Iran, Iraq, and Arabs
إِيرَان والعِرَاق والعَرَب
Iran and the Curse of the Demon
إيرَانُ ولَعْنَةُ الشّيْطانِ
لَعْنَةُ الجُغرافيَا السِّياسيَّةِ والعِمَامَةِ الإِيرانيَّةِ
رِحْلَةٌ فِي أَسْرارِ عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ وفُصُولِهِ السِّياسَّةِ
العِرَاقُ والعَرَبُ والغَرْبُ والجِنُّ والجَانُّ
الحَقِيقَةُ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ
السَّمَاءُ والأَرْضُ
كانَ "مَا" كانَ
كيْفَ تَحَوَّلَتْ عَرُوسُ البِلادِ وأَوَّلُ البِلادِ وأَقْدَمُ البِلادِ وأَسْمَى البِلادِ وأَبْهَى البِلادِ وأَزْهَى البِلادِ وأَحْلَى البِلادِ وأَرْقَى العِبَادِ -- بِناسِهَا بِأَنْهَارِهَا بِأَرْضِهَا بِزِينَتِهَا بِسَمَائِهَا بِخَيْرَاتِهَا بِعِرْقِهَا بِأَصْلِهَا بِفَصْلِهَا بِأُصُولِهَا بِآشُورِهَا بِعِرَاقِهَا وبَغْدَادِهَا بِجَمَالِهَا بِسِحْرِهَا بِحُكَّامِهَا مِنَ المُلُوكِ والأُمَرَاءِ والبَاشَوَاتِ والرُّؤَسَاءِ حَمُورَابي المُعتَلي وآشوربانِيبال أوسنَابير ونَبُوخَذ نَصر وفيصَل الأَوَّل وغازِي وفيصَل الثَّانِي ونُورِي السَّعِيد والبَكِر وصَدّام حسين -- إِلى مُحَافَظَةٍ مِنْ مُحَافَظَاتِ بِلادِ فَارِسَ! كانَ مَا كانَ -- القِصَّةُ الحَقِيقِيَّةُ مِنَ الأَلِفِ إِلى اليَاءِ بِعُيُونِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ
مُقْتَطَفَاتٌ ومُخْتَارَاتٌ وقِطَعٌ مُخْتَارَةٌ، بَعْدَهَا نُحَلِّلُ ونَرْتَحِلُ ونَنْتَقِلُ إِلى بِسَاطِ التَّفْصِيلِ مِنْ كِتَابٍ إلى آخَرَ ومَكانٍ إلى آخَرَ وزَمَانٍ إِلى آخَرَ لِتَبْدَأَ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ والأَسْرَارِ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ والغَرْبِ وشَاطِئِ البَحْرِ والنَّهْرِ والرَّافِدَيْنِ والنَّهْرَيْنِ، لِنَكْتَشِفَ مَاهِيَّةِ الأَسْبَابِ والأَسْرَارِ فِي التَّحَوُّلِ الكامِلِ وشُبْهِ الكامِلِ لِبِلادِ العَرَبِ والعِرَاقِ وسَاكِنِيهِ وأَرْضِهِ التِي كانَتْ "وهِيَ" أَرْضُ الجَّمَالِ والعِلْمِ والعُلُومِ والحَيَاةِ والحَضَارَاتِ، لِتَكُونَ بَعْدَ إِنْهِيَارِ 2003 مِيلادِيَّة ومَا تَلاهَا ويَلِيهَا أَرْضُ الجَّهْلِ والقَتْلِ والفَسَادِ والفَوْضَى والحُشُودِ والمِيلشيَاتِ والعِمَامَةِ والعِمَامَاتِ، أَيْ، فِي كلِمَاتٍ نَاطِقَاتٍ، لِتَكُونَ، وهِيَ فِي هذِهِ السَّنَوَاتِ والأَوْقَاتِ، مُحَافَظَةً بَائِسَةً مِنْ مُحَافَظَاتِ إِيرَانَ التَّائِهَاتِ -- النَّاطِقُ فِيهَا لِسَانُ العَرَبِ والفُرْسِ وشِيعَةِ الجَّهْلِ والخُرَافَاتِ وغَرَائِبِ العَادَاتِ، والرَّاقِصُ فِيهَا العَدِيدُ مِنَ غَرَائِبِ الأَقْوَامِ والمُجْتَمَعَاتِ واللُغَاتِ
مِنْ كِتَابِ "السَّمَاءُ والأَرْضُ" -- مازن لِن، 2020
1
الحَقِيقَةُ، ومَا أَدْرَاكَ مَا الحَقِيقَةُ؟ هِيَ الأَحْدَاثُ والأَيَّامُ، هِيَ الحَرْبُ والسَّلامُ، وهِيَ الصَّمْتُ والكَلامُ. الحَقِيقَةُ؟! هِيَ الطَّبِيعَةُ والخَلْقُ والخَلِيقَةُ، وهِيَ حَقِيقَةُ الإنْسَانِ فِي المَكانِ والمَكِينِ. والمَكانُ هُوَ الأَرْضُ فِي بِدَايَاتِ الوَطَنِ. والمَكِينُ هُوَ الإِنْسَانُ ومَا بَنَاهُ عَلى أَرْضِ المَكانِ. والحَقِيقَةُ لَيْسَتْ لَقِيطَةٌ مِنَ اللَّقَائِطِ بَلْ هِيَ وَلِيدَةُ الزَّمَانِ المَكانِ. والزَّمَانُ والمَكَانُ هُمَا بِدَايَاتُ الأَقْدَارِ ونِهَايَاتُهَا، والأَقْدَارُ هكذَا، وهكذَا هِيَ الأَقْدَارُ. وأَفضَلُ السُّبُلِ لِمَعرِفةِ الحَقِيقَةِ، يَا سَادَة، هِيَ الخَوْضُ فِي تَجَارُبٍ مُبَاشَرَةٍ، وأَقْصَرُ الطُّرُقِ لِلخُرُوجِ مِنْ تِلكَ التَّجَارُبِ بِنَجَاحٍ هُوَ الصَّبْرُ عَلى تِلكَ الحَقِيقَةِ، مَهْمَا كانَ أَثَرُهَا فِي العُقُولِ وآثَارُهَا فِي القُلُوبِ وأَيًّا كانَتْ الظُّرُوفُ والنَّتَائِجُ. والقُلُوبُ "وإِنْ كُسِرَتْ" يُمْكِنُ فِي ظُرُوفٍ مُعَيَّنَةٍ وأَوْقَاتٍ مُنَاسِبَةٍ بِنَاءُ وتَعْمِيرُ بَعْضِ مَا كُسِرَ فِيهَا أَو الكَثِيرِ مِنْهُ. وهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ القُلُوبِ أَو تَعْمِيرِهَا، فَالأَوّلُ أَسَاسُهُ الصَّبْرُ والنِّسْيَانُ، لكِنَّ الثّانِي أَسَاسُهُ الثِّقَةُ والإِيمَانُ. وأَمَّا العُقُولُ، فَدَائِمَاً أَقُولُ، إنَّ العُقُولَ كالأَقْفاَلِ، مِنْهَا اليَسِيرُ السَّهْلُ، ومِنْهَا مَا تَآكلَ ونَالَ مِنْهُ "أُكسِيدُ" الجَّهْلِ -- الأَوَّلُ مِنَ الجَّمَالِ والثَّانِي لا يَنْفَعَ مَعَهُ إِلاّ الصَّبْرُ والكَسْرُ، ثُمَّ الإِسْتِبْدَالُ. قُلْتُ هذَا فِي لِقَاءٍ خاصٍّ فِي سَنَةِ 2011 فَلَم أَتَلَقَّى سِوَى الإِهَانَاتِ الإِيرَانِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ العِرَاقِيَّةِ "الإِيرَانِيَّةِ" بِالقَتْلِ، وإِلى يَوْمِنَا، إِذْ أَتَلَقَّى مِنْهَا الكثِيرَ بِشَكْلٍ يَوْمِيٍّ فِي رَسَائِلٍ ورِسَالاتٍ وإِتِّصَالاتٍ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ لِتُصْبِحَ فِي حَيَاتِيَ شَيءٌ رُوتِينِيٌّ -- إِعْتِدَاءٌ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وآخَرُ وبَعْدَهَا وقَبْلَ سَنَتَيْن، وهكذَا، فَإِنَّ التَّهْدِيدَاتِ ورُدُودَ الأَفْعَالِ هذِهِ وتِلْكَ دَلِيلٌ عَلى مَا كانَ ويَكُونُ لِي مِنْ إِيمَانٍ وإِعْتِقَادٍ -- وهذِهِ دُيُونٌ وَطَنِيَّةٌ وضَرَائِبٌ إِنْسَانِيَّةٌ وحُبٌّ لِلأَرْضِ التِي أَعْطَتْ الكثِيرَ ولا ذَنْبَ لَهَا سِوَى أَنَّ أَبْنَاءَهَا ظَلَمُوهَا. ولَيْسَ كمَا قَالَ قَائِلٌ مِنْهُم "بِلادِي وإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ،" وهُوَ أَسَاسٌ خَاطِئٌ لا مَعْنَى لَهُ مِنْ مَنْظُورِ العَدْلِ الإِنْسَانِيِّ الغَيْرِ مُطْلَقٍ والعَدْلِ الإِلَهِيِّ المُطْلَقِ، فَالعِلاقَةُ بَيْنَ البِلادِ والعِبَادِ أَو المُواطِنِ والوَطَنِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلى أَسَاسِ الوُجُودِ الأَبَدِيِّ والحُبِّ والإِحْتِرَامِ المُتَبَادَلَيْنِ، أَيْ أَنَّ المُوَاطِنَ يَعْمَلُ بِجِدٍّ وجُهْدٍ وحُبٍّ ويَحْتَرِمَ النِّظَامَ والقَانُونَ وحُرِّيَّةَ الآخَرِينَ ويَدْفَعَ الضَّرَائِبَ "لِلحُصُولِ عَلى البِنَاءِ والإِعْمَارِ والصِحَّةِ والتَّعْلِيمِ والعِلْمِ والعَمَلِ والخَدَمَاتِ والحُرِّيَّاتِ" ويُدَافِعَ عَنْ بِلادِهِ وأَرْضِهِ أَو يَمُوتَ مِنْ أَجْلِهَا دِفَاعَاً عَنْهَا ولَيْسَ هُجُومَاً عَلى غَيْرِهَا، وفِي المُقَابِلِ يَحْصُلُ مِنْ بِلادِهِ عَلى مَا ذُكِرَ إِضَافَةً إِلى الكرَامَةِ والسِّيَادَةِ والهَيْبَةِ والسَّلامِ والسَّكِينَةِ والطُّمأنِينَةِ والإِطمِئْنَانِ والسُّمْعَةِ الطَّيِّبَةِ وإِحْتِرَامِ الآخَرِينَ لَهُ ولِبِلادِهِ وحَضَارَتِهِ وحَضَارَاتِهِ، وعَكْسُ ذَلِكَ، عِنْدِي، هُوَ حُبٌّ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ قَدْ يَتَطَوَّرُ فِي سِلْبِيَّتِهِ لِيَصِلَ إِلى مَرْحَلَةِ الإِسْتِغْلالِ والعَبَثِ والجَّهْلِ والحَمَاقَةِ وضَيَاعِ الحَيَاةِ بِلا مَعَانٍ أَو مَقَامٍ. وكَلِمَاتِي هَذِهِ وهُنَا والآنَ هِيَ لِمَعْرِفَةِ الحَقِيقَةِ أَو شَيءٍ مِنْهَا، أَو مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَهَا، لأنِّي، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، إنْسَانٌ بَسِيطٌ. وأَيْضَاً، لِمَعْرِفَةِ مَا حَدَثَ فِي العِرَاقِ وأَرِضِ العَرَبِ، ومَا حَدَثَ للبَشَرِ والخَلْقِ والخَلِيقَةِ والقُلُوبِ والعُقُولِ. وكَيْفَ تَغَيَّرَتْ وشُوِّهَتْ -- ولِمَاذَا -- حَتّى وَصَلَ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ إِلى حَالٍ بَعْدَ حَالٍ، ومُجْتَمَعَاتٍ مِنْ الرُّقِيِّ وبِدَايَاتِ الكَمَالِ، إِلى الإنْحِطَاطِ ونِهَايَاتِ الأَوْحَالِ -- فِي كَثِيرٍ مِنْهَا ولَيْسَ جُلُّهَا! ونَضَعُ الأَحْدَاثَ والإَيَّامَ وسُلُوكَ الشُّعُوبِ والمُجْتَمَعَاتِ وأَسْرَارَ الحُكُومَاتِ تَحْتَ مِجْهَرِ الحَقِيقَةِ والخَلِيقَةِ لِمَعْرِفَةِ الأَسْرَارِ التي أَوْصَلَتْ إنْسَانَ الأَمْسِ أَنْ يَكونَ إنْسَانُ اليَوْمِ، وهَكذا، أَحْكِي لَكُم حِكَايَةَ الزَّمَانِ والمَكَانِ... وكانَ مَا كانَ... أرْسَلَ اللهُ المَلِكَ الصّالِحَ فيصَل الثَّانِي هِبَةً للعِراقِيّين، والعِراقِيّون للمُلُكوكِ الصّالِحينَ يُهَلّلونَ، وعاشَ الجّمِيعُ فِي رَخاءٍ وسَلامٍ، وفِي البَدْءِ كانَتِ الكلِمَةُ، والكَلِمةُ سَلامٌ، وكانَ العِراقِيّونَ بِكَوْنِهِم عِراقِيّونّ يَفتَخِرونَ، سُومَريّونَ، بابِليّونَ، يَهُودٌ، آشُوريُّونَ، كِلْدانَ، آرَاميُّونَ، سُرْيَانَ، مَسِيحيُّونَ سٌكَّانُ أصْليُّونَ، مُثقّفوُنَ، مُتَعَلّموُنَ...، والعِراقِيّون للمَلِكِ الرّاقِيَ يُهَلّلونَ، والصُّوَرَ يَرفَعوُنَ، إنّهُ فيصَل الأوّلُ، إنّهُ غَازي، إنّهُ فيصَل الثّانِيَ، إنّهُ يَستَحِقّ، والمُلُوكُ يَسْتَحِقّونَ. ثُمَّ رَفَضَ "العَرَبُ" مِنْ سُكَّانِ العِراقِ هِبَةَ اللهِ وخَانُو المَلِكَ المَحْبوبَ وقَتلوُهُ، وهُمْ لِخائِنِهِ وقاتِلِهِ يُهَلّلونَ!! كانُو يُهَلّلونَ للمَلِكِ، وهُمْ، أنفُسُهُم، لِقاتِلِ المَلِكِ يُهَلّلونَ!! لا تَسْألْ! فإنْ أرَدْتَ أنْ تَفْهَمَ مِلَلَ وفِرَقَ وطَوائِفَ العِراقِيّينَ وشِيعَتَهُم وكيْفَ يُفَكِّرُونَ فعَلَيْكَ أنْ تَقرأَ تأريخَ الأدْيانِ والمَذَاهِبِ والأعْراقِ والمِلَلِ والطَّوَائِفِ ومَا تَلاهَا، وعَلَيْكَ أيْضاً أنْ تَكونَ باحِثاً في عِلْمِ الإجْتِماعِ وسُلُوكِ الشُّعُوبِ وحَضَارَاتِهَا، وأيْضاً، للأسَف، عَلَيْكَ أنْ تَكونَ دارِسَاً ومُتَعَمِّقاً لِتأرِيخِ أرْضِ الأنقِلابَاتِ والفِتَنِ وشِقَاقِهَا ونِفَاقِهَا! وفِي هَذا وذَاكَ أقُولُ... بِلادُ الرَّافِدَيْنِ هِيَ أرْضٌ وسَمَاءٌ وجَنَّةُ بُنِيَتْ بِأيادٍ وعُقُولٍ مِنْ أوَائِلِ البَشَرِ وأصْلِ الخَليقَةِ فِي بِدَايَاتِ الخَلْقِ والأقْوَامِ، ثُمَّ كانَ أُنَاسٌ وكانَتْ حَضَاراتٌ أشْرَقَتْ كالشَمْسِ عَلى أهْلِ الأرْضِ بالعُلُومِ الهَنْدَسِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ والتَّطْبِيقِيَّةِ والأُصُولِ والكِتَاباتِ والزِّرَاعَةِ والصِّنَاعَةِ والتِّجَارَةِ وحِسَاباتِ الفَلَكِ والأرْقَامِ. أصْلُ سُكّانِهَا هُم أوْلادُ آدَمَ والأجْدَادُ، ثُمَّ نُوحٍ والأحْفَادُ، إلى سُلالاتِ سُومَرَ وأَكَدَ وآشُورَ والأبْنَاءِ، ومَرَّتْ عُصُورٌ وصِرَاعاتٌ بَيْنَ الحَضَارَاتِ والإرَادَاتِ، حَتّى وَصَلْنَا إلى أتْبَاعِ السَيِّدِ المَسِيحِ وهُم الأصْلُ مِنْ أهْلِ بِلادِ الفُرَاتِ والعِرَاقِ والبِلادِ الأُخْرَى، ثُمَّ أوْلادُ مُوسَى ويَهُودُ بابِلَ العَظيمَةِ وهُم الأصْلُ فِي تأسِيسِ الإقْتِصَادِ والرَّخَاءِ فِي العِرَاقِ والشَّرْقِ. فَبُنِيَتْ حَضارَةُ العِرَاقِ القَدِيمِ والحَدِيثِ ومَعَهَا كُتِبَتْ فُصُولُ الأَسَاسِ والإِعْمَارِ والرُّقِيِّ والإزْدِهَارِ والنَّمَاءِ. ومَرَّتْ الأزْمَانُ والدُّهُورُ... إلى أَنْ جَاءَ الأتْرَاكُ والعَرَبُ ودَخَلُو الأرْضَ لِيَبْدَأَ القَتْلُ وتَبْدَأَ الصِّرَاعاتُ، ثُمَّ سَكَنَ شِيعَةُ العَرَبِ العِرَاقَ، وعِنْدَهَا، فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، يَا سَادَة، وُلِدَ الجَّهْلُ ومَعَهُ وُلِدَ النِّفَاقُ! والنِّفَاقُ فِي أَسَاسِهِ هُوَ صِرَاعُ مَرِيرٌ بَيْنَ سَلامَةِ القَلْبِ وحَصَائِدِ اللِّسَانِ، فَإِنْ إِنْتَصَرَ اللِّسَانُ عَلى القَلْبِ إِنْحَرَفَتْ الأَفْعَالُ وكانَ النِّفَاقُ. وبَدَأتْ بَعْدَهَا عُصُورُ الفِتْنَةِ الشِّيعِيَّةِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً لِتَصِلَ فِي ذُرْوَتِهَا بالحُرُوبِ والغَوْغَائِيَّةِ والشِّقَاقِ بَيْنَ البَشَرِ والحَجَرِ، فَدَمَّرُو مَا فِي الأَرْضِ مِنْ جَمَالٍ وسَلامٍ وهُدُوءٍ وحَضَارَاتٍ. كيْفَ؟! هُمُ البَشَرُ والجَّهْلُ والعِنَادُ والإِرَادَاتُ، هِيَ القِصَصُ والرِّوايَاتُ والإِشَاعَاتُ، هِيَ الكُتُبُ والكِتَابَاتِ، عَلِيٌّ وبَابُ فَاطِمَةَ والقِيلُ مَعَ القَالِ والحِكايَاتِ، بَيْعَةُ عُمَرَ والإِجْتِمَاعَاتُ والبِدَايَاتُ، كرْبَلاءُ والثَّورَاتُ، الحُسَيْنُ والرَّايَاتُ، يَزِيدُ والنِّهَايَاتُ، هِيَ عِبَادَةُ الجَّهْلِ والعِمَامَةِ والذَّاتِ، هِيَ، إِذَاً، الأَحْقَادُ والكلِمَاتُ والخُرَافَاتُ. ومَرَّتْ عُصُورٌ وسَنَواتٌ... وجَاءَ الأُمَرَاءُ والمُلُوكُ الرُّقَاةُ مِنَ العَرَبِ الآخَرِينَ والحِجَازِ، وقَرَّرُو أنْ يَموتَ المَوْتُ وتَحْيَى الحَيَاةُ فِي البِلادِ ومَعَهَا العِبَادُ، لِيُؤَسَّسَ العِراقُ فِي عامِ 1921 وتُشْرِقَ الشَّمْسُ مِنْ جَديدٍ بِإتِّفَاقٍ وَطَنِيٍّ عَرَبِيٍّ بِريطَانِيٍّ وكانَ فِعْلاً إنْجَازٌ...وبَدَءَ العِرَقِيُّونَ البِنَاءَ... يَهُودٌ أغْنياءٌ أنْقِيَاءٌ، ومَسِيحيّونَ وهُمْ السُكَّانُ الأصْليّونَ، ومَعَهُم عَرَبٌ رُقَاةٌ مُثَقَّفونَ. وإسْتَقَلَّ العِرَاقُ فِي نِهَاياتِ العِشْرينيَّاتِ وبِدَاياتِ الثّلاثينيّاتِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً وهِيَ حِكْمَةُ الأَشْيَاءِ، وكانَ العِرَاقيُّونَ سُعَدَاءَ، وهُم مِنْ أوائِلِ الشُّعُوبِ يَسْتَقِلُّونَ، بِشَخْصِيَّةِ المَلِكِ فيصَل الأوَّلِ وعَبْقَريَّةِ أرْقَى وأذْكى وِزَرَاءِ ماليَّةِ بِلادِ الرَّافِدَيْنِ ساسُون. وتَسْتَمِرُ الثَّلاثينيَّاتُ بالحُبِّ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِ البَلَدِ الواحِدِ وأطْيافِهَا، لِتأْتِيَ الأرْبَعينيَّاتُ بِجَمَالِهَا وأفْراحِهَا وأحْزَانِهَا، لِنَصِلَ إلى الخَمْسينيَّاتِ بِمَدِّهَا وجَزْرِهَا. إذَنْ، هِيَ خَمسِينّياتُ العَرَبِ ومَعَها إنْطَلَقَ قِطارُ الإنقِلاباتِ فِي الشَّرْقِ... قِطارٌ سَريعٌ مُمِيتٌ دُونَ مَحَطّاتٍ يَسِيرُ بِسُرْعَةِ البَرْقِ... يَقُودُهُ بِجنُونٍ جَمَالُ عَبد النّاصِر وكانَ مَرِيضَاً عَقْلِيَّاً يَجْلُسُ عَلى مِقْعَدِ القِيَادَةِ لِوَحْدِهِ، وهُوَ سَائِقٌ أَخْرَقٌ... وإنْ أَرَدْتَ الوَصْفَ الدَّقِيقَ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ، أَقُولُ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إنَّهُ أَحْمَقٌ! وهَكذا، بَدأَ قِطارُ والعَبَثِ رِحْلَتَهُ مِنْ مِصْر المَحْرُوسَةِ أرْضِ النِّيلِ والحَضَارَاتِ وقَدِيمِ الكِتابِ المُقَدَّسِ والمَخْطُوطاتِ، لِيَصِلَ العِرَاقَ أرْضَ آدَمَ ونُوحَ وإبراهيمَ وأصْلِ السُّلالاتِ، ومِنْهُ إلى أوْطانٍ ومَلَكيّاتٍ -- قِطارٌ كالإعْصَارِ دَمَّرَ وشَوَّهَ تأريخاً ومُجْتَمَعاتٍ. وبَعْدَ النِّيلِ حَانَ دَوْرُ دِجْلَةَ والفُراتِ، وحَانَ دَوْرُ المَلِكِ الحَبِيبِ فَيصَل الثَّانِيَ والأمِيرَاتِ، بَعْدَ ذِهابِ فارُوقَ وبُكاءِ النّيلِ والمَلِكَاتِ...، أحْقَادُ عبدِ النَّاصِرِ وأكاذِيبٌ وخِطَابَاتٌ نارِيَّةٌ ومُؤآمَرَتٌ، لِيَسْمَعَ لَهُ أوْغَادٌ وعُمَلاءٌ وسُرّاقٌ فِي الجّيْشِ العِراقِيِّ ومِنْهُم جَنِرَالاتٌ. والعِرَاقُ، فِي الخَمسِينيَّاتِ، كانَ الأقْوَى والأرْقى فِي الجَّسَدِ العَرَبِيّ، وجَيْشُهُ عِرَاقِيٌّ لكِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وأُسِّسَ الوَطَنُ بِآمَالِ المَلِكِ المُؤَسِّسِ فيصَل الأوّلِ رَحِمَهُ اللهُ، والذي أقْسَمَ مَعَ صَديقِهِ الزَّعِيمِ التُّرْكِي أتاتورك عَلى أنْ يَجْعَلا العِرَاقَ وتُركيا الأجْمَلَ والأقْوَى فِي بِلادِ الشَّرْقِ بِتَوْءَمَةٍ سِياسيّةٍ وإجْتِماعيّةٍ دُونَ أنْ تُشَوِّهَ عُرُوبَةَ العِرَاقِ، وكانَ ذلِكَ فِي العِشرينيّاتِ. وكانَ يُمْكِنُ أنْ تُخْتَمَ تِلْكَ التَّوْءَمَةُ بِزَواجِ الحَفيدِ الحَبيبِ فيصَل الثّانِي بِفاضِلَة إبراهيم سُلطان أمِيرَةِ تُركيا وجَميلَةِ مِصْرَ وحَسْنَاءِ باريسَ وسَلِيلَةِ ألبانيا فِي الخَمسينيّاتِ، لكِنَّ الإنْقلابَ وشُؤْمَهِ أنْهَى الأمَلَ والآمَالَ! وأَبْقى فِي الخَمسينيّاتِ... كانَ شَعْبُ العِراقِ هُوَ الأكْثَرُ ثَقافَةً وعِلْماً فِي الشَّرْقِ والخَليجِ العَرَبِيِّ، وجَيْشُهُ الأكْثَرُ قُوَّةً حِينَ أسَّسَهُ المُلُوكُ الصّالِحونَ وسَهِرَ عَلى تَطْوِيرِهِ الشّريفُ عبدُ الإلهِ الهاشِمِيّ المُحِبُّ لِبَلَدِهِ وشَعْبِهِ وَهوَ خَالُ المَلِكِ فَيصَل الثّانِي وشَقيقُ المَلِكَةِ عاليَة، وكانَتْ الأُمُّ الحَزينَةُ ومَلِكَةُ الدُّمُوعِ والأحْزانِ. جَيْشٌ وَطَنِيٌّ أُسِّسَ عَلى حُبِّ الوَطَنِ والمَلِكِ وحِمَايَةِ الشَّعْبِ والأصْدِقاءِ والجّيرانِ، كَمَا كانَ في عامِ 1973 وكَمَا قالَهَا الرَّئيسُ المِصْرِيُّ أنوَرُ السّادات عَلَناً مَعَ شُكْرِهِ والإمْتِنانِ لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وكانَ. لكِنَّ فِي كُلِّ جَيْشٍ لا بُدَّ وأنْ يَكونَ خائِنٌ وخُوّانٌ، ولَمْ يَعْلَمَ الأمِيرُ الوَصِيُّ بأنَّ الجَّيْشَ الذي بَنَاهُ وأحَبَّهُ هُوَ الذي سَيُمَزِّقَ جُثَّتَهُ بَعْدَهَا بِكُلِّ وَحْشيّةٍ وهَمَجيّةٍ عُرِفَ بِهَا "الأكثَريّةُ وليْسَ الكُلُّ" مِنْ عَرَبِ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ! أعُودُ وأعُودُ...، هِيَ شَمْسُ البِدَايَاتِ...، والعِرَاقُ، قَبْلَ سَنَةِ 1958، يَا سَادَة، كانَ مَا كانَ...، نَجْمَةُ الصَّباحِ، نَدَى المَطَرِ ونَسِيمُ الرِّيَاحِ، الحُبُّ والغَرامُ، جَمَالُ النِّسَاءِ والّليالِيَ والأَيَّامِ، والنَّبيذُ والرَّقْصُ وقِماشُ الحَرِيرِ الخَامِ، والأَناقَةُ والرِقَّةُ والأُنُوثَةُ والبَسَاطَةُ وفُسْتانُ المَاكسِي وسِيقانٌ نَاعِمَةٌ كالرُّخَامِ، وقَلْبُ الرَّجُلِ يَعْشَقُ والرُّوحُ لا تَنَامَ. الأَعْرَاقُ والتّنَوُّعُ والتَّعايُشُ والوِئَامُ، الكَرَمُ وحُسْنُ الضِّيافَةِ والإِكْرَامِ، بِلادُ سُومَرَ وأَكَدَ وبَابِلَ وآشُورَ، مَلاحِمُ كِكَامِشَ وأَحْلامُهُ فِي شِهَابِ السَّمَاءِ، ورِسَالَةُ الإِبْنِ لِأُمِّهِ الحَسْنَاءِ، والآثارُ والأحْجارُ والتأريخُ والحَرْبُ والسَّلامُ، طُيُورُ الأَهْوَارِ والوِدْيانِ، أُورُ وإبراهيمُ وسَارةُ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّساءِ، بَلْ الأَجْمَلُ فِي ذاكَ الزَّمَانِ. بِلادُ الشّجَنِ والأَلْحَانِ، وسِحْرُ الأَبيَضِ والأسْوَدِ والسِّينَما وبِدَايَاتُ الأَلْوانِ، السَيَّابُ والشِّعْرُ والمَطَرُ والقَمَرُ والسَّحَرُ والعَيْنَانِ. عَرَباتُ البَلَدِيّةِ تَرُشُّ المِيَاهَ فِي بَغْدادَ مِنَ الأَعظَميَّةِ إِلى الصَّوْبَيْنِ، وأَحْدَثُ البَاصَاتِ والعَرَبَاتِ بِطابِقٍ أَوْ إثْنَيْنِ، والسُّدُودُ والمَشَاريعُ والمَصَانِعُ والمَطابِعُ وجَيْشٌ قَويٌّ ذُو شَأنٍ! إنّهُ دَوْرُ العِرَاقِ، فَقُتِلَ المَلِكُ الصّالِحُ فِي سَنَةِ 1958 وأنهارَتِ المَلَكِيّةُ والعُقوُدُ الذَّهَبِيّةُ، وصُدِمَ العالَمُ مِنْ قَتْلِ المَلِكِ البَريءِ دُونَ سَبَبٍ، وسَالَتْ دُمُوعُ الرَّبِّ، وبَكَتْ المَلائِكةُ عَلى العِرَاقِ بِعَرَبِهِ ويَهُودِهِ ومَسِيحِيّيهِ وبَكَتْ العَذْرَاءُ الوَرْدِيَّةُ، وبَكَتْ الأمِيراتُ عَلى أَحْقَادِ الزَّمَانِ وخُبْثِ العَسَاكِرِ والخِيَانَةِ ونِفَاقِ العَرَبِ والوَحْشِيَّةِ، وإنْتَهَتْ السَنَوَاتُ البَهِيَّةُ. وبَكَتْ الأميرَةُ بَديعَةُ شَرِيفَةُ الأُسْرَةِ الهاشِميَّةِ وبَكَتْ، وهِيَ مِنَ مَجْزَرَةِ الرِّحَابِ قَدْ نَجَتْ، وفِي الأحْزَانِ بَقِيَّةَ الزَّمَانِ عَاشَتْ، وآخِرُ السَّنَوَاتِ قَدْ مَرِضَتْ، واليَوْمَ فِي أيَّامِهَا الأخيرَةِ قَبْلَ الذِّهَابِ إلى السَّمَاءِ العَلِيَّةِ. وبَكَتْ خَطيبَةُ المَلِكِ الوَسِيمِ ذِي الإبْتِسامَةِ البَهيّةِ -- بَكَتْ الأميرَةُ فاضِلة، الأميرَةُ البَهِيَّةُ، والتي، وأنَا أكْتُبُ كَلِمَاتي هَذِهِ، تَعيشَ سَنَوَاتِهَا الأخيرَةَ اليَوْمَ فِي تُركيا -- بَكَتْ الحَسْناءُ التُرْكيّةُ المِصْرِيّةُ ذاتُ الأُنُوثَةِ البارِيسِيّةِ. وإنْهارَ الحُلُمُ البابِليُّ، وأنْتَهَى الرُّقِيُّ، وأنتَصَرَ القَتَلَةُ، والعِراقِيّونَ للقَتَلَةِ يُهلّلونَ!! وحَكَمَ الخائِنُ عبدُ الكريم قاسِم -- الذي حَلَفَ وأقْسَمَ بِشَرَفِهِ بِأنَّهُ لَنْ يَتآمَرَ ولا يَنْوي أيَّ غَدْرٍ أو تَحَرُّكٍ أو إنْقِلابٍ فِي إجَاباتِهِ عَنْ وعَلى تَسَاؤُلاتِ الوَزيرِ نُوري السّعيد رَحِمَهُ اللهُ، والرَّجُلُ "المَفْروضُ" عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَةٍ، والوَزيرُ سَمِعَ كَلِمَاتِهِ وصَدَّقَ بِهِ -- فَهَلْ لِلخائِنِ شَرَفٌ لِيُقْسِمَ بِهِ؟! فَحَكمَ الخَائِنُ قاسِمُ والغَوْغَاءُ مِنَ الجُهَلاءِ والجُهَّالِ، وبَدَأتْ الهَمَجِيّةُ وبَدَءَ العَبَثُ، وبَدَأتْ "المُحاكمَاتُ" وتَمَّ تَشْويهُ الجُّثَثِ. وسُحِبَتْ أَبْدانُ الأُمَرَاءِ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقاتِ -- ثُمَّ أُحْرِقَتْ وعُلِّقَتْ فِي وَحْشِيّةٍ وهَمَجِيّةٍ شَوَّهَتْ كُلَّ الحَضَاراتِ والرِّسَالاتِ -- فَعَلَهَا البَشَرُ ولَمْ تَفعَلْهَا الحَيَوَاناتُ -- والعِراقِيُّون يُهَلّلونَ! لَمْ يَبْكُو عَلى المَلِكِ الشَابِّ الذِي أَحَبُّوهُ أَو "أَفْتَرِضُ أَنَّهُم أَحَبُّوهُ" فَيَحْمُوهُ أَو حَتّى يَسْألو خَائِنِيهِ وقَاتِلِيهِ... لِمَ تَقْتُلوُه! بَلْ تَجَمّعُو وتَجَمْهَرُو وهُمْ يَتَفَرّجُونَ، وأَثاثَ وهَدَايَا ومُقْتَنَياتِ القَصْرِ يَسْرِقونَ، وكُلَّ شَيءٍ يَنْهَبُونَ! لا تَتَعَجّبْ لِمَا كانَ، فَهذَا سُلُوكُ الغَوْغاءِ والمُنافِقينَ، وهذَا الزَّمَانُ إِذا إِنْقَلَبَ، وهَكذا هِيَ لَعَناتُ الإِنْسَانِ، أَو رُبَّمَا، هِيَ لَعَنَاتُ الرَّبِّ. فَهُناكَ شُعُوبٌ قالَتْ "نَحْمَدُ السَّمَاوَاتِ" عَلى نِعْمةِ الأَبِ الصَّالِحِ -- مِثْلُ الإِمَاراتِ -- عِندمَا أَهْداهُمُ اللهُ زايِدَ، وهُوَ شَيْخٌ طَيِّبٌ ومُسَالِمٌ وحَكِيمٌ، فَحَافَظو عَلَيْهِ وعَلى بِلادِهِم وشَكرُو الرَّحمَنَ الرَّحِيمَ -- أُنْظُرْ إِلى الإِمَاراتِ فِي هُدُوءٍ وَرَخَاءٍ ونَعِيمٍ. أَو أُنْظُرْ إِلى لُبْنانَ، عِندمَا وُلِدَ لَهُم القائِدُ المُحِبُّ لِوَطَنِهِ بَشيرُ الجمَيّل، لكِنَّهُم لَمْ يُحافِظو عَلَيْهِ كمَا يَجِبُ، كمَا أَرَادَ الرَّبُّ، كمَا أَرَادَتْ العَذْراءُ والِدَةُ الرَّبِّ. فَقُتِلَ الشّابُّ الشَّهيدُ وَبَكتْ السَّمَاءُ، ومَعَهَا بَكتْ العَذْرَاءُ -- أُنْظُرْ إِلى لُبنانَ... إِيرانِيُّونَ وسُوريُّونَ وعِراقِيُّونَ وفِلِسْطينيُّونَ ويَمَنِيُّونَ ومُرْتَزَقَةٌ آخَرُونَ -- فِي صُورَ وصَيْدا وبَيْرُوتَ والجَّنُوبِ والجِّبَالِ يَعْبَثونَ، ويَقْتُلونَ وَيغْتالُونَ، والقَنَابِلَ يُفَجِّرُونَ...، هَكذا هُوَ الأَمْرُ. أعُودُ إلى العِرَاقِ لِنُكْمِلَ فِيهِ...، وَحَكَمَ العَسْكَرِيُّ الخائِنُ عبدُ الكريم قاسِم ومَعَهُ لَفِيفٌ مِن المُنافِقينَ، لَكِنَّهُ "تَخاصَمَ" كالأطْفالِ والمُراهِقينَ مَعَ سَيِّدِهِ جَمال عبد النّاصِرِ فِي أُمُورِ الحُكْمِ والخَليجِ والكُوَيتِ والتَّسْليحِ...، وأنَا هُنَا لا أمْزَحَ، تَخَاصَمُو أيْضَاً عَلى لَقَبِ الزَّعِيمِ!! صَدِّقْ أو لا تُصَّدِّقْ، كمَا كانَ فِي التّسْجيلاتِ، مِنْهَا مَا هِيَ سِرّيّةٌ، ومِنْهَا عَلَنِيّةٌ كُوميدِيَّةٌ! وَبَدَءَ الصِّراعُ بيْنَ السَيّدِ المُتَفَرِّدِ والتَابِعِ المُتَمَرِّدِ...، وقُتِلَ قاسِمُ، فَعُمَلاءُ جَمَال فِي كُلِّ مَكانٍ، وجَاءَ عبدُ السّلام عارِف وهُوَ عَمِيلٌ قَدِيمٌ جَدِيدٌ، إذْ كانَ شَريكاً لِقاسِمَ وعَميلاً آخرَ لِعبدِ النّاصِر. وهُنَا أعُودُ قَليلاً فِي العُقُودِ، وأُجِيبُ عَلى ذَاكَ السُّؤالِ المَعْهُودِ: مَنْ هُوَ جَمَال عبد النّاصِر؟؟ هُوَ عَسْكَريٌّ مِصْرِيٌّ مَجْهُولٌ لَمْ تُعْرَف عَنْهُ الشّجاعَةُ والسِّيَاسَةُ والعَقْدُ والحَلُّ، بَلْ عُرِفَ عَنْهُ التَّسَرّعُ والكَثيرُ مِنَ الحَمَاقةِ والجَّهْلِ وقِلّةِ العَقْلِ، كمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ البَعْضِ مِنْ رِفَاقِ دَرْبِهِ وضُبّاطٍ مِنَ الغَرْبِ حَتّى مِنَ الحُلَفاءِ الرُّوسِ أَو السُّوفييتِ قَبْلَ أَنْ يُحَلَّ. وكانَ مُنافِقٌ بَارِعٌ كمَا وَصَفَهُ أحّدُ رِفاقِهِ فِي حَديثٍ "خاصٍّ" مَعَ إحْدى جَمِيلاتِ الفَنِّ فِي ليلَةٍ حَمْراءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَلَلٌ. وكانَ عبدُ النّاصر مَهْووسَاً بالإِنْفِرادِ والزَّعَامَةِ وكانَتْ النَّزْعَةُ الدِّكتاتوريّةُ تَمْلأَ قَلْبَهُ مُنذُ الصِّغَرِ. وكانَ "سِرَّاً" أَو "عَلَناً" مِنْ عُشَّاقِ هِتْلَر. وقالَ عَنْهُ أَحَدُ عُلَمَاءِ النّفْسِ والتَّحْليلِ فِي النّمسَا بأنَّهُ، أَيْ عبد النّاصِر، كانَ يَخَافُ الغَدْرَ بِهِ والتَّخَلُّصَ مِنْهُ بأَيِّ لَحظَةٍ وفِي أَيِّ وَقْتٍ وأَمْرٍ. وَمِنْ كوَابِيسِهِ اليَوْميَّةِ كانَ الفَزَعُ والخَوْفُ مِنَ المَجْهولِ، ورُبَّمَا، وهُنَا أُضِيفُ وأَقُولُ، كانَ هَذا سَبَبَاً فِي تَجَسُّسِهِ عَلى الكَثيرِ مِنَ القادَةِ والوُزَراءِ والأَصْدِقاءِ العَرَبِ بَلْ وحَتّى الفَنّانينَ ومِنْهُم أُمّ كلثوم وعبد الحَليم وفاتِن حَمامَة وسُعاد حُسنِي وعُمَر الشّريف وغَيرِهِم، وإِرْهَابِهِم وتَسْجيلِ جَلَسَاتِهِم ومُكالَمَاتِهِم، ومِنْهَا العَاطِفيّةِ، رُبَّما، لإبتِزازِهِم لاحِقاً أَو عَلى أَقَلِّ تَقْديرٍ لِلسَيْطَرةِ عَليْهِم وإِستِخْدامِهِم فِي أُمُورٍ "خَاصّةٍ" فيمَا بَعْد! وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ هُوَ مَآلُ الكَلامِ، إذْ يَعتَقِدُ الخائِنُ أَنَّ النَّاسَ كُلُّهُم خَوَنَةٌ، ويَظُنُّ الكاذِبُ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ ويُحيطَ بِهِ كاذِبُونَ بَلْ وكَذّابُونَ! لِهَذا غَدَرَ ناصِرُ بِقائِدِهِ وقَتَلَ أَصْحابَهُ ورِفاقَهُ، لكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِي! وَبَعْدُ... دَمَّرَ مِصْرَ والتَنوّعَ والتَّعايُشَ والنَّسيجَ المُجْتَمَعِيَّ الجَّميلَ فِي مُجْتَمَعٍ جَمِيلٍ تَجِدَ فِيهِ المُعَلِّمَ والفَلاَّحَ يَداً بِيَدٍ، والهانِمَ الحَسْنَاءَ "الرَّاقِيَةَ" وفَتاةَ التِّرْتِرِ الجَّميلَةَ "الجَدْعَةَ" يَدَاً بِيَدٍ، فِي مِصْرَ التي يُحِبُّها الرَّبُّ، بَعْدَ إنْ كانَتْ قَبْلَ الإنْقِلابِ مِنَ الأجْمَلِ والأبْهَى والأغْنَى بَيْنَ البِلادِ، ولَمْ يَكْتَفِي! وأشْعَلَ حُرُوباً غَبيّةً لا طائِلَ مِنْها كَحَرْبِ عامِ 1956 مِن أجْلِ قَناةِ السّويسِ التي كانَتْ "سَتَعودَ" لِمِصْرَ تِلقائيّاً حَسَبَ الإتّفاقاتِ والعُقودِ بَعْدَ سَنَواتٍ، ولَمْ يَكْتَفِي! وأفْقَرَ مِصْرَ، ولَمْ يَكْتَفِي! وجَاءَ دَوْرُ العِراقِ، أرْضِ يونانَ وحِزْقيالَ وحَضَاراتِ الجَّميعِ ونَسَماتِ الرّبيعِ...، أوَّلُ الحَضَاراتِ فِي الكَوْنِ بَعْدَ آدَمَ والوُجُودِ، وثانِيَ الحَضَاراتِ بِقِياسِ الحُكومَاتِ ورَسْمِ الحُدُودِ، لكِنِّي سأتَحَدّثُ عَن تَفْصيلِ ذلِكَ لاحِقاً...، ولَمْ يَكْتَفِي عَبدُ الناصِرِ، وأنَا لَنْ أكْتَفِي! وتَآمَرَ ناصِرُ عَلى سُورية، الجَّمالُ وخِفَّةُ الرُّوحِ والعِطْرُ الشَامِيُّ... أبو عَنْتَر وغَوّارُ وفَطّومُ وياسِين وحسْنِي... الصَّوْتُ والمَوّالُ وفَخْرِي... والأنْغامُ والليَالِيَ... التِلْفازُ والغِنَاءُ والرَّقْصُ ويا بُو رديْن وأُنوثَةُ صَباح الجّزائِريّ... السّينَما والجَّمَالُ والعَيْنَانِ... وأفْلامُ إغْراءَ والشَّعْرُ والنَّهْدَانِ... البَحْرُ والنَّهْرُ والقُرَى والودْيَانِ... سِحْرُ طَرْطُوسَ وكَسَبَ وبلُودان... دَلالُ الحَلَبِيَّةِ لَيْسَ لَهُ مَثيلٌ... وهَلْ مِنْ شِفَاهِ الشَّامِيَّةِ هُرُوبٌ أو سَبيلٌ؟! ونَجَحَ ناصِرُ فِي إحْزَانِ اليَاسَمِينِ مَعَ عُمَلاءٍ وَعَساكِرَ سوريّينَ، ولَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ عَلى ليبيا النّسِيمِ العَليلِ، لِيأتِيَ بِحاكِمٍ غَرِيبِ الأطْوارِ، وَنَجَحَ في تَدْميرِها، ولَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ عَلى اليَمنِ السَّعيدِ وأرْسَلَ الجّيوشَ والسِّلاحَ، وَنَجَحَ في تَقْسِيمِها، ولَمْ يَكْتَفِي! وأفْسَدَ عِلاقاتِ مِصْرَ مَعَ الكَثيرينَ بِخِطاباتٍ تَافِهةٍ وشَتَائِمٍ للقَريبِ والبَعيدِ لِأسْبَابٍ وعُقَدٍ فِي رأسِهِ، وتَسَبّبَ فِي أغْبَى الحُرُوبِ فِي عامِ 1967 وكانَتْ نَكْسَةً وهَزيمَةً مُزِّقَتْ مِصْرَ والعَرَبَ! وكانَتْ مِصْرُ فِي زَمَنِ المَلِكِ فاروقَ عَرُوسَ أفريقيَا وسَلّةَ الأرْضِ تَمْلأَ خَيْراتُها وخَزائِنُها خَزائِنَ بِلادٍ وبُلْدانٍ. ومُزِّقَتْ أورشَليمُ أو القُدْسُ وبِلادُ العَرَبِ، فَرَقَصَ الإسْرائيليّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ العَظيمِ، لكِنَّ ناصِرَ لَمْ يَكْتَفِي! فتآمَرَ عَلى تونس، أرْضُ الحُسْنِ والرِّقّةِ الفرانكفونيّةِ... الأُنوثَةُ المَغَارِبِيّةُ... حَلاوةُ اللهْجَةِ المَحَلِّيّةِ... السَّلالِمُ المُوسِيقِيّةِ... بوشناقُ وعُلَيَّةُ... سِحْرُ الإيقاعِ ورَوْعَةُ الحَضْرَةِ التُّونِسيّةِ... الزّيارَةُ التي أنتَظِرُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ وأشْرَبُ شّايَ الدارجيلينج مَعَ الطَّرَبِ وأسْتَمْتِعُ وأُغْمِضُ العَيْنَانِ والتِلْفازُ يُغَنِّي... والسَّهْرَةُ لَيْلِيَّةٌ صَبّاحِيَّةٌ... تُحَلِّقُ الأنْغامُ وتَطيرُ النَّغَمَاتُ فِي لَيالٍ قَمَريّةٍ...، وعبدُ النّاصِرِ لَمْ يَكْتَفِي! وحَاوَلَ وتَآمَرَ ثُمَّ حَاوَلَ وفَشِلَ وحَاوَلَ وفَشِلَ، لكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ مَعَ أَتْباعِهِ مِنْ مُنافِقِي العَرَبِ سِرَّاً عَلى لُبْنَانَ، سويسرا الشَّرْقِ... بِلادُ الأَرْزِ والجِّبالِ والزَّرْعِ... الأُنوثَةُ والدَّلَعُ والدَّلالُ وجَمَالُ خَصْرِ النِّسَاءِ إِذا مَالَ... ويَا وَيْلَ الرِّجَالِ إِذا مَالَ... صَالَ النَّظَرُ مَعَهُ وَجَالَ... لُبْنَانُ، رَوْعَةُ الطَّبيعَةِ والقُرَى وسِحْرُ الضَّيْعَةِ والوِدْيَانِ... بِلادُ القِدّيسَةِ العَذراءِ... أُمُّ النُّورِ أَطْهَرُ النِّسَاءِ... لُبْنانُ الكُبْرَى والتأريخُ والرَّبُّ والتَّلامِيذُ والجَّليلُ الشّرْقِيُّ... طَبَريَّا وصَيْدَا وسَمْعَانُ والصَّخْرَةُ والبَّحْرُ الأَزْرَقُ والنَّهْرُ الوَرْدِيُّ... والكِتابُ والسَّمَاءُ... فيرُوزُ والرّحبانِي وعَازِفُ الّليْلِ وجَمَالُ الأَلْحانِ... وَديعُ وفَريدُ والنّابُلسِي وسِحْرُ عُيُونِ أَسْمَهانَ... والثَّقافَةُ والأَدَبُ وأَقْلامُ جُبْران... وبشِيرُ الجميّلِ... الشَّهيدُ بَشِير، رَمْزُ الإِخْلاصِ والدَّيْر... القائِدُ الشَّابُّ... إخْتَارَهُ الشَّعْبُ "إنْتِخاباً" كَقَائِدٍ ورَئيسٍ... فَنَزَلَتِ المَلائِكَةُ وهَلّلَتْ وهَرَبَ إبْليسُ... الشَيْخُ بَشِيرُ... الكِبَارُ والصِّغَارُ أحَبُّوهُ... آخِرُ الرُّؤساءِ والزُّعَمَاءِ والأَمَلُ الأَخيرُ... وبَعْدَ عَشْرِ سَنَواتٍ وسَنَتَيْنِ مِنَ التآمُرِ بِقُنبِلَةٍ قَتَلوُهُ... وَسَكَتَ الزَّمَانُ... وإِنْهارَ لُبْنَانُ... قَتلوُهُ بأَوامِرٍ سُوريّةٍ وفَتَاوٍ إِيرانيّةٍ وأَمْوالٍ لِيبِيّةٍ وقَنَابِلٍ فِلِسْطينِيّةٍ وخِيانَةِ "النِّسَاءِ" والشَّيْطانِ! أعُودُ إلى عبدِ النّاصِرِ، ولَمْ أكْتَفِي! لَمْ يَكْتَفِي زَعِيمُ الإنقلاباتِ ناصِرُ بِتَدْميرِ المُجتَمَعاتِ، وإنْهَاءِ عُصُورِ الرُّقِيِّ والمَلَكيّاتِ، والقَضَاءِ عَلى تَنَوّعِ الأدْيانِ والدِّياناتِ، وتَدْميرِ الأراضِي والحُقولِ والمَزارِعِ والمَشاريعِ والأحْلامِ والحُرّيّاتِ، والإسْتِقلالِ والمُستَقبَلِ والآمَالِ، ولَمْ يَكْتَفِي بِقَتْلِ النّساءِ وسَجْنِ الرِّجالِ. لَمْ يَكْتَفِي المُتَآمِرُ ولَمْ يَكْتَفِي المُتَآمِرُون: زَعَمُاءُ الأوْهامِ عبد النّاصِر والقَذّافِي، وحافِظُ الأسدِ الذي قالَ عَنُهُ أحَدُ حُكّامِ الخَليجِ في جَلْسَةٍ "خاصَةٍ" بأنَّهُ كسُمِّ الثُّعبانِ قَدْ يَبيعَ أباهُ ويَغْدِرَ بِكَ أو "بِكِ" في ثَوَانٍ -- وياسِر عَرَفات، أبو عَمّار، شَيْخُ المُنافِقينَ وسارِقُ الذّهَبِ والمَاسِ، والرّاقِصُ فِي كُلِّ الأعْراسِ، الذي قالَ عَنهُ الرّئيسُ الرّاحِلُ صَدّام حسين في إحْدى التّسْجيلاتِ "الخّاصّةِ" والمُطَوَّلَةِ والسّيكارُ فِي يَدِهِ بأنّهُ، أيْ صَدّام حسين، يَجلسَ مَعَ عَرَفات ويبتسمَ لَهُ ويُساعِدَهُ ويُسانِدَهُ ويُوَطِّنَ أتْباعَهُ فِي بَغْدادَ فِي شُقَقٍ فارِهَةٍ ويَصْرُخَ بِتَحْريرِ "قُدْسِهِ" لأنَّها مِنْ مَبادِئِ "الحِزْبِ والثَّوْرَةِ" وتَلْتَهِبَ مَعَهُ القُبَلُ والأحْضانُ، لكِنّهُ يُدْرِكُ في قَرَارَةِ نَفْسِهِ بأنَّ عَرَفاتَ "أوْسَخُ" مِن حافِظِ الأسدِ والخُمَيْنِيّ وأنَّهُ يَبيعَ "قَضيّتَهُ" بِدينارٍ، وبِأنَّهُ، أيْ صَدّام حسين، عَلى عِلْمٍ ودِرايَةٍ أيْنَ يَذهَبُ عَرَفاتُ "مُتَخَفّياً بِكُوفِيَّتِهِ"عِندما يُغادِرُ بَغدادَ بأيّامٍ!! وكانَ هذا تَسْجيلٌ وحَديثٌ مُطَوَّلٌ شَرِبَ فيهِ صَدّامُ وسَكِرَ، وأسْتَمَعَ إلى الكَثيرِ مِنَ النُّكاتِ ال "+18" وكانَتْ ضَحِكاتُهُ تَطِيرُ فِي السَّماءِ، وكانَ يُسَمِّيَ الرُّؤَسَاءَ والقَادَةَ العَرَبَ بأسْماءِ شَخْصِيّاتٍ كَرْتُونيّةٍ! أعُودُ إلى عبدِ النّاصِرِ والعِراقِ والإنْقِلاباتِ لِأنْقَلِبَ بالكَلِمَاتِ والأحْداثِ إلى إنْقِلابِ 1958 المَشْؤومِ وقَتْلِ المَلِكِ الشّابِّ البَرِيءِ، ومَاذا كانَ مِنْ عَصَا مُوسَى والأفاعِيَ والثّعابينَ والسُّمُومِ. وَمَرَّتْ سَنَواتٌ عِراقِيّةٌ...، وقُتِلَ جَميعُ القَتَلَةِ، لأنَّ مَلائِكةَ السّمَاءِ قبلَ سَنَواتٍ قد بَكَتْ، عِندمَا دَمَعَتْ العَيْنُ ودَمَعَ المَطَرُ وكَثيرُ الدَّمْعِ وسَقَتْ الدُّموُعُ ما أرادَتْ وَسَقَتْ، وتَنافَسَ السُّقَاةُ عَلى الدُّموُعِ، عِندمَا بَكَتْ الأميرَاتُ، عِندمَا سَالتْ الدِّمَاءُ، دِمَاءُ المَلِكِ الطَيِّبِ فِي حَديقةِ قَصْرِهِ عَلى التُّرابِ والزَّرْعِ والزُّرُوعِ، عِندمَا صَعِدَ صُراخُ الوَصيفاتِ الباكِياتِ إلى السّمَاءِ، عِندمَا سَمِعَ الرَبُّ الصُّراخَ والبُكاءَ، فكانتْ عَدالَةُ الأرْضِ والسّمَاءِ. وقَتَلَ الخائِنُ شَريكَهُ الخائِنَ، فالخَوَنةُ لِبَعْضِهِم يَقتُلونَ، هَكذا عَلّمَنا التأريخُ والزّمانُ، هِيَ لُعبةُ الخِيانةِ والكَراسِيَ والأزْمِنةِ والأزْمانِ. بَعْثِيّونَ يَقتُلونَ شِيوعيِّينَ، وشِيوعِيّونَ يَقتُلونَ بَعْثيِّينَ، وقَومِيّونَ يَقْتُلونَ الإثْنَيْنِ، والإثْنانِ يَهْرُبانِ، والجَّميعُ يَتَقاتَلونَ ثُمَّ يَتَعانَقونَ ويَتَصَالَحُونَ!! أُكْمِلُ كَيْ لا يَتيهَ عَقْلُكَ وعَقْلِيَ ونَضيعَ بَيْنَ الأحْداثِ والمُفاجآتِ...، قُتِلَ قاسِمُ، والقاتِلُ هُوَ عارِفُ الرّفيقُ والصّديقُ! ثُمَّ قُتِلَ عارِفُ، والقاتِلُ هُوَ البَكِرُ الرّفيقُ والصّديقُ -- الذي شارَكَ عارِفَ في قِتالِ وقَتْلِ قاسِم فِي وِزارَةِ الدِّفاعِ ومَبْنى الإذاعَةِ والتّلفِزيون! وقُتِلَ عبدُ النّاصِر بِقَطَرَاتِ سُمٍّ في فِنجانِ قَهوَتِهِ، والقاتِلُ هُوَ الرّفيقُ والصّديقُ! وحَكَمَ شَقيقُ عارِفَ لكِنَّهُ، عَلى عَكْسِ أَخِيهِ، طَيّبٌ خَلُوقٌ لا يُحِبَّ القَتْلَ والنِّفَاقَ، فَخُيِّرَ بَيْنَ القَتْلِ أو السَّلامِ، فقَبِلَ التَّنازُلَ والسَّلامَ والإسْتِسْلامَ! وجَاءَ البَكِرُ وصَدّام حسين وآخَرونَ، وهُم بَعْثِيّون، لكِنّهُم لِ "قومِيّةِ" عبدِ النّاصِرِ تابِعونَ، والعِراقِيّونَ لهُم يُهلّلونَ!! وبُنِيَ العِراقُ من جَديدٍ، رَغْمَ النّارِ والحَديدِ، وعَادَتِ السّعادةُ للعِراقِيّينَ، هِيَ نِهايَةُ السِّتينيّاتِ، وسِحْرُ السَّبعينيّاتِ، والرّخاءُ للجَّميعِ، وتَعَلّمَ الجَّميعُ، وأصْبَحَ التّعْليمُ فِي العِراقِ الأرْقى فِي الشّرْقِ، هِيَ أرْضُ سُومَرَ عادَتْ مِنْ جَديدٍ، وَذُهِلَ العَرَبُ والغَرْبُ مِنْ ثَقافَةِ العِراقِيّينَ، واليونسكو قالَهَا لِلعَلَنِ، أنَّ التّعْليمَ فِي العِراقِ رائِعٌ ومٌعْجِزَةٌ ولا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، فأحمَد حَسَن البَكِر قَدْ نَدِمَ عَلى القَتْلِ والمُؤامَراتِ، أو رُبَّما تَعِبَ مِنْها وَلَمْ يَعُدْ يَقْدِر عَلَيْها، ولَبِسَ المَلابِسَ المَدَنيّةَ، وأحَبّ السّلامَ والإزدِهارَ وحَنَّ إلى الأيَّامِ الوَرْدِيَّةِ، فأصبَحَ لِمُحِبّيهِ الأبُ القائِدُ، وصَدّامُ هُوَ القَويُّ النَّائِبُ...، هِيَ سَبعينّياتُ الخَيْرِ والسّعادَةِ، ومَعَها، وَرَاءَ الكَواليسِ، كانَتْ النّارُ ومَعَهَا الحَديدُ وَهِيَ لِلعَسْكَرِ عَادَةٌ، والحَديدُ لِشِيعَةِ العِراقِيّينَ عَاشِقِي الفِتْنَةِ والشِّقَاقِ، رُبَّمَا، هُوَ الحَلُّ الوَحِيدُ! وأصْبَحَ العِراقُ لَوْحَةً جَميلَةً يَهْوَى النَّظَرَ إليْهَا العَرَبُ والغَرْبُ البَعِيدُ...، الطَّرَبُ والمُوسِيقَى والأنْغامُ وغَزَلُ النِّساءِ، والأَزْيَاءُ والشَّعْرُ المَسْدُولُ والقَصِيرُ والبَنْطَلُون، وجَمَالُ السّيقانِ التي تَمْشِيَ عَلى الدَّرْبِ، وأَنَاقَةُ الرِّجالِ ودَلالُ النِّساءِ، ومَا خَلَقَ مِنَ العُيُونِ... سُبْحانَكَ يا رَبُّ -- عِندمَا كانَ الجَّمَالُ "طَبِيعِيَّاً" وكانَ سَلامُ النُّفُوسِ وجَمَالُ الأَيَّامِ وعَذَابَاتُ الرِّجَالِ بِحُسْنِ النِّسَاءِ والفَتَيَاتِ، ولَيْسَ غُرْبَةُ النَّفْسِ وغَرَابَةُ أَيَّامِنَا وحَيْرَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسْوَةِ، والحَيْرَاتُ بِكَمِّ الوُجُوهِ المُتَشَابِهَةِ والفِلْتَرَاتِ!! كانَتْ سَنَواتٌ ذَهَبيّةٌ، أزياءٌ ورَقْصٌ وغِنَاءٌ أَنْغَامُهُ الإِحْسَاسُ وأَلْحَانُهُ الرُّوحُ، رِجَالٌ ونِساءٌ، حُرِيَّةٌ ودَلالٌ، بِنْطالُ الجَرَسِ والجارلِسُ والتَنّورةُ والقَصِيرُ، غَرامٌ وسَهَرٌ وغَزَلٌ وأمِيرَةٌ وأمِيرٌ، والخَصْرُ وَجَمَالُ السَّاقَيْنِ، الشَّعْرُ والعُيُونُ والأُنوثَةُ وأحْمَرُ الشِّفاهِ ونُعومَةُ اليَدَيْنِ، سِحْرُ الفولكس فاغِن والأفلامُ والسّينَما والإنْفِتاحُ، فَلا إنْقِلاباتٌ وَلا جِرَاحٌ، وأصْبَحَتِ السّبعينيّاتُ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ والعالَمِ عَقْداً للجّمَالِ والأَفْراحِ، رَغْمَ حَرْبٍ وحُرُوبٍ هُنَا وهُنَاكَ. كاسترو يَزُورُ العِرَاقَ ومَعَهُ هَدَايَا السِّيكَارِ الكُوبِيِّ، فيُغْرَمَ بِالتَطَوُّرِ والرَّخَاءِ...، هِيَ السَبعينيَّاتُ، يَا سَادَة، عَقْدُ النَّفطِ والثَّرَوَاتِ والتَّعْليمِ والبِنَاءِ، إذْ كانَ حُكّامُ العِرَاقِ والعَرَبِ مَعَ شُعوبِهِم عَلى حُكْمٍ وأُمورٍ مُتَّفِقينَ: إفْعَلْ أَيُّهَا المُواطِنُ العِرَاقِيُّ والعَرَبِيُّ مَا تَشاءُ... أُرقُصْ، إفْرَحْ، تَعَلَّمْ، إِرْفَعْ يَدَكَ بالدُّعَاءِ، أو إِنْسَ الأَمْرَ ولا تَعْبُد أَو تَتَعَبَّد، كمَا تَشَاءُ، لا شَأنَ لَنَا بِكَ مِنَ الأَلِفِ إلى اليَاءِ... سَافِرْ، غازِلْ، وتَغَزَّلْ بالنِّسَاءِ، إلبَسْ وإِرتَدِ مِنَ الثِّيابِ مَا تَشاءُ، وتَعَرّى "سِرَّاً" كَيْفَمَا تَشاءُ ومَتَى مَا تَشَاءُ، هِيَ حَيَاتُكَ وهِيَ الحَياةُ ومَا تَشَاءُ...، لكِنْ إِيّاكَ ثُمَّ إِيّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، أَنْ تُؤذِيَ الآخَرينَ أَو أَنْ تَتَحدّثَ فِي "السِّياسَةِ" وأُمُورِ الحُكمِ والثَّوْرَةِ والبَعْثِ وسِيرَةِ الرِّفَاقِ والرُّفَقَاءِ، أَو أَنْ تَتَحَدَّى أَصْحَابَ النُّفُوذِ أَو "أَوْلادَهُم أَو بَنِيهِم لاحِقَاً" أَو أَنْ تَرْفُضَ تَمْجِيدَ الزُّعَمَاءِ! وإِلاّ صِرْتَ ضَحِيَّةً مِنْ ضَحَايَا أَبُو طُبَر والسَّاطُورِ والسَّوَاطِيرِ والسَّكاكِينِ والأَكْفَانِ ومَاءِ الوَرْدِ والحِنَّاءِ، أَو، عَلى الأَقَلِّ، صِرْتَ واحِدَاً مِنَ السُّجَنَاءِ -- كَمَا يَقولُ الآباءُ والأَجْدادُ: حَرَامِي لا تصِير، مِنْ شُرطِي "سُلطان" لا تَخَاف!! وقَبِلَتْ الشُّعوُبُ وكانَ الجَّميعُ سُعَدَاءَ مُتحابّينَ، وكانَ هَذا سِرُّ السّبعينيَّاتِ، ورُبَّما، رُبَّما، لاحِقاً، شَيْئَاً مِنَ الثّمانينيَّاتِ. لكنَّ السَّماءَ لَمْ تَنْسَى الأَحْدَاثَ ومَا جَرَى، والأَحْدَاثُ قَبْلَ سَنَوَاتٍ هِيَ الأَقْسَى، والسَّماواتُ عَلى العِرَاقِ غَضِبتْ مَرَّةً أُخْرَى، ومَا أدْراكَ مَا غَضَبُ السّماواتِ العُلَى! وكانَ صَدّام حسين أو السَيِّدُ النائِب أكْثَرَ قُوَّةٍ وحُضُورٍ ونُفُوذٍ، عِرَاقِيَّاً وعَرَبيَّاً ودُوَليَّاً، مِنَ البَكِر الذي ضَعُفَتْ صِحَّتُهُ وكَبِرَ فِي السِّنِّ، ولَمْ يَعُدْ لَقَبُ النائِبِ يَكْفِيَ ويَلِيقَ، فَأرَادَ صَدّامُ حسين كُرْسِيَّ الرِّئاسَةِ ولَقَبَ السَيِّدِ الرَّئيسِ، لكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلْحاقَ الأذَى بالبَكِر إذْ كانَ يَحْتَرِمَهُ ويَحْتَرِمَ تأريخَهُ وحُبَّهُ لِبَلَدِهِ، فَقَرَّرَ أنْ يَكونَ الأمْرُ سِلْميَّاً بالتَّراضِي، أيْ "بالعِينِي والآغاتِي" وأُبْلِغَ الرّئيسُ العِراقِيُّ البَكِرُ بالأمْرِ "الذي كانَ يَتَوَقَّعَهُ فِي لَحْظَةٍ مَا لأنَّهُ القَدَرُ" وكانَ كذَلِكَ، وكانَتْ التَنْحِيةُ. والبَكِرُ قَبِلَ الواقِعَ والقَرَارَ خَوْفَاً عَلى العِراقِ أنْ يَدْخُلَ فِي صِرَاعاتٍ بَعْثِيَّةٍ وحِزْبيَّةٍ ويَضِيعَ البَلَدُ والوَطَنُ الجَّميلُ والإزْدِهَارُ. ومَسَكَ صَدّامُ حسين السِّيكَارَ بيدِهِ، وبَدأتْ التَّصْفِيَاتُ البَعْثِيّةُ، ومَلالي الحَوْزاتِ والثَّعابِينُ فِي إيرانَ والعِراقِ مِنْ بَعِيدٍ وقَريبٍ يَرْقَبونَ، وعُمَلاءُ إيرانَ فِي "حِزْبِ الدَّعْوَةِ" مِنَ الجُهَلاءِ والجُّهَّالِ والسُّرّاقِ والقَتَلَةِ وكارِهِي العِراقِ فِي الدَّاخِلِ والخارِجِ يَنْتَظِرونَ، وحافِظُ الأسَدِ والسُوريُّونَ وفُروعُ البَعْثِ المُنْشَقِّ وكارِهُو أرْضِ الرَّافِدَيْنِ خَلْفَ الحُدُودِ يَرْقَبونَ، وَغَيْرُهُم كَثِيرونَ. ومَرّةً أُخرَى، بَدَأتْ المُؤامَرَاتُ، وبَدءَ صِرَاعُ الخِطَاباتِ. ومَرّةً أُخرَى، هِيَ لُعْبَةُ الكَراسِيَ التي يَعشَقُها العَسْكَرُ والعَساكِرُ، وحَكَمَ صَدّامُ القَويُّ الماكِرُ، وهُوَ عَلى حُكْمِ العِراقِ لَقَادِرٍ. وأنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ فِي قاعَةِ الخُلْدِ مَعَ الأوامِرِ والسّيجَارِ والسَّجَائِرِ. لكِنّ مَلالي قُمَّ وطَهرانَ كانُو بالمِرْصَادِ، وعِمامَاتُ إيرانَ لا زالتْ فِي إيرانَ تَغْلِي، وشاهُ إيرانَ ضَعيفٌ ومِنْ مَرَضِ السَّرَطانِ يُعانِيَ، وهُوَ فِي مَأزَقٍ كَبيرٍ، والغَرْبُ عَلَيْهِ بِسَببِ أسْعارِ النَّفْطِ غاضِبٌ وأعْطَاهُ مُهْلَةً للتَّسْعِيرِ. لكِنَّ الأمْرَ قَدْ إنْتَهَى، وهَكذا، أنْتَصَرَتْ الفَوْضَى، وبَدّأتْ ثَوْرَةُ الجَّهْلِ وَنَشْوةُ الإسْلامِ السِّياسِيِّ المَشْؤُومِ، والغَوْغَاءُ للعِراقِيّينَ والعَرَبِ بالمِرْصَادِ، وَظَهَرَتْ الأحْقادُ، وحَانَ وَقْتُ تَصْديرِ الثَّوْراتِ...، إنفِجارَاتٌ فِي بَغدادَ والجّامِعاتِ، مُحاوَلاتُ إغْتِيالٍ في العِراقِ، وفِي لُبْنانَ إعْدامَاتٌ. لكِنْ كيْفَ بَدَأتْ اللعْنّةُ ومَعَهَا الشَّرُّ والشّؤْمُ؟؟ وَمَتى إسْتَيْقظَ الشَّيْطانُ؟؟ كانَتْ إيرانُ قبلَ ثَوْرةِ العِمَامَةِ والشَّيطانِ عَرُوُسَ الشَّرْقِ فِي الشَّرْقِ. لكِنَّ الغَرْبَ والصِّغَارَ والكِبَارَ والشَّرِكاتِ والتُّجَّارَ تَآمَرُو عَلى شَاهِ إيرانَ، والأَنْظارُ عَلى باريسَ وبَرْلينَ ومُخابَراتِ الأَلمَانِ. ورَفَضَ الشَّاهُ أنْ يُوَقِّعَ الوَرَقَةَ والوَرَقَ أَو أَنْ يُعْطِيَ شَيْئَاً مِنَ الإِطْمِئْنَانِ. والغَرْبُ، كعادَتِهِ، يُفَكِّرُ بالنَّفْطِ والمَالِ وأَرْضِ العَرَبِ والشّرْقِ، وهكذَا، رُفِعَ ا"الكارتُ" الأَحْمَرُ وإِنْهارَ الحُلْمُ الإيرانِيُّ كالرِّيحِ الصَّفْراءِ والبَرْقِ. وإِنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ، فَهَرَبَتْ العَرُوُسُ والحَجَرُ إنْشَقّ، وقَتَلَ المَلالي شَقيقةَ العَرِيسِ وقَتَلُو العَرُوُسَ، وهَرَبَ العَرِيسُ إلى مِصْرَ وبَكى الأطفالُ، وهَرَبَ الرِّجالُ، وسَالتْ دُمُوعُ أجْمَلِ نِساءِ شَرْكسَ وفارِسَ وإيرانَ. وغادَرَ القَمَرُ ومَعَهُ الحِسَانُ، وبَكتْ الحَسْناوَاتُ -- بَكتْ الحَسْنَاءُ كوكوش ومَعَهَا بَكى أهْلُ بَغْدادَ، فَقَدْ أَحَبُّوهَا وغَنَّتْ لَهُم زُورُونِي فَعَشِقُوهَا وكانَتْ لَهُم كالفَرَاشَةِ تَطيرُ إِلى العِرَاقِ أَرْضِ الجِّنَانِ. وهايدَه ونوش آفرين، لیلا فروهر وأجْمَلُ نِساءِ نَوْروزَ وأذربيجانَ. وغابَتِ الشَّمْسُ عَنِ إِيرَانَ -- بِلادِ الحُريَّةِ والسِّينَمَا والفَنِّ والفَلْسَفَةِ والشِّعْرِ والحَرِيرِ والسّجّادِ والأَلْوَانِ. فِيهَا الأَنْهَارُ والمَحَارُ، والطَبيعَةُ والأشْجارُ، فِيهَا الرُّزُّ والخُبْزُ والكافيَارُ، والغِناءُ والرَّقْصُ وجَمَالُ الأَلحانِ. هُوَ التأريخُ وهِيَ المَلالي والأحْقادُ، والتأريخُ بِكُلِّ سَوَادِهِ قَدْ عَادَ! لكِنَّ المَلالِيَ كالشَّيْطَانِ، وتَدْميرُ الجَّمَالِ والآمالِ لا يَكفِي، ولا يَكفِي غَسْلُ العُقُولِ وغَسِيلُهَا، ومَلاليَ الجَّهْلِ لَديهِم دُسْتُورٌ، ودُسْتُورُ الشَّرِّ يَقولُ: كُلُّ العَرَبِ إيرانِيّونَ، وفِي أُصُولِهِم فارِسيّونَ، وأحْفادُ عُمَرَ ويَزيدَ والحَجَّاجِ جُناةٌ، والمَسيحيّونَ رُعَاةٌ، واليَهودُ لا يَسْتَحِقّونَ الحَياةَ، ولا فَرْقَ بَيْنَ مُوسَى وهارُونَ وصُهْيونَ، لا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والسّياسَةِ، ويَجِبُ إحْراقُ الشَّرْقِ وبِلادِ الضّادِ، بالصِّراعاتِ والقَتْلِ والفَقْرِ والبُؤْسِ والجِهَادِ، نَحْنُ الإيرانيّونَ، يَقوُلون، لَديْنا العَرْشُ والجَّحِيمُ والنَّارُ، ومِفْتَاحُ الجَنّةِ وأسْرَارُ المَوْتِ والحَيَاةِ والنِّساءِ والحُوُرِ، وفِي ذلِكَ لا حِوَارَ... هُوَ التأريخُ الفارِسِيُّ وكُتُبُ المَدارِسِ وتَعْليمُ الأطْفالِ، هُوَذا الدُّسْتُورُ، والعَلْمانيّونَ الحَياةَ لا يَستَحِقّونَ، والنَّجَفُ وكربَلاءُ والأرْضُ لِإيرانَ وبِلادِ فارِسَ ومَلاليَ اللياليَ والسَّمَرِ، والخُمَيْنِي خَلِيفَةُ اللهِ مِنَ البَرِّ إلى البَحْرِ، ولَعْنَةُ "آيَةِ اللهِ" عَلى أتْبَاعِ عُثْمانَ وعَمَرَ، والمَسيحِيّونَ والسّنةُ مِنَ الحُكّامِ خَطٌّ أحْمَرٌ!!! وقالَهَا الإيرانِيّونَ والعُمَلاءُ والجُّهَلاءُ: إمَّا أنْ نَحْكُمَ أرْضَ عَلِيٍّ والحُسَيْن، أو نُسقِطَ نِظامَ صَدّام حسين!! وكَتَبوُ رِسالَةً بِهَذا وإلى صَدّام سُلِّمَ الخِطَابُ، وصَدّام قَويٌّ يَعْشَقُ العِراقَ والتُّرَابَ، ومَعَهُ لا يجِبُ أنْ تَتَحَدّى وتَعْبَثَ أو تَلْعَبْ! وبَدَأتْ الحَرْبُ، وأنْتَهَى قِطارُ السّبعينيّاتِ وأيّامُهُ الوَرْدِيّةِ، وخُتِمَ فصْلُ الكِتابِ وفُصُولِهِ الذَهبيّةِ. والخُمَيْنِي يُفْتِي ويَقْتُلَ بإسْمِ اللهِ وعليٍّ والحُسَينِ والرَّبِّ، وحافِظُ الأسَد يُرسِلُ الصّواريخَ إلى إيرانَ لِتُطْلَقَ عَلى رُءُوسِ العِراقِيّينَ والعَرَبِ!! ومِثْلُهُ فَعَلَ القَذّافِي بإسمِ القُدْسِ والعَرَبِ -- والقَذّافِي أَحَبَّ الإِيرانِيّينَ وأَعْطاهُم المِلْيارَاتِ لِقَتْلِ صَدّامَ بِأَيادٍ إِيرَانيَّةٍ، لكِنْ بَعْدَ غَزوِ العِراقِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا حاوَلَ إنْقاذَ صَدّامَ وبَكَى عَلَيْهِ بَعْدَ إعْدامِهِ بِحِبَالٍ إيرانيَّةٍ!!! وأعُوُدُ للحَرْبِ الفارِسيَّةِ... وتَسْتَمِرُّ الصِّراعاتُ فِي العِراقِ ولُبنانَ وتَزْدَهِرُ تِجارَةُ السِّلاحِ والمَوْتِ والمُرْتَزَقةِ مِنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ! والغَرْبُ يَبيعُ السِّلاحَ لِكُلِّ الأطْرافِ والطَرَفَيْنِ، والشّرِكاتُ تَكْسَبُ! وأَمريكا ودَوْلَتُها العَميقَةُ أَرَادَتْ إِضْعَافَ الإِثْنَيْنِ، فأَرَادَتْ عِرَاقاً ضَعِيفَاً وهَذا يَعْنِي ضَعْفَ الشَّرْقِ مِنَ العَرَبِ، وأَرَادَتْ حُكْماً شِيعيَّاً "دائِمَاً" فِي إيرَانَ كَيْ تُبْقِي تَهْدِيدَاً دائِمَاً عَلى المَمْلَكَةَ العَرَبيَّةَ السّعوديَّةَ والخَلِيجِ العَرَبِيِّ للتَّحَرُّكِ والتَّحَكُّمِ فِي أَسْعَارِ النَّفْطِ وسِيَاسَةِ المِنْطَقَةِ إنْ خَرَجَتْ الأُمُورُ عَن السَّيْطَرَةِ أَو تَوَلّى السُّلْطَةَ فِي الرِّيَاضِ حاكِمٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ بِهِ أَمْريكيَّاً، وأَيْضَاً، لِلحِفاظِ "أمريكيَّاً" عَلى تَوَازُنِ القِوى الطَّائِفيّةِ -- وأُبْلِغَ الألْمانُ والفَرَنْسيّونَ وأُبْلِغَتْ السَّفَارَةُ السّويسريّةُ بِهَذا. وهَكذا، فَإِنَّ رِجَالَ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ "مِنَ الدِّيمُقرَاطِيِّينَ" لا يَحْمِلُونَ فِي قُلُوبِهِم مَشَاعِرَ الوِدِّ والإِحْتِرامِ للسّعوديَّةِ والخَلِيجِ، وحَتّى يَوْمِنَا هَذا. إذْ إِنَّ تَلامِيذَ مَدْرَسَةِ أُوبَامَا "المُعْجَبُ بِالإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ" مِثْلَ جو بايدن لا "يُحِبُّ" -- ولَنْ أسْتَخْدِمَ كَلِمَةً أقْسَى -- السّعوديَّةَ والعَرَبَ لأَنَّهُم "أَهَانُوهُ" وأَهَانُو سِيَاسَاتِهِ المُسَانِدَةَ لِعَدُّوَتِهِم الأُولَى إِيرَانَ، أَو نِظَامِ إِيرَانَ لِلدِّقَّةِ السِّيَاسِيَّةِ والمَوْضُوعِيَّةِ. وأَيْضَاً، لا "يُحِبُّ" مِصْرَ والرَّئيسَ السِّيسيّ وجَيْشَ مِصْرَ، لأنَّهُ، بِنَظَرِ "تَلامِيذِ" أُوبامَا، قَدْ أنْهَى مَشْرُوعَ الإِخْوانِ المًسْلِمينَ والإِسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ لإِدَارَةِ الدِّيمُقراطيّين مَشْرُوعٌ صُرِفَ عَلَيْهِ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ والوَقْتِ والجُّهْدِ وكانَ لَهُم سِلاحٌ آنِيٌّ وزَمَنِيٌّ وزَمَانِيٌّ وأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ. إذَنْ، فَالأَمريكانُ لا يُريدونَ التَّخَلُّصَ مِنْ نِظامِ مَلالِي طَهْرانَ أَو تَغْييرِ النِّظامِ الشِّيعِيِّ الطَّائِفِيِّ فِي إيرانَ كمَا يَعْتَقِدَ "سَاسَةُ" العَرَبِ وإسرائيلَ، وإلى يَوْمِنَا هَذا! والأَرْشيفُ الأُوروبّيُّ السِرِّيُ شاهِدٌ عَلى هَذا وذَاك وهَذا. وهُنَا أقُولُ... وأَمَّا دُونَالد ترامب، أَو لُورَنس العَرَبِ القَدِيمُ الجَّدِيدُ، فَإِنْ حَكَمَ وأَطَالَ وحَكَمَ وأَطَالَ ثُمَّ أَطَالَ، فَإنَّ بِلادَ العَرَبِ والشَّرْقَ والغَرْبَ مَعَهُ سَوْفَ يَتَغَيَّرُ رَأْسَاً عَلى عَقِبٍ، وتَقَعُ "أحْداثٌ" قَدْ "تُعِيدُ" النَّبْضَ لِقُلُوبِ العَرَبِ، ومِنْ غَرَابَتِهَا وسُرْعَةِ حُدُوثِهَا وشِدَّةِ وَقْعِهَا فإنَّ مُرْشِدَ إيرانَ قَدْ يَبْكِي ويَتَحَيَّرَ. ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ! خَاصَّةً عِندمَا يَبْدَأُ ترامب بِالتَّهْدِيدِ والضَّرْبِ -- والضَّرْبُ سَيَكُونُ بَرَّاً وبَحْرَاً وجَوَّاً فَوْقَ الحِزَامِ وتَحْتَ الحِزَامِ فِي إِيرَانَ والعِرَاقِ واليَمَنِ ولُبْنَانَ وسُوريَةَ وفِلِسْطِينَ فِي "المَضِيقِ" والطَّرِيقِ والدَّرْبِ. ورَغْمَ رَفْضِ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ "المُحِبَّةِ لِإِيرَانَ والنَّاقِمَةِ عَلى يَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لِسِيَاسَاتِ ترامب "الكَارِهِ لِإِيرَانَ والمُحِبِّ لِيَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لَكِنَّهُ سَوْفَ يُغَرِّدُ "لَيْلاً" خَارِجَ السِّرْبِ. وترامب هُوَ رَجُلٌ مُفَاجِئٌ ومُبَاغِتٌ، والرِّبْحُ والخَسَارَةُ هِيَ لَهُ بَوْصَلَةٌ ومِيزَانٌ، وهُوَ عاشِقٌ لِلأقْوِياءِ وأَصْحَابِ النَّفْطِ ومَالِكِي البَرَامِيلِ وسَاسَةِ الإِنْفِتَاحِ والتَّطْبِيعِ مَعَ إِسْرَائِيلَ وزُعَمَاءِ "التِّجَارَةِ" فِي كُلِّ البُلْدَانِ -- يَعْشَقُ النَّارَ لكِنَّهُ يَكْرَهُ الحَرْبَ -- ويَكْرَهُ الأَحْزَابَ والسِّيَاسَةَ ومُعَادَلاتِهَا وتَعْقِيدَاتِهَا والتي، بِعَكْسِ شَخْصِيَّتِهِ وعَقْلِيَّتِهِ كَرَجُلِ أَعْمَالٍ، تَعْتَمِدُ عَلى التَّعْقِيدِ والمَلَلِ والوَقْتِ والإِنْتِظَارِ والإِعْتِمَادِ عَلى الأَقْدَارِ والزَّمَانِ. والدَّوْلَةُ العَمِيقَةُ "تَحْتَ" البَيْتِ الأَبْيَضِ وحَدِيقَتِهِ قَدْ تَحْتَارُ فِي أَمْرِهِ -- فَإِنْ نَجَحُو، أَيْ فُرْسَانُ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ، فِي قَتْلِهِ ورَفَضُوهُ وإِخْتَارُو الدِّيمُقرَاطِيِّينَ "الضُّعَفَاءَ" فَإِنَّ أَمريكا سَوْفَ تَحْتَرِقُ والغَرْبُ سَوْفَ يَنْتَهِيَ ويَيْقَى الشَّرْقُ "فَوْضَوِيَّاً" فِي أَحْضَانِ العَرَبِ ورُوسِيَا وإِيرَانَ - وأَمْرُهُم "فَوْضَى" بَيْنَهُم! وإِنْ "فَشِلُو فِي إِغْتِيَالِهِ" وإِنْتَخَبُوهُ وإِخْتَارُوهُ وسَلَّمُو مَفَاتِيحَ أَمريكا "كُلَّهَا" إِلى الجُّمهُورِيِّينَ فَإِنَّ الشَّرْقَ سَوْفَ يَحْتَرِقُ وأَمريكا تَعُودُ بِقُوَّةٍ ويَبْقَى الغَرْبُ ضَعِيفَاً والعَرَبُ فِي أَمَانٍ - وأَمْرُهُم "شُورَى" بَيْنَهُم! لكِنَّهُم، أَيْ الفُرْسَانُ، فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ، سَوْفَ يَخْتَارُوهُ لِتَبْقَى أَمريكا "آمِنَةً" وتَكُونَ أُوروبّا "ضَعِيفَةً" ورُوسيَا "مُنْتَصِرَةً" وإِيرَانُ "بَائِسَةً" والميلشيَاتُ "خَائِفَةً" وبِلادُ العَرَبِ والمَالِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ وحُكُومَاتِهَا "مُنْتَشِيَةً" ورُءُوسُ الأَمْوَالِ "شُجَاعَةً" ولَنْ يَخَافَ رَأْسُ المَالِ ولَنْ تَعُودَ السُّفُنُ حَائِرَةً، وسَوْفَ تُحَلِّقُ الطَّائِرَةُ، وسَوْفَ تَعْبُرُ البَاخِرَةُ، والتُّجَّارُ وأَصْحَابُ المَالِ سَوْفَ يَفْرَحُونَ بِالأَخْبَارِ، ويَرْقُصُونَ مَعَ ترامب "المُخَلِّصِ المَعْبُودِ" والجَّمِيلَةِ إِيفَانكا "وَزِيرَةِ المُسْتَقْبَلِ المَعْهُودِ" رَقْصَةَ الإِنْتِصَارِ، ورَقْصُهُم يَسْتَمِرُّ فِي اللَّيْلِ والنَّهَارِ!! وعَصْرُ دُونَالد ترامب سَوْفَ يَكُونُ كَابُوسَاً "حَقِيقيَّاً" عَلى عَاشِقِي عِمَامَاتِ "النَّجَفِ" وقُمَّ وطَهْرَانَ! وكَرِيمَةُ ترامب "الحَسْنَاءُ" سَيَكُونُ لَهَا الرَّأْيُ والكَلِمَةُ والقَرَارُ والشَأْنُ، فِي أَحْوَالِ العِرَاقِ وسُوريَةَ واليَمَنِ وإِسْرَائِيلَ والشَّرْقِ ولُبْنَانَ، وخَاصَّةً لُبْنَانَ! خُلاصَتِي، أَنَّ دُونَالد ترامب هُوَ "مِسْمَارُ جُحَا" فِي نَعْشِ الإِرْهَابِ!! إِنْتَهَى!! وأَعُودُ دائِمَاً إلى الثَّمانينيَّاتِ...، ومَرّتْ سَنَواتٌ، وأنتَصَرَ العِراقِيّونَ فِي عامِ 1988 بِدِماءِ العِراقِيّينَ وأمْوالِهِم وأمْوالِ "بَعْضِ" المُخْلِصينَ مِنَ العَرَبِ، رَغْمَ خِيانةِ "بَعْضِ" المُنافِقينَ مِنَ العَرَبِ! وكانَ الإِنْتِصَارُ الصَّعْبُ فِي شَهْرِ آبٍ أَغُسْطُسَ وهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنَ سَنَةِ العِرَاقِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَرْضِهِ الزَهِيَّةِ وأُصُولِهِ الآشُورِيَّةِ السُّرْيَانِيَّةِ. وأُعْلِنَ بَيَانُ "النَّصْرِ" بِالصَّوْتِ المُرَادِ، وتَجَرَّعَ الخُمَيْنِيُّ السُّمَّ وأَعْلَنَ وَقْفَ القِتَالِ وبَكَى الإِيرَانيُّونَ ورَقَصَ العِرَاقِيُّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ "العَظِيمِ" فِي البُيُوتِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ وأُزِيلَتْ رَايَاتُ الحِدَادِ، وأُطْلِقَ الرَّصَاصُ فِي الهَوَاءِ والسَّمَاءِ، فِي أَيَّامِ أَغُسْطُسَ وكانَ عَدَدُ أَيَّامِهِ 31 يَوْماً مِنَ الرَّقْصِ والفَرَحِ والغِنَاءِ. وحَصَلَ بَعْدَهَا تَقَارُبٌ "نادِرٌ" بَيْنَ العِرَاقِ ودُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ والعَرَبِ وكانَتْ أَوْقَاتُ إنْسِجَامٍ وصَفَاءٍ، أو هُدُوءٍ يُحَذِّرُ بِعَاصِفَةٍ مَا، وتِلْكَ العَاصِفَةُ كانَتْ... لَعْنَةُ الكُوَيت!! وأمّا صَدّام فَقَدْ أرَادَ بِناءَ العِراقِ بَعْدَ الحَرْبِ وأرَادَ إرْضَاءَ وإغْناءَ العِراقيّينَ الذينَ تَبَرَّعُو بأبْنائِهِم وأمْوالِهِم وحُلِيهِم لِلحَرْبِ التي قَتَلَتْ نِصْفَ مِليونٍ وأكْثَرَ، لكِنَّ الخَزينَةَ فارِغَةٌ والمَالُ إخْتَفى! وحَدَثَ خِلافٌ "شَخْصِيٌّ" بَيْنَ العِرَاقِ أو تَحْدِيدَاً "صَدّام حسين" والكُوَيتِ والخَلِيجِ أو تَحْدِيدَاً "الأُمَرَاءِ والمُلُوكِ" عَلى التأريخِ والأَحْدَاثِ والنَّفْطِ ودُيُونِ الحَرْبِ والمَالِ والبَنِين -- وهِيَ فُرْصَةٌ لِلأَمرِيكِيِّينَ -- فَنُصِبَ الكَمِينُ، ورَنَّ الهاتِفُ فِي مُنْتَصَفِ الليْل، وتَمَّ إيقاظُ الشَّيْخِ الكَبيرِ، وقالَ لَهُ الشّابَُ الصَّغيرُ "البَيتُ الأبيَضُ يَتّصِلَ يَا عَمُّ" وجَاءَ الأمْرُ مِنَ زَعِيمِ البَيْتِ الأبْيَضِ وقالَ "إسْمَعْ يا شَيْخ، إسْمَعْ يا صَاحِ، حَانَ وَقْتُ النَّفْطِ والتِّجَارَةِ والرِّبْحِ والخَسَارَةِ وعليْكَ تَغْيِيرُ السِّعْرِ، وهَذا أَمْرٌ، فَصَدّامُ عَلى إيرانَ قَدْ إنتَصَرَ، وهَذا عَلَيْكَ وعَلى أصْحَابِكَ وإسرائيلَ خَطَرٌ، وتَذَكَّرْ، قالَها عبدُ الكريم قاسِم قَبْلَ صَدّام أنَّ الكُوَيتَ جُزْءٌ مِنَ العِراقِ وهذا قَدَرٌ،" وهَكذا، إنْتَهَى الإتِّصَالُ وجَاءَ القَرَارُ وبَدَءَ كابُوسٌ آخَرُ، وأرْتَعَبَ الأمِيرُ ونَادَى الشّيوخَ والوِرْعانَ، ونُفِّذَ أمْرُ الأَمريكانِ! وأبْتَلَعَ العِراقُ وقَبْلَهُ العَرَبُ الطُّعْمَ وسَمِعَ صَدّامُ "كَلِمَاتٍ" أَخِيرَةً مِنَ الشَّيْخِ فَحَلَّ بِهِ وعَلَيْهِ الغَضَبُ...، وصَدّامُ إذَا غَضِبَ! وأتّصَلَ البَيْتُ الأبيَضُ بالطَّرَفَيْنِ وقالَ مَا قالَ مِنَ البَيْتِ، وخُدِعَ الطَّرَفَانِ وجَرَى إِتِّصَالٌ أَخِيرٌ وقِيلَ فِيهِ كَيْتٌ وكَيْتٌ، وصُبَّ عَلى النّارِ الزَّيْتُ، وهَكذَا، إِختَلَفَ العَرَبُ وأَجْتَمَعَ العَرَبُ، وأَفْتَرَقَ العَرَبُ وتآمَرَ العَرَبُ، وهُزِمَ الصَّبْرُ وغَابَتْ الحِكْمَةُ وأَنْتَصَرَ الغَضَبُ، ومَرَّةً أُخْرَى، بَدَأَتْ الحَرْبُ! وفِي لَمْحِ البَصَرِ، أحْتَلَّ الحَرَسُ الجُّمْهورِيُّ الكُوَيتَ فِي سَنَةِ 1990 وفِي يَوْمَيْنِ إنْتَصَرَ، وهَرَبَ مَنْ تَبَقَّى مِنَ "الجَّيْشِ" الكُوَيْتِيِّ إِلى بِلادِ الجِّوَارِ ولا مَفَرَّ. وكانَ غَزْوُ الكُوَيتِ فِي السّياسَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والإجْتِماعِ السّياسِيّيْنِ تَهَوُّرٌ وخَطِيئةٌ وخَطأٌ جَسِيمٌ وبَابُ جَحِيمٍ فُتِحَ عَلى بِلادِ النَّهْرَيْنِ مِنَ الحَجَرِ إِلى البَشَرِ. وبَعْدَ مُبادَراتٍ ومُحَاوَلاتٍ وإتِّصَالاتٍ وتَهْدِيدَاتٍ وشُرُوطٍ هُنَا وهُنَاكَ مِنْهَا أَوْهَامٌ ومِنْهَا أَحْلامٌ، كانَ مَا خُطِّطَ وكانَ، وبَدَأَتْ الحَرْبُ فِي سَنَةِ 1991 بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ مِنْ جِهَةٍ وصَدّام حسين وقُوَّاتِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وأَطْلَقَ صَدّام صَوَارِيخاً عَلى إِسْرائيلَ وهُنَا وهُنَاكَ، لكِنَّ النَتِيجَةَ حَتْمِيَّةً ومَعْرُوفَةً وهُزِمَ العِرَاقُ وأُخْرِجَ مِنَ الكُوَيت. وقَبِلَ صَدّامُ سَحْبَ المُتَبَقِّيَ مِنْ قُوَّاتِهِ مِنَ الكُويتِ، وبَدَأَ شَبَابُ العِرَاقِ بالعَوْدَةِ إلى الوَطَنِ والبَيْتِ، لكِنَّ الشَّيْخَ أصَابَهُ فيرُوسُ الحِقْدِ وهُوَ فِيرُوسٌ مُمِيتٌ، فَطَلَبَ مِن الرّئيسِ بوش الأبِ قَتْلَ العِراقيّينَ وهُمْ يَنْسَحِبُونَ!! رَفَضَ بوشُ أوّلاً "بَإبْتِسَامَةِ الكاوبُوي" وقالَ لَهُ "يَا صَدِيقِي، يا شَيْخ، إِنَّ العُرْفَ العَسْكَرِيَّ ضِدَّ هَذا، والعالَمُ سَوفَ يَرَى ومَعَهُ الدُّنْيَا، والجَّيْشُ العِراقِيُّ يَنْسَحِبُ وهَذا يَعْنِيَ بَدْءُ السّياسَةِ وإنْتِهاءُ الحَرْبِ، وقَدْ كانَ مَا كانَ وحَصَلْنَا عَلى مَا أَرَدْنَا، فَلِمَ المُبَالَغَةُ؟!" لكِنَّ الشَيْخَ أصَرَّ، والحِقْدُ، كالحُبِّ، أعْمَى! وهَكذا، قُدِّمَتْ المَلايينُ والهَدَايا، وعِنْدَهَا، غَنَّتْ المَلايينُ ورَنَّمَتْ... والعُيُونُ لِسِحْرِ الدُّولارِ لَمَعَتْ، وكانَ مَا كانَ، وأُمِرَ الصَّحَفيّونَ بالرَّاحَةِ والخُلُودُ، وحَلَّ عَلى الأحْبارِ والأقْلامِ الرُّكودُ، وكانَتْ المَجَازِرُ وقُتِلَ الآفُ الجُّنُودِ، ودُمِّرَ جَيْشُ العِراقِ ذُو البَأْسِ المَعْهُودِ، ورَقَصَ لِهَذا مَلالِيَ الجَّهْلِ والنِّفَاقُ، والعَرَبُ والغَدْرُ والشِّقَاقُ! والخَاسِرُ الوَحِيدُ مِنْ رَقْصَةِ الشَّيْطَانِ هَذِهِ هُم العَرَبُ، وأَنْتَصَرَتْ مَلالِي إيرانَ وشُفِيَ غَلِيلُهَا، ولَمْ تَكْتَفِي بِالرَّقْصِ والفَرَحِ، بَلْ "سَرَقَتْ" وإحْتَفَظَتْ بِطائِرَاتِ العِرَاقِ التي أَوْدَعَهَا "بَعْضُ مَسْؤولِي" العِرَاقِ أَمَانَةً عِنْدَ مَلالِي إيرانَ "سَلَّمَ القِطَّ مِفْتَاحَ الكَرَارِ!!" بِقَرَارٍ غَرِيبٍ وخاطِئٍ لَنْ أَصِفَهُ بِأَقَلِّ مِن "غَبِيٍّ" كَيْ أُحَافِظَ عَلى وَسَطِيَّةِ الكَلِمَاتِ ومُقْتَضَيَاتِ الأَدَبِ والعَمَلِ. وهُنَا وفِي الحَدِيثِ عَن مَلالِي النَّهْبِ والغَدْرِ أَذْكُرُ، عَلى هامِشِ الأَمْرِ، مَا حَدَثَ مِنْ فَوْضَى إجْتِمَاعيَّةٍ وإنْتِقَاميَّةٍ ونَهْبٍ وحَرْقٍ للأَسْواقِ والبُيُوتِ والعَرَبَاتِ وقَتْلٍ للأَبْرِيَاءِ وتَرْهيبٍ للعَائِلاتِ وإرْهابٍ للناسِ فِي جُنُوبِ العِراقِ -- وهِيَ الأَرْضُ التي سَكَنَهَا وإسْتَوْطَنَ فِيهَا وعَلَيْهَا الشِّيعَةُ مِنَ المُسْلِمِينَ بَعْدَ صِرَاعَاتٍ تأريخيَّةٍ -- وتَحَرَّكَ شِيعَةُ العِرَاقِ وإيرانَ فِي مَوْجَاتٍ وحَرَكاتٍ غَوْغائِيَّةٍ دَخَلُو مَعَ أَسْلِحَتِهِم مِنْ إيرانَ - مِنْهُم مِنَ والسُّجَنَاءِ الهارِبينَ مِنْ سُجُونِ المُحَافَظَاتِ الجَّنُوبِيَّةِ، مِيسَانُ والكُوتُ والنَّجَفُ وكَرْبَلاءُ...، جُلُّهُم جُهَلاءٌ، ومِنْهُم مِنْ حَاقِدِي حِزْبِ الدَّعْوَةِ الإيرَانِيِّ-العِرَاقِيِّ والميلشياتِ والعُمَلاءِ، ومُرْتَزَقَةٌ مِنْ عِراقِيِّ الجِّنْسِيَّةِ وهَجِينِيِّ الإِنتِمَاءِ، مُسْتَغِلِّينَ مَا حَدَثَ وكانَ مِنْ غِيَابٍ للقُوَّاتِ العِرَاقِيَّةِ المُنْهَكَةِ، مَعَ وُجُودِ مَحْدُودٍ لِقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَمْرِيكِيِّ هُنَا وهُنَاكَ فِي بَعْضِ مَنَاطِقِ جُنُوبِ العِرَاقِ بِالتَّنْسِيقِ مَعَ "عَدَدٍ مَحْدُودٍ" مِنْ ضُبَّاطِ الحَرَسِ الثَّوْرِيِّ الإِيرانِيِّ، كمَا جاءَ فِي تَقْرِيرٍ مُخَابَرَاتِيٍّ ألمانِيٍّ -- وهُنَا أُشِيرُ مَرَّةً أُخْرَى لِلتَحَالُفِ والتَّعَاوُنِ الوَثِيقِ والعَمِيقِ بَيْنَ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ فِي أَمْريكا وبَيْنَ مَلالِي إيرانَ الذينَ يَصْرُخُونَ "إعْلامِيَّاً" بِالمَوْتِ ِلأمْريكا أو الشَّيْطَانِ الأَكْبَرِ كَمَا يُسَمُّونَهَا!! وإِسْتَمَرَّ الغَوْغَاءُ فِي التَّخْرِيبِ والنَّهْبِ والقَتْلِ إنْتِقَامَاً لِهَزِيمَةِ إيرانَ قَبْلَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ، وفَعَلُو مَا فَعَلُو ودَمَّرُو مَا دَمَّرُو وحَرَقُو مَا حَرَقُو، وهَذِهِ مِنْ بِدَايَاتِ ونَتَائِجِ الحُرُوبِ والفَوْضَى. وسُمِّيَتْ هَذِهِ الحَرَكَةُ الغَوْغائِيَّةُ بِالإنْتِفَاضَةِ! وأُعْطِيَ لَهَا إسْمٌ إقْتَرَنَ بِإسْمِ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ السَنَةِ الإسْلامِيَّةِ لإضْفَاءِ صِبْغَةٍ إيمَانيَّةٍ وطائِفيَّةٍ، وهِيَ مِنْ عَاداتِ النِّفَاقِ والمُنَافِقِينَ ومَا حَكَى لَنَا التأريخُ عَنْهَا وعَنْهُم، وأَخْبَرَنَا أَيْضَاً بِنَتَائِجِهَا الحَتْمِيَّةِ! بَعْدَ ذَلِكَ إنْتَهَتْ تِلْكَ الفَوْضَى والعَشْوائيَّةُ والغَوْغائِيَّةُ بَعْدَ إنْسِحَابِ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ مِنَ الأَرَاضِيَ العِرَاقِيَّةِ ودُخُولِ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ والقُوَّاتِ العِرَاقيَّةِ ومِنْهَا فِرَقٌ "خاصَةٌ" يَقُودُهَا أَفْرَادٌ مِنْ عائِلَةِ صَدّام حسين والمُقَرَّبُونَ مِنْهُ، ومِنْهُم حسين كامِل، وهُوَ اليَدُ اليُمْنَى لِصَدّامَ فِي المُهِمَّاتِ الدَّمَوِيَّةِ، إذْ إنَّ هَدَفَ البَيْتِ الأَبْيَضِ آنَذَاك لَمْ يَكُن الإطَاحَةُ بِنِظَامِ الحُكْمِ فِي بَغْدَادَ أَو إحْتِلالُ العِرَاقِ بَلْ إلْحَاقُ الهَزِيمَةِ بِهِ وإِضْعَافُ حُكْمِهِ فَقَطْ، وهِيَ مَا يُعْرَفُ بِسِيَاسَةِ الأَسَدِ الجَرِيحِ. وهَكذَا، ومَرَّةً أُخْرَى، هَرَبَ مَنْ هَرَبَ وقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وأُسِرَ مَنْ أُسِرَ وسَالَتْ الدِّمَاءُ فِي أَرْضِ الدِّمَاءِ! وهَكذا، هُوَ العِرَاقُ، وهُمْ شِيعَةُ العِرَاقِ، وهَيَ أَمْطَارُ السَّمَاءِ وأَنْهَارُ الدِّمَاءِ... دِمَاءُ المَلِكِ فيصَلِ الثّانِي الذي قُتِلَ ظُلْمَاً قَبْلَ سِنِين، ولَعْنَةُ الظُّلْمِ لا زَالَتْ تُلاحِقُ العِرَاقِيّينَ! وعَادَ الهُدُوءُ إلى أَرْضِ الشِّقَاقِ "بِإسْتِثْنَاءِ شَمَالِ البِلادِ" والمُؤَامَرَاتُ تَسْتَمِرُّ، ومَعَهَا الحِصَارُ مِنَ الغَرْبِ والعَرَبِ! ونَشَطَتْ "المُعَارَضَةُ" العِرَاقِيَّةُ وعُمَلاءٌ هُنَا وهُنَاكَ فِي لَندَنَ وكَيْنُونَاتٍ أُخْرَى فِي أُورُوبّا وأَمرِيكا ومَعَهَا بَرَامِجٌ مِنْ إذأعاتٍ أُخْرَى كَصَوْتِ العِرَاقِ "الحُرِّ" ومُؤتَمَرَاتٍ وجَلَسَاتٍ صُغْرَى وكُبْرَى. وحَصَلَتْ مُحَاوَلاتٌ إنْقِلابِيَّةٌ مِنْهَا سِرِّيَّةٌ ومِنْهَا عَلَنِيَّةٌ لكِنَّ المُخَابَرَاتِ العِرَاقِيَّةَ "وكانَتْ نَشِطَةً وقَوِيَّةً" مَعَ "الصُّدَفِ والأَقْدَارِ" أَحْبَطَتْ تِلْكَ المُحَاوَلاتِ. ودَخَلَ الكُرْدُ عَلى خَطِّ الشِّقاقِ رَغْمَ أنَّهُم "الوَحِيدُونَ" مِنْ أكْرادِ أو كُرْدِ الشَّرْقِ الذينَ كانُو يَوْمَاً مَا يَتَمَتَّعُونَ بالحُكْمِ الذَاتِيِّ. وبَدَأَتْ صِرَاعَاتُ "آلِ" طالباني وبارزاني والحِزْبَيْنِ، إذْ هُمْ تارَةً يُحِبُّونَ صَدّامَ وتارَةً يَكْرَهُوهُ، وتارَةً يَتَحالَفونَ مَعَ إِيرانَ فَيَشْتِمُو صَدّامَ وفِي الجِّبَالِ يُقاتِلُوهُ، ثُمَّ تَحِينُ السَّاعَةُ وتَتَغَّيرُ حِسَاباتُهُم فَيُقاتِلُو إِيرانَ ومُرْشِدَ إِيرانَ يَسِبُّونَ، ومِنْ إِيرَانَ بِالغَازِ السَامِّ "الذي إشْتَرَتْهُ مِنَ الوُسَطَاءِ" يُضْرَبُونَ، فيَنْدَمُونَ ويَعُودُونَ، ومَعَ صَدّام مَرَّةً أُخْرَى يَتَحَالَفُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَخْتَلِفونَ، وعَلى سُلْطَانِ الشَّمَالِ والثَرَوَاتِ يَتَقَاتَلُونَ، ثُمَّ يَتَّصِلَ أحَدُهُم بِصَدّام "مَرَّةً أُخْرَى" ويَتَّفِقُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَتَصالَحُ الحِزْبَان وبَعْدَهَا يَتَقاتَلونَ، وصَدّامُ يَصْرُخُ "يَا صَبْرَ أيُّوب، فَهُمْ فِي النِّهَايَةِ عِراقِيُّونَ،" وهكذَا دَوّخِينِي يَا لَمُونَة!! وأَمَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالهُجُومِ عَلى مَدِينَةِ حَلَبجَة -- وهُوَ قَضَاءٌ مُرْتَبِطٌ إِدَارِيَّاً بِمُحَافَظَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ فِي شَمَالِ العِرَاقِ ويَقَعُ عَلى بُعْدِ حَوَالي 240 كم شَمَالِ شَرْقِ العَاصِمَةِ العِرَاقِيَّةِ بَغْدَادَ و 14 كم فَقَط مِنَ الحُدُودِ مَعَ إِيرَانَ عِنْدَ سَفْحِ مِنْطَقَةِ هُورامَان الجَبَلِيَّةِ عَلى الحُدُودِ الإِيرَانِيَّةِ العِرَاقِيَّةِ -- فَقَدْ كانَ هُجُومَاً عَسْكرِيَّاً بِالأَسْلِحَةِ الكِيميَائِيَّةِ ضِدَّ العِرَاقِيِّينَ الأَكْرَادِ فِي سَنَةِ 1988 والأَيَّامِ الأَخِيرَةِ مِنْ حَرْبِ الثَّمَانِ سَنَوَاتٍ. وجَاءَ الهُجُومُ بَعْدَ 48 سَاعَةٍ فَقَطْ مِنْ سَيْطَرَةِ القُوَّاتِ الإِيرَانِيَّةِ عَلى المَدِينَةِ. وقَدْ خَلُصَ تَحْقِيقُ الأُمَمِ المُتَّحِدَةِ إِلى إِسْتِخْدَامِ غَازِ الخَرْدَلِ السَّامِّ فِي الهُجُومِ إِلى جَانِبِ مُهَيِّجَاتٍ عَصَبِيَّةٍ غَيْرِ مَعْرُوفَةٍ حِينَهَا. وأَمَّا التَّقْرِيرُ الخَاصُّ فَقَدْ أَثْبَتَ ضُلُوعَ القُوَّاتِ الإِيرَانِيَّةِ فِي الهُجُومِ عَلى القُرَى الكُرْدِيَّةِ وإِسْتِخْدَامِهَا لِغَازَاتٍ سَامَّةٍ كانَتْ قَيْدَ الإِخْتِبَارِ فِي المَصَانِعِ والمَعَامِلِ الإِيرَانِيَّةِ وقَيْدَ الإِسْتِخْدَامِ فِي سَاحَاتِ المَعْرَكةِ شَمَالِ العِرَاقِ -- ونُسَخٌ مِنَ التَّقَارِيرِ الخَاصَّةِ بِتَفَاصِيلِهَا السِّرِيَّةِ حُفِظَتْ فِي خَزَائِنِ مُخَابَرَاتِ الدُّوَلِ الأُورُوبيَّةِ. وتَمَّ "إِعْلامِيَّاً" إِتِّهَامُ الجَّيْشِ العِرَاقِيِّ والرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ الرَّاحِلِ صَدّام حسين وتَحْدِيدَاً إِبْنِ عَمِّهِ عَلِي حَسَن المَجِيدِ لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ وظَرْفِيَّةٍ، فِيمَا تَمَّ غَضُّ الطَّرْفِ عَنِ إِتِّهَامِ إِيرَانَ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ وإِقْتِصَادِيَّةٍ وبِأَمْرٍ مُبَاشِرٍ مِنَ البَيْتِ الأَبْيَضِ -- كمَا جَاءَ فِي التَّقْرِيرِالسِّرِّي. وهُنَا أَقُولُ، إِنَّ القَادَةَ الكٌرْدَ كانُو يَعْلَمُونَ يَقِينَاً بِقِيَامِ القُوَّاتِ الإِيرَانِيَّةِ بِضَرْبِهِم وإِبَادَةِ الآلافِ مِنَ الأَطْفَالِ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ والأَبْرِيَاءِ لكِنَّهُم قَامُو بِإِخْفَاءِ الأَمْرِ لِأَسْبَابٍ عِدَّةٍ مِنْهَا تَهْدِيدَاتٍ إِيرَانِيَّةٍ وإِتِّفَاقِيَّاتٍ أَمْنِيَّةٍ وسِيَاسِيَّةٍ وإِقْتِصَادِيَّةٍ شَهِدَتْ الكوَالِيسُ الأَلْمَانِيَّةُ عَلى بَعْضٍ مِنْهَا! وأَقُولُ، بِأَنَّ السَّيِّد مَسْعُود بَرزَانِي كانَ قَدْ هَمَسَ لِصَدّام حسين بِعِلْمِ الأَكْرَادِ بِالجَرِيمَةِ الإِيرَانِيَّةِ لكِنَّ الأَمْرَ لَيْسَ فِي مَقَامِ الإِعْتِرَافِ لِلشَّعْبِ الكُرْدِيِّ ومَقَالِهِ -- وأَمَّا تَعِلِيقُ صَدّامَ عَلى ذَلِكَ فَكانَتْ تَحْدِيدَاً "خَلَص... إِنْتَهَتْ الحَرْبُ، ورَحِمَ اللهُ الجَّمِيعَ، والمُهِمُّ هُوَ سَلامَةُ العِرَاقِ... خِير إِنْ شَاءَ اللهُ... هَيْنَه" وكانَ ذَلِكَ فِي لِقَاءٍ خَاصٍّ جَمَعَ الإِثْنَيْنِ فِي التِّسْعِينيَّاتِ. ومَنْ يَخْتَصُّ أَكادِيمِيَّاً فِي العُلُومِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ بِكُلِّ فُرُوعِهَا أَو مَفَاصِلِهَا -- عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والعُلُومِ الإِنْسَانِيَّةِ والإِقتِصَادِ والسِّيَاسَةِ والتأرِيخِ واللاهُوتِ والقَانُونِ واللُّغَاتِ والإِتِّصَالِ وغَيْرِهَا فِي تَطَوُّرِ العُلُومِ والإِنْسَانِيَّاتِ -- فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْنِيَ كلِمَاتِهِ ومَعَانِيهِ عَلى صُلْبِ الحَيَاةِ والصُّلْبِ مِنَ التأرِيخِ والأَحْدَاثِ وأَسَاسِ الحَقِيقَةِ. وكانَ مَا كانَ، حَتّى إسْتَقَرَّ الأمْرُ "رُبَّمَا" فِي الشَّمَالِ وسُمِّيَ كُردِسْتَان. والشَّمَالُ يَتَأرْجَحُ بَيْنَ الوَطَنِ الواحِدِ وحِلْمِ الإسْتِقْلالِ، لكِنَّ الإسْتِقْلالَ دُونَ نَفْطِ كركوكَ إنْتِحَارٌ سِياسِيٌّ، وقُوَّةُ الإقْتِصَادِ لِتَأْسِيسِ الأوْطَانِ شَرْطٌ أسَاسِيٌّ، والأَعْدَاءُ فِي كُلِّ إِتِّجَاهٍ كَثيرُونَ، أردوغانَ وسُوريَةُ وإيرانَ، وعَرَبُ العِرَاقِ وشِيعَتُةُ حَانِقُونَ، وكُلُّهُم لِأَحْلامِ الكُرْدِ رافِضُونَ، إلاّ إذَا دَخَلَ عَلى الخَطِّ العالَمُ "الخَاصُّ" وإسْرائيلُ والأَمريكان، عِنْدَهَا "يَكُونُ الصَّبْرُ هُوَ كَلِمَةُ السِرِّ" حَتّى يأتِيَ وَزِيرٌ مِنَ الشَّرْقِ ورَئِيسٌ مِنَ الغَرْبِ، فيُهْزَمَ الشِّيعَةُ وتُقَطَّعَ حِبَالُ إيرانَ، مِنْهُم هُنَا وهُنَاكَ مِنْ أَهْلِ العَرَبِ، وتَشَاءُ الأعْمَارُ والأقْدَارُ رَحيلَ أردوغانَ، بَعْدَهَا يَتَحَقَّقُ الحِلْمُ الوَرْدِيُّ، ويَكُونُ الإسْتِقْلالُ لِيُرْفَعَ عَلَمُ كُرْدِسْتَانَ وإسْرائيلَ وتُؤسَّسَ دَوْلَةُ مادِي، ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ المَحْتُومُ ومَا كُتِبَ، عِندَهَا يَرْقُصُ الشَّعْبُ الكُرْدِيُّ، ومَعَهُ يَرْقُصُ الشَّعْبُ الإِيزِيدِيُّ، العَاشِقُ للحَيَاةِ والسَّلامِ الأَبَدِيِّ، لِيَهِلَّ الرَّبِيعُ بَعْدَ المَطَرِ، لِنَسْمَعَ المُوسِيقَى فِي ضَوْءِ الصَّبَاحِ عِنْدَ الفَجْرِ، وهَذا فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ والّلاهُوتِ قَدَرٌ مَكْتُوبٌ، وفِي عِلْمِ السِّياسَةِ والإجْتِمَاعِ أمْرٌ مَطْلُوبٌ... هِيَ مَسْألَةُ وَقْتٍ لَيْسَ إِلاّ. أَعُودُ إلى العِراقِ وبِدَايَةِ التِّسعينيَّاتِ وتَسَلْسُلِ الأحْداثِ بَعْدَ "خَطيئَةِ" غَزْوِ الكُوَيتِ... وجَاءَ زِيرُ النِّساءِ الرَّئيسُ كلينتون الذي كانَتْ يَدُهُ اليُمْنى بَيْنَ أفْخَاذِ النِّساءِ، واليُسْرى عَلى زِرِّ الصّواريخِ لِيُطْلِقَها بَيْنَ الحِينِ والحِينِ ويَقْتُلَ مِنَ العِراقيّينَ مَنْ يَشَاءَ، فَقَتَلَ فَنّانينَ ورَسّامينَ وإعْلاميّينَ وطُلاّباً فِي المَلاجِيءِ والبُيُوتِ آمِنينَ. وأسْتَمَرَّ الحِصَارُ، ومَرّتْ سَنَواتٌ والزّّمَانُ دَارَ، والفُقَراءُ مِنَ العِراقِ يُعانُونَ ويَبيعُونَ ويَشْتَرونَ ويُتاجِرونَ، والأغْنِياءُ مِنْهُ والمَسْؤولونَ بأَعْيادِ المِيلادِ يَحْتَفِلونَ، والرَّصاصَ فِي الهَوَاءِ وداخِلِ القاعاتِ فَرَحاً وتَحَدِّياً يُطْلِقُونَ. وعَوَائِلٌ وعائِلاتٌ أُخْرَى لا شَأْنَ لَهَا بِهَذا وذاكَ هُمْ فَقَط ْيَعِيشُونَ وعَلى الإثْنَيْنِ يَتَفَرَّجُونَ، والجَّميعُ بالقَليلِ رَاضُونَ، فالأَهمُّ عِنْدَ العِراقِيّينَ "شَعْبِ أبُو شَعْلَيّة" هُوَ الأمْنُ والأمَانُ، والعِراقِيّونَ آمِنونَ. لكِنَّ الشّيطانَ يَرْقُصُ مِنْ بَعيدٍ، وحَكَمَ بوشُ الإبْنُ وهُوَ راعِي البَقَرِ، وشَرِكاتُ نَفْطِهِ فِي تِكْساسَ تَخْسَرُ، والعُمَلاءُ والجُهَلاءُ والخَوَنَةُ فِي الشَّرْقِ والغَرْبِ مَعَ الشّيْطانِ يَرْقُصُونَ، بِأَمْوالِ العِراقِ طامِعُونَ، والإنْتِقامَ يُرِيدُونَ، وجُلُّهُم بالهَوَى إيرانيّونَ، أو عِراقِيّو الجِّنْسِيَّةِ مُغْتَرِبُونَ، فِي الفَسَادِ والأحْقَادِ يَتَنافَسُونَ. ثُمَّ جَاءَتْ بِدايَةُ النِّهايَةِ...، وجَاءَتْ سَنَةُ 2003، وَقَرّرَ الرّئيسُ الأَمرِيكِيُّ بوش، والذي يُنافِسُ العَنْزَةَ في غَباءِهَا -- مَعَ الإعْتِذارِ لِلعَنْزةِ البَريئَةِ لِسُوءِ المُقارَنَةِ -- تَدْمِيرَ أقْدَمِ البِلادِ فِي التأريخِ وسَرِقَةَ ثَرَوَاتِهَا، فوَادِي الرّافِدَيْنِ هُوَ الأعْمَقُ فِي حَضَارَاتِ الوُجُودِ وخَليقَةِ آدَمَ وحَوَّاءَ وكِتَابَاتِ الخُلُودِ. لكِنَّ غَزْوَ الحَضَارَاتِ "وخَاصَّةً حَضَارَةً كالعِرَاقِ لَهَا مَا لَهَا" يَحْتَاجُ إِلى أَكاذِيبٍ أَشْبَهِ بِالحَقَائِقِ المُجَرَّدَةِ، فالإِعْتِرَاضَاتُ فِي كُلِّ بِلادِ الأَرْضِ والمُظَاهَرَاتُ أَكثَر، والشُّعُوبُ تَعْلَمُ أَنَّ ثَرَوَاتِ العِرَاقِ هَدَفٌ لِشَرِكاتِ الرَّئِيسِ المَعْتُوهِ بوش وإِدَارَتِهِ -- وهِيَ عِصَابَةٌ تِجَارِيَّةٌ تَمْتَهِنُ السِّيَاسَةَ والتِّجَارَةَ والدِّمَاءَ -- فَكانَ التَّقْرِيرُ والتَّزْوِيرُ الذي قَدَّمَهُ حسين كامِل لِلمُخَابَرَاتِ الأَمرِيكِيَّةِ عَنْ إِمْتِلاكِ العِرَاقِ لِأَسْلِحَةِ الدَّمَارِ الشَّامِلِ "بَعْدَ هُرُوبِهِ إِلى الأُردُنِ فِي مُنْتَصَفِ التِّسعينيَّاتِ" أَسَاسَاً بُنِيَتْ عَلَيْهِ "الطَّبْخَةُ" الأَمْرِيكِيَّةُ-البِرِيطَانِيَّةُ بِأَيَادٍ عِرَاقِيَّةٍ مُلَوَّثَةٍ بِالجَّهْلِ والحِقْدِ والعَمَالَةِ والخِيَانَةِ والأَطْمَاعِ. وحَدَثَ مَا حَدَثَ، وبَدَأَ غَزْوُ العِرَاقِ، ومَرَّةً أُخْرَى، وحَرْبٌ أُخْرَى، وأَقْدَارٌ أُخْرَى. وقَالَ الجّيْشُ الأمريكِيُّ كَلِمَتَهُ وإِنْتَصَرَ ودَخَلَ بَغْدادَ، ورَفَعَ أعْلامَهُ وأوْهَامَهُ وحَطَّمَ تَمَاثِيلَ صَدّام حسين ودَمَّرَ أَحْلامَ العِرَاقِيِّينَ ودَمَّرَ مَعَهَا بَغْدادَ. وسُلَّمَ العِراقُ لِإيرانَ عَلى طَبَقٍ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، والعِرَاقُ ذَهَبَ، ودُمِّرَ العِرَاقُ حَسَبَ الإِتِّفاقِ بَيْنَ بِلادِ العَمِّ سَامّ وبِلادِ العَمِّ فَارِسَ، وسَادَ وحَكمَ عُمَلاءُ المَلالِيَ وهُم أَهْلُ العُفُونَةِ والجَرَبِ. وبَدَأَ البَحْثُ عَنِ الأَوْهَامِ -- أَسْلِحَةِ الدَّمَارِ الشَّامِلِ -- فَالعَالَمُ يُرَاقِبُ والفَضِيحَةُ تَدُقُّ البَابَ. وكمَا كانَ ويَجِبُ أَنْ يَكُونَ، لَمْ يَجِدُو شَيْئَاً يُذْكرُ إِلاّ مَا غَنَّاهُ العَنْدَلِيبُ الأَسْمَرُ فِي رَائِعَةِ زَيّ الهَوَى "وأَتَارِينِي، مَاسك الهَوَى بِإِيدَيّة مَاسك الهَوَى، وآه من الهَوَى يَا حَبيبي،" لكِنَّهُم وَجَدُو شَيْئَاً أَخْطَرَ مِنَ الأَسْلِحَةِ النَّوَوِيَّةِ، إِذْ وَجَدُو كِتَابَ "الأَرْبَعُون فِي مَبَانيَ الإِسْلامِ وقوَاعِدِ الأَحْكامِ" المَعْرُوفَةِ بِ "الأَرْبَعُون النَّوَوِيَّةُ" لِلفَقِيهِ والمُحَدِّثِ المُسْلِمِ يَحْيَى بِن شَرَف النَّوَوِيّ، لِيَصْرُخَ البَاحِثُ عَنْ جَهْلِهِ والمُكْتَشِفُ لِغَبَائِهِ "وَجَدْتُهَا، وَجَدْتُهَا، إِنَّهَا البُشْرَى يَا قَوْم، لَقَدْ وَجَدْتُ الأَسْلِحَةَ النَّوَوِيَّةَ... أُنْظُرُو، إِنَّهُ مَكْتُوبٌ... أَرْبَعُونَ سِلاحَاً نَوَوِيَّاً!" لِيَكُونَ هذَا "الإِكْتِشَافُ العَظِيمُ" خَبَرَ السَّاعَةِ ونُكْتَةَ الزَّمَانِ فِي كُومِيديَا السَّوَادِ فِي قَتْلِ العِبَادِ وتَدْمِيرِ البِلادِ مِن أَجْلِ سَرِقَةِ النَّفْطِ والثَّرَوَاتِ. كانَ مَا كانَ... وحَانَ الوَقْتُ وحَانَتْ السَّاعَةُ، والأهمُّ هُوَ تَدْميرُ الجّيْشِ العِراقِيِّ، وَتَدْميرُهُ هُوَ حُلُمٌ إيرانِيٌّ، والجَّيْشُ العِراقِيُّ كابُوسٌ فارِسِيٌّ، والتَخَلُّصُ مِنْ قَادَتِهِ وفِي مُقَدَّمَتِهِم سُلْطان هاشِم الذي عُرِفَ بِإخْلاصِهِ لِوَطَنِهِ وعَبْقَريَّتِهِ العَسْكَريَّةِ هُوَ شَرْطٌ للنَصْرِ الفارِسِيِّ، وإهَانَةُ فارِسَ للعِرَاقِ والعَرَبِ أمَلٌ تأرِيخِيٌّ...، وتَحَقَّقَ حُلُمُ بِلادِ فارِسَ وحُلَّ الجَّيْشُ الحَارِسُ للشَّرْقِ العَرَبِيِّ، وأصْدَرَ الأمْرَ بِذلِكَ "بَعْدَ التَّشَاوُرِ مَعَ الحَرَسِ الثَّوْرِيِّ فِي إجْتِمَاعٍ خاصٍّ" الحَاكِمُ الإدَارِيُّ بِأمْرِ البِلادِ والعِبَادِ بول بريمر، وكانَ "دبلُوماسِيٌّ" فاسِدٌ وغَريبُ الأطْوارِ وذُو عِلاقَاتٍ مُتَشَعِّبَةٍ مَعَ الكَثيرِ مِن مَافياتِ المَالِ وضُبَّاطِ المُخابَراتِ الأُوروبيّةِ والإقْليميَّةِ. وكانَ يَعْشَقُ النِّساءَ العَرَبيَّاتِ وأقامَ عِلاقَةً غَراميَّةً مَعَ إمْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ وهِيَ إحْدَى نِسَاءِ "المُعارَضَةِ" العِراقيَّةِ، رَغْمَ مُيُولِهِ الجِنْسِيَّةِ الأُخْرَى! وكانَ "يَلْعَبُ" مَعَهَا "البِلْياردَ" وهِيَ "لُعْبَةٌ" تَعْشَقُهَا "النِّسَاءُ" إذْ أنَّ فِيهَا القَليلُ مِنَ الرِّياضَةِ والكَثِيرُ مِنَ الرُّومانسيَّة! وكَتَبَ عَنْهُ أحَدُ مُعَاصِرِيهِ بَعْضَ التَّفاصِيلِ الخَاصَّةِ فِي تَقْريرٍ "خاصٍّ" وعَن إسْتيلاءِهِ عَلى مِليارِ دولارٍ مِنْ أمْوالِ المَصَارِفِ العِراقيَّةِ بِعَمَليَّةٍ "مُعَقَّدَةٍ" قامَ بِهَا مَعَ أحَدِ عُمَلاءِهِ مِنَ "المُعَارَضَةِ" العِراقيَّةِ الذي كانَ عَلى رَأْسِ مَجْمُوعَةٍ مُسَلَّحَةٍ دَخَلُو بَغْدادَ مِنْ جِهَةِ الشّمَالِ. وكانَتْ مِنْ عَشَرَاتِ المِيلشياتِ التي دَخَلَتْ الأحْيَاءَ بَعْدَ إِنْهِيَارِ بَغْدَادَ بِسَاعاتٍ. وَبَدأتْ فُصُولُ الإنْتِقامِ والقَتْلِ والنَّهْبِ والسَّلْبِ، وبَدَأَ تَمْزِيقُ العِرَاقِ...، إيرانيّونَ وإرهابِيّونَ وعُمَلاءٌ مِنَ الشّرقِ والغَرْبِ، وكُلُّ مَنْ هَبّ وَدَبّ، وجَاءَ المالِكيُّ والعامِرِيُّ والجَّعفَريُّ ومَنْ كانُو مَعَ الجّيْشِ الإيرانِيِّ فِي الثّمانِينيّاتِ يُقاتِلونَ، والعِراقِيّينَ يَقْتُلونَ، وعَلاّوي وقَنْبَرُ ومَنْ كانُو فِي "المُعَارَضَةِ" يُتاجِرُونَ، وآخَرُونَ يَكذِبونَ ويَتَآمَرونَ، ويَسرِقونَ ويَتَوافَقونَ، والمَنَاصِبَ يَشْتَرُونَ والمَقَاعِدَ يُوَزِّعُونَ! بَدَأَ عَهْدُ الغَوْغاءِ...، وإزْدَادَ غَضَبُ السّماءِ، ودُمِّرَ العِراقُ مِنَ الألِفِ إلى اليَاءِ، وسَالتِ الدّمَاءُ. وإسْتَمَرَّ الإيرانيّونَ وكارِهُو وادِي الرّافديْنِ فِي كِتابَةِ فَصْلِ الإنتِقامِ... يَنتقِمونَ مِنَ الرُقيِّ وتنوّعِ المُجتمَعاتِ والدِّينِ، مِنَ السّومَريّينَ والبابِليّينَ والآشوريّينَ وأهْلِ الدّارِ، مِنْ كِرامِ العَشائِرِ والشّيوخِ فِي الشّرْقِ والغَرْبِ والجُّنوبِ وسِحْرِ الأَهْوارِ، مِنَ الكُرْدِ وأهْلِ الشّمالِ والطّبيعَةِ والجِّبالِ، ومَزَارِعِ ديالى والبُرْتُقالِ، وسِحْرِ المُوصِلِ وجَمَالِهَا والكُبَّةِ المُوصِليَّةِ، وحَلاوَةِ اللَّهْجَةِ المُوصِليَّةِ، وزُرْقِ العُيُونِ مِنْ أجْيالٍ لِأَجْيالٍ، والمِياهِ والشَّلالِ، والمَسيحِيّينَ واليَزيديّينَ والنَّخيلِ والوَرْدِ والأَزْهارِ، مِنَ العُلَماءِ والفَنّانينَ والمُثَقّفينَ مِنَ الخّاصَّةِ والعَوَامِ، مِنَ الذينَ إنتصرُو فِي الثّمانينيّاتِ حِينَ غَنّتْ الشُّعُوبُ والطَّوائِفُ ومَلائِكةُ السّماءِ والمَقامِ، وكِبْرياءُ الليالي والأَيّامِ! 2003... العُمَلاءُ مِن عِراقِيِّ الجّنسيّةِ وإيرانِيِّ الهَوى للكُلِّ يُهلّلون، عُمَلاءٌ عِراقِيّونَ سوريّونَ يَمنيّونَ لُبنانيّونَ فِلسطينيّونَ إيرانيّون ومُرْتَزَقةٌ إرهابِيّونَ، مَن هُمْ لِبَغدادَ كارِهونَ، وال "مَلالي" يَعْبُدونَ، ومِنَ الأزْبَالِ والزُّبَالَةِ جاءُو ويأتِيَ يَوْمٌ إلى الأزْبَالِ سَوْفَ يَعُودُونَ -- فَحِكْمَةُ الزَّمَانِ قَالَتْ وتَقُولُ... مَنْ يَأتِيَ مِنَ "الأزْبَالِ" يَعُودُ إلَيْهَا وإلَيْهَا يَعُودُ، -- وأنقلبَتِ الأمُورُ، مِنَ مُجتَمَعِ الرُقِيّ والجّمَالِ، إلى مُجتَمَعاتِ الإنْحِطاطِ والأوْحالِ...! وأَعودُ بِقَلَمِي إلى سِحْرِ المَلَكيّةِ مُنْذُ أن بَدَأتْ فِي عَامِ 1921 حِينَ أشْرَقَتِ الشّمْسُ على العِراقيّينَ وغَرَّدَتِ العُصْفورَةُ البِريطانيّةُ غيرترود بيل وغَنَّتْ "لِنَبنِيَ الدّارَ،" وجَلَسَ المَلِكُ فيصَلُ الأوّلُ على عَرْشِهِ وبَدَءَ قِطارُ السّعادَةِ وبَدَءَ المِشْوارُ، وساسُون حسقيل أرْقَى وِزَرَاءِ المَاليَّةِ فِي الشَّرْقِ والدِّيَارِ -- عَبْقَرِيُّ الإدَارَةِ قَبْلَ النَّفْطِ وبَعْدِهِ، خَطَّطَ للبِنَاءِ والرَّخَاءِ والعِلاقَاتِ والقُرُوضِ قَبْلَ النَّفْطِ وخَيْرِهِ -- ثُمَّ أمْطَرَتِ السَّمَاءُ بالخَيْراتِ وإبْتَسَمَتِ الأرْضُ تَحْتَ النَّخيلِ والتُّمُورِ، وأُخْرِجَ النَّفْطُ فِي 1927 لِيَكُونَ العِراقُ سَيِّدَ الشَّرْقِ والعُصُورِ، وتَمَّ السَّدَادُ ورَقَصَ الدِّينارُ، وسَارَتْ بِسَلاسَةٍ كُلُّ الأُمُورِ، فالكُلُّ يَعْمَلُ بِجِدٍّ وسُرُورٍ، وحُبُّ الأوْطانِ أَصْلُ الإِنْسَانِ، ويَسْتَمِرُّ العَصْفُ الذِّهْنِيُّ والأَفْكَارُ، وجَاءَ نَعيم دنكور، بِحُبِّهِ لِلعِرَاقِ وشَعْبِهِ وبَغْدَادَ المَنْصُورِ، أَفْكَارٌ ومَشَارِيعٌ ومَصَانِعٌ ومَطَابِعٌ ولا زَالَ فِي الطَّرِيقِ الكَثِيرُ مِنَ الأُمُورِ، ومدرسةُ شماش ورَوْعَةٌ فِي التَّعْليمِ والرُّقِيِّ فِي حُبِّ الوَطَنِ والعُلُومِ والبِنَاءِ والإِعْمَارِ، والكُلُّ سُعَداءٌ فِي العِراقِ المَعْمُورِ، مُعَلِّمُونَ مُدَرِّسُونَ طُلاّبٌ طالِبَاتٌ وأوْلِياءُ أُمُورٍ، وأجاثا كريستي التي أحَبّتْ بَغدادَ ودِجْلَةَ والسَّلامَ والّليَالِيَ البَغْدَادِيَّةَ، والكَعْكَ وشَايَ العَصْرِيّةِ، والأَمَانَ وسَاعَاتِ المَغْرِبِيّةِ، لِتَكْتُبَ رُوايَةً عَن بَغْدادَ فِيهَا مِنَ التَّشْويقِ وجَمَالِ النّاسِ ودِجْلَةَ والبُيُوتِ والدُّورِ...، أَربعينيَّاتُ الفّخْرِ والسِّيادَةِ والغِنَى والصِّناعَةِ والزِّراعَةِ والتَّعْلِيمِ والفنِّ والأَدَبِ والرَّخاءِ، رُقِيٌّ فِي كُلِّ الأَرْجَاءِ، والمَلْوِيَّةُ وسَامَرَّاءُ، بَغْدَادُ ورَوْعَةُ العِمَارَةِ فِي سِينَما الزَّوْراءِ، والعِراقيُّونَ فِي البُيُوتِ والمَعَابِدِ والكَنائِسِ والمَسَاجِدِ بِحُرِيَّةٍ يَتَعَبَّدُونَ، والكُلُّ أَقْسَمَ بالوَلاءِ - لِيَزْدَهِرَ الوَطَنُ والبِنَاءُ، والنَّاسُ سُعَدَاءُ، والكُلُّ يَحْلُمُ فِي البَقَاءِ، يَهودٌ أَشكِنازُ وسَفاردِيُّونَ ومِزرَاحِيمٌ شَرقِيُّونَ، ومُسْلِمُونَ طَيِّبُونَ أَو مُخْتَلِفُونَ، وصَابِئَةٌ أُصَلاءٌ ومَسِيحيُّونَ مُسَالِمُونَ -- سُومَرِيُّونَ وبَابِلِيُّونَ وآشُورِيُّونَ وهُم السُكَّانُ الأَصْلِيُّونَ -- وأَغْصَانُ البَانِ، والإيزِيديُّونَ عِراقيُّونَ فَرِحُونَ، فِي شِيخانَ عَرُوسِ نَيْنَوَى، ولالش وجَمَالُ الجِّبَالِ والوُدْيَانِ، والجَّبَلُ المَقْلُوبُ والحَجَرُ والتأرِيخُ والبُنْيَانُ، نَسِيمُ مَار مَتّى فِي سَهْلِ نَيْنَوَى، والقَلْبُ لِنَيْنَوَى يَهْوَى، رَغْمَ ذلِكَ فَهُنَاكَ أحْزَانٌ، لكِنِّي لَنْ أقِفَ عِنْدَهَا الآنَ، كَيْ أبْقَى فِي فَصْلِ الفَرَحِ والنِّسْيَانِ "رَغْمَ جَرائِمِ الفَرْهودِ التي سأتَحَدّثُ عَنهَا، ولاحِقَاً عَن أسْبابِهَا...،" وأُكْمِلُ فِي فُصُولِ الرُّقِيِّ والرَّيْحَانِ، إِبْنَةُ البَصْرَةِ الحَسْنَاءُ فِكتُوريَا نُعْمَان، مُحَامِيَةٌ وإِذَاعِيَةٌ وإِعْلامِيَّةٌ لِلعِرَاقِ فَخْرٌ وعُنْوَانٌ، أَوَّلُ مُذِيعَةٍ فِي بِلادِ العَرَبِ بِنَبْرَةٍ كالنَسِيمِ وصَوْتٍ هَادِئٍ رَنَّانٍ. سُعَادُ العمريّ حَسْناءٌ لَهَا شِفَاهٌ وقَوَامٌ وعَيْنَانِ، سُبْحَانَ الخَالِقُ الجَّمِيلُ المَنَّانِ، هِيَ مِنْ أَرْضِ الموصِلِ والجِّنَانِ، سُعَادُ، مَلاكٌ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ دَاعَبَهُ هَوَاءُ المُوصلِ ونَسِيمُ إِسْطنبُولَ، أَمِيرَةٌ مُوصِليَّةٌ، حَسْنَاءٌ عِرَاقِيَّةٌ، مِعْمَارِيَّةٌ تُركِيَّةٌ "لَيْدِي" وأُنْثَى وسَيِّدةٌ حَقِيقِيَّةٌ، رَائِعَةٌ كأَبِيهَا، هُوَ جَعَلَ العِرَاقَ رَاقٍ كَأَفْكارِهِ، وهِيَ جَعَلَتْ بَغْدَادَ جَمِيلَةً كَعَيْنَيْهَا، أَثْبَتَ الرَّبُّ فِيهَا إِنَّ نِسَاءَ المُوصلِ هُنَّ النِّسَاءُ، كُلُّ النِّسَاءِ، وهُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وأَنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ هِيَ الأَحْلَى بَيْنَ لَهَجَاتِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ -- فَاللَّهْجَةُ التُّونِسيَّةُ، مَثَلاً، بِالنِسْبَةِ لِي، هِيَ مُوسِيقَى وهَمَسَاتٌ، واللَّهْجَةُ السُّورِيَّةُ أَنْغَامٌ ونَغَمَاتٌ، لكِنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ إِحْتَارَ فِي جَمَالِهَا وحَلاوَتِهَا مُوريكوني ومُوتسارت، فَسَكنَتْ القُلوبَ والأَفْئِدَةَ -- سُعَادُ أَرشَد العمريّ، كانَتْ فِي عَصْرٍ هُوَ الأَجْمَلُ بَيْنَ العُصُورِ، كانَتْ فِي نَيْنَوَى حُورِيَّةٌ بَيْنَ الحُورِ، وفِي نَيْنَوَى وُلِدَتْ حُورِيَّاتُ البَحْرِ والبُحُورِ، هكذَا حَكَى التأريخُ وقَالَ، ومَعَهُ قَالَ الزَّمَانُ المَأْثُورُ. ومَلِكاتُ الجَّمَالِ "الطَّبِيعِيِّ" والأُنُوثَةِ والدَّلالِ والنُّورِ والمَلِكَةُ الحَسْناءُ رينِيه دنكور، عِرَاقِيَّةٌ يَهُودِيَّةٌ بِدَلالٍ وأُنُوثَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ وعُيُونٍ مَلائِكِيَّةٍ ونَسَائِمٍ صِينِيَّةٍ وأَخْلاقٍ رَاقِيَةٍ، وهكذَا، وُلِدَتْ مَلِكَةٌ لِتَكُونَ مَلِكَةٌ وكانَتْ مَلِكَةٌ. إِلى حَسْناءٍ مُوصلِيَّةٍ بِشِفَاهٍ أَرْمَنِيَّةٍ ومَلامِحٍ يُونَانِيَّةٍ إِذْ كانَ فِيهَا حُسْنُ القَمَرِ، سَكَنَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا قُلُوبَ البَشَرِ، بِصَوْتٍ جَمِيلٍ كجَمَالِهَا فِي الإِبْتِسَامِ والنَّظَرِ، وشَخْصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ وأُنُوثَةٍ عَمِيقَةٍ لَمْ تُقْهَرْ، هِيَ نَجْمَةُ الغِنَاءِ والسِّينما عَفِيفَة إِسْكَندَر. سَلِيمَة مُرَادُ ومحمّد القبانجي ويُوسف عُمَر، هَيْفَاءُ حسين وزُهُور، وسِحْرُ الأغانِيَ والمَقامَاتِ فِي غَزَلِ بَدْرِ البُدُورِ -- جي مالي والي وجَمَالُ لَحْنِهَا وأَلْحَانِهَا وتَعْنِي "لأَنِّي بِدُون والِي أَو أَنَا بِلا سَنَدٍ أَو حَامٍ،" قلبَك صَخَر جَلمُود، وِنْ يَا قلَب، فراقهم بَجَّانِي، خَدْرِي الجَّاي "الشَّايَ" خَدْرِي، هَاجن جنُونِي لِولفي ودُّوني، يَا حِلو يَا بُو السِدارَة، ورَائِعَةُ عَفاكي عَفاكي عَلى فند العمَلتِينو، وبزرنگوش -- والبزرنگوشُ عُشْبةٌ مُعَمَّرةٌ بِرَائِحَةٍ زَكِيَّةٍ مِنْ فَصِيلَةِ النِّعْنَاعِ -- والأُغْنِيَةُ الجَّمِيلَةُ أَصْبَحَتْ مِنْ رَوَائِعِ الفلكلورِ والتُّرَاثِ الشَّعْبِيِّ العِرَاقِيِّ بَعْدَ أَنْ كانَتْ مُجَرَّدُ مُحَادَثَةٍ ومُزَاحٍ جَمِيلٍ مِنْ أَحَدِ وُجَهَاءِ بَغْدَادَ لِصَدِيقِهِ الذي عَادَ مِنْ إِسْطَنْبُولَ وزَارَهُ لِيَجْتَمِعَ مَعَهُ ومَعَ رُقَاةِ ذَاكَ الزَّمَانِ مِنَ الأُدَبَاءِ والشُّعَرَاءِ والسَّاسَةِ والمُطْرِبِينَ ومَعَهُ بُذُورُ البزرنگوش العِطْرِيَّةِ. وبَعْدَ أَنْ بَدَأَ بِزِرَاعَتِهَا فِي حَدِيقَةِ الدَّارِ قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وصَاحِبُ الدَّارِ مَازِحَاً "يَا صَاحِبِي يَا زَارِعَ البزرنگوش إِزْرَعْ لَنَا حِنَّةً فَالشَّيْبُ قَدْ غَزَا رُؤُوسَنَا،" وهكذَا، هُو الفَنُّ والفُنُونُ والأَزْمَانُ والنَّاسُ وجَمَالُهَا. وأُكْمِلُ رِحْلَةَ الزَّمَانِ... المَدارِسُ والمَعاهِدُ والجّامِعاتُ، والمَناهِجُ والتَّغْذِيةُ المَدْرَسيّةُ والمُسَابَقاتُ، المَطَابِعُ ورُقِيُّ المَكتَباتِ...، العُلُومُ التَّربَويَّةُ ورَئيسُ الوِزَرَاءِ محمّد الجَمَالِي، إخْلاصٌ للبِلادِ ورَمْزٌ للثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، آهٍ يا بَغْداد، يُغَنِّي لَهَا المَطَرُ وتَرْقُصُ لَهَا السُّحُبُ والسَّحَابَاتُ، ونَظَافَةُ الشَّوارِعِ والأسْوَاقِ والطُّرُقاتِ، والسَّعَادَةُ والنَّاسُ تَمْشِي وتُدَنْدِنَ، كُلٌّ أحَبَّ البِلادَ وغَنَّى بِالشَّجَنِ، حَمَامَةُ السَّلامِ فِي السَّاحَاتِ، هِيَ الأرْضُ وهُوَ الوَطَنُ، والوَطَنُ يَسْتَحِقُّ، لأَنَّهُ حَقَّاً وَطَنٌ، فَحافَظَ عَلَيْهِ أهْلُهُ فِي الرَّخَاءِ والمِحَنِ، إذْ كانُو يَفْتَخِرُونَ بِهِ أمَامَ الشُّعُوبِ والحُكُوماتِ...، والمَشارِيعُ والأفْكارُ والقُرُوضُ والتَّسْهِيلاتُ، حَلَويّاتُ الشَكَرجِي والأُورُوزدَي أَو الأُورِزْدِي وأَسْواقُ بَغْدادَ، هِيَ الأُولَى فِي بِلادِ العَرَبِ، قِطارُ الشَّرْقِ السَّريعِ وأحْدَثُ السَيّاراتِ، وأجْمَلُ المُوديلاتِ، خُطُوطُ الطَيَرانِ والطّائِراتِ، هِيَ الأُولَى فِي الخَلِيجِ وبِلادِ العَرَبِ، ورَوْعَةُ الرِّحْلاتِ والرَحَلاتِ، والجِّيرانُ طَائِراتٍ لا يَمْلِكُونَ، إلاّ عَن طَريقِ العِراقِ بالطَّائِراتِ يُسَافِرُونَ، والعِراقِيَّةُ جوزفين حَدّادُ أوّلُ نِسَاءِ الشَّرْقِ وَهِيَ للطائِرَةِ تَقُود، والجّميعُ سُعَداءٌ مُتَناغِمونَ، كُلُّهُم عِراقِيُّون -- مُسْلِمونَ مَسِيحيّونَ ويَهُودٌ -- مَلِكاتُ الجَّمالِ في خَمسينيّاتِ الرُقِيِّ المَعْهُودِ، الألقابُ الجَميلَةُ والباشا والبَاشَواتُ، والبيكُ والبَكَواتُ، والخاتونُ والخَوَاتينُ والأُنوثَةُ وجَمالُ الفُسْتانِ... هِيَ الأَرْبَعينيَّاتُ وذَاكَ سِحْرُهَا وهِيَ الخَمْسينيَّاتُ وذَاكَ جُمَالُهَا، لَكِنَّ ذَاكَ السِّحْرَ وذَاكَ الجَّمَالَ مَعَ الأَمَلِ فِي إِنْقِلابِ سَنَةِ 1958 تَلاشَى وإِنْتَهَى...! نَحْنُ فِي سِتّينيّاتِ الإنْقِلاباتِ والعُبُورِ، نِفاقُ السّاسَةِ والعَساكِرِ والمُطْرِبينَ والمُغَنّينَ والبُورِ مِنَ النّاسِ والقُلُوبِ البُورِ -- نِفاقُ نَاظم الغَزالِي الذي غَنّى للمَلِكِ الحَبيبِ فَيصَل الثَّانِي ونَادَاهُ بالنُّورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ثُمَّ غَنّى بَعِدَ ذلِكَ لِلقاتِلِ والخَائِنِ وأَمِيرِ الرُّعَاعِ عَبد الكرِيم قَاسِم وقَالَ لَهُ تِسْلَمْ يَا عَبد الكرِيم... لِلشَّعْبِ تِسْلَمْ... لَيْلُ المَظَالِمِ وَلَّى... ونَادَاهُ وهُوَ قَاتِلُ المَلِكِ "النُّورِ" بِقَاهِرِ الظَّلامِ وبَانِيَ العُصُورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ومَاتَ ولَحِقَ بِزَعِيمِهِ الخَائِنِ لِبَلَدِهِ وقَسَمِهِ وشَرَفِهِ العَسْكَرِيِّ فِي السَّنَةِ ذَاتِهَا -- بَعْدَهَا بِأَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ! هُوَ النِّفَاقُ يَا سَادَة ومَا فِيهِ مِنْ أَقْدَارٍ تُرَتِّبُهَا الأَقْدَارُ بِنَفْسِهَا! ونِفَاقُ "بَعْضِ" الفَنَّانِينَ وخَاصَّةً المُغَنِّينَ إِسْتَمَرَّ لِسِنِينَ وكانَ سِمَةً لَهُم إِلى زَمَانِ صَدَّام حسين الذي نَافَسَ عَبد الكرِيم قَاسِم وكانَ لَهُ القِسْمُ الأَكْبَرُ مِن النِّفَاقِ والتَّقَرُّبِ مِنَ الحُكْمِ والحَاكِمِ وذَوِي الأَمْرِ والسُّلْطَانِ. وهُنَا أَسْمَحُ لِنِفْسِي بِإِسْدَاءِ النُّصْحِ والنَّصِيحَةِ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وبَسَاطَةٍ: إِنْ أَرَادَ فَنَّانٌ أَو مُغَنِّي "مُطْرِبٌ أَم لا" أَنْ يُغَنِّيَ لِوَطَنِهِ فَلْيُغَنِّيَ لِلأَرْضِ والسَّمَاءِ لأَنَّهُمَا بَاقِيَانِ إِلى أَنْ يَشَاءَ الرَّبُّ مَالِكُ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، فَالمُلُوكُ والأُمَرَاءُ والرُّؤَسَاءُ والحُكَّامُ يَذْهَبُونَ فَتَذْهَبَ مَعَهُم الأَغَانِيَ والنِّفَاقُ والرِّيَاءُ، لكِنَّ الأَرْضَ تَبْقَى وإِنْ كانَتْ حَزِينَةً أَو بَاكِيَةً وهكذَا هِيَ الأَنْغَامُ والأَنَاشِيدُ، والإِسْتِثْنَاءُ مِنْ هذَا وذَاكَ هُوَ إِنْ كانَ الحَاكِمُ طَيِّبَاً مُبَارَكَاً أَمِينَاً مُحِبَّاً شَرِيفَاً مُخْلِصَاً لِوَطَنِهِ وشَعْبِهِ -- عِنْدَهَا تَكُونُ لَهُ الأَلْحَانُ والنَّغَمَاتُ حُبَّاً ومَحَبَّةً أَسَاسُهَا الإِسْتِحْقَاقُ والشُّكْرُ والإِمْتِنَانُ. وأَتْرُكُ الآنَ قُبْحَ المُنَافِقِينَ لِأَعُودَ إِلى فُصُولِ التأريخِ ومَا فِيهَا مِنْ جَمَالٍ ونَقَاءٍ بَيِّنٍ... الحَيَاةَ إِذَاً بِجَمالِهَا رَغْمَ الدُّمُوعِ تَسْتَمِرُّ... هِيَ السِّتينيَّاتُ وإِنْقِلابَاتُهَا السِّيَاسِيَّةُ والعَسْكَرِيَّةُ والإِجْتِمَاعِيَّةُ...، الحَسْناءُ سَميرة زيدان ومَلِكاتُ الحُسْنِ والأُنُوثَةِ والسِّحْرِ، وعُرُوضُ الأزْياءِ والمَقاهِيَ والأغانِيَ ونازِكِ المَلائِكة وليَالِي السَّمَرِ، والفَنادِقُ والسَّهَرُ، وقَضاءُ الليْلِ "فَوْقَ السّطْحِ" تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ، والنّسيمُ العَليلُ والأمانُ والحَفَلاتُ، فريدُ وحليمُ وأم كلثوم ورَوْعَةُ الخَانِ، والعُلَماءُ والمُثَقّفونَ والمُسَابَقَاتُ، وأَلْقَابُ الجَّمِيلاتِ، أسْمَاءٌ وقاماتٌ، ناظم بُطرس وسِهامُ السَبْتِي وسَليمُ البَصْري، عمّانوئيل ومَقَالِبُ عَبُّوسِي ورَسَائِلُ حَجِّي راضِي، نَحَبَانِي لَلُّو والدّارُ والدّوُرُ، الكُبَّةُ والصّمُّونُ والعَمْبَةُ والدَّرْسُ الأعْراسُ والهَلاهِلُ والفَرَحُ والسُّرُورُ...، لِتَأتِيَ سَبعينيَّاتُ السَّعَادَةِ والحُرِيَّاتِ والأَسْفَارِ...، مَعْرَضُ بَغْدادَ والشَّرِكاتُ الصِّينيَّةُ والصِّنَاعَاتُ والمَصَانِعُ والمَعَامِلُ والإِزْدِهَارُ، نَهْرُ الخَيْرِ وأَرْضُ السَّوَادِ والكرْخُ والرُّصَافَةُ والأَنْوَارُ، الشُورجَةُ والبابُ الشَرْقِيُّ والحَيَاةُ فِي شارِعِ السَّعْدونِ فِي اللَيْلِ والنَّهَارِ، وأَبُو نَؤَاسُ والشِّوَاءُ وفِي مَهَارَةِ الشِّوَاءِ أَسْرَارٌ، ولَذَّةُ السَّمَكِ العِرَاقِيِّ "المَسْكُوفِ" عَجَبٌ، عَلى ضِفَافِ دِجْلَةَ يَسْهَرُ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ، والنّاسُ أَحْرَارٌ مَنْ يَشْرَبُ ومَنْ لا يَشْرَبُ، هِيَ الحُرِيَّةُ، والحُرِيَّةُ يَا سَادَة، هَديّةٌ مِنَ الرَّبِّ. السَيِّدَةُ سُعاد البستاني، فَخْرُ المُجْتَمَعَاتِ المُوصِلِيَّةِ والعِرَاقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ، بَاحِثَةٌ وأُسْتَاذَةٌ جَامِعيَّةٌ، وَزِيرَةُ التَّعْلِيمِ العَالِي والبَحْثِ العِلْمِي فِي الحُكُومَةِ العِرَاقِيَّةِ، خِرِّيجَةُ الجَّامِعَةِ الأَمْيرِكيَّةِ، فِي التَّرْبيَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والعُلُومِ الإجْتِمَاعِيَّةِ، والِدُهَا خَلِيل البستاني كانَ وَزِيرَاً فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والرُّقَاةِ فِي المَمْلَكةِ العِرَاقِيَّةِ، وزَوْجُهَا الطَّبِيبُ داوُد سَلمَان رَئِيسُ الجَّامِعَةِ المُسْتَنصِريَّةِ، عَمِيدُ كُليَّةِ الطِّبِّ، ورَئِيسُ الدَّائِرَةِ العِلمِيَّةِ...، تَأْمِيمُ النَّفْطِ كانَ العُنْوَانُ، فَرَقَصَتْ عَرُوسُ الرُّمِيلَةِ سِتَا هاكُوبيَان، وطَارَتْ الحَمَامَةُ بِغُصْنِ الزَّيْتُونِ وحَلَّقَتْ أَغْصَانُ البَانِ، وسَارَ قِطَارُ الزَّمَانِ، والأَغَانِيَ والأَلْحَانُ، والرَّخَاءُ والإزْدِهَارُ والغِنَى والمَصَانِعُ والغِذَاءُ والدَّوَاءُ والشَّرِكَاتُ المَحَلِّيَّةُ، وعلامَةُ "صُنِعَ فِي العِرَاقِ" هِيَ الأُولَى بِجَوْدَتِهَا فِي الشَّرْقِ والدُّوَلِ العَرَبيَّةِ، والتَّأْمِينُ الصِحِّيُّ لِكُلِّ أُسْرَةٍ عِرَاقيَّةٍ، والتَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ ومَشَارِيعُ مَحْوِ الأُمِيَّةِ، والعِرَاقُ هُوَ الأَفْضَلُ فِي تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِ وبَنَاتِهِ بِكُلِّ الفِئَاتِ العُمْرِيَّةِ، وأَبْنَاؤُهُ رُقَاةٌ رَاقُونَ فَخُورُونَ بِهَذِهِ الأَرْضِ الزَهِيَّةِ البَهِيَّةِ، والكِتَابُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيِّ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى الجِبَالِ والتِلالِ والقُرَى والنَّواحِيَ لِيَصِلَ إلى الأَكْثَرِيَّةِ والأَقَلِيَّةِ... بَلْ وحَتّى الأَهْوارِ بِسِحْرِهَا وطُيُورِهَا وجِنَانِهَا المَائِيَّةِ، فَكانَ عِرَاقُ السَبعِينيَّاتِ هُوَ الأَرْقَى فِي الشَّرْقِ ومِنْ أَفْضَلِ عِشْرينَ دَوْلَةٍ فِي الأَرْضِ فِي العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأُسُسِ التَّرْبَويَّةِ. ومَدْرَسَةُ المَأمُونِيَّةِ الأَرْقَى فِي المَدَارِسِ الإبْتِدَائِيَّةِ والبِلادِ -- السِتْ عَفَافُ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءٌ كَعَارِضَاتِ الأَزْيَاءِ، وبَشْرَى وصَفَاء ومَيْسُون وصَفِيَّة وهَيْفَاء ورَجَاء، وأُمَيْمَة والحاجَّةُ لائِقَةُ كانَتْ كالأُمِّ الثَّانِيَةِ، ودُرُوسُ الخَطَابَةِ والفَنِّ والمُوسِيقَى والرِيَاضَةِ، والجَوَائِزُ والفَوْزُ بِالأَلْقَابِ والمُسَابَقَاتِ الفَنِّيَّةِ والدَّوْرَاتِ الثَّقَافِيَّةِ والبُطُولاتِ الرِيَاضِيَّةِ، والمُدِيرَاتُ الرَّاقِيَاتُ... السِتْ هَيْفَاءُ التي أَحَبَّتْ عَمَلَهَا وأَعْطَتْ لَهُ مِنْ عِلْمِهَا وحَيَاتِهَا الكَثِيرَ، والسِتْ نُورِيَّة -- السِتْ نُورِيَة... هِيَ المُعَلِّمَةُ والمُرَبِيَةُ والتَّرْبَوِيَّةُ، والمُدِيرَةُ والمُشْرِفَةُ المِثَالِيَّةُ، التي أَحَبَّهَا الصِّغَارُ وأَجَلَّهَا الكِبَارُ مِنَ العَائِلاتِ الرَّاقِيَةِ، فَسَكَنَتْ فِي القُلُوبِ النَقِيَّةِ، بِأَخْلاقِهَا ولُطْفِهَا وحَزْمِهَا وأُصُولِهَا البَغْدَادِيَّةِ، عَمِلَتْ بِجِدٍّ وإخْلاصٍ وإجْتَهَدَتْ وأَسَّسَتْ قَوَاعِدَ إِدَارِيَّةً تَعْلِيمِيَّةً، وأَدَارَتْ وأَشْرَفَتْ عَلى أَرْقَى المَدَارِسِ فِي بَغْدَادَ مِنَ الوَزِيرِيَّةِ إلى الأَعْظَمِيَّةِ، فَكُرِّمَتْ مِنَ الحُكُومَاتِ والهَيْئَاتِ الرِّئَاسِيَّةِ، عِندمَا كانَ التَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ وأُطُرُهِ المِثَالِيَّةِ، لِلجَمِيعِ هِيَ أُمٌّ مِثَالِيَّةٌ -- قَلْبُهَا؟؟ تَخَيَّلْ مَعِي... تَخيّلْ بَيْتَاً مِنَ الفَيْرُوزِ الأَخْضَرِ بِأَرْضِيَّةٍ مِنَ اللاَّزَوَرْدِ الأَحْمَرِ، وتَحْتَ البَيْتِ أنْهَارٌ زَرْقاءٌ تَسْبَحُ فِيهَا أَسْمَاكٌ ذَهَبِيَّةٌ تُغَازِلُ بَعْضَهَا وتَنْظُرُ إِلَيْكَ، وفِي سَمَاءِ البَيْتِ مَلائِكَةٌ تَبْتَسِمُ وتُصَلِّيَ لَكَ وتَحْمِيكَ... هكذَا أَصِفُ قَلْبَهَا وقَلْبَ الأُمِّ المِثَالِيَّةِ. وهكذَا، كانَ عِرَاقٌ وكانَتْ بِلادٌ وكانَ رِجَالٌ وكانَتْ نِسَاءٌ... شَعْبٌ واحِدٌ بِرَابِطِ الحُبِّ والأَرْضِ والحَنِين، لا ذِكْرَ أَو فَرْقَ أَو إكْرَاهَ فِي الإيمَانِ أَو الدِّينِ، لا سُنَّةَ لا شِيعَةَ لا عُقَدَ نَفْسِيَّةَ لا جَهْلَ لا أَمْرَاضَ عَقْلِيَّةَ، وللطَائِفِيَّةِ فِي العَقْلِ لا مَكَانٌ أَو أَهَمِيَّةٌ...، السّياحَةُ والسُّواحُ والإنْفِتَاحُ والثَّقَافَةُ واللَّطَافَةُ واللِّينُ، العُمْلَةُ والقِيمَةُ والدِّينَارُ والفِلْسُ والوَرَقُ والمَعادِنُ والرَّنينُ، والنِّسَاءُ يَعْمَلْنَ كالرِّجَالِ فِي الصِحَّةِ والتَّعْلِيمِ والإِدَارَةِ والمُؤَسَّسَاتِ والخَدَمَاتِ العَامَّةِ والعُمُومِيَّةِ، لا فَرْقَ فِي الخَلِيقَةِ والكَرَامَاتِ الإِنسَانيَّةِ، شَميم السّعودِ تَلْعَبُ الشّطرَنجَ وتَفوزُ بِبَرَاعَةٍ فِي بَرْلينَ، حِسَانُ الرِّيَاضَةِ والمُبَارَزَةِ مَلِكَاتُ جَمَالٍ لَهُنَّ فِي القَلْبِ شَوْقٌ وأَنِينٌ، كَأَنَّهُنَّ مَلائِكَةُ ولَسْنَ مِنْ مَاءٍ وطِينٍ... وَسَن وبَسْمَة وآلاءُ، مَيَّادَةُ وإسْرَاءُ وبَيْدَاءُ، أَزْهَارُ وزُهُورُ وسِيرِينَ وشِيرِين، والفَرَيقُ العِرَاقِيُّ وحَبِيبَةُ القَلْبِ "الطُّوبَةُ" وفَلاح حَسَن وعَلِي كاظُم والفَوزُ عَلى إيرانَ فِي طَهْرانَ بِهَدَفِ حسين سَعيد، فَصَرَخَ العِرَاقِيُّونَ إِنَّهُ يَوْمُنَا، وأَيَّامُنَا كُلُّهَا عِيدٌ، وبُطُولاتُ الخَلِيجِ، والرَّقْصُ والدُّمُوعُ والفَرَحُ والأهازيجُ، ومَصانِعُ الحَليبِ والألْبَانِ، والصُّوفُ والنَّسِيجُ، والحُقولُ والمَزارِعُ وصَفَاءُ المَاءِ ونَقَاءُ التُرْبَةِ والطِّينِ، والبَصْرَةُ والمُوصِلُ والأَنْبَارُ والنَّاصِريَّةُ...، والسَّعَادَةُ فِي إِسْتِمْرَارٍ، كِبَارٌ وصِغَارٌ، هِيَ الثّقافَةُ وهُوَ الوَقارُ، مَجلّتي والمِزْمارُ، والجَّرائِدُ والمَجَلاّتُ وألف بَاء والجُّمهُورِيَّةُ...، ونَعْبُرُ الآنَ جِسْرَ الصَّرَافِيَةِ، لِنَصِلَ بَعْدَهَا إلى جَمَالِ وسِحْرِ العِطِيفيَّةُ، وفِيهَا الأُولَى والثَّانِيَةُ، مُسْتَشْفَى الرَّازِي ومَدْرَسَةُ السُّرُورِ الإبتِدَائِيَّةِ، سِت هاجَر المُدِيرَةُ الرَّاقِيَةُ، والسِتْ فَرِيدَةُ المُعَلِّمَةُ المِثَالِيَّةُ، ورَوْضَةُ الشَّقَائِقُ وبَاصَاتُهَا الرَّاقِيَةُ... ونَبْقَى فِي العِطِيفِيَّةِ، فِيهَا البُيُوتُ الرَّقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الشُّقَقُ السَّكَنِيَّةُ، فِيهَا المَحَلاّتُ الرَّاقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الأَسْوَاقُ الشَّعْبِيَّةُ، والمَقَاهِيَ والمَطَاعِمُ والمَخَابِزُ والمَعَامِلُ الأَهْلِيَّةُ والمَصَانِعُ الحُكُومِيَّةُ، والحَدَائِقُ والبَسَاتِينُ وعَرَبَاتُ الرَشِّ وخَدَمَاتُ البَلَدِيَّةِ، والبَاصَاتُ "16" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ تَسِيرُ وتَدُورُ حَوْلَ السَّاحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ، والعَائِلاتُ بِكُلِّ ثَقَافَاتِهَا وأَدْيَانِهَا ودِيَانَاتِهَا السَّمَاوِيَّةِ، يَهُودٌ ومَسِيحِيُّونَ ومُسْلِمُونَ مُثَقَّفُونَ يَعِيشُونَ كُلُّهُم بِأَرْوَاحٍ عِرَاقِيَّةٍ، بِعُقُولٍ إِنْسَانِيَّةٍ وقُلُوبٍ وَرْدِيَّةٍ، غَادَرَ بَعْضُهُم ثُمَّ الكَثِيرُ مِنْهُم إلى إِيرَانَ وأُوروبّا لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ، بِحِجَّةِ التَبَعِيَّةِ الإِيرَانِيَّةِ، فَبَكَى عَلى فِرَاقِ الأَحِبَّةِ الصِّغَارُ والكِبَارُ وحَزِنُو عَلى سَنَوَاتِهِم الذَّهَبيَّةِ، وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ وبَكَتْ قُلُوبُهُم النَّقِيَّةُ، إِذْ كانَتْ جِيرَةٌ جَمِيلَةٌ وصُحْبَةٌ هَنِيَّةٌ، لكِنَّهَا الحَرْبُ العِرَاقِيَّةُ-الإِيرَانِيَّةُ، وهِيَ، يَا سَادَة، حَرْبٌ إِيرَانِيَّةٌ-عِرَاقِيَّةٌ-إِيرَانِيَّةٌ!! وأُكْمِلُ فِي سِحْرِ السَبْعِينيَّاتِ ومَا تَبَقَّى مِن سَنَوَاتِهِا الذَّهَبِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَاً فِضِّيَّةً... والمُوظَّفُ كانَ "مَلِكَاً" بِرَاتِبٍ وكَرَامَةٍ وسَعَادَةٍ وتَقَاعُدٍ لِسِنِين، والنَّقَابَاتُ والنَّوادِيَ والتَّرْفِيهُ للمُحِبِّينَ، والحَدائِقُ والنَّخيلُ والعِنَبُ والتِّينُ، والأَمَانُ فِي الّليْلِ والنَّهَارِ، والبُيُوتُ آمِنَةٌ والجَّارِ للجَّارِ، والنَّاسُ أحْرَارٌ، مَنْ يُصَلِّيَ ومَنْ يَجْلِسُ فِي الفَنادِقِ والبَارِ... والرِّحْلاتُ الصَّيْفِيَّةُ والمَوْسِمِيَّةُ، والسُّوَّاحُ والزُّوَّارُ والزَّائِرُونَ والعِراقِيُّونَ والتَّعارُفُ والصَّدَاقَةُ وقِطارُ خانَقِينَ، والسَّهَرُ والتَّمْثيليّاتُ وقَلْبِي نارَك وخَشْم الوَلَد طار وكافِي يَا معَوْدِين، والمَسْرَحِيَّاتُ والمُسَلْسَلاتُ والنَّجْمَةُ شَذى سالِم وفَتاةٌ في العِشرينَ، فَيُغْرَمَ العَرَبُ أكثَرَ وأكثَرَ بالعِراقِيّينَ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وفِي كُلِّ حِين. والغِنَاءُ العِرَاقِيُّ الأَكْثَرُ طَرَبَاً فِي سَمَاءِ الأَنْغَامِ المُوسِيقِيَّةِ، فيَعْشَقُهُ ذَوَّاقُو الطَّرَبِ فِي العِرَاقِ والدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، والإِحْسَاسُ والحُبُّ والغَرَامُ وأَحْزَانُ الحَبِيبِ والشَّوْقُ لِلحَبِيبَةِ الأَزَلِيَّةِ، والقَلْبُ والرُّوحُ والجُّرُوحُ، والعُيُونُ نَاعِسَةٌ والأُنُوثَةُ مُخْمَلِيَّةُ، والإنْشادُ والفنُونُ الشّعْبِيّةُ، جَمَالُ الرَّاقِصَاتِ والرَّقْصُ بالكَلَبيَّةِ، والدّبْكاتُ الكُرْدِيّةُ، والرّقَصَاتُ البَصْراوِيّةُ، والإهْزاجُ والأهازيجُ والهُوسَاتُ الجَمِيلَةُ والرَّقْصُ الجَمَاعِيُّ والأَغانِي الرّيفِيّةُ...، أَصْوَاتٌ جَمِيلَةٌ تُشْفِي القَلْبَ ومَا فِيهِ مِنْ جُرُوحٍ...، عَفِيفَةُ إِسكَنْدَر وجَمَالُ عَيْنَيْهَا ولَمَعَانُ خَدَّيْهَا وقُوَّةُ صَوْتِهَا، وأَنْوَارُ عَبد الوَهَاب وحَنِينُهَا وأَمَل خضَيِّر ونَصِيبُهَا وفُؤاد سالِم وطُيُوفُهُ وقَحْطَان العَطَّارُ وزَمَانُهُ وصَبَاح السَّهل ولَيَالِيهِ وسَعْدُون جابِر وطُيُورُهُ ويَاس خِضِر وأَسْفَارُهُ وحَمِيد مَنصُور وسَلامُهُ وحسِين نِعْمَة ونَخْلُهُ ونَخِيلُهُ وغُرْبَةُ الرُّوحِ...، ومَوّالاتُ سَعْدِي الحِلِّي، وفاضِل عَوّاد الذي جَمَعَ بَيْنَ الفَنِّ والثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، والأَغَانِيَ والخَبَرُ والجَفِيَّةُ ولَمَّةُ الحِلْوَاتِ والجَّمَالُ السُّومَرِيُّ، ونَظَرَاتُ العُيُونِ البابِليّةِ، وحِلْوَة يالبَغْدَادِيَّة يَا أُمّ الخُدُودِ الوَرْدِيَّة، وصَوْتُهُ الجَّمِيلُ وهُوَ يَعْبُرُ مِنَ الكَرْخِ إلى الرُّصَافَةِ...، أَصْوَاتٌ شَجِيَّةٌ ونَادِرَةٌ حُرِمَ العِرَاقِيُّونَ مِنَ الكَثِيرِ مِنْهَا بِسَبَبِ الغِيرَةِ الشَّخْصِيَّةِ والحُرُوبِ الفَنِّيَّةِ والعِصَابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ الأَمْنِيَّةِ، فَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ وهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ وكُسِرَتْ الكَثِيرُ مِنَ القُلُوبِ النَقِيَّةِ. والنَّاسُ كالطُّيُورِ فِي جَمَالِ بَعْضِهَا وأَلْوَانِهَا وأُصُولِهَا وقُلُوبِهَا وهِجْرَتِهَا وإِسْتِقْرَارِهَا، مِنْهَا مَنْ يُهَاجِرُ لِأَسْبَابٍ فِطْرِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ وبِيئِيَّةٍ وتُسَمَّى بِالطُيُورِ المُهَاجِرَةِ، ومِنْهَا مَنْ يَبْقَى ويُقِيمُ ولا يَتْرُكُ مَا بَنَاهُ وأَحَبَّهُ وتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ وتِلْكَ هِيَ الطُّيُورُ المُقِيمَةُ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي النَّهَارِ كالطُّيُورِ المَائِيَّةِ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي اللَّيْلِ كالطُّيُورِ المُغَرِّدَةِ الرُّومَانسِيَّةِ -- وهَذِهِ كُلُّهَا حَقَائِقٌ عِلْمِيَّةٌ وعُلُومٌ طَبِيعِيَّةٌ وبِيئِيَّةٌ -- ومِنْهَا مَنْ هَرَبَ وهَاجَرَ لِوَحْدِهِ بَيْنَ الجِّبَالِ والوِدْيَانِ ومَسَارَاتِهَا الفَضَائِيَّةِ والمُغْنَاطِيسِيَّةِ المَرْسُومَةِ والمَوْضُوعَةِ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، ومِنْهَا مَنْ كانَ غَرِيبَاً فِي غَيْرِ سِرْبِهِ أَضأعَ بَوْصَلَتَهُ الرُّوحِيَّةَ التي خَلَقَهَا اللهُ لَهُ هَدِيَّةً مِنَ القَدِيرِ كَيْ لا يَتِيهَ فِي الأَرْضِ ويَضِلَّ فِي أَقْطَابِهَا ومُغْنَاطِيسِهَا الكَبِيرِ، ومِنْهَا مَنْ هاجَرَ آمِنَاً فِي سِرْبٍ وأَسْرَابٍ لِلبَحْثِ عَنْ الدِّفْءِ والحَنَانِ والأَمَانِ والعِلْمِ والحَيَاةِ والحَظِّ السَّعِيدِ، والحِفَاظِ عَلى النَّسْلِ والنَّوْعِ والوُجُودِ والتَّجْدِيدِ، والطَّعَامِ والغِذَاءِ والرِّزْقِ وإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ. والكَلِمَةُ السِّحْرِيَّةُ هِيَ الحُرِّيَّةُ -- فالفَرْقُ بَيْنَ الحَيَاةِ والمَوْتِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الجَّهْلِ والعِلْمِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الفَنِّ والرُّكُودِ هِيَ الحُرِّيَّةُ. والحُرِّيَّةُ إِنْ أُعْطِيَتْ لِلإِنْسَانِ صَارَ طَيْرَاً وطَائِرَاً وأَنْبَتَ رِيشَاً آخَرَ بِأَلْوَانٍ أُخْرَى وصَارَ نَوْعَاً آخَرَ وجِيلاً آخَرَ قَدْ يَحْتَارُ فِي جَمَالِهِ ونَوْعِهِ عُلَمَاءُ الطَّبِيعَةِ والبِيئَةِ والمُجْتَمَعَاتِ. وطَائِرُ الدَّلْتا المِصْرِيَّةِ أَجْمَلُ مِثَالٍ عَلى هَذَا، فَهُوَ طَائِرٌ هِنْدِيٌّ هَاجَرَ وإِسْتَقَرَّ فِي مِصْرَ لِجَمَالِ شَمْسِهَا وقَمَرِهَا وكَانَ فِي حَدِيقَةِ حَيْوَانِهَا فِي السَبعينيَّاتِ، لكِنَّهُ إِشْتَاقَ إِلى حُرِّيَّتِهِ فَهَرَبَ وطَارَ ورَقَصَ وغَنَّى وإِسْتَقَرَّ فِي الدَّلْتَا، وأَصْبَحَ عِندَهَا أَجْمَلُ وأَرْقَى مُهَنْدِسَاً مِعْمَارِيَّاً فِي الوُجُودِ، إِذْ يَبْنِيَ عِشَّاً بِتَصْمِيمٍ خَاصٍّ أَشْبَهَ بِالحَرْفِ والحُرُوفِ الصُّغْرَى، وأَصْبَحَ يُنَافِسُ حَيَوَانَ القُنْدُسِ وهُوَ، أَيْ الأَخِيرُ، مِنْ أَذْكَى وأَرْقَى بَنَّائِي الطَّبِيعَةِ وهُوَ مَنْ تَخَرَّجَ مِنْ جَامِعَةِ الخَلِيقَةِ الكُبْرَى. وأَمَّا الإِنْسَانُ فَقَدْ تَخَرَّجَ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ ثُمَّ يَبْنِيَ الأَرْضَ اليَوْمَ لِيَهْدِمَ مَا بَنَاهُ غَدَاً -- بَعْدَهَا يُنَادِيَ العَدُوَّ والغَيْرَ بِسَبَبِ "الدِّينِ" أَو الطَّائِفَةِ أَو السِّيَاسَةِ بِالحَيَوَانِ إِنْ أَرَادَ السَّبَّ والشَّتْمَ والرِّيَاءَ -- ولا يَعْلَمُ بِغَبَاءِهِ ولا يُدْرِكُ بِجَهْلِهِ أَنَّ السَّبَّ والسِّبَابَ مَا هُوَ إِلاّ مَدْحٌ وثَنَاءٌ!! الأَدْيَانُ إِذَاً كالبَشَرِ والدِّينُ كالإِنْسَانِ، والإِنْسَانُ "بِحُرِّيَّتِهِ" كالطَائِرِ فِي الجِّنَانِ. والأَدْيَانُ والدِّيَانَاتُ والطَّوَائِفُ هِيَ طيُوُرٌ جَمِيلَةٌ لَهَا أَلوَانُهَا وأَشْكالُهَا وكُلٌّ يَرْقُصُ فِي السَّمَاءِ كمَا يَشَاءُ، ومَهْمَا تَنَوَّعَتْ ورَاقَتْ فِي أَلْوَانِهَا وأَصْوَاتِهَا وأَنْغَامِهَا ورَقْصِهَا فَهِيَ تُغرِّدُ مَعَاً أُغرُودَةً واحِدَةً مُوَحَّدَةً عُنْوَانُهَا -- آمِين! وطَائِرُ الإِيمَانِ والدِّينِ يُغَرِّدُ صَبَاحَاً ويَطِيرُ حُرَّاً بِرِيشِهِ الوَفِيرِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ ويُكْسَرُ جَنَاحُهُ وقَلْبُهُ إِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهِ رَصَاصَةُ السِّيَاسَةِ مِنْ طَائِفِيٍّ حَقِيرٍ، وهِيَ لَيْسَتْ رَصَاصَةُ رَحْمَةٍ بَلْ رَصَاصَةُ نِقْمَةٍ، فَيَمُوتُ ويَمُوتُ مَعَهُ الغِنَاءُ والرَّقْصُ والأَلْوَانُ والجَّمَالُ البَهِيرِ. وأَصِلُ بِقِطَارِ الجَّمَالِ والدَّلالِ، يَا سَادَة، إِلى أَجْمَلِ وأَرْقَى مَحَطَّاتِ الإِنْسَانِ والمُوسِيقَى والأَلْحَانِ، أَصِلُ إِلى سِيتَا هاكُوبيَان "فَرَاشَةُ البَصْرَةِ العِرَاقِيَّةِ" وحَلاوَةُ المَزْجِ بين التُّراثِ وكِيتارِ النَّغَماتِ الغَرْبيّةِ... يُمَّه يُمَّه آخ يُمَّه... وهِيَ دُرَّةٌ وُجِدَتْ فِي البُحَيْرَةِ، وشَمْسٌ وُلِدَتْ عَلى ضِفَافِ شَطِّ العَرَبِ فِي البَصْرَةِ، حَيْثُ وُلِدَ النَّحْوُ ومَعَهُ البَلاغَةُ وأَصْلُ اللُّغَةِ، وقَمَرٌ بِعُيُونٍ نَاعِسَةٍ أَرْمَنِيَّةٍ، جَمِيلَةٌ بِصَوْتِهَا وصَغِيرَةٌ كالفَرَاشَةِ الذَّهَبِيَّةِ، وحَبِيبُهَا كانَ صغَيْرُون، فَسَافَرَتْ فِي "دُرُوبِ السَّفَرِ" ودَمَعَتْ العُيُونُ، وذَبُلَتْ "أَوْرَاقُ الشَّوْقِ" والأَجْفَانُ والجُفُونُ، وتَاهَتْ فَقَالَتْ "مَنْدَل دَلُّونِي" وهِيَ أَجْمَلُ وأَرْقَى مَا غَنَّتْ، لِتَبْقَى مَعَ "أَوْرَاقِ الشَّوْقِ" وال 99% أَحْلَى الأَغَانِيَ العِرَاقِيَّةِ، تُبْكِينِي طِفْلاً فِي "لَيْلِ السَّهَرِ" والقَمْرَةِ اللَيْلِيَّةِ... أُحِبُّهَا، ولَسْتُ وَحْدِي، وأُشَاهِدُهَا وأَسْمَعُ صَوْتَهَا وأَسْتَمِعُ لَهَا يَوْمِيَّاً، ولَسْتُ وَحْدِي، فَقَدْ أَحَبَّهَا - ودَائِمَاً - الصَّغِيرُ والكَبِيرُ لِفَنِّهَا وصَوْتِهَا وكَلِمَاتِهَا وأَلْحَانِهَا وجَمَالِهَا ودَلالِهَا وعُيُونِهَا وأُنُوثَتِهَا ورِقَّتِهَا وبَسَاطَتِهَا ومَشَاعِرِهَا وأَحَاسِيسِهَا وصِدْقِهَا مَعَ نَفْسِهَا ونَاسِهَا وإِبْتِسَامَتِهَا البَصْرَاوِيَّةِ ودُمُوعِهَا النَقِيَّةِ... وفَسَاتِينُهَا مِثْلُهَا جَمِيلَةٌ وزَهِيَّةٌ، بِزُهُورٍ وَرْدِيَّةٍ، سَكَنَتْ البَصْرَةَ فَكَانَتْ البَصْرَةُ بِهَا جَمِيلَةً سَاحِرَةً، وحَلَّتْ فِي بَغْدَادَ فَصَارَتْ سَمَاءُ بَغْدَادَ فَوْقَهَا بَاهِرَةً، لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ، كَعَادَتِهِم، لَمْ يُقَدِّرُو قِيمَةَ ولَمَعَانَ اللُّؤْلُؤُةِ البَصْرَاوِيَّةِ كَمَا قَدَّرَتْ لُبْنَانُ فَيْرُوزَهَا الجَبَلِيَّةِ، فَهَاجَرَتْ سِيتَا العِبَادَ والبِلادَ وهَجَرَتْهَا فَأَصْبَحَتْ بِلادُ الرَّافِدَيْنِ بَعْدَهَا حَزِينَةً حَائِرَةً... هِيَ سِيتَا هَاكُوبيان، فَكانَتْ السَبعِينيَّاتُ بِهَا ولَهَا عَقْدَ السَّعَادَةِ العِرَاقيَّةِ. وكانَتْ السَبعِينيَّاتُ سَعَادَةً حَقِيقِيَّةً، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ سَنَةُ 1979 مِيلادِيَّة ومَا فِيهَا مِنْ خَوْفٍ وقَهْرٍ وتَرَقُّبٍ وعَلامَاتِ إِسْتِفْهَامٍ وصِرَاعَاتٍ أَمْنِيَّةٍ، وتَأتِيَ مَعَهَا عِمَامَاتُ طَهْرَانَ الطائِفيَّةِ، مَعَ سِحْرِهَا الأَسْوَدِ وجَهْلِهَا وأَحْقَادِهَا التأريخيَّةِ، فَدَمَّرَتْ أَوَّلاً السَعَادَةَ الإيرانيَّةَ، لِتَبْدَأَ بَعْدَهَا بِتَدْمِيرِ المُجْتَمَعَاتِ العِراقيَّةِ والعَرَبيَّةِ، فَكَانَتْ لَعْنَةُ الجُغْرَافيَا السِيَاسيَّةِ...! وهَكذَا، نَأتِيَ إلى ثَمانينيَّاتِ الفَرَحِ والأَحْزَانِ، هِيَ الثَمانينيَّاتُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ عِرَاقيَّةٍ مَصِيريَّةٍ، ومَلالِي طَهْرَانَ وأَفَاعِيهَا الإِرْهَابيَّةِ...، العِرَاقيَّةُ بَلقِيس الرّاوي حَسْنَاءُ الأعْظَمِيَّةِ، فِي لُبْنَانَ كانَتْ زَهْرَةُ الدُّبلومَاسِيَّةِ، غَابَ سِحْرُ عَيْنَيْهَا وسَالَتْ دِمَاءُهَا ومَعَهَا وعَلَيْهَا دُمُوعُ نِزَارَ فِي تَفْجِيرِ السَّفارَةِ العِراقيَّةِ، وفِي بَيروتَ تَسِيلُ الدِّمَاءُ بِقَنَابِلٍ إيرانيَّةٍ وعَمَالَةٍ فِلِسْطينيَّةٍ، لِقَتْلِهَا رَقَصَتْ خَفَافِيشُ حِزْبِ الدَّعْوَةِ الإسْلاميَّةِ، ولِيَوْمِنَا، هُوَ الأحْقَرُ بَيْنَ الأحْزَابِ الطَّائِفِيَّةِ... لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ مَعْرُوفُونَ بالبِنَاءِ والإبْدَاعِ والفَرَحِ رَغْمَ الحَرْبِ وأَحْزَانِهَا وأَقْدَارِهَا الرَبَّانيَّةٍ...، المَدَارِسُ والثَّانَوِيَّاتُ النّمُوذَجِيَّةُ... ومِنْهَا وأَرْقَاهَا ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ... ومَا أَدْرَاكَ مَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ؟؟ كُلِيَّةُ بَغْدَادَ والبَسَاتِينُ والحَدَائِقُ والرَّيْحَانَةُ والرَّيَاحِينُ ومَلاعِبُ الكُرَةِ والسَّلَّةِ والسَّاحَاتُ والكُورتَاتُ والكُرَاتُ وأَوْلادُ السُّفَرَاءِ والسَّاسَةِ والعَائِلاتُ الرَّاقِيَةُ، العِرَاقِيَّةُ والعَرَبِيَّةُ، مِنْ كُلِّ الأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ والثَّقَافَاتِ -- والبِنَايَاتُ والصُّفُوفُ والفُصُولُ والقَاعَاتُ والمُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةِ والمَكْتَبَاتُ، والأَسَاتِذَةُ الكِرَامُ والمُدَرَاءُ الرُّقَاةُ، أَذْكُرُ البَعْضَ مِنْهُم بِكُلِّ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ وتَقْدِيرٍ وإِحْتِرَامٍ وعِرْفَانٍ، مَعَ حِفْظِ الأَلْقَابِ والفَخْرِ والشُّكْرِ والإِمْتِنَانِ، أُسْتَاذُ قُتَيْبَة وفَازِع وسَمِير ونُورِي وبَاسِمُ وإِنْتِصَارُ ولطيف وأَحمد ومحمّد وفرانسيس وعَبدُ الواحِد وماجِد "أُوربِتَالل -- وأَتَعَمَّدُ هُنَا كِتَابَةَ حَرْفِ الّلامِ مَرَّتَيْنِ، فَقَط لِلذِكْرَى الجَّمِيلَةِ بِأَيَّامِهَا الأَجْمَلِ" والأُسْتَاذُ الفَاضِلُ فَاضِل وأُسْتَاذُ خِضر... والأُستَاذَةُ الجَمِيلَةُ خالِدة ومَيْسُون وخَدِيجَة وكَواكِب... أَرْقَى الأَسَاتِذَةِ والمُدَرِّسِينَ وهُم فِعْلاً فِي سَمَاءِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ نُجُومٌ وكَوَاكِبٌ، وحَسْنَاءُ الفَنِّ والرَّسْمِ والمَوَاهِبِ الفَنِّيَّةِ السِتْ صَبِيحَة... أُنْثَى وإِسْمٌ عَلى مُسَمًّى -- فتاةٌ صَبيحَةٌ بِجَمَالِهَا وشَعْرِهَا وأُنُوثَتِهَا المُتَفَجِّرَةِ، دُرَّةٌ وجَوْهَرَةٌ، بِحُسْنِهَا وسَمَارِهَا نَادِرَةٌ، يَرَاهَا مُرْهَفُو الحِسِّ مِنَ الطُّلاَّبِ فِي أَوَّلِ النَّهارِ وهُم لَهَا عَاشِقُونَ، وبِهَا حَالِمُونَ، لِقُدُومِهَا مُنْتَظِرُونَ، يَحِينُ الدَّرْسُ والطُّلاَّبُ كُلُّهُم "بِقُدْرَةِ قَادِرٍ" حَاضِرُونَ، فَلا مَرَضَ ولا أَعْذَارَ ولا غِيَابَ ولا شَكْوَى، ولا إِجَازَاتٍ ولا صِبَا ولا ذِكْرَ للجُنُونِ، بَلْ يُؤَجَّلُ كُلُّ ذَلِكَ لِدُرُوسٍ أُخْرَى... تَمُرُّ بِصَوْتِ كَعْبِهَا الحَنُونِ، لِيَكُونَ الصَّمْتُ والهُدُوءُ والسُّكونُ، فَصَمْتَاً يَصْمُتُونَ، كَعْبٌ ورُخَامٌ، صَهٍ صَهٍ، العُيُونَ يُغْمِضُونَ، الآذَانَ يَفْتَحُونَ، لَحْنَ الأُنُوثَةِ يَسْمَعُونَ، أَنْغَامَ أُغْنِيَةِ "الكَعْبِ" يَسْتَمِعُونَ، ثُمَّ يَتَنَهَّدُونَ، إِيهٍ، لِتُفْتَحَ العُيُونُ، إِلَيْهَا يَنْظُرُونَ، والشُّجُونُ ومَا أَدْرَاكَ مَا الشُّجُونُ، لِتُصْبِحَ مَادَّةُ الفَنِيَّةِ "فَجْأَةً" المَادَّةُ المُفَضَلَّةُ لَدَى الجَّمِيعِ، لِيَتَعَجَّبَ الأَسَاتِذَةُ والمُدَرَاءُ وأَوْلِيَاءُ الأُمُورِ ويَشْكُرُونَ العَلِيمَ السَّمِيعَ، عَلى إِلْتِزَامِ الطُّلاَّبِ والأَبْنَاءِ و "أَحَاسِيسِهِم" المُرْهَفَةِ و "حُبِّهِم" لِلفَنِّ والرَّسْمِ و "مَوَاهِبِهِم" الفَنِّيَّةِ! وبِسَبَبِ المُدَرِّسَةِ الحَسْنَاءِ أَصْبَحَ كُلُّ طَالِبٍ فِي كُلِيَّةِ بَغْدَادَ أَكْثَرَ مَوْهِبَةً مِنْ بَابلو بِيكاسو وأَميديو مُوديلياني وأُوجست رِينوَار بَلْ وحَتّى كلود مُونِيه، وإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ!! وكانَ مِنْ حُسْنِ حَظِّ جَدِّي أَنَّ الرَّسَّامَةَ الجَّمِيلَةَ كانَتْ تَسْكُنُ فِي أَحَدِ الأَحْيَاءِ القَرِيبَةِ مِنْ مَنْزِلِهِ، لكِنْ مِنْ سُوءِ حَظِّهِ أَنَّهَا كانَتْ تُحِبُّ المَشْيَ كَثِيرَاً! المَشْيُ رِيَاضَةٌ جَمِيلَةٌ ومٌفِيدَةٌ لكِنَّهَا كانَتْ تُبَالِغُ فِي الأَمْرِ بَعْضِ الشَّيءِ، فَتَرَكَ جَدِّي رِفَاقَهُ وأَصْحَابَهُ والبَاصَاتُ والسَّيَّارَاتُ وطَلَبَ مِن أَبِيهِ وأُمِّهِ أَنْ لا يَأْتِيَا لِإِصْطِحَابِهِ بَعْدَ المَدْرَسَةِ لأَنَّهُ قَرَّرَ أَنْ يَعُودَ إِلى البَيْتِ سَيْرَاً عَلى الأَقْدَامِ إِذْ أَنَّ المَشْيَ رِيَاضَةٌ مُفِيدَةٌ للجَّسَدِ والرُّوحِ...!! وكانَ يَمْشِيَ كَثِيرَاً وتَمْشِيَ مَعَهُ أَحْلامُهُ وآمَالُهُ وفُصُولُ خَيَالاتِهِ وهُوَ يَنْظُرُ إِلى أَمِيرَتِهِ الحَسْنَاءِ التي لا تُدْرِكَ أَنَّ البَطَلَ الرِّيَاضِيَّ الذي يَسِيرُ خَلْفَهَا يَعِيشُ قُصَّةَ حُبٍّ خَيَالِيَّةٍ بَعْضُهَا مَرَحٌ ومَشَاعِرٌ طُفُولِيَّةٌ، وبَعْضُهَا الآخَرُ غَرَامٌ وخَيَالٌ ورُمَانسِيَّةٌ، وأَنَّ رُكْبَتَيْهِ تَعِيشَانِ مِنَ التَّعَبِ فِلْمَ أَكْشِن بِكُلِّ أَحْدَاثِهِ الوَاقِعِيَّةِ... وكانَ يَمُرُّ فِي طَرِيقِهِ عَلى كُلِّ الأَسْوَاقِ حَتّى عَرَفَهُم وعَرَفَوهُ، وأَحَبَّهُم وأَحَبُّوهُ، ومَلَّهُم ومَلُّوهُ، وفِي طَرِيقِهِ كانَ يُحْضِرُ لِأَبِيهِ الجَّرَائِدَ اليَوْمِيَّةَ ولِأُمِّهِ مَا تَحْتَاجُهُ مِنَ خُبْزٍ أَو أُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ لِيُصْبِحَ، فَجْأَةً، الإِبْنُ الصَّالِحُ المُطِيعُ ولَمْ يَعُدْ الوَلَدُ المُدَلَّلُ! ولَمْ يَعْلَمُو أَنَّ هَذِهِ الطِّيبَةَ والسَّكِينَةَ مَا هِيَ إِلاّ أَقْدَارُ الحُبِّ والسَّيْرُ خَلْفَ المُدَرِّسَةِ الفَاتِنَةِ التي تَسِيرُ أَمَامَهُ كالأَرْنَبَةِ الشَّقِيَّةِ، وتَسْبِقُهُ لَيْسَ فَقَطْ فِي المَسَافَةِ بَلْ أَيْضَاً فِي السِّنِّ والأَقْدَارِ. وظَلَّ جَدِّي يَمْشِي ويَسِيرُ أَيَّامَاً وأَسَابِيعَ، رُبَّمَا، حَتّى مَلَّ ومَلَّتْ رُكْبَتَاهُ، فَتَعَرَّفَ عَلى فَتَاةٍ أُخْرَى فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى تَمِشِيَ إِلى جَانِبِهِ وأَحْيَانَاً خَلْفَهُ كالسُّلْحَفَاةِ البَرِّيَّةِ، فَغَيَّرَ طَرِيقَهُ وطَرِيقَتَهُ وعَادَ إِلى أَصْحَابِهِ وبَاصَاتِهِ وتَوَقَّفَ، فَجْأَةً، عَنْ شِرَاءِ الحَاجِيَاتِ لِأُمِّهِ والصُّحُفِ لِأَبِيهِ، فَكانَ، مَرَّةً أُخْرَى، الإِبْنُ المُدَلَّلُ الذي يَهْتَمُّ بِدُرُوسِهِ ولَيْسَ بِأَيِّ شَيءٍ آخَرَ... أَو هَذَا مَا يَبْدُو عَلَيْهِ الأَمْرُ! ويَذْكُرُ "جَدِّي" إَنَّهُ مَرَّةً وهُم إلى الرَّسَّامَةِ الفَاتِنَةِ يَنْظُرُونَ وصَوْتِهَا يَسْمَعُونَ وإِلى طَقْطَقَةِ كَعْبِهَا يُنْصِتُونَ وحَرَكَاتِهَا ودَلالِهَا يُرَاقِبُونَ ومِنَ الدَّرْسِ شَيْئَاً لا يَفْهَمُونَ وحَتّى عُنْوَانَ الدَّرْسِ لا يَعْلَمُونَ، وكُلُّهُم "فِي صَمْتٍ" فِي الجَّمَالِ يُرَكِّزُونَ، وإِذَا بِأَحَدِهِم قَامَ بِأَمْرٍ لَيْسَ فِي الظَّنِّ والحُسْبَانِ والحِسْبَانِ وإِرْتَكَبَ جَرِيمَةً كُبْرَى بِحَقِّهِم وحَقِّ البَشَرِيَّةِ فَعَطَسَ وكَسَرَ بِذَلِكَ "قَوَاعِدَ اللُّعْبَةِ والإِشْتِبَاكِ" وشَوَّهَ جَمَالَ السُّكُونِ، فَحَصَلَ عَلى رَكْلَةٍ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ "جِلاَّق عِرَاقِي أَصْلِي" مِنْ صَدِيقِهِ الواقِفِ خَلْفَهُ "فِي صُفُوفِ المُشَاهِدِينَ والمُتَفَرِّجِينَ،" وهَذِهِ كانَتْ "يَرْحَمُكُم اللهُ بَعْدَ العَطْسِ" عَلى طَرِيقَةِ طُلاَّبِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وبَقِيَ الطَّالِبُ "المَضْرُوبُ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ والمَغْضُوبُ عَلَيْهِ" يَمْشِيَ مِشْيَةَ الأَعْرَجِ كالبَطَّةِ العَرْجَاءِ كَأَنَّهُ يَرْقُصُ "الجُوبِي" فِي الشَّارِعِ لِأُسْبُوعَيْنِ!! إيهٍ ثُمَّ إِيهٍ... هُوَ الحُبُّ والعِشْقُ والوَلَهُ... وقَالَهَا عَبد الله الرُّويشد... هِيَ دُنْيَا الوَلَه! ثَانَوِيَّةُ كٌلِيَّةِ بَغْدَادَ... مَنْ تَخَرَّجَ مِنْهَا كانَ مِنَ الرُّقَاةِ المُتَفَوِّقِينَ، أَو سَافَرَ وهَاجَرَ وذَابَ مَعَ المُجْتَمَعَاتِ والأَحْوَالِ والسِّنِينَ، فِيهَا مَنْ يَهْوَى القِرَاءَةَ والأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَعِشَقُ قِلَّةَ الأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَهْوَى الإِثْنَيْنِ، وجَدِّي مِنْ آخِرِ الفَرِيقَيْنِ، وإِنْتَعَشَ فِيهَا العِلْمُ والشِّعْرُ و "الرَّسْمُ" والفَنُّ والأَدَبُ، وإِنْتَعَشَتْ فِيهَا الرِّيَاضَةُ والمَوَاهِبُ المُوسِيقِيَّةِ والرَّقْصُ والطَّرَبُ، كمَا إِنْتَعَشَ فِيهَا أَيْضَاً تَبَادُلُ الأَفْلامِ "الإِبَاحِيَّةِ" بِالُّلغَةِ الفُصْحَى أَو الأَفْلامِ "السِّكْسِيَّةِ" بِلُغَةِ "شَعْبِ" كُلِيَّةِ بَغْدَادَ العَاشِقِ والمُحِبِّ، وأَصْبَحَ هُنَاكَ طالِبٌ مِنْ كُلِّ ثَلاثَةِ طُلاَّبٍ يَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهِ - عَلى الأَقَلِّ - فِلْمٌ أَو إِثْنَيْنِ -- إِحْصَائِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ!! هُوَ الأَمْرُ هكذَا، هِيَ ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وهُم طُلاّبُهَا، الأَجْمَلُ والأَرْقَى والأَنْقَى والأَحْلَى والأَذْكَى والأَشْقَى فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ والوُجُودِ والبَقَاءِ... "كُوكتِيلٌ" وخَلِيطٌ نَادِرٌ ومُقَدَّسٌ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ! إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ -- مَدْرَسَةٌ جَامِعَةٌ تَجِدَ فِيهَا كُلَّ شَيءٍ وكُلَّ أَصْنَافِ البَشَرِ، وهُمْ أَجْمَلُ وأَحْلَى وأَرْقَى البَشَرِ، طُلاّبُهَا الأَكْثَرُ وَسَامَةً وشَغَبَاً وطِيبَةً وذَكاءً وعِلْمَاً ومَرَحَاً وفَرَحَاً وغِنَاءً ورَقْصَاً ومَقَالِبَاً وعِشْقَاً للنِّسَاءِ وحُبَّاً لِلحَيَاةِ... تَرْكِيبَةٌ نَادِرَةٌ جَمِيلَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ، فِيهَا مَنْ يَخْجَلُ مِنْ نَفْسِهِ وخَيَالِهِ ويَخَافُ النِّسَاءَ ويُصَلِّيَ، وفِيهَا مَنْ فِي حَقِيبَتِهِ أَجْمَلُ وأَحْدَثُ أَفْلامِ ال "بُورنُو" الأَمْرِيكيَّةِ والأَلْمَانيَّةِ والعَرَبِيَّةِ، ونِسَاءَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ يُلاحِقُ ويُمَلِّيَ ... رَحَلاتُهَا وبَاصَاتُهَا تَحْدُثُ فِيهَا أَحْلَى وأَجْمَلُ القِصَصِ والمَوَاقِفِ والأَغَانِيَ والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ والأَسْرَارِ الخَفِيَّةِ، هِيَ هَكذا، والحَيَاةُ فِيهَا كالسِّحْرِ، هِيَ كذَلِكَ، حَيَاةٌ خَاصّةٌ أَشْبَهُ بِالدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ... لَمْ ولَنْ تُوجَدَ إلاّ فِي ثَانَوِيَّةِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، فِي زَمَانِ بَغْدَادَ، عِنْدَمَا "كانَتْ" فِي زَمَانٍ مَا... كُلِيَّةُ بَغْدَادَ! وأَعُودُ إِلى المَدِينَةِ... بَغْدَادُ والمَحَلاَّتُ والأَزِقَّةُ الشَّعْبِيَّةِ، والشَّوَارِعُ والأَسْوَاقُ والأَحْيَاءُ والرَّاقِيَةُ، بَاتَا والقِيثَارَةُ وعَلاءُ الدِّينِ والصِّنَاعَاتُ والجَّوْدَةُ العِرَاقِيَّةُ، المُتْحَفُ البَغْدَادِيُّ والآبَاءُ والأَجْدَادُ وأَهْلُ النَّقَاءِ والخَيْرِ، والهُدُوءُ مَعَ الزِّحَامِ والهَدِيرِ والصَّفِيرِ، العَلاوِي والنَّهْضَةُ ومَكْتَبَاتُهَا والتَّحْرِيرُ، شَارِعُ المُتَنَبِّيَ ولِقَاءُ الفَنِّ مَعَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأَدَبِ، والمَكْتَبَاتُ والكُتُبُ النَّادِرَةُ فِي الوُجُودِ، فِي الشِّعْرِ والمُوسِيقَى والتأرِيخِ والسِّيَاسَةِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والقِصَّةِ والرِّوايَةِ والحُبِّ، مَنْ زَارَهُ زَارَ بَغْدَادَ، ومَنْ فَاتَهُ لا أَكَلَ مِنْ جَمَالِ بَغْدَادَ ولا شَرِبَ. مَقْهَى الشَّابَندَر فِي كلِمَاتٍ... جَمَالٌ وثَقَافَةٌ وتأريخٌ فِي رُقِيِّ الآبَاءِ والأَجْدَادِ والأَحْفَادِ وأَصَالَةِ العِبَادِ وأَصْلِ البِلادِ. الشُّهَدَاءُ والسِّنَكُ والرَّشِيدُ والفَضْلُ والبَتّاوِيّينَ والدَرَابِينُ، والدَّرْبُونَةُ "أَو الدَّرْبُ الصَّغِيرُ أَو دَرْبُ أَبُونَا" والبِنَاءُ الأَصِيلُ والذِّكْرَيَاتُ والبُيُوتُ اليَهُودِيَّةُ الجَّمِيلَةُ وتُرَاثُ العِرَاقِيِّينَ مِنَ اليَهُودِ -- يَهُودُ العِرَاقِ مَنْ أَحَبَّ الأَرْضَ وبَنَى البِلادَ وأَغْنَاهَا فَأَغْنَى مَعَهَا العِبَادَ. الدُّورَةُ وحَيُّ المِيكانِيكِ والأَزْهَارُ والوُرُودُ المَسِيحِيَّةُ -- الآشُوريُّونَ أَصْلُ العِبَادِ وأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ البِلادَ وأَسَّسُو سَلامَهَا وحَضَارَتَهَا ولِلعَالَمِ أَظْهَرُوهَا بِرَويَّةٍ...، والآشُوريَّةُ لَيْسَتْ دِينٌ أَو "دِيَانَةٌ" أَو إِيمَانٌ بَلْ هِيَ "قَومِيَّةٌ" تأريخيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ أَصِيلَةٌ أَصْلِيَّةٌ كرِيمَةٌ وإِيمَانُهَا هُوَ المَسِيحِيَّةُ، ولا عِلاقَةَ لَهَا بالقَوْمِيَّةِ الكُرْدِيَّةِ الكرِيمَةِ. والأَصْلُ فِي الوُجُودِ والصِّلَةِ كانَ فِي التأرِيخِ وفُصُولِهِ فِي الحُرُوبِ والإِضْطِهَادِ والإِبَادَةِ الجَّمَاعِيَّةِ والقَتْلِ الجَّمَاعِيِّ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ والنُّزُوحِ القَسْرِيِّ والعَذَابَاتِ التي تَعَرَّضَ لَهَا الجَّمِيعُ وخَاصَّةً المَسِيحِيُّونَ، وهكذَا تَغَيَّرَتْ طَبِيعَةُ الزَّمَانِ والمَكانِ والإِنْسَانِ والسُّكَّانِ فِي عَصْرٍ وعُصُورٍ وعَقْدٍ وعُقُودٍ. فَطَبِيعَةُ العُرُوشِ والمَمَالِكِ فِي المَاضِي كانَتْ عَلى أَسَاسِ الغَالِبِ والمَغْلُوبِ والبَقَاءِ لِلأَقْوَى فِي مَرَاحِلٍ مَا ولَيْسَ دَائِمَاً، مَثَلاً، قِيَامُ بَابِلَ وسُقُوطِهَا أَو قِيَامُ آشُورَ وسُقُوطِهَا، وأَمْثِلَةٌ أُخْرَى مَعْرُوفَةٌ ومَعْلُومَةٌ تأرِيخِيَّاً وجُغْرَافِيَّاً. وهكذَا، حَصَلَ إِخْتِلاطٌ بَيْنَ فِئَاتٍ وأَقَلِيَّاتٍ فِي مَكانٍ وزَمَانٍ مَا بِسَبَبِ الهُرُوبِ والنُّزُوحِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ. والإِخْتِلاطُ والعَيْشُ سَوِيَّةً هُنَا وفِي هذَا المَقَامِ لا يَعْنِيَ التَّمَاثُلَ والإِنْتِمَاءَ، فَإِنْ عَاشَ شَخْصَانِ، مَثَلاً، فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لا يَعْنِي هذَا بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُمَا يَنْتَمِيَانِ لِعَائِلَةٍ واحِدَةٍ أَو عِرْقٍ واحِدٍ، وإِنْ عَاشَ الآشُورِيُّونَ مَعَ الكُرْدِ فِي مَنَاطِقٍ جُغْرَافِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ بِحُكْمِ الأَقْدَارِ، فِي مِثَالِنَا هذَا، فَهذَا لا يَعْنِيَ بِالضَّرُورَةِ الحَدِيثَ عَنِ القَوْمِيَّةِ ذَاتِهَا، إِنَّمَا هُوَ المُشَارَكَةُ فِي الأَرْضِ والمَصِيرِ والقَدَرِ والأَسْبَابِ ونَتَائِجِ الأُمُورِ وخَوَاتِيمِ الأَحْدَاثِ. والأَهَمُّ هُنَا، أَنَّهُم كُلُّهُم عِرَاقِيُّونَ، وهذَا هُوَ الوَطَنُ الوَاحِدُ ومَحَبَّةُ الإِنْسَانِ لِأَخِيهِ الإِنْسَانِ، وهُوَ مَآلُ الكَلامِ ومُفَادُ الأَمْرِ والمَضْمُون. وذُو الرَّأْيِ المُخَالِفِ مَنْ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فالأَمْرُ حِينَذَاكَ لا عِلاقَةَ لَهُ بِالعِلْمِ والتَّفْسِيرِ والتأرِيخِ أَو وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وإِنَّمَا هُوَ العِنَادُ والتَّعَصُّبُ والجَّهْلُ بِالتأرِيخِ أَو قِصَرُ النَّظَرِ، أَو هِيَ عُقَدٌ شَخْصِيَّةٌ وهَوَى، ولَنْ يَكُونَ العِنَادُ هُنَا مُجَرَّدَ رُؤًى، وإِنَّمَا هُوَ جَهْلٌ أَعْمَى. وعِندمَا أُقُولُ "أَصْلِيٌّ" أَو "أَصْلِيَّةٌ" فَعَلى القَارِئِ "أَوَّلاً وإِدْرَاكَاً" أَنْ يَعْرِفَ الفَرْقَ والفُرُوقَ بَيْنَ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ والتأرِيخِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ كالفَرْقِ بَيْنَ الأَرْضِ والوُجُودِ والخَلِيقَةِ والحَضَارَةِ والوَطَنِ والدَّوْلَةِ والأُمَّةِ والبِلادِ بِكُلِّ مَعَالِمِهَا المَعْرُوفَةِ. فَالأَرْضُ، مَثَلاً، وُجِدَتْ قَبْلَ الخَلْقِ والإِنْسَانِ وطَبِيعَتِهِ وهِيَ الخَلِيقَةِ. والأَرْضُ بِنَاسِهَا وخَلْقِهَا وحَضَارَتِهَا أَو حَضَارَاتِهَا "كمَا هُوَ الحَالُ فِي بِلادِي العِرَاقَ" وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَوْلَةً أَو بَلَداً ثُمَّ وَطَنَاً أَو أُمَّةً إِنْ أَرَادَ سَاكِنُوهَا أَو سُكَّانُهَا مَا أَرَادُو. والإِنْسَانُ قَدْ يُخْلَقُ أَو يُولَدُ أَو يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ وتُرْبَتِهِ ويُدْعَى "إِنْسَانٌ" فِي خَلْقِهِ وخَلِيقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى "سُومَرِيٌّ" أَو "بَابِلِيٌّ" أَو "كِلْدَانِيٌّ" أَو "آشُورِيٌّ" أَو مِنْ حَضَارَةٍ أَو مُجْتَمَعَاتٍ أُخْرَى بِحُكْمِ الدَّوْلَةِ والحُكْمِ والحَاكِمِ والغَالِبِ والمَغْلُوبِ فِي السِّيَاسَةِ أَو الدِّينِ أَو الإِيمَانِ أَو عَادَاتِ البَشَرِ أَو تَقَالِيدِ النَّاسِ. وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ والمَقَالِ ثَمَّةَ رِحْلَةٌ ومَحَطَّةٌ تَشْغَلُنِي خاصَّةً وأَنَّ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ، ومِنْهُم العُلَمَاءِ، لا زَالَ يَجْهَلُ "جَهْلاً أَو عَمْداً عَلى عَيْنٍ" الفَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ. وهُنَا أَقُولُ، وهَذَهِ وِجْهَةُ نَظَرِي ومَا أَعْتَقِدُهُ فِي هذَا الأَمْرِ: وأَمَّا المَسِيحيَّةُ، وهِيَ إِيمَانُ القَوْمِيَّةِ الآشُورِيَّةِ، فَهِيَ إيمَانٌ وعِلاقَةُ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ بَيْنَ الرَبِّ والخَلِيقَةِ السَّمَاوِيَّةِ وأَوْلادَهِ فِي الخَلِيقَةِ الإِنسَانيَّةِ الأَرْضِيَّةِ، وهِيَ لَيْسَتْ عِلاقَةٌ قَهْرِيَّةٌ بَلْ صَدَاقَةٌ أَبَوِيَّةٌ، وهذَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ "الدِّينِ" الذي بُنِيَ عَلى الخَوْفِ والنَّهْيِ والأَوَامِرِ كالإِسْلامِ واليَهُودِيَّةِ، وبَيْنَ "الإِيمَانِ" الذي أَسَاسُهُ الحُرِّيَّةُ والكَرَامَةُ الإِنْسَانِيَّةُ فِي العِبَادَةِ والإِخْتِيَارِ كالمَسِيحِيَّةِ، لِهذَا فَالمَسِيحِيَّةُ لَيْسَتْ دِيَانَةٌ بَلْ إِيمَانٌ حُرٌّ وأُسْلُوبُ حَيَاةٍ -- والحُبُّ والمَحَبَّةُ هِيَ إِطَارُ تِلْكَ الحُرِّيَّةِ. فِي الدِّينِ، مَثَلاً، إِنْ صَلَّيْتَ أَحَبَّكَ اللهُ ورَضِيَ عَنْكَ، وإِنْ لَم تُصَلِّ كُنْتَ فِي دَائِرَةِ الغَضَبِ، ورُبَّمَا، كانَ لَكَ مَقْعَدٌ فِي الجَّحِيمِ!! لكِنَّ الإِيمَانَ شَيءٌ آخَر، فَأَنْتَ إِنْ صَلَّيْتَ أَم لَمْ تُصَلِّ أَحَبَّكَ الرَّبُّ وإِنْ كُنْتَ غَيْرُ صَالِحٍ طَوَالَ الوَقْتِ - كمَا أَحَبَّ اللهُ دَاوُدَ رَغْمَ الخَطِيئَةِ وأَحَبَّ إِبْنَهُ سُلَيْمَانَ رَغْمَ الأَخْطَاءِ المَعْرُوفَةِ - لأَنَّكَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إِنْسَانٌ ضَعِيفٌ مِنْ تُرَابٍ ومَاءٍ، وأَيْضَاً، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ "فِي الإِيمَانِ" أَبَدِيَّةٌ ونِعْمَةٌ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ أَسَاسُهَا النَّقَاءُ. فَهُوَ الخَالِقُ وأَنْتَ المَخْلُوقُ، وهُوَ الصَّانِعُ البَّارُّ وأَنْتَ الفَخَّارُ، وهذَا مَا يُسَمَّى بالمَحَبَّةِ الأَبَوِيَّةِ أَو المَجَّانِيَّةِ "الأَكَابَا أَو الأَغَابَا" وهذَا هُوَ جَوْهَرُ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ وهُوَ السِّجْنُ الكَبِيرُ الذي يَعْتَمِدُ عَلى النُّصُوصِ والتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ ومَا كُتِبَ وكانَ، وبَيْنَ الإِيمَانِ وهُوَ الحُرِّيَّةُ فِي التَّفْسِيرِ والتَّفْكِيرِ والرُّجُوعِ إِلى ضَمِيرِ الإِنْسَانِ -- ولا يَتَوَفَّرُ الخِيَارُ المُطْلَقُ فِي الدِّينِ الذي بُنِيَ عَلى أَسَاسِ الخَوْفِ مِنَ النَّفْسِ والنَصِّ المَكْتُوبِ، وقَدْ يَصِلُ الأَمْرُ إِلى الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ والخَوْفِ مِنَ الدِّينِ والرَّبِّ بَدَلَ حُبِّهِ ومَحَبَّتِهِ واللُّجُوءِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَحْسُوبٍ! كانَتْ تِلْكَ مَحَطَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ لاهُوتِيَّةٌ، ونُكْمِلُ الرِّحْلَةَ البَغْدَادِيَّةَ الجَّمِيلَةَ، والرِّحْلَةُ فِي بِدَايَتِهَا... وجِسْرٌ جَمِيلٌ بَيْنَ الأَعْظَمِيَّةِ والكاظُمِيَّةِ، إسْلامٌ هُنَا وإسْلامٌ هُنَاكَ لا فُرُوقَ وَهِمِيَّةً ولا سُمُومَ فارِسيَّةً -- مُسْلِمُو العِرَاقِ مِنْهُم عِرَاقِيُّونَ مُثَقَّفُونَ أَو حِجَازِيُّونَ طَيِّبُونَ أَسَّسُو دَوْلَةَ العِرَاقِ وأَحَبُّوهَا فَعَمَّرُوهَا وجَعَلُوهَا كالشَّمْسِ فِي سَمَاهَا، ومِنْهُم فِي الأَصْلِ فارِسيُّونَ إِسْتَوْطَنُو الأَرْضَ كالبَكْتِرْيَا الضَّارَةِ فَأَمْرَضَوهَا وأَضْعَفُوهَا وأَنْهَكُوهَا فَأَمَاتُوهَا. مَسَاجِدُ وجَوَامِعُ العِرَاقِ بِثُرَاثِهَا وجَمَالِهَا وتَصَامِيمِهَا المِعْمَارِيَّةِ، فِي البَصْرَةِ والموصِلِ وكَرْكُوكَ وصَلاحَ الدِّينِ والأَنْبَارِ وأَرْبِيلَ والنَّجَفِ وكَرْبَلاءَ وسَامَرَّاءَ وبَغْدَادَ المَنْصُورِ ودُرَّتِهِ العَبَّاسِيَّةِ، إِهْتَمَّ بِهَا المُلُوكُ والرُّؤَسَاءُ فِي عُصُورٍ تأرِيخيَّةٍ، فَأَصْبَحَتْ تُحَفَاً فَنِيَّةً...، القَاهِرَةُ والوَزيريَّةُ وسِحْرُ الأعْظَميَّةِ، ومَرَّةً أُخْرَى، حَبِيبَتِي الأَعْظَمِيَّةُ، عَرُوسُ المَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ البَغْدَادِيَّةِ، وأضْواءُ "أَبُو حَنيفَةَ" والمَقْبَرَةُ المَلَكيَّةُ، ورَأْسُ الحَوَاشِ وجَمَالُ بَنَاتِ الحَريرِي وإِنْتِظَارُ الجَّرَسِ فِي العَصْرِيَّةِ، وقاسِم والكَصُّ مَعَ الصَّمُّونِ أَو خُبْزِ التَّنُّورِ بِالسِّمْسِمِ والسِّمْسِمِيَّةِ، والسُّوقُ العَبَّاسِيُّ والبِقَالَةُ والبَّقَّالَةُ والأَسْوَاقُ والمَحَلاّتُ والمَطَاعِمُ الشَهِيَّةُ، وأَشْهَى الدَّجَاجِ والكبَابِ مِنْ مَطْعَمِ "أَبو فِرَاسٍ" والأَسْوَاقُ الرَّاقِيَةُ مَعَ أَصَالَةِ الأَسْوَاقِ الشَّعْبِيَّةِ. مَكْتَبَةُ الصَّباحِ ثُمَّ راغبَة خَاتُون والعَوْدَةُ إِلى سَاحَةِ عَنتَرَ ثُمَّ "لاحِقَاً" قَنَاةِ العِرَاقِ الفَضَائِيَّةِ، أو شَارِعِ عُمَر بِن عَبد العَزِيزِ إِلى الجِّهَةِ الشَّرْقِيَّةِ. نَسَمَاتُ بَغْدَادَ وثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، والسَيَّاراتُ والبَاصَاتُ "110" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ والفُورتَاتُ، والمُسْتَشْفَى والدَّهَالِيكُ والسَّاحَةُ الدَّائِريَّةُ، سَاحَةُ نَاظُم الطَّبَقْجَلِيُّ إِلى ثَانَوِيَّةِ الإِنْتِصَارِ، مَرْحَبَاً فِي سَبْع أَبْكار، بِجُسُورِهَا وأَسْوَاقِهَا ومَدَارِسِهَا وجَمَالِ طَالِبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ، والكِرِيعَاتُ إِلى كُلِيَّةِ المُعَلِّمِينَ أَو نَسِمِ المَزَارِعِ والرَّاشِدِيَّةِ. الغَرَامُ والغَزَلُ فِي جَزِيرَةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، أَو العَوْدَةُ إِلى قَنَاةِ الجَّيْشِ وآفَاقَ عَرَبِيَّةٍ، حَيْثُ البِنَايَاتُ البَيْضَاءُ والبَيْضَوِيَّةُ، وهكذَا، إِلى اليَمِينِ مَنْ أَرَادَ الذِّهَابَ إِلى جَمَالِ وهُدُوءِ ورُقِيِّ السِتْ مِيَّة، والبَدَّالَةِ وأَسْرَارِهَا الوَرْدِيَّةِ، وهِيَ، أَيْ السِتْ مِيَّة، حَبِيبَتِي الشَّرْقِيَّةُ...، الكرَّادَةُ بِجَنَاحَيْهَا ومَسَاجِدِهَا وكَنَائِسِهَا وشُمُوعِهَا البَيْضَاءِ، والدِلالُ ومَاءُ كهْرَمَانَةَ الحَسْنَاءِ، لِنَعْبُرَ ونَصِلَ إِلى الزِّحَامِ والمِيدَانِ وبَابِ المُعَظَّمِ والشَّيْخِ مَعْرُوفَ والكِفَاحِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ...، والشِّيخُ عُمَر والأَحْيَاءُ الصِّنَاعِيَّةُ والوِرَشُ والسَّيَّارَاتُ... مَرْحَبَاً دِجْلَةَ الخَيْرِ فِي لَيَالِ السَّمَرِ، والقَارِبُ الصَّغِيرُ والبَلَمُ الأَصْغَرُ، والقِشْلَةُ والتأريخُ والعَسَاكِرُ والعَسْكرُ، والقَصْرُ العَبَّاسِيُّ والحَجَرُ الأَصْفَرُ، والمَدْرَسَةُ المُسْتَنْصِريَّةُ والتأريخُ إِنْ تَكَلَّمَ وحَدَّثَ وأَخْبَرَ وخَبَّرَ، سُوقُ الصَفَافِيرِ والطَّرْقِ بالمَسَامِيرِ، الفَنُّ والذَّوْقُ والتُّحَفُ والأَنْتِيكاتُ والسَمَاوَرُ، والعُمُلاتُ والتأرِيخُ والحَنِينُ والأَصْلُ والدَّنَانِيرُ، والبَشَرُ فِي السُّوقِ كَثِيرٌ وهُم الطَّيِّبُونَ مِنَ البَشَرِ، مِنْهُم مَنْ تَنَاوَلَ الطَّعَامَ ومِنْهُم مَنْ شَرِبَ الشَّايَ أَو العَصِيرَ، مِنْهُم مَنْ تَذَكَّرَ مِنْ أَيَّامِهِ الكثِيرَ، فَذَكِّرْ بِالخَيْرِ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى والتَّذْكِيرُ، ومِنْهُم مَنْ أَدْمَعَ حُبَّاً وفِي حُبِّ بَغْدَادَ ظَلَّ أَسِيرٌ، وهذَا إلى السَّاعَةِ يُشِيرُ، والقُلُوبُ والأَذْوَاقُ والطُيُورُ فِي سَمَاءِ بَغْدَادَ تَطِيرُ، والنَحَاسُ والفِضَّةُ والسَجَّادُ والحَصِيرُ، سُوقُ السَّرَاي والقِرْطَاسُ والكُرَّاسُ ومَوَاسِمُ المَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ، ونَعْبُرُ مَرَّةً أُخْرَى، تِلْكَ هِيَ السَّفَارَاتُ، والأَحْيَاءُ الرَّاقِيَةُ والنَّقَابَاتُ، والمَنْصُورُ ومَعْرَضُ الزُّهُورِ، شَوَارِعٌ وطُرُقٌ جَمِيلَةٌ فِيهَا الرُّقِيُّ والنِّظَامُ والمُرُورُ...، البَرَامِجُ التِّلْفِزيُونِيَّةُ، إستراحَةُ الظَّهيرةِ مَعَ محمّد وأَمَل ومَقَالِبُ الحُبِّ، مُوسِيقَى هارُوت بامبُوكجيان ورَوْعَةُ النَّغَمَاتِ الأَرْمَنِيَّةِ، والكوميديا والنَّقْدُ الهادِفُ دُونَ عَتَبٍ، والنِّسْرُ وعُيُونُ المَدينَةِ والإِبْدَاعُ فِي الدرَامَا العِرَاقِيَّةِ، حُسْنِيَّة خاتُون وكَمْرَة ورِجَب، أَيَّامُ الإجازَةِ مَعَ شَايِ النِّعْنَاعِ فِي القُورِي الفَرْفُورِي، إِمّْا المُسَلْسَلُ أَو التَّمْثِيلِيَّةُ أَو الكومِيديا العائِليَّةُ، أَو فِلْمُ السَّهْرَةِ ثُمَّ السَّلامُ الجُمْهُورِيُّ، والمَحْبُوبُ عِزّي الوَهاب يَبْتَسِمَ للجَّميعِ ويَجْتَهِدَ ويُتَرْجِمَ ويَكْتُبَ مَسْرَحِيّاتِ الأطْفالِ وأصْدِقاءَ المَزْرَعةِ، والمَزْرَعَةُ لَهَا أحْبابٌ وأصْدِقاءٌ والكُلُّ لَهَا مُحِبٌّ، مَسْرَحِيَّاتُ الأطْفَالِ وإبْداعُ أحْلام عَرَب، عارِضَاتُ الأزْياءِ وزَيُّونَةُ، هُنَّ مَصْلُ الجَمَالِ وأصْلُ الدَّلالِ، والجَمَالُ فِي عُيُونٍ عِراقِيَّةٍ شَرْكسِيَّةٍ، إِبْدَاعُ حَسَن حُسْنِي وهُدُوءُ وأَمَل سِنَان والقِطَّةُ الجَمِيلَةُ "البَزُّونَةُ" هَدِيل كامِل والتَّشْويقُ والإِثَارَةُ ومُسَلْسَلُ نادِيَة، بَيْتٌ وخَمِسُ بيبانِ وعُنْجُر - لَك هِيَّة هاي يِمْنَة؟! وكُلُّ مَوْسِمٍ مَسْرَحِيَّةٌ... الشَّبَابُ والتِّلْفَازُ والخَمِيسُ والجُمْعَةُ والليَالِيَ البَغْدَادِيَّةُ، إقبالُ حَامِد وإِبْتِسَامَتُهَا وخَمائِلُ وجَمَالُهَا وفِريالُ ورُقِيُّهَا ومَديحةُ ودَلالُهَا وسُهاد وأُنُوثَتُهَا، هُوَ الجَّمَالُ وهِيَ ثَقَافَةُ النِّسَاءِ، العِلْمُ لِلجَّميعِ وكامِلُ الدّبّاغ فِي مَسَاءِ الأَرْبِعَاءِ، والأَفْلامُ والمُسَلْسَلاتُ والفَنُّ فِي نَمَاءٍ، هِند كامِل وجَمَالُهَا النَّادِرُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فِيهَا الأُنُوثَةُ والهُدُوءُ والأَنَاقَةُ والثَّقَافَةُ والعُيُونُ والكُحْلُ والبَهَاءُ، وُلِدَتْ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ، فِي فَنِّهَا عَلامَةٌ شَيْمَاءُ، فَكانَتْ سِتُّ الحُسْنِ وكانَ فِيهَا حُسْنُ الأرْضِ والسَّمَاءِ...، سِينَما الأَطْفالِ ونِسْرين جُورج الجَميلَةُ الهادِئةُ... والدِّرَاسَةُ والتَّحْلِيلُ والأَفْلامُ هَادِفَةُ...، حَسْناءُ الإعْلامِ أمَل حسين بِجَمالِ عَيْنَيْهَا وإبْتِسامَتِها النَّقيّةِ، تَقَعُ فِي حُبِّهَا لا مَحَالَ، والأزْيَاءُ البَهِيَّةُ والأَنَاقَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وفِي كُلِّ حالٍ...، السِّينَمَا والفَنُّ والغِناءُ والثَّقَافَةُ والأدَبُ، والقُلُوبُ النَّقِيَّةُ والضّحِكُ مِنَ القَلْبِ، سينَما أطْلَسُ وأفْلامُ الأكشِنِ والكُوميديا والحُبِّ، فائِق يَتَزَوّج وسِتَّة عَلى سِتَّة ولَيلَى وسَنَاءُ والنِّسَاءُ...، حَسْناءُ الفَنِّ والرَّقْصِ لَيلَى محمَّد سَكَنَتْ القُلُوبَ تارَةً بِحُسْنِهَا وتارَةً بِدَلالِهَا بَيْنَ الرَّقْصِ والإِغْرَاءِ والأُنُوثَةِ والحَيَاءِ، أَمِيرَةُ جَمَالٍ ودَلالٍ، وجَمَالُهَا هَدِيَّةٌ مِنَ السَّماءِ والرَّبِّ، لَهَا إِبْتِسَامَةٌ تَأْسِرُ الرَّجُلَ فِي لَحَظَاتٍ، ونَظْرَةٌ لَهَا مَا لَهَا مِنْ هَمَسَاتٍ... ولا كَلِمَاتٍ...، هُدُوءُ غازي فيصَل وصَوْتُ مِقداد مُرَاد وأدَبُ نِهاد نَجِيب، عَدَسَةُ الفَنِّ وخيريّة حَبيب، الفَطُورُ والبَيْضُ والعَسَلُ والحَلِيبُ، الغَدَاءُ جاهِزٌ مَعَ الرُّزِّ والدَّجاجِ والتّشْرِيبِ، والعَشَاءُ صِحِيٌّ خَفيفٌ مَعَ العَصِيرِ والزَّبِيبِ، خَليل الرِّفَاعِي وأَبو البَلاوي، والخَيْطُ والعُصْفورُ والمَسْرَحِيَّاتُ الكُوميديَّةُ، وأوَّلُ مَقْهَىً نِسَائِيٍّ للقِراءَةِ وإغْنَاءِ العُقُولِ النِّسَائيَّةِ، أعيادُ المِيلادِ وفَرَحُ الكنَائِسِ العِرَاقِيَّةِ، رأسُ السَّنَةِ والأضْواءُ والألوانُ البَهِيَّةُ، ليالِي رَمَضانَ والمُسَلْسَلاتُ التِلْفِزيُونيَّةِ، والله بالخير وتِدّلَّل عيوُني، والأَصْدِقَاءُ والأَصْحَابُ والرِحْلاتُ الجَّمَاعِيَّةُ، والسَّفْرَاتُ والسَيَّارَاتُ والتُويُوتَا والمَرسِيدس والبَرَازِيلِي، والأعْيادُ والصَبَاحُ الباكِرُ والكاهِي والمَحَلَّبِي، والكليجَةُ "أُمُّ التَّمُرِ" والكاستَر والبَقلاوَة والزلابيَة، شَرْبَت "عَصِيرُ" نادِر والدِّبْسُ والرَّاشِي، زِيارَةُ الصَّغيرِ للكَبيرِ والإحْتِرامُ والأُصُولُ واللَّمَّةُ العائِلِيَّةُ، والكِبَارُ والصِّغارُ والأجْدادُ والجُدُودُ "جِدُّو وبِيبِي ونانا" والعِيديَّةُ، البَرَامِجُ والمُسَابَقَاتُ ورَاسِم الجُمَيْلِي، والحَرْبُ والسَّلامُ والمُجْتَمَعُ والأَفْرَاحُ والأَحْزَانُ والجَّيْشُ الشَّعْبِيِّ...، عادِل إمَام بِجَمَالِ بَغْدادَ يُعْجَبُ، نُجومُ مِصْرَ والخَليجِ والمَغْرِبِ، مَعَ العِراقيّينَ بالنَّصْرِ يَحْتَفِلُ العَرَبُ، وكُلٌّ فِي بِلادِهِ مُرَحَّبٌ... وتَسْتَمِرُّ الحَرْبُ... والكُلُّ يُغَنِّيَ ويُنْشِدَ الأَغَانِيَ الوَطَنِيَّةَ، يَا كَاع ترابِج كافُورِي ومَنْصُورَة يَا بَغْدَادَ وإحْنَه مِشِينَه للحَرُب...، والتَّعْلِيمُ والحَيَاةُ والسَّنَوَاتُ فِي المَدَارِسِ والمَعَاهِدِ والجَّامِعَاتِ والبُيُوتِ ودُرُوسُ التَّقْوِيَةِ...، والطَّبْخُ والمَطْبَخُ مَمْلَكَةُ المَرْأَةِ والطَّبْخَاتُ العِرَاقِيَّةُ... ومَا أَدْرَاكَ مَا الأَكَلاتُ العِرَاقِيَّةُ، السّمَكُ والمَقْلُوبَةُ والدّولمَة والمَحْشِي، والمَخْلَمَةُ والقُوزِي والبِرْيانِي، وتِشْرِيبُ البَاكِلَّةِ، آهٍ آهٍ، والشُّوربَةُ العِراقِيَّةُ... وهِيَ الأشْهَى فِي الأرْضِ والمَطَابِخِ العَرَبيَّةِ والعَالَميَّةِ، حاوَلْتُ جاهِدَاً أنْ أصْنَعَ وأُحَضِّرَ ولَوْ شَبِيهَاً لَهَا وبِهَا فَعَجِزْتُ وتَرَكْتُ الأمْرَ... خَلَصْ هاي هِيَّة... وهِيَ لِي مُجَرَّدُ قِصَّةٍ جَميلَةٍ وذاكِرَةٍ أو طُفُولَةٍ وَرْدِيَّةٍ، والكَبابُ واللحومُ المَشْويّةُ، والشَبَابُ والبِيرَةُ والكُرَةُ والرِّيشَةُ والسِّبَاحَةُ والسَفْرَاتُ والسَّيَّارَاتُ والثِّرْثَارُ والحَبّانِيَّةُ، العِشْقُ والغَرَامُ والَّليَالِي والِّلقَاءُ فِي جَزِيَرةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، والشَّمَالُ وأربيلُ وشَلاّل كلِي عَلِي بَك وشَقْلاوَةُ الجَبَلِيَّةُ... شَقْلاوَة... نَسِيمٌ وجَنَّةٌ وخُضْرَةٌ ورَبِيعٌ وجَمَالٌ وحَلاوَةٌ...، وسِحْرُ المَرْأةِ العِراقيَّةِ، وغَزَلُ البَناتِ وغَمْزُ العُيُونِ العَسَلِيَّةِ، ذَوَبَانُ القُلُوبِ والتَّعَارُفُ وأرْقامُ الهَوَاتِفِ الأرْضِيَّةِ...، الفَوَازِيرُ ودَلالُ نِيللي ورَقْصُ شِيرِيهَان، أَلفُ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ وأفْلامُ كَرْتونِ بَعْدَ الظُّهْرِ والإنْتِظَارُ، ساسُوكي وسَاندِي بل وسِندبادُ بَغْدادَ والليْدي أوسكار، دايسكِي وكُوجِي وعدنانُ ولينا وحُبُّهُم المُستَحِيلُ وقِصَّةُ حُبٍّ أبَديَّةٍ ومِنَ القُبْطَانِ نَامِقٍ لا مَهْرَبَ أو مَفَرَّ، وعَبْسِي وبَشّارُ، إفْتَحْ يا سِمْسِم والسَّاعةُ السَّادِسَةُ والكَعْكُ والشَّايُ والعَصْرِيّةُ، هوسانيانج وجَمَالُهَا وسُيُوفُهَا ولِن تشُونغ وبُطُولاتُهُ وكاوشيُو وشَرُّهُ وحافّةُ المِياهِ وحافّاتُهَا الصِّينيّةِ بإثارَةٍ يابانِيّةٍ، أَحْمَد راضِي وكأسُ العالَمِ وشَيْخُ المُدَرِّبينَ عَمُّو بابا، والسّاحِرُ مارادُونَا، والصُّرَاخُ والفَرَحُ فِي جَلَسَاتٍ نَهَارِيَّةٍ لَيْلِيَّةٍ، وهَدَفٌ عَلى إنْجِلتَرَا بِيَدِهِ الذَهَبيَّةُ، لِيُصْبِحَ الرَّقمُ عَشْرَةَ مِنَ الأَرْقَامِ السِّحْرِيَّةِ، والبَدْرِي والرِّياضَةُ والبُطُولاتُ الخَلِيجِيَّةُ - وبُويَة إحْنَه العِرَاق - والفَوْزُ بِالثُلاثِيَّةِ، هِيَ عَقْدٌ وأزْمِنَةٌ وما تَلاهَا...، والتِّسعينيّاتُ والأحْزانُ والشَّهيدَةُ نِضال فاضِل التي قُتِلَتْ بِصَوارِيخٍ أمريكيَّةٍ، وشُهَداءٌ مِنَ النِّسَاءِ والأطْفالِ والتَّلامِيذِ فِي العامِريّةِ، والصّواريخُ فَوْقَ الدّارِ، والشَّهيدَةُ ليلى العَطّارِ -- مِن أجْمَلِ ما خَلَقَ الرَّبُّ من نِساءِ سُومَر وأَكَد وبَابِلَ وأشُورَ والفَنِّ والرَّسْمِ والضِّياءِ والفَنَارِ، غارَ مِنْها القَمَرُ ومِن جَمَالِها الجَّمَالُ غَارَ -- وأُخْتُهَا الحَسْناءُ المُهاجِرَةُ سُعاد العَطّار، أجْمَلُ اللوْحَاتِ فِي الليَالِي والأسْحَارِ، وسِحْرُ العُيُونِ والأُنوثةِ والحَيَاءِ، راقِياتٌ مِنَ زَمَانٍ وعَصْرٍ أشْرَقَتِ الشَّمْسُ فِيهِ والقَمَرُ نَارَ، وبَرَامِجٌ فِيهَا الفائِدَةُ والفَرَحُ والسُّرُورُ، والتّوْعِيَةُ وثَقافَةُ السِّيَاقَةِ والمُرُورِ، يَحيى إدْريسُ والمَقَامُ والطَّرَبُ وأصْلُ المُوسِيقَى والجُّذُورِ، رِضَا الخَيَّاطُ وطَيْرُ الحَمَامِ والجُوبِي وصَلاح عَبد الغَفُور، وَليد حَبُّوش وخالِد جَبُر والمَرسَمُ الصّغيرُ، ورَغْمَ الحِصارِ يَسْتَمِرُّ التَّعْميرُ، والمَجالِسُ ومَقَاهِيَ التَّحْريرِ، دِجْلةُ وأَبُو نُؤاسُ والسَّمَكُ والّليالِيَ والشَّبابُ والنِّسَاءُ والسَّهَرُ، صَوْتُ فَيْروزَ وَقْتُ الصَّباحِ وأُمُّ كلثومَ وَقْتُ السَّحَرِ، قِصَّةُ حُبٍّ مُعاصِرَةٌ والنَّجْمَةُ الجَّميلَةُ سُهير أَيَاد بِوَجْهٍ كالقَمَرِ، وإبْتِسَامَةٍ كالسِّحْرِ -- ولَهَا إبْداعٌ وتَّكْرِيمٌ وفَخْرٌ... ذِئَابُ اللَّيْلِ والتَّشْوِيقُ والكُلُّ فِي البُيُوتِ مَعَ العَصِيرِ والفَاكِهَةِ أو الشّايِ مَعَ الهَالِ "أَبُو الهِيلِ" يُحَضَّرُ...، إِخْتَفَتْ رُومَانسِيَّةُ السَبعينيَّاتِ بِأَغَانِيهَا وغَابَتْ، وإِخْتَفَى الطَّرَبُ الأَصِيلُ وبَكَتْ المُوسِيقَى وأُصُولُهَا الإِيقَاعِيَّةِ وتَغَيَّرَتْ، وأَصْبَحَ للأَغَانِيَ طَعْمٌ ومَذَاقٌ خَاصٌّ وغَرِيبٌ يَتَمَاشَى مَعَ "السَّاسَةِ" والسِّيَاسَةِ والأَغَانِيَ الوَطَنِيَّةِ، وإخْتَفَى العَصْفُ الذِّهْنِيُّ فَكَانَ البَدِيلُ هُوَ الأَلْحَانُ التُرَثِيَّةُ أَو التُّرْكِيَّةُ...، فَرَحُ والدّانَةُ والرَّشيدُ والأَجْراسُ وفِرَقٌ عِراقِيَّةٌ وخَلِيجِيَّةٌ...، الشَّبَابُ تِي فِي وهَيْثَم يُوسف وصَوْتُ الحَنِينِ والحَنَانِ، وأُمُّ كلثوم بِصَوْتِ قاسِم السُّلْطَان، ومَعَهَا أَلْحَانُ الأَغانِي التُرْكِيَّةِ بِنَكْهَةٍ جَمِيلَةٍ عِرَاقِيَّةٍ...، الدَّلَعُ والجَّمَالُ مَعَ الدَّلالِ والمُوسِيقَى والمَسْرَحِيَّاتِ الغِنَائِيَّةِ والإِسْتِعْرَاضِيَّةِ، غَالِيَةُ والمَهَا، أَطْرَافُ المَدِينَةِ والحَسْنَاءُ لَيلَى محمّد بِجَمَالِهَا ودَلالِهَا ورَقْصِهَا، وبَعْدَهَا غِزْلانُ وشَعْرُهَا الغَجَرِيُّ تَرْقُصُ وتُغَنِّي رَوَائِعَ سَعْدِي الحِلِّي فِي مَسْرَحِيَّةٍ أُخْرَى...، الشَّبَابُ والحَيَاةُ والسَنَوَاتُ والأيَّامُ والطُّفُولَةُ والمُرَاهَقَةُ الشَقيَّةُ...، لكِنْ بِرَغْمِ "الشَّقَاوَةِ والوَقَاحَةُ والوِكاحَةُ" وهذَا وذاكَ وذلِكَ مِنَ الطُّفُولَةِ والصِّبَى والمُرَاهَقَةِ ومَا تَلاهَا وهُوَ أمْرٌ طَبِيعِيٍّ ومِن فُصُولِ الحَيَاةِ وجَمَالِهَا، لكِنْ يَبْقَى الرُّقِيُّ والإحْتِرامُ وتَبْقَى الأُصُولُ والتَّرْبيَةُ، التَحَدُّثُ بِهُدُوءٍ ولُطْفٍ والصَّوْتُ لا يُرْفَعَ وأدَبُ الرَّدِّ والتَّحِيَّةِ، للسَّلامِ والوُقُوفِ والجُّلُوسِ آدابٌ وكَيْفِيَّةٌ، لا جِدالَ مَعَ الجّاهِلِ والمُنْحَطِّ "والأدَبْسِز" فَهُنَاكَ مَنْ هُوَ راقٍ وهُنَاكَ هَمَجٌ وعَشْوائِيَّةٌ، والمُعَلِّمُ إذا مَرَّ فِي الطَّريقِ أو الشّارِعِ هَرَبَ مَنْ هَرَبَ أو وَقَفَ مَنْ وَقَفَ مِنَ التَّلامِيذِ أو الطُّلاّبِ والطّالِباتِ وطأطأَ مَنْ بَقِيَ الرَّأسَ وألْقَى بِأدَبٍ السَّلامَ والتَّحِيَّةَ، خَجَلاً أو إحْتِراماً أو خَوْفَاً أو حُبَّاً للمُعَلّمِ أو المُدَرِّسِ أو المُدِيرِ أو المُديرَةِ كوَالِدٍ وأبٍ ثانٍ وأُمٍّ ثَانِيَةٍ، وكانَتِ وهِيَ العَادَاتُ والأُصُولُ والأُسُسُ التَّرْبَوِيَّةُ...، تَصَوّرْ جَمالَ الحَياةِ وتَصَوَّرْ! تَصَوَّر... تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضٌ كُتِبَتْ فِيهَا شَرِيعَةُ حَمُّورابِي أقْدَمُ الإكْتِشافاتِ القانُونيَّةِ فِي تأريخِ البَشَرِ والقَوانينِ المَدَنِيَّةِ المَكْتُوبَةِ، بَعْدَ قَوانِينِ الملكِ لبت عِشْتَار "وتَعْنِي لَمْسَةُ الآلِهَةِ عِشْتَار" وسُومَرَ فِي بابِلَ وديالى وشَرْقِ بَغْدادَ، فِي مَسَلَّةٍ سُنَّتْ فِيهَا وعَلَيْهَا 282 شَرِيعَةٌ مِنْ القَضاءِ والجَّيْشِ وحُقُوقِ النَّاسِ والجِّيرَةِ والجَّارِ، وحِمَايَةِ الدَّارِ، والحُقُولِ والزِّراعَةِ والبَسَاتينِ والرَّيِّ والتَّصامِيمِ والمِياهِ والبَيْعِ والأسْعارِ، والتَّسْعِيرِ والتِّجَارَةِ والسَّرِقَاتِ والعُقُوباتِ...، وسُرِقَتْ ونُقِلَتْ مِنْ بابِلَ العِراقِيَّةِ إلى عِيلامِ الفارِسيَّةِ بَعْدَ غَزْوِ بابِلَ "والتأريخُ يُعيدُ نَفْسَهُ ولا عَجَبَ فِي هذا!" لِيَتِمَّ إكْتِشافُهَا وإنْقاذُهَا واليَوْمَ هِيَ فِي مُتْحَفِ اللُّوفَر فِي بارِيس، وأجْزاءٌ أُخْرَى فِي مَتَاحِفِ أسطَنبُولِ والقُدْسِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الإدَارَةَ فِي ألمانيا أُعْجِبَ الجَّمْعُ وتَعَجَّبَ مِنْ عَشَراتِ القَوانينِ التي كٌتِبَتْ وسُنَّتْ بِعَدْلٍ ودِقَّةٍ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، إذْ كانَتْ بِلادِي. تَصَوَّرْ أنْ تَنْهارَ نَيْنَوَى العَظيمَةُ وسُلالَةُ سُرْجُونَ ومُلُوكِ آشُورَ ومَلِكِ الحَرْبِ والسَّلامِ سَنْحاريب! تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضُ مَلِكَةِ الكَوْنِ سَميرأميس حَسْناءِ آشُورَ وحَمَامَةِ النَّهْرَيْنِ دِجْلَةَ والفُرَاتِ وبابِلَ وأرمِينيا وفارِسَ وكُلِّ الشَّرْقِ وكانَ رِضَاهَا أمَلُ كُلِّ حَبِيبٍ! أنْ تَنْهَارَ بَقَايَا بَوَّابَةِ عِشْتارَ التي إكْتَشَفَ أحْجَارَهَا الأصْلِيَّةَ عُلَماءُ بَرْلينَ، لِتُحْفَظَ فِيهَا فَيَراهَا البَعِيدُ والقَرِيبُ! أنْ تَنْهَارَ بابِلُ التي ذُكِرَتْ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وبِدَايَاتِ البَشَرِ وأوَّلُ بُرْجٍ فِي سِفْرِ التَّكْوِين! أنْ تَنْهَارَ حَدائِقُ بابِلَ بِجَنائِنِهَا المُعَلَّقَةِ التي بَناهَا ملكُ بابِلَ وكِلْدَانَ نبُوخذنصّر الثّانِي "بانِي بَوَّابَةِ عِشْتارَ إهْداءً لِبابِلَ" لإرْضاءِ زَوْجَتِهِ الفارِسيَّةِ الحَسْناءِ التي كانَتْ تَبْكِي شَوْقاً إلى جِبالِ فارِسَ وجَمَالِ حَدَائِقِهَا العَالِيَةِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الماجِسْتيرَ فِي ألمانيا وما قَبْلَهَا وبَعْدَهَا وحَلَّقْتُ فِي التأريخِ واللاهُوتِ والحَضاراتِ والسِّياسَةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَّقَافِيِّ والعِمَارَةِ تَوَقَّفْتُ والبروفيسُورُ الألمانِيُّ طَويلاً فِي رَوْعَةِ الحَدَائِقِ وخَرَائِطِهَا الأصْلِيَّةِ، ودِقَّةِ العِمَارَةِ والتَّصَاميمِ الهَنْدَسِيَّةِ، فِي نِظامِ الرَّيِّ والإرْواءِ والعَبْقَريَّةِ، ونَقْلِ المِيَاهِ وإنْسِيابِهَا بِدِقَّةٍ مِنْ مُخْتَلِفِ المُسْتَوَياتِ، رَغْمَ صُعُوبَاتِهَا ورَغْمَ المِيَاهِ والضُغُوطِ والحِسَاباتِ، فَجَعَلَتْ مِنْهَا تُحْفَةً مِعْمَاريَّةً ومِنْ عَجائِبِ العالَمِ القَديمِ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، وفَخُوراً بأرْضِ أجْدادِي. وأذْكُرُ هُنَا ما ذُكِرَ فِي كِتابِ ومُذَكَّراتِ مُرَبيَةِ المَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّانِي والتي كَتَبَتْ فِيهَا بَعْضَ أحادِيثِهَا الجَّميلَةِ "والدَّرْدَشَةَ" مَعَ المَلِكِ الصَّغيرِ وقَوْلَهُ أنَّ لَديْهِ أحْلامَاً وآمَالاً ومِنْهَا أنَّهُ سَوْفَ يَعْمَلَ بِجِدٍّ عِنْدَما يَكْبُرَ ويَحِينَ وَقْتُهُ لِيَجْعَلَ العِراقَ كُلَّهُ حَدائِقَ وجِنَانٍ مُعَلَّقَةٍ وسَوْفَ يَكونَ طَيّاراً كأَبِيهِ المَلِكِ غازِي "الذي يُعَدُّ أَوَّلَ مَلِكٍ حَلَّقَ وطَارَ فَوْقَ المَاءِ والرِّمَالِ،" لِيَطيرَ فِي سَمَاءِ العِراقِ ويَرَى كُلَّ هَذا الجَّمَالِ. تَصَوَّرْ أنْ يَنْهارَ كُلُّ هَذا التأريخِ وتَنْهَارَ الأحْلامُ والآمَالُ! تَصَوَّر!
........
بِقَلَمِ: مازن لِن
© حقوقُ الطّبعِ والنّشْرِ مَحفوظةٌ للكاتِب
2020
Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. All rights reserved.
Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. Alle Rechte vorbehalten.