمَالِ نَهْرِ النِّيلِ، وصَفَاءِ الأَرْبَعِينيَّاتِ ونَقَاءِ ذَلِكَ الجِّيلِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. والنَّاسُ أَحَبُّو بِلادَنَا ويُحِبُّونَ العِراقَ ويَحْتَرِمُونَ سُمْعَةَ شَعْبِهِ وحَضَارَاتِهِ وتأرِيخِهِ الأَوَّلِ والأَخِيرِ، لكِن لَيْسَ بالحُرُوبِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ، أَو سَفْكِ الدِّمَاءِ والنِّفَاقِ والشِّقَاقِ والتَّدْمِيرِ، ولا بِالعَمَالَةِ والبَطَالَةِ والفَسَادِ والتَّزْوِيرِ، أَو غِيَابِ النِّظَامِ والرِّقَابَةِ وفَوْضَى الزِّيَارَاتِ، وبَيْعِ الأَرْوَاحِ وشِرَاءِ النُّفُوسِ وتَدْمِيرِ العَائِلاتِ، والمُتْعَةِ والإِنْحِطَاطِ الأَخْلاقِيِّ والإِجْتِمَاعِيِّ وأَمْوَالِ بَاكِسْتَانَ وإِيرَانَ التي غَزَتْ مُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِ وجَنُوبِهِ وتَشْوِيهِ سُمْعَةِ العِرَاقِيَّاتِ، ولا بِالسَّاسَةِ والعُمَلاءِ والسَّرِقَاتِ والصَّفَقَاتِ، أَو الفَضَائِحِ الإعْلامِيَّةِ والشَّخْصِيَّةِ والصِّرَاعَاتِ، والجُّهَلاءِ وسُرَّاقِ الكَلِمَاتِ، وسَرِقَةِ البَلاغَةِ وفَنِّ الخَطَابَةِ والخِطَابَاتِ "دُونَ خَوْفٍ مِنَ الفَضَائِحِ والمُلاحَقَةِ والمُحَاكَمَاتِ وهِيَ عَلى البَابِ والبَوَّابَاتِ، وقَدْ تُطْرَقُ أَبْوَابُهُم فِي أَيِّ مَكانٍ وزَمَانٍ إِذْ نَعِيشُ فِي زَمَنِ القَوَانِينِ والعُقُوبَاتِ وقَدْ تُقْطَعُ الأَرْزَاقُ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وأَقُولُ دَائِمَاً وهذِهِ وِجْهَةُ نَظَرِي... سَرِقَةُ الكلِمَاتِ غَبَاءٌ بِطَعْمِ الجَّهْلِ وجَهْلٌ بِطَعْمِ الغَبَاءِوسَلاطَةِ الِّلسَانِ وحُرُوبِ السُوشَال مِيدِيَا بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، التي، للأَسَفِ، أَصْبَحَتْ رَمْزَاً بَلْ عَلامَةً لِكَثِيرٍ مِنَ العِرَاقِيّينَ، كَثِيرُهُم أَو جُلُّهُم -- فَالمُشْكِلَةُ إِذَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةِ لَيْسَتْ "تَاءُ" التَّأنِيثِ أَو "نُونُ" النِّسْوَة بَلْ "كافُ" المُخَاطَبَةِ! إنَّمَا أَحَبَّ النَّاسُ والكَوْنُ بِلادَنَا وعَرَفُوهَا بِحَمُّو رَابِي وشَرِيعَتِهِ التأرِيخِيَّةِ، وأُور نَمُّو وسُلالاتِهِ وشَرِيعَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، وبَوَّابَةِ عِشْتَارَ بِأَحْجَارِهَا وأَلْوَانِهَا الزَهِيَّةِ، والمَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي والرُّقِيُّ والمَقَامُ والمَلَكِيَّةُ الدُّسْتُورِيَّةُ، وزَهَا حَديد وتَصَامِيمِهَا البَهِيَّةِ، ومَعَارِضِ الجَمِيلَتَيْنِ لَيْلَى وسُعَاد العَطَّارِ والجَوَائِزِ الدُوَلِيَّةِ، وفَرَاشَةِ البَصْرَةِ سِيتَا هاكُوبيَان وأَغَانِيهَا فِي الحُبِّ والغَرَامِ والشَّوْقِ والرُّومَانسيَّةِ، وإِبْنَةِ البَصْرَةِ الرَّاقِيَةِ فِكتُوريَا نُعْمَان المُحَامِيَةِ والإِذَاعِيَةِ، وكُرَةِ القَدَمِ والبُطُولاتِ الدُّوَليَّةِ، والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ الشَّعْبِيَّةِ، والرَّقَصَاتِ العِرَاقيَّةِ، وحِسَانِ الشَّعْرِ الغَجَرِيِّ الأَحْمَرِ بِشِفَاهٍ وَرْدِيَّةٍ وعُيُونٍ عَسَليَّةٍ وأَجْسَادٍ مُخْمَلِيَّةٍ يَرْقُصْنَ كالفَرَاشَاتِ الرَّبِيعِيَّةِ، والمَطْبَخِ العِرَاقِيِّ والكَبَابِ والبِرْيَانِي والفَلافِلِ والعَمْبَةِ والدُّولمَةِ والمَأْكُولاتِ الهَنِيَّةِ، والسِّنْدِبَادَ وعَلِي بَابَا وبَغْدَادَ والبَصْرَةِ والحِلَّةِ والنَّاصِرِيَّةِ، وكِسْرَى والذِّكْرَى والقَادِسِيَّةِ، وحِكَايَاتِ الحُبِّ البَابِلِيَّةِ والشَّجَاعَةِ السُّومَرِيَّةِ، والأُصُولِ الآشُورِيَّةِ، وجَيسيكا مَائير "الشَّابَةُ الجَّمِيلَةُ ورَائِدةِ الفَضَاءِ وعَالِمَةِ الأحْيَاءِ البَحْرِيَّةِ والعَالِمَةِ الفِيزيَائِيَّةِ، وفِي أَيَّامِنَا واليَوْم هِيَ فَخْرٌ لَنَا فِي الأَبْحَاثِ الفَضَائِيَّةِ،" ومَرْكَزِ العُلُومِ فِي البَصْرَةِ فِي السَبعِينيَّاتِ وأَبْحَاثِهِ البَحْرِيَّةِ، وشَارِعِ المُتَنَبِّيَ واحَةِ الفَنِّ والأَدبِ والكُتُبِ والأَذْوَاقِ الرَّاقِيَةِ، وشَارِعِ الرَّشِيدِ وسَاحَاتِ بَغْدَادَ والنَّظَافَةِ فِي العُصُورِ المَاضِيَةِ، وسُوقِ السَّرَايَ والتأرِيخِ والمَحَلاَّتِ والأَنْتِيكَاتِ والذِّكْرَيَاتِ، وكَنَائِسِ نَيْنَوَى ومَارِ مَتَّى ويُونَانَ والمَعَابِدِ والزَّقُّورَاتِ، والقَوْمِيَّاتِ والطَّوَائِفِ والأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ، وبَابِلَ القُوَّةِ والعِلْمِ وأُورَ وبَيْتِ إِبْرَاهِيمَ وسَارَةَ والأَدْيَارِ والأَدْيِرَةِ ودُورِ الرَّاهِبَاتِ، ونِسَاءِ العِرَاقِ فِي الفَنِّ والإِعْلامِ والتَّعْلِيمِ والسِّيَاسَةِ والطَّيَرَانِ وقِيَادَةِ الطَّائِرَاتِ والعَرَبَاتِ، مَنْ كُنَّ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا فِي الصَّدَارَةِ العَرَبِيَّةِ وأَوَّلَ مَا كانَ وكُنَّ ويَكُونَ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. إذَنْ، الجَّهْلُ هُوَ تَعْريفُ الدَّوْلَةِ الفاشِلَةِ، والعُنْفُ هُوَ تَعْريفُ الأُمَّةِ الفاشِلَةِ، والفَقْرُ هُوَ تَعْريفُ المُجْتَمَعاتِ الفاشِلَةِ، وهذا، يا سَادَة، هُوَ الدِّينُ والسِّياسَةُ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ. وهِيَ وِلايَةُ الفَقِيهِ ومَا فِيهَا ومِنْهَا مِنْ خُبْثٍ وقَتْلٍ وجَهْلٍ ونِفَاقٍ وحِقْدٍ وبَيْعٍ وشِرَاءٍ للنُّفُوسِ وتَمَلُّقٍ للبَعيدِ وقَتْلٍ للقَريبِ وسَلامٍ باليَدِ اليُمْنَى وطَعْنٍ باليَدِ اليُسْرَى وإبْتِسَامَةٍ فِي النَّهَارِ وتَآمُرٍ فِي ظُلُمَاتِ الليْلِ! لِهَذا، أَقُولُ، إِنْ سَيْطَرَ الدِّينُ عَلى السِّياسَةِ شَوَّهَ مَا فِيهَا، وإنْ تَدَاخَلَتْ السِّياسَةُ فِي الدِّينِ شَوَّهَتْ مَا فِيهِ، مَهْمَا كانَتْ السِّياسَةُ ومَهْمَا كانَ الإيمَانُ أَو الدِّينُ -- اليَهُودِيَّةُ كانَتْ أَم المَسِيحِيَّةُ أَم الإِسلامُ، مَعَ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ، والفَرْقُ جَوْهَرِيٌّ وعَمِيقٌ فِي فَلْسَفَةِ الدِّينِ والإِيمَانِ والنِّعْمَةِ -- وخاصَةً الإِسْلامُ "المُتَطَرِّفُ" لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْويهٍ للإنْسَانيَّةِ وبَعْضِ الأَسَاسِيَّاتِ التي تَعْتَمِدُ عَلى العُنْفِ والقَسْوَةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ فِي شُؤُونِ الدَّوْلَةِ والشُّعُوبِ وحَيَاةِ الأَفْرَادِ فِي نُصُوصٍ وتَفَاسِيرٍ وتَأْوِيلاتٍ وتَحْرِيفَاتٍ نَصِّيَّةٍ وعَقْلِيَّةٍ، مُنْذُ أَنْ دَخَلَ الإِرْهَابُ فِي النُّصُوصِ والكِتَابَاتِ والكُتُبِ فِي تأرِيخٍ بَعِيدٍ وقَرِيبٍ حَتّى بَدَءَ غَسْلُ الأَدْمِغَةِ وغَسِيلُ العُقُولِ وسَرِقَةُ قُلُوبِ الجُّهَلاءِ مِنَ النَّاسِ وخَاصَّةً الشَّبَابِ فِي كُتُبِ حَسَن البَنَّا وسَيِّد قُطب وغَيْرِهِم مِنَ مٌؤَسِّسِي الإِرْهَابِ فِي مِيزَانِ الدِّينِ والسِّيَاسَةِ. وخَيْرُ دَليلٍ عَلى هَذا وذاكَ مَا حَصَلَ فِي البِلادِ العَرَبيَّةِ وتُركيا وبِلادِ الشَّرْقِ، فِي المَاضِي والحَاضِرِ، ولِلأَسَفِ، فِي المُسْتَقْبَلِ. والسِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، كمَا يَدَّعِيَ البَعْضُ، لأَنَّ الفَنَّ أَسْمَى وهُوَ حُبٌّ وسَلامٌ لَكَ ولَهَا، والفَنُّ يَبْنِي دَائِمَاً ولا يُدَمِّرُ كالسِّيَاسَةِ فِي أَحْيَانِهَا، وهِيَ لَيْسَتْ فَنُّ الطَّبْخِ، كمَا يَظُنُّ البَعْضُ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فَنٌّ ولَيْسَتْ مَطْبَخٌ، وهِيَ لَيْسَتْ مَبَادِئُ "الصَّدَاقَةُ الدَّائِمَةُ والصَّدِيقُ الدَّائِمُ أَو العَدَاوَةُ الدَّائِمَةُ والعَدُوُّ الدَّائِمُ" بَلْ هِيَ عِلْمٌ أَسَاسُهُ الحِكمَةُ والصَّبْرُ والدِّرَاسَةُ والقِيَاسُ، وفُصُولُهُ السِّيَادَةُ الكامِلَةُ والإِحْتِرَامُ المُتَبَادَلُ بَيْنَ البِلادِ والشُّعُوبِ والنَّاسِ، وعَلامَاتُهُ المَصَالِحُ المُشْتَرَكةُ دُونَ نِفَاقٍ أَو كذِبٍ أَو تِجَارَةٍ فِي سُوقِ الجَّهْلِ حَيْثُ يُبَاعُ مَصِيرُ الإِنْسَانِ ويُشْتَرَى. إِذَنْ، السِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، ولَيْسَتْ طَبْخٌ، أَو مَطْبَخٌ، بَلْ هِيَ حِكْمَةُ تَنْظِيفِ المَطْبَخِ بَعْدَ الطَّبْخِ. ولا أَمَلَ فِي تَنْظِيفِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ إِنْ فُتِحَ بَابُ السِّيَاسَةِ بِمِفْتَاحِ الدِّينِ، فَالدِّينُ السِّياسِيُّ أَو مَا أُسَمِّيهِ "القَتْلُ البَطِيءُ" قَدْ أَسَالَ الدِّمَاءَ حَتّى فِي أُوروبّا. فَهَلْ تَعَلَّمَ البَشَرُ مِنْ تأرِيخِ البَشَرِ؟ لا! فَالبَشَرُ والنَّاسُ يَتَعَلَّمُونَ ولا يَتَعَلَّمُونَ. وتأريخُ القَهْرِ والظُّلْمِ والمُلُوكِ والمَلِكَاتِ كانَ واقِعُ الحَالِ فِي القُرُونِ الوُسْطَى، وإسبانيَا وفرنسَا وأَلمانيَا -- والحُرُوبُ "الدِّينيَّةُ" التي ذَهَبَ فِيهَا آلافُ الأبْرِياءِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والأطْفَالِ بَعْدَ كِتَاباتِ الرّاهِبِ اللاهُوتِيِّ الألمانِيِّ مارتِن لُوثَر، عِندَمَا فَكَّرَ وتَذَكَّرَ، وخاطَرَ وتَحَدَّى وثَارَ وقَامَ بِثَوْرَةٍ أدَبيَّةٍ وعَقْلِيَّةٍ عَلى الكَنيسَةِ الكاثُوليكيَّةِ، والأوَّلُ مَن تَرْجَمَ الكِتَابَ المُقَدَّسَ كَيْ يَفْهَمَ النّاسُ وتَنْتَهِيَ العُبُودِيَّةُ، وهَكذا، فَهِمَ النّاسُ وتَغَيَّرَ تأريخُ البَشَرِ، والبَشَرُ دُونَ فَهْمٍ لا يَتَغَيَّرَ. والآلافُ دّفَعَ الأثْمَانَ، وأسْتَمَرَّتْ الحُرُوبُ الدِّينيَّةُ والسِّيَاسِيَّةُ والشَّخْصِيَّةُ والعُنْصُرِيَّةُ والإِقْتِصَادِيَّةُ...، والدُّوَلُ الأُوروبيَّةُ وإِسْتِعْمَارِهَا لِبِلادِ وبُلْدَانِ أَفْرِيقيَا بِغِنَاهَا وثَرَوَاتِهَا ومَوَارِدِهَا بَعْدَ مُؤْتَمَرِ بَرْلِينَ فِي سَنَة 1884 وتَقْسِيمِ مَنَاطِقَ أَفْرِيقيَا وإِسْأَرْضِهَا وإِهَانَةِ نَاسِهَا وقَتْلِ وإِبَادَةِ الآلافِ مِنَ الأَبْرِيَاءِ "فَقَط" لِأَنَّهُم مُخْتَلِفُونَ! والدَّوْلَةُ العُثْمَانيَّةُ بِقُوَّاتِهَا النِّظَامِيَّةِ وإِبَادَةُ المَسِيحِيِّينَ، فَقَطْ، لِأَنَّهُم مَسِيحِيُّونَ -- والمَجازِرُ ومَذابِحُ "سيفو" ومَذَابِحٌ أُخْرَى، صُغْرَى وكُبْرَى، حِينَ إجْتَمَعَ الأتْرَاكُ والأكْرَادُ والإيرانِيُّونَ لِقَتْلِ مِئَاتِ الآلافِ مِنَ المَسيحيّينَ الأبْرياءِ فِي المُدْنِ والقُرَى، والإبَادَةُ الجَّمَاعيَّةُ للآشُوريّينَ والسُّرْيَانِ والكِلْدَانِ فِي التُّرَابِ والثَرَى، ومَعَهَا مَجَازِرٌ وحَرْقٌ للأَرمَنِ واليُونَانِيِّينَ أثْنَاءَ وبَعْدَ الحَرْبِ العالَميَّةِ الأُولَى. وإِبَادَةُ الفُرْسِ لِعَرَبِ الأَهْوَازِ وإِحْتِلالِ أَرَاضِهِم الزِّرَاعِيَّةِ الغَنِيَّةِ بِخُصُوبَتِهَا ومَحَاصِيلِهَا ومَا فِيهَا مِنْ نِفْطٍ وغَازٍ ومَوَارِدٍ طَبِيعِيَّةٍ وثَرَواتٍ مَائِيَّةٍ لا تُعَدُّ ولا تُحْصَى. إِذْ كانَ الأَهْوَازُ، يَا سَادَة، هذَا الإِقلِيمُ العَرَبِيُّ المُحَاذِي لِلعِرَاقِ والمُطِلُّ عَلى شَمَالِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ "ولَيْسَ الفَارِسِيِّ كمَا يُسَمِّيهِ مَلالِي إِيرَانَ وعُمَلاءُ طَهْرَانَ فِي العِرَاقِ وبِلادِ العَرَبِ" والمُمْتَدُّ حَتّى ضِفَّتِهِ الشَّرْقِيَّةِ، إِمَارَةً مُسْتَقِلَّةً فِي جَمَالِهَا وخَيْرَاتِهَا ومَا حَوْلَهَا. وكانَتْ تَحْتَ حُكْمِ الشَّيْخِ خَزْعَل بِن جَابِر الكعْبِي المُلَقَّبِ آنَذَاك بِأَمِير عربستان أَو أَمِيرِ المُحَمَّرَةِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ الشَّاهُ الأَبُ رِضَا بَهلوِي بِغَزْوِ الإِقلِيمِ عَسْكرِيَّاً فِي عَامِ 1925 وضَمِّهِ إِلى بِلادِ فَارِسَ دُونَ إِرَادَةِ شَعْبِهِ العَرَبِيِّ الأَصِيلِ -- وكانَ لِمَدِينَةِ المُحَمَّرَةِ مَا لَهَا مِنْ مَعَارِكٍ شَرِسَةٍ خِلالَ الحَرْبِ الإِيرَانِيَّةِ-العِرَاقِيَّةِ أَو القَادِسِيَّةِ الثَّانِيَةِ، وهُوَ أَمْرٌ لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ والإِشارَةِ إِلَيْهِ. ويَسْتَمِرُّ ظُلْمُ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ وقَهْرُ البَشَرِ لِلبَشَرِ...، ثُمَّ جَاءَ النّازِيُّونَ فِي ألمانيا والنَّمْسَا، وخَلايَا فِي إيطاليَا، وعُشَّاقُ هِتْلَرَ هُنَا وهُنَاكَ وهُنَا، ومَقَابِرٌ جَمَاعِيَّةٌ فِي كُلِّ أُورُوبّا، مِن بَارِيسَ إِلى كِييفَ وأُودِيسَا، وقَتْلٌ فِي جَنُوبِ وشَمَالِ أَمريكا، ثُمَّ بريطانيا وأيرلَندا، بِنْتٌ صُغْرَى فِي الشَّمَالِ وفِي الجَّنُوبِ أُمٌّ كُبْرَى، عُنْفٌ وحُرُوبٌ "طَّائِفِيَّةٌ" لِتَسِيلَ الدِّمَاءُ والدُّمُوعُ وتَبْكِي العُيُونُ وتُكْسَرَ القُلُوبُ فِي أيرلَندا، ولا زالَتْ آثارُهَا وبَقَايَا مَآسِيهَا إلى يَوْمِنَا هَذا، وأمْثِلَةُ أُخْرَى!! وكُلُّ مَا كانَ ويَكُونُ، يَا سَادَة، أَسَاسُهُ غِيَابُ "الأَسَاسِ" المَتِينِ، وهُوَ الحُرِيَّةُ بِجَمَالِهَا وحُدُودِهَا المَعْرُوفَةِ والمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وأَخْلاقِيَّاً. وأَنَا أُعَرِّفُ الحُرِّيَّةَ بَأَنَّهَا سُلْطَانُ الإِنْسَانِ عَلى نَفْسِهِ بِإِطَارِ الضَّمِيرِ والرَّقِيبِ، وقُبُولِ الآخَرِينَ بِإِطَارِ الإِحْتِرَامِ لِحُرِّيَّةِ وسُلْطَانِ البَعِيدِ والقَرِيبِ. فَأَنْتَ حُرٌّ طَالَمَا كانَ الآخَرُونَ أَحْرَاراً، والآخَرُونَ أَحْرَارٌ طَالَمَا أَنْتَ حُرٌّ سَعِيدٌ. وسُلْطَانُكَ عَلى نَفْسِكَ فَقَط -- فَأَنْتَ، مَثَلاً، إِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً، تُعَلِّمُ أَوْلادَكَ كُلَّ شَيءٍ لَكِنَّ خِيَارَاتِ الحَيَاةِ مِنْ تَعْلِيمٍ وإِيمَانٍ ودِينٍ وإِتِّجَاهَاتٍ سِيَاسِيَّةٍ هِيَ سُلْطَانٌ لَهُم فَقَط -- وسُلْطَانُهُم لَهُم وعَلَيْهِم. وأَمَّا دَوْرُكَ فَهُوَ الوُجُودُ والإِرْشَادُ والتَّعِلِيمُ والتَّرْبِيَةُ والحِمَايَةُ مِنْ شَرِّ الزَّمَانِ والمَكَانِ وتَشْوِيهِ الحَقَائِقِ والمَعْلُومَاتِ، ودَائِمَاً، التَّصْحِيحُ والإِجَابَةُ عَلى أَيِّ سُؤَالٍ وإِسْتِفْهَامٍ وعَلامَاتٍ. فَإِنْ كانَتْ التَّرْبِيَةُ حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ كانَتْ قَرَارَاتُهُم وخِيَارَاتُهُم فِي الحَيَاةِ، غَالِبَاً، حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ أَيْضَاً، والأَعْمَالُ والنَّجَاحَاتُ،غَالِبَاً، بِخَوَاتِيمِهَا. إذَنْ، عَرَبِيَّاً، يا سَادَة، غِيَابُ الحُرِّيَّةِ وخَاصَّةً حُرِّيَّةُ الفِكْرِ والتَّفْكِيرِ والحَيَاةِ والإِخْتِيَارِ يَنْتَهِيَ تِلْقَائِيَّاً وزَمَانِيَّاً إِلى غَسْلِ العُقُولِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأكاذيبِ، وفِي يَوْمِنَا هَذا، الإسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ أَشْبَهُ بِمَاءِ النَّارِ القَاتِلِ أَو النتريكِ المُذِيبِ لِلعُقُولِ والأَبْدَانِ. ومَا أَدْرَاكَ مَا الإِسْلامُ السِّياسِيُّ...، هُوَ فيرُوسٌ قاتِلٌ أَصَابَ المُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الأَدْيَانَ والأَوْطانَ، وأَصَابَ المُجْتَمَعاتِ الشَّرْقيّةَ لِسَنَواتٍ وعُصُورٍ، ويُحَاوِلَ اليَوْمَ أَنْ يُصِيبَ بَعْضَ المُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ ومُنْذُ شُهُورٍ، وحَوَّلَ أجْسَادَ العِراقِ واليَمَنِ ولِيبيا ولُبْنانَ إلى أطْلالٍ ودُوَيْلاتٍ إيرانِيَّةٍ تَتَحَدَّثَ العَرَبيَّةَ -- وأحْدَثَ دَمَارَاً إجْتِمَاعِيَّاً فِي غَزَّةَ وحَوَّلَهَا إلى مُعَسْكَرِ إعْتِقَالٍ وأنْفَاقٍ للإرْهابِ لِتُصْبِحَ مَشْرُوعَ دَمَارٍ وقُنْبُلَةً مَوْقُوتَةً سَوْفَ تَنْفَجِرُ وتَمْحُو غَزَّةَ مِنَ الوُجُودِ قَرِيبَاً -- وأحْدَثَ دَمَاراً وتَمَزُّقاً إجْتِمَاعيَّاً ومُجْتَمَعيَّاً فِي أحْيَاءٍ كامِلَةٍ فِي جَسَدِ سُوريَة ، وللأسَفِ، سَوْفَ يَرَى السُّورِيُّونَ هَذا ونَتَائِجَهُ التَّدْمِيريَّةَ قَرِيبَاً -- وسَبَّبَ جُرْحَاً فِي جَسَدِ مِصْر قَبْلَ أنْ يَتَعَافَى بِعَمَلِيَّةٍ جِراحيَّةٍ -- وأحْدَثَ جِرَاحَاً فِي جَسَدِ الجَّزائِرِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ سَالَتْ فِيهَا دِماءُ الأبْرِيَاءِ -- وشَرْخَاً في جَسَدِ تُونس، وهُنَا وهُنَاك...، وإنْ لَمْ تُطَهَّر مُجْتَمَعاتُ البَشَرِ وأجْسَادَهَا مِن فيرُوسِ المِيلشياتِ والإسْلامِ السِياسِيِّ الفَتَّاكِ فإنّ بِدَايَةَ النِّهايَةِ قَدْ "تَبْدَأَ" وقَرِيبَاً تَكُونَ. فَهَلْ تَبحَثُ عَنْ دَولةٍ فاشِلةٍ بِلا جُذُورٍ؟؟ أَو تَبْحَثُ عَنِ الجَّهْلِ والقَتْلِ والخَرَابِ والدِّمَاءِ والأَحْزَانِ والدُّمُوعِ والقُبُورِ؟؟ الأَمْرُ، يَا صَدِيقِي، هَيِّنٌ وبَسِيطٌ، إِجْمَعْ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ. أَقُولُ إلى حُكَّامِ اليَوْمِ، وهُم حُكَّامُ القَدَرِ والأَقْدَارِ وصَنِيعَةُ الأَرْضِ وغَضَبُ السَّمَاءِ وغَدْرُ الزَّمَانِ... يَقُولُ المَثَلُ الصِّينِيُّ إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ الدَّاخِلِ، ولَكُم أَقُولُ، إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ الإِنْسَانِ، ولَكُم أُضِيفُ، إِنَّ بِنَاءَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ السُّورِ ونَقْشِ الحَجَرِ، وإِنَّ بِنَاءَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ النَّفْسِ وتَعْلِيمِ البَشَرِ، وإِنَّ الفَرْقَ واضِحٌ وجَلِيٌّ بَيْنَ الحِمَارِ والحِصَانِ، فَالحِمَارُ الصَّبُورُ "حَسَبَ تَعْرِيفِ الحِمَارِ لَدَيْكُم، وتَعْرِيفِ الصَّبْرِ عِنْدِي" وإِنْ لَمْ ولا يُشَارِكَ "الأَغْنِيَاءَ" فِي سِبَاقِ خَيْلِ الأَغْنِيَاءِ، لكِنَّهُ يَضْحَكُ عَلى الحِصَانِ إِنْ خَسِرَ السِّبَاقَ، وإِنْ كانَ سِعْرُهُ "أَيْ الحِصَانُ ولَيْسَ الحِمَارُ" أَغْلَى مِنْ سِعْرِ الإِنْسَانِ -- وإِنْ كانَ سِعْرُ الحِصَانِ أَعْلَى مِنْ سِعْرِ صَاحِبِ الحِصَانِ!! وَصَلَتْ؟؟ وأَقُولُ إِلى صَانِعِي الكَرَاسِيَ وتُجَّارِ المَقَاعِدِ وبَائِعِي المَنَاصِبِ فِي سُوقِ بَغْدَادَ الكَبِيرِ، فَعَلْتُم مَا أَرَدْتُم... سَرَقْتُم، قَتَلْتُم، صَنَعْتُم، بِعْتُم، إِشْتَرَيْتُم، إِغْتَنَيْتُم، أَحْرَقْتُم، إِنْتَقَمْتُم، دَمَّرْتُم، وبَغْدَادَ أَبْكَيْتُم، وكانَ مِنْكُم مَا كانَ مِنْ أَمْرَاضِ البَشَرِ وحَقَارَةِ الإِنْسَانِ وأَحْقَادِهِ وعُقَدِ الزَّمَانِ. ويَذْهَبُ العَمِيلُ لِيَأْتِيَ الزَّمِيلُ بِوَجْهٍ مَثِيلٍ وقِنَاعٍ مِنْ أَقْنِعَةِ النِّفَاقِ والسَّرِقَةِ والنَّهْبِ والفَسَادِ والعَمَالَةِ والإِنْحِطَاطِ الإِدَارِيِّ والسِّيَاسِيِّ والإِجْتِمَاعِيِّ والإِنْسَانِيِّ. والفَارِقُ بَيْنَ العَمِيلِ والزَّمِيلِ قَلِيلٌ، مَعَ بَقَاءِ العَمِيلِ كمَثَلِ الحِمَارِ فِي الجَّمْعِ والفَصِيلِ، وأُعْطِيَ مِنَ الأَقْنِعَةِ كثِيرَاً فَكثِيرٌ، لكِنَّ الوَجْهَ القَبِيحَ لا يَتَغَيَّرُ ولا سَبِيلَ، وإِنْ سَمَحَ الشَّعْبُ بِهذَا فَلا فَرْقَ ولا أَمَلَ إِلاّ البَصِيصَ والبَرِيقَ والضَّئِيلَ، إِنْ حَدَثَ مَا حَدَثَ، وعِندَهَا، يَنْطَبِقُ عَلى "بَعْضِ طَبَقَاتِ" الشَّعْبِ العِرَاقِيِّ المَثَلُ الصِّينِيُّ القَائِلُ "الجُّنْدِيُّ يَمُوتُ مَعَ الجَّنِرَالِ" أَو كمَا قَالَ الرَّبُّ فِي مَتّى "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ -- وَإِنْ كَانَ أَعْمَى يَقُودُ أَعْمَى يَسْقُطَانِ كِلاَهُمَا فِي حُفْرَةٍ" وعِندَهَا يُتْرَكُ الأَمْرُ لِلزَمَانِ لِيُؤْخَذَ عَلى عَاتِقِهِ، والزَّمَانُ مِفْتَاحُ الحَلِّ والأَمَانِ، فَالتأريخُ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ أَمْثَالِكُم. هُولاكو، مَثَلاً، فَعَلَ أَضْعَافَ مَا فَعَلْتُم، ودَمَّرَ بَغْدَادَ وحَطَّمَ بَوَّابَاتِهَا وأَسْوَارَهَا وكسَرَ قُلُوبَ سَاكِنِيهَا وأَحْرَقَ مَكْتَبَاتِهَا ودَمَّرَ تأرِيخَهَا وأَخْفَى مَعَالِمَهَا وقَتَلَ أَهْلَهَا وأَدْمَى أَنْهَارَهَا وغَيَّرَ أَلْوَانَهَا وأَبْكَاهَا، لكِنَّ بَغْدَادَ بَقِيَتْ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! وأَخْرَجْتُم مَا فِي عُقُولِكُم مِنْ جَهْلٍ ومَا فِي بُطُونِكُم مِن جُوعٍ وحِرْمَانٍ ومَا فِي طُفُولَتِكُم مِنْ عُقَدٍ وأَحْدَاثٍ وإِنْحِرَافَاتٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ "والجُّوعُ والحِرْمَانُ لَيْسَ عَيْبَاً بَلْ هِيَ مِنْ فُصُولِ الأَقْدَارِ والأَرْزَاقِ ومَشِيئَةِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، لكِنَّ العَيْبَ أَنْ يُحَاسَبَ الآخَرُونَ عَلَيْهَا ويُنْتَقَمَ مِنْهُم بِسَبَبِهَا وهُم مِنْ جِيلٍ آخَر!" وأَصْبَحْتُم بِأَفْعَالِكُم مِثَالاً حَقِيقِيَّاً لِلمَثَلِ القَائِلِ "مِنَ الهُوشِ لِلمَاكِنْتُوش" ولا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَارِنَ إِنْحِطَاطَكُم الإِجْتِمَاعِيَّ والبَشَرِيَّ "لا الإِنْسَانِيَّ" حَتّى بِشَخْصِيَّاتٍ تأرِيخِيَّةٍ مِثْلِ "حَسْنَة مَلص" أَو "عَبَّاس بَيزة" ومَا عُرِفَا بِهِ -- سَمَاسِرَةُ الهَوَى والغَرَامِ والبَغَاءِ، أَيْ رَجُلٌ قَوَّادٌ وإِمْرَأَةٌ قَوَّادَةٌ أَرْزَاقُهُمَا مِنْ تَنْظِيمِ شُؤُونِ النِّسَاءِ البَغِيِّ وتَصْرِيفِ أُمُورِهِنَّ -- فَحَتّى حَسْنَة مَلص وعَبَّاس بَيزة لَهُمَا اليَوْم مِنْ إِحْتِرَامِ العِرَاقِيِّينَ مَا يَكفِي، إِذْ أَحَبَّا العِرَاقَ والمُجْتَمَعَ العِرَاقِيَّ وتَحَوَّلا إِلى أُنَاسٍ يُمَارِسُونَ دَوْرَاً مَا فِي سِيَاسَاتِهِ وصِرَاعَاتِهِ السِّيَاسِيَّةِ ولَوْ بِالشَّيءِ اليَسِيرِ والمُمْكِنِ. إِذَنْ، سَوْفَ تُطْرَدُونَ وتَهْرُبُونَ فِي لَيْلَةٍ وضُحَاهَا، بَلْ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وزَعِيمُكُم فِي طَهْرَانَ مِنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَتَحَيَّرَ، وفِي لَيَالٍ يَتَغَيَّرَ، ولَكُم يَتَنَكَّرَ، فَيَبِيعَكُم بِفِلسٍ أَحْمَرٍ ودُولارٍ أَخْضَرٍ، ومَالِكُ زِمَامِ أَمْرِكُم فِي حَدِيقَةِ قَصْرِهِ الصَّغِيرِ يَتَسَمَّرُ، تَصَوَّرْ شِدَّةَ الأَمْرِ وتَصَوَّرْ، وتَصَوَّرْ "سُرْعَةَ" الأَمْرِ وتَصَوَّرْ! ولَنْ تَجِدُو وَقْتَاً حَتّى لِوَضْعِ السَّرَاوِيلِ، بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ "لَيْلاً" الصُّرَاخُ والعَوِيلُ، وتَهْرُبُونَ وتَذْهَبُونَ وتَبْقَى بَغْدَادُ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! أَنْتُم بِأُصُولِكِم المَجْهُولَةِ وجُذُورِكُم المُشَوَّهَةِ أَصْغَرُ مِنْ بَغْدَادَ وأُصُولِهَا، وأَحْقَرُ وأَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَقُودُو وتَحْكُمُو وتَتَحَكَّمُو بِالعِرَاقِ والبِلادِ وأَهْلِهَا، والعِرَاقُ هُوَ أَوَّلُ الأَرْضِ وآخِرُ الأَرْضِ وهُوَ الأَرْضُ والبِدَايَاتُ والتَّكْوِينُ وخَلِيقَةُ الرَّبِّ، والمَخْطُوطَاتُ المُقَدَّسَةُ حَكَتْ وحَكَمَتْ بِأَسْرَارِهَا أَنَّهُ لِلحَضَارَاتِ كالنَّبْضِ لِلقَلْبِ. ومَنْ يَدْرِي، قَدْ يَنَامُ الأَرْنَبُ فِي سُبَاتِ الَّليْلِ وقَدْ تَفُوزُ السُّلْحَفَاةُ فِي سِبَاقِ النَّهَارِ، وقَدْ يَبْكِيَ الحِصَانُ ويَضْحَكُ الحِمَارُ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ الدِّيَارِ، إِنَّ الحِصَانَ، عِلْمِيَّاً، بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الحِمَارَ، لَكِنَّ النَّسْلَ،عِلْمِيَّاً أَيْضَاً، يَكُونُ مُشَوَّهٌ ومَحْدُودٌ. وأَمَّا الطَّيُورُ المُهَاجِرَةُ فَلا تَنْزِلُ عَنْ مُسْتَوَاهَا ولا تُشَوِّهُ نَسْلَهَا وتَنَاسُلَهَا لِلحِفَاظِ عَلى الجَّمَالِ والنَّقَاءِ والوُجُودِ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ بَغْدَادَ وطَهْرَانَ، مَاذَا عَلَّمَنَا الزَّمَانُ، إِذْ تَضْحَكُونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ، ولا تَنْسَ مَاذَا عَلَّمَنَا القَدِيرُ، قَدْ يَبْكِيَ الفَلاّحُ وتَضْحَكُ الحَمِيرُ. ومَنْ يَضْحَكُ فِي الأَخِيرِ... لَهُ مِنَ الضَّحِكِ الكَثِيرِ!! ومَرَّةً أُخْرَى، وَصَلَتْ؟؟ قَتَلْتُم العِرَاقِيِّينَ ومِنَ العَرَبِ والأَبْرِيَاءِ الكَثِيرِينَ، لَكِنَّكُم تَجْهَلُونَ ولا تَعْلَمُونَ لأَنَّكُم تَجْهَلُونَ، أَنَّ مِنْ أَسْرَارِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، إِنَّ الأَمواتَ الطَّيِّبِينَ يُشَارِكونَ أَقرِبَائَهُم الأَحيَاءَ طَعَامَ العَشَاءِ ويَفرَحُونَ، ولِصَلاتِهِم يَبْتَهِجُونَ، ومَعَهُم يُصَلُّونَ، واللهَ والرَّبَّ بِالخَيْرِ والعَدْلِ لَهُم ولِأَجْيَالِهِم يَبْتَهِلُونَ، وأَمَّا إِذَا كانَ طَعَامُهُم مِنَ السَّمَكِ وزَيْتِ الزَّيْتُونِ... إِذْ هُم يَبْتَسِمُونَ. البَابِلِيُّونَ زَرَعُو وحَصَدُو وحَفَرُو وصَنَعُو وأَبْدَعُو فِي البِنَاءِ والإِعْمَارِ والأَفْكارِ والعُلُومِ والرَّيِّ والإِرْوَاءِ ونَقَلُو المِيَاهَ مِنَ المُسْتَحِيلِ إِلى المُسْتَحِيلِ فِي مُعْجِزَةٍ ولُغْزٍ بَشَرِيٍّ وإِنْسَانِيٍّ مُطْلَقٍ لا زَالَ يُدَرَّسُ فِي جَامِعَاتِ الأَرْضِ ومَا فِيهَا. وأَمَّا اليَوْم، فَعُمَلاءُ وجُهَلاءُ وسُرَّاقُ العِرَاقِ، بِنَفْطِهِ وغَازِهِ وأَمْوَالِهِ وأَمْوَالِ العَالَمِ، ومُنْذُ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا، لا يَسْتَطِيعُونَ تَرْصِيفَ شَارِعٍ واحِدٍ أَو، عَلى الأَقَلِّ، تَنْظِيفَهُ مِنَ النِّفَايَاتِ اليَوْمِيَّةِ!! السِّرُّ؟؟ السِّرُّ فِي كلِمَاتٍ: حُبُّ الوَطَنِ والأَرْضِ ونَاسِهَا ومَنْ فِيهَا ومَا فِيهَا ومَنْ عَلَيْهَا، والإِخْلاصُ فِي العِلْمِ والعَمَلِ والعَبْقَرِيَّةُ فِي الإِدَارَةِ والتَّخْطِيطِ، وإِحْتِرَامُ ثَرَوَاتِ البِلادِ مُلْكِ العِبَادِ، والأَهَمُّ مِنْ هذَا وذَاكَ، الوَلاءُ لِلبِلادِ ولَيْسَ لِكارِهِيهَا، وَفِي مِثَالِنَا وأَيَّامِنَا، بِلادِ فَارِسَ. وأَقُولُ لِلعِرَاقِيِّينَ، كرِهَ "بَعْضُكُم" أَو القَلِيلُ مِنْ جُهَلاءِ القَوْمِ العَائِلَةَ المَالِكةَ والأُمَرَاءَ والمُلُوكَ والبَاشوَاتَ وهُم الطَّيِّبُونَ المُخْلِصُونَ المُبَارَكُونَ العَامِلُونَ المٌؤسِّسُونَ المُعَمِّرُونَ الرُّقَاةُ الأَنْقِيَاءُ الأَوْفِيَاءُ البُسَطَاءُ مِنَ النَّاسِ فِي الخَلِيقَةِ -- وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمٍ الأَوْهَامِ، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ خِطَابَاتِ العَمِيلِ عَبد السَّلامِ عَارِف والخَائِنِ عَبد الكرِيم قاسِم وإِذَاعَاتِ المَعْتُوه جَمال عَبد النّاصِرِ والمُنَافِقِ يُونس بَحرِي وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ. وكرِهْتُم صَدّام حسين -- وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمٍ الأَوْهَامِ، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ لَنْدَنَ وإِذَاعَةِ العِرَاقِ "الحُرِّ" وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ ا الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ. وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ، أَقُولُ، أَنَّكُم "بِهذَا" نَسِيتُم، وأَنْتُم "المُسْلِمُونَ" مَا كُتِبَ فِي القُرآنِ الكرِيمِ الذي أَحْتَرِمُ الكَثِيرَ مِنْ كَرِيمِ كلِمَاتِهِ إِحْتِرَامِي لِنَفْسِي وأَصْدِقَائِيَ المُسْلِمِينَ كمَا جَاءَ فِي سُورَةِ البَقَرَةِ "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ومَا حَدَثَ مُنْذُ إِنْهِيَارِ بِلادِ النَّهْرَيْنِ فِي 2003 ومَا كانَ ويَكُونُ فِي أَيَّامِنَا والأَيَّامِ دّلِيلٌ عَلى مَاهِيَّةِ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ والقُلُوبِ والعُقُولِ ومَا فِيهَا. وَصَلَتْ؟! وأَقُولُ إِلى أَهْلِ العِرَاقِ...، كرِهَ "بَعْضُكُم" أَو القَلِيلُ مِنْ جُهَلاءِ القَوْمِ مِنْ أَهْلِ الزَّمَانِ والمَكانِ العَائِلَةَ المَالِكةَ والأُمَرَاءَ والمُلُوكَ والبَاشوَاتَ وهُم الطَّيِّبُونَ المُخْلِصُونَ المُبَارَكُونَ العَامِلُونَ المٌؤسِّسُونَ المُعَمِّرُونَ الأَحْبَابُ الرُّقَاةُ الأَنْقِيَاءُ الأَوْفِيَاءُ البُسَطَاءُ الأَبْرِيَاءُ مِنَ النَّاسِ فِي الخَلِيقَةِ -- وكرِهْتُم صَدّام حسين فِي مَقَامٍ آخَر وهُوَ عِرَاقِيٌّ مِنَ الأَرْضِ لَهُ مَا لَهُ وعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ مِئْلَ بَاقِي البَشَرِ وبَقِيَّةَ الخَلْقِ. وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ، أَقُولُ، أَنَّكُم "بِهذَا" نَسِيتُم وأَنْتُم "المُسْلِمُونَ" مَا كُتِبَ فِي القُرآنِ الكرِيمِ الذي أَحْتَرِمُ الكَثِيرَ مِنْ كَرِيمِ كلِمَاتِهِ إِحْتِرَامِي لِنَفْسِي وأَصْدِقَائِيَ المُسْلِمِينَ كمَا جَاءَ فِي سُورَةِ البَقَرَةِ "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ،" وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمِ الأَوْهَامِ فِي مَقَامٍ ومَقَالٍ آخَر، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ خِطَابَاتِ العَمِيلِ عَبد السَّلامِ عَارِف والخَائِنِ عَبد الكرِيم قاسِم وإِذَاعَاتِ المَعْتُوه جَمال عَبد النّاصِرِ والمُنَافِقِ يُونس بَحرِي وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ مِنْ القَوْمِيّينَ والنَّاصِرِيّينَ القَتَلَةِ -- وأَحْبَبْتُم، فِي عَالَمِ الأَوْهَامِ فِي مَقَامٍ ومَقَالٍ آخَر، الجُّهَلاءَ والعُمَلاءَ والسُّرَّاقَ والمُنْحَطِّينَ مِنَ البَشَرِ فِي الخَلِيقَةِ مَنْ كانُو يَبُثُّونَ السُّمُومَ والأَكاذِيبَ مِنْ لَنْدَنَ وإِذَاعَةِ العِرَاقِ "الحُرِّ" وغَيْرِهَا مِنْ إِعْلامِ الدِّمَاءِ والرِّيَاءِ فِي فُصُولِ البَشَرِ والحَجَرِ والبِلادِ والعِبَادِ مِنْ عُمَلاءِ وجُهَلاءِ مَلالِي طَهْرَانَ والإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ القَتَلَةِ -- وفِي هذَا المَقَامِ، أَقُولُ، أَنَّكُم "بِهذَا" نَسِيتُم وأَنْتُم "المُسْلِمُونَ" مَا كُتِبَ "وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ." واليَوْمَ أَنْتُم نَادِمُونَ عَلى كرَاهِيَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقّ وحُبِّ مَنْ لا يَسْتَحِقّ، وحُبِّ مَنْ لا يَسْتَحِقّ وكرَاهِيَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقّ. هُوَ الأَمْرُ إِذَاً، كمَا قَالَ الآبَاءُ والأَجْدَادُ وهُم أَرْقَى وأَذْكى مِنَّا: لا كرَبَ مَعَ الرَّبِّ. ومَا حَدَثَ -- مُنْذُ إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ الرَّاقِيَةِ فِي إِنْقِلابِ 1958 وحُكْمِ العَسْكرِ ثُمَّ إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ المُسْتَقِرَّةِ فِي 2003 وحُكْمِ المِيلشيَاتِ الإِيرَانِيَّةِ ومَا كانَ ويَكُونُ فِي أَيَّامِنَا والأَيَّامِ -- دّلِيلٌ عَلى مَاهِيَّةِ الخَلْقِ والخَلِيقَةِ والقُلُوبِ والعُقُولِ ومَا فِيهَا. وَصَلَتْ؟! وإلى أَحْدَاثٍ أُخْرَى كانَتْ وبَانَتْ، وفُصُولٍ أُخْرَى كُتِبَتْ، بِأَحْرُفٍ وكَلِمَاتٍ سُطِّرَتْ، وهَكذا، هِيَ أَفْكَارٌ نُقِشَتْ. وتَبْكِي أيَّامُنَا والأزْمانُ والّليالِ العَرَبِيّةِ من لَعْنَةِ الجُّغرافيا والعِمامَةِ الإِيرانيَّةِ! كانَ مَا كانَ... حَدَّثنِي جَدِّي عَن بِلادٍ "كانَ" يَتَبَاهَى ويَفْخَرُ بِهَا

........


بِقَلَمِ: مازن لِن
© حقوقُ الطّبعِ والنّشْرِ مَحفوظةٌ للكاتِب
2020

 

Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. All rights reserved.
Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. Alle Rechte vorbehalten.