Iran, Iraq, and Arabs
إِيرَان والعِرَاق والعَرَب

Iran and the Curse of the Demon
إيرَانُ ولَعْنَةُ الشّيْطانِ
لَعْنَةُ الجُغرافيَا السِّياسيَّةِ والعِمَامَةِ الإِيرانيَّةِ
رِحْلَةٌ فِي أَسْرارِ عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ وفُصُولِهِ السِّياسَّةِ
العِرَاقُ والعَرَبُ والغَرْبُ والجِنُّ والجَانُّ
السَّمَاءُ والأَرْضُ
كانَ "مَا" كانَ
الخَلِيقَةُ
الخَلْقُ

 

كيْفَ تَحَوَّلَتْ عَرُوسُ البِلادِ وأَوَّلُ البِلادِ وأَقْدَمُ البِلادِ وأَسْمَى البِلادِ وأَبْهَى البِلادِ وأَزْهَى البِلادِ وأَحْلَى البِلادِ وأَرْقَى العِبَادِ بِناسِهَا بِأَنْهَارِهَا بِأَرْضِهَا بِزِينَتِهَا بِسَمَائِهَا بِخَيْرَاتِهَا بِعِرْقِهَا بِأَصْلِهَا بِفَصْلِهَا بِأُصُولِهَا بِآشُورِهَا بِعِرَاقِهَا وبَغْدَادِهَا بِجَمَالِهَا بِسِحْرِهَا بِحُكَّامِهَا مِنَ المُلُوكِ والأُمَرَاءِ والبَاشَوَاتِ والرُّؤَسَاءِ حَمُورَابي المُعتَلي وآشوربانِيبال أوسنَابير ونَبُوخَذ نَصر وفيصَل الأَوَّل وغازِي وفيصَل الثَّانِي ونُورِي السَّعِيد والبَكِر وصَدّام حسين إِلى مُحَافَظَةٍ مِنْ مُحَافَظَاتِ بِلادِ فَارِسَ! كانَ مَا كانَ مِنَ الأَلِفِ إِلى اليَاءِ -- القِصَّةُ الحَقِيقِيَّةُ بِعُيُونِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ

 

مُقْتَطَفَاتٌ ومُخْتَارَاتٌ وقِطَعٌ مُخْتَارَةٌ، بَعْدَهَا نَرْتَحِلُ ونَنْتَقِلُ إِلى بِسَاطِ التَّفْصِيلِ مِنْ كِتَابٍ إلى آخَرَ ومَكانٍ إلى آخَرَ وزَمَانٍ إِلى آخَرَ لِتَبْدَأَ رِحْلَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ والأَسْرَارِ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ والغَرْبِ وشَاطِئِ البَحْرِ والنَّهْرِ والرَّافِدَيْنِ والنَّهْرَيْنِ

مِنْ كِتَابِ "السَّمَاءُ والأَرْضُ" -- مازن لِن، 2020

 

أَقُولُ إلى حُكَّامِ اليَوْمِ، وهُم حُكَّامُ القَدَرِ والأَقْدَارِ وصَنِيعَةُ الأَرْضِ وغَضَبُ السَّمَاءِ وغَدْرُ الزَّمَانِ... يَقُولُ المَثَلُ الصِّينِيُّ إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ الدَّاخِلِ، ولَكُم أَقُولُ، إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ الإِنْسَانِ، ولَكُم أُضِيفُ، إِنَّ بِنَاءَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ السُّورِ ونَقْشِ الحَجَرِ، وإِنَّ بِنَاءَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ النَّفْسِ وتَعْلِيمِ البَشَرِ، وإِنَّ الفَرْقَ واضِحٌ وجَلِيٌّ بَيْنَ الحِمَارِ والحِصَانِ، فَالحِمَارُ الصَّبُورُ "حَسَبَ تَعْرِيفِ الحِمَارِ لَدَيْكُم، وتَعْرِيفِ الصَّبْرِ عِنْدِي" وإِنْ لَمْ ولا يُشَارِكَ "الأَغْنِيَاءَ" فِي سِبَاقِ خَيْلِ الأَغْنِيَاءِ، لكِنَّهُ يَضْحَكُ عَلى الحِصَانِ إِنْ خَسِرَ السِّبَاقَ، وإِنْ كانَ سِعْرُهُ "أَيْ الحِصَانُ ولَيْسَ الحِمَارُ" أَغْلَى مِنْ سِعْرِ الإِنْسَانِ -- وإِنْ كانَ سِعْرُ الحِصَانِ أَعْلَى مِنْ سِعْرِ صَاحِبِ الحِصَانِ!! وَصَلَتْ؟؟

وأَقُولُ إِلى صَانِعِي الكَرَاسِيَ وتُجَّارِ المَقَاعِدِ وبَائِعِي المَنَاصِبِ فِي سُوقِ بَغْدَادَ الكَبِيرِ، فَعَلْتُم مَا أَرَدْتُم... سَرَقْتُم، قَتَلْتُم، صَنَعْتُم، بِعْتُم، إِشْتَرَيْتُم، إِغْتَنَيْتُم، أَحْرَقْتُم، إِنْتَقَمْتُم، دَمَّرْتُم، وبَغْدَادَ أَبْكَيْتُم، وكانَ مِنْكُم مَا كانَ مِنْ أَمْرَاضِ البَشَرِ وحَقَارَةِ الإِنْسَانِ وأَحْقَادِهِ وعُقَدِ الزَّمَانِ... لكِنَّكُم نَسِيتُم أَنَّ التأريخَ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ أَمْثَالِكُم... فَهُولاكو، مَثَلاً، فَعَلَ أَضْعَافَ مَا فَعَلْتُم، وقَتَلَ أَهْلَ بَغْدَادَ وأَفْقَرَ بُيُوتَهَا وكَسَرَ قُلُوبَ نَاسِهَا وأَحْرَقَ مَكْتَبَاتِهَا ودَمَّرَ تأرِيخَهَا وأَخْفَى مَعَالِمَهَا وأَدْمَى أَنْهَارَهَا وغَيَّرَ أَلْوَانَهَا وأَبْكَاهَا، لكِنَّ بَغْدَادَ بَقِيَتْ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ

وأَخْرَجْتُم مَا فِي عُقُولِكُم مِنْ جَهْلٍ ومَا فِي بُطُونِكُم مِن جُوعٍ وحِرْمَانٍ ومَا فِي طُفُولَتِكُم مِنْ عُقَدٍ وأَحْدَاثٍ وإِنْحِرَافَاتٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ "والجُّوعُ والحِرْمَانُ لَيْسَ عَيْبَاً بَلْ هِيَ مِنْ فُصُولِ الأَقْدَارِ والأَرْزَاقِ ومَشِيئَةِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، لكِنَّ العَيْبَ أَنْ يُحَاسَبَ الآخَرُونَ عَلَيْهَا ويُنْتَقَمَ مِنْهُم بِسَبَبِهَا وهُم مِنْ جِيلٍ آخَر!" وأَصْبَحْتُم بِأَفْعَالِكُم مِثَالاً حَقِيقِيَّاً لِلمَثَلِ القَائِلِ "مِنَ الهُوشِ لِلمَاكِنْتُوش" ولا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَارِنَ إِنْحِطَاطَكُم الإِجْتِمَاعِيَّ والبَشَرِيَّ "لا الإِنْسَانِيَّ" حَتّى بِشَخْصِيَّاتٍ تأرِيخِيَّةٍ مِثْلِ "حَسْنَة مَلص" أَو "عَبَّاس بَيزة" ومَا عُرِفَا بِهِ -- سَمَاسِرَةُ الهَوَى والغَرَامِ والبَغَاءِ، أَيْ رَجُلٌ قَوَّادٌ وإِمْرَأَةٌ قَوَّادَةٌ أَرْزَاقُهُمَا مِنْ تَنْظِيمِ شُؤُونِ النِّسَاءِ البَغِيِّ وتَصْرِيفِ أُمُورِهِنَّ -- فَحَتّى حَسْنَة مَلص وعَبَّاس بَيزة لَهُمَا اليَوْم مِنْ إِحْتِرَامِ العِرَاقِيِّينَ مَا يَكفِي، إِذْ أَحَبَّا العِرَاقَ والمُجْتَمَعَ العِرَاقِيَّ وتَحَوَّلا إِلى أُنَاسٍ يُمَارِسُونَ دَوْرَاً مَا فِي سِيَاسَاتِهِ وصِرَاعَاتِهِ السِّيَاسِيَّةِ ولَوْ بِالشَّيءِ اليَسِيرِ والمُمْكِنِ

إِذَنْ، سَوْفَ تُطْرَدُونَ وتَهْرُبُونَ فِي لَيْلَةٍ وضُحَاهَا، بَلْ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وزَعِيمُكُم فِي طَهْرَانَ مِنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَتَحَيَّرَ، وفِي لَيَالٍ يَتَغَيَّرَ، ولَكُم يَتَنَكَّرَ، فَيَبِيعَكُم بِفِلسٍ أَحْمَرٍ ودُولارٍ أَخْضَرٍ، ومَالِكُ زِمَامِ أَمْرِكُم فِي حَدِيقَةِ قَصْرِهِ الصَّغِيرِ يَتَسَمَّرُ، تَصَوَّرْ شِدَّةَ الأَمْرِ وتَصَوَّرْ، وتَصَوَّرْ "سُرْعَةَ" الأَمْرِ وتَصَوَّرْ

ولَنْ تَجِدُو وَقْتَاً حَتّى لِوَضْعِ السَّرَاوِيلِ، بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ "لَيْلاً" الصُّرَاخُ والعَوِيلُ، وتَهْرُبُونَ وتَذْهَبُونَ وتَبْقَى بَغْدَادُ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! أَنْتُم بِأُصُولِكِم المَجْهُولَةِ وجُذُورِكُم المُشَوَّهَةِ أَصْغَرُ مِنْ بَغْدَادَ وأُصُولِهَا، وأَحْقَرُ وأَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَقُودُو وتَحْكُمُو وتَتَحَكَّمُو بِالعِرَاقِ والبِلادِ وأَهْلِهَا، والعِرَاقُ هُوَ أَوَّلُ الأَرْضِ وآخِرُ الأَرْضِ وهُوَ الأَرْضُ والبِدَايَاتُ والتَّكْوِينُ وخَلِيقَةُ الرَّبِّ، والمَخْطُوطَاتُ المُقَدَّسَةُ حَكَتْ وحَكَمَتْ بِأَسْرَارِهَا أَنَّهُ لِلحَضَارَاتِ كالنَّبْضِ لِلقَلْبِ. ومَنْ يَدْرِي، قَدْ يَنَامُ الأَرْنَبُ فِي سُبَاتِ الَّليْلِ وقَدْ تَفُوزُ السُّلْحَفَاةُ فِي سِبَاقِ النَّهَارِ، وقَدْ يَبْكِيَ الحِصَانُ ويَضْحَكُ الحِمَارُ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ الدِّيَارِ، إِنَّ الحِصَانَ، عِلْمِيَّاً، بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الحِمَارَ، لَكِنَّ النَّسْلَ،عِلْمِيَّاً أَيْضَاً، يَكُونُ مُشَوَّهٌ ومَحْدُودٌ. وأَمَّا الطَّيُورُ المُهَاجِرَةُ فَلا تَنْزِلُ عَنْ مُسْتَوَاهَا ولا تُشَوِّهُ نَسْلَهَا وتَنَاسُلَهَا لِلحِفَاظِ عَلى الجَّمَالِ والنَّقَاءِ والوُجُودِ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ بَغْدَادَ وطَهْرَانَ، مَاذَا عَلَّمَنَا الزَّمَانُ، إِذْ تَضْحَكُونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ، ولا تَنْسَ مَاذَا عَلَّمَنَا القَدِيرُ، قَدْ يَبْكِيَ الفَلاّحُ وتَضْحَكُ الحَمِيرُ. ومَنْ يَضْحَكُ فِي الأَخِيرِ... لَهُ مِنَ الضَّحِكِ الكَثِيرِ!! ومَرَّةً أُخْرَى، وَصَلَتْ؟؟

قَتَلْتُم العِرَاقِيِّينَ ومِنَ العَرَبِ والأَبْرِيَاءِ الكَثِيرِينَ، لَكِنَّكُم تَجْهَلُونَ ولا تَعْلَمُونَ لأَنَّكُم تَجْهَلُونَ، أَنَّ مِنْ أَسْرَارِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، إِنَّ الأَمواتَ الطَّيِّبِينَ يُشَارِكونَ أَقرِبَائَهُم الأَحيَاءَ طَعَامَ العَشَاءِ ويَفرَحُونَ، ولِصَلاتِهِم يَبْتَهِجُونَ، ومَعَهُم يُصَلُّونَ، واللهَ والرَّبَّ بِالخَيْرِ والعَدْلِ لَهُم ولِأَجْيَالِهِم يَبْتَهِلُونَ، وأَمَّا إِذَا كانَ طَعَامُهُم مِنَ السَّمَكِ وزَيْتِ الزَّيْتُونِ... إِذْ هُم يَبْتَسِمُونَ

وأقُولُ فِي هَذا الفَصْلِ كَمَا قُلْتُ سَابِقَاً وفِي كُتُبٍ وفُصُولٍ أُخْرَى: غَرِيبٌ عاقِلٌ خَيْرٌ مِن أَخٍ بَغِيٍّ، ومَاجِنٌ تَقِيٌّ خَيْرٌ مِن مُنَافِقٍ وَلِيٍّ، وصَدِيقٌ رَاقٍ خَيْرٌ مِنْ جَارٍ سُوقِيٍّ، وعَدُوٌّ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِن حَلِيفٍ غَبِيٍّ

وأَفضَلُ السُّبُلِ لِمَعرِفةِ الحَقِيقَةِ، يَا سَادَة، هِيَ الخَوْضُ فِي تَجَارُبٍ مُبَاشَرَةٍ، وأَقْصَرُ الطُّرُقِ لِلخُرُوجِ مِنْ تِلكَ التَّجَارُبِ بِنَجَاحٍ هُوَ الصَّبْرُ عَلى تِلكَ الحَقِيقَةِ، مَهْمَا كانَ أَثَرُهَا فِي العُقُولِ وآثَارُهَا فِي القُلُوبِ وأَيًّا كانَتْ الظُّرُوفُ والنَّتَائِجُ

وهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ القُلُوبِ أَو تَعْمِيرِهَا، فَالأَوّلُ أَسَاسُهُ الصَّبْرُ والنِّسْيَانُ، لكِنَّ الثّانِي أَسَاسُهُ الثِّقَةُ والإِيمَانُ. وأَمَّا العُقُولُ، فَدَائِمَاً أَقُولُ، إنَّ العُقُولَ كالأَقْفاَلِ، مِنْهَا اليَسِيرُ السَّهْلُ، ومِنْهَا مَا تَآكلَ ونَالَ مِنْهُ "أُكسِيدُ" الجَّهْلِ -- الأَوَّلُ مِنَ الجَّمَالِ والثَّانِي لا يَنْفَعَ مَعَهُ إِلاّ الصَّبْرُ والكَسْرُ، ثُمَّ الإِسْتِبْدَالُ. قُلْتُ هذَا فِي لِقَاءٍ خاصٍّ فِي سَنَةِ 2011 فَلَم أَتَلَقَّى سِوَى الإِهَانَاتِ والتَّهْدِيدَاتِ، فَكَانَتْ رُدُودُ الأَفْعَالِ تِلْكَ دَلِيلاً عَلى مَا كانَ لِي مِنْ إِيمَانٍ وإِعْتِقَادٍ

واليَوْم... ومُنْذُ إنْهِيارِ الجَّسَدِ والرُّوحِ فِي سَنَةِ 2003 وإِحْتِلالِ إِيرانَ لِلعِرَاقِ وتَنْصِيبِ الغَوْغَاءِ عَلى حُكْمِهِ، إِنْهارَ كُلُّ مَا هُوَ رَاقٍ وأَصِيلٍ وجَميلٍ، وتَغَيَّرَ البَشَرُ سَلْبَا، وسَادَ جِيلٌ عَلى جِيلٍ بَعْدَ جِيلٍ، وهذَا يَعْنِي سُلُوكِيَّاتُ الشُّعُوبِ، والشُّعوبُ، غَالِبَاً، تُشْبِهُ حُكّامَهَا

وأَصْبَحَ السِّلاحُ فِي أَيَّامِنا رُكْنَاً أَسَاسِيَّاً مِنْ أَسَاسِيَّاتِ أَثاثِ البَيْتِ! والرَّجُلُ لا تَكْتَمِلُ رُجُولَتُهُ إِلاّ بِسِلاحٍ فِي خَصْرِهِ -- ولا تَكْتَمِلُ أُنوثَةُ المَرْأَةِ إِلاّ بِلِسَانٍ سَليطٍ فِي فَمِهَا -- بَعْدَ أَنْ كانَ سِلاحُ الرَّجُلِ فِي عُصُورِ المَلَكيَّاتِ الذَّهَبيَّةِ هُوَ المُوسِيقَى والكِتَابُ والسَّفَرُ والتِّرْحَالُ، وسِلاحُ المَرْأَةِ هُوَ العِلْمُ والثَّقافَةُ والأُنوثَةُ والجَّمَالُ -- وهُنا أتَحَدَّثُ عَنْ الجَّمَالُ الطَّبِيعِيِّ، أَو فِي أَقَلِّ تَقْديرٍ، كانَ سِلاحُ الإِثْنَيْنِ مِنَ النِّساءِ والرِّجَالِ فِي المَلَكيَّاتِ هُوَ الهُدُوءُ ورَاحَةُ البَالِ

وهُنَا أَضَعُ لِلنِّسَاءِ العِرَاقِيَّاتِ أَلْقَابَاً فِي أَسَاسِيَّاتِ الزَّمَانِ والمَكانِ والأَحْدَاثِ والأَقْدَارِ وسُلُوكِ الحُكُومَاتِ والشُّعُوبِ، مَثَلاً، فِي الثَّلاثِينيَّاتِ كُنَّ طَاهِرَاتٌ سَاكِنَاتٌ، وفِي الأَرْبَعينيَّاتِ جَمِيلاتٌ رَاقِيَاتٌ، وفِي الخَمسِينيَّاتِ دَارِسَاتٌ فَخُورَاتٌ، وفِي السِّتينيَّاتِ مُثَقَّفَاتٌ عَامِلاتٌ، وفِي السَّبعِينيَّاتِ مُجْتَهِدَاتٌ حِسَانٌ حَسْنَاوَاتٌ، وفِي الثَّمَانينيَّاتِ مُقَاتِلاتٌ مَاجِدَاتٌ، وفِي التِّسْعِينيَّاتِ صَابِرَاتٌ عَارِفَاتٌ --  لكِنْ مُنْذُ إِنْهِيَارِ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا وإِلى يَوْمِنَا مِنْ عَبَثٍ فِي السُّلُوكِيَّاتِ والشَّخْصِيَّاتِ يَصْعُبُ عَلَيَّ وعَلى قَلَمِي وعَلى أَيِّ إِنْسَانٍ مَهْمَا كانَ ذَوْقُهُ وأَسَاسُهُ ومُسْتَوَاهُ الثَّقَافِيُّ ومَهْمَا كانَتْ خِيَارَاتُهُ فِي الحَيَاةِ أَنْ يَصُوغَ فِكْرَةً أَو لَقَبَاً أَو كلِمَاتٍ أَو مَعَانٍ لِشَخْصِيَّةِ اليَوْم فِي الحَيَاةِ الوَاقِعِيَّةِ أَو الإِفْتِرَاضِيَّةِ ومَا نَرَاهُ مِنْ تَشْوِيهٍ وإِنْحِطَاطٍ إِنْسَانِيٍّ وبَشَرِيٍّ وذَوْقِيٍّ فِي عَالَمِ الرِّجَالِ، ولِلأَسَفِ، النِّسَاءِ مِنْ أَجْيَالِ بِلادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ

وهكذَا، هِيَ الشُّعُوبُ وهِيَ الحُكُومَاتُ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا

وهَكذا، فَهِمَ النّاسُ وتَغَيَّرَ تأريخُ البَشَرِ، والبَشَرُ دُونَ فَهْمٍ لا يَتَغَيَّرَ

وكُلُّ مَا كانَ ويَكُونُ، يَا سَادَة، أَسَاسُهُ غِيَابُ "الأَسَاسِ" المَتِينِ، وهُوَ الحُرِيَّةُ بِجَمَالِهَا وحُدُودِهَا المَعْرُوفَةِ والمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وأَخْلاقِيَّاً. وأَنَا أُعَرِّفُ الحُرِّيَّةَ بَأَنَّهَا سُلْطَانُ الإِنْسَانِ عَلى نَفْسِهِ بِإِطَارِ الضَّمِيرِ والرَّقِيبِ، وقُبُولِ الآخَرِينَ بِإِطَارِ الإِحْتِرَامِ لِحُرِّيَّةِ وسُلْطَانِ البَعِيدِ والقَرِيبِ

فَأَنْتَ حُرٌّ طَالَمَا كانَ الآخَرُونَ أَحْرَاراً، والآخَرُونَ أَحْرَارٌ طَالَمَا أَنْتَ حُرٌّ سَعِيدٌ

وسُلْطَانُكَ عَلى نَفْسِكَ فَقَط -- فَأَنْتَ، مَثَلاً، إِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً، تُعَلِّمُ أَوْلادَكَ كُلَّ شَيءٍ لَكِنَّ خِيَارَاتِ الحَيَاةِ مِنْ تَعْلِيمٍ وإِيمَانٍ ودِينٍ وإِتِّجَاهَاتٍ سِيَاسِيَّةٍ هِيَ سُلْطَانٌ لَهُم فَقَط -- وسُلْطَانُهُم لَهُم وعَلَيْهِم. وأَمَّا دَوْرُكَ فَهُوَ الوُجُودُ والإِرْشَادُ والتَّعِلِيمُ والتَّرْبِيَةُ والحِمَايَةُ مِنْ شَرِّ الزَّمَانِ والمَكَانِ وتَشْوِيهِ الحَقَائِقِ والمَعْلُومَاتِ، ودَائِمَاً، التَّصْحِيحُ والإِجَابَةُ عَلى أَيِّ سُؤَالٍ وإِسْتِفْهَامٍ وعَلامَاتٍ. فَإِنْ كانَتْ التَّرْبِيَةُ حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ  كانَتْ قَرَارَاتُهُم وخِيَارَاتُهُم فِي الحَيَاةِ، غَالِبَاً، حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ أَيْضَاً، والأَعْمَالُ والنَّجَاحَاتُ،غَالِبَاً، بِخَوَاتِيمِهَا

إذَنْ، عَرَبِيَّاً، يا سَادَة، غِيَابُ الحُرِّيَّةِ وخَاصَّةً حُرِّيَّةُ الفِكْرِ والتَّفْكِيرِ والحَيَاةِ والإِخْتِيَارِ يَنْتَهِيَ تِلْقَائِيَّاً وزَمَانِيَّاً إِلى غَسْلِ العُقُولِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأكاذيبِ، وفِي يَوْمِنَا هَذا، الإسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ أَشْبَهُ بِمَاءِ النَّارِ القَاتِلِ أَو النتريكِ المُذِيبِ لِلعُقُولِ والأَبْدَانِ

ومَا أَدْرَاكَ مَا الإِسْلامُ السِّياسِيُّ...، هُوَ فيرُوسٌ قاتِلٌ أَصَابَ المُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الأَدْيَانَ والأَوْطانَ، وأَصَابَ المُجْتَمَعاتِ الشَّرْقيّةَ لِسَنَواتٍ وعُصُورٍ، ويُحَاوِلَ اليَوْمَ أَنْ يُصِيبَ بَعْضَ المُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ ومُنْذُ شُهُورٍ، وحَوَّلَ أجْسَادَ العِراقِ واليَمَنِ ولِيبيا ولُبْنانَ إلى أطْلالٍ ودُوَيْلاتٍ إيرانِيَّةٍ تَتَحَدَّثَ العَرَبيَّةَ -- وأحْدَثَ دَمَارَاً إجْتِمَاعِيَّاً فِي غَزَّةَ وحَوَّلَهَا إلى مُعَسْكَرِ إعْتِقَالٍ وأنْفَاقٍ للإرْهابِ لِتُصْبِحَ مَشْرُوعَ دَمَارٍ وقُنْبُلَةً مَوْقُوتَةً سَوْفَ تَنْفَجِرُ وتَمْحُو غَزَّةَ مِنَ الوُجُودِ قَرِيبَاً -- وأحْدَثَ دَمَاراً وتَمَزُّقاً إجْتِمَاعيَّاً ومُجْتَمَعيَّاً فِي أحْيَاءٍ كامِلَةٍ فِي جَسَدِ سُوريَة ، وللأسَفِ، سَوْفَ يَرَى السُّورِيُّونَ هَذا ونَتَائِجَهُ التَّدْمِيريَّةَ قَرِيبَاً -- وسَبَّبَ جُرْحَاً فِي جَسَدِ مِصْر قَبْلَ أنْ يَتَعَافَى بِعَمَلِيَّةٍ جِراحيَّةٍ -- وأحْدَثَ جِرَاحَاً فِي جَسَدِ الجَّزائِرِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ سَالَتْ فِيهَا دِماءُ الأبْرِيَاءِ -- وشَرْخَاً في جَسَدِ تُونس، وهُنَا وهُنَاك...، وإنْ لَمْ تُطَهَّر مُجْتَمَعاتُ البَشَرِ وأجْسَادَهَا مِن فيرُوسِ المِيلشياتِ والإسْلامِ السِياسِيِّ الفَتَّاكِ فإنّ بِدَايَةَ النِّهايَةِ قَدْ "تَبْدَأَ" وقَرِيبَاً تَكُونَ

فَهَلْ تَبحَثُ عَن دَولةٍ فاشِلةٍ بِلا جُذُورٍ؟؟ أو تَبْحَثُ عَن الجَّهْلِ والقَتْلِ والخَرَابِ والدِّمَاءِ والأحْزَانِ والدُّمُوعِ والقُبُورِ؟؟ الأمْرُ، يا صَديقِي، هَيِّنٌ وبَسِيطٌ، إجْمَعْ بين الدِّينِ والسِّياسَةِ

إذَنْ، الجَّهْلُ هُوَ تَعْريفُ الدَّوْلَةِ الفاشِلَةِ، والعُنْفُ هُوَ تَعْريفُ الأُمَّةِ الفاشِلَةِ، والفَقْرُ هُوَ تَعْريفُ المُجْتَمَعاتِ الفاشِلَةِ، وهذا، يا سَادَة، هُوَ الدِّينُ والسِّياسَةُ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ

والسِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، كمَا يَدَّعِيَ البَعْضُ، لأَنَّ الفَنَّ أَسْمَى وهُوَ حُبٌّ وسَلامٌ لَكَ ولَهَا، والفَنُّ يَبْنِي دَائِمَاً ولا يُدَمِّرُ كالسِّيَاسَةِ فِي أَحْيَانِهَا، وهِيَ لَيْسَتْ فَنُّ الطَّبْخِ، كمَا يَظُنُّ البَعْضُ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فَنٌّ ولَيْسَتْ مَطْبَخٌ، وهِيَ لَيْسَتْ مَبَادِئُ "الصَّدَاقَةُ الدَّائِمَةُ والصَّدِيقُ الدَّائِمُ أَو العَدَاوَةُ الدَّائِمَةُ والعَدُوُّ الدَّائِمُ" بَلْ هِيَ عِلْمٌ أَسَاسُهُ الحِكَمَةُ والصَّبْرُ والدِّرَاسَةُ والقِيَاسُ، وفُصُولُهُ السِّيَادَةُ الكامِلَةُ والإِحْتِرَامُ المُتَبَادَلُ بَيْنَ البِلادِ والشُّعُوبِ والنَّاسِ، وعَلامَاتُهُ المَصَالِحُ المُشْتَرَكَةُ دُونَ نِفَاقٍ أَو كَذِبٍ أَو تِجَارَةٍ فِي سُوقِ الجَّهْلِ حَيْثُ يُبَاعُ مَصِيرُ الإِنْسَانِ ويُشْتَرَى. إِذَنْ، السِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، ولَيْسَتْ طَبْخٌ، أَو مَطْبَخٌ، بَلْ هِيَ حِكْمَةُ تَنْظِيفِ المَطْبَخِ بَعْدَ الطَّبْخِ

والخَفافِيشُ إنْ رَقَصَتْ كانَ رَقْصُهَا سِرَّاً فِي الظَّلامِ والنَّاسُ نِيَامٌ، لكِنَّهَا تَخَافُ أَنْ تَرْقُصَ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ الشُّرُوقِ، وهَكذا، تَمَّ إعْدَامُ الرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ صَدّام حسين، وأُنْجِزَ الأَمْرُ قَبْلَ الشُّرُوقِ وبَعْدَ الشُّرُوقِ، فَهُزِمَ الشّانِقُ وأنْتَصَرَ المَشْنُوقُ

أَصْوَاتٌ شَجِيَّةٌ ونَادِرَةٌ حُرِمَ العِرَاقِيُّونَ مِنَ الكَثِيرِ مِنْهَا بِسَبَبِ الغِيرَةِ الشَّخْصِيَّةِ والحُرُوبِ الفَنِّيَّةِ والعِصَابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ الأَمْنِيَّةِ، فَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ وهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ وكُسِرَتْ الكَثِيرُ مِنَ القُلُوبِ النَقِيَّةِ

أَصْوَاتٌ جَمِيلَةٌ تُشْفِي القَلْبَ ومَا فِيهِ مِنْ جُرُوحٍ...، عَفِيفَةُ إِسكَنْدَر وجَمَالُ عَيْنَيْهَا ولَمَعَانُ خَدَّيْهَا وقُوَّةُ صَوْتِهَا، وأَنْوَارُ عَبد الوَهَاب وحَنِينُهَا وأَمَل خضَيِّر ونَصِيبُهَا وفُؤاد سالِم وطُيُوفُهُ وقَحْطَان العَطَّارُ وزَمَانُهُ وصَبَاح السَّهل ولَيَالِيهِ وسَعْدُون جابِر وطُيُورُهُ ويَاس خِضِر وأَسْفَارُهُ وحَمِيد مَنصُور وسَلامُهُ وحسِين نِعْمَة ونَخْلُهُ ونَخِيلُهُ وغُرْبَةُ الرُّوحِ...، ومَوّالاتُ سَعْدِي الحِلِّي، وفاضِل عَوّاد الذي جَمَعَ بَيْنَ الفَنِّ والثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، والأَغَانِيَ والخَبَرُ والجَفِيَّةُ ولَمَّةُ الحِلْوَاتِ والجَّمَالُ السُّومَرِيُّ، ونَظَرَاتُ العُيُونِ البابِليّةِ، وحِلْوَة يالبَغْدَادِيَّة يَا أُمّ الخُدُودِ الوَرْدِيَّة، وصَوْتُهُ الجَّمِيلُ وهُوَ يَعْبُرُ مِنَ الكَرْخِ إلى الرُّصَافَةِ

والنَّاسُ كالطُّيُورِ فِي جَمَالِ بَعْضِهَا وأَلْوَانِهَا وأُصُولِهَا وقُلُوبِهَا وهِجْرَتِهَا وإِسْتِقْرَارِهَا، مِنْهَا مَنْ يُهَاجِرُ لِأَسْبَابٍ فِطْرِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ وبِيئِيَّةٍ وتُسَمَّى بِالطُيُورِ المُهَاجِرَةِ، ومِنْهَا مَنْ يَبْقَى ويُقِيمُ ولا يَتْرُكُ مَا بَنَاهُ وأَحَبَّهُ وتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ وتِلْكَ هِيَ الطُّيُورُ المُقِيمَةُ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي النَّهَارِ كالطُّيُورِ المَائِيَّةِ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي اللَّيْلِ كالطُّيُورِ المُغَرِّدَةِ الرُّومَانسِيَّةِ -- وهَذِهِ كُلُّهَا حَقَائِقٌ عِلْمِيَّةٌ وعُلُومٌ طَبِيعِيَّةٌ وبِيئِيَّةٌ -- ومِنْهَا مَنْ هَرَبَ وهَاجَرَ لِوَحْدِهِ بَيْنَ الجِّبَالِ والوِدْيَانِ ومَسَارَاتِهَا الفَضَائِيَّةِ والمُغْنَاطِيسِيَّةِ المَرْسُومَةِ والمَوْضُوعَةِ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، ومِنْهَا مَنْ كانَ غَرِيبَاً فِي غَيْرِ سِرْبِهِ أَضأعَ بَوْصَلَتَهُ الرُّوحِيَّةَ التي خَلَقَهَا اللهُ لَهُ هَدِيَّةً مِنَ القَدِيرِ كَيْ لا يَتِيهَ فِي الأَرْضِ ويَضِلَّ فِي أَقْطَابِهَا ومُغْنَاطِيسِهَا الكَبِيرِ، ومِنْهَا مَنْ هاجَرَ آمِنَاً فِي سِرْبٍ وأَسْرَابٍ لِلبَحْثِ عَنْ الدِّفْءِ والحَنَانِ والأَمَانِ والعِلْمِ والحَيَاةِ والحَظِّ السَّعِيدِ، والحِفَاظِ عَلى النَّسْلِ والنَّوْعِ والوُجُودِ والتَّجْدِيدِ، والطَّعَامِ والغِذَاءِ والرِّزْقِ وإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ

والكَلِمَةُ السِّحْرِيَّةُ هِيَ الحُرِّيَّةُ -- فالفَرْقُ بَيْنَ الحَيَاةِ والمَوْتِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الجَّهْلِ والعِلْمِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الفَنِّ والرُّكُودِ هِيَ الحُرِّيَّةُ

والحُرِّيَّةُ إِنْ أُعْطِيَتْ لِلإِنْسَانِ صَارَ طَيْرَاً وطَائِرَاً وأَنْبَتَ رِيشَاً آخَرَ بِأَلْوَانٍ أُخْرَى وصَارَ نَوْعَاً آخَرَ وجِيلاً آخَرَ قَدْ يَحْتَارُ فِي جَمَالِهِ ونَوْعِهِ عُلَمَاءُ الطَّبِيعَةِ والبِيئَةِ والمُجْتَمَعَاتِ. وطَائِرُ الدَّلْتا المِصْرِيَّةِ أَجْمَلُ مِثَالٍ عَلى هَذَا، فَهُوَ طَائِرٌ هِنْدِيٌّ هَاجَرَ وإِسْتَقَرَّ فِي مِصْرَ لِجَمَالِ شَمْسِهَا وقَمَرِهَا وكَانَ فِي حَدِيقَةِ حَيْوَانِهَا فِي السَبعينيَّاتِ، لكِنَّهُ إِشْتَاقَ إِلى حُرِّيَّتِهِ فَهَرَبَ وطَارَ ورَقَصَ وغَنَّى وإِسْتَقَرَّ فِي الدَّلْتَا، وأَصْبَحَ عِندَهَا أَجْمَلُ وأَرْقَى مُهَنْدِسَاً مِعْمَارِيَّاً فِي الوُجُودِ، إِذْ يَبْنِيَ عِشَّاً بِتَصْمِيمٍ خَاصٍّ أَشْبَهَ بِالحَرْفِ والحُرُوفِ الصُّغْرَى، وأَصْبَحَ يُنَافِسُ حَيَوَانَ القُنْدُسِ وهُوَ، أَيْ الأَخِيرُ، مِنْ أَذْكَى وأَرْقَى بَنَّائِي الطَّبِيعَةِ وهُوَ مَنْ تَخَرَّجَ مِنْ جَامِعَةِ الخَلِيقَةِ الكُبْرَى

وأَمَّا الإِنْسَانُ فَقَدْ تَخَرَّجَ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ ثُمَّ يَبْنِيَ الأَرْضَ اليَوْمَ لِيَهْدِمَ مَا بَنَاهُ غَدَاً -- بَعْدَهَا يُنَادِيَ العَدُوَّ والغَيْرَ بِسَبَبِ "الدِّينِ" أَو الطَّائِفَةِ أَو السِّيَاسَةِ بِالحَيَوَانِ إِنْ أَرَادَ السَّبَّ والشَّتْمَ والرِّيَاءَ -- ولا يَعْلَمُ بِغَبَاءِهِ ولا يُدْرِكُ بِجَهْلِهِ أَنَّ السَّبَّ والسِّبَابَ مَا هُوَ إِلاّ مَدْحٌ وثَنَاءٌ

الأَدْيَانُ إِذَاً كالبَشَرِ والدِّينُ كالإِنْسَانِ، والإِنْسَانُ "بِحُرِّيَّتِهِ" كالطَائِرِ فِي الجِّنَانِ

والأَدْيَانُ والدِّيَانَاتُ والطَّوَائِفُ هِيَ طيُوُرٌ جَمِيلَةٌ لَهَا أَلوَانُهَا وأَشْكالُهَا وكُلٌّ يَرْقُصُ فِي السَّمَاءِ كمَا يَشَاءُ، ومَهْمَا تَنَوَّعَتْ ورَاقَتْ فِي أَلْوَانِهَا وأَصْوَاتِهَا وأَنْغَامِهَا ورَقْصِهَا فَهِيَ تُغرِّدُ مَعَاً أُغرُودَةً واحِدَةً مُوَحَّدَةً عُنْوَانُهَا -- آمِين! وطَائِرُ الإِيمَانِ والدِّينِ يُغَرِّدُ صَبَاحَاً ويَطِيرُ حُرَّاً بِرِيشِهِ الوَفِيرِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ ويُكْسَرُ جَنَاحُهُ وقَلْبُهُ إِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهِ رَصَاصَةُ السِّيَاسَةِ مِنْ طَائِفِيٍّ حَقِيرٍ، وهِيَ لَيْسَتْ رَصَاصَةُ رَحْمَةٍ بَلْ رَصَاصَةُ نِقْمَةٍ، فَيَمُوتُ ويَمُوتُ مَعَهُ الغِنَاءُ والرَّقْصُ والأَلْوَانُ والجَّمَالُ البَهِيرِ

والغِنَاءُ العِرَاقِيُّ الأَكْثَرُ طَرَبَاً فِي سَمَاءِ الأَنْغَامِ المُوسِيقِيَّةِ، فيَعْشَقُهُ ذَوَّاقُو الطَّرَبِ فِي العِرَاقِ والدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، والإِحْسَاسُ والحُبُّ والغَرَامُ وأَحْزَانُ الحَبِيبِ والشَّوْقُ لِلحَبِيبَةِ الأَزَلِيَّةِ، والقَلْبُ والرُّوحُ والجُّرُوحُ، والعُيُونُ نَاعِسَةٌ والأُنُوثَةُ مُخْمَلِيَّةُ، والإنْشادُ والفنُونُ الشّعْبِيّةُ، جَمَالُ الرَّاقِصَاتِ والرَّقْصُ بالكَلَبيَّةِ، والدّبْكاتُ الكُرْدِيّةُ، والرّقَصَاتُ البَصْراوِيّةُ، والإهْزاجُ والأهازيجُ والهُوسَاتُ الجَمِيلَةُ والرَّقْصُ الجَمَاعِيُّ والأَغانِي الرّيفِيّةُ

وأَصِلُ بِقِطَارِ الجَّمَالِ والدَّلالِ، يَا سَادَة، إِلى أَجْمَلِ وأَرْقَى مَحَطَّاتِ الإِنْسَانِ والمُوسِيقَى والأَلْحَانِ، أَصِلُ إِلى سِيتَا هاكُوبيَان "فَرَاشَةُ البَصْرَةِ العِرَاقِيَّةِ" وحَلاوَةُ المَزْجِ بين التُّراثِ وكِيتارِ النَّغَماتِ الغَرْبيّةِ... يُمَّه يُمَّه آخ يُمَّه... وهِيَ دُرَّةٌ وُجِدَتْ فِي البُحَيْرَةِ، وشَمْسٌ وُلِدَتْ عَلى ضِفَافِ شَطِّ العَرَبِ فِي البَصْرَةِ، حَيْثُ وُلِدَ النَّحْوُ ومَعَهُ البَلاغَةُ وأَصْلُ اللُّغَةِ، وقَمَرٌ بِعُيُونٍ نَاعِسَةٍ أَرْمَنِيَّةٍ، جَمِيلَةٌ بِصَوْتِهَا وصَغِيرَةٌ كالفَرَاشَةِ الذَّهَبِيَّةِ، وحَبِيبُهَا كانَ صغَيْرُون، فَسَافَرَتْ فِي "دُرُوبِ السَّفَرِ" ودَمَعَتْ العُيُونُ، وذَبُلَتْ "أَوْرَاقُ الشَّوْقِ" والأَجْفَانُ والجُفُونُ، وتَاهَتْ فَقَالَتْ "مَنْدَل دَلُّونِي" وهِيَ أَجْمَلُ وأَرْقَى مَا غَنَّتْ، لِتَبْقَى مَعَ "أَوْرَاقِ الشَّوْقِ" وال 99% أَحْلَى الأَغَانِيَ العِرَاقِيَّةِ، تُبْكِينِي طِفْلاً فِي "لَيْلِ السَّهَرِ" والقَمْرَةِ اللَيْلِيَّةِ... أُحِبُّهَا، ولَسْتُ وَحْدِي، وأُشَاهِدُهَا وأَسْمَعُ صَوْتَهَا وأَسْتَمِعُ لَهَا يَوْمِيَّاً، ولَسْتُ وَحْدِي، فَقَدْ أَحَبَّهَا - ودَائِمَاً - الصَّغِيرُ والكَبِيرُ لِفَنِّهَا وصَوْتِهَا وكَلِمَاتِهَا وأَلْحَانِهَا وجَمَالِهَا وعُيُونِهَا وأُنُوثَتِهَا ورِقَّتِهَا وبَسَاطَتِهَا ومَشَاعِرِهَا وأَحَاسِيسِهَا وصِدْقِهَا مَعَ نَفْسِهَا ونَاسِهَا وإِبْتِسَامَتِهَا البَصْرَاوِيَّةِ ودُمُوعِهَا النَقِيَّةِ... وفَسَاتِينُهَا مِثْلُهَا جَمِيلَةٌ وزَهِيَّةٌ، بِزُهُورٍ وَرْدِيَّةٍ، سَكَنَتْ البَصْرَةَ فَكَانَتْ البَصْرَةُ بِهَا جَمِيلَةً سَاحِرَةً، وحَلَّتْ فِي بَغْدَادَ فَصَارَتْ سَمَاءُ بَغْدَادَ فَوْقَهَا بَاهِرَةً، لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ، كَعَادَتِهِم، لَمْ يُقَدِّرُو قِيمَةَ ولَمَعَانَ اللُّؤْلُؤُةِ البَصْرَاوِيَّةِ كَمَا قَدَّرَتْ لُبْنَانُ فَيْرُوزَهَا الجَبَلِيَّةِ، فَهَاجَرَتْ سِيتَا العِبَادَ والبِلادَ وهَجَرَتْهَا فَأَصْبَحَتْ بِلادُ الرَّافِدَيْنِ بَعْدَهَا حَزِينَةً حَائِرَةً... هِيَ سِيتَا هَاكُوبيان، فَكانَتْ السَبعِينيَّاتُ بِهَا ولَهَا عَقْدَ السَّعَادَةِ العِرَاقيَّةِ

وكانَتْ السَبعِينيَّاتُ سَعَادَةً حَقِيقِيَّةً، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ سَنَةُ 1979 مِيلادِيَّة ومَا فِيهَا مِنْ خَوْفٍ وقَهْرٍ وتَرَقُّبٍ وعَلامَاتِ إِسْتِفْهَامٍ وصِرَاعَاتٍ أَمْنِيَّةٍ، وتَأتِيَ مَعَهَا عِمَامَاتُ طَهْرَانَ الطائِفيَّةِ، مَعَ سِحْرِهَا الأَسْوَدِ وجَهْلِهَا وأَحْقَادِهَا التأريخيَّةِ، فَدَمَّرَتْ أَوَّلاً السَعَادَةَ الإيرانيَّةَ، لِتَبْدَأَ بَعْدَهَا بِتَدْمِيرِ المُجْتَمَعَاتِ العِراقيَّةِ والعَرَبيَّةِ، فَكَانَتْ لَعْنَةُ الجُغْرَافيَا السِيَاسيَّةِ

والبِلادُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالفَنِّ والسَّلامِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ، ولَيْسَ بِالجَّهْلِ والحُرُوبِ والفَوْضَى والدَّمَارِ. والمُجْتَمَعَاتُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالعِلْمِ ومَشَارِيعِ المُسْتَقْبَلِ ومَاكِنَاتِ البِنَاءِ، ولَيْسَ بِاللَّطْمِ وخُرَافَاتِ المَاضِيَ وخَيْمَاتِ البُكَاءِ

والآشُوريَّةُ لَيْسَتْ دِينٌ أَو "دِيَانَةٌ" أَو إِيمَانٌ بَلْ هِيَ "قَومِيَّةٌ" تأريخيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وإِيمَانُهَا هُوَ المَسِيحِيَّةُ، ولا عِلاقَةَ لَهَا بالقَوْمِيَّةِ الكُرْدِيَّةِ، وذُو الرَّأْيِ المُخَالِفِ مَنْ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فالأَمْرُ حِينَذَاكَ لا عِلاقَةَ لَهُ بِالعِلْمِ والتَّفْسِيرِ والتأرِيخِ أَو وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وإِنَّمَا بِالعِنَادِ والتَّعَصُّبِ والجَّهْلِ بِالتأرِيخِ أَو قِصَرِ النَّظَرِ، أَو هِيَ عُقَدٌ شَخْصِيَّةٌ وهَوَى، ولَنْ يَكُونَ العِنَادُ هُنَا مُجَرَّدَ رُؤًى وإِنَّمَا هُوَ جَهْلٌ أَعْمَى

وعِندمَا أُقُولُ "أَصْلِيٌّ" أَو "أَصْلِيَّةٌ" فَعَلى القَارِئِ أَوَّلاً وإِدْرَاكَاً أَنْ يَعْرِفَ الفَرْقَ أَو الفُرُوقَ بَيْنَ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ والتأرِيخِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ كالفَرْقِ بَيْنَ الأَرْضِ والوُجُودِ والخَلِيقَةِ والحَضَارَةِ والوَطَنِ والدَّوْلَةِ والأُمَّةِ والبِلادِ بِكُلِّ مَعَالِمِهَا المَعْرُوفَةِ. فَالأَرْضُ، مَثَلاً، وُجِدَتْ قَبْلَ الخَلْقِ والإِنْسَانِ وطَبِيعَتِهِ وهِيَ الخَلِيقَةِ، والأَرْضُ بِنَاسِهَا وخَلْقِهَا وحَضَارَتِهَا أَو حَضَارَاتِهَا "كمَا هُوَ الحَالُ فِي بِلادِي العِرَاقَ" وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَوْلَةً أَو بَلَداً ثُمَّ وَطَنَاً أَو أُمَّةً إِنْ أَرَادَ سَاكِنُوهَا أَو سُكَّانُهَا مَا أَرَادُو

والإِنْسَانُ قَدْ يُخْلَقُ أَو يُولَدُ أَو يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ وتُرْبَتِهِ ويُدْعَى "إِنْسَانٌ" فِي خَلْقِهِ وخَلِيقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى "سُومَرِيٌّ" أَو "بَابِلِيٌّ" أَو "كِلْدَانِيٌّ" أَو "آشُورِيٌّ" أَو مِنْ حَضَارَةٍ أَو مُجْتَمَعَاتٍ أُخْرَى بِحُكْمِ الدَّوْلَةِ والحُكْمِ والحَاكِمِ والغَالِبِ والمَغْلُوبِ فِي السِّيَاسَةِ أَو الدِّينِ أَو الإِيمَانِ أَو عَادَاتِ البَشَرِ أَو تَقَالِيدِ النَّاسِ

وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ والمَقَالِ ثَمَّةَ رِحْلَةٌ ومَحَطَّةٌ تَشْغَلُنِي خاصَّةً وأَنَّ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ، ومِنْهُم العُلَمَاءِ، لا زَالَ يَجْهَلُ "جَهْلاً أَو عَمْداً عَلى عَيْنٍ" الفَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ. وهُنَا أَقُولُ، وهَذَهِ وِجْهَةُ نَظَرِي ومَا أَعْتَقِدُهُ فِي هذَا الأَمْرِ: وأَمَّا المَسِيحيَّةُ، وهِيَ إِيمَانُ القَوْمِيَّةِ الآشُورِيَّةِ، فَهِيَ إيمَانٌ وعِلاقَةُ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ بَيْنَ الرَبِّ والخَلِيقَةِ السَّمَاوِيَّةِ وأَوْلادَهِ فِي الخَلِيقَةِ الإِنسَانيَّةِ الأَرْضِيَّةِ، وهِيَ لَيْسَتْ عِلاقَةٌ قَهْرِيَّةٌ بَلْ صَدَاقَةٌ أَبَوِيَّةٌ، وهذَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ "الدِّينِ" الذي بُنِيَ عَلى الخَوْفِ والنَّهْيِ والأَوَامِرِ كالإِسْلامِ واليَهُودِيَّةِ، وبَيْنَ "الإِيمَانِ" الذي أَسَاسُهُ الحُرِّيَّةُ والكَرَامَةُ الإِنْسَانِيَّةُ فِي العِبَادَةِ والإِخْتِيَارِ كالمَسِيحِيَّةِ، لِهذَا فَالمَسِيحِيَّةُ لَيْسَتْ دِيَانَةٌ بَلْ إِيمَانٌ حُرٌّ وأُسْلُوبُ حَيَاةٍ -- والحُبُّ والمَحَبَّةُ هِيَ إِطَارُ تِلْكَ الحُرِّيَّةِ. فِي الدِّينِ، مَثَلاً، إِنْ صَلَّيْتَ أَحَبَّكَ اللهُ ورَضِيَ عَنْكَ، وإِنْ لَم تُصَلِّ كُنْتَ فِي دَائِرَةِ الغَضَبِ، ورُبَّمَا، كانَ لَكَ مَقْعَدٌ فِي الجَّحِيمِ!! لكِنَّ الإِيمَانَ شَيءٌ آخَر، فَأَنْتَ إِنْ صَلَّيْتَ أَم لَمْ تُصَلِّ أَحَبَّكَ الرَّبُّ وإِنْ كُنْتَ غَيْرُ صَالِحٍ طَوَالَ الوَقْتِ - كمَا أَحَبَّ اللهُ دَاوُدَ رَغْمَ الخَطِيئَةِ وأَحَبَّ إِبْنَهُ سُلَيْمَانَ رَغْمَ الأَخْطَاءِ المَعْرُوفَةِ - لأَنَّكَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إِنْسَانٌ ضَعِيفٌ مِنْ تُرَابٍ ومَاءٍ، وأَيْضَاً، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ "فِي الإِيمَانِ" أَبَدِيَّةٌ ونِعْمَةٌ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ أَسَاسُهَا النَّقَاءُ. فَهُوَ الخَالِقُ وأَنْتَ المَخْلُوقُ، وهُوَ الصَّانِعُ البَّارُّ وأَنْتَ الفَخَّارُ، وهذَا مَا يُسَمَّى بالمَحَبَّةِ الأَبَوِيَّةِ أَو المَجَّانِيَّةِ "الأَكَابَا أَو الأَغَابَا" وهذَا هُوَ جَوْهَرُ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ وهُوَ السِّجْنُ الكَبِيرُ الذي يَعْتَمِدُ عَلى النُّصُوصِ والتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ ومَا كُتِبَ وكانَ، وبَيْنَ الإِيمَانِ وهُوَ الحُرِّيَّةُ فِي التَّفْسِيرِ والتَّفْكِيرِ والرُّجُوعِ إِلى ضَمِيرِ الإِنْسَانِ -- ولا يَتَوَفَّرُ الخِيَارُ المُطْلَقُ فِي الدِّينِ الذي بُنِيَ عَلى أَسَاسِ الخَوْفِ مِنَ النَّفْسِ والنَصِّ المَكْتُوبِ، وقَدْ يَصِلُ الأَمْرُ إِلى الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ والخَوْفِ مِنَ الدِّينِ والرَّبِّ بَدَلَ حُبِّهِ ومَحَبَّتِهِ واللُّجُوءِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَحْسُوبٍ

وأُعْدِمَ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهُوَ بالنِسْبَةِ للعِراقِ وكَثيرٍ مِنَ العَرَبِ والغَرْبِ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهَذِهِ مَعْلُومَةٌ ولَيْسَ تَحْلِيلٌ أو تَفْسِيرٌ عَقْلِيٌّ. وأقُولُ "شَرْعِيٌّ" وأَنَا لَسْتُ بِحِزْبِيٌّ أو بَعْثِيٌّ، ولا مِنْ مُنَاصِرِيهِ، ولا أَنَا مُحِبٌّ أَزَلِيٌّ "فأنَا مِنْ مُنْتَقِدِيهِ خاصَةً بَعْدَ خَطِيئَةِ إحْتِلالِ الكُوَيتِ" ولَيْسَ لِي عِلاقَةٌ بالأحْزابِ أو بِهَذا وذاكَ

ولا أُحِبُّ الأحْزَابَ أََو أعْتَرِفُ بِالمُنَافِقِينَ مِنْهَا، لا أَنَا ولا جَدِّي -- وجَدِّي مَلَكِيٌّ دُسْتُورِيٌّ أَحَبَّ الرَّخَاءَ والسَّلامَ والإِسْتِقْرارَ السِّياسِيَّ والإجْتِمَاعِيَّ. وأُؤْمِنُ أَنَّ تَعْرِيفَ الدِّيمُقرَاطيَّةَ، وهَذا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ، هُوَ فِي ثَلاثٍ: الأَمَانُ والسِّيَادَةُ والإزْدِهَارُ، وهَذا يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ العَائِلَةِ أَو المَلَكِيَّةِ الدُّسْتُورِيَّةِ أَو الحِزْبِ الوَاحِدِ أَو القَلِيلِ والمَعْدُودِ مِنَ الأَحْزَابِ الوَطَنِيَّةِ مِنْ ذَوِي العِلْمِ والأَصْلِ والثَّقَافَةِ دُونَ الجُهَلاءِ والعُمَلاءِ والدُّخَلاءِ -- وأَنَا عاشِقٌ للمَلَكِيَّةِ كَجَدِّي

ولا أُحِبُّ الأحْزَابَ لأنَّهَا، فِي رَأْيِي، مَشَارِيعُ نِفَاقٍ ودَمَارٍ "بَطِيءٍ" وخَرَابٍ ولا عِلاقَةَ لَهَا بالتَّعَدُّديَّةِ والدِّيمُقراطِيَّةِ، بَلْ هِيَ وَسِيلَةٌ "قَانُونِيَّةٌ" لِقَتْلِ العِبَادِ ونَهْبِ البِلادِ، وهِيَ مِنَ الأوْهَامِ السّياسِيَّةِ -- وهَكذا، أقُولُ هُوَ رَئيسٌ شَرْعِيٌّ لأنِّي أعْشَقُ الحَقِيقَةَ المُجَرَّدَةَ أَو عَلى الأقَلِّ الحَقيقَةَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِي المُتَوَاضِعَةِ. ثُمَّ أنِّي كَباحِثٍ فِي عِلْمِ الإجْتِمَاعِ والسِياسَةِ والتأريخِ أتَحَدَّثُ تَحْتَ مِجْهَرٍ تأريخِيٍّ، وهُو إخْتِصَاصٌ لِي، وأكْتُبُ كلِماتِي بِقَلَمٍ واقِعِيٍّ براغماتِيٍّ، فَقَد أُطِيحَ بِحُكْمِ صَدّام حسين بِغَزْوٍ إيرانِيٍّ أمريكِيٍّ. وكُلُّ مَنْ حَكَمَ العِراقَ بَعْدَهُ وإلى يَوْمِنَا ومَنْ "عُيِّنَ" يَحْكُمُونَ تَحْتَ الإحْتِلالِ "أوَّلاً" الأمريكِيِّ، ثُمَّ "لاحِقَاً" بَعْدَ نِهَايَتِهِ، وإلى اليَوْمِ، الإيرانِيِّ

ورَئيسُ "الدَّوْلَةِ" مُنْذُ 2003 وإنْهِيارِ العِرَاقِ هُوَ مُوَظَّفُ تَشْرِيفاتٍ ولا عِلاقَةَ لَهُ بِأُمُورِ الحُكْمِ! ورَئيسُ الوِزَراءِ لا يَجْرُؤَ أو يَتَجَرَّأَ عَلى حَكِّ رأسِهِ أَو دُخُولِ الحَمَّامِ دُونَ إذْنِ طَهْرانَ وقُمّ

وإسْتَقَلَّ العِرَاقُ فِي نِهَاياتِ العِشْرينيَّاتِ وبِدَاياتِ الثّلاثينيّاتِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً وهِيَ حِكْمَةُ الأَشْيَاءِ، وكانَ العِرَاقيُّونَ سُعَدَاءَ، وهُم مِنْ أوائِلِ الشُّعُوبِ يَسْتَقِلُّونَ، بِشَخْصِيَّةِ المَلِكِ فيصَل الأوَّلِ وعَبْقَريَّةِ أرْقَى وأذْكى وِزَرَاءِ ماليَّةِ بِلادِ الرَّافِدَيْنِ ساسُون

ومِثَالٌ آخَرٌ هُوَ مِصْر المَحْرُوسَةُ، الوَحِيدَةُ فِي البِلادِ التي كَتَبَ اللهُ لَهَا وعَلَيْهَا الأَمَانَ فِي كُتُبِ الزَّمَانِ، فَجِيرَانُهَا هُنَا وهُنَاكَ وأرْضٌ وبَحْرٌ، ومِنْهُم غَزَّة التي لَمْ يأتِيَ لِمِصْر مِنْهَا إلاّ أنْفَاقُ الظُّلْمَةِ والظَّلامِ والجَّهْلِ والإرْهابِ وتَهْرِيبِ السِّلاحِ والتَّآمُرِ وصُدَاعِ الرَّأْسِ، أَو جَارٌ آخَرُ لِمِصْرَ هِيَ إسْرائيل

والعِلاقَةُ مَعَ إسْرائيلَ واضِحَةٌ بَيِّنَةٌ لا غُمُوضَ فِيهَا، إمَّا حَرْبٌ ودَمَارٌ وإمَّا سَلامٌ ورَخَاءٌ وإعْمَارٌ...، إمَّا حُرُوبٌ ونَكَسَاتٌ كَمَا كانَتْ مَعَ عَبدِ النّاصِرِ وإمَّا حَرْبٌ وسَلامٌ ثُمَّ إسْتِرْدادُ الأرْضِ بِالحِكْمَةِ والإتِّفَاقِ وتَنَاوُلِ الكَّعْكِ والشَّاي دُونَ قَطْرَةِ دَمٍ كَمَا كانَ مَعَ أنورِ السَّادات -- وهكذَا، فَالعِلاقَةُ مَعَ إسرائيلَ تَعْتَمِدُ عَلى الحِكْمَةِ والتَّعَقُّلِ والحِفَاظِ عَلى الأرْضِ والسِّيادَةِ وكَرَامَاتِ النّاسِ عَنْ طَرِيقِ السَّلامِ والعَدْلِ والجِّيرَةِ الطَّيّيبَةِ والإحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ والقَبُولِ بأقْدَارِ الرَّبِّ ومَا أرَادَ وكانَ ويَكُونَ، ولَيْسَ عَن طَرِيقِ الغَبَاءِ والجَّهْلِ وغَسِيلِ العُقُولِ والإسْلامِ السِياسِيِّ والخِطَاباتِ النّاريَّةِ والمُظَاهَرَاتِ، والشِّعَارَاتِ والميلشياتِ والمُخَدَّرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ، والأكَاذِيبِ وشَتْمِ القَرِيبِ والبَعِيدِ، ورَفْعِ الأصَابِعِ والتَّهْدِيدِ، والأحْلامِ والأوْهَامِ بِحَرْقِ إسرائِيل والوَعِيدِ، وإزَالَتِهَا فِي دَقَائِقٍ مِنَ الوُجُودِ، وصِرَاعٍ بَيْنَ قِمَّةِ التَكنلوجيا الإسْرَائِيليَّةِ وقُوَّةِ الطَّائِراتِ ضِدَّ أفْرادٍ فِي أنْفاقٍ بِلا هَوَاءٍ بَيْنَ الحُدُودِ والحُدُودِ، وحُرُوبٍ وأعْمَالٍ بِخَوَاتِيمِهَا، والخَوَاتِيمُ، حَتْمَاً، هِيَ الدَّمَارُ وزَوَالُ الأُمَمِ وقَهْرُ الشُّعُوبِ والتَّهْجِيرُ والدُّمُوعُ والفَقْرُ والعَوْدَةُ قُرُونَاً إلى الوَرَاءِ

ومَرَّتْ الأزْمَانُ والدُّهُورُ... إلى أَنْ جَاءَ الأتْرَاكُ والعَرَبُ ودَخَلُو الأرْضَ لِيَبْدَأَ القَتْلُ وتَبْدَأَ الصِّرَاعاتُ، ثُمَّ سَكَنَ شِيعَةُ العَرَبِ العِرَاقَ، وعِنْدَهَا، فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، يَا سَادَة، وُلِدَ الجَّهْلُ ومَعَهُ وُلِدَ النِّفَاقُ! والنِّفَاقُ فِي أَسَاسِهِ هُوَ صِرَاعُ مَرِيرٌ بَيْنَ سَلامَةِ القَلْبِ وحَصَائِدِ اللِّسَانِ، فَإِنْ إِنْتَصَرَ اللِّسَانُ عَلى القَلْبِ إِنْحَرَفَتْ الأَفْعَالُ وكانَ النِّفَاقُ. وبَدَأتْ بَعْدَهَا عُصُورُ الفِتْنَةِ الشِّيعِيَّةِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً لِتَصِلَ فِي ذُرْوَتِهَا بالحُرُوبِ والغَوْغَائِيَّةِ والشِّقَاقِ بَيْنَ البَشَرِ والحَجَرِ، فَدَمَّرُو مَا فِي الأَرْضِ مِنْ جَمَالٍ وسَلامٍ وهُدُوءٍ وحَضَارَاتٍ

كَيْفَ؟! هُم البَشَرُ والجَّهْلُ والعِنَادُ والإِرَادَاتُ، هُيَ القِصَصُ والرِّوايَاتُ والإِشَاعَاتُ، هِيَ الكُتُبُ والكِتَابَاتِ، عَلِيٌّ وبَابُ فَاطِمَةَ والحِكَايَاتُ، بَيْعَةُ عُمَرَ والإِجْتِمَاعَاتُ والبِدَايَاتُ، كَرْبَلاءُ والثَّورَاتُ، الحُسَيْنُ والرَّايَاتُ، يَزِيدُ والنِّهَايَاتُ، عِبَادَةُ الجَّهْلِ والعِمَامَةِ والذَّاتِ، هِيَ إِذَاً الأَحْقَادُ والكَلِمَاتُ والخُرَافَاتُ

هِيَ السَبعينيَّاتُ، يَا سَادَة، عَقْدُ النَّفطِ والثَّرَوَاتِ والتَّعْليمِ والبِنَاءِ، إذْ كانَ حُكّامُ العِرَاقِ والعَرَبِ مَعَ شُعوبِهِم عَلى حُكْمٍ وأُمورٍ مُتَّفِقينَ: إفْعَلْ أَيُّهَا المُواطِنُ العِرَاقِيُّ والعَرَبِيُّ مَا تَشاءُ... أُرقُصْ، إفْرَحْ، تَعَلَّمْ، إِرْفَعْ يَدَكَ بالدُّعَاءِ، أو إِنْسَ الأَمْرَ ولا تَعْبُد أَو تَتَعَبَّد، كمَا تَشَاءُ، لا شَأنَ لَنَا بِكَ مِنَ الأَلِفِ إلى اليَاءِ... سَافِرْ، غازِلْ، وتَغَزَّلْ بالنِّسَاءِ، إلبَسْ وإِرتَدِ مِنَ الثِّيابِ مَا تَشاءُ، وتَعَرّى "سِرَّاً" كَيْفَمَا تَشاءُ ومَتَى مَا تَشَاءُ، هِيَ حَيَاتُكَ وهِيَ الحَياةُ ومَا تَشَاءُ...، لكِنْ إِيّاكَ ثُمَّ إِيّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، أَنْ تُؤذِيَ الآخَرينَ أَو أَنْ تَتَحدّثَ فِي "السِّياسَةِ" وأُمُورِ الحُكمِ والثَّوْرَةِ والبَعْثِ وسِيرَةِ الرِّفَاقِ والرُّفَقَاءِ، أَو أَنْ تَتَحَدَّى أَصْحَابَ النُّفُوذِ أَو "أَوْلادَهُم أَو بَنِيهِم لاحِقَاً" أَو أَنْ تَرْفُضَ تَمْجِيدَ الزُّعَمَاءِ! وإِلاّ صِرْتَ ضَحِيَّةً مِنْ ضَحَايَا أَبُو طُبَر والسَّاطُورِ والسَّوَاطِيرِ والسَّكاكِينِ والأَكْفَانِ ومَاءِ الوَرْدِ والحِنَّاءِ، أَو، عَلى الأَقَلِّ، صِرْتَ واحِدَاً مِنَ السُّجَنَاءِ -- كَمَا يَقولُ الآباءُ والأَجْدادُ: حَرَامِي لا تصِير، مِنْ شُرطِي "سُلطان" لا تَخَاف

وقَبِلَتْ الشُّعوُبُ وكانَ الجَّميعُ سُعَدَاءَ مُتحابّينَ، وكانَ هَذا سِرُّ السّبعينيَّاتِ، ورُبَّما، رُبَّما، لاحِقاً، شَيْئَاً مِنَ الثّمانينيَّاتِ. لكنَّ السَّماءَ لَمْ تَنْسَى الأَحْدَاثَ ومَا جَرَى، والأَحْدَاثُ قَبْلَ سَنَوَاتٍ هِيَ الأَقْسَى، والسَّماواتُ عَلى العِرَاقِ غَضِبتْ مَرَّةً أُخْرَى، ومَا أدْراكَ مَا غَضَبُ السّماواتِ العُلَى

هِيَ سَبعينّياتُ الخَيْرِ والسّعادَةِ، ومَعَها، وَرَاءَ الكَواليسِ، كانَتْ النّارُ ومَعَهَا الحَديدُ وَهِيَ لِلعَسْكَرِ عَادَةٌ، والحَديدُ لِشِيعَةِ العِراقِيّينَ عَاشِقِي الفِتْنَةِ والشِّقَاقِ، رُبَّمَا، هُوَ الحَلُّ الوَحِيدُ

حَسْناءُ الفَنِّ والرَّقْصِ لَيلَى محمَّد سَكَنَتْ القُلُوبَ تارَةً بِحُسْنِهَا وتارَةً بِدَلالِهَا بَيْنَ الرَّقْصِ والإِغْرَاءِ والأُنُوثَةِ والحَيَاءِ، أَمِيرَةُ جَمَالٍ ودَلالٍ، وجَمَالُهَا هَدِيَّةٌ مِنَ السَّماءِ والرَّبِّ، لَهَا إِبْتِسَامَةٌ تَأْسِرُ الرَّجُلَ فِي لَحَظَاتٍ، ونَظْرَةٌ لَهَا مَا لَهَا مِنْ هَمَسَاتٍ... ولا كَلِمَاتٍ

الدَّلَعُ والجَّمَالُ مَعَ الدَّلالِ والمُوسِيقَى والمَسْرَحِيَّاتِ الغِنَائِيَّةِ والإِسْتِعْرَاضِيَّةِ، غَالِيَةُ والمَهَا، أَطْرَافُ المَدِينَةِ والحَسْنَاءُ لَيلَى محمّد بِجَمَالِهَا ودَلالِهَا ورَقْصِهَا، وبَعْدَهَا غِزْلانُ وشَعْرُهَا الغَجَرِيُّ تَرْقُصُ وتُغَنِّي رَوَائِعَ سَعْدِي الحِلِّي فِي مَسْرَحِيَّةٍ أُخْرَى...، الشَّبَابُ والحَيَاةُ والسَنَوَاتُ والأيَّامُ والطُّفُولَةُ والمُرَاهَقَةُ الشَقيَّةُ

والأَفْلامُ والمُسَلْسَلاتُ والفَنُّ فِي نَمَاءٍ، هِند كامِل وجَمَالُهَا النَّادِرُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فِيهَا الأُنُوثَةُ والهُدُوءُ والأَنَاقَةُ والثَّقَافَةُ والعُيُونُ والكُحْلُ والبَهَاءُ، وُلِدَتْ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ، فِي فَنِّهَا عَلامَةٌ شَيْمَاءُ، فَكانَتْ سِتُّ الحُسْنِ وكانَ فِيهَا حُسْنُ الأرْضِ والسَّمَاءِ

الطَّرَبُ والمُوسِيقَى والأنْغامُ وغَزَلُ النِّساءِ، والأَزْيَاءُ والشَّعْرُ المَسْدُولُ والقَصِيرُ والبَنْطَلُون، وجَمَالُ السّيقانِ التي تَمْشِيَ عَلى الدَّرْبِ، وأَنَاقَةُ الرِّجالِ ودَلالُ النِّساءِ، ومَا خَلَقَ مِنَ العُيُونِ... سُبْحانَكَ يا رَبُّ! كانَتْ سَنَواتٌ ذَهَبيّةٌ، أزياءٌ ورَقْصٌ وغِنَاءٌ أَنْغَامُهُ الإِحْسَاسُ وأَلْحَانُهُ الرُّوحُ، رِجَالٌ ونِساءٌ، حُرِيَّةٌ ودَلالٌ، بِنْطالُ الجَرَسِ والجارلِسُ والتَنّورةُ والقَصِيرُ، غَرامٌ وسَهَرٌ وغَزَلٌ وأمِيرَةٌ وأمِيرٌ، والخَصْرُ وَجَمَالُ السَّاقَيْنِ، الشَّعْرُ والعُيُونُ والأُنوثَةُ وأحْمَرُ الشِّفاهِ ونُعومَةُ اليَدَيْنِ، سِحْرُ الفولكس فاغِن والأفلامُ والسّينَما والإنْفِتاحُ، فَلا إنْقِلاباتٌ وَلا جِرَاحٌ، وأصْبَحَتِ السّبعينيّاتُ فِي العِراقِ وبِلادُ العَرَبِ والعالَمِ عَقْداً للجّمَالِ والأَفْراحِ

عِندمَا كانَ الجَّمَالُ "طَبِيعِيَّاً" وكانَ سَلامُ النُّفُوسِ وجَمَالُ الأَيَّامِ وعَذَابَاتُ الرِّجَالِ بِحُسْنِ النِّسَاءِ والفَتَيَاتِ، ولَيْسَ غُرْبَةُ النَّفْسِ وغَرَابَةُ أَيَّامِنَا وحَيْرَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسْوَةِ، والحَيْرَاتُ بِكَمِّ الوُجُوهِ المُتَشَابِهَةِ والفِلْتَرَاتِ

فَإِنْ أرَادَ العَرَبُ أنْ يَكُونَ لَهُم شَأنٌ بَيْنَ الأُمَمِ، فَلَيْسَ بالشِّعاراتِ والمُسَيَّرَاتِ والصَّوَارِيخِ والحُرُوبِ والإِرْهَابِ والعَمَالَةِ وعُبُودِيَّةِ البَشَرِ لِلبَشَرِ والمُظَاهَرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ، وإنَّمَا بالعِلْمِ والتَّعْلِيمِ والفَنِّ والرُّقِيِّ والفَرَحِ والسَّفَرِ والحِكْمَةِ والسِّيَادَةِ والعِلاقَاتِ الطَّيِّبَةِ والسَّلامِ والإِزْدِهَارِ والبِنَاءِ

والعالَمُ عَرَفَ مِصْرَ وأَحَبَّهَا لَيْسَ بِحُرُوبِ عَبد النّاصِرِ العَبَثِيَّةِ وأَمْرَاضِهِ النَّفْسِيَّةِ وقَتْلِهِ لِلقَرِيبِ وسَجْنِهِ لِلغَرِيبِ وحَتّى المُحِبِّينَ، ولا بِنِفَاقِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ، بَلْ بِأَحمَد رامِي وبَلِيغ حَمْدِي ونَجِيب مَحفوظ وأَحمَد زويل وجَوائِزِ نُوبِلَ والأَدَبِ والعُلُومِ والفَنِّ وعُمَرِ الشّريفِ وفَاتِن حَمَامة وعَادِل إِمَام، وبَسَاطَةِ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِي وعِلْمِهِ وأُسْلُوبِهِ السَّهْلِ والمَحْبُوبِ وتَوَاضُعِ الإِمَامِ، وعِلْمِ وإِيمَانِ الدّكتُور مُصطَفَى مَحمُود ورُقِيِّ المَقَامِ، وجَمَالِ كَلِمَاتِ البَابَا شنُودَة وإِيمَانِهِ بِالسَّلامِ، وحِكْمَةِ الدّكتُور أَحمَد الطَّيِّبِ والأَزْهَرِ والوَسَطِيَّةِ والوِئَامِ، وخِفَّةِ دَمِ المِصْرِيّينَ وأَرْوَاحِهِم الجَّمِيلَةِ وحُبِّهِم لِلمُسْتَقْبَلِ والحَيَاةِ، والمَخْطُوطَاتِ المُقَدَّسَةِ والآثَارِ وإبْدَاعِ الفَرَاعِنَةِ الرُّقَاةِ، وخَيْرَاتِ الأَرْضِ وجَمَالِ نَهْرِ النِّيلِ، وصَفَاءِ الأَرْبَعِينيَّاتِ ونَقَاءِ ذَلِكَ الجِّيلِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا

فالنَاسُ عَشِقُو لُبْنَانَ، مَثَلاً، لَيْسَ بِالأَحْزَانِ والحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ وحِزْبِ اللهِ والقَتْلِ والإِغْتِيَالاتِ والجَّهْلِ والفَقْرِ والعَمَالَةِ والفَوْضَى وإِرْهَابِ الحُكُومَاتِ السُّورِيَّةِ ونِفَاقِ الحَرَكَاتِ الفِلِسْطِينِيَّةِ ومُؤَامَرَاتِ العِمَامَاتِ الإيرانِيَّةِ، إنَّمَا بِصَوتِ فَيْرُوزَ والثَّقَافَةِ والجَّمَالِ والجِّبَالِ والقُرَى والجِّنَانِ، والإِيمَانِ والكَنَائِسِ والأَدْيِرَةِ وأَقْلامِ جُبْرَانَ، وذِكْرَى بَشِيرِ الجميّل وكَلِمَاتِهِ والعَذْرَاءِ مَرْيَمَ والمِسْبَحَةِ والقُلُوبِ الوَرْدِيَّةِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا

والنَّاسُ أَحَبُّو بِلادَنَا ويُحِبُّونَ العِراقَ ويَحْتَرِمُونَ سُمْعَةَ شَعْبِهِ وحَضَارَاتِهِ وتأرِيخِهِ الأَوَّلِ والأَخِيرِ، لكِن لَيْسَ بالحُرُوبِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ، أَو سَفْكِ الدِّمَاءِ والنِّفَاقِ والشِّقَاقِ والتَّدْمِيرِ، ولا بِالعَمَالَةِ والبَطَالَةِ والفَسَادِ والتَّزْوِيرِ، أَو غِيَابِ النِّظَامِ والرِّقَابَةِ وفَوْضَى الزِّيَارَاتِ، وبَيْعِ الأَرْوَاحِ وشِرَاءِ النُّفُوسِ وتَدْمِيرِ العَائِلاتِ، والمُتْعَةِ والإِنْحِطَاطِ الأَخْلاقِيِّ والإِجْتِمَاعِيِّ وأَمْوَالِ بَاكِسْتَانَ وإِيرَانَ التي غَزَتْ مُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِ وجَنُوبِهِ وتَشْوِيهِ سُمْعَةِ العِرَاقِيَّاتِ، ولا بِالسَّاسَةِ والعُمَلاءِ والسَّرِقَاتِ والصَّفَقَاتِ، أَو الفَضَائِحِ الإعْلامِيَّةِ والشَّخْصِيَّةِ والصِّرَاعَاتِ، والجُّهَلاءِ وسُرَّاقِ الكَلِمَاتِ، وسَرِقَةِ البَلاغَةِ وفَنِّ الخَطَابَةِ والخِطَابَاتِ "دُونَ خَوْفٍ مِنَ الفَضَائِحِ والمُلاحَقَةِ والمُحَاكَمَاتِ وهِيَ عَلى البَابِ والبَوَّابَاتِ، وقَدْ تُطْرَقُ أَبْوَابُهُم فِي أَيِّ مَكانٍ وزَمَانٍ إِذْ نَعِيشُ فِي زَمَنِ القَوَانِينِ والعُقُوبَاتِ وقَدْ تُقْطَعُ الأَرْزَاقُ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وأَقُولُ دَائِمَاً وهذِهِ وِجْهَةُ نَظَرِي... سَرِقَةُ الكلِمَاتِ غَبَاءٌ بِطَعْمِ الجَّهْلِ وجَهْلٌ بِطَعْمِ الغَبَاءِ" وسَلاطَةِ الِّلسَانِ وحُرُوبِ السُوشَال مِيدِيَا بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، التي، للأَسَفِ، أَصْبَحَتْ رَمْزَاً بَلْ عَلامَةً لِكَثِيرٍ مِنَ العِرَاقِيّينَ، كَثِيرُهُم أَو جُلُّهُم

فَالمُشْكِلَةُ إِذَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةِ لَيْسَتْ "تَاءُ" التَّأنِيثِ أَو "نُونُ" النِّسْوَة بَلْ "كافُ" المُخَاطَبَةِ

إنَّمَا أَحَبَّ النَّاسُ والكَوْنُ بِلادَنَا وعَرَفُوهَا بِحَمُّو رَابِي وشَرِيعَتِهِ التأرِيخِيَّةِ، وأُور نَمُّو وسُلالاتِهِ وشَرِيعَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، وبَوَّابَةِ عِشْتَارَ بِأَحْجَارِهَا وأَلْوَانِهَا الزَهِيَّةِ، والمَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي والرُّقِيُّ والمَقَامُ والمَلَكِيَّةُ الدُّسْتُورِيَّةُ، وزَهَا حَديد وتَصَامِيمِهَا البَهِيَّةِ، ومَعَارِضِ الجَمِيلَتَيْنِ لَيْلَى وسُعَاد العَطَّارِ والجَوَائِزِ الدُوَلِيَّةِ، وفَرَاشَةِ البَصْرَةِ سِيتَا هاكُوبيَان وأَغَانِيهَا فِي الحُبِّ والغَرَامِ والشَّوْقِ والرُّومَانسيَّةِ، وإِبْنَةِ البَصْرَةِ الرَّاقِيَةِ فِكتُوريَا نُعْمَان المُحَامِيَةِ والإِذَاعِيَةِ، وكُرَةِ القَدَمِ والبُطُولاتِ الدُّوَليَّةِ، والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ الشَّعْبِيَّةِ، والرَّقَصَاتِ العِرَاقيَّةِ، وحِسَانِ الشَّعْرِ الغَجَرِيِّ الأَحْمَرِ بِشِفَاهٍ وَرْدِيَّةٍ وعُيُونٍ عَسَليَّةٍ وأَجْسَادٍ مُخْمَلِيَّةٍ يَرْقُصْنَ كالفَرَاشَاتِ الرَّبِيعِيَّةِ، والمَطْبَخِ العِرَاقِيِّ والكَبَابِ والبِرْيَانِي والفَلافِلِ والعَمْبَةِ والدُّولمَةِ والمَأْكُولاتِ الهَنِيَّةِ، والسِّنْدِبَادَ وعَلِي بَابَا وبَغْدَادَ والبَصْرَةِ والحِلَّةِ والنَّاصِرِيَّةِ، وكِسْرَى والذِّكْرَى والقَادِسِيَّةِ، وحِكَايَاتِ الحُبِّ البَابِلِيَّةِ والشَّجَاعَةِ السُّومَرِيَّةِ، والأُصُولِ الآشُورِيَّةِ، وجَيسيكا مَائير "الشَّابَةُ الجَّمِيلَةُ ورَائِدةِ الفَضَاءِ وعَالِمَةِ الأحْيَاءِ البَحْرِيَّةِ والعَالِمَةِ الفِيزيَائِيَّةِ، وفِي أَيَّامِنَا واليَوْم هِيَ فَخْرٌ لَنَا فِي الأَبْحَاثِ الفَضَائِيَّةِ،" ومَرْكَزِ العُلُومِ فِي البَصْرَةِ فِي السَبعِينيَّاتِ وأَبْحَاثِهِ البَحْرِيَّةِ، وشَارِعِ المُتَنَبِّيَ واحَةِ الفَنِّ والأَدبِ والكُتُبِ والأَذْوَاقِ الرَّاقِيَةِ، وشَارِعِ الرَّشِيدِ وسَاحَاتِ بَغْدَادَ والنَّظَافَةِ فِي العُصُورِ المَاضِيَةِ، وسُوقِ السَّرَايَ والتأرِيخِ والمَحَلاَّتِ والأَنْتِيكَاتِ والذِّكْرَيَاتِ، وكَنَائِسِ نَيْنَوَى ومَارِ مَتَّى ويُونَانَ والمَعَابِدِ والزَّقُّورَاتِ، والقَوْمِيَّاتِ والطَّوَائِفِ والأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ، وبَابِلَ القُوَّةِ والعِلْمِ وأُورَ وبَيْتِ إِبْرَاهِيمَ وسَارَةَ والأَدْيَارِ والأَدْيِرَةِ ودُورِ الرَّاهِبَاتِ، ونِسَاءِ العِرَاقِ فِي الفَنِّ والإِعْلامِ والتَّعْلِيمِ والسِّيَاسَةِ والطَّيَرَانِ وقِيَادَةِ الطَّائِرَاتِ والعَرَبَاتِ، مَنْ كُنَّ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا فِي الصَّدَارَةِ العَرَبِيَّةِ وأَوَّلَ مَا كانَ وكُنَّ ويَكُونَ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا

وهِيَ وِلايَةُ الفَقِيهِ ومَا فِيهَا ومِنْهَا مِنْ خُبْثٍ وقَتْلٍ وجَهْلٍ ونِفَاقٍ وحِقْدٍ وبَيْعٍ وشِرَاءٍ للنُّفُوسِ وتَمَلُّقٍ للبَعيدِ وقَتْلٍ للقَريبِ وسَلامٍ باليَدِ اليُمْنَى وطَعْنٍ باليَدِ اليُسْرَى وإبْتِسَامَةٍ فِي النَّهَارِ وتَآمُرٍ فِي ظُلُمَاتِ الليْلِ

لِهَذا، أَقُولُ، إِنْ سَيْطَرَ الدِّينُ عَلى السِّياسَةِ شَوَّهَ مَا فِيهَا، وإنْ تَدَاخَلَتْ السِّياسَةُ فِي الدِّينِ شَوَّهَتْ مَا فِيهِ، مَهْمَا كانَتْ السِّياسَةُ ومَهْمَا كانَ الإيمَانُ أَو الدِّينُ

خُلاصَتِي، أَنَّ دُونَالد ترامب هُوَ "مِسْمَارُ جُحَا" فِي نَعْشِ الإِرْهَابِ!! إِنْتَهَى

المَدَارِسُ والثَّانَوِيَّاتُ النّمُوذَجِيَّةُ... ومِنْهَا وأَرْقَاهَا ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ... ومَا أَدْرَاكَ مَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ؟؟ كُلِيَّةُ بَغْدَادَ والبَسَاتِينُ والحَدَائِقُ والرَّيْحَانَةُ والرَّيَاحِينُ ومَلاعِبُ الكُرَةِ والسَّلَّةِ والسَّاحَاتُ والكُورتَاتُ والكُرَاتُ وأَوْلادُ السُّفَرَاءِ والسَّاسَةِ والعَائِلاتُ الرَّاقِيَةُ، العِرَاقِيَّةُ والعَرَبِيَّةُ، مِنْ كُلِّ الأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ والثَّقَافَاتِ -- والبِنَايَاتُ والصُّفُوفُ والفُصُولُ والقَاعَاتُ والمُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةِ والمَكْتَبَاتُ، والأَسَاتِذَةُ الكِرَامُ والمُدَرَاءُ الرُّقَاةُ، أَذْكُرُ البَعْضَ مِنْهُم بِكُلِّ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ وتَقْدِيرٍ وإِحْتِرَامٍ وعِرْفَانٍ، مَعَ حِفْظِ الأَلْقَابِ والفَخْرِ والشُّكْرِ والإِمْتِنَانِ، أُسْتَاذُ قُتَيْبَة وفَازِع وسَمِير ونُورِي وبَاسِمُ وإِنْتِصَارُ ولطيف وأَحمد ومحمّد وفرانسيس وعَبدُ الواحِد وماجِد "أُوربِتَالل -- وأَتَعَمَّدُ هُنَا كِتَابَةَ حَرْفِ الّلامِ مَرَّتَيْنِ، فَقَط لِلذِكْرَى الجَّمِيلَةِ بِأَيَّامِهَا الأَجْمَلِ" والأُسْتَاذُ الفَاضِلُ فَاضِل وأُسْتَاذُ خِضر... والأُستَاذَةُ الجَمِيلَةُ خالِدة ومَيْسُون وخَدِيجَة وكَواكِب... أَرْقَى الأَسَاتِذَةِ والمُدَرِّسِينَ وهُم فِعْلاً فِي سَمَاءِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ نُجُومٌ وكَوَاكِبٌ

وحَسْنَاءُ الفَنِّ والرَّسْمِ والمَوَاهِبِ الفَنِّيَّةِ السِتْ صَبِيحَة... أُنْثَى وإِسْمٌ عَلى مُسَمًّى -- فتاةٌ صَبيحَةٌ بِجَمَالِهَا وشَعْرِهَا وأُنُوثَتِهَا المُتَفَجِّرَةِ، دُرَّةٌ وجَوْهَرَةٌ، بِحُسْنِهَا وسَمَارِهَا نَادِرَةٌ، يَرَاهَا مُرْهَفُو الحِسِّ مِنَ الطُّلاَّبِ فِي أَوَّلِ النَّهارِ وهُم لَهَا عَاشِقُونَ، وبِهَا حَالِمُونَ، لِقُدُومِهَا مُنْتَظِرُونَ، يَحِينُ الدَّرْسُ والطُّلاَّبُ كُلُّهُم "بِقُدْرَةِ قَادِرٍ" حَاضِرُونَ، فَلا مَرَضَ ولا أَعْذَارَ ولا غِيَابَ ولا شَكْوَى، ولا إِجَازَاتٍ ولا صِبَا ولا ذِكْرَ للجُنُونِ، بَلْ يُؤَجَّلُ كُلُّ ذَلِكَ لِدُرُوسٍ أُخْرَى... تَمُرُّ بِصَوْتِ كَعْبِهَا الحَنُونِ، لِيَكُونَ الصَّمْتُ والهُدُوءُ والسُّكونُ، فَصَمْتَاً يَصْمُتُونَ، كَعْبٌ ورُخَامٌ، صَهٍ صَهٍ، العُيُونَ يُغْمِضُونَ، الآذَانَ يَفْتَحُونَ، لَحْنَ الأُنُوثَةِ يَسْمَعُونَ، أَنْغَامَ أُغْنِيَةِ "الكَعْبِ" يَسْتَمِعُونَ، ثُمَّ يَتَنَهَّدُونَ، إِيهٍ، لِتُفْتَحَ العُيُونُ، إِلَيْهَا يَنْظُرُونَ، والشُّجُونُ ومَا أَدْرَاكَ مَا الشُّجُونُ، لِتُصْبِحَ مَادَّةُ الفَنِيَّةِ "فَجْأَةً" المَادَّةُ المُفَضَلَّةُ لَدَى الجَّمِيعِ، لِيَتَعَجَّبَ الأَسَاتِذَةُ والمُدَرَاءُ وأَوْلِيَاءُ الأُمُورِ ويَشْكُرُونَ العَلِيمَ السَّمِيعَ، عَلى إِلْتِزَامِ الطُّلاَّبِ والأَبْنَاءِ و "أَحَاسِيسِهِم" المُرْهَفَةِ و "حُبِّهِم" لِلفَنِّ والرَّسْمِ و "مَوَاهِبِهِم" الفَنِّيَّةِ! وبِسَبَبِ المُدَرِّسَةِ الحَسْنَاءِ أَصْبَحَ كُلُّ طَالِبٍ فِي كُلِيَّةِ بَغْدَادَ أَكْثَرَ مَوْهِبَةً مِنْ بَابلو بِيكاسو وأَميديو مُوديلياني وأُوجست رِينوَار بَلْ وحَتّى كلود مُونِيه، وإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ

ويَذْكُرُ "جَدِّي" إَنَّهُ مَرَّةً وهُم إلى الرَّسَّامَةِ الفَاتِنَةِ يَنْظُرُونَ وصَوْتِهَا يَسْمَعُونَ وإِلى طَقْطَقَةِ كَعْبِهَا يُنْصِتُونَ وحَرَكَاتِهَا ودَلالِهَا يُرَاقِبُونَ ومِنَ الدَّرْسِ شَيْئَاً لا يَفْهَمُونَ وحَتّى عُنْوَانَ الدَّرْسِ لا يَعْلَمُونَ، وكُلُّهُم "فِي صَمْتٍ" فِي الجَّمَالِ يُرَكِّزُونَ، وإِذَا بِأَحَدِهِم قَامَ بِأَمْرٍ لَيْسَ فِي الظَّنِّ والحُسْبَانِ والحِسْبَانِ وإِرْتَكَبَ جَرِيمَةً كُبْرَى بِحَقِّهِم وحَقِّ البَشَرِيَّةِ فَعَطَسَ وكَسَرَ بِذَلِكَ "قَوَاعِدَ اللُّعْبَةِ والإِشْتِبَاكِ" وشَوَّهَ جَمَالَ السُّكُونِ، فَحَصَلَ عَلى رَكْلَةٍ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ "جِلاَّق عِرَاقِي أَصْلِي" مِنْ صَدِيقِهِ الواقِفِ خَلْفَهُ "فِي صُفُوفِ المُشَاهِدِينَ والمُتَفَرِّجِينَ،" وهَذِهِ كانَتْ "يَرْحَمُكُم اللهُ بَعْدَ العَطْسِ" عَلى طَرِيقَةِ طُلاَّبِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وبَقِيَ الطَّالِبُ "المَضْرُوبُ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ والمَغْضُوبُ عَلَيْهِ" يَمْشِيَ مِشْيَةَ الأَعْرَجِ كالبَطَّةِ العَرْجَاءِ كَأَنَّهُ يَرْقُصُ "الجُوبِي" فِي الشَّارِعِ لِأُسْبُوعَيْنِ!! إيهٍ ثُمَّ إِيهٍ... هُوَ الحُبُّ والعِشْقُ والوَلَهُ... وقَالَهَا عَبد الله الرُّويشد... هِيَ دُنْيَا الوَلَه

ثَانَوِيَّةُ كٌلِيَّةِ بَغْدَادَ... مَنْ تَخَرَّجَ مِنْهَا كانَ مِنَ الرُّقَاةِ المُتَفَوِّقِينَ، أَو سَافَرَ وهَاجَرَ وذَابَ مَعَ المُجْتَمَعَاتِ والأَحْوَالِ والسِّنِينَ، فِيهَا مَنْ يَهْوَى القِرَاءَةَ والأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَعِشَقُ قِلَّةَ الأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَهْوَى الإِثْنَيْنِ، وجَدِّي مِنْ آخِرِ الفَرِيقَيْنِ، وإِنْتَعَشَ فِيهَا العِلْمُ والشِّعْرُ و "الرَّسْمُ" والفَنُّ والأَدَبُ، وإِنْتَعَشَتْ فِيهَا الرِّيَاضَةُ والمَوَاهِبُ المُوسِيقِيَّةِ والرَّقْصُ والطَّرَبُ، كمَا إِنْتَعَشَ فِيهَا أَيْضَاً تَبَادُلُ الأَفْلامِ "الإِبَاحِيَّةِ" بِالُّلغَةِ الفُصْحَى أَو الأَفْلامِ "السِّكْسِيَّةِ" بِلُغَةِ "شَعْبِ" كُلِيَّةِ بَغْدَادَ العَاشِقِ والمُحِبِّ، وأَصْبَحَ هُنَاكَ طالِبٌ مِنْ كُلِّ ثَلاثَةِ طُلاَّبٍ يَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهِ - عَلى الأَقَلِّ - فِلْمٌ أَو إِثْنَيْنِ -- إِحْصَائِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ!! هُوَ الأَمْرُ هكذَا، هِيَ ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وهُم طُلاّبُهَا، الأَجْمَلُ والأَرْقَى والأَنْقَى والأَحْلَى والأَذْكَى والأَشْقَى فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ والوُجُودِ والبَقَاءِ... "كُوكتِيلٌ" وخَلِيطٌ نَادِرٌ ومُقَدَّسٌ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ! إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ

إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ -- مَدْرَسَةٌ جَامِعَةٌ تَجِدَ فِيهَا كُلَّ شَيءٍ وكُلَّ أَصْنَافِ البَشَرِ، وهُمْ أَجْمَلُ وأَحْلَى وأَرْقَى البَشَرِ، طُلاّبُهَا الأَكْثَرُ وَسَامَةً وشَغَبَاً وطِيبَةً وذَكاءً وعِلْمَاً ومَرَحَاً وفَرَحَاً وغِنَاءً ورَقْصَاً ومَقَالِبَاً وعِشْقَاً للنِّسَاءِ وحُبَّاً لِلحَيَاةِ... تَرْكِيبَةٌ نَادِرَةٌ جَمِيلَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ، فِيهَا مَنْ يَخْجَلُ مِنْ نَفْسِهِ وخَيَالِهِ ويَخَافُ النِّسَاءَ ويُصَلِّيَ، وفِيهَا مَنْ فِي حَقِيبَتِهِ أَجْمَلُ وأَحْدَثُ أَفْلامِ ال "بُورنُو" الأَمْرِيكيَّةِ والأَلْمَانيَّةِ والعَرَبِيَّةِ، ونِسَاءَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ يُلاحِقُ ويُمَلِّيَ ... رَحَلاتُهَا وبَاصَاتُهَا تَحْدُثُ فِيهَا أَحْلَى وأَجْمَلُ القِصَصِ والمَوَاقِفِ والأَغَانِيَ والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ والأَسْرَارِ الخَفِيَّةِ، هِيَ هَكذا، والحَيَاةُ فِيهَا كالسِّحْرِ، هِيَ كذَلِكَ، حَيَاةٌ خَاصّةٌ أَشْبَهُ بِالدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ... لَمْ ولَنْ تُوجَدَ إلاّ فِي ثَانَوِيَّةِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، فِي زَمَانِ بَغْدَادَ، عِنْدَمَا "كانَتْ" فِي زَمَانٍ مَا... كُلِيَّةُ بَغْدَادَ

وجَلَسَ المَلِكُ فيصَلُ الأوّلُ على عَرْشِهِ وبَدَءَ قِطارُ السّعادَةِ وبَدَءَ المِشْوارُ، وساسُون حسقيل أرْقَى وِزَرَاءِ المَاليَّةِ فِي الشَّرْقِ والدِّيَارِ -- عَبْقَرِيُّ الإدَارَةِ قَبْلَ النَّفْطِ وبَعْدِهِ، خَطَّطَ للبِنَاءِ والرَّخَاءِ والعِلاقَاتِ والقُرُوضِ قَبْلَ النَّفْطِ وخَيْرِهِ -- ثُمَّ أمْطَرَتِ السَّمَاءُ بالخَيْراتِ وإبْتَسَمَتِ الأرْضُ تَحْتَ النَّخيلِ والتُّمُورِ، وأُخْرِجَ النَّفْطُ فِي 1927 لِيَكُونَ العِراقُ سَيِّدَ الشَّرْقِ والعُصُورِ، وتَمَّ السَّدَادُ ورَقَصَ الدِّينارُ، وسَارَتْ بِسَلاسَةٍ كُلُّ الأُمُورِ، فالكُلُّ يَعْمَلُ بِجِدٍّ وسُرُورٍ، وحُبُّ الأوْطانِ أَصْلُ الإِنْسَانِ، ويَسْتَمِرُّ العَصْفُ الذِّهْنِيُّ والأَفْكَارُ، وجَاءَ نَعيم دنكور، بِحُبِّهِ لِلعِرَاقِ وشَعْبِهِ وبَغْدَادَ المَنْصُورِ، أَفْكَارٌ ومَشَارِيعٌ ومَصَانِعٌ ومَطَابِعٌ ولا زَالَ فِي الطَّرِيقِ الكَثِيرُ مِنَ الأُمُورِ

ومدرسةُ شماش ورَوْعَةٌ فِي التَّعْليمِ والرُّقِيِّ فِي حُبِّ الوَطَنِ والعُلُومِ والبِنَاءِ والإِعْمَارِ، والكُلُّ سُعَداءٌ فِي العِراقِ المَعْمُورِ، مُعَلِّمُونَ مُدَرِّسُونَ طُلاّبٌ طالِبَاتٌ وأوْلِياءُ أُمُورٍ

وأجاثا كريستي التي أحَبّتْ بَغدادَ ودِجْلَةَ والسَّلامَ والّليَالِيَ البَغْدَادِيَّةَ، والكَعْكَ وشَايَ العَصْرِيّةِ، والأَمَانَ وسَاعَاتِ المَغْرِبِيّةِ، لِتَكْتُبَ رُوايَةً عَن بَغْدادَ فِيهَا مِنَ التَّشْويقِ وجَمَالِ النّاسِ ودِجْلَةَ والبُيُوتِ والدُّورِ

أَربعينيَّاتُ الفّخْرِ والسِّيادَةِ والغِنَى والصِّناعَةِ والزِّراعَةِ والتَّعْلِيمِ والفنِّ والأَدَبِ والرَّخاءِ، رُقِيٌّ فِي كُلِّ الأَرْجَاءِ، والمَلْوِيَّةُ وسَامَرَّاءُ، بَغْدَادُ ورَوْعَةُ العِمَارَةِ فِي سِينَما الزَّوْراءِ، والعِراقيُّونَ فِي البُيُوتِ والمَعَابِدِ والكَنائِسِ والمَسَاجِدِ بِحُرِيَّةٍ يَتَعَبَّدُونَ، والكُلُّ أَقْسَمَ بالوَلاءِ... لِيَزْدَهِرَ الوَطَنُ والبِنَاءُ، والنَّاسُ سُعَدَاءُ، والكُلُّ يَحْلُمُ فِي البَقَاءِ، يَهودٌ ومُسْلِمُونَ، صَابِئَةٌ ومَسِيحيُّونَ، آشوريُّونَ وهُم السُكَّانُ الأَصْلِيُّونَ، وأَغْصَانُ البَانِ، والإيزِيديُّونَ عِراقيُّونَ فَرِحُونَ، فِي شِيخانَ عَرُوسِ نَيْنَوَى، ولالش وجَمَالُ الجِّبَالِ والوُدْيَانِ، والجَّبَلُ المَقْلُوبُ والحَجَرُ والتأرِيخُ والبُنْيَانُ، نَسِيمُ مَار مَتّى فِي سَهْلِ نَيْنَوَى، والقَلْبُ لِنَيْنَوَى يَهْوَى، رَغْمَ ذلِكَ فَهُنَاكَ أحْزَانٌ، لكِنِّي لَنْ أقِفَ عِنْدَهَا الآنَ، كَيْ أبْقَى فِي فَصْلِ الفَرَحِ والنِّسْيَانِ "رَغْمَ جَرائِمِ الفَرْهودِ التي سأتَحَدّثُ عَنهَا، ولاحِقَاً عَن أسْبابِهَا...،" وأُكْمِلُ فِي فُصُولِ الرُّقِيِّ والرَّيْحَانِ

إِبْنَةُ البَصْرَةِ الحَسْنَاءُ فِكتُوريَا نُعْمَان، مُحَامِيَةٌ وإِذَاعِيَةٌ وإِعْلامِيَّةٌ لِلعِرَاقِ فَخْرٌ وعُنْوَانٌ، أَوَّلُ مُذِيعَةٍ فِي بِلادِ العَرَبِ بِنَبْرَةٍ كالنَسِيمِ وصَوْتٍ هَادِئٍ رَنَّانٍ

سُعَادُ العمريّ حَسْناءٌ لَهَا شِفَاهٌ وقَوَامٌ وعَيْنَانِ، سُبْحَانَ الخَالِقُ الجَّمِيلُ المَنَّانِ، هِيَ مِنْ أَرْضِ الموصِلِ والجِّنَانِ، سُعَادُ، مَلاكٌ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ دَاعَبَهُ هَوَاءُ المُوصلِ ونَسِيمُ إِسْطنبُولَ، أَمِيرَةٌ مُوصِليَّةٌ، حَسْنَاءٌ عِرَاقِيَّةٌ، مِعْمَارِيَّةٌ تُركِيَّةٌ "لَيْدِي" وأُنْثَى وسَيِّدةٌ حَقِيقِيَّةٌ، رَائِعَةٌ كأَبِيهَا، هُوَ جَعَلَ العِرَاقَ رَاقٍ كَأَفْكارِهِ، وهِيَ جَعَلَتْ بَغْدَادَ جَمِيلَةً كَعَيْنَيْهَا، أَثْبَتَ الرَّبُّ فِيهَا إِنَّ نِسَاءَ المُوصلِ هُنَّ النِّسَاءُ، كُلُّ النِّسَاءِ، وهُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وأَنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ هِيَ الأَحْلَى بَيْنَ لَهَجَاتِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ -- فَاللَّهْجَةُ التُّونِسيَّةُ، مَثَلاً، بِالنِسْبَةِ لِي، هِيَ مُوسِيقَى وهَمَسَاتٌ، واللَّهْجَةُ السُّورِيَّةُ أَنْغَامٌ ونَغَمَاتٌ، لكِنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ إِحْتَارَ فِي جَمَالِهَا وحَلاوَتِهَا مُوريكوني ومُوتسارت، فَسَكنَتْ القُلوبَ والأَفْئِدَةَ -- سُعَادُ أَرشَد العمريّ، كانَتْ فِي عَصْرٍ هُوَ الأَجْمَلُ بَيْنَ العُصُورِ، كانَتْ فِي نَيْنَوَى حُورِيَّةٌ بَيْنَ الحُورِ، وفِي نَيْنَوَى وُلِدَتْ حُورِيَّاتُ البَحْرِ والبُحُورِ، هكذَا حَكَى التأريخُ وقَالَ، ومَعَهُ قَالَ الزَّمَانُ المَأْثُورُ

مَلِكاتُ الجَّمَالِ "الطَّبِيعِيِّ" والأُنُوثَةِ والدَّلالِ والنُّورِ والمَلِكَةُ الحَسْناءُ رينِيه دنكور، عِرَاقِيَّةٌ يَهُودِيَّةٌ بِدَلالٍ وأُنُوثَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ وعُيُونٍ مَلائِكِيَّةٍ ونَسَائِمٍ صِينِيَّةٍ وأَخْلاقٍ رَاقِيَةٍ، وهكذَا، وُلِدَتْ مَلِكَةٌ لِتَكُونَ مَلِكَةٌ وكانَتْ مَلِكَةٌ

إِلى حَسْناءٍ مُوصلِيَّةٍ بِشِفَاهٍ أَرْمَنِيَّةٍ ومَلامِحٍ يُونَانِيَّةٍ إِذْ كانَ فِيهَا حُسْنُ القَمَرِ، سَكَنَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا قُلُوبَ البَشَرِ، بِصَوْتٍ جَمِيلٍ كجَمَالِهَا فِي الإِبْتِسَامِ والنَّظَرِ، وشَخْصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ وأُنُوثَةٍ عَمِيقَةٍ لَمْ تُقْهَرْ، هِيَ نَجْمَةُ الغِنَاءِ والسِّينما عَفِيفَة إِسْكَندَر

فَحَصَلَ المَلِكُ العِرَاقِيُّ الثَّائِرُ عَلى الهَدَايَا الألْمَانيَّةِ كالسَّيَّارَاتِ الفَاخِرَةِ وتُحَفٍ نَادِرَةٍ كَهَدِيَّةِ بُلْبُلِ الإذَاعَةِ الذَهَبِيِّ بِمُنَاسَبَةِ إفْتِتَاحِ إذَاعَةِ الزُّهُورِ مَعَ خِطَابِ شُكْرٍ ومَوَدَّةٍ بِتَوْقِيعِ هِتْلَر، لكِنَّ المَلِكَ الطَّيَّبَ حَصَلَ أَيْضَاً عَلى فَخٍّ إنْكِلِيزِيٍّ وحَادِثٍ مُدَبَّرٍ فَقُتِلَ فِي سَيَّارَتِهِ وهُوَ فِي طَرِيقِهِ لِمُقَابَلَةِ الشَّقْرَاءِ البِرِيطَانيَّةِ، ليُضَافَ حُزْنٌ آخَرُ لِأَحْزَانِ المَلِكَةِ عَاليَة... مَلِكَةِ الأَحْزَانِ العِرَاقِيَّةِ

سَلِيمَة مُرَادُ ومحمّد القبانجي ويُوسف عُمَر، هَيْفَاءُ حسين وزُهُور، وسِحْرُ الأغانِيَ والمَقامَاتِ فِي غَزَلِ بَدْرِ البُدُورِ -- جي مالي والي وجَمَالُ لَحْنِهَا وأَلْحَانِهَا وتَعْنِي "لأَنِّي بِدُون والِي أَو أَنَا بِلا سَنَدٍ أَو حَامٍ،" قلبَك صَخَر جَلمُود، وِنْ يَا قلَب، فراقهم بَجَّانِي، خَدْرِي الجَّاي "الشَّايَ" خَدْرِي، هَاجن جنُونِي لِولفي ودُّوني، يَا حِلو يَا بُو السِدارَة، ورَائِعَةُ عَفاكي عَفاكي عَلى فند العمَلتِينو، وبزرنگوش

والبزرنگوشُ عُشْبةٌ مُعَمَّرةٌ بِرَائِحَةٍ زَكِيَّةٍ مِنْ فَصِيلَةِ النِّعْنَاعِ  -- والأُغْنِيَةُ الجَّمِيلَةُ أَصْبَحَتْ مِنْ رَوَائِعِ الفلكلورِ والتُّرَاثِ الشَّعْبِيِّ العِرَاقِيِّ بَعْدَ أَنْ كانَتْ مُجَرَّدُ مُحَادَثَةٍ ومُزَاحٍ جَمِيلٍ مِنْ أَحَدِ وُجَهَاءِ بَغْدَادَ لِصَدِيقِهِ الذي عَادَ مِنْ إِسْطَنْبُولَ وزَارَهُ لِيَجْتَمِعَ مَعَهُ ومَعَ رُقَاةِ ذَاكَ الزَّمَانِ مِنَ الأُدَبَاءِ والشُّعَرَاءِ والسَّاسَةِ والمُطْرِبِينَ ومَعَهُ بُذُورُ البزرنگوش العِطْرِيَّةِ. وبَعْدَ أَنْ بَدَأَ بِزِرَاعَتِهَا فِي حَدِيقَةِ الدَّارِ قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وصَاحِبُ الدَّارِ مَازِحَاً "يَا صَاحِبِي يَا زَارِعَ البزرنگوش إِزْرَعْ لَنَا حِنَّةً فَالشَّيْبُ قَدْ غَزَا رُؤُوسَنَا،" وهكذَا، هُو الفَنُّ والفُنُونُ والأَزْمَانُ والنَّاسُ وجَمَالُهَا

العُلُومُ التَّربَويَّةُ ورَئيسُ الوِزَرَاءِ محمّد الجَمَالِي، إخْلاصٌ للبِلادِ ورَمْزٌ للثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، آهٍ يا بَغْداد، يُغَنِّي المَطَرُ وتَرْقُصُ لَهَا السُّحُبُ والسَّحَابَاتُ، ونَظَافَةُ الشَّوارِعِ والأسْوَاقِ والطُّرُقاتِ، والسَّعَادَةُ والنَّاسُ تَمْشِي وتُدَنْدِنَ، كُلٌّ أحَبَّ البِلادَ وغَنَّى بِالشَّجَنِ، حَمَامَةُ السَّلامِ فِي السَّاحَاتِ، هِيَ الأرْضُ وهُوَ الوَطَنُ، والوَطَنُ يَسْتَحِقّ، لأَنَّهُ حَقَّاً وَطَنٌ، فَحافَظَ عَلَيْهِ أهْلُهُ فِي الرَّخَاءِ والمِحَنِ، إذْ كانَ يَفْتَخِرَ بِهِ أمَامَ الشُّعُوبِ والحُكُوماتِ

والمَشارِيعُ والأفْكارُ والقُرُوضُ والتَّسْهِيلاتُ، حَلَويّاتُ الشَكَرجِي والأُورُوزدَي أَو الأُورِزْدِي وأَسْواقُ بَغْدادَ، هِيَ الأُولَى فِي بِلادِ العَرَبِ، قِطارُ الشَّرْقِ السَّريعِ وأحْدَثُ السَيّاراتِ، وأجْمَلُ المُوديلاتِ، خُطُوطُ الطَيَرانِ والطّائِراتِ، هِيَ الأُولَى فِي الخَلِيجِ وبِلادِ العَرَبِ، ورَوْعَةُ الرِّحْلاتِ والرَحَلاتِ، والجِّيرانُ طَائِراتٍ لا يَمْلِكُونَ، إلاّ عَن طَريقِ العِراقِ بالطَّائِراتِ يُسَافِرُونَ

العِراقِيَّةُ جوزفين حَدّادُ أوّلُ نِسَاءِ الشَّرْقِ وَهِيَ للطائِرَةِ تَقُود، والجّميعُ سُعَداءٌ مُتَناغِمونَ، كُلُّهُم عِراقِيُّون -- مُسْلِمونَ مَسِيحيّونَ ويَهُودٌ، مَلِكاتُ الجَّمالِ في خَمسينيّاتِ الرُقِيِّ المَعْهُودِ، الألقابُ الجَميلَةُ والباشا والبَاشَواتُ، والبيكُ والبَكَواتُ، والخاتونُ والخَوَاتينَ والأُنوثَةُ وجَمالُ الفُسْتانِ... هِيَ الأَرْبَعينيَّاتُ وكانَ ذَاكَ سِحْرُهَا وهِيَ الخَمْسينيَّاتُ وكانَ هَذَا جُمَالُهَا، لَكِنَّ الأَمَلَ فِي إِنْقِلابِ سَنَةِ 1958 تَلاشَى وإِنْتَهَى

نَحْنُ فِي سِتّينيّاتِ الإنْقِلاباتِ والعُبُورِ، نِفاقُ السّاسَةِ والعَساكِرِ والمُطْرِبينَ والمُغَنّينَ والبُورِ مِنَ النّاسِ والقُلُوبِ البُورِ -- نِفاقُ نَاظم الغَزالِي الذي غَنّى للمَلِكِ الحَبيبِ فَيصَل الثَّانِي ونَادَاهُ بالنُّورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ثُمَّ غَنّى بَعِدَ ذلِكَ لِلقاتِلِ والخَائِنِ وأَمِيرِ الرُّعَاعِ عَبد الكرِيم قَاسِم وقَالَ لَهُ تِسْلَمْ يَا عَبد الكرِيم... لِلشَّعْبِ تِسْلَمْ... لَيْلُ المَظَالِمِ وَلَّى... ونَادَاهُ وهُوَ قَاتِلُ المَلِكِ "النُّورِ" بِقَاهِرِ الظَّلامِ وبَانِيَ العُصُورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ومَاتَ ولَحِقَ بِزَعِيمِهِ الخَائِنِ لِبَلَدِهِ وقَسَمِهِ وشَرَفِهِ العَسْكَرِيِّ فِي السَّنَةِ ذَاتِهَا -- بَعْدَهَا بِأَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ! هُوَ النِّفَاقُ يَا سَادَة ومَا فِيهِ مِنْ أَقْدَارٍ تُرَتِّبُهَا الأَقْدَارُ بِنَفْسِهَا! ونِفَاقُ "بَعْضِ" الفَنَّانِينَ وخَاصَّةً المُغَنِّينَ إِسْتَمَرَّ لِسِنِينَ وكانَ سِمَةً لَهُم إِلى زَمَانِ صَدَّام حسين الذي نَافَسَ عَبد الكرِيم قَاسِم وكانَ لَهُ القِسْمُ الأَكْبَرُ مِن النِّفَاقِ والتَّقَرُّبِ مِنَ الحُكْمِ والحَاكِمِ وذَوِي الأَمْرِ والسُّلْطَانِ

وهُنَا أَسْمَحُ لِنِفْسِي بِإِسْدَاءِ النُّصْحِ والنَّصِيحَةِ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وبَسَاطَةٍ: إِنْ أَرَادَ فَنَّانٌ أَو مُغَنِّي "مُطْرِبٌ أَم لا" أَنْ يُغَنِّيَ لِوَطَنِهِ فَلْيُغَنِّيَ لِلأَرْضِ والسَّمَاءِ لأَنَّهُمَا بَاقِيَانِ إِلى أَنْ يَشَاءَ الرَّبُّ مَالِكُ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، فَالمُلُوكُ والأُمَرَاءُ والرُّؤَسَاءُ والحُكَّامُ يَذْهَبُونَ فَتَذْهَبَ مَعَهُم الأَغَانِيَ والنِّفَاقُ والرِّيَاءُ، لكِنَّ الأَرْضَ تَبْقَى وإِنْ كانَتْ حَزِينَةً أَو بَاكِيَةً وهكذَا هِيَ الأَنْغَامُ والأَنَاشِيدُ، والإِسْتِثْنَاءُ مِنْ هذَا وذَاكَ هُوَ إِنْ كانَ الحَاكِمُ طَيِّبَاً مُبَارَكَاً أَمِينَاً مُحِبَّاً شَرِيفَاً مُخْلِصَاً لِوَطَنِهِ وشَعْبِهِ -- عِنْدَهَا تَكُونُ لَهُ الأَلْحَانُ والنَّغَمَاتُ حُبَّاً ومَحَبَّةً أَسَاسُهَا الإِسْتِحْقَاقُ والشُّكْرُ والإِمْتِنَانُ 

وأَتْرُكُ الآنَ قُبْحَ المُنَافِقِينَ لِأَعُودَ إِلى فُصُولِ التأريخِ ومَا فِيهَا مِنْ جَمَالٍ ونَقَاءٍ بَيِّنٍ... الحَيَاةَ إِذَاً بِجَمالِهَا رَغْمَ الدُّمُوعِ تَسْتَمِرُّ... هِيَ السِّتينيَّاتُ وإِنْقِلابَاتُهَا السِّيَاسِيَّةُ والعَسْكَرِيَّةُ والإِجْتِمَاعِيَّةُ...، الحَسْناءُ سَميرة زيدان ومَلِكاتُ الحُسْنِ والأُنُوثَةِ والسِّحْرِ، وعُرُوضُ الأزْياءِ والمَقاهِيَ والأغانِيَ ونازِكِ المَلائِكة وليَالِي السَّمَرِ، والفَنادِقُ والسَّهَرُ، وقَضاءُ الليْلِ "فَوْقَ السّطْحِ" تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ، والنّسيمُ العَليلُ والأمانُ والحَفَلاتُ

فريدُ وحليمُ وأم كلثوم ورَوْعَةُ الخانِ، والعُلَماءُ والمُثَقّفونَ والمُسَابَقَاتُ والجّميلاتُ، أسْمَاءٌ وألْقَابٌ وقاماتٌ، ناظم بُطرس وسِهامُ السَبْتِي وسَليمُ البَصْري، عمّانوئيل ومَقَالِبُ عَبُّوسِي وتَعْلِيمُ حَجّي راضِي، نَحَبَانِي لَلُّو والدّارُ والدّوُرُ، الكُبَّةُ والصّمُّونُ والعَمْبَةُ والدَّرْسُ الأعْراسُ والهَلاهِلُ والفَرَحُ والسُّرُورُ

لِتَأتِيَ سَبعينيّاتُ السَّعَادَةِ والحُرِيّاتِ والأسْفارِ، مَعْرَضُ بَغْدادَ والشَّرِكَاتُ الصِّينيَّةُ والصِنَاعَاتُ والمَصَانِعُ والمَعَامِلُ والإزْدِهارُ، نَهْرُ الخَيْرِ وأَرْضُ السَّوَادِ والكَرْخُ والرُّصَافَةُ، الشُورجَةُ والبابُ الشَرْقِيُّ وشارِعُ السَّعْدونِ، وأَبُو نَؤَاسُ والشِّوَاءُ، ولَذَّةُ السَّمَكِ العِرَقِيِّ "المَسْكُوفِ" عَجَبٌ، عَلى ضِفَافِ دِجْلَةَ يَسْهَرُ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ، والنّاسُ أحْرَارٌ مَنْ يَشْرَبُ ومَنْ لا يَشْرَبُ، هِيَ الحُرِيَّةُ، والحُرِيَّةُ يَا سَادَة، هَديّةٌ مِنَ الرَّبِّ

السَيِّدَةُ سُعاد البستاني، فَخْرُ المُجْتَمَعَاتِ المُوصِلِيَّةِ والعِرَاقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ، بَاحِثَةٌ وأُسْتَاذَةٌ جَامِعيَّةٌ، وَزِيرَةُ التَّعْلِيمِ العَالِي والبَحْثِ العِلْمِي فِي الحُكُومَةِ العِرَاقِيَّةِ، خِرِّيجَةُ الجَّامِعَةِ الأَمْيرِكيَّةِ، فِي التَّرْبيَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والعُلُومِ الإجْتِمَاعِيَّةِ، والِدُهَا خَلِيل البستاني كانَ وَزِيرَاً فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والرُّقَاةِ فِي المَمْلَكةِ العِرَاقِيَّةِ، وزَوْجُهَا الطَّبِيبُ داوُد سَلمَان رَئِيسُ الجَّامِعَةِ المُسْتَنصِريَّةِ، عَمِيدُ كُليَّةِ الطِّبِّ، ورَئِيسُ الدَّائِرَةِ العِلمِيَّةِ

ومَدْرَسَةُ المَأمُونِيَّةِ الأَرْقَى فِي المَدَارِسِ الإبْتِدَائِيَّةِ والبِلادِ -- السِتْ عَفَافُ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءٌ كَعَارِضَاتِ الأَزْيَاءِ، وبَشْرَى وصَفَاء ومَيْسُون وصَفِيَّة وهَيْفَاء ورَجَاء، وأُمَيْمَة والحاجَّةُ لائِقَةُ كانَتْ كالأُمِّ الثَّانِيَةِ، ودُرُوسُ الخَطَابَةِ والفَنِّ والمُوسِيقَى والرِيَاضَةِ، والجَوَائِزُ والفَوْزُ بِالأَلْقَابِ والمُسَابَقَاتِ الفَنِّيَّةِ والدَّوْرَاتِ الثَّقَافِيَّةِ والبُطُولاتِ الرِيَاضِيَّةِ، والمُدِيرَاتُ الرَّاقِيَاتُ... السِتْ هَيْفَاءُ التي أَحَبَّتْ عَمَلَهَا وأَعْطَتْ لَهُ مِنْ عِلْمِهَا وحَيَاتِهَا الكَثِيرَ، والسِتْ نُورِيَّة -- السِتْ نُورِيَة... هِيَ المُعَلِّمَةُ والمُرَبِيَةُ والتَّرْبَوِيَّةُ، والمُدِيرَةُ والمُشْرِفَةُ المِثَالِيَّةُ، التي أَحَبَّهَا الصِّغَارُ وأَجَلَّهَا الكِبَارُ مِنَ العَائِلاتِ الرَّاقِيَةِ، فَسَكَنَتْ فِي القُلُوبِ النَقِيَّةِ، بِأَخْلاقِهَا ولُطْفِهَا وحَزْمِهَا وأُصُولِهَا البَغْدَادِيَّةِ، عَمِلَتْ بِجِدٍّ وإخْلاصٍ وإجْتَهَدَتْ وأَسَّسَتْ قَوَاعِدَ إِدَارِيَّةً تَعْلِيمِيَّةً، وأَدَارَتْ وأَشْرَفَتْ عَلى أَرْقَى المَدَارِسِ فِي بَغْدَادَ مِنَ الوَزِيرِيَّةِ إلى الأَعْظَمِيَّةِ، فَكُرِّمَتْ مِنَ الحُكُومَاتِ والهَيْئَاتِ الرِّئَاسِيَّةِ، عِندمَا كانَ التَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ وأُطُرُهِ المِثَالِيَّةِ، لِلجَمِيعِ هِيَ أُمٌّ مِثَالِيَّةٌ -- قَلْبُهَا؟؟ تَخَيَّلْ مَعِي... تَخيّلْ بَيْتَاً مِنَ الفَيْرُوزِ الأَخْضَرِ بِأَرْضِيَّةٍ مِنَ اللاَّزَوَرْدِ الأَحْمَرِ، وتَحْتَ البَيْتِ أنْهَارٌ زَرْقاءٌ تَسْبَحُ فِيهَا أَسْمَاكٌ ذَهَبِيَّةٌ تُغَازِلُ بَعْضَهَا وتَنْظُرُ إِلَيْكَ، وفِي سَمَاءِ البَيْتِ مَلائِكَةٌ تَبْتَسِمُ وتُصَلِّيَ لَكَ وتَحْمِيكَ... هكذَا أَصِفُ قَلْبَهَا وقَلْبَ الأُمِّ المِثَالِيَّةِ

وهكذَا، كانَ عِرَاقٌ وكانَتْ بِلادٌ وكانَ رِجَالٌ وكانَتْ نِسَاءٌ... شَعْبٌ واحِدٌ بِرَابِطِ الحُبِّ والأَرْضِ والحَنِين، لا ذِكْرَ أَو فَرْقَ أَو إكْرَاهَ فِي الإيمَانِ أَو الدِّينِ، لا سُنَّةَ لا شِيعَةَ لا عُقَدَ نَفْسِيَّةَ لا جَهْلَ لا أَمْرَاضَ عَقْلِيَّةَ، وللطَائِفِيَّةِ فِي العَقْلِ لا مَكَانٌ أَو أَهَمِيَّةٌ...، السّياحَةُ والسُّواحُ والإنْفِتَاحُ والثَّقَافَةُ واللَّطَافَةُ واللِّينُ، العُمْلَةُ والقِيمَةُ والدِّينَارُ والفِلْسُ والوَرَقُ والمَعادِنُ والرَّنينُ، والنِّسَاءُ يَعْمَلْنَ كالرِّجَالِ فِي الصِحَّةِ والتَّعْلِيمِ والإِدَارَةِ والمُؤَسَّسَاتِ والخَدَمَاتِ العَامَّةِ والعُمُومِيَّةِ، لا فَرْقَ فِي الخَلِيقَةِ والكَرَامَاتِ الإِنسَانيَّةِ، شَميم السّعودِ تَلْعَبُ الشّطرَنجَ وتَفوزُ بِبَرَاعَةٍ فِي بَرْلينَ، حِسَانُ الرِّيَاضَةِ والمُبَارَزَةِ مَلِكَاتُ جَمَالٍ لَهُنَّ فِي القَلْبِ شَوْقٌ وأَنِينٌ، كَأَنَّهُنَّ مَلائِكَةُ ولَسْنَ مِنْ مَاءٍ وطِينٍ... وَسَن وبَسْمَة وآلاءُ، مَيَّادَةُ وإسْرَاءُ وبَيْدَاءُ، أَزْهَارُ وزُهُورُ وسِيرِينَ وشِيرِين، والفَرَيقُ العِرَاقِيُّ وحَبِيبَةُ القَلْبِ "الطُّوبَةُ" وفَلاح حَسَن وعَلِي كاظُم والفَوزُ عَلى إيرانَ فِي طَهْرانَ بِهَدَفِ حسين سَعيد، فَصَرَخَ العِرَاقِيُّونَ إِنَّهُ يَوْمُنَا، وأَيَّامُنَا كُلُّهَا عِيدٌ، وبُطُولاتُ الخَلِيجِ، والرَّقْصُ والدُّمُوعُ والفَرَحُ والأهازيجُ، ومَصانِعُ الحَليبِ والألْبَانِ، والصُّوفُ والنَّسِيجُ، والحُقولُ والمَزارِعُ وصَفَاءُ المَاءِ ونَقَاءُ التُرْبَةِ والطِّينِ، والبَصْرَةُ والمُوصِلُ والأَنْبَارُ والنَّاصِريَّةُ

تَأْمِيمُ النَّفْطِ كانَ العُنْوَانُ، فَرَقَصَتْ عَرُوسُ الرُّمِيلَةِ سِتَا هاكُوبيَان، وطَارَتْ الحَمَامَةُ بِغُصْنِ الزَّيْتُونِ وحَلَّقَتْ أَغْصَانُ البَانِ، وسَارَ قِطَارُ الزَّمَانِ، والأَغَانِيَ والأَلْحَانُ، والرَّخَاءُ والإزْدِهَارُ والغِنَى والمَصَانِعُ والغِذَاءُ والدَّوَاءُ والشَّرِكَاتُ المَحَلِّيَّةُ، وعلامَةُ "صُنِعَ فِي العِرَاقِ" هِيَ الأُولَى بِجَوْدَتِهَا فِي الشَّرْقِ والدُّوَلِ العَرَبيَّةِ، والتَّأْمِينُ الصِحِّيُّ لِكُلِّ أُسْرَةٍ عِرَاقيَّةٍ، والتَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ ومَشَارِيعُ مَحْوِ الأُمِيَّةِ، والعِرَاقُ هُوَ الأَفْضَلُ فِي تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِ وبَنَاتِهِ بِكُلِّ الفِئَاتِ العُمْرِيَّةِ، وأَبْنَاؤُهُ رُقَاةٌ رَاقُونَ فَخُورُونَ بِهَذِهِ الأَرْضِ الزَهِيَّةِ البَهِيَّةِ، والكِتَابُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيِّ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى الجِبَالِ والتِلالِ والقُرَى والنَّواحِيَ لِيَصِلَ إلى الأَكْثَرِيَّةِ والأَقَلِيَّةِ... بَلْ وحَتّى الأَهْوارِ بِسِحْرِهَا وطُيُورِهَا وجِنَانِهَا المَائِيَّةِ، فَكانَ عِرَاقُ السَبعِينيَّاتِ هُوَ الأَرْقَى فِي الشَّرْقِ ومِنْ أَفْضَلِ عِشْرينَ دَوْلَةٍ فِي الأَرْضِ فِي العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأُسُسِ التَّرْبَويَّةِ

وأُكْمِلُ فِي سِحْرِ السَبْعِينيَّاتِ ومَا تَبَقَّى مِن سَنَوَاتِهِا الذَّهَبِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَاً فِضِّيَّةً... والمُوظَّفُ كانَ "مَلِكَاً" بِرَاتِبٍ وكَرَامَةٍ وسَعَادَةٍ وتَقَاعُدٍ لِسِنِين، والنَّقَابَاتُ والنَّوادِيَ والتَّرْفِيهُ للمُحِبِّينَ، والحَدائِقُ والنَّخيلُ والعِنَبُ والتِّينُ، والأَمَانُ فِي الّليْلِ والنَّهَارِ، والبُيُوتُ آمِنَةٌ والجَّارِ للجَّارِ، والنَّاسُ أحْرَارٌ، مَنْ يُصَلِّيَ ومَنْ يَجْلِسُ فِي الفَنادِقِ والبَارِ... والرِّحْلاتُ الصَّيْفِيَّةُ والمَوْسِمِيَّةُ، والسُّوَّاحُ والزُّوَّارُ والزَّائِرُونَ والعِراقِيُّونَ والتَّعارُفُ والصَّدَاقَةُ وقِطارُ خانَقِينَ، والسَّهَرُ والتَّمْثيليّاتُ وقَلْبِي نارَك وخَشْم الوَلَد طار وكافِي يَا معَوْدِين، والمَسْرَحِيَّاتُ والمُسَلْسَلاتُ والنَّجْمَةُ شَذى سالِم وفَتاةٌ في العِشرينَ، فَيُغْرَمَ العَرَبُ أكثَرَ وأكثَرَ بالعِراقِيّينَ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وفِي كُلِّ حِين

القَاهِرَةُ والوَزيريَّةُ وسِحْرُ الأعْظَميَّةِ، ومَرَّةً أُخْرَى، حَبِيبَتِي الأَعْظَمِيَّةُ، عَرُوسُ المَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ البَغْدَادِيَّةِ، وأضْواءُ "أَبُو حَنيفَةَ" والمَقْبَرَةُ المَلَكيَّةُ، ورأْسُ الحَوَاشِ وجَمَالُ بَنَاتِ الحَريرِي وإِنْتِظَارِ الجَّرَسِ فِي العَصْرِيَّةِ، وقاسِم والكَصُّ مَعَ الصَّمُّونِ أو خُبْزِ التَّنُّورِ بِالسِّمْسِمِ والسِّمْسِمِيَّةِ، والسُّوقُ العَبَّاسِيُّ والبِقَالَةُ والبَّقَّالَةُ والأَسْوَاقُ والمَحَلاّتُ والمَطَاعِمُ الشَهِيَّةُ، وأَشْهَى الدَّجَاجِ والكَبَابِ مِنْ مَطْعَمِ "أَبو فِرَاسٍ" والأَسْوَاقُ الرَّاقِيَةُ مَعَ أَصَالَةِ الأَسْوَاقِ الشَّعْبِيَّةِ، مَكْتَبَةُ الصَّباحِ ثُمَّ راغبَة خَاتُون والعَوْدَةُ إِلى سَاحَةِ عَنتَرَ ثُمَّ "لاحِقَاً" قَنَاةِ العِرَاقِ الفَضَائِيَّةِ، أو شَارِعُ عُمَر بِن عَبد العَزِيزِ إِلى الجِّهَةِ الشَّرْقِيَّةِ، ونَسَمَاتُ بَغْدَادَ وثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، والسَيَّاراتُ والبَاصَاتُ "110" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ والفُورتَاتُ، والمُسْتَشْفَى والدَّهَالِيكُ والسَّاحَةُ الدَّائِريَّةُ، سَاحَةُ نَاظُم الطَّبَقْجَلِيُّ وإِلى ثَانَوِيَّةِ الإِنْتِصَارِ، مَرْحَبَاً فِي سَبْعَ أَبْكَار، بِجُسُورِهَا وأَسْوَاقِهَا ومَدَارِسِهَا وجَمَالِ طَالِبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ، والكِرِيعَاتُ إلى كُلِيَّةِ المُعَلِّمِينَ أَو نَسِمِ المَزَارِعِ والرَّاشِدِيَّةِ، حَيْثُ الغَرَامُ والغَزَلُ فِي جَزِيرَةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، أَو العَوْدَةُ إِلى قَنَاةِ الجَّيْشِ وآفَاقَ عَرَبِيَّةٍ، حَيْثُ البِنَايَاتُ الجَّمِيلَةُ البَيْضَاءُ والبَيْضَوِيَّةُ، وهَكذا، مَرَّةً أُخْرَى، إلى اليَمِينِ مَنْ أَرَادَ الذِّهَابَ إِلى جَمَالِ وهُدُوءِ ورُقِيِّ السِتْ مِيَّة، والبَدَّالَةُ وأَسْرَارُهَا الوَرْدِيَّةُ، وهِيَ، أَيْ السِتْ مِيَّة، حَبِيبَتِي الأَزَلِيَّةُ

الكَرَّادَةُ بِجَنَاحَيْهَا ومَسَاجِدِهَا وكَنَائِسِهَا وشُمُوعِهَا البَيْضَاءِ، والدِلالُ ومَاءُ كَهْرَمَانَةَ الحَسْنَاءِ، لِنَعْبُرَ ونَصِلَ إِلى الزِّحَامِ والمِيدَانِ وبَابِ المُعَظَّمِ والشَّيْخِ مَعْرُوفَ والكِفَاحِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ... الشِّيخُ عُمَر والأَحْيَاءُ الصِّنَاعِيَّةُ والوِرَشُ والسَّيَّارَاتُ... مَرْحَبَاً دِجْلَةَ الخَيْرِ
فِي لَيَالِ السَّمَرِ، والقَارِبُ الصَّغِيرُ والبَلَمُ الأَصْغَرُ، والقِشْلَةُ والتأريخُ والعَسَاكِرُ والعَسْكَرُ، والقَصْرُ العَبَّاسِيُّ والحَجَرُ الأَصْفَرُ، والمَدْرَسَةُ المُسْتَنْصِريَّةُ والتأريخُ إِنْ تَكَلَّمَ وحَدَّثَ وأَخْبَرَ، سُوقُ الصَفَافِيرِ والطَّرْقِ بالمَسَامِيرِ، الفَنُّ والذَّوْقُ والتُّحَفُ والأَنْتِيكاتُ والسَمَاوَرُ، والعُمُلاتُ والتأرِيخُ والحَنِينُ والأَصْلُ والدَّنَانِيرُ، والبَشَرُ فِي السُّوقِ كَثِيرٌ، مِنْهُم مَنْ تَنَاوَلَ الطَّعَامَ ومِنْهُم مَنْ شَرِبَ الشَّايَ أَو العَصِيرَ، مِنْهُم مَنْ تَذَكَّرَ مِنْ أَيَّامِهِ الكَثِيرَ، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى والتَّذْكِيرُ، ومِنْهُم مَنْ أَدْمَعَ حُبَّاً وفِي حُبِّ بَغْدَادَ ظَلَّ أَسِيرٌ، وهذَا إلى السَّاعَةِ يُشِيرُ، والقُلُوبُ والأَذْوَاقُ والطُيُورُ فِي سَمَاءِ بَغْدَادَ تَطِيرُ، والنَحَاسُ والفِضَّةُ والسَجَّادُ والحَصِيرُ، سُوقُ السَّرَاي والقِرْطَاسُ والكُرَّاسُ ومَوَاسِمُ المَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ، ونَعْبُرُ مَرَّةً أُخْرَى، والسَّفَارَاتُ والأَحْيَاءُ الرَّاقِيَةُ فِي المَنْصُورِ، والنَّقَابَاتُ ومَعْرَضُ الزُّهُورِ، شَوَارِعٌ وطُرُقٌ جَمِيلَةٌ فِيهَا النِّظَامُ والمُرُورُ

ونَعْبُرُ الآنَ جِسْرَ الصَّرَافِيَةِ، لِنَصِلَ بَعْدَهَا إلى جَمَالِ وسِحْرِ العِطِيفيَّةُ، وفِيهَا الأُولَى والثَّانِيَةُ، مُسْتَشْفَى الرَّازِي ومَدْرَسَةُ السُّرُورِ الإبتِدَائِيَّةِ، سِت هاجَر المُدِيرَةُ الرَّاقِيَةُ، والسِتْ فَرِيدَةُ المُعَلِّمَةُ المِثَالِيَّةُ، ورَوْضَةُ الشَّقَائِقُ وبَاصَاتُهَا الرَّاقِيَةُ... ونَبْقَى فِي العِطِيفِيَّةِ، فِيهَا البُيُوتُ الرَّقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الشُّقَقُ السَّكَنِيَّةُ، فِيهَا المَحَلاّتُ الرَّاقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الأَسْوَاقُ الشَّعْبِيَّةُ، والمَقَاهِيَ والمَطَاعِمُ والمَخَابِزُ والمَعَامِلُ الأَهْلِيَّةُ والمَصَانِعُ الحُكُومِيَّةُ، والحَدَائِقُ والبَسَاتِينُ وعَرَبَاتُ الرَشِّ وخَدَمَاتُ البَلَدِيَّةِ، والبَاصَاتُ "16" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ تَسِيرُ وتَدُورُ حَوْلَ السَّاحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ، والعَائِلاتُ بِكُلِّ ثَقَافَاتِهَا وأَدْيَانِهَا ودِيَانَاتِهَا السَّمَاوِيَّةِ، يَهُودٌ ومَسِيحِيُّونَ ومُسْلِمُونَ مُثَقَّفُونَ يَعِيشُونَ كُلُّهُم بِأَرْوَاحٍ عِرَاقِيَّةٍ، بِعُقُولٍ إِنْسَانِيَّةٍ وقُلُوبٍ وَرْدِيَّةٍ، غَادَرَ بَعْضُهُم ثُمَّ الكَثِيرُ مِنْهُم إلى إِيرَانَ وأُوروبّا لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ، بِحِجَّةِ التَبَعِيَّةِ الإِيرَانِيَّةِ، فَبَكَى عَلى فِرَاقِ الأَحِبَّةِ الصِّغَارُ والكِبَارُ وحَزِنُو عَلى سَنَوَاتِهِم الذَّهَبيَّةِ، وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ وبَكَتْ قُلُوبُهُم النَّقِيَّةُ، إِذْ كانَتْ جِيرَةٌ جَمِيلَةٌ وصُحْبَةٌ هَنِيَّةٌ، لكِنَّهَا الحَرْبُ العِرَاقِيَّةُ-الإِيرَانِيَّةُ، وهِيَ، يَا سَادَة، حَرْبٌ إِيرَانِيَّةٌ-عِرَاقِيَّةٌ-إِيرَانِيَّةٌ

بَغْدَادُ والمَحَلاَّتُ والأَزِقَّةُ الشَّعْبِيَّةِ، والشَّوَارِعُ والأَسْوَاقُ والأَحْيَاءُ والرَّاقِيَةُ، بَاتَا والقِيثَارَةُ وعَلاءُ الدِّينِ والصِّنَاعَاتُ والجَّوْدَةُ العِرَاقِيَّةُ، المُتْحَفُ البَغْدَادِيُّ والآبَاءُ والأَجْدَادُ وأَهْلُ النَّقَاءِ والخَيْرِ، والهُدُوءُ مَعَ الزِّحَامِ والهَدِيرِ والصَّفِيرِ، العَلاوِي والنَّهْضَةُ ومَكْتَبَاتُهَا والتَّحْرِيرُ، شَارِعُ المُتَنَبِّيَ ولِقَاءُ الفَنِّ مَعَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأَدَبِ، والمَكْتَبَاتُ والكُتُبُ النَّادِرَةُ فِي الوُجُودِ، فِي الشِّعْرِ والمُوسِيقَى والتأرِيخِ والسِّيَاسَةِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والقِصَّةِ والرِّوايَةِ والحُبِّ، مَنْ زَارَهُ زَارَ بَغْدَادَ، ومَنْ فَاتَهُ لا أَكَلَ مِنْ جَمَالِ بَغْدَادَ ولا شَرِبَ. مَقْهَى الشَّابَندَر فِي كلِمَاتٍ... جَمَالٌ وثَقَافَةٌ وتأريخٌ فِي رُقِيِّ الآبَاءِ والأَجْدَادِ والأَحْفَادِ وأَصَالَةِ العِبَادِ وأَصْلِ البِلادِ. الشُّهَدَاءُ والسِّنَكُ والرَّشِيدُ والفَضْلُ والبَتّاوِيّينَ والدَرَابِينُ، والدَّرْبُونَةُ "أَو الدَّرْبُ الصَّغِيرُ أَو دَرْبُ أَبُونَا" والبِنَاءُ الأَصِيلُ والذِّكْرَيَاتُ والبُيُوتُ اليَهُودِيَّةُ الجَّمِيلَةُ وتُرَاثُ العِرَاقِيِّينَ مِنَ اليَهُودِ -- يَهُودُ العِرَاقِ مَنْ أَحَبَّ الأَرْضَ وبَنَى البِلادَ وأَغْنَاهَا فَأَغْنَى مَعَهَا العِبَادَ. الدُّورَةُ وحَيُّ المِيكانِيكِ والأَزْهَارُ والوُرُودُ المَسِيحِيَّةُ -- الآشُوريُّونَ أَصْلُ العِبَادِ وأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ البِلادَ وأَسَّسُو سَلامَهَا وحَضَارَتَهَا ولِلعَالَمِ أَظْهَرُوهَا بِرَويَّةٍ

والرِّحْلَةُ فِي بِدَايَتِهَا... وجِسْرٌ جَمِيلٌ بَيْنَ الأَعْظَمِيَّةِ والكاظُمِيَّةِ، إسْلامٌ هُنَا وإسْلامٌ هُنَاكَ لا فُرُوقَ وَهِمِيَّةً ولا سُمُومَ فارِسيَّةً -- مُسْلِمُو العِرَاقِ مِنْهُم عِرَاقِيُّونَ مُثَقَّفُونَ أَو حِجَازِيُّونَ طَيِّبُونَ أَسَّسُو دَوْلَةَ العِرَاقِ وأَحَبُّوهَا فَعَمَّرُوهَا وجَعَلُوهَا كالشَّمْسِ فِي سَمَاهَا، ومِنْهُم فِي الأَصْلِ فارِسيُّونَ إِسْتَوْطَنُو الأَرْضَ كالبَكْتِرْيَا الضَّارَةِ فَأَمْرَضَوهَا وأَضْعَفُوهَا وأَنْهَكُوهَا فَأَمَاتُوهَا

ومَا أَدْرَاكَ مَا الأَكَلاتُ العِرَاقِيَّةُ، السّمَكُ والمَقْلُوبَةُ والدّولمَة والمَحْشِي، والمَخْلَمَةُ والقُوزِي والبِرْيانِي، وتِشْرِيبُ البَاكِلَّةِ، آهٍ آهٍ، والشُّوربَةُ العِراقِيَّةُ... وهِيَ الأشْهَى فِي الأرْضِ والمَطَابِخِ العَرَبيَّةِ والعَالَميَّةِ، حاوَلْتُ جاهِدَاً أنْ أصْنَعَ وأُحَضِّرَ ولَوْ شَبِيهَاً لَهَا وبِهَا فَعَجِزْتُ وتَرَكْتُ الأمْرَ... خَلَصْ هاي هِيَّة... وهِيَ لِي مُجَرَّدُ قِصَّةٍ جَميلَةٍ وذاكِرَةٍ أو طُفُولَةٍ وَرْدِيَّةٍ، والكَبابُ واللحومُ المَشْويّةُ، والشَبَابُ والبِيرَةُ والكُرَةُ والرِّيشَةُ والسِّبَاحَةُ والسَفْرَاتُ والسَّيَّارَاتُ والثِّرْثَارُ والحَبّانِيَّةُ، العِشْقُ والغَرَامُ والَّليَالِي والِّلقَاءُ فِي جَزِيَرةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، والشَّمَالُ وأربيلُ وشَلاّل كلِي عَلِي بَك وشَقْلاوَةُ الجَبَلِيَّةُ... شَقْلاوَة... نَسِيمٌ وجَنَّةٌ وخُضْرَةٌ ورَبِيعٌ وجَمَالٌ وحَلاوَةٌ...، وسِحْرُ المَرْأةِ العِراقيَّةِ، وغَزَلُ البَناتِ وغَمْزُ العُيُونِ العَسَلِيَّةِ، ذَوَبَانُ القُلُوبِ والتَّعَارُفُ وأرْقامُ الهَوَاتِفِ الأرْضِيَّةِ...، الفَوَازِيرُ ودَلالُ نِيللي ورَقْصُ شِيرِيهَان، أَلفُ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ وأفْلامُ كَرْتونِ بَعْدَ الظُّهْرِ والإنْتِظَارُ، ساسُوكي وسَاندِي بل وسِندبادُ بَغْدادَ والليْدي أوسكار، دايسكِي وكُوجِي وعدنانُ ولينا وحُبُّهُم المُستَحِيلُ وقِصَّةُ حُبٍّ أبَديَّةٍ ومِنَ القُبْطَانِ نَامِقٍ لا مَهْرَبَ أو مَفَرَّ، وعَبْسِي وبَشّارُ، إفْتَحْ يا سِمْسِم والسَّاعةُ السَّادِسَةُ والكَعْكُ والشَّايُ والعَصْرِيّةُ، هوسانيانج وجَمَالُهَا وسُيُوفُهَا ولِن تشُونغ وبُطُولاتُهُ وكاوشيُو وشَرُّهُ وحافّةُ المِياهِ وحافّاتُهَا الصِّينيّةِ بإثارَةٍ يابانِيّةٍ، أَحْمَد راضِي وكأسُ العالَمِ وشَيْخُ المُدَرِّبينَ عَمُّو بابا، والسّاحِرُ مارادُونَا، والصُّرَاخُ والفَرَحُ فِي جَلَسَاتٍ نَهَارِيَّةٍ لَيْلِيَّةٍ، وهَدَفٌ عَلى إنْجِلتَرَا بِيَدِهِ الذَهَبيَّةُ، لِيُصْبِحَ الرَّقمُ عَشْرَةَ مِنَ الأَرْقَامِ السِّحْرِيَّةِ، والبَدْرِي والرِّياضَةُ والبُطُولاتُ الخَلِيجِيَّةُ - وبُويَة إحْنَه العِرَاق - والفَوْزُ بِالثُلاثِيَّةِ، هِيَ عَقْدٌ وأزْمِنَةٌ وما تَلاهَا

فالأَهمُّ عِنْدَ العِراقِيّينَ "شَعْبِ أبُو شَعْلَيّة" هُوَ الأمْنُ والأمَانُ، والعِراقِيّونَ آمِنونَ. لكِنَّ الشّيطانَ يَرْقُصُ مِنْ بَعيدٍ، وحَكَمَ بوشُ الإبْنُ وهُوَ راعِي البَقَرِ، وشَرِكاتُ نَفْطِهِ فِي تِكْساسَ تَخْسَرُ، والعُمَلاءُ والجُهَلاءُ والخَوَنَةُ فِي الشَّرْقِ والغَرْبِ مَعَ الشّيْطانِ يَرْقُصُونَ، بِأَمْوالِ العِراقِ طامِعُونَ، والإنْتِقامَ يُرِيدُونَ، وجُلُّهُم بالهَوَى إيرانيّونَ، أو عِراقِيّو الجِّنْسِيَّةِ مُغْتَرِبُونَ، فِي الفَسَادِ والأحْقَادِ يَتَنافَسُونَ

وهُنَا أَقُولُ، إِنَّ إِسْرَائِيلَ دَوْلَةٌ تُحِبُّ السَّيْطَرَةَ الدَّائِمَةَ، لَكِنَّهَا لا تُحِبَّ الحَرْبَ الدَّائِمَةَ، وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ فَرْقٌ كَبِيرٌ -- فَإِسْرَائِيلُ، وهُنَا دَائِمَاً أُكَرِّرُ، دَوْلَةُ رُدُودِ أَفْعَالٍ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالٌ، أَيْ أَنَّ السَّلامَ مَعَ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ، والحَرْبَ والتَّدْمِيرَ والتَّهْجِيرَ مَعَ مَنْ أَرَادَهَا أَو فَكَّرَ بِهَا أَو فِيهَا. والعَقْلِيَّةُ الإِسْرَائِيليَّةُ تَعْتَمِدُ "برَاغمَاتِيَّاً" عَلى العِلْمِ والعَمَل، وهُمَا مِنْ هِبَاتِ الرَّبِّ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ مُنْذُ القِدَمِ. فَقَد كانَ لَهُم مَوْهِبَةُ العِلْمِ والحِرَفِ اليَدَوِيَّةِ والإِبْدَاعِ والإِجْتِهَادِ فِي العَمَلِ والوُصُولِ إِلى الهَدَفِ قَبْلَ وبَعْدَ خُرُوجِهِم مِنْ مِصْرَ وإِلى تأرِيخِنَا المُعَاصِرِ، بَلْ حَتّى عِندمَا كانُو فِي مُعَسْكَرَاتِ الإِعْتِقَالِ فِي أَلمانيَا وأُوروبّا وهُم يَعْمَلُونَ ويَصْنَعُونَ التُّحَفَ النَّادِرَةَ والأَثَاثَ الجَّمِيلَ ويَعْزِفُونَ أَشْهَرَ المَقْطُوعَاتِ المُوسِيقِيَّةِ لِجَنِرَالاتِ الرَّايخِ الثّالِث الذينَ كانُو بِحَاجَةٍ إِلى مَوَاهِبِ اليَهُودِ أَو إِلى أَمْوَالِهِم المَوْجُودَةِ أَو المُهَرَّبَةِ عِندمَا بَدَءَ "سُوقُ الرَّشَاوَى" بِالإِنْتِعَاشِ فِي مُعَسْكَرَاتِ العَمَلِ والإِعْتِقَالِ. وهَذا مِنْ أَسْرَارِ بَقَاءِ أَو إِبْقَاءِ الكَثِيرِ مِنْهُم عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ قَبْلَ وبَعْدَ "إِجْتِمَاعِ الحَلِّ الأَخِيرِ" الذي "كَتَبَ" فُصُولَهُ القَائِدُ النَّازِيُّ أَدُولف آيشمَان. وهُوَ "مَجْمُوعَةُ أَفْكَارٍ" لِحَلِّ المَسْأَلَةِ اليَهُودِيَّةِ والتَّخَلُّصِ مِنْهُم بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ وفَعَّالٍ نُوقِشَتْ بِالتَّفْصِيلِ فِي مُؤْتَمَرِ وَانسِيي أَو فَانسِي فِي بَرْلِينَ فِي بِدَايَةِ سَنَةِ 1942 وكانَ إِحْتِمَاعَاً بِزَعَامَةِ القَائِدِ النَّازِيِّ راينهَارد هايدرِيش -- وهُوَ مِن أَصْدِقَاءِ هِتْلَر المُقَرَّبِينَ وإِبْنُهُ الرُّوحِيُّ وقُتِلَ وأُغْتِيلَ فِي برَاغ بِيَدِ المُقَاوِمِينَ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ ذَاكَ الإِجْتِمَاعِ -- وكانَ مِنْ جَدَاوِلِهِ "العَلَنِيَّةِ والسِّرِّيَّةِ" تَنَاوِلُ الطَّعَامِ والنِّقَاشِ وإِيجادُ طَرِيقَةٍ "مِثَالِيَّةٍ" وسَرِيعَةٍ وعِلْمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ لِحَرْقِ البَشَرِ وقَتْلِ الأَطْفَالِ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ الأَبْرِيَاءِ، فَقَطْ، لأَنَّهُم يَهُودٌ

رَغْمَ ذَلِكَ بَقِيَ الكَثِيرُ مِنَ اليَهُودِ عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ لِأَنَّ اللهَ أَرَادَ ذَلِكَ -- عِلْمَاً إِنَّ الكَثِيرَ مِنْهُم كانَ قَدْ أَعْلَنَ نُكْرَانَهُ لِلرَبِّ والدِّينِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ والقَهْرِ والعَذَابِ -- لأَنَّ اللهَ نَسِيَ شَعْبَهُ مَرَّةً أُخْرَى كمَا قِيلَ وكُتِبَ. وإِسْتَمَرَّ الكَثِيرُ مِنْهُم فِي الصَّبْرِ وقُبُولِ الأَقْدَارِ الصَّعْبَةِ وعَمِلَ بِجِدٍّ وصَبْرٍ وصَنَعَ التُّحَفَ ورَسَمَ الجِّدَارِيَّاتِ وأَلَّفَ الكُتُبَ والمُوسِيقَى - وكَثِيرٌ مِنْهَا ومِن إِبْدَاعَاتِهِم لا زَالَتْ فِي مَتَاحِفِ أَلمانيَا والدُّوَلِ الأُوروبِيَّةِ، والأَكْثَرُ مِنْهَا نُشِرَ وأُذِيعَ لِلبَشَرِ

والشَّعْبُ الإِسْرَائِيلِيُّ لَهُ قُدْرَةٌ فِي البِنَاءِ تُثِيرُ الإِعْجَابَ مَهْمَا إِخْتَلَفَتْ الشُّعُوبُ مَعَهُم سِيَاسِيَّاً أَو وُجُودِيَّاً، فَقَدْ إِسْتَلَمُو الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ، مَثَلاً، صَحْرَاءَ جَرْدَاءَ لَكِنَّهُم صَنَعُو مِنْهَا بِيئَةً حَضَارِيَّةً وحَضَرِيَّةً وسَكَنِيَّةً وطَبِيعِيَّةً مُتَقَدِّمَةً مُجْتَمَعِيَّاً وعِلْمِيَّاً "فَوْقَ الأَرْضِ" فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ، بَيْنَمَا نَجَحَ العَرَبُ فِي فِلِسْطِينَ فِي صُنْعِ مَدِينَةٍ كَامِلَةٍ ومُحَصَّنَةٍ "تَحْتَ الأَرْضِ" عَلى شَكْلِ أَنْفَاقٍ لِقَتْلِ النَّاسِ وحِفْظِ أَمْوَالِ "القَادَةِ" وعَائِلاتِهِم الذينَ أَصْبَحُو مِنْ أَغْنِيَاءِ الشَّرْقِ فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ!! وأَصْبَحَتْ إِسْرَائِيلُ وتَحَوَّلَتْ مِنْ مَجْمُوعَةِ عَائِلاتٍ وشَتَاتٍ إِلى دَوْلَةٍ تُعْتَبَرُ مِنَ الأَوَائِلِ فِي البُنَى التَّحْتِيَّةِ والعِلْمِ والتَّكنَلُوحِيَا، بَيْنَمَا يُفَكِّرُ قَادَةُ حَمَاسَ وفَتْحَ وحِزْبِ اللهِ اللُّبْنَانِيِّ-الإِيرَانِيِّ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِ التَّبَرُّعَاتِ الأُمَمِيَّةِ والدُّوَلِيَّةِ التي أَسَاسُهَا، أَو المَفْرُوضُ فِيهَا، هُوَ بِنَاءُ المُسْتَشْفَيَاتِ والمَصَانِعِ والحَدَائِقِ العَامَّةِ والمَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ

ولا زَالَ السَّاسَةُ فِي أُوروبّا، مَثَلاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ، يَتَحَيَّرُونَ مِنْ ضَيَاعِ المَلايِينِ مِنَ الأَمْوَالِ "التَبَرُّعَاتِ الإِغَاثِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ" التِي أَسَاسُهَا التَّعْلِيمُ والبِنَاءُ والتي سُلِّمَتْ لِمَسْؤولِي فَتَحَ، مَثَلاً، المَوْجُودِينَ فِي أَلمَانيَا وأُوروبّا! أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ وكَيْفَ؟! عُمُومَاً، الكُلُّ يَصْرُخُ بِتَحْرِيرِ القُدْسِ، مِنْهُم مَنْ يُقَاتِلُ نِفَاقَاً مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ أَو إِيرَان، ومِنْهُم مَن يَصْرِخُ إِتِّفَاقَاً، "وأَيْضَاً" مَعَ إِيرَان، وإِيرَانُ لا تُفَكِّرُ إِلاّ بِإِيرَانَ، والمُنَافِقُونَ يَبْحَثُونَ عَنْ مَكَانٍ لَهُم فِي هذِهِ الدُّنْيَا "قَبْلَ النِّسْيَانِ" ولا عِلاقَةَ لِلأَمْرِ بِالقُدْسِ! القُدْسُ... وهِيَ أُورشَلِيم... وهِيَ أُورسَالِم، وهِيَ القُدْسُ العَرُوسُ، وهِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ العَرِيسِ، حِينَ هَرَبَ إِبْلِيسُ، وهِيَ مَدِينَةُ الحُبِّ والسَّلامِ ورَئِيسِ السَّلامِ، وهِيَ مَدِينَةُ اللهِ، واللهُ رَبُّ الجَّمِيعِ، واللهُ سَلامٌ لِلجَمِيعِ، وهَكذَا، أُورشَلِيم مَدِينَةُ الجَّمِيعِ -- مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمَعِ فَلْيَسْمَعْ! ولَوْ ذَهَبْتَ اليَوْمَ إِلى القُدْسِ بِقِسْمَيْهَا، مَثَلاً، لَعَرَفْتَ الفَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَحَبَّ اللهَ والسَّلامَ والبِنَاءَ والإِعْمَارَ مِنْ أَجْلِ الجَّمِيعِ، وبَيْنَ مَن يَهْوَى الخَرَابَ والدَّمَارِ لِلجَمِيعِ -- وهُنَا، مَرَّةً أُخْرَى، لَيْسَ الكُلُّ والجَّمِيعُ -- إِذْ أَنَّ الأَسَاسَ هُوَ تَرْبِيَةُ الإِنْسَانِ فِي طُفُولَتِهِ وبِيئَتِهِ قَبْلَ تَرْبِيَةِ الحُكُومَاتِ والأَوطَانِ. فَهُنَاكَ الطَّيِّبُ والرَّاقِيَ أَو الشِّرِّيرُ والخَبِيثُ مِنْ هَذا وذَاكَ وهُنَا وهُنَاكَ - والبَشَرُ يَبْقَى هُوَ البَشَرُ. لَكِنَّ الأَكْثَرِيَّةَ والأَقَلِيَّةَ والوَاقِعَ والأَهْلِيَّةَ هِيَ مِيزَانُ الأُمُورِ والأَحْدَاثِ

مَثَلاً، عِندمَا كُنْتُ أَعِيشُ فِي بَرلِينَ التي دَرَسْتُ وعِشْتُ فِيهَا، كانَ الأَمْرُ وَاضِحَاً وجَلِيَّاً بَيْنَ شَمَالِ بَرْلِينَ الهَادِئِ نَوْعَاً مَا، أَو جَنُوبِ غَرْبِهَا المَعْرُوفِ بِنَظَافَتِهِ وهُدُوءِهِ ورُقِيِّ سَاكِنِيهِ، وبَيْنَ غَرْبِهَا بِزِحَامِهِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مَقْصَدَ المُهَاجِرِينَ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ لِفَوْضَى قَوَانِينِ بَلَدِيَّاتِهِ، وبَيْنَ شَرْقِهَا المَعْرُوفِ بِنَازِيَّةِ قَاطِنِيهِ، أَو وَسَطِ المَدِينَةِ أَو وَسَطِ جَنُوبِهَا قَلِيلاً وخَاصَّةً حَيِّ "نُويكُولن" المَعْرُوفِ بِأَوْسَاخِهِ وعَشْوَائِيَّاتِهِ ومُعَدَّلِ جَرَائِمِ سَاكِنِيهِ وحُبِّهِم لِلعُنْفِ والسُّوقِيَّةِ والفَوْضَى والصُّرَاخِ والعَوِيلِ أَو حَتّى اللَّطْمِ فِي الشَّوَارِعِ -- أَو المُظَاهَرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ أَمَامَ كامِيراتِ الفَضّائِيَّاتِ ثُمَّ تَكْسِيرِ المَحَلاَّتِ والأَسْوَاقِ والمَرَافِقِ العَامَّةِ والعِرَاكِ مَعَ الشُّرْطَةِ عِندمَا تَنَامُ الكامِيرَاتُ -- ومُعْظَمُ سَاكِنِيهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ والمَافِيَاتِ العَرَبِيَّةِ والخَلايَا الإِرْهَابِيَّةِ ومَجَامِيعِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ التي أَصْبَحَتْ أَحَادِيثَ المُجْتَمَعَاتِ اليَوْمِيَّةِ وأَخْبَارَهَا، خاصَّةً مِمَّنْ جَاءَ وحَضَرَ ودَخَلَ أَلمَانيَا فِي سَنَةِ 2015 أَيْ قَبْلَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ مِنْ كِتَابَةِ كَلِمَاتِيَ هَذِهِ عِندمَا فَتَحَتْ المُسْتَشَارَةُ الأَلْمَانيَّةُ أَنجِيلا مِيركل البَابَ عَلى مِصْرَاعَيْهِ فَكانَتْ فُرْصَةُ العُمْرِ لِدُخُولِ آلآفِ العَوَائِلِ الطَّيِّبَةِ، وهَذا بَابٌ إِنْسَانِيُّ، لَكِنْ، لِلأَسَفِ، مَعَهَا أَيْضَاً آلآفُ المُجْرِمِينَ والسُّوقِيِّينَ والإِرْهَابِيِّنَ "ومِنْهُم أَنِيس عَمْرِي أَو العَمْرِي أَو العَامِرِيّ" أَو الطَّائِفِيِّينَ والمُتَعَصِّبينَ مِنَ جُهَلاءِ العِلْمِ والدِّينِ والسِّيَاسَةِ والإِجْتِمَاعِ والأَخْلاقِ والرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ، وهذَا بَابٌ تَخْرِيبِيٌّ! نَعَم، يَا سَادَة، هَذِهِ هِيَ أَلمَانيَا اليَوْم! وَصَلَتْ؟

وفِي هذا أقُولُ...، أمّا قِصّةُ الحُسَيْنِ وإخْتيارُهُ فَلَهُ سِرٌّ تأريخيٌّ غابَ عَنِ الكِتاباتِ وحَقيقَةٌ غُيِّبَتْ فِي كثيرٍ والكَثيرِ مِنَ الكُتُبِ، وهِيَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ "شهربانو" أو "شهربانويه" إبْنَةُ آخرِ أكاسِرةِ الفُرْسِ يَزْدَجَرْد -- وكانَتْ تِلْكَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ زَوْجَةً للحُسَيْنِ إبْنِ عَلِيٍّ الذي تَزَوَّجَها وأنْجَبَتْ مِنْهُ ولَهُ إبْنَهُ عليّ زَيْن العابِدِين، فَقالَ حينَها "أَنَا إِبْنُ الخِيرَتيْنِ،" مُشيراً إلى قَوْلِ جَدِّهِ الذي قالَ "للّهِ تَعَالى مِنْ عِبادِهِ خِيرَتانِ: مِنَ العَرَبِ هاشِم ومِنَ العَجَمِ فارِس!" إذَنْ، يا سَادَة، الأمْرُ هُوَ تأريخٌ فارِسِيٍّ وتَمْجيدٍ لآلِ فارِسَ، ولا عِلاقَةَ للعِراقِ والعَرَبِ بِكُلِّ فُصُولِ الجَّهْلِ واللَّطْمِ والأحْزانِ والطّائِفيّةِ التي أثارَتِ الحُرُوبَ والقَتْلَ والفِتَنَ لِدُهُورٍ وعُصُورٍ دُونَ أنْ يَسْألَ الكَثيرُ مِنَ الجُّهَلاءِ أو القَليلُ مِنَ العُقَلاءِ لِمَ ولِمَاذا؟

وأَذْكُرُ هُنَا الوَزِيرَ الألْمَانِيَّ مُتَحَدِّثَاً إلى مُسَاعِدِيهِ قائِلاً "أَيُعْقَلُ أَنْ يُمَثِّلَ هَؤُلاءُ مِيسوبوتَاميا -- أَقْدَمَ الحَضَارَاتِ؟!" فِي إشَارَتِهِ إلى الوَفِدِ العِراقِيِّ فِي لِقَاءٍ قَبْلَ أَشْهُرٍ وشُهُورٍ

ومَشَارِيعُ "الفَنْكُوشِ" والصّفَقَاتُ الوَهْمِيَّةُ

لكِنَّ مَنْطِقَ الإنْسَانِ أنَّ حُبَّ الأوْطَانِ والحِفَاظَ عَليْهَا لا يَقُومَ ويَسْتَقيمَ إلاّ مِنْ أصْحابِ الأرْضِ ومَن تَعِبَ فِي زِراعَتِهَا وتَعَرَّقَ فِي إعْلاءِ البُنْيَانِ، مَعَ الصَّبْرِ والحِكْمَةِ دُونَ أن يَقَعَ فِي فَخِّ الغَضَبِ والغُرُورِ وجُنُونِ العَظَمَةِ والنِسْيَانِ

نَعَم، لا إنْكَارَ فِي أَنَّ نِسَاءَ العَرَبِ هُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، لكِنَّ جَمَالَ الثَّقَافَةِ والأُنُوثَةِ والهُدُوءِ والقَلْبِ النَقِيِّ هُوَ الأَبْقَى. وعِندمَا كُنَّا أطْفَالاً وصِغَاراً ونَرَى ثَقَافَةَ المُذِيعينَ وجَمَالَ وثَقَافَةَ المُذِيعاتِ ونَسْألُ عَن أَسْرارِهَا كانَتْ الإجَابَةُ سَريعَةً وبَسِيطَةً وهِيَ المَوْهِبَةُ والتَّدْرِيبُ. إذَنْ، فالمَوْهِبَةُ دُونَ تَدْريبٍ لا بُنْيَانَ لَهَا، والتَّدْريبُ دُونَ مَوْهِبَةٍ لا أسَاسَ لَهُ. ورُبَّمَا غابَتْ المَوْهِبَةُ فِي أَيَّامِنَا وغابَ مَعَهَا التَّدْريبُ أيْضَاً! واللُغَةُ العَرَبيَّةُ جَمِيلَةٌ وسَاحِرَةٌ ولا تَسْتَحِقُّ العَبَثَ والجَّهْلَ الذي نَرَاهُ اليَوْمَ فِي الفَضَائِيَّاتِ وعَلى الشَّاشَاتِ، ولَيْسَ العَيْبُ أنْ يُدَرَّبَ المُذِيعُونَ بَيْنَ الحِينِ والحِينِ، بَلْ العَيْبُ أنْ تَسْتَمِرَّ أَخْطَاءُ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ

كانَ المَلِكُ والرَّئيسُ إذا زارَ البِلادَ والبُلدانَ وَقَفَ لَهُ الجَّمِيعُ وَقارَاً وإحْتِراماً وقَبْلَ ذلِكَ يأتِيَ الإعْجابُ، كمَا زَارَ المَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي، مَثَلاً، بِريطانيَا فَجَاءَتْ لِإِسْتِقْبَالِهِ المَلِكَةُ والبَلاطُ والبِلادُ والعِبَادُ لِأَنَّهُ، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، يَا سَادَة، مَلِمُ العِرَاقِ، سَيِّدُ المَقَامِ وأَرْضِ الكِتَابِ والحَضَارَاتِ والمَلَكِيَّةِ ومَا كانَ لَهَا مِنْ سِيَادَةٍ وعِزٍّ وحُبٍّ ورُقِيٍّ. وَأَمَّا اليَوْمَ فإنْ "فَكَّرَ" المَسْئُولُ بِأَنْ يَزُورَ البِلادَ والبُلدانَ "بِالأَمْرِ والنِّداءِ أَوالإسْتِدْعاءِ" فَهُوَ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ يَا وَلَدي، إِنْ، كانَ بإِسْتِقبالِهِ طَبَّاخُ المَلِكِ أَو الرَّئيسِ، أَو، إِنْ كانَ أَكثَرُ حَظَّاً، مُديِرُ مَكْتَبِهِ أَو مُوَظَّفُ البَرِيدِ، ورُبَّمَا مَنْ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ مُؤَخَّرَاً!! وأَمَّا رَئيسُ الدّوْلَةِ اليَوم ومُنْذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا فَهُوَ يُقَدِّمُ "الشّاي يَا سَيّدي الدّوق،" ورَئيسُ الوُزرَاءِ لا يَدخُلُ الحَمّامَ قَبْلَ أَخْذِ الإِذْنِ مِنْ قُمَّ وطَهْرانَ بَعْدَ أَنْ يُبْدِيَ ويُظْهِرَ الإِحْتِرامَ والشَّوْقَ والوَلاءَ المُطْلَقَ

ولا زَالَ "بَعْضُ" العِراقِيّين يُهلّلون، وفي البَلاءِ يَلطمون! شُعُوبُ الأرْضِ تَبنِي، والأطفالُ يَتَعَلّمون، والنَّاسُ يَبتكرون ويُعَمّرون ويَفرَحون، ويُغَنّونَ ويَرْسِمونَ ويَرقصُون ويَحتَفِلون، ثُمَّ يَرْتَقونَ ويَرْتَقونَ، وإلى الفََضاءِ يُسافِرون، لكنّ الجُهَلاءَ -- بَعْضَ العِراقِيّينَ مِن إيرانِييّ الهَوَى والإنْتِماءِ -- الشّعاراتِ والصّواريخَ يُطلِقون، ورُءُوسَ "آيَاتِ اللهِ" يُقَبّلون، وهُمْ لِكُلِّ جَميلٍ ورَاقٍ كارِهوُن، ويُهَلّلون، ويَقتُلونَ ويُهَلّلونَ ويَلطمون

وأَقُولُ، إنَّ الحِفَاظَ عَلى الأَرْضِ أو مَا تَبَقّى مِنْهَا لا يَكُونَ بِقَتْلِ الأبْرِيَاءِ والإِرْهَابِ وإشْعَالِ حُرُوبٍ غَبِيَّةٍ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ لَيْسَا فِي تَكافُؤٍ عَسْكَرِيٍّ ولَوْ الشَيءِ البَسِيطِ، بَلْ بالسِّياسَةِ وتَبَادُلِ الأَفْكارِ والمُحَاوَلاتِ والتَّنَازُلاتِ ومُعَادَلاتِ "الأَرْضِ والسَّلامِ" وتَقْليلِ الخَسَائِرِ والحِفَاظِ عَلى مَا تَبَقَّى قَبْلَ ضَيَاعِ مَا تَبَقَّى وإنْشَاءِ دَوْلَةٍ للفِلِسْطينيّينَ لِيَعِيشُو بِسَلامٍ مَعَ إسْرائِيل. وأَمَّا الإتَّكالُ عَلى عِمَامَاتِ إيرَانَ "وهِيَ لا تُرِيدُ الخَيْرَ والسَّلامَ للعَرَبِ، بَلْ شِعَارُهَا بَيْعُ القَرِيبِ وشِرَاءُ الغَرِيبِ والأَهَمُّ هُوَ الغَرْبُ والمَكْسَبُ" أَو مَا كانَ ويَكونَ مِنْ أوْهَامِ "تَحْريرِ القُدْسِ" والشِّعاراتِ فَهِيَ لَيْسَتْ حَقائِقٌ بَلْ أكاذِيبٌ بَرَعَ فِيهَا المُنَافِقُونَ وتَوَارَثَها الشَّبابُ جِيلٌ بَعْدَ جِيلٍ لِعَوامِلَ "رِبْحِيَّةٍ" ودينيَّةٍ وطَائِفِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ

فَالخُمَيْنِيُّ كَرِهَ المُخالِفِينَ والمُخْتَلِفِينَ وكُلَّ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ والهُدُوءَ والرَّخاءَ والحُريَّةَ، وغَادَرَ النَّجَفَ قائِلاً للعِراقِيّينَ ولَهَا "الوَعْدُ الوَعْدُ... أَتْرُكُ النَّجَفَ اليَوْمَ وَهِيَ عِرَاقِيّة، وأَعودُ لَهَا غَدَاً وَهِيَ فارِسيَّةٌ!" وهَكذا، هُوَ العِراقُ، بِلادٌ تَصْرُخ وتُرِيد، ومِلَلٌ وطَوائِفٌ وشِيعَةٌ لا تُحْكَمُ إلاّ بالحَدِيد

وشَعْبٌ تَعِبَ وإِشْتَكَى مِنْهُ المَلِكُ الطَيِّبُ فيصَل الأوّلُ والمَلِكُ غَازي والمَلِكُ الحَبيبُ فيصَل الثّانِي والبَاشا الحَكيمُ نُوري السَّعيدُ... وقَبْلُهُم تَعِبَ وإشْتَكى مِنْهُ إبراهيمُ والأَنبياءُ، والخُلَفَاءُ والعُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ، وعَلِيٌّ وأَوْلادُهُ والحَجَّاجُ وهاروُنُ الرَّشيدُ، واليَهودُ والمَسيحِيّونَ والمُسْلِمونَ والوَسَطيّونَ والوُسَطَاءُ، والتَّلاميذُ والصَّحابَةُ والأَصْحَابُ والقَريبُ والبَعيدُ! إِشْتَكَى مِنَ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ كُلُّ هَؤُلاءِ

كُلُّهُم قَالو لِشِيعَةِ العِرَاقِ "يَا شِيعَةَ العِرَاقِ مِنْكُم قَدْ تَعِبْنَا، شِئْنَا فأَبَيْتُم ثُمَّ شِئتُم فأَبَيْنَا، وتَعِبَ مِنْكُم الرَبُّ والأَرْبابُ!" فَشِيعَةُ العِرَاقِ قَدْ أَحَبُّو "ولَوْ نِفَاقَاً" الإِمَامَ عَليٍّ ثُمَّ إنْقَلَبو عَليْهِ! نَافَقُو إبْنَهُ الحُسَيْنَ ثُمَّ أنْقَلَبو عَليْه! وبَعْدَ عُقُودٍ ودُهُورٍ هَلّلو لِنُوري السَّعيدِ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد شَدَّة وَرِد، وصَالِح جَبُر رَيْحانَه" ثُمَّ - وبَعْدَ أَرْبَعٍ وعِشْرينَ سَاعَةٍ - إنقَلبُو عَلى نُوري السَّعيدِ وشَتَمُوهُ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد القُنْدَرَة، وصَالِح جَبُر قِيطانَه!!" وَهَلّلو لِلمُلُوكِ والرُّؤَسَاءِ ثُمَّ إنقَلَبو عَليهِم

والعَرَبُ المُسْلِمونَ عُمُومَاً نَافَقُو وأَحَبُّو الفِتَنَ هُنَا وهُنَاكَ فِي مِصْرَ والشَّامَ ولُبْنانَ والجَّزائِرَ وغَيْرِها، وأَقوُلُ العَرَبُ "المُتَعَصِّبُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ" لأَنَّ التأريخَ حَكَى لَنَا وأخْبَرَنَا وشَهِدَ "نَادِرَاً" أَنَّ الآشُورِيِّينَ "أَيْ السُّكَّانَ الأَصْلِيِّينَ" واليَهودَ والصَّابِئَةَ وآخرِينَ مِمَّنْ شَهِدَ التأرِيخُ بِسَلامِهِم فِي أَرْضِ السَّلامِ لَمْ تُخْلَقَ فِي عُقُولِهِم الفَوْضَى العَمْيَاءَ ولَمْ يُخْلَقَ الغَدْرُ والكَذِبُ والحِقْدُ والخُبْثُ والنِّفاقُ فِي قُلُوبِهِم أَو عُقُولِهِم أَو "مُرَكَّبَاتِهِم مِنَ الحَامِضِ أَو الحَمضِ النَّوويّ" مِثْلَ الكَثِيرِ "ولَيْسَ الكُلُّ" مِنَ العَرَبِ، وهُنَا أتَحَدَّثُ عَنْ سَاسَةِ الدِّينِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وعِبَادَةِ البَشَرِ، ولَيْسَ كُلُّ البَشَرِ

وكَيْ أَكونَ مُنصِفَاً مَعَ نَفْسِي وقَلَمِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقُولَ بَأنَّ الشّيعَةَ وَحْدَهُم لَيْسُو فِي دائِرَةِ الجَّهْلِ والنِّفَاقِ، بَلْ أَيُّ إِنسَانٍ مُتَعَصِّبٍ لِدينِهِ أَو مَذهَبِهِ أَو مِلَّتِهِ أَو مُجتَمَعِهِ أَو خِيارَاتِهِ فِي الحَيَاةِ، فَيَكُونَ بِهَذا فَريسَةً لآفَةِ الجَّهْلِ والدُّخولِ فِي نَفَقِ الظُّلُمَاتِ مَهِْمَا كانَ دينُهُ أَو مَذهَبُهُ أَو إِيمانُهُ أَو حَتّى قَوْمِيَّتُهُ سَواءٌ كانَ مَسيحيَّ الإِيمانِ أَو يَهودِيَّ الدِّينِ أَو مُسْلِمَ العَقيدَةِ أَو قَوْمِيَّ الكُرْدِيَّةِ أَو مِن أَيِّ دِيانَةٍ سَماوِيَّةٍ أو أَرْضِيَّةٍ أُخْرَى

إذَن، فإنَّ الحُكّامَ مِنَ المَسيحيّينَ أو اليَهودِ أو المُسلِمينَ مِن أهْلِ الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ أو العَلْمانيّةِ والفَّصْلِ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ قَد نَجَحُو فِي خَلْقِ وتأسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ تَفَخَرُ بِنَفْسِها وأوْطانِها وتَعيشَ بِسَلامٍ وَرَخاءٍ وإسْتِقْرارٍ

وهَذا تأريخٌ وهِيَ أَحْداثٌ، وأَنَا هُنَا أتَحَدَّثُ عَن بِلادِ العَرَبِ ولا أَخُوضَ فِي بِلادِ الغَرْبِ وفَسَادِ بَابواتِ الفاتيكانِ وجَمْعِ الأَمْوَالِ وبَيْعِ صُكُوكِ الغُفْرَانِ للنِّعْمَةِ والبِرِّ والخَلاصِ مِنَ الذُّنُوبِ أَو النِّفَاقِ أَو إِرْسَالِ الجُّيوشِ الصَّليبيَّةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ بِحِجَّةِ حِمَايَةِ الكَنائِسِ والأَرْضِ والتُّراثِ والإِيمَانِ! وأنا هُنا لا أنْوِيَ أَو أَتَعَمَّدُ الإِهانَةَ والتَّجْرِيحَ الأَعْمَى، بَلْ أُحَلِّلُ التأريخَ والأَحْداثَ تَحْتَ مِجْهَرِ العُلُومِ السِّياسِيَّةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَقَافِيِّ واللاهُوتِ والأَدَبِ والدِّينِ المُقارَنِ، وهِيَ لِي إخْتِصَاصٌ وتَعْرِيفٌ ودِرَاسَةٌ

واليَوْم فِي العِراقِ قَدْ تَجَمَّعَ السُّرّاقُ والذُّبَابُ، وعَلى مِصْرَاعَيْهِ قَدْ فُتِحَ البَابُ

فَكَتَبَ فِي وَصيّتَهُ أنَّ طَوائِفَ العِراقِ ومَنْ على أرْضِهِ مِن شيعَةٍ ومِلَلٍ ومَذاهِبٍ يَمْلأُ قُلُوبَهَم النِّفاقُ، وأنَّ السّيْطَرَةَ عليْهِم مِنَ المُعْجِزاتِ

لِنَصِلَ إلى صَدّام حسين الذي إحتارَ فِي أمْرِهِ التأريخُ والزّمانُ إحْتارَ -- وإحْتارَ فِي أمْرِهِ القَادَةُ العَرَبُ وخَافُو مِنْهُ ومِنْ قُوَّتِهِ وشَخْصِيَّتِهِ وغارُو مِنْهُ وقَلَّدُوهُ خاصَةً فِي عِلاقَتِهِ الوَثِيقَةِ مِنْ طَبَقَاتِ شَعْبِهِ وزِيَارَاتِهِ لَهَا، لكِنَّ العَرَبَ لَمْ يَفْهَمُوهُ، فَهُوَ رَغْمَ خَلْفِيَّتِهِ الرِّيفيَّةِ والقَبَلّيّةِ التي أساسُهَا القُوَّةُ والحَزْمُ والقَسْوَةُ العَشَائِريَّةِ إلاّ أنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هَذا وذاكَ وبَيْنَ التَمَدُّنِ والثَّقافَةِ وهِيَ ثَقافَةُ الكُتُبِ التي ذابَ فِيهَا لِسِنَواتٍ، فأصْبَحَ شَخْصِيَّةً فَرِيدَةً بِحُضُورٍ لافِتٍ وصَوْتٍ مُمَيَّزٍ وكاريزما خاصَّةٍ جَعَلَتْ مَنْ عَرَفُوهُ مِنْ جِيلِهِ وحَتّى أجْيَالِ اليَوْم إمَّا أنْ يَحْتَارُو فِيهِ، أو يُحِبُّوهُ، أو يَخَافُوهُ -- فَقَدْ حارَبَ مَلالِي إيرانَ وكَسَرَ أُنوفَ فارِسَ وأحْزابَ الخَرَابِ والدَّمَارِ وهَذا لَيْسَ بالأمْرِ الهَيِّنِ، ومَا يَحْصُلُ فِي أَيَّامِنَا دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ، وكانَ شُجَاعٌ قَوِيٌّ حازِمٌ عادِلٌ قارِئٌ ماكِرٌ أنيقٌ وَسيمٌ وفِيهِ وَقَارٌ، ورُبَّمَا مُتَهَوِّرٌ أَيْضَاً كَيْ أَبْقَى واقِعِيَّاً مُخْلِصَاً لِقَلَمِي. وكانَ العِراقُ فِي سَنَواتِ حُكْمِهِ وحَرْبِهِ عَلى عِماماتِ طَهْرانَ يَحْظَى بِالسّيادَةُ والكرَامَةِ التي حُرِمَ مِنْهَا بَعْدَ إنْهِيَارِهِ. فَحَمَى العِراقَ والعَرَبَ مِنْ ثَعابينِ الجَّهْلِ والفِتَنِ، وهّذا لا يُقَدَّرَ بِثَمَنٍ. وكانَتْ المُخَدَّراتُ فِي زَمانِهِ لا وُجودَ لَهَا إلاّ ما قَلَّ ونَدَرَ، ولا وُجُودَ للفَسَادِ الإدارِيِّ أو الحُكومِيِّ إذْ أنَّ عُقوبَةَ الإعدامِ كانَتْ لِتُجّارِ المُخَدّراتِ والمُدَراءِ والوُزَراءِ والفاسِدينَ والسُّرّاقِ بالمِرْصادِ

وهذا مِنَ الأسْبابِ التي جَعَلَتِ المَلايينَ مِنَ العِراقيّينَ، ولا زالُو، يَحِنُّونَ لِسَنَوَاتِ حُكْمِهِ، وأسْبابٍ أُخْرى، مِنْهَا إنْحطاطِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الحُكّامِ وهُمْ اليَوْمَ فِي نَظَرِ المَلايينِ فِي العِراقِ والعالَمِ مِنْ حُثالاتِ البَشَرِ

أَعُودُ إلى صَدّام حسين... والعَرَبُ "بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الذينَ خانُوهُ أو تآمَرُو عَليهِ قَدْ عَرَفُو قِيمَةَ مَا صَنَعَ بَعْدَ إنْهِيَارِ العِرَاقِ وإحْتِلالِ عِماماتِ إيرانَ لِبِلادِ العَرَبِ وتَشْوِيهِ المُجْتَمَعاتِ فِي العِراقِ وسُوريةَ ولُبنانَ واليَمَنَ وبَعْضِ المُحَاوَلاتِ فِي البَحْريْنَ والخَليجِ العَرَبِيِّ هُنَا وهُنَاكَ

لكِنَّ هذهِ مِنْ مَصَائِبِ العَرَبِ والأقْوَامِ، فَهُمْ يَقْتُلونَ المُلُوكَ والرُّؤسَاءَ، وبَعْدَ عُقودٍ يَتَباكونَ عَلَيْهِم ورُبَّمَا يَبْكُونَ

ومِن أخْطاءِ صَدّام الأُخْرى أنَّهُ وَثِقَ بِبَعْضِ رُؤَسَاءِ العَرَبِ وأطْلَعَهُم عَلى أسْرارِ الدَّوْلَةِ العِراقيَّةِ وخاصَةً العَسْكَريَّةِ مِنْهَا، فَخانُوهُ وبَاعُو تِلْكَ المَعْلُوماتِ الحَسَّاسَةِ وحَصَلُو عَلى المَلايين مَعَ الهَدَايَا وإسْقاطِ الدّيُونِ! كذَلِكَ مِنَ الأخْطَاءِ أنَّهُ أعْطى لِعائِلَتِهِ وخَاصَةً إخْوَتِهِ القُسَاةِ والأشِدَّاءِ والفَاسِدِينَ وبَعْضِ مَنْ أحَبَّهم ومَنْ وَثِقَ بِهِم "أو ظَنَّ مُخْطِئاً أنَّهُ يَستَطيعَ الوُثوقَ بِهِم" سُلْطاناً وقُوَّةً وأصْبَحُو فِي مَواقِعِ السَيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ وعَلى رأْسِ الوِزَاراتِ السِّيادِيَّةِ وأَقْدَارِ المُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِيَّةِ، رَغْمَ تَعْلِيمِهِم المُتَوَاضِعِ أَو المَعْدُومِ وثَقَافَتِهِم التي لا أَسَاسَ لَهَا وإِنْحِطَاطِ مَا كانَ "البَعْضُ" عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وقَضَاءِ أَوْقَاتِهِم سُكَارَى فِي أَحْضَانِ الرَّاقِصَاتِ والغَجَرِيَّاتِ، فَكانُو عَليْهِ وعَلى العِراقِ وَبَالاً ولَعْنَةً وكانُو مِنْ أسْبابِ إضْعَافِ سُلْطَانِهِ وسُقُوطِ الدَّوْلَةِ

والأمْثِلَةُ عَلى هَذا كَثيرَةٌ لكِنّي سَأتَحَدّثُ عَن مِثالٍ كانَ حَقَّاً وَبَالاً ولَعْنَةً عَلى العِراقِ وسَاهَمَ بِخُبْثٍ ودَهَاءٍ وغَباءٍ فِي نَفْسِ الوَقْتِ فِي تَدْميرِ وإضْعافِ حُكْمِ صَدّام حسين أو ما تَبَقّى مِنْهُ فِي عَقْدِ التِّسعينيّاتِ، وأتَحَدّثُ هُنا عَن زَوْجِ إبْنَتِهِ حسين كامِل، أو ما كانَ يُدْعَى ويُكَنّى سِرَّاً بَيْنَ الأوْسَاطِ السِياسيّةِ والعَسْكَريّةِ حِينَهَا ب "الزَّعْطُوط -- وتَعْنِي بالعَرَبيّةِ الطِّفْلِ أو الوَلَد لكِنَّها تُسْتَخْدَمُ للتَّحْقيرِ والتَّصْغيرِ" أو "التّافِهِ" أو "الأرْعَنِ" أو أحياناً ب "السَّرَطانِ الخَبِيثِ" كَمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ ضَابِطِ مُخابَراتٍ ألمانِيٍّ وهُوَ اليَوْم مِنْ سَاسَةِ ألمانيا مِنَ الصَّفِّ الأوّلِ

والذي كَشَفَ فِي مُذَكّراتِهِ بأنَّ حسين كامِل كانَ خَبيثاً و "طامِعَاً" للغايَةِ، وأنَّ كامِلَ كانَ يُخَطِّطُ لِإغْتِيالِ صَدّامِ حسين بإطْلاقِ النّارِ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ وقَتْلِ وَلَدَيْهِ عُدَي وقُصَي والإستيلاءِ عَلى حُكْمِ العِراقِ، تَحْديداً فِي مُنْتَصَفِ التِّسعينيّاتِ

ومِنْ جَرَائِمِ حسين كامِل الكُبْرَى "تَنْفيذُ الأَمْرِ الصَّعْبِ" والغَدْرُ والتَخَلُّصُ مِن أحَدِ أرْقى وِزَراءِ الدِّفاعِ فِي العِراقِ والعالَمِ العَرَبِيِّ والمُهَنْدِسِ الحَقيقيِّ للنَّصْرِ العِراقِيِّ على إيرانَ فِي حَرْبِ الثّمانينيّاتِ أو "القادِسيّةِ" وهُوَ الفَريقُ عدنان خيرالله، الذي كانَ قَريبُ صَدّام حسين وشَقيقُ زَوجَتِهِ ساجِدة خيرالله. ولَمْ يَكْتَفِي حسين كامِل بِهذا لكِنَّهُ ساهَمَ أيْضاً بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فِي تَدْميرِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ بِقَراراتٍ خَبيثَةٍ وغَبيَّةٍ لا أساسَ لَها وقامَ بالتَخَلُّصِ مِنَ المِئاتِ مِنَ القادَةِ والضُبّاطِ ذِي التأريخِ والكَفاءَةِ العَسْكَريّةِ، خاصَّةً وأنَّ الضُبّاطَ والجّنودَ فِي الجَّيْشِ العِراقِيِّ كانُو يَحْتَقِرونَ كامِل الذي تَمَّتْ تَرْقيَتُهُ بِلَمْحِ البَصَرِ إلى أعْلى المَرَاتِبِ العَسْكَريّةِ، فَقَط، لأنَّهُ زَوْجُ إبنَةِ الرَّئيسِ، وهُوَ، أيْ كامِل، المَشْكوكُ، حَتّى، فِي شَهادَتِهِ الإبْتِدائيّةِ!! وكانَ الفَريقُ عدنان خيرالله مِن مُحْتَقِرِي حسين كامِل ومُنْتَقِدِيهِ وبِشَكْلٍ عَلَنِيٍّ

وكانَ خيرالله، الرَّجُلُ القَوِيُّ والخَلُوقُ، خاصّةً فِي أوْسَاطِ الجَّيْشِ، يَتَمَتّعُ بِحُبِّ وإحْتِرامِ الضُبّاطِ والقادَةِ، وكانَتْ شَعْبِيَّتُهُ بَيْنَ النّاسِ، خاصّةً بَعْدَ إنْتِصارِ العِراقِ على إيرانَ فِي عامِ 1988، تَفُوُقُ شَعْبِيَّةَ صَدّام فِي أوْسَاطِ الجّيْشِ القَوِيِّ والشَّعْبِ المُنْتَصِرِ، وهذا ما جَعَلَ فِي قَلْبِ صَدّام بَعْضَ الإسْتِياءِ والسُّخْطِ، ورُبَّمَا الغِيرَةِ أو الخَوْفِ مِنْ الأقْدارِ والإحْتِمَالاتِ، خاصَةً بَعْدَ خِلافاتٍ عائِليَّةٍ تَتَعَلّقُ بِالزِّيجاتِ وصِراعاتِ النِّسَاءِ

وَبَعْدَ قَتْلِ عدنان خيرالله فِي سَنَةِ 1989 بِإسْقاطِ طائِرَتِهِ فُتِحَتْ أبْوابُ الوِزاراتِ والمُؤسَّساتِ أمامَ حسين كامِل بِدَعْمٍ مُباشَرٍ مِنْ صَدّام حسين وسَيطَرَ لاحِقاً على الكَثيرِ مِنْهَا بِخُبْثٍ وقَبْضَةٍ حَديديّةٍ، وتَسَلَّلَ كالأفْعَى إلى الجَّيْشِ الذي كانَ يُعانِيَ الغَضَبَ والحُزْنَ والصَّدْمَةَ والكَثيرَ مِنْ عَلاماتِ الإسْتِفْهامِ لِفُقْدانِ قائِدِهِ القَوِيِّ والمَحْبُوبِ خيرالله

وقَدْ حاكَ حسين كامِل الكَثيرَ مِنَ المُؤآمَراتِ مِنْها ما نَجَحَ ومِنْها ما أُسْقِطَ أو فَشِلَ حَتّى هُرُوبِهِ إلى الأُردُنِ "بَعْدَ إكْتِشافِ مُؤآمَرَتِهِ بالصُّدْفَةِ" وَسَلَّمَ حِينَها كُلَّ أسْرارِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ والحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ المَعْرُوفِ بِقُوَّتِهِ والتَّصْنيعِ العَسْكَرِيِّ والإسْتِخْباراتِ العِراقيّةِ إلى المُخابَراتِ الأمريكيّةِ، والتي "ساعَدَتْ" بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي هَزيمَةِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ وإحْتلالِ بَغدادَ فِي ساعاتٍ مَعْدُوداتٍ خِلالَ غَزْوِ العِراقِ بَعْدَ سَنَواتٍ، والتي كانَ الحَسْمُ فِيها مَعْرَكَةُ المَطَارِ التي أُضْطُرَّ فِيها الجَّيْشُ الأمريكيُّ إلى إسْتِخْدامِ الأسْلِحَةِ الكيميائِيَّةِ "الخَّاصَّةِ" بِسَبِ ضَرَاوَةِ المَعْرَكَةِ وصُعُوبَتِها خاصَّةً وأنَّ إحْتِلالَ بَغْدادَ كانَ مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكانٍ لِقُوَّةِ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ وقِتالِهِ الشَرِسِ الذي أدَّى إلى مَقْتَلِ آلافِ الجُّنودِ والضُّبَّاطِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ

وكانَ قُصي صَدّام حسين هُوَ القائِدُ المَيْدانِيُّ لِمَعْرَكَةِ المَطَارِ الكُبْرَى "كَمَا سُمِّيَتْ" وجاءَ ذَلِكَ ودُوِّنَ فِي أسْرارِ المُخَابَراتِ الألْمانيَّةِ والتي كانَتْ فِي أوْجِ نَشَاطاتِها فِي بَغْدادَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ! أُضِيفُ أنَّ ال سي أن أن وال بي بي سي والقَنَواتِ الخَليجِيَّةَ وغَيْرَها تَلَقَّتْ حِينَها الأوامِرَ بالخُرُوجِ مِن "دائِرَةِ التَّغْطِيَةِ!!" وهكذا، كانَ، حسين كامِل، الذي أفْشَى أسْراراً وأحْتَفَظَ بِأُخْرى، مِن أخْطاءِ صَدّام حسين القاتِلَةِ

أمّا أخْطاءُ صَدّام حسين الإجْتِماعيّةُ فَقَد كانَتْ مَنْحَ الحُريّةِ الكامِلَةِ إلى إبْنِهِ عُدَي والذي بِغُرورِهِ كَخَليفَةٍ مُحْتَمَلٍ سَبَّبَ لأبيهِ وأيْضَاً لِأخيهِ قُصَي الصُّداعَ وأحياناً الغَضَبَ الشَّديدَ والإحْرَاجَ سَواءً مَعَ المُحيطينَ أو العَشائِرَ الذينَ كانُو يَغْضَبُونَ لِتِلْكَ التَصَرُّفاتِ الصِّبْيانيّةِ والعُدْوانيَّةِ خاصّةً قَسْوَةَ عُدَي على الرِّجالِ والتَّحَرُّشِ بالنِّساءِ وفَتَياتِ الجّامِعاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ أجْمَلَ النِّسَاءِ، وكانَ عُدَي يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ودُونَ رادِعٍ أو رَقيبٍ، حَتّى تَمَّ "تَحْجِيمُهُ" أوَّلاً بِسَجْنِهِ بأمْرٍ مًباشَرٍ مِنْ أبِيهِ بَعْدَ أنْ قامَ بالإعْتِداءِ عَلى أحَدِهِم بالضَّرْبِ حَتّى المَوْتِ، ثُمَّ لاحِقَاً بِالإعْتِداءِ علَيْهِ بالرَّصاصِ لِيَهْدَأَ وتَهْدَأَ مَعَهُ الأُمُورُ

أمّا قُصَي، الإبْنُ القَويّ الهادِئ، فَقَد كانَ يُشْبِهُ أبَاهُ بِهُدُوءِهِ وشَجاعَتِهِ، وهُنَا عَلَيَّ أنْ أَضَعَ كَلِمَةَ هُدُوءٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ وخَطَّيْنِ، إذْ أنَّ حَفَلاتِهِ وعِلاقاتِهِ كانَتْ، كأَبِيهِ، مُحَاطَةً بالسِّريَّةِ ما أمْكَنَ ذلِكَ "رَغْمَ صُعُوبَتِهِ" ولَمْ تَكُنْ دائِمَاً عَلَنِيَّةً كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ أَخِيهِ عُدَي

وكانَ قُصَي إذا عاقَبَ أحَداً ما عادَةً ما كانَ الحَزْمُ والقُوّةُ والسِّريّةُ أساسَ العِقابِ والثّوَابِ، وهذا ما تَشابَهَ بِهِ أيْضاً مَعَ أَبيهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الأعْداءِ أو الأعْداءِ "المُحْتَمَلِينَ" بِشَكْلٍ تامٍّ ونِهائِيٍّ وحَازِمٍ ودُونَ أثَرٍ، خاصَّةً إذا نَظَرَ إلى أحَدِهِم بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فَوَجَدَ فِي عَيْنَيْهِ "نُقْطَةً سَوْداءَ" وهذا، فِي لُغَةِ صَدّام وإِبْنِهِ قُصَي، إشارَةٌ أو عَلامَةٌ لِإحْتِمَاليّةِ الخِيانَةِ أو عَلى الأقَلِّ "بِدَايَةِ التَّفْكيرِ" فِي التَّآمُرِ عَلَيْه...، وهذا ما جَعَلَ مَن سَمِعُو بِهَذا لاحِقَاً يَتَجَنَّبونَ النَّظَرَ إليْهِمَا بِشَكْلٍ مُباشَرٍ، وخاصَّةً صَدّام، خَوْفَاً مِنَ الأقْدارِ غَيْرِ المَحْسُوبَةِ ورُعْبَاً مِنْ نَظَرَاتِهِ الحَادَّةِ، ومِنْهُم الأقرباءُ والرُّؤسَاءُ والأُمَرَاءُ والمُلُوكُ والمَسْؤولونَ العَرَبُ، وبَعْضُ مَسْؤولِي الغَرْبِ، وهَذهِ حَقِيقَةٌ! وعَلَيْهِ أمَرَ صَدّامُ بالبَدْءِ بِإعْدادِ قُصي فِي التّسعينيّاتِ لِيَكونَ خَليفَةَ أَبيهِ والرَّئيسَ القادِمَ إنْ سَمِحَتِ الأقْدارُ والأيَّامُ بِهَذا، لكِنَّها لَمْ تَسْمَح

وهُنا، ولِلإنْصافِ التأريخِيِّ أقُولُ، أنَّ سِياسَةِ التّوْريثِ وسُلالاتِ الحُكْمِ العائِلِيِّ لَمْ تَقْتَصِرَ فَقَط عَلى العِراقِ، بَلْ كانَ ويَكُونُ مِنَ "الأعْرافِ" العَرَبيّةِ مُنْذ عُصُورٍ وأزْمَانٍ وأدْهارٍ ودُهُورٍ، حَتّى أصْبَحَ واقِعاً وقَدَراً تَقْبَلَ وتَرْضَى بِهِ الشُّعُوبُ العَرَبيّةُ كَما هُوَ الأمْرُ فِي سُورية وعائِلَةِ الأسَدِ أو ليبيا وعائِلَةِ القَذّافِي أو اليَمَن وعائِلَةِ صالِحٍ أو مِصْر وعائِلَةِ حُسنِي مُبارَك... وباقِي بِلادِ العَرَبِ. وأحْياناً كانَ هذا التَّوْريثُ للأوْلادِ لا بأْسَ بِهِ ولا خَطَرَ على الشُّعُوبِ مِنْهُ خاصَّةً كَمِفْتاحٍ للإسْتِقْرارِ والأمانِ عَلى مَبْدَأ "مَنْ تَعْرِفهُ خَيْرٌ مِمَّنْ لا تَعْرِفهُ!" والأُمورُ تأْخُذُ مَجْرَاها والأحْداثُ تَتَغَّيرُ، والزَّمانُ مِنَ العَرَبِ يَتَحَيَّرُ

لكِنَّ سُخْرِيَةَ الأقْدَارِ أنَّ الإنْقِلاباتِ العَسْكَريَّةَ التي أطاحَتْ بالمَلَكِيّاتِ والأوْطانِ والمُجْتَمَعاتِ الرّاقيَةِ ودَمَّرَتْ ما دَمَّرَتْ فِي الخمسينيّاتِ والسِّتينيّاتِ ومَا تَلاهَا كانَتْ أساساتُهَا وأسْبابُهَا أو "ما أُعْلِنَ للشُّعُوبِ السّاذَجَةِ" هِيَ التَّخَلُّصُ مِنَ حُكْمِ العائِلاتِ وسِياسَةِ التَّوْريثِ

وبَعْدَ أنْ إنْتَهَتِ المَلالِي مِن دَمارِ إيرانَ والعِراقَ وقَتْلِ الشَّبابِ والشّابّاتِ المُحِبّينَ للحُرِيّةِ والخَلاصِ، وأثارَتْ ما أثارَتْ مِن فِتَنٍ وقَتْلٍ وخَوْفٍ وحُزْنٍ ودَمَارٍ وفَقْرٍ فِي البيئَةِ والمُجْتَمَعاتِ، كانَتْ عَيْنُ إيرانَ بَعْدَ الخَليجِ العَرَبِيِّ عَلى أفريقيا والمَغْرِبِ العَرَبِيِّ ومِصْر المَحْروسَةِ -- وكانَتْ على وَشَكِ أنْ تَنْجَحَ فِي أنْ يَكونَ لَها وُجُودٌ أثْناءَ حُكْمِ الإخْوانِ بَعْدَ ثَوْرَةِ يَنايِر فِي سَنَة 2011 فِي إتّفاقٍ ولِقاءٍ شَيْطانِيٍّ تَحْتَ الأرْضِ مَعَ إرْهابِيِّ حَماسَ بِرِعايَةِ وأمْوالِ إحْدى دُوَلِ الخَليجِ العَرَبِيِّ وفَضائِيّاتِهَا الطَّائِفيَّةِ وصَحَفِيِّيهَا بِهَوِيَّاتٍ إعْلامِيَّةٍ و "قُلُوبٍ" إخْوَانيَّةٍ حَمْسَاوِيَّةٍ -- لَوْلا عِنايَةَ اللهِ الذي أحَبَّ مِصْرَ وكَتَبَ عَلَيْها ولَهَا السَّلامَ والأمَانَ والرَّخاءَ، ودَعَتْ لَهَا أُمُّنا العَذْراءُ مَرْيَم بالمَحَبَّةِ والنَّمَاءِ، إذْ عاشَتْ فِيها مَعَ الرَّبِّ ويوسُفَ والأقْرِباءِ

وتَمَّ التّآمُرُ عَلى يَهودِ العِراقِ وتَهْديدِهِم بِتَلْفِيقِ التُّهَمِ، وهُمْ لا ذَنْبَ لَهُم سِوى أنّهُم يَهودٌ عِرَاقِيُّونَ مُسَالِمُونَ يُحِبُّونَ العِرَاقَ وهُوَ لَهُم أَرْضٌ وحُبٌّ وذِكْرَيَاتٌ وحَيَاةٌ وبَلَدٌ أُمٌّ. وهاجَرَ البَعْضُ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ قَسْرَاً وظُلْمَاً وتَهْرِيبَاً وعَذَاباً عَن طَرِيقِ الشَّمَالِ أَو شَرْقَاً وجَنُوبَاً عَن طَرِيقِ إيرانَ، وبَقِيَ جُلُّهُم رَغْمَ المُؤامَراتِ والتّهْديداتِ والإتّهاماتِ بالعَمالَةِ تارَةً والتَّجَسُّسِ تارَةً أُخْرى، وعُلِّقَ الكَثِيرُ بِالمَشانِقِ وكانَتْ الإعْداماتُ وصَفَّقَ لَهَا الغَوْغَاءُ مِنْ "بَعْضِ" العَرَبِ. والسَّماءُ تُراقِبُ والمَلائِكةُ تَنظُرُ وتَرْقَبُ الجَّوْرَ والظُّلْمَ، وكانَ بُكاءُ الأبْرِياءُ يُسْمَعُ مِنَ الرَّبِّ

وجُرِّدَ العَديدُ مِنَ اليَهودِ مِنَ الجِنْسيّةِ العِراقيّةِ، وعَلى ذلِكَ تَمَّ "إرْغامُ" الحُكومَةِ العِراقيّةِ. وهاجَرَ أكْثَرُ وأكْثَرُ لِلخَلاصِ، مِنْهُم مَنْ باعَ أمْلاكَهُ ومِنْهُم مَنْ تَرَكَ كُلَّ شَيءٍ وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ النَقِيَّةُ

وكانَتْ تِلْكَ الفَتْرَةُ وحَتّى حَرْبِ 1948 فَتْرَةً جَميلَةً تَدْمَعُ عُيُونُ العِراقِيّينَ كُلَّما تَذَكّرُوهَا. لكِنَّ الأَمْرَ تَغَيّرَ بَعْدَ حَرْبِ 1948 والصِّرَاعَاتُ العَرَبِيَّةُ-الفِلِسْطِينيَّةُ-الإِسْرَائِيليَّةُ "الأَبَدِيَّةُ" أَو كمَا تُسَمَّى "إِعْلامِيَّاً وتِجَارِيَّاً" حَرْبُ "القَضِيَّةِ" التي "تاجَرَ" فِيهَا وبِهَا أَصْحَابُهَا "الفِلِسْطينِيُّونَ" قَبْلَ غَيْرِهِم، وبَاعُوهَا لِيُصْبِحُو وأَوْلادُهُم مِنْ أَصْحَابِ المَلايِينِ والشَّرِكَاتِ "واقِعِيَّاً" ومِنْ أَصْحَابِ الشِّعَارَاتِ "إِعْلامِيَّاً" هُنَا وهُنَاكَ!! فَأَصْبَحَتْ "صُدَاعَاً" وكابُوسَاً فِي لَيَالِ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والغَرْبِ

وهُنَا أقُولُ، أنَا مُؤمِنٌ بأَنَّ الحُكوماتِ تُرِبِّيَ شُعوبَهَا كمَا يُرَبِّيَ الآبَاءُ الأبْناءَ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا

مَثلاً، كانَ العِراقِيّونَ والعَرَبُ فِي سَنَوَاتِ المَلَكِيّةِ والمَلَكيّاتِ وقَبْلَ غَسْلِ عُقُولِهِم بالجَّهْلِ والنّازيّةِ والنّاصِريّةِ وكُلِّ هَذهِ الأوْهامِ يَتَمَتّعونَ بالرُقِيِّ والثّقافَةِ والهُدُوءِ وحُبِّ القِراءَةِ والدِّراسَةِ والإطِّلاعِ والسَّفَرِ والبِنَاءِ وكُلِّ جَديدٍ ومُمْتِعٍ لِتَكونَ للحَياةِ ألوانٌ ويَكونَ للأيّامِ مَعْنى، لأنَّ المُلوكَ والأمَراءَ والأميراتِ كانو هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا، وكانَ للمَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّاني، مَثَلاً، حُلماً وأحْلاماً فِي أنْ يَجْعَلَ العِراقَ أشْبَهَ بالمَمْلَكةِ المُتَّحِدةِ وأنْ تَكونَ بَغدادُ لَنْدَنَ الشَّرْقِ

وكان يُخَطِّطُ لِهذا كَما كانَ وهُوَ فِي أرشيفِ العِراقِ الذي أَحْرَقَ وزَوَّرَ وشَوَّهَ الكَثيرَ مِنْهُ المَعْتُوهُ عَبد الكريم قاسِم، لكِنَّ الأصْلَ مِنَ الوَثَائِقِ فِي أرشيفِ لَندَنَ وبَرلينَ

وبَعْدَ إنْقِلابِ مِصْر فِي سَنَةِ 1952 وخَرابِ المَحْروسَةِ وبَدْءِ عبدِ النّاصِر فِي بَثِّ السُّمومِ والأكاذِيبِ بِخِطاباتٍ وأوْهامٍ وعَنْتَريّاتٍ فارِغَةٍ وبَعْدَ "عَويلِ" و "صُراخِ" و "أكاذيبِ" صَوْتِ العَرَبِ التي دَخَلَتِ البُيوتَ وشَوّهَتِ الآذانَ والعُقُولَ والقُلُوبَ العَرَبيّةَ، مُدَّ بِسَاطُ الدَّمِ الأحْمَرِ لِتَسيرَ علَيْهِ شَيَاطينُ الحُرُوبِ والإنْقِلاباتِ النّاصِريّةِ مِن مَكانٍ لآخرَ وبِلادٍ لِأُخْرى ومِنْها العِراق، فَكانَ الإنقِلابُ المَشْؤومُ وحُكْمُ العَسْكَرِ، وأصبَحَ العِراقيِونَ والعَرَبُ أكْثَرَ عُنْفاً وسَريعِي الغَضَبِ ويَكْذِبونَ ويَسْرِقونَ ويَتَحايَلونَ على أنْفُسِهِم وغَيْرِهِم ولا يَثِقُونَ بِبَعْضِهِم البَعْضِ ويُنافِقونَ فِي حَيَاتِهِمُ اليَوْميّةِ لأنَّ الحُكّامَ بَعْدَ الإنْقِلاباتِ هُمْ هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا

وفِي السَبعينيَّاتِ عَادَ العِراقِيُّونَ لِيَكونُو أَكثَرَ إنْفِتاحاً وثَقافَةً وعِلْمَاً وحُبَّاً لِلحَياةِ والإزْدِهارِ لأَنَّ الحُكَّامَ حينَهَا، رَغْمَ الإِعْداماتِ والحَدِيدِ والنَّارِ، أَحَبُّو الِإنْفِتاحَ والرَّخَاءَ والتَّمَتُّعَ بالحَيَاةِ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكّامَهَا، ولا نَنْسَى، بأَنَّ فِي كُلِّ هَذهِ الأَزْمَانِ وحَتّى عامِ 1979 كانَ الشَّرْقُ والعَرَبُ فِي شَيءٍ مِنَ الإِنْفِتاحِ والإِزْدِهَارِ والرَّخَاءِ وجَمَالِ الحَيَاةِ -- فِي شَرْقِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَلالِي إيرانَ فِي قُوَّتِهِم رَغْمَ المُحاوَلاتِ -- ومَلالي إيرانَ، فِي كُلِّ الأَزْمانِ، أرَادُو ويُريدونَ خَفْضَ تِعْدادِ العَرَبِ إلى النِّصْفِ بالقَتْلِ والفِتَنِ والحُرُوبِ الأهْليّةِ، وزِيادَةَ تِعْدادِ الفُرْسِ إلى الضِّعْفِ بِغَزْوِ البِلادِ سِياسيّاً وثَقافيّاً وأخْلاقِيَّاً وإجْتِماعيّاً وعَسْكَريّاً وإقْتِصَادِيَّاً

وأرَادَ المَلالِي خَلْقَ أجْيَالٍ عَرَبِيَّةٍ أخْرَى لا تُشْبِهَ بَعْضَهَا أو حَضَارَاتِهَا ولا أخْلاقَ أو رُقِيَّ فِيهَا، ولِلأَسَفِ نَجَحُو بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي ذلِك، فَأصْبَحَ هُنَاكَ جِيلٌ عِراقِيٌّ وعَرَبِيٌّ عاشِقٌ للفِتَنِ والحُرُوبِ والغَوْغائِيَّةِ والهَمَجِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكيرِ والعَمَلِ بَلْ والعاداتِ اليَوْمِيَّةِ وشَكْلِ الحَيَاةِ وأشْكالِهَا

لكِنْ لا يَجِبُ عَلى العِراقيّينَ والعَرَبِ وخاصَّةً العُقَلاءِ مِنْهُم أنْ يَنْسَوْ أنَّ المَلايينَ مِنَ الأمريكانِ والبِريطانِيّينَ وأهْلِ الأرْضِ كانو يَجُوبونَ الشَّوارِعَ إحْتِجاجاً ورَفْضَاً لِحَرْبِ الخَليجِ "العَرَبِيِّ" وإحْتِلالِ العِراقِ وتَدْميرِهِ مِنْ أجْلِ النَّفْطِ، وأنَّ قَرارَ الحَرْبِ فِي إحْتِلالِ البَيْتِ الأبْيَضِ للعِراقِ "كَمَا هُوَ قَرارَ الحَرْبِ وإحْتِلالِ العِراقِ للكُويَتِ" لَيْسَ إلاّ قَرارَ شَخْصٍ وأشْخاصٍ وأفْرادٍ ولا عِلاقَةَ للشُّعُوبِ بالأمْرِ

فَقَد رَفَضَ العالَمُ ورَفَضَ شَعْبُ أمريكا الحَرْبَ وإحْتِلالَ العِراقِ وصُدَمَ بِهِ وبِهَا وبِأكاذيبِهَا ونَتَائِجِهَا فِي قَتْلِ وإفْقارِ وتَشْرِيدِ المَلايين مِنَ العِراقِيّينَ، وهُوَ إحْتِلالُ البَيْتِ الأبْيَضِ أو فِرَقٍ مِنَ الجَّيْشِ الأمريكيِّ للعِراقِ ولَيْسَ إحْتِلالُ أمريكا للعِراقِ. كَمَا صُدِمَ شَعْبُ العِراقِ صَبَاحاً بالحَرْبِ وإحْتِلالِ الكُوَيتِ، وهُوَ إحْتِلالُ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ أو فِرَقَاً مِنَ الجَّيْشِ العِراقِيِّ للكُوَيتِ ولَيْسَ إحْتِلالُ العِراقِ للكُوَيت

لِهَذا لا يَجِبُ مُحاسَبَةُ الشُّعوبِ، أو عَلى الأقَلِّ، لا يَجِبُ كَراهيَّتُها أو إتِّهامُها بأحْداثٍ تأريخيَّةٍ أو أخْطَاءٍ جَسِيمَةٍ أو قَرَاراتِ الحَرْبِ والسِّلْمِ، وهِيَ، أيْ الشُّعوبُ، مَغْلُوبَةٌ عَلى أمْرِهَا

وأمّا العِراقيّينَ مِنْ عَرَبٍ وكُرْدٍ وآشوريّينَ وغَيْرِهِم "وهُنا أتَحَدَّثُ عَن القَوْميّاتِ" أو يَهُودٍ ومَسيحيّينَ ومُسْلِمينَ وغَيْرِهِم "وهُنَا أتَحَدَّثُ عَن الأدْيانِ والدِّياناتِ" فَقَد كانُو يُحِبُّونَ بِلادَهُم العِراقَ ويَعْشَقُونَهُ قَبْلَ سَنَةِ 1958 وإنْقِلابِهِ المَشْؤومِ، وبَقِيَ الحُبُّ وأسْتَمَرَّ حَتّى فِي السِتينيّاتِ والسَبْعينيّاتِ إلى عامِ 1979 وإنْتِهاءِ العُصُورِ الذَهَبيّةِ والفِضِّيَّةِ ومَعَهَا الخَيْرُ والرَّخَاءُ، وهُنَا بِتَحْليلِ عِلْمِ النَّفْسِ والإجْتِمَاعِ وسُلوكِ الشُّعُوبِ. وبَقِيَ شَيءٌ مِنَ الحُبِّ والوَلاءِ فِي الثّمانينيّاتِ وتَلاشَى كَسَرابٍ فِي التِسْعينيّاتِ لِيَخْتَفِيَ فِي سَنَةِ 2003 بِإحْتِلالِ إيرانَ للعِراقِ بَعْدَ غَزْوِ البَيْتِ الأبْيَضِ للبِلادِ وقَتْلِ العِبَادِ! والأسَاسُ فِي الإنْهِيارِ وغِيابِ الإعْمَارِ هُوَ عُمَلاءُ إيرانَ الذينَ حَكَمُو ويَحْكُمُونَ العِراقَ مِنَ الجُّهَّالِ والسُّرَّاقِ وهُمْ الأشَدُّ حِقْدَاً عَلى العِراقِ والعِراقيّينَ، عَلى عَكْسِ ما كانَ فِي ألمانيا كَمِثالٍ تأريخِيٍّ لَعِبَتْ فِيهِ عَوامِلُ الجُّغرافيا السِياسيَّةُ والأخْلاقُ والتَّربيةُ والعِلْمُ والجَّهْلُ والثّقافَةُ والأصْلُ والجّيلُ والأجْيالُ وحُبُّ الأوْطانِ والإخْلاصُ الدَّوْرَ والأدْوارَ

وأقُولُ... عَلى العِراقِيّينَ أنْ يَحكُمُو أنْفَسَهُم وعَلى العَرَبِ أن يَحْكُمُو أرْضَهُم، فَمِنَ المُعِيبِ والغَريبِ أنْ يَكُونَ شِيعَةُ العِرَاقِ والعَرَبِ "عَبيداً" للسِيستانِيِّ وهُوَ رَجُلٌ فارِسِيٌّ، أو أنْ يَكُونُو "عَبيدَاً" لِخامَنَئِيِّ وهُوَ رَجُلٌ أذَرِيٌّ، وقَبْلَهُ الخُمَيْنِيُّ وهُوَ رَجُلٌ هِنْدِيٌٌّ، مَعَ الإحْتِرَامِ لِكُلِّ القَوْميَّاتِ والجِنْسِيَّاتِ والحَضَاراتِ

لكِنَّ مَنْطِقَ الإنْسَانِ أنَّ حُبَّ الأوْطَانِ والحِفَاظَ عَليْهَا لا يَقُومَ ويَسْتَقيمَ إلاّ مِنْ أصْحابِ الأرْضِ ومَن تَعِبَ فِي زِراعَتِهَا وتَعَرَّقَ فِي إعْلاءِ البُنْيَانِ، مَعَ الصَّبْرِ والحِكْمَةِ دُونَ أن يَقَعَ فِي فَخِّ الغَضَبِ والغُرُورِ وجُنُونِ العَظَمَةِ والنِسْيَانِ

والعِرَاقُ، قَبْلَ سَنَةِ 1958، يَا سَادَة، كانَ مَا كانَ...، نَجْمَةُ الصَّباحِ، نَدَى المَطَرِ ونَسِيمُ الرِّيَاحِ، الحُبُّ والغَرامُ، جَمَالُ النِّسَاءِ والّليالِيَ والأَيَّامِ، والنَّبيذُ والرَّقْصُ وقِماشُ الحَرِيرِ الخَامِ، والأَناقَةُ والرِقَّةُ والأُنُوثَةُ والبَسَاطَةُ وفُسْتانُ المَاكسِي وسِيقانٌ نَاعِمَةٌ كالرُّخَامِ، وقَلْبُ الرَّجُلِ يَعْشَقُ والرُّوحُ لا تَنَامَ. الأَعْرَاقُ والتّنَوُّعُ والتَّعايُشُ والوِئَامُ، الكَرَمُ وحُسْنُ الضِّيافَةِ والإِكْرَامِ، بِلادُ سُومَرَ وأَكَدَ وبَابِلَ وآشُورَ، مَلاحِمُ كِكَامِشَ وأَحْلامُهُ فِي شِهَابِ السَّمَاءِ، ورِسَالَةُ الإِبْنِ لِأُمِّهِ الحَسْنَاءِ، والآثارُ والأحْجارُ والتأريخُ والحَرْبُ والسَّلامُ، طُيُورُ الأَهْوَارِ والوِدْيانِ، أُورُ وإبراهيمُ وسَارةُ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّساءِ، بَلْ الأَجْمَلُ فِي ذاكَ الزَّمَانِ. بِلادُ الشّجَنِ والأَلْحَانِ، وسِحْرُ الأَبيَضِ والأسْوَدِ والسِّينَما وبِدَايَاتُ الأَلْوانِ، السَيَّابُ والشِّعْرُ والمَطَرُ والقَمَرُ والسَّحَرُ والعَيْنَانِ. عَرَباتُ البَلَدِيّةِ تَرُشُّ المِيَاهَ فِي بَغْدادَ مِنَ الأَعظَميَّةِ إِلى الصَّوْبَيْنِ، وأَحْدَثُ البَاصَاتِ والعَرَبَاتِ بِطابِقٍ أَوْ إثْنَيْنِ، والسُّدُودُ والمَشَاريعُ والمَصَانِعُ والمَطابِعُ وجَيْشٌ قَويٌّ ذُو شَأنٍ

كانتِ النّساءُ قبل 2003 يَتنافَسْنَ في العِلمِ والأزياءِ والرُقيِّ والإتيكيتِ والِلياقةِ واللَبَاقَةِ والهُدُوءِ والرّقْصِ والمُوسِيقى والأُنُوثَةِ والدّلالِ والجّمَالِ، وهُدُوءُ الرِّجالِ. وأمّا اليَوْمَ، فالنِّسوةُ أو "النِّسْوانُ لا النّسَاءَ" يَلطمْنَ ويَتنافَسْنَ في اللَطْمِ والفَضَائِحِ والشَّتائِمِ والغَرَقِ فِي التُّرابِ والأوْحالِ، وصُراخُ الرِّجالِ

إذَنْ، ذَهَبَ زَمَانُ الحَضَاراتِ والعِلْمِ والرُّقِيِّ والثَّقافَةِ والشَّهاداتِ، وزَمَانُ الرُّقاةِ و "أوْلادِ الأُصُولِ" والوَزيراتِ الرّاقِياتِ، وجَاءَ زمَانُ الإغْتِيالاتِ، وأحْزابٌ بالمِئاتِ، وإمّعاتٌ لَبِسُو العِمامَةَ والعِقالَ ورَبْطَةَ العُنُقِ فأصْبَحُو شَخْصِيّاتٍ، وزُوِّرَتِ الشّهاداتُ، والعُقُودُ والسّرِقاتُ، وفَسَادُ البَرلمانيّينَ والبَرلمانيّاتِ، مِن خِرِّيجِيّ الإبْتِدائِي والإبتِدائيّاتِ، حَصَلو على الحَقائِبِ والكراسِي بالمَالِ وقوّةِ السِّلاحِ وليالِيَ السَمَرِ والرَّشاوَى والرَّشَوَاتِ، وهذا وذاكَ وَذات، وتَعْلَمونَ ما هذا وذاكَ وذات

وتِلْكَ الأَوْهَامُ والأَيَّامُ! أعُوُدُ بالأَيَّامِ إلى الأَيَّامِ... أَيَّامُهُم وأَيَّامُنَا وأَحْوَالُ العِرَاقِ والعَرَبِ، ونَرَى كيفَ يُفَكِّرُ الرِّجَالُ وتَبدو النِّساءُ كالرّجَالِ، وعَمِليّاتُ التّجْمِيلِ التي قَتَلَتْ كُلَّ طَبِيعِيٍّ وأَصِيلٍ وَزَانٍ، ونُفِخَتِ الشِّفاهُ، وقُطِعَ وقُطِّعَ الأَنْفُ وإخْتَفَتْ الأُنُوفُ، وثُقِبَتْ الخُدُودُ، وسُحِبَتْ البَشَرَةُ، وحُقِنَتِ المُؤخِّرةُ، وزُرِعَ الشَّعْرُ الغَجَرِيُّ المَجْنُونُ، ورُكِّبَتْ الأَسْنانُ، وأَشْرَقَتْ العُيُونُ بِعَدَسَاتِهَا وكُحِّلَتْ، فَتَشَابَكَتْ عَلامَاتُ الجَّمَالِ، وإحْتَارَتْ قُلُوبُ الرِّجَالِ، وتَشابَهَ الجَّمِيعُ، وبَكَتْ أغصَانُ البَانِ ومَاتَتْ، وإخْتَفَى الرَّبِيعُ!! وأصْبَحَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِ السَّمَاءِ أَنْ يُمَيّزَ الرَّجُلُ أَو الشَابُّ حَبِيبَتَهُ أَو زَوْجَتَهُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فإِنْ جُنَّ أَو غَابَ عَن الوَعْيِ والآنَ، أَو تَذَكَّرَ أَو ذُكِّرَ أَو إلى شَيءٍ "جَمِيلٍ" قَدْ نَظَرَ، وكانَ "ولَوْ لِبُرْهَةٍ" ذَاكَ العاشِقُ الوَلْهَانُ، أَو كانَ مَعَ نَفْسِهِ وسِنِّهِ فِي تَحَدٍّ ورِهَانٍ، أَو نَسِيَ الأَمْرَ أَو سُحِرَ -- وأرَادَ سَهْوَاً أنْ يُقَبِّلَهَا "مُغْرَمَاً أَو مُكْرَهَاً" أَو أَنْ يُطارِحَهَا الغَرامَ، لإظْهَارِ الوَلاءِ والوَفاءِ وغَايَتُهُ رَاحَةُ البَالِ والسَّلامُ -- تأكَّدَ أَوَّلاً أنَّهَا زَوْجَتُهُ مِنْ عَلامَةٍ فِي الجَّسَدِ أَو تَخْمِينٍ أَو تَرْكِيزٍ أَو دِرَاسَةٍ أَو سُؤالٍ أَو "كودٍ" أَو كَلِمَاتِ سِرٍّ وأَرْقامٍ

هُوَ التأريخُ وهِيَ المَلالي والأحْقادُ، والتأريخُ بِكُلِّ سَوَادِهِ قَدْ عَادَ! لكِنَّ المَلالِيَ كالشَّيْطَانِ، وتَدْميرُ الجَّمَالِ والآمالِ لا يَكفِي، ولا يَكفِي غَسْلُ العُقُولِ وغَسِيلُهَا، ومَلاليَ الجَّهْلِ لَديهِم دُسْتُورٌ

ودُسْتُورُ الشَّرِّ يَقولُ: كُلُّ العَرَبِ إيرانِيّونَ، وفِي أُصُولِهِم فارِسيّونَ، وأحْفادُ عُمَرَ ويَزيدَ والحَجَّاجِ جُناةٌ، والمَسيحيّونَ رُعَاةٌ، واليَهودُ لا يَسْتَحِقّونَ الحَياةَ، ولا فَرْقَ بَيْنَ مُوسَى وهارُونَ وصُهْيونَ، لا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والسّياسَةِ، ويَجِبُ إحْراقُ الشَّرْقِ وبِلادِ الضّادِ، بالصِّراعاتِ والقَتْلِ والفَقْرِ والبُؤْسِ والجِهَادِ، نَحْنُ الإيرانيّونَ، يَقوُلون، لَديْنا العَرْشُ والجَّحِيمُ والنَّارُ، ومِفْتَاحُ الجَنّةِ وأسْرَارُ المَوْتِ والحَيَاةِ والنِّساءِ والحُوُرِ، وفِي ذلِكَ لا حِوَارَ... هُوَ التأريخُ الفارِسِيُّ وكُتُبُ المَدارِسِ وتَعْليمُ الأطْفالِ، هُوَذا الدُّسْتُورُ، والعَلْمانيّونَ الحَياةَ لا يَستَحِقّونَ، والنَّجَفُ وكربَلاءُ والأرْضُ لِإيرانَ وبِلادِ فارِسَ ومَلاليَ اللياليَ والسَّمَرِ، والخُمَيْنِي خَلِيفَةُ اللهِ مِنَ البَرِّ إلى البَحْرِ، ولَعْنَةُ "آيَةِ اللهِ" عَلى أتْبَاعِ عُثْمانَ وعَمَرَ، والمَسيحِيّونَ والسّنةُ مِنَ الحُكّامِ خَطٌّ أحْمَرٌ

وقالَهَا الإيرانِيّونَ والعُمَلاءُ والجُّهَلاءُ: إمَّا أنْ نَحْكُمَ أرْضَ عَلِيٍّ والحُسَيْن، أو نُسقِطَ نِظامَ صَدّام حسين

وكَتَبوُ رِسالَةً بِهَذا وإلى صَدّام سُلِّمَ الخِطَابُ، وصَدّام قَويٌّ يَعْشَقُ العِراقَ والتُّرَابَ، ومَعَهُ لا يجِبُ أنْ تَتَحَدّى وتَعْبَثَ أو تَلْعَبْ! وبَدَأتْ الحَرْبُ، وأنْتَهَى قِطارُ السّبعينيّاتِ وأيّامُهُ الوَرْدِيّةِ، وخُتِمَ فصْلُ الكِتابِ وفُصُولِهِ الذَهبيّةِ. والخُمَيْنِي يُفْتِي ويَقْتُلَ بإسْمِ اللهِ وعليٍّ والحُسَينِ والرَّبِّ، وحافِظُ الأسَد يُرسِلُ الصّواريخَ إلى إيرانَ لِتُطْلَقَ عَلى رُءُوسِ العِراقِيّينَ والعَرَبِ!! ومِثْلُهُ فَعَلَ القَذّافِي بإسمِ القُدْسِ والعَرَبِ -- والقَذّافِي أَحَبَّ الإِيرانِيّينَ وأَعْطاهُم المِلْيارَاتِ لِقَتْلِ صَدّامَ بِأَيادٍ إِيرَانيَّةٍ، لكِنْ بَعْدَ غَزوِ العِراقِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا حاوَلَ إنْقاذَ صَدّامَ وبَكَى عَلَيْهِ بَعْدَ إعْدامِهِ بِحِبَالٍ إيرانيَّةٍ

وياسِر عَرَفات، أبو عَمّار، شَيْخُ المُنافِقينَ وسارِقُ الذّهَبِ والمَاسِ، والرّاقِصُ فِي كُلِّ الأعْراسِ، الذي قالَ عَنهُ الرّئيسُ الرّاحِلُ صَدّام حسين في إحْدى التّسْجيلاتِ "الخّاصّةِ" والمُطَوَّلَةِ والسّيكارُ فِي يَدِهِ بأنّهُ، أيْ صَدّام حسين، يَجلسَ مَعَ عَرَفات ويبتسمَ لَهُ ويُساعِدَهُ ويُسانِدَهُ ويُوَطِّنَ أتْباعَهُ فِي بَغْدادَ فِي شُقَقٍ فارِهَةٍ ويَصْرُخَ بِتَحْريرِ "قُدْسِهِ" لأنَّها مِنْ مَبادِئِ "الحِزْبِ والثَّوْرَةِ" وتَلْتَهِبَ مَعَهُ القُبَلُ والأحْضانُ، لكِنّهُ يُدْرِكُ في قَرَارَةِ نَفْسِهِ بأنَّ عَرَفاتَ "أوْسَخُ" مِن حافِظِ الأسدِ والخُمَيْنِيّ وأنَّهُ يَبيعَ "قَضيّتَهُ" بِدينارٍ، وبِأنَّهُ، أيْ صَدّام حسين، عَلى عِلْمٍ ودِرايَةٍ أيْنَ يَذهَبُ عَرَفاتُ "مُتَخَفّياً بِكُوفِيَّتِهِ"عِندما يُغادِرُ بَغدادَ بأيّامٍ!! وكانَ هذا تَسْجيلٌ وحَديثٌ مُطَوَّلٌ شَرِبَ فيهِ صَدّامُ وسَكِرَ، وأسْتَمَعَ إلى الكَثيرِ مِنَ النُّكاتِ ال "+18" وكانَتْ ضَحِكاتُهُ تَطِيرُ فِي السَّماءِ، وكانَ يُسَمِّيَ الرُّؤَسَاءَ والقَادَةَ العَرَبَ بأسْماءِ شَخْصِيّاتٍ كَرْتُونيّةٍ

وفِي حُزيرانَ مِن سَنَةِ 1941 وبَعْدَ فَشَلِ حَرَكَةِ الكيلاني فِي أيّارَ، بَدَءَ الغَوْغاءُ والرُّعاةُ والإرْهابِيّونَ وعاشِقو هِتلر مِنْ جُهَلاءِ ونَازِيِّي العِرَاقِ أعْمالَ قَتْلٍ وإغْتِصابٍ ونَهْبٍ وتَخْريبٍ ضِدَّ الأبْرياءِ مِن اليَهودِ مِن نساءٍ ورِجالٍ وأطفالٍ وعائِلاتٍ مِن أبْناءِ العِراقِ إنتِقاماً لِما حَدَثَ ورَدَّةَ فِعْلٍ لِفَشَلِ الإنْقِلابِ النّازِيِّ، والذي لَوْ كُتِبَ لَهُ النَّجاحُ لَكَانَ كارِثةً سِياسيّةً وإجْتِماعِيّةً تَسْتَمِرّ لِسَنَواتٍ. وكانَ المُسْلِمونَ أَو "بَعْضُ" المُسْلِمينَ مِنَ القَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ يَجولُونَ الشّوارِعَ حامِلِينَ السّكاكينَ والسّيوفَ والسَّواطيرَ وهُمْ يَهْتِفُونَ بِقَتْلِ اليَهودِ الذينَ عاشو مَعَهُم لِسِنينَ... يأكلونَ سَويّةً ويَفْرَحونَ ويَحْزَنونَ ويَعْمَلُونَ ويُعَمِّرُونَ ويَرْقُصونَ لأفْراحِ وأعْيادِ الوَطَنِ "الواحِدِ" يَداً بِيَدٍ!!! هُوَذا النِّفاقُ والشِّقاقُ الذي تَحَدَّثْتُ عَنْهُ!! وقُتِلَ يَهُودٌ بالعَشَراتِ وجَاوَزَ المِئَةَ وأَكْثَرَ بِكَثِيرٍ، وجُرِحَ المِئاتُ مِنَ الكِبَارِ والصِّغَارِ، ولَمْ يَسْلَمَ لا صَغِيرٌ ولا كَبِيرٌ، وتَمَّ نَهْبُ المِئاتِ مِنَ البُيوتِ والمَحَلاّتِ والدَّكاكينِ. وصُدِمَ الجَّميعُ وخاصّةً المَسيحيّونَ واليَهودُ مِنَ الزَّمَانِ والأقْدارِ ودَوَرانِ الأَيَّامِ ونُفوسِ البَشَرِ وكَيْفَ يَنْقَلِبُونَ ويَتَغَيَّرُونَ

وهُنا جاءَتْ كَلِمَةُ "فَرْهُود" وهُوَ مُصْطَلَحٌ مَحَلِّيٌّ يُسْتَخْدَمُ فِي العِراقِ وبَعْضِ البِلادِ والمُجْتَمَعاتِ العَرَبيّةِ ويَعْنِي السَّرِقَةُ والنَّهْبُ والسَّلْبُ خاصّةً بإسْتِخْدامِ القُوّةِ أوالإرْهابِ أو الخِلْسَةِ أو الحِيلَةِ بِجَهْلِ وقِلّةِ أخْلاقِ السّارِقِ، مَعَ ضَعْفِ وطِيبَةِ الضَحِيَّةِ أو المَسْروُقِ الذي يَعْجَزُ عَنْ الدِّفاعِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّعْفِ أو الأَخْلاقِ أو الطِّيبَةِ أو قِلّةِ الحِيلَةِ أو الصَّدْمَةِ أو حُبِّهِ لِوَطَنِهِ أو مَحَبَّةِ السَّلامِ. ويُطْلَقُ على مأْساةِ الفَرْهودِ اليَوْمَ بالهولوكوستِ العِراقِيِّ أو مَآسِيَ يَهُودِ العِرَاقِ، وهُوَ وهِيَ فِعْلاً كذلِك

ورَغْمَ الحِصارِ يَسْتَمِرُّ التَّعْميرُ، والمَجالِسُ ومَقَاهِيَ التَّحْريرِ، دِجْلةُ وأَبُو نُؤاسُ والسَّمَكُ والّليالِيَ والشَّبابُ والنِّسَاءُ والسَّهَرُ، صَوْتُ فَيْروزَ وَقْتُ الصَّباحِ وأُمُّ كلثومَ وَقْتُ السَّحَرِ، قِصَّةُ حُبٍّ مُعاصِرَةٌ والنَّجْمَةُ الجَّميلَةُ سُهير أَيَاد بِوَجْهٍ كالقَمَرِ، وإبْتِسَامَةٍ كالسِّحْرِ -- ولَهَا إبْداعٌ وتَّكْرِيمٌ وفَخْرٌ... ذِئَابُ اللَّيْلِ والتَّشْوِيقُ والكُلُّ فِي البُيُوتِ مَعَ العَصِيرِ والفَاكِهَةِ أو الشّايِ مَعَ الهَالِ "أَبُو الهِيلِ" يُحَضَّرُ...، إِخْتَفَتْ رُومَانسِيَّةُ السَبعينيَّاتِ بِأَغَانِيهَا وغَابَتْ، وإِخْتَفَى الطَّرَبُ الأَصِيلُ وبَكَتْ المُوسِيقَى وأُصُولُهَا الإِيقَاعِيَّةِ وتَغَيَّرَتْ، وأَصْبَحَ للأَغَانِيَ طَعْمٌ ومَذَاقٌ خَاصٌّ وغَرِيبٌ يَتَمَاشَى مَعَ "السَّاسَةِ" والسِّيَاسَةِ والأَغَانِيَ الوَطَنِيَّةِ، وإخْتَفَى العَصْفُ الذِّهْنِيُّ فَكَانَ البَدِيلُ هُوَ الأَلْحَانُ التُرَثِيَّةُ أَو التُّرْكِيَّةُ...، فَرَحُ والدّانَةُ والرَّشيدُ والأَجْراسُ وفِرَقٌ عِراقِيَّةٌ وخَلِيجِيَّةٌ...، الشَّبَابُ تِي فِي وهَيْثَم يُوسف وصَوْتُ الحَنِينِ والحَنَانِ، وأُمُّ كلثوم بِصَوْتِ قاسِم السُّلْطَان، ومَعَهَا أَلْحَانُ الأَغانِي التُرْكِيَّةِ بِنَكْهَةٍ جَمِيلَةٍ عِرَاقِيَّةٍ

وهُنَا أَقُولُ... الوَطَنُ "إِنْ وُجِدَ" فَهُوَ جَمِيلٌ ونِعْمَةٌ مِنَ الرَّحْمَن، والأَوْطَانُ "إِنْ وُجِدَتْ" فَكُلُّهَا جَمِيلَةٌ وجِنَانٌ -- والعَيْبُ والخَلَلَلُ، يَا سَادَة، لَيْسَ فِي السَّمَاءِ والأَرْضِ والخَلْقِ بَلْ فِي الإِنْسَانِ والبَشَرِ وخَلِيقَتِهِ، ولَيْسَ فِي الوَطَنِ بَلْ فِي المُوَاطِنِ وطَبِيعَتِهِ -- لَيْسَ فِي العِرَاقِ وحَضَارَتِهِ ورَوْعَتِهِ، ولَيْسَ فِي دِجْلَةَ الخَيْرِ والفُرَاتِ الذي ذُكِرَ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ وأَسْفَارِهِ، ولا فِي نَخِيلِ البَصْرَةِ وجَمَالِهِ وشَطِّ العَرَبِ وسِحْرِهِ وأَسْحَارِهِ، ولَيْسَ فِي أَسَدِ بَابِلَ وتَأرِيخِهِ، أَو أُورَ وبَيْتِ سَارَةَ وإِبْرَهِيمَ ومَلائِكَتِهِ، ولَيْسَ فِي المَلْوِيَّةِ والمَنَارَةِ والكَنَائِسِ والمَسَاجِدِ والمَعَابِدِ والجِّبَالِ والتِّلالِ والمَزَارِعِ والأَنْهَارِ والهَوَاءِ والصَّحْرَاءِ وبَغْدَادَ والتَّأرِيخِ ونَسِيمِهِ ونَسَمَاتِهِ، بَلْ كُلُّ العَيْبِ فِي مَنْ نَسِيَ أَو يَنْسَى كُلَّ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ ولَحَظَاتِهِ

والخَلَلُ فِي العِلْمِ إِذَا غَابَ، وفِي الجَّهْلِ إِذَا حَضَرَ، وفِي العَمِيلِ إِذَا أَمَرَ، فَصَارَ الإِنْسَانُ حَيَوَانَاً سَرَقَ وقَتَلَ وخَرَّبَ ودَمَّرَ!! وإنْ أرادَ العِراقيّونَ أو العَرَبُ أنْ يَبْنُو أوْطانَاً جَميلَةً يَفْخَرُونَ بِهَا ويَتَفاخَرُونَ لأجْيالٍ وأجْيالٍ، أو إنْ أرادَ البَشَرُ أنْ يَعِيشُو رَغَدَ الحَياةِ والأَمَانَ فِي الأَوْطَانِ، فَعَلَيْهِم أوَّلاً أنْ  يُحِبُّو الأرْضَ التي تُبْنَى عَلَيْها تِلكَ الأوْطانُ، وعَلَيْهِم أنْ يَعْلَمُو أنَّ الحُرُوبَ "غَيْرَ الدِّفاعِيَّةِ" هِيَ مِن فَصُولِ الأمْراضِ النَّفْسيَّةِ والإضْطِراباتِ العَقْليَّةِ، وأنَّ هُناكَ حُدُوداً للغَضَبِ والحِكْمَةِ، وفُرُوقَاً بَيْنَ التَرَيُّثِ والإسْتِكانَةِ، وبَيْنَ الصَّبْرِ والإنْدِفَاعِ، وبَيْنَ الشَّجاعَةِ والتَهَوُّرِ، وبَيْنَ التّعَاوُنِ والعَمَالَةِ، وخُطُوطَاً رَفيعَةً ودَقيقَةً ومَفْصَليَّةً بَيْنَ هذا وذاكَ وهذهِ وتِلْك

مِنْ ناحِيَةٍ أُخْرى، نَرَى كَيْفَ تَحَوّلَتِ السّعوديّةُ، مَثَلاً، مِن سِجْنٍ كَبيرٍ ودَوْلَةٍ مُخيفَةٍ يَحْكُمُها سَابِقَاً النِّفَاقُ والخَوْفُ والأمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ "حَسَبَ إعْتِقادِهِم" إلى دَولَةٍ جَميلَةٍ ومُتَطَوِّرَةٍ ومَحْبُوبَةٍ فِي أيَّامِنَا بِمُجَرَّدِ تَخَلِّيها عَنِ الوَهابيّةِ والتَعَصُّبِ والإنْغِلاقِ والعَمَالَةِ وجَهْلِ العُقولِ. وهَكذا، الدِّينُ والمَذْهَبُ والعُنْصُريَّةُ والقَومِيَّةُ يُمْكِنُ أن تَكونَ سُمُومَاً قاتِلَةً للمُجْتَمَعاتِ إنْ حَلَّ الجَّهْلُ فِيهَا، وهُوَ السُّمُّ القاتِلُ. وهذا فَصْلٌ مِنَ المُفِيدِ والمَنْطِقِ فيهِ أنْ أتَحَدّثَ بِكَلِماتٍ عَن مأسَاةِ ومَآسِ "الفَرْهُود،" والتي حَدَثَتْ فِي العِراقِ فِي سَنَةِ 1941 بَعْدَ فَشَلِ المُحاوَلَةِ الانْقِلابيّةِ التي قامَ بِها رَشيد عالِي الكيْلاني وعَساكِرٌ آخَرونَ للإطاحَةِ بالمَلَكيّةِ الدّستوريّةِ بِإسْنادٍ وتَخْطِيطٍ مِن هِتْلَر والإسْتِخْباراتِ الألمانيّةِ للرّايخِ الثالِث

إذَنْ، كانَتْ "خَطيئَةُ" إحْتِلالِ الكُوَيتِ، والتي كانَتْ بِدايَةُ نِهايَةِ العِراقِ، خَطيئَةٌ قَدْ لا تُغْفَرَ لِصَدّامِ حسين "سِياسِيّاً" لأنّهُ، بِهذِهِ الزَّلّةِ التأريخيّةِ، فَتَحَ بَابَ العِرَاقِ عَلى مِصْراعََيْهِ لِتَدْخُلَ مِنْهُ خَفافيشُ الظَّلامِ وتَتَغَذّى عَلى دِماءِ العِراقِيّينَ ودَمَارِ وادِي الرّافِدَيْنِ، وأعْطى عِمَامَاتِ إيرانَ، بِعِنادِهِ، فُرْصَةَ العُمْرِ فِي الإنْتِقامِ مِنَ العَرَبِ والعِراقِيّينَ والسَّيْطَرَةِ عَلى مَنْ يَستَطيعُونَ مِنْهُم، وإلى يَوْمِنَا!! ومِن أخْطاءِ صَدّام الأُخْرى أنَّهُ وَثِقَ بِبَعْضِ رُؤَسَاءِ العَرَبِ وأطْلَعَهُم عَلى أسْرارِ الدَّوْلَةِ العِراقيَّةِ وخاصَةً العَسْكَريَّةِ مِنْهَا، فَخانُوهُ وبَاعُو تِلْكَ المَعْلُوماتِ الحَسَّاسَةِ وحَصَلُو عَلى المَلايين مَعَ الهَدَايَا وإسْقاطِ الدّيُونِ! كذَلِكَ مِنَ الأخْطَاءِ أنَّهُ أعْطى لِعائِلَتِهِ وخَاصَةً إخْوَتِهِ القُسَاةِ والأشِدَّاءِ والفَاسِدِينَ وبَعْضِ مَنْ أحَبَّهم ومَنْ وَثِقَ بِهِم "أو ظَنَّ مُخْطِئاً أنَّهُ يَستَطيعَ الوُثوقَ بِهِم" سُلْطاناً وقُوَّةً وأصْبَحُو فِي مَواقِعِ السَيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ وعَلى رأْسِ الوِزَاراتِ السِّيادِيَّةِ وأَقْدَارِ المُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِيَّةِ، رَغْمَ تَعْلِيمِهِم المُتَوَاضِعِ أَو المَعْدُومِ وثَقَافَتِهِم التي لا أَسَاسَ لَهَا وإِنْحِطَاطِ مَا كانَ "البَعْضُ" عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وقَضَاءِ أَوْقَاتِهِم سُكَارَى فِي أَحْضَانِ الرَّاقِصَاتِ والغَجَرِيَّاتِ، فَكانُو عَليْهِ وعَلى العِراقِ وَبَالاً ولَعْنَةً وكانُو مِنْ أسْبابِ إضْعَافِ سُلْطَانِهِ وسُقُوطِ الدَّوْلَةِ

وأَعُودُ دائِمَاً إلى الثَّمانينيَّاتِ...، ومَرّتْ سَنَواتٌ، وأنتَصَرَ العِراقِيّونَ فِي عامِ 1988 بِدِماءِ العِراقِيّينَ وأمْوالِهِم وأمْوالِ "بَعْضِ" المُخْلِصينَ مِنَ العَرَبِ، رَغْمَ خِيانةِ "بَعْضِ" المُنافِقينَ مِنَ العَرَبِ! وكانَ الإِنْتِصَارُ الصَّعْبُ فِي شَهْرِ آبٍ أَغُسْطُسَ وهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنَ سَنَةِ العِرَاقِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَرْضِهِ الزَهِيَّةِ وأُصُولِهِ الآشُورِيَّةِ السُّرْيَانِيَّةِ. وأُعْلِنَ بَيَانُ "النَّصْرِ" بِالصَّوْتِ المُرَادِ، وتَجَرَّعَ الخُمَيْنِيُّ السُّمَّ وأَعْلَنَ وَقْفَ القِتَالِ وبَكَى الإِيرَانيُّونَ ورَقَصَ العِرَاقِيُّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ "العَظِيمِ" فِي البُيُوتِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ وأُزِيلَتْ رَايَاتُ الحِدَادِ، وأُطْلِقَ الرَّصَاصُ فِي الهَوَاءِ والسَّمَاءِ، فِي أَيَّامِ أَغُسْطُسَ وكانَ عَدَدُ أَيَّامِهِ 31 يَوْماً مِنَ الرَّقْصِ والفَرَحِ والغِنَاءِ. وحَصَلَ بَعْدَهَا تَقَارُبٌ "نادِرٌ" بَيْنَ العِرَاقِ ودُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ والعَرَبِ وكانَتْ أَوْقَاتُ إنْسِجَامٍ وصَفَاءٍ، أو هُدُوءٍ يُحَذِّرُ بِعَاصِفَةٍ مَا، وتِلْكَ العَاصِفَةُ كانَتْ... لَعْنَةُ الكُوَيت

وهُنَا أعُودُ قَليلاً فِي العُقُودِ، وأُجِيبُ عَلى ذَاكَ السُّؤالِ المَعْهُودِ: مَنْ هُوَ جَمَال عبد النّاصِر؟؟ هُوَ عَسْكَريٌّ مِصْرِيٌّ مَجْهُولٌ لَمْ تُعْرَف عَنْهُ الشّجاعَةُ والسِّيَاسَةُ والعَقْدُ والحَلُّ، بَلْ عُرِفَ عَنْهُ التَّسَرّعُ والكَثيرُ مِنَ الحَمَاقةِ والجَّهْلِ وقِلّةِ العَقْلِ، كمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ البَعْضِ مِنْ رِفَاقِ دَرْبِهِ وضُبّاطٍ مِنَ الغَرْبِ حَتّى مِنَ الحُلَفاءِ الرُّوسِ أَو السُّوفييتِ قَبْلَ أَنْ يُحَلَّ، وكانَ مُنافِقٌ بَارِعٌ كمَا وَصَفَهُ أحّدُ رِفاقِهِ فِي حَديثٍ "خاصٍّ" مَعَ إحْدى جَمِيلاتِ الفَنِّ فِي ليلَةٍ حَمْراءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَلَلٌ. وكانَ عبدُ النّاصر مَهْووسَاً بالإِنْفِرادِ والزَّعَامَةِ وكانَتْ النَّزْعَةُ الدِّكتاتوريّةُ تَمْلأَ قَلْبَهُ مُنذُ الصِّغَرِ. وكانَ "سِرَّاً" أَو "عَلَناً" مِنْ عُشَّاقِ هِتْلَر! وقالَ عَنْهُ أَحَدُ عُلَمَاءِ النّفْسِ والتَّحْليلِ فِي النّمسَا بأنَّهُ، أَيْ عبد النّاصِر، كانَ يَخَافُ الغَدْرَ بِهِ والتَّخَلُّصَ مِنْهُ بأَيِّ لَحظَةٍ وفِي أَيِّ وَقْتٍ وأَمْرٍ. وَمِنْ كوَابِيسِهِ اليَوْميَّةِ كانَ الفَزَعُ والخَوْفُ مِنَ المَجْهولِ، ورُبَّمَا، وهُنَا أُضِيفُ وأَقُولُ، كانَ هَذا سَبَبَاً فِي تَجَسُّسِهِ عَلى الكَثيرِ مِنَ القادَةِ والوُزَراءِ والأَصْدِقاءِ العَرَبِ بَلْ وحَتّى الفَنّانينَ ومِنْهُم أُمّ كلثوم وعبد الحَليم وفاتِن حَمامَة وسُعاد حُسنِي وعُمَر الشّريف وغَيرِهِم، وإِرْهَابِهِم وتَسْجيلِ جَلَسَاتِهِم ومُكالَمَاتِهِم، ومِنْهَا العَاطِفيّةِ، رُبَّما، لإبتِزازِهِم لاحِقاً أَو عَلى أَقَلِّ تَقْديرٍ لِلسَيْطَرةِ عَليْهِم وإِستِخْدامِهِم فِي أُمُورٍ "خَاصّةٍ" فيمَا بَعْد! وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ هُوَ مَآلُ الكَلامِ، إذْ يَعتَقِدُ الخائِنُ أَنَّ النَّاسَ كُلُّهُم خَوَنَةٌ، ويَظُنُّ الكاذِبُ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ ويُحيطَ بِهِ كاذِبُونَ بَلْ وكَذّابُونَ! لِهَذا غَدَرَ ناصِرُ بِقائِدِهِ وقَتَلَ أَصْحابَهُ ورِفاقَهُ، لكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِي

كانَ مَا كانَ، فِي رَوْعَةِ الزَّمَانِ، كانتْ خِطاباتُ المُلُوكِ والوُزَراءِ والرُّؤسَاءِ فَخْراً في البَلاغَةِ والخَطَابَةِ والإتْقانِ، وأمّا اليَوْمَ، فَكَلِمَاتُ وخِطاباتُ الرُّؤسَاءِ والوُزَراءِ والمَسْؤولينَ فَضَائِحٌ في الفُصْحَى وأخْطاءٌ في اللّغاتِ يَخْجَل مِنْها البَشَرُ، وأصبَحَتْ مَخَارِجُ الحُرُوفِ كَ "صُراخِ" خَرُوفِ البَحْرِ، وخَرُوفُ البَحْرِ هُوَ النّادِرُ في الحَيَواناتِ المَائِيّةِ، وأنْهارَتِ اللغةُ العَرَبيّةُ، وأصْبَحَ "المَسْئُولونَ والمُتَحَدِّثونَ" يَحْتارونَ بينَ اللغةِ العَرَبيّةِ وهُمْ لَهَا جاهِلون، وبينَ اللغةِ الفارِسِيّةِ وهُمْ لَهَا عارِفون! وأصبَحَ خِطابُ المَسْؤولِ اليَوْمَ أشْبَهَ بِمَلْحَمَةِ الحُبِّ والدُّمُوعِ ولَيالِ الغَرَامِ والشّمُوعِ "الحَلَزُونة" للزَّعيمِ عادِل إمام! وأصْبَحَ الرّؤسَاءُ والوُزَراءُ والنُّوّابُ والصَّحَفِيُّونَ أو "الإعْلامِيُّونَ" يَنْصِبونَ الفاعِلَ ويَرْفَعونَ المَفْعولَ بِهِ ويَنْصِبونَ إسمَ كانَ ويَرْفَعونَ إسمَ إنّ...، وقَلَبُو الطّاوِلَةَ عَلى النَّحْوِ والبَلاغَةِ إنْ كانُو يُسَجِّلُونَ أو عَلى أو تَحْتَ الهَوَاءِ، وأصْبَحَ المُذِيعُونَ والمُحَرِّرُونَ والمُتَرْجِمُونَ والمُدَرَاءُ ورُؤَسَاءُ التَّحْريرِ وأصْحَابُ أو "مُلاَّكُ" القَنَوَاتِ، مَثَلاً، كَيْ أتَحَدَّثَ قَليلاً عَن الإعْلامِ المُنْهَارِ، لا يَسْتَطِيعُونَ إنْهاءَ مُوجَزٍ أو نَشْرَةٍ أو لِقَاءٍ أو بَرْنَامَجٍ أو مُقَابَلَةٍ أو مُدَاخَلَةٍ مَا دُونَ إرْتِكَابِ أخْطَاءٍ غَريبَةٍ وبَسِيطَةٍ لا يَقَعَ فِيهَا "خِرِّيجُو" المَرْحَلَةِ الإبْتِدائيَّةِ

وهّذا هُوَ الحَالُ فِي أيَّامِنَا فِي القَنَواتِ العِراقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ وخاصَةً فِي الخَليجِ العَرَبِيِّ "والذي تُعانِيَ فِيهِ اللُغَةُ العَرَبيَّةُ الفُصْحَى بِشِدَّةٍ" حَيْثُ أصْبَحَ قِيَاسُ ومِقْيَاسُ التَّوظِيفِ فِيهَا عِلاقَاتِ "الرَّجُلِ" مَعَ المُدَرَاءِ والأقْرِبَاءِ، أو جَمَالَ "المَرْأةِ" ودَلالَهَا لِيَكُونَ هَذا وذَاكَ هُوَ ال "سِي فِي" المُعْتَمَدُ!! إيهٍ وإيهٍ... أُرْقُدْ بِسَلام يا جَاحِظ! نَعَم، لا إنْكَارَ فِي أَنَّ نِسَاءَ العَرَبِ هُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، لكِنَّ جَمَالَ الثَّقَافَةِ والأُنُوثَةِ والهُدُوءِ والقَلْبِ النَقِيِّ هُوَ الأَبْقَى. وعِندمَا كُنَّا أطْفَالاً وصِغَاراً ونَرَى ثَقَافَةَ المُذِيعينَ وجَمَالَ وثَقَافَةَ المُذِيعاتِ ونَسْألُ عَن أَسْرارِهَا كانَتْ الإجَابَةُ سَريعَةً وبَسِيطَةً وهِيَ المَوْهِبَةُ والتَّدْرِيبُ. إذَنْ، فالمَوْهِبَةُ دُونَ تَدْريبٍ لا بُنْيَانَ لَهَا، والتَّدْريبُ دُونَ مََوْهِبَةٍ لا أسَاسَ لَهُ. ورُبَّمَا غابَتْ المَوْهِبَةُ فِي أَيَّامِنَا وغابَ مَعَهَا التَّدْريبُ أيْضَاً! واللُغَةُ العَرَبيَّةُ جَمِيلَةٌ وسَاحِرَةٌ ولا تَسْتَحِقَّ العَبَثَ والجَّهْلَ الذي نَرَاهُ اليَوْمَ فِي الفَضَائِيَّاتِ وعَلى الشَّاشَاتِ، ولَيْسَ العَيْبُ أنْ يُدَرَّبَ المُذِيعُونَ بَيْنَ الحِينِ والآخَر، بَلْ العَيْبُ أنْ تَسْتَمِرَّ أَخْطَاءُ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ

وهُوَ أَشْبَهُ بِالوَزِيرِ اللُبْنَانِي جُبْرَان بَاسِيل الرَّاقِصِ عَلى الحِبَالِ السِّيَاسِيَّةِ، وشِعَارُهُمَا "مَن يَتَزَوَّجَ أُمِّي يَكُونَ عَمِّي... ويِدَلَّل!!" وبَاسِيلُ هَذا يُذَكِّرُنِي بالسِيركِ الشَّعْبِيِّ وخَاصَّةً "أبُو الثَّلاثِ وَرَقَاتٍ" وقَدْ نَعَتَهُ أحَدُ وِزَرَاءِ أُوروبّا بَعْدَ لِقَاءِهِ بِقَرَقُوزِ حِزْبِ اللهِ والعِمَامَاتِ

فالمَالِكِي يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي أنْفِهِ أمامَ النّاسِ والكاميرا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا! والجَّعْفَرِي "يُونس شَلَبي العِراقِ، مَعَ الإعْتِذارِ لِروحِ الفَنّانِ المَحْبُوبِ" يَتَحَدّثُ عَشْرَ ساعاتٍ دُونَ أنْ يَقولَ شَيئاً مَا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا! والعبادِي يُحَاوِلُ جاهِداً ولِسَاعَاتٍ أنْ يَربِطَ ويُمْسِكَ بَنْطَلُونَهُ أمَامَ النّاسِ والكاميرا لِيَمْنَعَهُ مِنَ "الإنْزِلاقِ" دُونَ جَدْوَى، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا

والوَزِيرُ الذي أَقِسَمَ فِي "التَّسْرِيبَاتِ" أَنْ "يَنْسُخَ" تَعْلِيمَ إيرَانَ فِي مَدَارِسِ العِرَاقِ والجَّامِعَاتِ -- بِكُلِّ طَائِفِيَّتِهِ وأَحْقَادِهِ، واليَوْم، حَوِّلَ تَعْلِيمَ العِرَاقِ المَعْهُودِ إلى رَمَادٍ وفُتَاتٍ! والمُوسَوِيّ والرَّغْبَةُ فِي الإنْتِقامِ مِنَ أصْحابِ الشَّهاداتِ -- لِعُقْدَةٍ فِي نَفْسِهِ بِحِرْمانِهِ مِنْهَا حّتّى الإبْتِدائِيَّاتِ! والرُّبَيْعي أرَادَ قَتْلَ العِراقِيّينَ وعُرِفَ عَنْهُ الإضْطِرابُ النَّفْسِيُّ وغَرَابَةُ العَادَاتِ! ثُمَّ نَأتِيَ إلى مُهَنْدِسِ إحْتِلالِ بَغْدَادَ وتَدْمِيرِهَا - هُولاكُو العَصْرِ الحَدِيثِ - الجَّلَبِي "الدُكتُورِ صَاحِبُ الشَهَادَاتِ بِعَلامَاتِ إسْتِفْهَامِهَا" وتَزْوِيرُ الحَقَائِقِ والوَثَائِقِ والتَّسْرِيبَاتِ، بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ ثُمَّ إِشْتَرَى ثُمَّ تَاجَرَ ثُمَّ بَاعَ العِرَاقَ لِلمُخَابَرَاتِ الأَمرِيكيَّةِ بِالمُسْتَنَدَاتِ، وسَرَقَ مَصَارِفَ بَغْدَادَ والبَنْكَ المَرْكَزِيَّ، ولَمْ يَكْتَفِي، فَسَرَقَ الآثَارَ والمُقْتَنَيَاتِ

أَيًعْقَلُ أَن يَحْكُمَ "هَؤُلاءُ" أَرْضَاً هِيَ الاَقْدَمُ والأَرْقَى لِمَنْ سَكَنَ الأَرْضَ ومَنْ فِيهَا ومَا عَلَيْهَا؟! يَحْكُمُونَ أَوَّلَ مَنْ حَرَثَ الأَرْضَ وأَسَّسَ للبَشَريَّةِ نُظُمَ الزِّرَاعَةِ والرَّيّ والإرْوَاءِ والمَسَاحَاتِ -- أَوَّلَ مَنْ حَلَّلَ الأَرْقَامَ وحِسَابَاتِ المُثَلَّثَاتِ، والرِيَاضِيَّاتِ وحِسَابَاتِ الأَيَّامِ والأَوْقَاتِ والسَّاعَاتِ، والتَوْقِيتَ والفَلَكَ والفُصُولَ -- أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ للكِتَابَةِ إِسْمَاً وأُسَسَاً وعَلامَاتٍ وأُصُولٍ -- أَوَّلَ مَنْ أَسَّسَ شَرِيعَةً إجْتِمَاعِيَّةً وأَخْلاقِيَّةً لِتَأْسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ مَدَنيَّةٍ لِذَوِي العُقُولِ، تَعِيشُ بِسَلامٍ ورُقِيٍّ وإحْتِرَامٍ للقَانُونِ والمُؤَسَّسَاتِ؟! الأَرْضُ الوَحيدَةُ التي وُجِدَتْ فِيهَا وعَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ حَضَارَةٍ فِي حَضَارَاتٍ -- أَرْضٌ إخْتَارَهَا اللهُ لِآدَمَ ونُوحٍ وإِبْرَاهِيمَ أَبِ الأَدْيَانِ -- حَضَارَةُ الحَضَارَاتِ، مَشَارِيعُ الجِّنَانِ، الأُولَى فِي قِدَمِ الوُجُودِ، قَبْلَ الكُتُبِ والعُهُودِ والوُعُودِ... قَبْلَ وَادِي السِّنْدِ ومِصْرَ والمَايَا والصِّينِ والسُّلالاتِ، قَبْلَ قَدِيمِ المَخْطُوطَاتِ! غَوْغَاءُ الأَيَّامِ والجُهَّالُ والجُّهَلاءُ والعُمَلاءُ، يَحْكُمُونَ مُنْذُ سَنَةِ 2003 أَوَّلَ وأَوَّلَ وأَوَّلَ كُلِّ شَيءٍ وبِدَايَاتِ الأَشْيَاءِ!! أَهِيَ الأَقْدَارُ والشَمْسُ والقَمَرُ ولُعْبَةُ الأَرْضِ والدَوَرَانِ، أَم هِيَ الأُمَمُ والعُرُوشُ والزَّمَانُ والأَزْمَانُ؟ أَم كَمَا قَالَتْ الوَزِيرَةُ الشَّقْرَاءُ مُخَاطِبَةً الشَّعْبَ العِرَاقِيَّ "أَنْتَ شَعْبٌ مُنَافِقٌ وجَبَانٌ؟!" أَم هِيَ إيرانُ ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا والمَكَانِ؟ أَم هِيَ جِيرَةُ الإنْسَانِ للإِنْسَانِ؟! أَم، أَم، أَم...؟

لا تَتَعَجّبْ، هَذا سُلُوكُ الغَوْغاءِ والمُنافِقينَ، وهَذا الزَمَانُ إذا إنْقَلَبَ، وهَكذا هِيَ لَعَناتُ الرَّبِّ. فَهُناكَ شُعُوبٌ قالَتِ "نَحْمَدُ السَّمَاوَاتِ" عَلى نِعْمةِ الأَبِ الصّالِحِ مِثلَ الإمَاراتِ، عِندما أهْداهُمُ اللهُ زايِدَ، وهُوَ طَيِّبٌ وحَكِيمٌ، فَحَافَظو عَلَيْهِ وعَلى بِلادِهِم وشَكَرُو الرَّحمَنَ الرَّحِيمَ، وأُنْظُرْ إلى الإماراتِ اليَوْمَ في هُدُوءٍ وَرَخَاءٍ. أو أُنْظُرْ إلى لُبْنانَ، عِندمَا وُلِدَ لَهُم القائِدُ المُحِبُّ لِوَطَنِهِ بَشيرُ الجمَيّل، لكِنّهُم لَمْ يُحافِظو عَلَيْهِ كمَا يَجِبُ، كَمَا أرَادَ الرَّبُّ، كمَا أرَادَتْ العَذْراءُ، فَقُتِلَ الشّابُّ الشَّهيدُ وَبَكَتْ السَّمَاءُ، وأنظُرْ إلى لُبنانَ اليَوْم، إيرانِيُّونَ وسُوريُّونَ وعِراقِيُّونَ وفِلِسْطينيُّونَ ومُرْتَزَقَةٌ آخَرُونَ، فِي صُورَ وصَيْدا وبَيْرُوتَ والجَّنُوبِ والجِّبَالِ يَعْبَثونَ، يَقْتُلونَ وَيغْتالُونَ، والقَنَابِلَ يُفَجِّرونَ...، هَكذا هُوَ الأمْرُ

وبَدَأَتْ صِرَاعَاتُ "آلِ" طالباني وبارزاني والحِزْبَيْنِ، إذْ هُمْ تارَةً يُحِبُّونَ صَدّامَ وتارَةً يَكْرَهُوهُ، وتارَةً يَتَحالَفونَ مَعَ إيرانَ فَيَشْتِمُو صَدّامَ وفِي الجِّبَالِ يُقاتِلُوهُ، ثُمَّ تَحِينُ السّاعَةُ وتَتَغَّيرَ حِسَاباتُهُم فَيُقاتِلُو إيرانَ ومُرْشِدَ إيرانَ يَسِبُّونَ، فَتَضرِبُهُم إيرانُ والبَعْضُ بِالغَازِ السَامِّ "الذي إشْتَرَوْهُ مِنَ الوُسَطَاءِ" ويُقْتَلَ المِئاتُ مِنَ الأبْرِيَاءِ، أطْفَالٌ ورِجَالٌ ونِسَاءٌ، فِي السُلَيمَانيَّةِ وهُنَا وهُنَاكَ فيَنْدَمُونَ ويَعُودُونَ، ومَعَ صَدّام مَرَّةً أُخْرَى يَتَحَالَفُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَخْتَلِفونَ وعَلى سُلْطانِ الشَّمَالِ والثَرَوَاتِ يَتَقَاتَلُونَ، ثُمَّ يَتَّصِلَ أحَدُهُم بِصَدّام "مَرَّةً أُخْرَى" ويَتَّفِقُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَتَصالَحَ الحِزْبَان ثُمَّ يَتَقاتَلونَ، وصَدّامُ يَصْرُخُ "يَا صَبْرَ أيُّوب، فَهُمْ فِي النِّهَايَةِ عِراقِيُّونَ،" وهّكذا دَوّخِينِي يَا لَمُونَة

وكانَ مَا كانَ، حَتّى إسْتَقَرَّ الأمْرُ "رُبَّمَا" فِي الشَّمَالِ وسُمِّيَ كُردِسْتَان. والشَّمَالُ يَتَأرْجَحُ بَيْنَ الوَطَنِ الواحِدِ وحِلْمِ الإسْتِقْلالِ، لكِنَّ الإسْتِقْلالَ دُونَ نَفْطِ كركوكَ إنْتِحَارٌ سِياسِيٌّ، وقُوَّةُ الإقْتِصَادِ لِتَأْسِيسِ الأوْطَانِ شَرْطٌ أسَاسِيٌّ، والأَعْدَاءُ فِي كُلِّ إِتِّجَاهٍ كَثيرُونَ، أردوغانَ وسُوريَةُ وإيرانَ، وعَرَبُ العِرَاقِ وشِيعَتُةُ حَانِقُونَ، وكُلُّهُم لِأَحْلامِ الكُرْدِ رافِضُونَ، إلاّ إذَا دَخَلَ عَلى الخَطِّ العالَمُ "الخَاصُّ" وإسْرائيلُ والأَمريكان، عِنْدَهَا "يَكُونُ الصَّبْرُ هُوَ كَلِمَةُ السِرِّ" حَتّى يأتِيَ وَزِيرٌ مِنَ الشَّرْقِ ورَئِيسٌ مِنَ الغَرْبِ، فيُهْزَمَ الشِّيعَةُ وتُقَطَّعَ حِبَالُ إيرانَ، مِنْهُم هُنَا وهُنَاكَ مِنْ أَهْلِ العَرَبِ، وتَشَاءُ الأعْمَارُ والأقْدَارُ رَحيلَ أردوغانَ، بَعْدَهَا يَتَحَقَّقُ الحِلْمُ الوَرْدِيُّ، ويَكُونُ الإسْتِقْلالُ لِيُرْفَعَ عَلَمُ كُرْدِسْتَانَ وإسْرائيلَ وتُؤسَّسَ دَوْلَةُ مادِي، ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ المَحْتُومُ ومَا كُتِبَ، عِندَهَا يَرْقُصُ الشَّعْبُ الكُرْدِيُّ، ومَعَهُ يَرْقُصُ الشَّعْبُ الإِيزِيدِيُّ، العَاشِقُ للحَيَاةِ والسَّلامِ الأَبَدِيِّ، لِيَهِلَّ الرَّبِيعُ بَعْدَ المَطَرِ، لِنَسْمَعَ المُوسِيقَى فِي ضَوْءِ الصَّبَاحِ عِنْدَ الفَجْرِ، وهَذا فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ والّلاهُوتِ قَدَرٌ مَكْتُوبٌ، وفِي عِلْمِ السِّياسَةِ والإجْتِمَاعِ أمْرٌ مَطْلُوبٌ... هِيَ مَسْألَةُ وَقْتٍ لَيْسَ إِلاّ

والجُهَلاءُ والجُهَّالُ يُقَادُونَ كالحَمِيرِ يَمِينَاً مِنْ أَهْلِ العُسْرِ أَو هُمْ مِنْ أَهْلِ اليَسَارِ واليُسْرِ، ولَطْمٌ وسَوَادٌ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقَاتِ ولا مَمَرَّ أَو مَفَرَّ، وإنْهَيَارُ التَّعْلِيمِ والقَضَاءِ بَعْدَ كُلِّ غَزْوٍ هُوَ قَضَاءٌ وقَدَرٌ، والعِلْمُ والعَدْلُ هُمَا أسَاسُ المُجْتَمَعَاتِ الإنْسَانيَّةِ مُنْذُ خَلَقَ الرَبُّ البَشَرَ... وهَكذا، بِسُقُوطِ العِلْمِ والعَدْلِ سَقَطَ الوَطَنُ الحُرُّ! وبَدَأَتْ لُعْبَةُ العُرُوشِ والكَرَاسِيَ والحُكُومَاتِ، وبَدَأَ عَصْرُ الطَّائِفيَّةِ، ولَمْ يَتَعَلَّمَ "البَشَرُ" والعَرَبُ والعِرَاقيُّونَ مِنْ لُبْنَانَ فِي سَنَةِ 1990 بَعْدَ نَتَائِجِ ونِهَايَاتِ ومَآسِي الحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ ولَعْنَةِ الطَّائِفيَّةِ بَعْدَ تَأْسِيسِ حِزْبِ اللهِ الإِيرَانِيِّ-الُّلبْنَانِيِّ فِي سَنَةِ 1982 بِفَتَاوٍ فَارِسيَّةٍ وأَيَادٍ فِلِسْطِينيَّةٍ وأَسْلِحَةٍ سُورِيَّةٍ وأَمْوَالٍ لِيبيَّةٍ ومُبَارَكَةٍ "إِسْرَائِيليَّةٍ" وحَفَلاتٍ لُبْنَانِيَّةٍ-إِسْرَائِيليَّةٍ رَقَصَتْ فِيهَا العِمَامَةُ الإِيرَانِيَّةُ مَعَ السِّلاحِ الإِسْرَائِيلِيِّ فَكانَتْ الصُّحْبَةُ الحَقِيقيَّةُ والصَّدّاقَةُ الأَبَدِيَّةُ والأَعْرَاسُ الكاثُولِيكيَّةُ، ومُدَّتْ فِيهَا مَوَائِدُ ومَائِدَاتُ الرَّحْمَنِ، وذُبِحَ فِيهَا السَّمِينُ مِنَ الخِرَافِ والخِرْفَانِ، فَكَانَتْ بِدَايَاتُ نِهَايَاتِ لُبْنَانَ ودَمَارِهِ وحُرُوبِهِ ودُمُوعِهِ والدُّرُوسِ التَّأرِيخيَّةِ

نَحْنُ نَعْلَمَ، أو بالنِّسْبَةِ لِي، أنّ الإجْرامَ والجَّريمَةَ والغَدْرَ مَعَ الخَلْقِ والإنْسانِ قَدْ بَدَأَ وخُلِقَ، فأولادُ آدَمَ كانَ فيهِم الخَيْرُ والشَّرُّ، وكانَ فِيهِم الصّالِحُ يَرْعَى الخِرافَ وقَدَّمَ أفْضَلَ خِرافِهِ قُرْباناً للرَّبِّ لأنَّهُ أحَبَّ الرَّبَّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِقَلْبِهِ -- وأخٌ آخَرُ زارِعٌ للأرْضِ والحَرْثِ كانَ فيهِ شَرٌّ وأحَبَّ نَفْسَهُ أكْثَرَ مِنَ الرَّبِّ، وجَمَعَ الشِّرّيرُ الفاسِدَ مِنْ زَرْعِهِ وقَدَّمَهُ قُرْباناً للرَبِّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِعَقْلِهِ لا بالقَلْبِ، ونَسِيَ أنَّ اللهَ رَبٌّ للقُلُوبِ قَبْلَ العُقُولِ، فَتَقَبَّلَ اللهُ قُرْبانَ الصّالِحِ ورَفَضَ نِفاقَ الشِّرّيرِ، فَغَضِبَ الشِّرّيرُ وغارَ وكَرِهَ أخَاهُ وحَقَدَ عَلَيْهِ، والحِقْدُ مِنْ مَقَاماتِ العاطِفَةِ وفُصُولِ شَرِّها، وقَتَلَهُ وحَدَثَ هذا فِي بِداياتِ الخَلْقِ والأيَّامِ بِوُجودِ الرَّبِّ والخالِقِ وحُكْمِهِ...، فَكَيْفَ بأيَّامِنَا ولَمْ تَبْقَى إلاّ الكِتاباتُ والكُتُبُ، والخالِقُ بَعِيدٌ وقَريبٌ؟! وهَلْ يَكُفَّ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ وقَتْلِهِ لِأخيهِ دُونَ رَقيبٍ؟

أنَا أعْتَبِرُ، مَثَلاً، أنَّ هِتْلَر هُوَ مِنْ أشَدِّ الزُّعَماءِ إجْراماً فِي تأريخِنا المُعاصِرِ، فَلَو أجْرَيْتُ مَسْحَاً إجْتِماعِيَّاً وسِياسيَّاً للتأريخِ لَوَجَدْتُ مُجْرِمينَ وقَتَلَةً هُنَا وهُنَاك، وكُلٌّ لَهُ أَسْبابُهُ وأَوْهامُهُ الصَّغيرَةُ والكبيرَةُ، مِثْلَ هُولاكو الذي قَتَلَ أَهْلَ بَغْدادَ وأبْكى دِجْلَةَ وأَحْرَقَ بَغدادَ ومَعَهَا كُتُبَ السَّماءِ والأرْضِ...، إِلى ستالين الذي قَتَلَ وعَذَّبَ المَلايينَ فِي مُعَسْكَرَاتِ سيبِيريَا البَارِدَةِ وأُهْمِلُو ودُفِنُو فِي ثُلُوجِهَا لِتَكُونَ الأُمُّ الطَّبِيعَةُ الحَزِينَةُ والحَنُونُ، كالعَادَةِ، مَقْبَرَةً لِأَوْلادِهَا البَشَرِ الذينَ أَحْزَنُوهَا وأَتْعَبُو قَلْبَهَا

إلى تشِرشِل الذي عَشِقَ الخَمْرَ والسِّيكَارَ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ والقَتْلَ، فَقَتَلَ عَشَائِرَ العِراقِ بالغازِ فِي العِشرينيَّاتِ وأحْرَقَ مُدُنَ أيرلندا الثَّائِرَةَ وجَوَّعَ وقَتَلَ أهْلَهَا ومَحَى بِحِقْدِهِ وجُنُونِهِ الأَجْيَالَ، فَقَط، لأنَّهُم أرادُو الحُريَّةَ والكَرامَةَ والإسْتِقْلالَ

لكِنَّ هِتْلَر قَتَلَ المَلايينَ بأجْسادِهِم وأرْواحِهِم وآمالِهِم، وأجْيالُهُ يَقْتُلُونَ إلى يَوْمِنا...، فَقَد قَتَلَ اليَهودَ الألمانَ والأُوروبّيينَ مِن الأَبْرياءِ والعُلَماءِ والأَطِبّاءِ، والمُدَرِّسِينَ والمُهَنْدِسينَ وأَرْقى الفَنَّانينَ والمُخْرِجِينَ والمُبْدِعِينَ والرَّسّامينَ والأُدَبَاءِ، وأيْضاً أفْضَلَ عازِفِي المُوسِيقى عَلى الإطْلاقِ، وحَتّى مَنْ كانَ مِنْهُم مِنْ أَصْدِقائِهِ والأَقْرِبَاءِ! وقَتَل ذَوِي الإحْتِياجاتِ الخاصَّةِ والمَرْضى والفُقَراءَ، وذَوِي الإِضْطِرَابِ الإِجْتِمَاعِيِّ والخَوْفِ المُجْتَمَعِيِّ لِيُحافِظَ عَلى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ مِنْ "شَرِّ" الإِسْرَافِ وضَيَاعِ المَالِ عَلى "التَّفَاهَاتِ" والسُّلالاتِ التي لا "جَدْوَى" مِنْهَا وأَيْضَاً لِلحِفَاظِ عَلى الجُذُورِ الأَلْمانِيَّةِ والذُريَّةِ الآرِيَّةِ وسُلالَتِهِ النَقِيَّةِ والحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنْ الإِنْحِرَافِ والتَّشْوِيهِ والتَّغْيِيرِ كمَا قَالَ -- رَغْمَ أنَّهُ مَريضٌ بإِضْطِرابٍ عَقْلِيٍّ ولَهُ سِجِلٌّ مُفَصَّلٌ بِهذا

وقَتَلَ مُعارِضِيهِ مِنَ المَسِيحيّينَ والمُسْتَقلّينَ والشُيوعيّينَ والمُخالِفينَ مِنَ السّياسيّينَ، وقُتِلَ بِسَبَهِ آلافُ المُسْلِمينَ مِنَ المُقاتِلينَ الذينَ دَفَعَ بِهِم المُنافِقُ أمينُ الحُسَيْنِي مُفْتِي القُدْس لِيُقْتَلُو فِي سَبيلِ "تَحْريرِ القُدْسِ!!" ورَغْمَ كُلِّ هذا تَظْهَرُ صُوَرُ هِتْلَر هُنا وهُناكَ فِي صَفَحاتِ التّوَاصُلِ العَرَبيَّةِ فِي أيّامِنَا إحْتِفاءً بِهِتْلَر وحِقْداً عَلى إسْرائيلَ، والسَّبَبُ، كالعادَةِ، هُوَ جَهْلُ العَرَبِ بالسِّيَاسَةِ والأَحْدَاثِ والتَأرِيخِ

ونَسِيَ الكَثِيرُ مِنْ تُجَّارِ السِّيَاسَةِ والدِّينِ فِي بِلادِ العَرَبِ أَنَّ الأَرْضَ كانَتْ وبَقِيَتْ وقُدِّرَ لَهَا أَنْ تَكُونَ كُرَوِيَّةَ الشَّكْلِ دُونَ زَوَايَا، وإِنَّ أَعْدَاءَ الأَمْسِ هُم أَصْدِقَاءُ اليَوْم، وإِنَّ أَصْدِقَاءَ اليَوم قَدْ يَكُونُو أَعْدَاءَ الغَدِ -- وأَنَّ اللهَ يَضَعُ أَسْبَابَاً لِلأَسْبَابِ، ولا يَعْلَمُ الإِنْسَانُ مَنْ يُسَاعِدُ مَنْ، ومَنْ يَتَآمَرُ عَلى مَنْ

مَثَلاً، فِي حَرْبِ 1948 والتي غَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ فُصُولِ التأرِيخِ بَيْنَ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ، وفِي وَقْتٍ كادَ العَرَبُ فِيهِ بِكُلِّ جُيُوشِهِم أَنْ يُدَمِّرُو إِسْرَائِيلَ، كادَتْ الحَرْبُ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهَزِيمَةٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ قَاسِيَةٍ، لكِنَّ مَا حَدَثَ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الحَرْبِ أَثْبَتَ قَطْعَاً أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُدْرِكُ مَقَادِيرَ الأُمُورِ وأَقْدَارَ السَّمَاءِ ومَا يَكُونُ -- عِندمَا أُنْقِذَتْ إِسْرَائِيلُ بِطَائِرَاتِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ التي قَلَبَتْ مِيزَانَ القُوَى فِي الحَرْبِ التي غَيَّرَتْ الكَثِيرَ مِنْ أَقْدَارِ العَرَبِ

كَيْفَ؟ فِي خِضَمّ الحَرْبِ والحَيَاةِ والصُّعُوبَاتِ قَامَتْ جُولدا مَائِير، التي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا إِحْدَى أَذْكى نِسَاءِ الأَرْضِ، بِجَمْعِ الكثِيرِ مِنْ أَمْوَالِ المُتَعَاطِفِينَ فِي الولايَاتِ المُتَّحَدةِ وأُورُوبّا، وإِلْتَقَتْ سِرَّاً وعَلَنَاً ولَيْلاً ونَهَاراً، رَغْمَ آلامِهَا ومَرَضِهَا، بِسَادَةِ وأَسْيَادِ الكوَالِيسِ وأَشْبَاحِ السَّفَارَاتِ وتُجَّارِ السِّلاحِ، فَكانَتْ جُهُودُهَا، بِالإِضَافَةِ إِلى قَرَارِ ستالِين المُنْتَصِرِ بِدَعْمِ القَضِيَّةِ الصِّهْيُونِيَّةِ، عَامِلاً غَيَّرَ كُلَّ شَيءٍ فِي الحَرْبِ والسَّلامِ

وأَمَّا مِصْبَاحُ عَلاءِ الدِّينِ فَكانَ حُصُولُ جُولدا مَائِير عَلى بَعْضِ الصَّفَقَاتِ ومِنْهَا مَخْزُونَاتِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ وطَائِرَاتِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ التي إِسْتَوْلَى عَلَيْهَا المُقَاوِمُونَ والجُّيُوشُ المُنْتَصِرَةُ فِي التشِيك وأُوروبّا الشَّرْقِيَّةِ بَعْدَ هَزِيمَةِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ. وهكذَا، دَارَتْ عَجَلَةُ الزَّمَانِ لِتَكُونَ الطَّائِرَاتُ النَّازِيَّةُ التي قَتَلَتْ مَلايِينَ اليَهُودِ قَبْلَ سَنَوَاتٍ، هِيَ ذَاتُهَا، الطَّائِرَاتُ التي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اليَهُودِ وتَكُونُ سَبَبَاً فِي إِنْقَاذِهِم وإِرْسَاءِ دَعَائِمِ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ! فَهَلْ تَعَلَّمَ العَرَبُ والشَّرْقُ والغَرْبُ الدَّرْسَ -- بِأَنَّ الأَرْضَ كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ والتَّصْمِيمِ والأَقْدَارِ؟ وأَنَّكُم، مَرَّةً أُخْرَى، تَضْحَكونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ؟

لكنْ رَغْمَ جَرائِمِ هِتْلَر وقَتْلِهِ لِمَلايينِ الأبرياءِ رَمْياً بالرَّصاصِ أو التَّجْويعِ أو الحَرْقِ فِي السُّجونِ ومُعَسْكَراتِ "العَمَلِ" والإعْتِقالِ، إلاّ أنَّ كَلِمَاتِهِ لِعَشيقَتِهِ الحَسْناءِ الحَزينَةِ إيفا براون التي أصْبَحَتْ "فراو هِتْلَر أو السّيّدة هِتْلَر" قَبْلَ سَاعاتٍ مِنْ نِهايَتِها مَعَ هِتْلَر إنْتِحاراً -- هُوَ بالرَّصاصِ وهِيَ بِكَبْسُولَةِ السُّمِّ ثُمَّ الرَّصاصِ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ والنِّصْفِ ظُهْراً -- ومَا قالَهُ يَسْتَحِقُّ أنْ أقِفَ عِنْدَهُ بِشَيءٍ مِنَ الوُضُوحِ، إذْ قالَ لَهَا، وهُمَا يَتَحَدَّثانِ ويَتَهامَسَانِ بأُمُورِ الحَياةِ وأيَّامِها والدُّنْيا وغَدْرِهَا والحُبِّ والخِيانَةِ ومَا جَرَى وماهِيَّةِ الأحْداثِ "حَبيبَتِي إيفا، لَقَد عِشْتُ كَثيراً حَتّى قَبْلَ أنْ أُولَدَ بِسِنين، وأحْبَبْتُ القَليلَ مِنَ البَشَرِ وكَرِهْتُ الكَثيرَ مِنْهُم، وأمَّا مَنْ كَرِهْتُهُم وأحْتَقَرْتُهُم أكْثَرَ وأكْثَرَ فَهُم الذينَ ساعَدُونِي فِي إحْتِلالِ أوْطانِهِم الأُمِّ، وكانُو يُهَللِّلونَ!" وهكذا، أقْسَى المُجْرِمينَ وأقَلُّهُم رَحْمَةً فِي التأريخِ إحْتَقَرُو خَوَنَةَ أوْطانِهِم، وكلِماتِي هذهِ وإسْقاطاتِي التأريخيّةِ أو الزَّمَنيَّةِ لِهَؤُلاءِ الذينَ ساعَدو أمريكا على إحْتِلالِ العِراقِ وقَتْلِ العِراقِيّينَ وإغْتِصابِ النِّساءِ والأسْرى فِي سُجُونِ أبو غريب وهُم يَضْحَكُونَ، وأُولَـٰئِكَ الذينَ ساعَدو بِريطانيا فِي تَدْميرِ البَصْرَةِ وقَتْلِ أهالِيها والتَبَوُّلِ عَلى رُؤوسِ أسْرَاها فِي سُجُونِها وهُمْ يَسْكَرُونَ ويَرْقُصُونَ ويُصَوِّرونَ ويَحْتَفِلُونَ

وأَبْقَى لِزَمَانٍ فِي تأرِيخِ هِتْلَرَ لِأَضَعَ "مَا فِي رَأْسِهِ" تَحْتَ مِجْهَرِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ كيْ نَعْرِفَ "سِرَّ" كَرَاهِيَتِهِ لِليَهُودِ رَغْمَ كُلِّ مَا عُرِفُو بِهِ مِنْ رُقِيٍّ وعِلْمٍ وهُدُوءٍ وسَلامٍ وإِحْتِرَامٍ لِلقَانُونِ والمُجْتَمَعِ وكَوْنِهِم العَمُودِ الفَقَرِيِّ لِإِقْتِصَادِ أَلمانيَا وأُورُوبّا والكَثِيرِ مِنْ بِلادِ الأَرْضِ، إِضَافَةً إِلى قِتَالِ ومَقْتَلِ الآلافِ مِنْهُم مِنْ أَجْلِ أَلمانيَا فِي الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى ومِنْهُم مَنْ كانُو زُمَلاءً لِهِتْلَرَ فِي خِدْمَتِهِ العَسْكَرِيَّةِ عَلى بَعْضِ الجَبَهَاتِ ومِنْهَا الجَبْهَةُ الغَرْبِيَّةِ، ومَقَابِرُهُم فِي أَلمانيَا ومِنْهَا بَرلِين شَاهِدَةٌ عَلى ذَلِكَ

عِندمَا كَتَبَ هِتْلَرُ كِتَابَهُ الشَّهِيرَ "كِفَاحِي" والذي كَتَبَهُ فِي سِجْنِهِ الشَبِيهِ بِالإِقَامَةِ فِي هُوتِيلٍ بِنُجُومٍ مَا والمَلِيءِ بِزُهُورِ المَعْجَبَاتِ بِأَفْكَارِهِ المُتَطَرِّفَةِ فِي وَقْتٍ كانَتْ أَلمانيَا تَعِيشُ فَوضَى وعَشْوَائِيَّةً سِيَاسِيَّةً وإِجْتِمَاعِيَّةً كَنَتَائِجٍ طَبِيعِيَّةٍ وقَدَرِيَّةٍ لِخَسَارَتِهَا الحَرْبَ وإِجْبَارِهَا عَلى دَفْعِ الثَّمَنِ والأَثْمَانِ مِنْ أَمْوَالِ وكَرَامَاتِ الشَّعْبِ الأَلْمَانِيِّ المُنْهَكِ والمَهْزُومِ حِينَهَا، لَمْ يَكُنْ حِينَهَا فِي عِلْمٍ أَو إِعْتِقَادٍ بِأَنَّ كِتَابَهُ سَيَكُونُ دُسْتُوراً شَيْطَانِيَّاً لِلقَتْلِ والإِبَادَةِ لِكُلِّ مُخْتَلِفٍ ومُخَالِفٍ لِإِيديُولوجِيَّةٍ وفِكْرَةٍ وطَرِيقٍ مَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَن الحُرِّيَّةِ والمَكانِ والزَّمَانِ. وقَدْ إِستَمَدَّ أَفْكَارَهُ ومَشَاعِرَهُ مِنْ الكَثِيرِ مِمَّنْ عُرِفُو بِمُعَادَاتِهِم لِلسَّامِيَّةِ وكَرَاهِيَتِهِم لِليَهُودِ الأَغْنِيَاءِ والرُّوسِ والآخَرِينَ -- مِنْهُم، مَثَلاً، السِّيَاسِيُّ النَّمسَاوِيُّ وعُمْدَةُ فِيينا القَوِيُّ وزَعِيمُ وأَحَدُ مُؤَسِّسِي الحِزْبِ الإِجْتِمَاعِيِّ المَسِيحِيِّ "الشُّعُوبِيِّ" فِي الإِمبِراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ كارل لُوجر

وكذَلِكَ كِتَابَاتُ اللَّاهُوتِيِّ الأَلمانِيِّ مارتِن لُوثَر الذي أَحْدَثَ شَرْخَاً تأرِيخِيَّاً فِي الكنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ وسِيَاسَاتِهَا وعُرِفَ بِكَرَاهِيَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لِليَهُودِ "سَوَاءٌ مِنْ مُنْطَلَقٍ وأَسَاسٍ لاهُوتِيٍّ مَعْرُوفٍ" يَتَعَلَّقُ بِصَلْبِ السَّيِّدِ المَسِيحِ ولَعْنَةِ كَبِيرِ كَهَنَةِ اليَهُودِ لِجِيلِهِ وأَوْلادِهِ ومَا تَلاهَا فِي إِنْجِيلِ القِدِّيسِ مَتّى، أَو لِمَشَاعِرٍ وأَحْدَاثٍ شَخْصِيَّةٍ "مِنْ مُنْطَلَقٍ إِنْسَانِيٍّ وإِجْتِمَاعِيٍّ مَفْهُومٍ" ومَا كانَ وكانَ مِنْ أَحْدَاثٍ وَقَعَتْ فِي بِلادٍ ومُجْتَمَعَاتٍ مِثْلِ إِيطاليَا وإِسْبَانيَا وأَلمانيَا وغَيْرِهَا. وكانَتْ كِتَابَاتُ لُوثَرَ عَمِيقَةً فِي قُوَّتِهَا ومَعَانِيهَا وغَرَابَتِهَا وقَدْ نَعَتَ اليَهُودَ بِالكِلابِ وصِفَاتٍ أُخْرَى كالكَذِبِ والخِيَانَةِ وغَيْرِهَا، لكِنَّهُ إِعْتَذَرَ عَنْ بَعْضِهَا وبَعْضِ كِتَابَاتِهِ المُثِيرَةِ لِلجَدَلِ والعُنْصُرِيَّةِ والأَحْقَادِ قَبْلَ مَوْتِهِ خَاصَّةً التي بُنِيَتْ عَلى أَحْدَاثٍ ومُعْتَقَدَاتٍ شَخْصِيَّةٍ ولَيْسَ عَلى أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ أَو إِيمَانِيٍّ أَو لاهُوتِيٍّ -- رُبَّمَا بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، ومَا حَدَثَ لاحِقَاً دَلِيلٌ عَلى مَا أَقُولُ -- وهذَا يَدُلُّ قَطْعَاً عَلى أَنَّ الكَلِمَةَ سِلاحٌ قَدْ يَكُونُ مُمِيتَاً وقَاتِلاً لِلأَرْوَاحِ والأَجْسَادِ والمُجْتَمَعَاتِ

لكِنَّ هِتْلَرَ، بِالعَوْدَةِ إِلَيْهِ، أَخْفَى عَنْ نَفْسِهِ والآخَرِينَ والتأرِيخِ شَيْئَاً ولَو القَلِيلَ واليَسِيرَ مِنْ جُذُورِهِ اليَهُودِيَّةِ

ولِفَتْحِ هذَا البَابِ عَلَيَّ أَولاً، ولِثَوانٍ، أَنْ أَعُودَ إِلى التأرِيخِ وعُصُورٍ خَلَتْ -- فَنَحْنُ نَعْلَمُ، أَو جُلُّنَا، بَأَنَّ غَالِبِيَّةَ الشُّعُوبِ المَسِيحِيَّةِ فِي أُوروبّا هِيَ شُعُوبٌ ذَاتُ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ تَحَوَّلَتْ فِي غَالِبِيَّتِهَا إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ السَّائِدَةِ بِفِعْلِ التَّهْدِيدِ بِالقَتْلِ أَو الطَّرْدِ والتَّهْجِيرِ كمَا حَدَثَ فِي إسْبانيَا وإِيطاليَا وأَلمانيَا، ولاحِقَاً، ومِنْهَا، الِإمبراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ المَجَرِيَّةِ ثُمَّ مَمْلَكَةِ المَجَرِ فِي حِينِهَا. ومِئَاتُ الآلافِ تَنَكَّرُو فِعْلاً لِدِيَانَتِهِم اليَهُودِيَّةِ فِي جَلَسَاتٍ خَاصَّةٍ وعَامَّةٍ وتَحَوَّلُو إِلى الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ والكَنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ خَوْفَاً مِنَ القَتْلِ أَو الإِضْطِهَادِ الدِّرَاسِيِّ أَو العِلْمِيِّ أَو الوَظِيفِيِّ أَو السِّيَاسِيِّ أَو حَتّى المُجْتَمَعِيِّ كَحَقِّ الإِيجَارِ والتَمَلُّكِ والزَّوَاجِ وغَيْرِهَا. وكَثِيرٌ مِنَ مَشَاهِيرِ ونُجُومِ الفَنِّ والصَّحَافَةِ والرِّيَاضَةِ كانُو مِمَّنْ تَحَوَّلُو إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ ومِنْهُم مَن شَارَكَ فِي عُقُودٍ لاحِقَةٍ كَرِيَّاضِيِّينَ كاثُولِيكٍ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيِيٍّ سِرَّاً أَو جَهْرَاً أَو خَوْفَاً أَو نِفَاقَاً أَو حُبَّاً، مَثَلاً، فِي الأَلعَابِ الأُولمبِيَّةِ فِي بَرلِينَ مِنْ عَامِ 1936 وفِي أَوْجِ قِمَّةِ وقُوَّةِ النَّازِيَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ والعَالَمِيَّةِ، وحَصَلُو عَلى المَرَاتِبِ الأُولَى والمِيدَاليَاتِ وتَسَلَّمُوهَا مِنْ هِتْلَرَ ومُسَاعِدِيهِ وضُبَّاطِ الرَّايخِ الثَّالِثِ وأَجْهِزَتِهِ الأَمْنِيَّةِ المُخِيفَةِ، فِي وَقْتٍ كانَتْ مُعَسْكَرَاتُ التَّعْذِيبِ والعَمَلِ والإِعْتِقَالِ وتَكْسِيرِ عِظَامِ إِخْوَانِهِم اليَهُودِ عَلى بُعْدِ أَمْيَالٍ قَلِيلَةٍ

وأَعُودُ إِلى هِتْلَرَ، الزَّعِيمِ المُخْتَلِّ عَقْلِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ -- فَهُوَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكَرِهَ نَفْسَهُ وعَائِلَتَهُ لِهَذَا. أَمَّا حُبُّهُ الشَّدِيدُ لِوَالِدَتِهِ كلارَا، والتي تَعَلَّقَ بِهَا جَسَدِيَّاً ورُوحِيَّاً، فَقَدْ كانَ إِسْتِثْنَاءً وَحِيداً لِإِحْسَاسِهِ بِالنَّقْصِ والوِحْدَةِ والرَّفْضِ مِنَ المُجْتَمَعِ، وأَيْضَاً عَطْفَاً عَلَيْهَا وغَضَبَاً مِنْ وَالِدِهِ أَلوِيس الذي عُرِفَ بَقَسْوَتِهِ الشَّدِيدَةِ عَلَيْهِ وعَلى أُمِّهِ كلارَا والتي كانَتْ إِبْنَةُ عَمِّ أَلوِيس -- وكانَتْ صَغِيرَةُ السِّنِّ بِمَا يَكفِي لِتَكونَ إِبْنَتَهُ إِذْ كانَتْ تُنَادِيهِ "عَمِّي أَلوِيس" -- وقَدْ إِنْضَمَّتْ أَوَّلاً إِلى أُسْرَتِهِ كخَادِمَةٍ لكِنَّهَا غَادَرَتْ بَعْدَ زَوَاجِهِ الثَّانِي -- ثُمَّ عَادَتْ عِندمَا مَرِضَتْ زَوْجَةُ أَلوِيس الثَّانِيَةُ لِرِعَايَةِ أَطْفَالِ أَلوِيس ومَنْزِلِهِ، وإِنْتَهَى بِهَا الأَمْرُ حَامِلاً بِطِفْلٍ لَهُ مَا لَهُ فِي تأرِيخِ البَشَرِ. وكَرَاهِيَةُ هِتْلَرَ لِأُصُولِهِ اليَهُودِيَّةِ ولاحِقَاً الكاثُولِيكِيَّةِ وعَدَمِ إِحْتِرَامِهِ لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ "رَغْمَ ثَبَاتِ مَعْمُودِيَّتِهِ الكاثُولِيكِيَّةِ" لَهَا أَحْدَاثٌ وأَسْبَابٌ شَخْصِيَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِجِيرَتِهِ فِي إِقْلِيمِ النَّمْسَا العُلْيَا، ثُمَّ عَدَمِ قُبُولِهِ كَرَسَّامٍ أَو فَنَّانٍ ذِي مَوْهِبَةٍ فَنِّيَّةٍ رَغْمَ تَمَتُّعِهِ بِشَيءٍ مِنْهَا ونَرَى ذَلِكَ فِي لَوْحَاتِهِ المَعْرُوفَةِ والمَحْفُوظَةِ والتَّسْجِيلاتِ الخَاصَّةِ بِنِقَاشَاتِهِ فِي بِدَايَاتِ التَّصَامِيمِ الهَنْدَسِيَّةِ والمِعْمَارِيَّةِ مَعَ مُهَنْدِسِيهِ ومِنْهُم أَلبرت شبِير، إِذْ كانَا يَشْتَرِكَانِ بِحُلْمِ إِنْشَاءِ بَرْلينَ الكُبْرَى، لكِنَّ الحُرُوبَ، كالعَادَةِ، تَقْتُلُ الفَنَّ وتُمِيتُ مَا فِيهِ مِنْ جَمَالٍ وخَيَالٍ ورَوْعَةٍ

لكِنَّ كَرَاهِيَةَ هِتْلَرَ لِليَهُودِ شَابَهَا "بَعْضُ" النِّفَاقِ وعَلامَاتِ الإِسْتِفْهَامِ، وهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ حِقْدَهُ عَلى اليَهُودِ كانَ لِأَسْبَابٍ شَخْصِيَّةٍ فِي مُعْظَمِهَا ولَيْسَتْ أَيديُولوجيَّاتٍ وأَفْكارٍ وفَلْسَفَةٍ عَقْلِيَّةٍ. مَثَلاً، إِحْتِرَامُهُ للسَّيِّدِ إِدوارد بلوخ وهُوَ الطَّبِيبُ العَائِلِيُّ لِعَائِلَةِ هِتْلَرَ فِي مَاضِيهِ وكانَ يَهُودِيَّاً صَالِحَاً أَحَبَّ هِتْلَرَ وكانَ يُسَاعِدُهُ طِبِّيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً خَاصَّةً فِي أَوْقَاتِ مَرَضِ أُمِّهِ الشَّدِيدِ. وعِندمَا وَصَلَ هِتْلَرُ إِلى قِمَّةِ النُّفُوذِ والسُّلْطَةِ والمَجْدِ أَهْدَى الطَّبِيبَ بلوخ إِحْدَى لَوْحَاتِهِ وأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ "اليَهُودِيُّ النَّبِيلُ" وكانَ مُسْتَثْنَى مِنَ إِحْتِمَالاتِ التَّعْذِيبِ والمَحْرَقَةِ والإِجْرَامِ النَّازِيِّ. وأَذْكُرُ هُنَا مِثَالاً آخَرَ، وهِيَ عَشِيقَةُ هِتْلَرَ وزَوْجَتُةُ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" الحَسْنَاءُ الحَزِينَةُ إِيفَا برَاون -- كانَ هِتْلَرُ لَهَا حَبِيبَاً وقَدَرَاً مُمِيتَاً، وكانَتْ لَهُ رَغْبَةً وحَيَاةً -- كانَتْ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكانَتْ جَدَّتُهَا يَهُودِيَّةً طَيِّبَةً وصَالِحَةً

كذَلِكَ سَائِقُ هِتْلَرَ الأَمِينُ ودِمَاؤُهُ السَّامِيَّةُ -- والكَثِيرُ مِنْ ضُبَّاطِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ والأَمْنِ الخَاصِّ والعَامِّ والمُقَرَّبِينَ إِذْ كانُو مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ أَثْبَتَ التأرِيخُ وأَرْشِيفُهُ الكَثِيرَ مِنْهَا، وأَثْبَتَ التأرِيخُ أَيْضَاً رَفْضَهُم لِأُصُولِهِم اليَهُودِيَّةِ وكَرَاهِيَّتَهُم لِأَنْفُسِهِم ولَهَا -- عَلى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، الجَنِرَالُ المُدْمِنُ هِيرمَان غورِينغ، والقَاتِلُ الهَادِئُ راينهَارد هايدرِيش المَسْؤُولُ عَنْ قَوَائِمِ اليَهُودِ والبَحْثِ عَنْهُم وإِنْهَاءِ أَقْدَارِهِم، ولا يَجِبُ أَنْ أَنْسَى زَعِيمَ النِّفَاقِ هاينرِيش هيملَر قائِدَ القُوَّاتِ الخَاصَّةِ الشُوتزشتَافِل، والذي كانَ أَحَدُ أَقْوَى رِجَالِ هِتْلَرَ وأَحَدُ "مُهَنْدِسِي ومُنَفِّذِي" الهُولوكوست

إِذَنْ، أَقُولُ، يَا سَادَة، إِنَّ مَا كانَ ويَكُونُ وسَوْفَ يَكُونُ مِنْ إِرْهَابٍ وحُرُوبٍ وصِرَاعَاتٍ وقَتْلٍ وتَدْمِيرٍ وتَهْجِيرٍ وأَحْزَانٍ فِي أُوروبّا أَو أَمرِيكا أَو آسِيَا أَو أَفرِيقيَا أَو بِلادِ العَرَبِ -- فِي المَاضِي والحَاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ -- جُلُّهَا وجُلُّ أَسْبَابِهَا إِرَادَاتٌ وصِرَاعَاتٌ "شَخْصِيَّةٌ" أَو أَفْكارٌ وعُقَدٌ إِجْتِمَاعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالطُّفُولَةِ والشَّبَابِ والمَاضِي والأَحْدَاثِ الأُولَى ومَا تَلاهَا أَو مَا كانَ مِنْهَا وحَوْلَهَا فِي حَيَاةِ الحَاكِمِ والحُكَّامِ أَو أَصْحَابِ النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ، ولاَ سَبِيلَ إِلى الشَّكِّ فِي ذَلِكَ

وأَمَّا الحُكَّامُ العَرَبُ فَقَدْ أُعْجِبَ الكَثِيرُ مِنْهُم بِسِيرَةِ هِتْلَرَ ومَسِيرَتِهِ سِرَّاً أَو جَهْرَاً وعَلَنَاً، كمَا كانَتْ صُوَرُهُ الصَّغِيرَةُ فِي غُرَفِ الكَثِيرِ مِنْهُم وبُيُوتِهِم وبُيُوتِ مُوَاطِنِهِم -- خَاصَّةً فِي جَنُوبِ العِرَاقِ فِي الحَدِيثِ عَنِ العِرَاقِ كمِثَالٍ مَعْلُومٍ بِالأَدِلَّةِ التَّأرِيخِيَّةِ المُسَجَّلَةِ. وحَاوَلَ "بَعْضُ" الحُكَّامِ العَرَبِ بِشَكْلٍ مُبَاشَرٍ أَو غَيْرِ مُبَاشَرٍ أَنْ يُقَلِّدَ شَيْئَاً مِنْ سِيرَةِ هِتْلَرَ أَو أَفْكارِهِ فِي بِدَايَاتِ مَجْدِهِ. مَثَلاً، صَدّام حسين، وقَبْلَ خَطِيئَةِ إِحْتِلالِ الكُوَيتِ، الذي أَعْجَبَتْهُ قِصَّةَ الإِتِّفَاقِ والإِتِّفَاقِيَّةِ بَيْنَ هِتْلَرَ وستَالِين فِي "السَّلامِ المُؤَقَّتِ" وعَدَمِ الإِعْتِدَاءِ أَو حَالَةِ اللّا حَرْبَ واللّا سِلْمَ التي أَرَادَ مِنْهَا هِتْلَرُ تَوْفِيرَ الوَقْتِ والجُّهْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضَّ عَلى فَرِيسَتِهِ وفَرَائِسِهِ عَلى طَرِيقَةِ "الذِّئْبِ الصَّبُورِ" قَبْلَ بَدْءِ "مُغَامَرَاتِ" الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ فِي سَنَةِ 1939 ومَا كانَ مِنْهَا مِنْ دَمَارٍ وتَدْمِيرٍ وضَحَايَا فَاقَ الخَمْسِينَ مِليُونَاً مِنَ العَسَاكِرِ والمَدَنِيِّينَ مِنْ كُلِّ الأَجْيَالِ. صَدّام حسين إِذَاً ومِنْ قَبْلِهِ المَعْتُوهُ جَمَال عَبد النَّاصِرِ أَو الخَائِنُ عَبد الكرِيم قَاسِم وغَيْرُهُم... كُلُّهُم تَذَكَّرُو البِدَايَاتِ لكِنَّهُم نَسُواْ النِّهَايَاتِ! تَذَكَّرُو كيْفَ بَدَءَ الأَمْرُ لكِنَّهُم نَسُواْ كيْفَ إِنْتَهَتْ وآلَتْ إِلَيْهِ الأُمُورُ! تَذَكَّرُو كيْفَ كانَتْ بِدَايَةُ هِتْلَرَ لكِنَّهُو نَسُواْ كَيْفَ إِنْتَهَى

وأبْقَى لِثَوانٍ أُخْرَى فِي ألمانيا لِأُقارِنَ فِي الأسْبابِ التي أدَّتْ "خِلالَ سَنَوَاتٍ فَقَط" إلى بِنَاءِ وإزْدِهارِ ألمانيا بَعْدَ دَمَارِهَا وتَدْمِيرِهَا كُليَّاً فِي سَنَةِ 1945 بَيْنَمَا غابَ الإسْتِقْرارُ والرَّخاءُ عَن العِراقِ مُنذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا وإلى يَوْمِنَا هَذا رَغْمَ مُرُورِ السِّنين! إذا أرَدْنَا أنْ نُحَلِّلَ الأسْبابَ والأحْداثَ بِواقِعِيَّةٍ، ونُجَرِّدَ القُلُوبَ مِنَ العاطِفَةِ، والعُقُولَ مِنَ الجَّهْلِ لِدَقائِق ولَو مَعْدُودَاتٍ، فَعَلَيْنَا أن نَبْحَثَ فِي سُلُوكِ الشُّعُوبِ وعِلْمِ الإجْتِمَاعِ ونَبْقَى لِثَوانٍ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِياسِيِّ وأسْرارِهِ. فالألْمانُ، مَثَلاً، يُحِبُّونَ بِلادَهُم بِشِدَّةٍ وصِدْقٍ وعُرِفَ عَنْهُم ذلِكَ وهُمْ يَفْتَخِرونَ بِهِ وهُوَ سِمَةٌ لَهُم ومِن سِمَاتِهِم -- كمَا عُرِفَ عَن الكُورِيِّينَ، مَثَلاً، حُبُّهُم لِلتَّقَالِيدِ الجَّمِيلَةِ والأَصِيلَةِ، وهُوَ مَثَارُ إعْجَابِ الشُّعُوبِ -- لِهذا نَهَضَ الشَّعْبُ الأَلْمَانِيُّ الحَزِينُ مِنَ النِّساءِ والشّابَّاتِ ومَن تَبَقَّى مِنَ الرِّجَالِ والشَّبَابِ مِنَ رُكَامِ الحُزْنِ والصَّدْمَةِ والفَقْرِ والدَّمَارِ بَعْدَ الهَزيمَةِ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانيةِ وإنْهيارِ أوْهَامِ النّازِيَّةِ فِي سَنَةِ 1945 وبَنُو بِلادَهَم وعمَّرُوهَا إذْ لَيْسَ لَهُم سِواهَا

وأَعُودُ إلى عِرَاقِ سَنَةِ 2003 وهُوَ أَبْرَزُ المَسَارِحِ الإِيرَانِيَّةِ... وأُسِّسَ مَجْلِسُ حُكْمٍ أشْبَهُ بِعَرْضِ الدُّمَى، وأبْطالُهُ الضِّفْدَعُ كيرمِت وحَبِيبَتُهُ الآنِسَةُ بِيجِي، وفِيهِ مَنْ فِيهِ ويأتِيَ مَنْ يأتِيَ، مِنَ الخَلْقِ والمَخْلُوقاتِ الأرْضِيَّةِ، وقُتِلَ المَسِيحيُّونَ والأبْرِياءُ فِي الدُّورَةِ والغَزَاليَّةِ والجّادريَّةِ، وقُتِلَ العَدِيدُ مِنَ الفِلِسْطِينيّينَ وأَهْلِ فِلِسْطِينَ السَاكِنينَ فِي بَغْدَادَ وسُلِبُو وأُخِذَتْ مِنْهُم الأَسْوَاقُ والأَرْزَاقُ والبُيُوتُ والشُّقَقُ السَكَنِيَّةُ، وطُرِدُو وهُجِّرُو بِأَمْرِ الميلشيَاتِ والأَحْزَابِ الطَّائِفيَّةِ والعِمَامَاتِ الإيرانيَّةِ -- واليَوْم تِلْكَ الإحْزَابُ والميلشيَاتُ "ذَاتُهَا" تُجَهِّزُ الصَوَارِيخَ ومُسَيَّرَاتِ القَتْلِ والجَّهْلِ لِ "نُصْرَةِ أَهْلِ فِلِسْطِينَ" وضَرْبِ إِسرَائيلَ "عِندمَا يَحِينَ الوَقْتُ" بِأَمْرِالعَمَائِمِ والعِمَامَاتِ الفَارِسيَّةِ، وقَادَتُهَا مِنَ عُمَلاءِ إيرَانَ يَتَبَاكُونَ "اليَوْمَ" عَلى أَهْلِ فِلِسْطِينَ والقُدْسِ ويُنَادُونَ "نِفَاقَاً" بَلْ ويَصْرُخُونَ بِتَحْرِيرِهَا وتَدْمِيرِ بِلادِ دَاوُدَ ورَمْيِ اليَهُودِ فِي البَحْرِ وإنْهَاءِ الصُّهْيُونيَّةِ!!!! لا تَنسِ يَا هِندُ، إِنَّهُ الجَّهْلُ والنِّفَاقُ

وتَمَّ تَغْيِيرُ أَسْمَاءِ بَعْضِ الشَّوَارِعِ والمَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ كَمَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" فِي بَغْدَادَ -- وهِيَ مَجْمُوعَةُ عَشْوَائِيَّاتٍ وأَحْيَاءٍ شَعْبِيَّةٍ تُشَكِّلُ مَعَ بَعْضِهَا مَا يُشْبِهُ "بَلَدَاً" صَغِيرَاً مُكْتَظَّاً بالسُّكَّانِ أَو مُحَافَظَةً دَاخِلَ المُحَافَظَةِ -- يَسْكُنُهَا شِيعَةٌ نَزَحَ جُلُّهُم مِن مُحَافَظَةِ مِيسَان ومُحِيطِهَا فِي جُنُوبِ العِرَاقِ فِي أَوْقَاتٍ وأَزْمَانٍ مَا، وكانَتْ تُسَمَّى فِي عَهْدِ المَلَكِيَّةِ بِ "الصَّرَايِفِ" قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ "الثَّوْرَةُ" فِي عَهْدِ قَاسِم ثُمَّ "حَيُّ الرَّافِدَيْنِ" فِي عَهْدِ الأَخَوَيْنِ عَارِفَ ثُمَّ "الثَّوْرَةُ" مَرَّةً أُخْرَى فِي عَهْدِ البَكِرِ ثُمَّ لاحِقَاً - وأَحْيَانَاً - "مَدِينَةِ صَدّام" لكِنَّهَا بَقِيَتْ تُسَمَّى "الثَّوْرَةُ" فِي أَذْهَانِ سُكَّانِ وأَهْلِ بَغْدَادَ وعَائِلاتِهَا وأُصُولِهَا، وأَصْبَحَتْ مِثَالاً يُسْتَخْدَمُ إِجْتِمَاعِيَّاً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ تَدَنِّيَ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ أَو حَتّى "الأَذْوَاقِ" فِي الحَدِيثِ والمَلْبَسِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ، فَأَصْبَحَتْ قِيَاسَاً ومِقْيَاسَاً فِي العَشْوَائِيَّةِ والعَبَثِ فِي الذَّوْقِ الخَاصِّ والعَامِ، مَثَلاً، تَقُولُ الأُمُّ الرَّاقِيَةُ أَو الأَبُ الرَّاقِ لِلصَبِيِّ أَو البِنْتِ إِنْ تَحَدَّثُو أَو تَصَرَّفُو بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ لائِقَةٍ أَو لَبِسُو أَزْيَاءَ أَو مَلابِسَ بِأَلْوَانٍ عَشْوَائِيَّةٍ أَو تَصَامِيمٍ غَيْرِ مُتَنَاسِقَةٍ "شُنُو هذَا؟! أَيْ مَا هذَا؟! هَلْ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الثَّوْرَةِ؟!" كَتَوْبِيخٍ لَطِيفٍ عَنْ تَدَنِّي الذَّوْقِ الخَاصِّ

وسَاكِنُو "الثَّوْرَةِ" غَالِبَاً مِنْ أَتْبَاعِ شِيعَةِ إيرانَ فِي بَعْضِ أُصُولِهَا ومَدَارِسِهَا وفُرُوعِهَا وحَوْزَاتِهَا المَذْهَبِيَّةِ أَو آلِ الصَّدْرِ -- مِنْهُم الطَّيِّبُونَ البُسَطَاءُ، ومِنْهُم الجُهَّالُ والجُّهَلاءُ، ومِنْهُم مُغَنُّونَ وشُعَرَاءٌ أَبْدَعُو فِي الشِّعْرِ الشَعْبِيِّ والأَهازِيجِ والهُوسَاتِ والغِنَاءِ، وجُلُّهُم مِنْ البُسَطَاءِ فِي العِلْمِ أَو غَيْرِ المُتَعَلِّمِينَ أَو مِمَّنْ رَفَضُو التَّعْلِيمَ وأَتْعَبُو وِزَارَاتِ التَّعْلِيمِ والحُكُومَاتِ العِرَاقِيَّةَ عَلى مَرِّ العُقُودِ. لَهُم كَلِمَاتُهُم وعَادَاتُهُم ويُعْرَفُونَ للسَّامِعِ بِأَحادِيثِهِم ولَهَجَاتِهِم ومَخَارِجِ حُرُوفِهِم الدَّالَةِ عَلَيْهِم "والأَقْرَبُ فِيهَا إلى لَهَجَاتِ سُكَّانِ جُنُوبِ العِرَاقِ،" لكِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ عَنْ سُكَّانِ مُحَافَظَاتِ الجَّنُوبِ الأُخْرَى فِي أَنَّ الأَخِيرَةَ كالبَصْرَةِ والنَّاصِرِيَّةِ أَعْطَتْ لِلعِرَاقِ خِيرَةَ العُلَمَاءِ والسَّاسَةِ والشُّعَرَاءِ والأُدَبَاءِ والكُتَّابِ والمُطْرِبِينَ ويُعْرَفُ سُكَّانُهَا بِالهُدُوءِ والجَّمَالِ ورُقِيِّ التَّعْلِيمِ والمَوَاهِبِ والذَّوْقِ وحُبِّ الحَيَاةِ، فِي حِينِ أَنَّ سُكَّانَ مَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" يُعْرَفُونَ بِالقَسْوَةِ والخُشُونَةِ والعَشْوَائِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكِيرِ والعَادَاتِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ -- قَلِيلُهُم أَحَبُّو صَدّام حسين وجُلُّهُم أَبْغَضُوهُ

وهكذَا، أَصْبِحَ إسْمُهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ 2003 مَدِينَةَ "الصَّدْرِ" نِسْبَةً إِلى آلِ الصَّدْرِ إرْضَاءً لِمُقْتَدَى الصَّدْرِ وإِيرانَ وقَادَتِهَا وإِنْتِصَاراً لَهُم! وأَصْبَحَتْ اليَوْمَ "مَعْقِلاً" لِبُيُوتٍ "مُؤَقَّتةٍ ودَائِمَةٍ" وأَحْيَاءٍ ومُعَسْكَرَاتٍ تُسَيْطِرُ عَلَيْهَا - سِرَّاً - العِصَابَاتُ والمِيلشيَاتُ الشِّيعِيَّةُ المُوَالِيَةُ لِطَهْرَانَ. وبَعْدَ سُقُوطِ بَغْدَادَ ومُجْتَمَعَاتِهَا فِي سَنَةِ 2003 إِنْتَقَلَ "أَصْحَابُ المَلايِينِ" مِنَ السُّرَّاقِ والقَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ والمَافِيَاتِ والعِصَابَاتِ وتُجَّارِ البَشَرِ والسِّلاحِ والمُخَدَّرَاتِ أَو الغَوْغَاءِ مِمَّنْ عُرِفُو بِالسُّلُوكِ السَّيِّءِ وهُم فِي كُلِّ العُصُورِ "أَغْنِيَاءُ مَا بَعْدَ الحُرُوبِ وإِنْهِيَارِ الأَوْطَانِ" إِلى مَنَاطِقَ "كانَتْ" تُعْرَفُ بِالرُّقِيِّ والهُدُوءِ كالمَنْصُورِ وزَيُّونَةَ والأَعْظَمِيَّةِ كيْ يَنْدَمِجُو مَعَ المُجْتَمَعَاتِ الرَّاقِيَةِ هُنَاكَ، وبِهَذَا يَتَخَلَّصُو مِنْ عُقْدَةِ "الطَّبَقَةِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ" لكِنَّ الأَصْلَ فِي الأَقْدَارِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ الحَجَرَ والبَشَرَ والجَّارَ والإِسْمَ والمَكانَ والزَّمَانَ أَو حَتّى مَلْبَسَاً آخَرَ ومَلامِحَ أُخْرَى لكِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ، أَبَدَاً، أَنْ يَشْتَرِيَ الأَصْلَ والتأرِيخَ والقَدَرَ والمَكْتُوبَ

وأَصْبَحَتْ المَنَاطِقُ الرَّاقِيَةُ المَذْكُورَةُ، بِهذَا التَّحَوُّلِ والتَّشْوِيهِ الديمُغرافِي الهَائِلِ، تُدْعَى فِي الأَوْسَاطِ البَغْدَادِيَّةِ بِمَنَاطِقِ "اللَّمْلُومِ" أَيْ المَنَاطِقُ والأَحْيَاءُ التي "لَمَّتْ" كُلَّ أَنْوَاعِ البَشَرِ وتَشَوَّهَتْ وسُكِنَتْ مِنْ هُنَا وهُنَاك

ومُنْذُ إِنْهِيَارِ البَشَرِ والحَجَرِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا عُرِفَتْ مَدِينَةُ "الثَّوْرَةِ" أَو "الصَّدْر" كمَا إِسْمُهَا اليَوْمَ بِالإِنْحِرَافِ الإِنْسَانِيِّ والأَخْلاقِيَِّ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ أَو مَا يُعْرَفُ بِالجِّنْسِ الثَّالِثِ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، أُكَرِّرُ، فَقَطْ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، وهُم اليَوْم تَحْتَ حِمَايَة قَادَةِ المِيلشيَاتِ الشِّيعِيَّةِ أَو "المُقَاوَمَةِ" وهذَا، رُبَّمَا، أَيْضَاً، مِنْ أَجْلِ "تَحْرِيرِ القُدْسِ" وتَدْمِيرِ إِسْرَائِيلَ ورَمْيِ اليَهُودِ "الأَشْرَارِ" فِي البَحْرِ!!! وأَصْبَحَ هذَا، أَي الجِّنْسُ الثَّالِثُ، "سِمَةُ فَخْرٍ" لَهُم فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ، كمَا أَصْبَحَ "وَصْمَةُ عَارٍ" فِي تأريخِ بَغْدَادَ الحَدِيثِ ودَلِيلاً عَلى إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ بِإِنْهِيَارِ البُلْدَانِ والأَوْطَانِ والحَضَارَاتِ البَشَرِيَّةِ

وتَمَّ تَغْيِيرُ النَشِيدِ الوَطَنِيِّ ومَعَهُ عَلَمِ البِلادِ، لِيَحْتَارَ فِي أَمْرِهِ الكثيرُ مِنَ العِراقِيّينَ، وأَصْبَحَ تَغْيِيرُهُ كَتَبْدِيلِ المَلابِسِ اليَوْمِيَّةِ، فَقَدْ كانَ الأجْمَلُ فِي التَّصْمِيمِ فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والمَلَكيَّةِ، بِنَجْمَةٍ ونَجْمَتَيْنِ فِي العِرَاقِ والأُرْدُنِ كَأُسَرٍ هاشِميَّةٍ، ثُمَّ غُيِّرَ بَعْدَ الإنْقِلابِ والخِيَانَةِ فِي سَنَةِ 1958 وتَأْسِيسِ الجُّمْهُورِيَّةِ، ثُمَّ بُدِّلَ "بَعْدَ الإنْقِلابَاتِ والحَرَكَاتِ والصِّرَاعَاتِ الحِزْبِيَّةِ" بِعَلَمٍ ونُجُومٍ أَسَاسُهَا مِصْرَ وسُوريَة والبَعْثِيَّةُ والقَوْمِيَّةُ والنَّاصِريَّةُ وشِعَارَاتُ الوِحْدَةِ العَرَبيَّةِ، وجَاءَ زَمَانُ الحُرُوبِ العِرَاقيَّةِ العَرَبيَّةِ الغَرْبيَّةِ، فَكَتَبَ صَدّام حسين بِيَدِهِ عَلى العَلَمِ عِبَارَاتٍ إسْلاميَّةٍ، لِتَمِيلَ القُلُوبُ مَعَ المَعَانِيَ الدِينيَّةِ، وحَصَلَ الإنْهِيَارُ فِي سَنَةِ 2003 مِيلادِيَّةٍ، لِيَبْدَأَ عَصْرُ الغَوْغَاءِ والغَوْغَائِيَّةِ، وإحْتَلَّتْ إيرانُ العِرَاقَ "ولا زالَ الإحْتِلالُ" وشُوِّهَ العَلَمُ مَرَّةً أُخْرَى وأُزِيلَتْ النُّجُومُ البَعْثِيَّةُ، لِتَبْقَى شِعَارَاتُ إسْلامِيَّةٌ، والغَايَةُ مِنْهَا لَيْسَ الإيمانُ بَلْ النِّفَاقُ والقَوْمِيَّةُ والطَّائِفيَّةُ

وأنَا هُنَا لا أتَحَدَّثَ عَن العِراقِيّينَ والعَرَبِ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ بَعْدَ إنْهِيارِ المَلَكيَّاتِ وعُصُورِ الرُّقْيِ وما تَلاهَا مِنْ إنْقِلابَاتٍ وفِتَنٍ وحُرُوبٍ وتَشْوِيهٍ للأجْيَالِ وثَوْرَاتٍ دَمَويَّةٍ وتَدْمِيريَّةٍ إتَّخَذَتْ الرَّبيعَ إسْمَاً لَهَا فَحَسْب، بَلْ أيْضَاً "بَعْضِ أو جُلِّ" أُولئِكَ مِنَ العِراقِيّينَ والعَرَبِ الذينَ يَعِيشُونَ اليَوْمَ فِي أوروبّا وأمْريكا وقارَاتٍ أُخْرَى - ومِنْهُم مَشَاهِيرٌ لَهُم المِئَاتُ مِنَ المُتَابِعِينَ الذينَ يُشْبِهُونَهُم - ويَظْهَرُونَ عَلى صَفَحاتِهِم بَِشَكْلٍ آخَرَ وأخْلاقٍ مُغايِرَةٍ للواقِعِ، ومَا يَقُومُونَ بِهِ عَلَنَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ مِنْ عَاداتٍ يَوْمِيَّةٍ أو حَدِيثٍ بِصَوْتٍ عالٍ وهَمَجِيٍّ وسُوقِيٍّ فِي الشّوارِعِ أو مَعَ الجِّيرانِ أو المُوَظَّفِينَ أو العِيَاداتِ والمُؤسَّسَاتِ أو البَّصْقِ فِي الطُّرُقَاتِ أو التَحَرُّشِ مَعَ أيِّ "مَخْلُوقَةٍ" شَقْرَاءَ وإنْ كانَتْ طِفْلٌَةً أو مُراهِقَةً فِي طَرِيقِهَا إلى البَيْتِ أو المَدْرَسَةِ!! وأيْضّاً ما يَكونُ مِنْهُم مِنْ هَمَجِيَّةٍ وإنْحِطاطٍ إنْسانِيٍّ أو حَتّى بَشَرِيٍّ فِي التَّجَمُّعاتِ والسّينَماتِ والحَفَلاتِ! فَهَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الأرْضِ والأوْطَانِ والأمَانِ والجِّنْسِ والحُبِّ؟ لا، بَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ

والنَّاسُ أو حُكُوماتُ الغَرْبِ لا يَتَحَدَّثُونَ عَن الفَرْدِ والأفْرادِ، ولا يَقُولونَ "عِراقِيٌّ أو عَرَبِيٌّ فَعَلَ هَذا أو ذاكَ" بَلْ يَجْمَعُونَ ويُعَمِّمُونَ ويَقُولوُنَ "العِراقِيّونَ والعَرَبُ فَعَلُو ويَفْعَلُونَ هَذا وذاكَ!!" إذَنْ، الشُّعُوبُ تُشْبِهُ أوْطانَهَا وحُكومَاتِهَا، فإنْ أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ الشُّعُوبَ وتَتَعَرَّفَ عَلى بَعْضِ عاداتِهَا وتَقِيسَ أخْلاقَ النّاسِ وسُلُوكيّاتِ البَشَرِ فِيهَا ومِنْهَا، فأٌنْظُر إلى أوْطانِهَا وحُكُومَاتِهَا، لأنّي، مَرَّةً أُخْرَى، أقُولُ، إنَّ الشُّعُوبَ تُشْبِهُ الأوْطَانَ والُحُكومَاتِ، والمُجْتَمَعُ وَلِيدُ الحَضَارَاتِ، والنَّاسُ يُشْبِهُونَ أوْطانَهُم، والبَشَرُ يُشْبِهُونَ حُكُومَاتِهِم، والخَلِيقَةُ مِنَ الخَالِقِ، والخَلْقُ للخَالِقِ، والحُبُّ يَنْمُو فِي القَلْبِ الصَّادِقِ، والأصِيلُ يَأْتِيَ مِنَ الأرْضِ الطَيِّبَةِ، والطِينُ مِنَ الخُبْزِ المَأدُومِ الرَّائِقِ، والرُّوحُ النَقِيَّةُ يَنْسَابُ جَمَالُهَا كالشَّرَابِ الرَّائِقِ، والخُبْثُ يَظْهَرُ فِي السّارِقِ، والقُبْحُ فِي المُنَافِقِ

لا يُصَدَّقُ إنِّي أتَحَدَّثُ وأكْتُبُ عَنْ نَفْسِ الأرْضِ والجُّغرافيا والبَلَدِ وذاتِ الخَليقَةِ والبَشَرِ والإنْسانِ!! بَلْ هِيَ الأحْداثُ التي لَمْ أَشْهَدَ الكَثِيرَ مِنْهَا، إذْ لَم أَكُنْ حِينَهَا وكانَ جُلُّهَا قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِعُقُودٍ وسِنِين، لكِنَّهَا أَحْدَاثُ كانَتْ، ولا زَالَ خَيْرُهَا، وهُوَ قَلِيلٌ، وشَرُّهَا، وهُوَ كَثِيرٌ، تَرْسِمُ أَيَّامَ وأَحْلامَ وأَقْدَارَ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والأَزْمَانِ، وتَنْقَلِبُ هُنَا وهُنَاكَ فِي آونَةٍ وآنٍ، والحِاكِمُ فِي طَهْرَانَ، والعِمَامَةُ إذَا إنْقَلَبَتْ وكانَ مَا كانَ، إذا إنْقَلَبَتْ بِغَدْرِ الزَّمَانِ...، وهِيَ دَوَاءُ الحَقيقَةِ ومَرَارُها وحَلاوَتُهَا أُدَوِّنُهَا بِقَلَمِي قَبْلَ أنْ تَمُرَّ العُقُودُ والسِّنونَ فَأكْبُرَ وتَبْدَأَ لُعْبَةُ النِّسْيانِ

وتآمَرَ مَعَ أَتْباعِهِ مِنْ مُنافِقِي العَرَبِ سِرَّاً عَلى لُبْنَانَ، سويسرا الشَّرْقِ... بِلادُ الأَرْزِ والجِّبالِ والزَّرْعِ... الأُنوثَةُ والدَّلَعُ والدَّلالُ وجَمَالُ خَصْرِ النِّسَاءِ إِذا مَالَ... ويَا وَيْلَ الرِّجَالِ إِذا مَالَ... صَالَ النَّظَرُ مَعَهُ وَجَالَ... لُبْنَانُ، رَوْعَةُ الطَّبيعَةِ والقُرَى وسِحْرُ الضَّيْعَةِ والوِدْيَانِ... بِلادُ القِدّيسَةِ العَذراءِ... أُمُّ النُّورِ أَطْهَرُ النِّسَاءِ... لُبْنانُ الكُبْرَى والتأريخُ والرَّبُّ والتَّلامِيذُ والجَّليلُ الشّرْقِيُّ... طَبَريَّا وصَيْدَا وسَمْعَانُ والصَّخْرَةُ والبَّحْرُ الأَزْرَقُ والنَّهْرُ الوَرْدِيُّ... والكِتابُ والسَّمَاءُ... فيرُوزُ والرّحبانِي وعَازِفُ الّليْلِ وجَمَالُ الأَلْحانِ... وَديعُ وفَريدُ والنّابُلسِي وسِحْرُ عُيُونِ أَسْمَهانَ... والثَّقافَةُ والأَدَبُ وأَقْلامُ جُبْران...

وبشِيرُ الجميّلِ... الشَّهيدُ بَشِير، رَمْزُ الإِخْلاصِ والدَّيْر... القائِدُ الشَّابُّ... إخْتَارَهُ الشَّعْبُ "إنْتِخاباً" كَقَائِدٍ ورَئيسٍ... فَنَزَلَتِ المَلائِكَةُ وهَلّلَتْ وهَرَبَ إبْليسُ... الشَيْخُ بَشِيرُ... الكِبَارُ والصِّغَارُ أحَبُّوهُ... آخِرُ الرُّؤساءِ والزُّعَمَاءِ والأَمَلُ الأَخيرُ... وبَعْدَ عَشْرِ سَنَواتٍ وسَنَتَيْنِ مِنَ التآمُرِ بِقُنبِلَةٍ قَتَلوُهُ... وَسَكَتَ الزَّمَانُ... وإِنْهارَ لُبْنَانُ... قَتلوُهُ بأَوامِرٍ سُوريّةٍ وفَتَاوٍ إِيرانيّةٍ وأَمْوالٍ لِيبِيّةٍ وقَنَابِلٍ فِلِسْطينِيّةٍ وخِيانَةِ "النِّسَاءِ" والشَّيْطانِ

وكانَ صَدّام حسين أو السَيِّدُ النائِب أكْثَرَ قُوَّةٍ وحُضُورٍ ونُفُوذٍ، عِرَاقِيَّاً وعَرَبيَّاً ودُوَليَّاً، مِنَ البَكِر الذي ضَعُفَتْ صِحَّتُهُ وكَبِرَ فِي السِّنِّ، ولَمْ يَعُدْ لَقَبُ النائِبِ يَكْفِيَ ويَلِيقَ، فَأرَادَ صَدّامُ حسين كُرْسِيَّ الرِّئاسَةِ ولَقَبَ السَيِّدِ الرَّئيسِ، لكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلْحاقَ الأذَى بالبَكِر إذْ كانَ يَحْتَرِمَهُ ويَحْتَرِمَ تأريخَهُ وحُبَّهُ لِبَلَدِهِ، فَقَرَّرَ أنْ يَكونَ الأمْرُ سِلْميَّاً بالتَّراضِي، أيْ "بالعِينِي والآغاتِي" وأُبْلِغَ الرّئيسُ العِراقِيُّ البَكِرُ بالأمْرِ "الذي كانَ يَتَوَقَّعَهُ فِي لَحْظَةٍ مَا لأنَّهُ القَدَرُ" وكانَ كذَلِكَ، وكانَتْ التَنْحِيةُ

وبَعْدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ مِنَ الغَزْوِ والإنْهِيارِ ومُحاكَمَاتٍ عَبَثِيَّةٍ وإنْتِقاميَّةٍ وفَوْضَوِيَّةٍ، وإخْتِيَارِ "قُضَاةٍ" بِنَزْعَةٍ إنْتِقَامِيَّةٍ مِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ العَرَبِيَّةَ بِصُعُوبَةٍ ومِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ أَو يُحَاوِلَ التَّحَدُّثَ بِالفُصْحَى بِأَخْطَاءٍ وأَغْلاطٍ بِدَائِيَّةٍ فَيَكُونَ مَحَطَّ إسْتِهْزَاءِ القَرِيبِ والبَعِيدِ -- وبَعْدَ إهانَةِ وادِي الرّافِدَيْنِ وإذْلالِ العِرَاقِ والعِراقِيّينَ -- أُعْدِمَ الرَّئِيسُ صَدّام حسين! أُعْدِمَ فِي يَوْمٍ تَمَّ إخْتِيارُهُ "طائِفيَّاً" بِعِنَايَةٍ مِنْ خامَنئِيّ والحَرَسِ الثَوْرِيِّ الإيرَانِيِّ. وتَمَّ الإعْدامُ بِتَوْقِيعِ خادِمِ إيرانَ "المُفَضَّلِ" المالِكِيّ إذْ كانَ جُنْدِيَّاً "مُطِيعَاً" فِي الجَيْشِ الإيرَانِيِّ فِي الثّمانينيَّاتِ ثُمَّ لاحِقَاً مَسْؤولاً "أَمْنِيَّاً" عَنْ قَتْلِ البَعْثِيّينَ والمَسْؤولينَ والفَنّانينَ ومَنْ "بِإعْتِقادِهِ" أَحَبَّ صَدّام حسين! وكانَ الإعْدَامُ بِحُضُورِ الصَّدِر الزَّعيمِ الأُمِّيِّ، وأَحَدِ أبْناءِ شُيُوخِ الكُوَيتِ الذي أَصَرَّ "بِعِلاقَاتِهِ وأَمْوَالِهِ" عَلى أَنْ يَشْهَدَ حَفْلَةَ الإنْتِقامِ الوَحْشِيِّ. وبَدَءَ الأَمْرُ وكانَتْ رَقْصَةُ الشَّيْطانِ البَرْبَرِيِّ، بِحُضُورِ ضَابِطٍ أمريكِيٍّ، ومَجْمُوعَةٍ مِنَ حُثالَةِ النَّاسِ مِنْ إيرانَ والشَّرْقِ العَرَبِيِّ. وغَابَ عَن المَشْهَدِيَّةِ "القَلِيلُ" مِنَ الرُّقَاةِ الذينَ رَفَضُو هَذا العَارَ العَرَبِيِّ

وبَعْدَ تَدْقيقٍ ومَسْحٍ وإطِّلاعٍ عَلى "الكَثيرِ، ولَيْسَ الكُلّ" مِنْ المَدَارِسِ فِي عِراقِ ما بَعْدَ 2003 وَجَدْتُ أُمورَاً لَمْ أتَخَيَّلَ أنّهَا سَتَكونَ حَقائِقَ فِي أرْضٍ وحَضَارَةٍ عَلَّمَتْ أهْلَ الأرْضِ الكِتابَةَ والفَلَكَ وحِسَابَ الوَقْتِ والزَّمَانِ والعُلُومَ والحِكْمَةَ والأُصُولَ!! فَوَجَدْتُ أطْفالَ المَدَارِسِ اليَوْمِ لا يَتَعَلَّمُونَ العُلُومَ والفَضَاءَ والآثَارَ والطَّبيعَةَ والمُوسيقَى والتأريخَ وجَمَالَ الأدْيانِ والثَّقافاتِ والتَنَوُّعَ والتَّعايُشَ والإنْسِجامَ والتَّعَلُّمَ مِنَ الشُّعُوبِ والفُنُونَ الشَّعْبِيَّةُ، ولا العاداتِ الصِحّيَّةَ والأنْشِطَةَ الرِياضِيَّةَ، بَل يَتَعَلّمُونَ دُعاءَ الشّيعَةِ فِي الصَّبَاحِ الباكِرِ وإنْتِظارِ المَهْدِيِّ فِي المَدارِسِ والصُّفوفِ اليَوْميّةِ!! ولا إحْتِرامَ ولا خَوْفَ ولا وَقَارَ ولا تَرْبِيَةَ، وقِيمَةُ المُعَلِّمِ أصْبَحَتْ صِفْرِيَّةٌ! وهُنَا دَائِمَاً أَقُولُ... جِيلٌ بِلا تَعْلِيمٍ أَشْبَهُ بِخَليَّةِ جَهْلٍ قائِمَةٍ أَو خَلِيَّةِ إِرْهَابٍ نَائِمَةٍ. وهَكذَا، هِيَ ظُلْمَةُ العُقولِ والظُّلُمَاتُ الفارِسيَّةُ، لا تَعْليمَ لا كَرامَةَ لا وَظائِفَ لا ماءَ لا طاقَةَ لا زِراعَةَ لا صِناعَةَ لا فَرَحَ لا أمَانَ إلاّ بِشُروطٍ إِيرانيَّةٍ

فَحِكْمَةُ الزَّمَانِ قَالَتْ وتَقُولُ... مَنْ يَأتِيَ مِنَ "الأزْبَالِ" يَعُودُ إلَيْهَا وإلَيْهَا يَعُودُ

وتَحَقَّقَ حُلُمُ بِلادِ فارِسَ وحُلَّ الجَّيْشُ الحَارِسُ للشَّرْقِ العَرَبِيِّ، وأصْدَرَ الأمْرَ بِذلِكَ "بَعْدَ التَّشَاوُرِ مَعَ الحَرَسِ الثَّوْرِيِّ فِي إجْتِمَاعٍ خاصٍّ" الحَاكِمُ الإدَارِيُّ بِأمْرِ البِلادِ والعِبَادِ بول بريمر، وكانَ "دبلُوماسِيٌّ" فاسِدٌ وغَريبُ الأطْوارِ وذُو عِلاقَاتٍ مُتَشَعِّبَةٍ مَعَ الكَثيرِ مِن مَافياتِ المَالِ وضُبَّاطِ المُخابَراتِ الأُوروبيّةِ والإقْليميَّةِ. وكانَ يَعْشَقُ النِّساءَ العَرَبيَّاتِ وأقامَ عِلاقَةً غَراميَّةً مَعَ إمْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ وهِيَ إحْدَى نِسَاءِ "المُعارَضَةِ" العِراقيَّةِ، رَغْمَ مُيُولِهِ الجِنْسِيَّةِ الأُخْرَى! وكانَ "يَلْعَبُ" مَعَهَا "البِلْياردَ" وهِيَ "لُعْبَةٌ" تَعْشَقُهَا "النِّسَاءُ" إذْ أنَّ فِيهَا القَليلُ مِنَ الرِّياضَةِ والكَثِيرُ مِنَ الرُّومانسيَّة! وكَتَبَ عَنْهُ أحَدُ مُعَاصِرِيهِ بَعْضَ التَّفاصِيلِ الخَاصَّةِ فِي تَقْريرٍ "خاصٍّ" وعَن إسْتيلاءِهِ عَلى مِليارِ دولارٍ مِنْ أمْوالِ المَصَارِفِ العِراقيَّةِ بِعَمَليَّةٍ "مُعَقَّدَةٍ" قامَ بِهَا مَعَ أحَدِ عُمَلاءِهِ مِنَ "المُعَارَضَةِ" العِراقيَّةِ الذي كانَ عَلى رَأْسِ مَجْمُوعَةٍ مُسَلَّحَةٍ دَخَلُو بَغْدادَ مِنْ جِهَةِ الشّمَالِ. وكانَتْ مِنْ عَشَرَاتِ المِيلشياتِ التي دَخَلَتْ الأحْيَاءَ بَعْدَ سُقُوطِ بَغْدَادَ بِسَاعاتٍ. وَبَدأتْ فُصُولُ الإنْتِقامِ والقَتْلِ والنَّهْبِ والسَّلْبِ، وبَدَأَ تَمْزِيقُ العِرَاقِ...، إيرانيّونَ وإرهابِيّونَ وعُمَلاءٌ مِنَ الشّرقِ والغَرْبِ، وكُلُّ مَنْ هَبّ وَدَبّ

بَدَأَ عَهْدُ الغَوْغاءِ...، وإزْدَادَ غَضَبُ السّماءِ، ودُمِّرَ العِراقُ مِنَ الألِفِ إلى اليَاءِ، وسَالتِ الدّمَاءُ

وإسْتَمَرَّ الإيرانيّونَ وكارِهُو وادِي الرّافديْنِ فِي كِتابَةِ فَصْلِ الإنتِقامِ... يَنتقِمونَ مِنَ الرُقيِّ وتنوّعِ المُجتمَعاتِ والدِّينِ، مِنَ السّومَريّينَ والبابِليّينَ والآشوريّينَ وأهْلِ الدّارِ، مِنْ كِرامِ العَشائِرِ والشّيوخِ فِي الشّرْقِ والغَرْبِ والجُّنوبِ وسِحْرِ الأَهْوارِ، مِنَ الكُرْدِ وأهْلِ الشّمالِ والطّبيعَةِ والجِّبالِ، ومَزَارِعِ ديالى والبُرْتُقالِ، وسِحْرِ المُوصِلِ وجَمَالِهَا والكُبَّةِ المُوصِليَّةِ، وحَلاوَةِ اللَّهْجَةِ المُوصِليَّةِ، وزُرْقِ العُيُونِ مِنْ أجْيالٍ لِأَجْيالٍ، والمِياهِ والشَّلالِ، والمَسيحِيّينَ واليَزيديّينَ والنَّخيلِ والوَرْدِ والأَزْهارِ، مِنَ العُلَماءِ والفَنّانينَ والمُثَقّفينَ مِنَ الخّاصَّةِ والعَوَامِ، مِنَ الذينَ إنتصرُو فِي الثّمانينيّاتِ حِينَ غَنّتْ الشُّعُوبُ والطَّوائِفُ ومَلائِكةُ السّماءِ والمَقامِ، وكِبْرياءُ الليالي والأَيّامِ

وهَكذا، أُعْدِمَ وقُتِلَ الرَّئِيسُ الشَّرْعِيُّ، وأُكْمِلُ مَا كانَ وجَرَى، واللَّيْلُ مَعَ "الإسْرَاءِ" إذَا سَرَى...، وأَقَامَ رَئِيسُ الوِزَارَةِ وهُوَ "بِحُكْمِ القَدَرِ والأَقْدَارِ" رَئِيسُ الوِزَرَاءِ فِي تِلْكَ اللَيْلَةِ حَفْلاً رَقَصَ وسَكِرَ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ العُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والشُّعَرَاءِ مِنَ المُنافِقينَ والرَّاقِصينَ عَلى كُلِّ الأَحْبَالِ وهُمْ يَدَ "الزَّعِيمِ" وقَلَمَهُ الذي وَقَّعَ بِهِ الإِعْدامَ يُقَبِّلونَ. وهُمْ أنْفُسُهُم اليَوْمَ لَهُ يَشْتِمُونَ، وأَسْلافَهُ يَلْعَنُونَ!! لا تَتَعَجَّبْ! فَلا زِلْنَا فِي أَرْضِ النِّفَاقِ، وهُوَ النِّفَاقُ، يَا هِنْدُ، هُوَ النِّفَاقُ

ودُعِيَ إِلى الحَفْلِ ضُبَّاطٌ مِنْ مُخابَراتِ الأَمريكانِ والبِريطانِيّينَ والأَلْمَانِ، والكَثِيرُ مِنَ الجَّميلاتِ الحِسَانِ. وتَطَايَرَ "الغُبَارُ" والوِيسكِي والنَّبيذُ مِنْ فَسَاتِينِ الرّاقِصاتِ، وتَطَايَرَتْ مَعَهَا المَلابِسُ الدَّاخِليَّةُ لِوَزِيرِ الدَّاخِليَّةِ "إنْ وُجِدَ أَو تَبَقَّى شَيءٌ مِنْهَا" لِتَرْقُصَ العَذَارَى والعَذْراواتُ، والزَّوْجَاتُ والبَاقِياتُ الصَّالِحَاتُ... وقُبَلٌ وآهَاتٌ ولَقَطَاتٌ فَاقَتْ فِي "حَلاوَتِهَا" أَفْلامَ ميرفَت أَمِين وسُهير رَمزِي ونَجْلاء فَتْحِي وجَمَالَ السّبعِينيَّاتِ! ونَامَ مَنْ نَامَ، وصَوَّرَ مَنْ صَوَّرَ، وضَرَبَ مَنْ ضَرَبَ، ورَقَصَ مَنْ رَقَصَ، وسَكِرَ مَنْ سَكِرَ... وسَكِرَ أحَدُهُم وأَكْثَرَ فِي السُّكْرِ، فَقَفَزَ عَلى صَاحِبِهِ وقَبَّلَهُ بِالخَطأِ ويَدُهُ عَلى "رَأْسِهِ" وإِعْتَذَرَ، لِيَرُدَّ الصَّديقُ الصَّدُوقُ قَائِلاً "حَبِيبِي، ولا يهِمَّك!!" وهَكذا "بَقِتْ مَلْيَطَة... وكُومِيديا مِلْحُ وسُكَّر!" وتَشَابَكَتِ الأَصَابِعُ والشِّفاهُ والشَّفَهَاتُ، وإخْتَفَتِ "بِقُدْرَةِ قادِرٍ" الفَسَاتِينُ والكَلْسُوناتُ والتَنُّوراتُ، وإِرْتَفَعَ الصُّرَاخُ وإِزْدادَتِ الآهَاتُ، وإِخْتَفَتْ مَعَهَا السَّرَاويلُ، وإِرْتَفَعَتْ المَوَاوِيلُ، لكِنَّهَا الأَعْمارُ والأقْدَارُ، يَا هِنْدُ، و"ماكُو حِيل..." وعَلى اللهِ قَصْدُ السَّبيلِ. وفَجْأَةً ظَهَرَتْ وتَطَايَرَتْ الفِياجرَا والسيلدينافيل، فَصَفَّقَ الجَّمِيعُ فَرَحاً بالنَّجَاةِ، ورَحِمَ اللهُ نَجَاة، إذْ قالَتْهَا آخِرَ الليْلِ وَغَنَّتْ وقْتَ السَّحَرِ، أَنَا بَعْشَقِ البَحْرِ! وصَاحَ الدِّيكُ صَيْحَةَ الفَجْرِ، هَلُمَّ يَا رَجُل، إِفْرَحْ، إِرْفَعْ "رأسَكَ" فَلَقَد حَضَرَتْ الفِياجرَا! ورَقَصَ الجَّمِيعُ، ورَدَحَ الكُلُّ فَرَحاً بِالرَّبيعِ، وشَكَرُو المَوْلَى لِنِعْمَةِ "السِّقايَةِ" والمَطَرِ. وتَحَوَّلَ الرَّجُلُ مِنْ "حبُّوب وكيُوت وبَرَكَة" إِلى وَحْشٍ كاسِرٍ وكُلُّهُ حَرَكَةٌ، وصَرَخَ وَلِيُّ الأَمْرِ "واقِفَاً" عَلى الفِراشِ "أَنَا رُشدي أَبَاظة أَنَا فَريد شَوقِي أَنَا الشِّرِّيرُ غَسّان مَطَر..." وهَلَّلَتِ البَنَاتُ البِكْرُ، والنِّسَاءُ بِالأَحْمَرِ والتِّرْتِرِ، وجَاءَ الفَرَجُ فِي حَبَّةٍ أَو حَبَّتَيْنِ أَو ثَلاثِ حَبَّاتٍ. يارَبُّ، يا مُسَهِّلُ، فَهُوَ الشَّيْبُ وهُوَ السِّنُّ وهِيَ الأَعْمارُ، واللهُ حَليمٌ سَتَّارٌ! بَعْدَهَا، زَادَ الحَمَاسُ واللهُ المُسْتَعَانُ، وفِي غَفْلةٍ وغِرَّةٍ خُلِعَتِ القُمْصَانُ، ومَرَّةً أُخْرَى إخْتَفَى الفُسْتَانُ، والشَّقْراءُ مِنْ غُرْفَةٍ لِأُخْرَى تَمْشِي والقَدَحُ مُلآنٌ، وتُغَنِّي والفَمُ مُلآنٌ "طالعَة مِنْ بِيت أَبُوها رايحَة لبِيتِ الجِّيرانِ،" وظَهَرَ الحَريرُ الأَسْوَدُ والأَبْيَضُ ومَعَهَا البِيجامَاتُ، وكانَتْ مِنْ قِطْعَةٍ أَو قِطْعَتَيْنِ أَو "حَسَبِ الطَّلَبِ" مِنْ ثَلاثِ قِطْعَاتٍ، مِنْهَا بِزَهْرَتَيْنِ ومِنْهَا بِثَلاثِ وَرْداتٍ. رَنَا وسُعَادُ وريمَا ورَشَا ومَايا ولارا وسَمَرُ. وغُيِّرَ عَلَمُ العِراقِ وأُزيلَتْ عِبَارَةُ اللهُ أَكْبَرُ، وتَمَّ إسْتِبْدالُهَا بِيَدِ الوَزِيرِ "إِنْتَ عُمْرِي!" وكُتِبَتْ بِالأَحْمَرِ. وأَصْبَحَ شِعَارُ الدَّوْلَةِ "تَعَا... ولَيْسَ تَعَال... يَا رُوحِي إنْتَ... يَا أَزْعَرُ،" وذَابَتِ القُلُوبُ والأَبْدانُ وذَابَ البَشَرُ. ثُمَّ تَعِبَ الجَّميعُ بَعْدَ لَيْلَةِ ال +18 هَذِهِ ونَامُو فِي الغُرَفِ والصَّالاتِ كمَا يَنَامُ النَّبَاتُ. والحِمَايَةُ "الله يِحْمِيهُم" مَعَ القَنَانِي فِي السَيَّاراتِ... والثَّعْلَبُ "الشَقِيُّ" فَاتَ، وفَاتَ وفَاتَ وفَاتَ...، ونَفْسُ الثَّعْلَبِ بَعْدَ أَنْ كانَ "واقِفَاً" كالأَسَدِ خَرَجَ وسَقَطَ أَرْضَاً وتَعِبَ... والثَّعْلَبُ "النَّعْسَانُ" أَصَابَهُ النُّعَاسُ والتَّعَبُ ونَامَ ومَاتَ، ومَاتَ ومَاتَ ومَاتَ...، وإِسْتَمْتَعَتْ العَصَافيرُ بِفِلْمِ الوَزِيرِ، الذي وُزِّعَتْ مِنْهُ نُسَخٌ ومِنَ النُّسَخِ كَثِيرٌ، فِي بِلادٍ كَثيرَةٍ وقارَّاتٍ بِأَمْرِ الأَمريكِيِّ المُدِيرِ، وفِي بَيْتِ المُدِيرِ بِيرٌ وزِيرٌ، وكانَتْ أَحْلامُ العَصَافِيرِ، وتُصْبِحُونَ عَلى خَيْرٍ

وهُنَا أقُولُ... وأَمَّا دُونَالد ترامب، أَو لُورَنس العَرَبِ القَدِيمُ الجَّدِيدُ، فَإِنْ حَكَمَ وأَطَالَ وحَكَمَ وأَطَالَ ثُمَّ أَطَالَ، فَإنَّ بِلادَ العَرَبِ والشَّرْقَ والغَرْبَ مَعَهُ سَوْفَ يَتَغَيَّرُ رَأْسَاً عَلى عَقِبٍ، وتَقَعُ "أحْداثٌ" قَدْ "تُعِيدُ" النَّبْضَ لِقُلُوبِ العَرَبِ، ومِنْ غَرَابَتِهَا وسُرْعَةِ حُدُوثِهَا وشِدَّةِ وَقْعِهَا فإنَّ مُرْشِدَ إيرانَ قَدْ يَبْكِي ويَتَحَيَّرَ. ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ! خَاصَّةً عِندمَا يَبْدَأُ ترامب بِالتَّهْدِيدِ والضَّرْبِ -- والضَّرْبُ سَيَكُونُ بَرَّاً وبَحْرَاً وجَوَّاً فَوْقَ الحِزَامِ وتَحْتَ الحِزَامِ فِي إِيرَانَ والعِرَاقِ واليَمَنِ ولُبْنَانَ وسُوريَةَ وفِلِسْطِينَ فِي "المَضِيقِ" والطَّرِيقِ والدَّرْبِ. ورَغْمَ رَفْضِ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ "المُحِبَّةِ لِإِيرَانَ والنَّاقِمَةِ عَلى يَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لِسِيَاسَاتِ ترامب "الكَارِهِ لِإِيرَانَ والمُحِبِّ لِيَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لَكِنَّهُ سَوْفَ يُغَرِّدُ "لَيْلاً" خَارِجَ السِّرْبِ. وترامب هُوَ رَجُلٌ مُفَاجِئٌ ومُبَاغِتٌ، والرِّبْحُ والخَسَارَةُ هِيَ لَهُ بَوْصَلَةٌ ومِيزَانٌ، وهُوَ عاشِقٌ لِلأقْوِياءِ وأَصْحَابِ النَّفْطِ ومَالِكِي البَرَامِيلِ وسَاسَةِ الإِنْفِتَاحِ والتَّطْبِيعِ مَعَ إِسْرَائِيلَ وزُعَمَاءِ "التِّجَارَةِ" فِي كُلِّ البُلْدَانِ -- يَعْشَقُ النَّارَ لكِنَّهُ يَكْرَهُ الحَرْبَ -- ويَكْرَهُ الأَحْزَابَ والسِّيَاسَةَ ومُعَادَلاتِهَا وتَعْقِيدَاتِهَا والتي، بِعَكْسِ شَخْصِيَّتِهِ وعَقْلِيَّتِهِ كَرَجُلِ أَعْمَالٍ، تَعْتَمِدُ عَلى التَّعْقِيدِ والمَلَلِ والوَقْتِ والإِنْتِظَارِ والإِعْتِمَادِ عَلى الأَقْدَارِ والزَّمَانِ

فَإِنَّ رِجَالَ الدَّوْلَةَ العَمِيقَةَ "مِنَ الدِّيمُقرَاطِيِّينَ" لا يَحْمِلُونَ فِي قُلُوبِهِم مَشَاعِرَ الوِدِّ والإِحْتِرامِ للسّعوديَّةِ والخَلِيجِ، وحَتّى يَوْمِنَا هَذا! إذْ إِنَّ تَلامِيذَ مَدْرَسَةِ أُوبَامَا "المُعْجَبِ كَثِيرَاً بِالإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ" مِثْلَ جو بايدن "لا يُحِبَّ، مَثَلاً، ولَنْ أسْتَخْدِمَ كَلِمَةً أقْسَى" السّعوديَّةَ والعَرَبَ لأَنَّهُم "أَهَانُوهُ" وأَهَانُو سِيَاسَاتِهِ المُسَانِدَةَ لِعَدُّوَتِهِم الأُولَى إِيرَانَ -- أَو نِظَامِ إِيرَانَ لِلدِّقَّةِ السِّيَاسِيَّةِ والمَوْضُوعِيَّةِ. وأَيْضَاً، هُمْ وهُوَ لا يُحِبّ مِصْرَ والرَّئيسَ السِّيسيّ وجَيْشَ مِصْرَ، لأنَّهُ، بِنَظَرِ "تَلامِيذِ" أُوبامَا، قَدْ أنْهَى وقَضَى عَلى مَشْرُوعِ الإخْوانِ المًسْلِمينَ والإِسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ لإِدَارَةِ الدِّيمُقراطيّينَ مَشْرُوعٌ صُرِفَ عَلَيْهِ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ والوَقْتِ والجُّهْدِ وكانَ لَهُم سِلاحٌ "آنِيٌّ وزَمَنِيٌّ وزَمَانِيٌّ" وأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ

والدَّوْلَةُ العَمِيقَةُ "تَحْتَ" البَيْتِ الأَبْيَضِ وحَدِيقَتِهِ قَدْ تَحْتَارُ فِي أَمْرِهِ -- فَإِنْ نَجَحُو، أَيْ فُرْسَانُ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ، فِي قَتْلِهِ ورَفَضُوهُ وإِخْتَارُو الدِّيمُقرَاطِيِّينَ "الضُّعَفَاءَ" فَإِنَّ أَمريكا سَوْفَ تَحْتَرِقُ والغَرْبُ سَوْفَ يَنْتَهِيَ ويَيْقَى الشَّرْقُ "فَوْضَوِيَّاً" فِي أَحْضَانِ العَرَبِ ورُوسِيَا وإِيرَانَ - وأَمْرُهُم "فَوْضَى" بَيْنَهُم! وإِنْ "فَشِلُو فِي إِغْتِيَالِهِ" وإِنْتَخَبُوهُ وإِخْتَارُوهُ وسَلَّمُو مَفَاتِيحَ أَمريكا "كُلَّهَا" إِلى الجُّمهُورِيِّينَ فَإِنَّ الشَّرْقَ سَوْفَ يَحْتَرِقُ وأَمريكا تَعُودُ بِقُوَّةٍ ويَبْقَى الغَرْبُ ضَعِيفَاً والعَرَبُ فِي أَمَانٍ - وأَمْرُهُم "شُورَى" بَيْنَهُم! لكِنَّهُم، أَيْ الفُرْسَانُ، فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ، سَوْفَ يَخْتَارُوهُ لِتَبْقَى أَمريكا "آمِنَةً" وتَكُونَ أُوروبّا "ضَعِيفَةً" ورُوسيَا "مُنْتَصِرَةً" وإِيرَانُ "بَائِسَةً" والميلشيَاتُ "خَائِفَةً" وبِلادُ العَرَبِ والمَالِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ وحُكُومَاتِهَا "مُنْتَشِيَةً" ورُءُوسُ الأَمْوَالِ "شُجَاعَةً" ولَنْ يَخَافَ رَأْسُ المَالِ ولَنْ تَعُودَ السُّفُنُ حَائِرَةً، وسَوْفَ تُحَلِّقُ الطَّائِرَةُ، وسَوْفَ تَعْبُرُ البَاخِرَةُ، والتُّجَّارُ وأَصْحَابُ المَالِ سَوْفَ يَفْرَحُونَ بِالأَخْبَارِ، ويَرْقُصُونَ مَعَ ترامب "المُخَلِّصِ المَعْبُودِ" والجَّمِيلَةِ إِيفَانكا "وَزِيرَةِ المُسْتَقْبَلِ المَعْهُودِ" رَقْصَةَ الإِنْتِصَارِ، ورَقْصُهُم يَسْتَمِرُّ فِي اللَّيْلِ والنَّهَارِ!! وعَصْرُ دُونَالد ترامب سَوْفَ يَكُونُ كَابُوسَاً "حَقِيقيَّاً" عَلى عَاشِقِي عِمَامَاتِ "النَّجَفِ" وقُمَّ وطَهْرَانَ! وكَرِيمَةُ ترامب "الحَسْنَاءُ" سَيَكُونُ لَهَا الرَّأْيُ والكَلِمَةُ والقَرَارُ والشَأْنُ، فِي أَحْوَالِ العِرَاقِ وسُوريَةَ واليَمَنِ وإِسْرَائِيلَ والشَّرْقِ ولُبْنَانَ، وخَاصَّةً لُبْنَانَ

فَالحِكْمَةُ والمَشُورَةُ وعَلامَاتُ المُسْتَقْبَلِ والحِفَاظُ عَلى البِلادِ والعِبَادِ هِيَ أَسَاسِيَّاتُ الحُكْمِ والحَاكِمِ، أو المَفْرُوضُ هَكذا، فَلَوْ أنَّ صَدّام حسين، مَثَلاً، كانَ قَدْ إكْتَفَى بإنْتِصارِهِ عَلى إيرانَ فِي حَرْبِ العِراقِ والعَرَبِ "العادِلَةِ" عَلى مَلالِيَ الحِقْدِ والشَرِّ، ولَم يَقُمْ بإحْتِلالِ الكُوَيت لَكانَ حَقَّاً حَبِيبَاً للعِراقِ والعَرَبِ رَغْمَ أوْهامِ البَعْثِ فِي تَحْريرِ القُدْسِ وغَيْرِهَا مِنَ الأكاذيبِ النّاصِريَّةِ والقَوْميّةِ. ولَو كُنْتُ رَئيسَاً أو مَسْؤولاً لَكانَتْ سِياسَةُ البابِ المَفْتُوحِ مَعَ الحِفاظِ عَلى القُوَّةِ والإزْدِهَارِ والسِّيادَةِ أسَاساً للحُكْمِ. ولَو أنَّ صَدّام حسين، أيْضَاً، أقامَ سَلاماً أو عِلاقاتٍ طَيّبةٍ أو "عَلى الأقَلِّ مَبَادِئَ سَلامٍ ولَوْ أوّليَّةً" مَعَ جِيرانِهِ ثُمَّ مَعَ إسْرائيلَ التي يَسْكُنُ فِيهَا عِراقِيّونَ بابِليّونَ طَيّبُونَ مُحِبُّونَ لِبَلَدِهِم الأصْلِيِّ وأُجْبِرو ظُلْمَاً عَلى تَرْكِهِ وتَرْكِ بُيُوتِهِم وأمْلاكِهِم وجِيرانِهِم وهُم اليَوْمَ مِنْ أكْبَرِ الجّالياتِ فِي إسْرائيلَ وأكْثَرِهِم ثَقافَةً وعِلْمَاً كثَقافَةِ بابِلَ العَظيمَةِ، لَكانَ العِراقُ (فِعْلاً) بَيْتَ الحِكْمَةِ كمَا كانَ يُلَقَّبُ فِي سَابِقِ الأزْمَانِ والدُّهُورِ والتأريخِ القَدِيمِ والحَدِيثِ قَبْلَ وبَعْدَ السَبْيِ البابِلِيِّ

ولا نَنْسَى لَعْنَةَ الجُّغرَافيا والتي تَلْعَبُ فِيهَا الأقْدارُ أهَمَّ الأدْوَارِ، فالمَمْلَكَةُ المَغْرِبيَّةُ، مَثَلاً، هِيَ مِثالٌ للمُجْتَمَعِ الرَّاقِي والهادِئِ بِدَوْلَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ يَعيشُ فِيهَا المُسلِمُونَ والمَسيحيُّونَ واليَهُودُ مُواطِنُونَ وأحْبَابٌ فِي الوَطَنِ الواحِدِ، وهَذا مِن مَحَاسِنِ ورَكائِزِ ومُقَوِّمَاتِ الحُكْمِ المَلَكِيِّ المُسْتَقِرِّ. وعَوَامِلُ القَدَرِ والثَّقَافَةِ والحِكْمَةِ السِياسيَّةِ وحُبِّ الأرْضِ والوَطَنِ والجُّغْرَافيَا سَاعَدَتْ فِي هَذا الإسْتِقْرَارِ وهَذِهِ السَّعَادَةِ -- جُغْرَافيا البَّحْرِ والمُحِيطِ والمَاءِ والقُرْبِ مِنْ أوروبّا وهِيَ أسَاسٌ رُسِمَ فِيهِ القَدَرُ والإسْتِقْرارُ المُجْتَمَعِيُّ. فَجِيرَةُ المُحِيطِ والمَاءِ بَرَكَةٌ مُبارَكَةٌ، والمَاءُ فِيهِ الحَيَاةُ ولا يَسْكُنْهُ الشَّيْطانُ، والبَيْتُ المُبَارَكُ لا يَسْكُنْهُ الثُّعْبَانُ، والثُّعْبَانُ السَّامُّ قَدْ إِسْتَقَرَّ وسَكَنَ فِي إيرانُ

ومِنْ ضَحَايَا الإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ والمِيلشيَاتِ الطَّائِفِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانيَّةِ والجُّغرَافيَا السِّيَاسِيَّةِ هِيَ أَرْضُ اليَاسَمِينِ، سُوريَة، حَبِيبَةُ الرَّسُولِ بُولس... دُمِّرَتْ وأَصَابَهَا الضَّيَاعُ والتَّقْسِيمُ وحَلَّتْ فِيهَا الفَوْضَى وبَكَى أَهْلُهَا، ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا أَسَاسٌ فِيهَا! وعَنْهَا، هَمَسَ إِلَيَّ المَسْؤولُ (...) مَرَّةً بِحَديثٍ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وقَالَ "إِليْكَ، يَا مازن، السِّرَّ والحَقِيقَةِ والخُلاصَةِ: إِنَّ الحَرْبَ والعُنْفَ والفَوْضَى فِي سُورية لَنْ تَنْتَهِيَ مَهمَا كانَ ويَكونَ إِلاّ إِذَا عَادَ الزَّمَانُ والمَكانُ قَبْلَ أَنْ تَبدَأَ رِياحُ "التَّغْيِيرِ والصَّفِيرِ،" وأَيُّ شَيءٍ عَدَا ذَلِكَ هُوَ خِدَاعٌ وضَيَاعٌ لِلوَقْتِ والمَالِ والأَرْوَاحِ والكلِمَاتِ ولَيْسَ لِلإِعْلامِ فِيهِ إِلاّ الإِثَارَةَ والتّخَبُّطَاتِ، فَلا أَمَلَ دُونَ قَرَارٍ إِسْرَائِيليٍّ، وأَمَّا المُفَاوَضَاتُ بَيْنَ "الحُكومَةِ" والمُعَارَضةِ أَو "المُعارَضَاتِ" فهِيَ لَمْ تَفْشَلَ لأَنَّهَا لَمْ تَبْدَأَ!" وعِندمَا أَرَدْنَا الحَدِيثَ عَنِ العِرَاقِ نَظرْنَا إِلى مَنْ جَاءَ مِنَ قَادَةِ الميلشياتِ والعُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والعَقليَّاتِ والمُسْتَويَاتِ فِي سَنَةِ 2003، ونَظرْنَا إِلى العَلمِ "الإِيرَانِيِّ" فِي المَقْعَدِ "العِرَاقِيِّ،" وعِنْدَهَا، تَكلَّمْنَا وتَحَدَّثْنَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ

كَيْفَ بَدَأتْ اللعْنّةُ ومَعَهَا الشَّرُّ والشّؤْمُ؟؟ وَمَتى إسْتَيْقظَ الشَّيْطانُ؟؟ تَآمَرُو عَلى شاهِ إيرانَ، والأنْظارُ عَلى باريسَ وبَرْلينَ ومُخابَراتِ الألمانِ، ورَفَضَ الشّاهُ أنْ يُوَقِّعَ الوَرَقَةَ والوَرَقَ، والغَرْبُ، كَعادَتِهِ، يُفَكِّرَ بالنَّفْطِ والمَالِ وأرْضِ العَرَبِ والشّرْقِ، وأنْهارَ الحُلْمُ الإيرانِيُّ كالرِّيحِ الصَّفْراءِ والبَرْقِ، إذْ كانَتْ إيرانُ قبلَ ثَوْرةِ العِمامَةِ والشّيطانِ عَرُوُسَ الشّرْقِ، وأنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ، وَهَرَبَتْ العَرُوُسُ والحَجَرُ إنْشَقّ، وقَتَلَ المَلالي شَقيقةَ العَرِيسِ وقَتَلُو العَرُوُسَ، وهَرَبَ العَرِيسُ إلى مِصْرَ وبَكى الأطفالُ، وهَرَبَ الرِّجالُ، وسَالتْ دُمُوعُ أجْمَلِ نِساءِ شَرْكَسَ وفارِسَ وإيرانَ، وغادَرَ القَمَرُ ومَعَهُ الحِسَانُ، وبَكَتْ الحَسْناوَاتُ، بَكَتْ الحَسْنَاءُ كوكوش ومَعَهَا بَكى أهْلُ بَغْدادَ، غَنَّتْ لَهُم زُورُونِي فَأحَبُّوهَا وكانَتْ لَهُم كالفَرَّاشَةِ تَطيرُ إلى العِراقِ مِنْ إيرانَ، وهايدَه ونوش آفرين، لیلا فروهر وأجْمَلُ نِساءِ نَوْروزَ وأذربيجانَ، وغابَتِ الشَّمْسُ عَنْ البِلادِ، الحُريَّةُ والسِّينَمَا والفَنُّ والفَلْسَفَةُ والشِّعْرُ والسّجّادُ، والطَبيعَةُ والأشْجارُ، الرُّزُّ والخُبْزُ والكافيارُ، الغِناءُ والرَّقْصُ والحَريرُ وجَمَالُ الألحانِ

وبَعْدَهَا، قَالَ "قائِلٌ" مِنْهُم "إِنَّ الجَّمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلى رَحِيلِ الرَّئيسِ السُّورِي، ويَتَمَنَّى ذَلِكَ بِشِدَّةٍ اليَوْمَ وغَدَاً، لكِنَّهُم، أَيْ الأَغْبِيَاءَ مِنَ سَاسَةِ أُوروبّا، مُتَّفِقونَ عُمُوماً عَلى أَنَّهُ لَنْ يَرْحَلَ دُونَ قَرَارَاتٍ أَمْرِيكيَّةٍ وضَرَبَاتٍ إِسْرَائِيليَّةٍ،" "وأَنَّ بَعْضَ الأُوروبييّنَ يَتَهيَّئونَ "نَفْسِيَّاً" لِلإِعترَافِ بِ "سُوءِ الحِسَابَاتِ" فِي سُوريَة، والذي أَدَّى إِلى زَعْزَعةِ الإِسْتِقرَارِ المُجْتَمَعِيِّ فِي أُوروبّا!! وأَنَّ حِسَابَاتِهِم كانَتْ مُتَسَرِّعَةً فِي إِعْتِقَادِهِم أَنَّ التَّجْرِبَةَ التُّونِسيَّةَ مِثَالٌ قابِلٌ للتَّطْبِيقِ فِي الشَّامِ - كمَا أَقْنَعَهُم بِذَلِكَ العَرَبُ والأَتْرَاكُ - وأَنَّ الخَارِجيَّةَ ال "..." تَضَعُ الآنَ بَعْضَ الأَفكارِ المُعَقَّدَةِ و "الصَّعْبَةِ" لِ "تَصْحِيحِ الحِسَابَاتِ" والِإتِّصَالِ بِالرَّئِيسِ السُّورِيِّ، لَيْسَ حُبَّاً بِهِ، بَلْ كُرْهَاً لِمُوَاطِنِيهِ، وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنْ الإِخْوَةِ اللاجِئِينَ الذينَ، هُم دَائِمَاً، ضَحِيَّةُ الحُرُوبِ الشَّخْصِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانِيَّةِ والطَّاوِلَةِ السِّيَاسِيَّةِ والأَقْدَارِ الأَرْضِيَّةِ والبَشَريَّةِ -- ولَيْسَ الأَقْدَارُ السَّمَاوِيَّةِ والإِلهيَّةِ

وإِنْ أَرَادَ الشَّعْبُ العِرَاقِيُّ أَو العَرَبِيُّ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً تُسَمَّى "حَيَاةٌ" ولَيْسَ شَيئَاً آخَرَ، فَعَلَيْهِ أَن يَثُورَ عَلى نَفِسِهِ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَثُورَ عَلى غَيْرِهِ. وعَلَيْهِ أَنْ يَتَّكِلَ عَلى نَفْسِهِ بَعْدَ الرَّبِّ، وأَنْ يُؤْمِنَ بِالتأرِيخِ ومَا كانَ فِيهِ مِنْ دُرُوسٍ وعِبَرٍ وأَهَمُّهَا "مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثلُ ظُفْرِكَ" فَالكُلُّ لَهُ مَا لَهُ مِنْ أَطْمَاعٍ ومَصَالِحٍ ولا يَنْفَعَ أَحَدٌ أَحَدَاً -- تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وتَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ

وأَمَّا عِرَاقِيَّاً، وبَعْدَ أَنْ يَثُورَ الشَّعْبُ عَلى نَفِْسِهِ ويُغَيِّرَ مَا فِيهَا مِنْ نِفَاقٍ وشِقَاقٍ وحُبٍّ لِلفِتْنَةِ والطَّائِفِيَّةِ وسُلُوكِيَّاتٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَاصَّةً "الشَّكْوَى" وهُوَ مَا عُرِفَ بِهِ طَوَالَ العُصُورِ والدُّهُورِ، يَبْدَأُ بَعْدَهَا فِي التَّخَلُّصِ مِنَ النِّفَايَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والمُجْتَمَعِيَّةِ وبَقَايَا ومُخَلَّفَاتِ الإِحْتِلالِ الإِيرَانِيِّ بِكُلِّ آثَارِهِ وعَادَاتِهِ وخُرَافَاتِهِ وسَخَافَاتِهِ المُقَزِّزَةِ للعُقُولِ والأَبْدَانِ! والأَهَمُّ هُوَ طَرْدُ نِفَايَاتِ إِيرَانَ مِنَ العُمَلاءِ والجُهَلاءِ والقَتَلَةِ والسُّرَّاقِ والفَاسِدِينَ سِيَاسِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وعِلْمِيَّاً... وعَلى رَأْسِهِم المَالِكِيّ وهُوَ الحِصَانُ الإِيرَانِيُّ والحَاكِمُ الفِعْلِيُّ لِبَغْدَادَ... الذي حَكَمَ العِرَاقَ ودَوْلَتَهُ العَمِيقَةَ قَبْلَ وِلايَتِهِ وأَثْنَاءَ وِلايَتِهِ وحَتّى بَعْدَ وِلايَتِهِ "وإِلى اليَوْم" لِإِتِّصَالِهِ المُبَاشَرِ واليَوْمِيِّ بِالمُخَابَرَاتِ الإِيرَانِيَّةِ وإِسْتِخْبَارَاتِهَا وتَلَقِّ الأَوَامِرَ والتَّعْلِيمَاتِ والوَصَايَا التَّخْرِيبيَّةِ للمُجْتَمَعِ والشَّبَابِ العِرَاقِيِّ -- وتَبَادُلِ التَّقَارِيرِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ! وهُوَ عَاشِقٌ لِلجَاسُوسِيَّةِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهِ وصِبَاهُ، وهَذَا مَا عُرِفَ عَنْهُ "وكُتِبَ" فِي سِجِلاَّتِ المُخَابَرَاتِ الغَرْبِيَّةِ وبَعْضِ الكَوَالِيسِ العَرَبِيَّةِ والإِقْلِيمِيَّةِ

ولا أَمَلَ فِي تَنْظِيفِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ إِنْ فُتِحَ بَابُ السِّيَاسَةِ بِمِفْتَاحِ الدِّينِ، فَالدِّينُ السِّياسِيُّ أَو مَا أُسَمِّيهِ "القَتْلُ البَطِيءُ" قَدْ أَسَالَ الدِّمَاءَ حَتّى فِي أُوروبّا، فَهَلْ تَعَلَّمَ البَشَرُ مِن تأرِيخِ البَشَرِ؟ لا

وإلى أَحْدَاثٍ أُخْرَى كانَتْ وبَانَتْ، وفُصُولٍ أُخْرَى كُتِبَتْ، بِأَحْرُفٍ وكَلِمَاتٍ سُطِّرَتْ، وهَكذا، هِيَ أَفْكَارٌ نُقِشَتْ. وتَبْكِي أيَّامُنَا والأزْمانُ والّليالِ العَرَبِيّةِ من لَعْنَةِ الجُّغرافيا والعِمامَةِ الإِيرانيَّةِ

.......

 

Iran and the Curse of the Demon
إيرَانُ ولَعْنَةُ الشّيْطانِ
لَعْنَةُ الجُغرافيَا السِّياسيَّةِ والعِمَامَةِ الإِيرانيَّةِ
رِحْلَةٌ فِي أَسْرارِ عِلْمِ الإِجْتِمَاعِ وفُصُولِهِ السِّياسَّةِ
العِرَاقُ والعَرَبُ والغَرْبُ والجِنُّ والجَانُّ
السَّمَاءُ والأَرْضُ
كانَ "مَا" كانَ
الخَلِيقَةُ
الخَلْقُ

Mazin Linn
بِقَلَمِ: مازن لِن

 

الحَقِيقَةُ، ومَا أَدْرَاكَ مَا الحَقِيقَةُ؟ هِيَ الأَحْدَاثُ والأَيَّامُ، هِيَ الحَرْبُ والسَّلامُ، وهِيَ الصَّمْتُ والكَلامُ. الحَقِيقَةُ؟! هِيَ الطَّبِيعَةُ والخَلْقُ والخَلِيقَةُ، وهِيَ حَقِيقَةُ الإنْسَانِ. والحَقِيقَةُ لَيْسَتْ لَقِيطَةٌ مِنَ اللَّقَائِطِ بَلْ هِيَ وَلِيدَةُ الزَّمَانِ وإِبْنَةُ المَكَانِ. والزَّمَانُ والمَكَانُ هُمَا بِدَايَاتُ الأَقْدَارِ ونِهَايَاتُهَا، والأَقْدَارُ هكذَا، وهكذَا هِيَ الأَقْدَارُ. وأَفضَلُ السُّبُلِ لِمَعرِفةِ الحَقِيقَةِ، يَا سَادَة، هِيَ الخَوْضُ فِي تَجَارُبٍ مُبَاشَرَةٍ، وأَقْصَرُ الطُّرُقِ لِلخُرُوجِ مِنْ تِلكَ التَّجَارُبِ بِنَجَاحٍ هُوَ الصَّبْرُ عَلى تِلكَ الحَقِيقَةِ، مَهْمَا كانَ أَثَرُهَا فِي العُقُولِ وآثَارُهَا فِي القُلُوبِ وأَيًّا كانَتْ الظُّرُوفُ والنَّتَائِجُ. والقُلُوبُ "وإِنْ كُسِرَتْ" يُمْكِنُ فِي ظُرُوفٍ مُعَيَّنَةٍ وأَوْقَاتٍ مُنَاسِبَةٍ بِنَاءُ وتَعْمِيرُ بَعْضِ مَا كُسِرَ فِيهَا أَو الكَثِيرِ مِنْهُ. وهُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ بِنَاءِ القُلُوبِ أَو تَعْمِيرِهَا، فَالأَوّلُ أَسَاسُهُ الصَّبْرُ والنِّسْيَانُ، لكِنَّ الثّانِي أَسَاسُهُ الثِّقَةُ والإِيمَانُ. وأَمَّا العُقُولُ، فَدَائِمَاً أَقُولُ، إنَّ العُقُولَ كالأَقْفاَلِ، مِنْهَا اليَسِيرُ السَّهْلُ، ومِنْهَا مَا تَآكلَ ونَالَ مِنْهُ "أُكسِيدُ" الجَّهْلِ -- الأَوَّلُ مِنَ الجَّمَالِ والثَّانِي لا يَنْفَعَ مَعَهُ إِلاّ الصَّبْرُ والكَسْرُ، ثُمَّ الإِسْتِبْدَالُ. قُلْتُ هذَا فِي لِقَاءٍ خاصٍّ فِي سَنَةِ 2011 فَلَم أَتَلَقَّى سِوَى الإِهَانَاتِ والتَّهْدِيدَاتِ، فَكَانَتْ رُدُودُ الأَفْعَالِ تِلْكَ دَلِيلاً عَلى مَا كانَ لِي مِنْ إِيمَانٍ وإِعْتِقَادٍ! وكَلِمَاتِي هَذِهِ وهُنَا والآنَ هِيَ لِمَعْرِفَةِ الحَقِيقَةِ أَو شَيءٍ مِنْهَا، أَو مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَهَا، لأنِّي، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، إنْسَانٌ بَسِيطٌ. وأَيْضَاً، لِمَعْرِفَةِ مَا حَدَثَ فِي العِرَاقِ وأَرِضِ العَرَبِ، ومَا حَدَثَ للبَشَرِ والخَلْقِ والخَلِيقَةِ والقُلُوبِ والعُقُولِ. وكَيْفَ تَغَيَّرَتْ وشُوِّهَتْ -- ولِمَاذَا -- حَتّى وَصَلَ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ إِلى حَالٍ بَعْدَ حَالٍ، ومُجْتَمَعَاتٍ مِنْ الرُّقِيِّ وبِدَايَاتِ الكَمَالِ، إِلى الإنْحِطَاطِ ونِهَايَاتِ الأَوْحَالِ -- فِي كَثِيرٍ مِنْهَا ولَيْسَ جُلُّهَا! ونَضَعُ الأَحْدَاثَ والإَيَّامَ وسُلُوكَ الشُّعُوبِ والمُجْتَمَعَاتِ وأَسْرَارَ الحُكُومَاتِ تَحْتَ مِجْهَرِ الحَقِيقَةِ والخَلِيقَةِ لِمَعْرِفَةِ الأَسْرَارِ التي أَوْصَلَتْ إنْسَانَ الأَمْسِ أَنْ يَكونَ إنْسَانُ اليَوْمِ، وهَكذا، أَحْكِي لَكُم حِكَايَةَ الزَّمَانِ والمَكَانِ... وكانَ مَا كانَ... أرْسَلَ اللهُ المَلِكَ الصّالِحَ فيصَل الثَّانِي هِبَةً للعِراقِيّين، والعِراقِيّون للمُلُكوكِ الصّالِحينَ يُهَلّلونَ، وعاشَ الجّمِيعُ فِي رَخاءٍ وسَلامٍ، وفِي البَدْءِ كانَتِ الكلِمَةُ، والكَلِمةُ سَلامٌ، وكانَ العِراقِيّونَ بِكَوْنِهِم عِراقِيّونّ يَفتَخِرونَ، سُومَريّونَ، بابِليّونَ، يَهُودٌ، آشُوريُّونَ، كِلْدانَ، آرَاميُّونَ، سُرْيَانَ، مَسِيحيُّونَ سٌكَّانُ أصْليُّونَ، مُثقّفوُنَ، مُتَعَلّموُنَ...، والعِراقِيّون للمَلِكِ الرّاقِيَ يُهَلّلونَ، والصُّوَرَ يَرفَعوُنَ، إنّهُ فيصَل الأوّلُ، إنّهُ غَازي، إنّهُ فيصَل الثّانِيَ، إنّهُ يَستَحِقّ، والمُلُوكُ يَسْتَحِقّونَ. ثُمَّ رَفَضَ "العَرَبُ" مِنْ سُكَّانِ العِراقِ هِبَةَ اللهِ وخَانُو المَلِكَ المَحْبوبَ وقَتلوُهُ، وهُمْ لِخائِنِهِ وقاتِلِهِ يُهَلّلونَ!! كانُو يُهَلّلونَ للمَلِكِ، وهُمْ، أنفُسُهُم، لِقاتِلِ المَلِكِ يُهَلّلونَ!! لا تَسْألْ! فإنْ أرَدْتَ أنْ تَفْهَمَ مِلَلَ وفِرَقَ وطَوائِفَ العِراقِيّينَ وشِيعَتَهُم وكيْفَ يُفَكِّرُونَ فعَلَيْكَ أنْ تَقرأَ تأريخَ الأدْيانِ والمَذَاهِبِ والأعْراقِ والمِلَلِ والطَّوَائِفِ ومَا تَلاهَا، وعَلَيْكَ أيْضاً أنْ تَكونَ باحِثاً في عِلْمِ الإجْتِماعِ وسُلُوكِ الشُّعُوبِ وحَضَارَاتِهَا، وأيْضاً، للأسَف، عَلَيْكَ أنْ تَكونَ دارِسَاً ومُتَعَمِّقاً لِتأرِيخِ أرْضِ الأنقِلابَاتِ والفِتَنِ وشِقَاقِهَا ونِفَاقِهَا! وفِي هَذا وذَاكَ أقُولُ... بِلادُ الرَّافِدَيْنِ هِيَ أرْضٌ وسَمَاءٌ وجَنَّةُ بُنِيَتْ بِأيادٍ وعُقُولٍ مِنْ أوَائِلِ البَشَرِ وأصْلِ الخَليقَةِ فِي بِدَايَاتِ الخَلْقِ والأقْوَامِ، ثُمَّ كانَ أُنَاسٌ وكانَتْ حَضَاراتٌ أشْرَقَتْ كالشَمْسِ عَلى أهْلِ الأرْضِ بالعُلُومِ الهَنْدَسِيَّةِ الطَّبِيعِيَّةِ والتَّطْبِيقِيَّةِ والأُصُولِ والكِتَاباتِ والزِّرَاعَةِ والصِّنَاعَةِ والتِّجَارَةِ وحِسَاباتِ الفَلَكِ والأرْقَامِ. أصْلُ سُكّانِهَا هُم أوْلادُ آدَمَ والأجْدَادُ، ثُمَّ نُوحٍ والأحْفَادُ، إلى سُلالاتِ سُومَرَ وأَكَدَ وآشُورَ والأبْنَاءِ، ومَرَّتْ عُصُورٌ وصِرَاعاتٌ بَيْنَ الحَضَارَاتِ والإرَادَاتِ، حَتّى وَصَلْنَا إلى أتْبَاعِ السَيِّدِ المَسِيحِ وهُم الأصْلُ مِنْ أهْلِ بِلادِ الفُرَاتِ والعِرَاقِ والبِلادِ الأُخْرَى، ثُمَّ أوْلادُ مُوسَى ويَهُودُ بابِلَ العَظيمَةِ وهُم الأصْلُ فِي تأسِيسِ الإقْتِصَادِ والرَّخَاءِ فِي العِرَاقِ والشَّرْقِ. فَبُنِيَتْ حَضارَةُ العِرَاقِ القَدِيمِ والحَدِيثِ ومَعَهَا كُتِبَتْ فُصُولُ الأَسَاسِ والإِعْمَارِ والرُّقِيِّ والإزْدِهَارِ والنَّمَاءِ. ومَرَّتْ الأزْمَانُ والدُّهُورُ... إلى أَنْ جَاءَ الأتْرَاكُ والعَرَبُ ودَخَلُو الأرْضَ لِيَبْدَأَ القَتْلُ وتَبْدَأَ الصِّرَاعاتُ، ثُمَّ سَكَنَ شِيعَةُ العَرَبِ العِرَاقَ، وعِنْدَهَا، فِي تِلْكَ اللَحْظَةِ، يَا سَادَة، وُلِدَ الجَّهْلُ ومَعَهُ وُلِدَ النِّفَاقُ! والنِّفَاقُ فِي أَسَاسِهِ هُوَ صِرَاعُ مَرِيرٌ بَيْنَ سَلامَةِ القَلْبِ وحَصَائِدِ اللِّسَانِ، فَإِنْ إِنْتَصَرَ اللِّسَانُ عَلى القَلْبِ إِنْحَرَفَتْ الأَفْعَالُ وكانَ النِّفَاقُ. وبَدَأتْ بَعْدَهَا عُصُورُ الفِتْنَةِ الشِّيعِيَّةِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً لِتَصِلَ فِي ذُرْوَتِهَا بالحُرُوبِ والغَوْغَائِيَّةِ والشِّقَاقِ بَيْنَ البَشَرِ والحَجَرِ، فَدَمَّرُو مَا فِي الأَرْضِ مِنْ جَمَالٍ وسَلامٍ وهُدُوءٍ وحَضَارَاتٍ. كَيْفَ؟! هُم البَشَرُ والجَّهْلُ والعِنَادُ والإِرَادَاتُ، هُيَ القِصَصُ والرِّوايَاتُ والإِشَاعَاتُ، هِيَ الكُتُبُ والكِتَابَاتِ، عَلِيٌّ وبَابُ فَاطِمَةَ والحِكَايَاتُ، بَيْعَةُ عُمَرَ والإِجْتِمَاعَاتُ والبِدَايَاتُ، كَرْبَلاءُ والثَّورَاتُ، الحُسَيْنُ والرَّايَاتُ، يَزِيدُ والنِّهَايَاتُ، عِبَادَةُ الجَّهْلِ والعِمَامَةِ والذَّاتِ، هِيَ إِذَاً الأَحْقَادُ والكَلِمَاتُ والخُرَافَاتُ! ومَرَّتْ عُصُورٌ وسَنَواتٌ... وجَاءَ الأُمَرَاءُ والمُلُوكُ الرُّقَاةُ مِنَ العَرَبِ الآخَرِينَ والحِجَازِ، وقَرَّرُو أنْ يَموتَ المَوْتُ وتَحْيَى الحَيَاةُ فِي البِلادِ ومَعَهَا العِبَادُ، لِيُؤَسَّسَ العِراقُ فِي عامِ 1921 وتُشْرِقَ الشَّمْسُ مِنْ جَديدٍ بِإتِّفَاقٍ وَطَنِيٍّ عَرَبِيٍّ بِريطَانِيٍّ وكانَ فِعْلاً إنْجَازٌ...وبَدَءَ العِرَقِيُّونَ البِنَاءَ... يَهُودٌ أغْنياءٌ أنْقِيَاءٌ، ومَسِيحيّونَ وهُمْ السُكَّانُ الأصْليّونَ، ومَعَهُم عَرَبٌ رُقَاةٌ مُثَقَّفونَ. وإسْتَقَلَّ العِرَاقُ فِي نِهَاياتِ العِشْرينيَّاتِ وبِدَاياتِ الثّلاثينيّاتِ شَيْئَاً فَشَيْئَاً وهِيَ حِكْمَةُ الأَشْيَاءِ، وكانَ العِرَاقيُّونَ سُعَدَاءَ، وهُم مِنْ أوائِلِ الشُّعُوبِ يَسْتَقِلُّونَ، بِشَخْصِيَّةِ المَلِكِ فيصَل الأوَّلِ وعَبْقَريَّةِ أرْقَى وأذْكى وِزَرَاءِ ماليَّةِ بِلادِ الرَّافِدَيْنِ ساسُون. وتَسْتَمِرُ الثَّلاثينيَّاتُ بالحُبِّ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِ البَلَدِ الواحِدِ وأطْيافِهَا، لِتأْتِيَ الأرْبَعينيَّاتُ بِجَمَالِهَا وأفْراحِهَا وأحْزَانِهَا، لِنَصِلَ إلى الخَمْسينيَّاتِ بِمَدِّهَا وجَزْرِهَا. إذَنْ، هِيَ خَمسِينّياتُ العَرَبِ ومَعَها إنْطَلَقَ قِطارُ الإنقِلاباتِ فِي الشَّرْقِ... قِطارٌ سَريعٌ مُمِيتٌ دُونَ مَحَطّاتٍ يَسِيرُ بِسُرْعَةِ البَرْقِ... يَقُودُهُ بِجنُونٍ جَمَالُ عَبد النّاصِر وكانَ مَرِيضَاً عَقْلِيَّاً يَجْلُسُ عَلى مِقْعَدِ القِيَادَةِ لِوَحْدِهِ، وهُوَ سَائِقٌ أَخْرَقٌ... وإنْ أَرَدْتَ الوَصْفَ الدَّقِيقَ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ، أَقُولُ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إنَّهُ أَحْمَقٌ! وهَكذا، بَدأَ قِطارُ والعَبَثِ رِحْلَتَهُ مِنْ مِصْر المَحْرُوسَةِ أرْضِ النِّيلِ والحَضَارَاتِ وقَدِيمِ الكِتابِ المُقَدَّسِ والمَخْطُوطاتِ، لِيَصِلَ العِرَاقَ أرْضَ آدَمَ ونُوحَ وإبراهيمَ وأصْلِ السُّلالاتِ، ومِنْهُ إلى أوْطانٍ ومَلَكيّاتٍ -- قِطارٌ كالإعْصَارِ دَمَّرَ وشَوَّهَ تأريخاً ومُجْتَمَعاتٍ. وبَعْدَ النِّيلِ حَانَ دَوْرُ دِجْلَةَ والفُراتِ، وحَانَ دَوْرُ المَلِكِ الحَبِيبِ فَيصَل الثَّانِيَ والأمِيرَاتِ، بَعْدَ ذِهابِ فارُوقَ وبُكاءِ النّيلِ والمَلِكَاتِ...، أحْقَادُ عبدِ النَّاصِرِ وأكاذِيبٌ وخِطَابَاتٌ نارِيَّةٌ ومُؤآمَرَتٌ، لِيَسْمَعَ لَهُ أوْغَادٌ وعُمَلاءٌ وسُرّاقٌ فِي الجّيْشِ العِراقِيِّ ومِنْهُم جَنِرَالاتٌ. والعِرَاقُ، فِي الخَمسِينيَّاتِ، كانَ الأقْوَى والأرْقى فِي الجَّسَدِ العَرَبِيّ، وجَيْشُهُ عِرَاقِيٌّ لكِنَّهُ عَرَبِيٌّ، وأُسِّسَ الوَطَنُ بِآمَالِ المَلِكِ المُؤَسِّسِ فيصَل الأوّلِ رَحِمَهُ اللهُ، والذي أقْسَمَ مَعَ صَديقِهِ الزَّعِيمِ التُّرْكِي أتاتورك عَلى أنْ يَجْعَلا العِرَاقَ وتُركيا الأجْمَلَ والأقْوَى فِي بِلادِ الشَّرْقِ بِتَوْءَمَةٍ سِياسيّةٍ وإجْتِماعيّةٍ دُونَ أنْ تُشَوِّهَ عُرُوبَةَ العِرَاقِ، وكانَ ذلِكَ فِي العِشرينيّاتِ. وكانَ يُمْكِنُ أنْ تُخْتَمَ تِلْكَ التَّوْءَمَةُ بِزَواجِ الحَفيدِ الحَبيبِ فيصَل الثّانِي بِفاضِلَة إبراهيم سُلطان أمِيرَةِ تُركيا وجَميلَةِ مِصْرَ وحَسْنَاءِ باريسَ وسَلِيلَةِ ألبانيا فِي الخَمسينيّاتِ، لكِنَّ الإنْقلابَ وشُؤْمَهِ أنْهَى الأمَلَ والآمَالَ! وأَبْقى فِي الخَمسينيّاتِ... كانَ شَعْبُ العِراقِ هُوَ الأكْثَرُ ثَقافَةً وعِلْماً فِي الشَّرْقِ والخَليجِ العَرَبِيِّ، وجَيْشُهُ الأكْثَرُ قُوَّةً حِينَ أسَّسَهُ المُلُوكُ الصّالِحونَ وسَهِرَ عَلى تَطْوِيرِهِ الشّريفُ عبدُ الإلهِ الهاشِمِيّ المُحِبُّ لِبَلَدِهِ وشَعْبِهِ وَهوَ خَالُ المَلِكِ فَيصَل الثّانِي وشَقيقُ المَلِكَةِ عاليَة، وكانَتْ الأُمُّ الحَزينَةُ ومَلِكَةُ الدُّمُوعِ والأحْزانِ. جَيْشٌ وَطَنِيٌّ أُسِّسَ عَلى حُبِّ الوَطَنِ والمَلِكِ وحِمَايَةِ الشَّعْبِ والأصْدِقاءِ والجّيرانِ، كَمَا كانَ في عامِ 1973 وكَمَا قالَهَا الرَّئيسُ المِصْرِيُّ أنوَرُ السّادات عَلَناً مَعَ شُكْرِهِ والإمْتِنانِ لِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وكانَ. لكِنَّ فِي كُلِّ جَيْشٍ لا بُدَّ وأنْ يَكونَ خائِنٌ وخُوّانٌ، ولَمْ يَعْلَمَ الأمِيرُ الوَصِيُّ بأنَّ الجَّيْشَ الذي بَنَاهُ وأحَبَّهُ هُوَ الذي سَيُمَزِّقَ جُثَّتَهُ بَعْدَهَا بِكُلِّ وَحْشيّةٍ وهَمَجيّةٍ عُرِفَ بِهَا "الأكثَريّةُ وليْسَ الكُلُّ" مِنْ عَرَبِ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ! أعُودُ وأعُودُ...، هِيَ شَمْسُ البِدَايَاتِ...، والعِرَاقُ، قَبْلَ سَنَةِ 1958، يَا سَادَة، كانَ مَا كانَ...، نَجْمَةُ الصَّباحِ، نَدَى المَطَرِ ونَسِيمُ الرِّيَاحِ، الحُبُّ والغَرامُ، جَمَالُ النِّسَاءِ والّليالِيَ والأَيَّامِ، والنَّبيذُ والرَّقْصُ وقِماشُ الحَرِيرِ الخَامِ، والأَناقَةُ والرِقَّةُ والأُنُوثَةُ والبَسَاطَةُ وفُسْتانُ المَاكسِي وسِيقانٌ نَاعِمَةٌ كالرُّخَامِ، وقَلْبُ الرَّجُلِ يَعْشَقُ والرُّوحُ لا تَنَامَ. الأَعْرَاقُ والتّنَوُّعُ والتَّعايُشُ والوِئَامُ، الكَرَمُ وحُسْنُ الضِّيافَةِ والإِكْرَامِ، بِلادُ سُومَرَ وأَكَدَ وبَابِلَ وآشُورَ، مَلاحِمُ كِكَامِشَ وأَحْلامُهُ فِي شِهَابِ السَّمَاءِ، ورِسَالَةُ الإِبْنِ لِأُمِّهِ الحَسْنَاءِ، والآثارُ والأحْجارُ والتأريخُ والحَرْبُ والسَّلامُ، طُيُورُ الأَهْوَارِ والوِدْيانِ، أُورُ وإبراهيمُ وسَارةُ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّساءِ، بَلْ الأَجْمَلُ فِي ذاكَ الزَّمَانِ. بِلادُ الشّجَنِ والأَلْحَانِ، وسِحْرُ الأَبيَضِ والأسْوَدِ والسِّينَما وبِدَايَاتُ الأَلْوانِ، السَيَّابُ والشِّعْرُ والمَطَرُ والقَمَرُ والسَّحَرُ والعَيْنَانِ. عَرَباتُ البَلَدِيّةِ تَرُشُّ المِيَاهَ فِي بَغْدادَ مِنَ الأَعظَميَّةِ إِلى الصَّوْبَيْنِ، وأَحْدَثُ البَاصَاتِ والعَرَبَاتِ بِطابِقٍ أَوْ إثْنَيْنِ، والسُّدُودُ والمَشَاريعُ والمَصَانِعُ والمَطابِعُ وجَيْشٌ قَويٌّ ذُو شَأنٍ! إنّهُ دَوْرُ العِرَاقِ، فَقُتِلَ المَلِكُ الصّالِحُ فِي سَنَةِ 1958 وأنهارَتِ المَلَكِيّةُ والعُقوُدُ الذَّهَبِيّةُ، وصُدِمَ العالَمُ مِنْ قَتْلِ المَلِكِ البَريءِ دُونَ سَبَبٍ، وسَالَتْ دُمُوعُ الرَّبِّ، وبَكَتْ المَلائِكةُ عَلى العِرَاقِ بِعَرَبِهِ ويَهُودِهِ ومَسِيحِيّيهِ وبَكَتْ العَذْرَاءُ الوَرْدِيَّةُ، وبَكَتْ الأمِيراتُ عَلى أَحْقَادِ الزَّمَانِ وخُبْثِ العَسَاكِرِ والخِيَانَةِ ونِفَاقِ العَرَبِ والوَحْشِيَّةِ، وإنْتَهَتْ السَنَوَاتُ البَهِيَّةُ. وبَكَتْ الأميرَةُ بَديعَةُ شَرِيفَةُ الأُسْرَةِ الهاشِميَّةِ وبَكَتْ، وهِيَ مِنَ مَجْزَرَةِ الرِّحَابِ قَدْ نَجَتْ، وفِي الأحْزَانِ بَقِيَّةَ الزَّمَانِ عَاشَتْ، وآخِرُ السَّنَوَاتِ قَدْ مَرِضَتْ، واليَوْمَ فِي أيَّامِهَا الأخيرَةِ قَبْلَ الذِّهَابِ إلى السَّمَاءِ العَلِيَّةِ. وبَكَتْ خَطيبَةُ المَلِكِ الوَسِيمِ ذِي الإبْتِسامَةِ البَهيّةِ -- بَكَتْ الأميرَةُ فاضِلة، الأميرَةُ البَهِيَّةُ، والتي، وأنَا أكْتُبُ كَلِمَاتي هَذِهِ، تَعيشَ سَنَوَاتِهَا الأخيرَةَ اليَوْمَ فِي تُركيا -- بَكَتْ الحَسْناءُ التُرْكيّةُ المِصْرِيّةُ ذاتُ الأُنُوثَةِ البارِيسِيّةِ. وإنْهارَ الحُلُمُ البابِليُّ، وأنْتَهَى الرُّقِيُّ، وأنتَصَرَ القَتَلَةُ، والعِراقِيّونَ للقَتَلَةِ يُهلّلونَ!! وحَكَمَ الخائِنُ عبدُ الكريم قاسِم -- الذي حَلَفَ وأقْسَمَ بِشَرَفِهِ بِأنَّهُ لَنْ يَتآمَرَ ولا يَنْوي أيَّ غَدْرٍ أو تَحَرُّكٍ أو إنْقِلابٍ فِي إجَاباتِهِ عَنْ وعَلى تَسَاؤُلاتِ الوَزيرِ نُوري السّعيد رَحِمَهُ اللهُ، والرَّجُلُ "المَفْروضُ" عِبَارَةٌ عَنْ كَلِمَةٍ، والوَزيرُ سَمِعَ كَلِمَاتِهِ وصَدَّقَ بِهِ -- فَهَلْ لِلخائِنِ شَرَفٌ لِيُقْسِمَ بِهِ؟! فَحَكَمَ الخائِنُ قاسِمُ والغَوْغاءُ مِنَ الجُهَلاءِ والجُهّالِ، وبَدَأتْ الهَمَجِيّةُ وبَدَءَ العَبَثُ، وبَدَأتْ "المُحاكَمَاتُ" وتَمَّ تَشْويهُ الجُّثَثِ، وسُحِبَتِ أبْدانُ الأُمَرَاءِ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقاتِ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ وعُلِّقَتْ، فِي وَحْشِيّةٍ وهَمَجِيّةٍ شَوَّهَتْ كُلَّ الحَضَاراتِ والرِّسَالاتِ، فَعَلَهَا البَشَرُ ولَمْ تَفعَلْها الحَيَوَاناتُ، والعِراقِيّون يُهَلّلونَ!! لَمْ يَبْكُو عَلى المَلِكِ الشَابِّ الذي أحَبُّوهُ أو "المَفْروضِ أَنَّهُم أحَبُّوهُ" فَيَحْمُوهُ أو حَتّى يَسْألو خَائِنِيهِ لِمَ تَقْتُلوُه!! بَلْ تَجَمّعُو وتَجَمْهَرُو وهُمْ يَتَفَرّجُونَ، وأثاثَ وهَدَايَا ومُقْتَنَياتِ القَصْرِ يَسْرِقونَ ويَنْهَبُونَ!! لا تَتَعَجّبْ، هَذا سُلُوكُ الغَوْغاءِ والمُنافِقينَ، وهَذا الزَمَانُ إذا إنْقَلَبَ، وهَكذا هِيَ لَعَناتُ الرَّبِّ. فَهُناكَ شُعُوبٌ قالَتِ "نَحْمَدُ السَّمَاوَاتِ" عَلى نِعْمةِ الأَبِ الصّالِحِ مِثلَ الإمَاراتِ، عِندما أهْداهُمُ اللهُ زايِدَ، وهُوَ طَيِّبٌ وحَكِيمٌ، فَحَافَظو عَلَيْهِ وعَلى بِلادِهِم وشَكَرُو الرَّحمَنَ الرَّحِيمَ، وأُنْظُرْ إلى الإماراتِ اليَوْمَ في هُدُوءٍ وَرَخَاءٍ. أو أُنْظُرْ إلى لُبْنانَ، عِندمَا وُلِدَ لَهُم القائِدُ المُحِبُّ لِوَطَنِهِ بَشيرُ الجمَيّل، لكِنّهُم لَمْ يُحافِظو عَلَيْهِ كمَا يَجِبُ، كَمَا أرَادَ الرَّبُّ، كمَا أرَادَتْ العَذْراءُ، فَقُتِلَ الشّابُّ الشَّهيدُ وَبَكَتْ السَّمَاءُ، وأنظُرْ إلى لُبنانَ اليَوْم، إيرانِيُّونَ وسُوريُّونَ وعِراقِيُّونَ وفِلِسْطينيُّونَ ومُرْتَزَقَةٌ آخَرُونَ، فِي صُورَ وصَيْدا وبَيْرُوتَ والجَّنُوبِ والجِّبَالِ يَعْبَثونَ، يَقْتُلونَ وَيغْتالُونَ، والقَنَابِلَ يُفَجِّرونَ...، هَكذا هُوَ الأمْرُ! أعُودُ إلى العِرَاقِ لِنُكْمِلَ فِيهِ...، وَحَكَمَ العَسْكَرِيُّ الخائِنُ عبدُ الكريم قاسِم ومَعَهُ لَفِيفٌ مِن المُنافِقينَ، لَكِنَّهُ "تَخاصَمَ" كالأطْفالِ والمُراهِقينَ مَعَ سَيِّدِهِ جَمال عبد النّاصِرِ فِي أُمُورِ الحُكْمِ والخَليجِ والكُوَيتِ والتَّسْليحِ...، وأنَا هُنَا لا أمْزَحَ، تَخَاصَمُو أيْضَاً عَلى لَقَبِ الزَّعِيمِ!!! صَدِّقْ أو لا تُصَّدِّقْ، كمَا كانَ فِي التّسْجيلاتِ، مِنْهَا مَا هِيَ سِرّيّةٌ، ومِنْهَا عَلَنِيّةٌ كُوميدِيَّةٌ! وَبَدَءَ الصِّراعُ بيْنَ السَيّدِ المُتَفَرِّدِ والتَابِعِ المُتَمَرِّدِ...، وقُتِلَ قاسِمُ، فَعُمَلاءُ جَمَال فِي كُلِّ مَكانٍ، وجَاءَ عبدُ السّلام عارِف وهُوَ عَمِيلٌ قَدِيمٌ جَدِيدٌ، إذْ كانَ شَريكاً لِقاسِمَ وعَميلاً آخرَ لِعبدِ النّاصِر. وهُنَا أعُودُ قَليلاً فِي العُقُودِ، وأُجِيبُ عَلى ذَاكَ السُّؤالِ المَعْهُودِ: مَنْ هُوَ جَمَال عبد النّاصِر؟؟ هُوَ عَسْكَريٌّ مِصْرِيٌّ مَجْهُولٌ لَمْ تُعْرَف عَنْهُ الشّجاعَةُ والسِّيَاسَةُ والعَقْدُ والحَلُّ، بَلْ عُرِفَ عَنْهُ التَّسَرّعُ والكَثيرُ مِنَ الحَمَاقةِ والجَّهْلِ وقِلّةِ العَقْلِ، كمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ البَعْضِ مِنْ رِفَاقِ دَرْبِهِ وضُبّاطٍ مِنَ الغَرْبِ حَتّى مِنَ الحُلَفاءِ الرُّوسِ أَو السُّوفييتِ قَبْلَ أَنْ يُحَلَّ، وكانَ مُنافِقٌ بَارِعٌ كمَا وَصَفَهُ أحّدُ رِفاقِهِ فِي حَديثٍ "خاصٍّ" مَعَ إحْدى جَمِيلاتِ الفَنِّ فِي ليلَةٍ حَمْراءٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَلَلٌ. وكانَ عبدُ النّاصر مَهْووسَاً بالإِنْفِرادِ والزَّعَامَةِ وكانَتْ النَّزْعَةُ الدِّكتاتوريّةُ تَمْلأَ قَلْبَهُ مُنذُ الصِّغَرِ. وكانَ "سِرَّاً" أَو "عَلَناً" مِنْ عُشَّاقِ هِتْلَر! وقالَ عَنْهُ أَحَدُ عُلَمَاءِ النّفْسِ والتَّحْليلِ فِي النّمسَا بأنَّهُ، أَيْ عبد النّاصِر، كانَ يَخَافُ الغَدْرَ بِهِ والتَّخَلُّصَ مِنْهُ بأَيِّ لَحظَةٍ وفِي أَيِّ وَقْتٍ وأَمْرٍ. وَمِنْ كوَابِيسِهِ اليَوْميَّةِ كانَ الفَزَعُ والخَوْفُ مِنَ المَجْهولِ، ورُبَّمَا، وهُنَا أُضِيفُ وأَقُولُ، كانَ هَذا سَبَبَاً فِي تَجَسُّسِهِ عَلى الكَثيرِ مِنَ القادَةِ والوُزَراءِ والأَصْدِقاءِ العَرَبِ بَلْ وحَتّى الفَنّانينَ ومِنْهُم أُمّ كلثوم وعبد الحَليم وفاتِن حَمامَة وسُعاد حُسنِي وعُمَر الشّريف وغَيرِهِم، وإِرْهَابِهِم وتَسْجيلِ جَلَسَاتِهِم ومُكالَمَاتِهِم، ومِنْهَا العَاطِفيّةِ، رُبَّما، لإبتِزازِهِم لاحِقاً أَو عَلى أَقَلِّ تَقْديرٍ لِلسَيْطَرةِ عَليْهِم وإِستِخْدامِهِم فِي أُمُورٍ "خَاصّةٍ" فيمَا بَعْد! وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ هُوَ مَآلُ الكَلامِ، إذْ يَعتَقِدُ الخائِنُ أَنَّ النَّاسَ كُلُّهُم خَوَنَةٌ، ويَظُنُّ الكاذِبُ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ ويُحيطَ بِهِ كاذِبُونَ بَلْ وكَذّابُونَ! لِهَذا غَدَرَ ناصِرُ بِقائِدِهِ وقَتَلَ أَصْحابَهُ ورِفاقَهُ، لكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِي! وَبَعْدُ... دَمَّرَ مِصْرَ والتَنوّعَ والتَّعايُشَ والنَّسيجَ المُجْتَمَعِيَّ الجَّميلَ فِي مُجْتَمَعٍ جَمِيلٍ تَجِدَ فِيهِ المُعَلِّمَ والفَلاَّحَ يَداً بِيَدٍ، والهانِمَ الحَسْنَاءَ "الرَّاقِيَةَ" وفَتاةَ التِّرْتِرِ الجَّميلَةَ "الجَدْعَةَ" يَدَاً بِيَدٍ، فِي مِصْرَ التي يُحِبُّها الرَّبُّ، بَعْدَ إنْ كانَتْ قَبْلَ الإنْقِلابِ مِنَ الأجْمَلِ والأبْهَى والأغْنَى بَيْنَ البِلادِ، ولَمْ يَكْتَفِي! وأشْعَلَ حُرُوباً غَبيّةً لا طائِلَ مِنْها كَحَرْبِ عامِ 1956 مِن أجْلِ قَناةِ السّويسِ التي كانَتْ "سَتَعودَ" لِمِصْرَ تِلقائيّاً حَسَبَ الإتّفاقاتِ والعُقودِ بَعْدَ سَنَواتٍ، ولَمْ يَكْتَفِي! وأفْقَرَ مِصْرَ، ولَمْ يَكْتَفِي! وجَاءَ دَوْرُ العِراقِ، أرْضِ يونانَ وحِزْقيالَ وحَضَاراتِ الجَّميعِ ونَسَماتِ الرّبيعِ...، أوَّلُ الحَضَاراتِ فِي الكَوْنِ بَعْدَ آدَمَ والوُجُودِ، وثانِيَ الحَضَاراتِ بِقِياسِ الحُكومَاتِ ورَسْمِ الحُدُودِ، لكِنِّي سأتَحَدّثُ عَن تَفْصيلِ ذلِكَ لاحِقاً...، ولَمْ يَكْتَفِي عَبدُ الناصِرِ، وأنَا لَنْ أكْتَفِي! وتَآمَرَ ناصِرُ عَلى سُورية، الجَّمالُ وخِفَّةُ الرُّوحِ والعِطْرُ الشَامِيُّ... أبو عَنْتَر وغَوّارُ وفَطّومُ وياسِين وحسْنِي... الصَّوْتُ والمَوّالُ وفَخْرِي... والأنْغامُ والليَالِيَ... التِلْفازُ والغِنَاءُ والرَّقْصُ ويا بُو رديْن وأُنوثَةُ صَباح الجّزائِريّ... السّينَما والجَّمَالُ والعَيْنَانِ... وأفْلامُ إغْراءَ والشَّعْرُ والنَّهْدَانِ... البَحْرُ والنَّهْرُ والقُرَى والودْيَانِ... سِحْرُ طَرْطُوسَ وكَسَبَ وبلُودان... دَلالُ الحَلَبِيَّةِ لَيْسَ لَهُ مَثيلٌ... وهَلْ مِنْ شِفَاهِ الشَّامِيَّةِ هُرُوبٌ أو سَبيلٌ؟! ونَجَحَ ناصِرُ فِي إحْزَانِ اليَاسَمِينِ مَعَ عُمَلاءٍ وَعَساكِرَ سوريّينَ، ولَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ عَلى ليبيا النّسِيمِ العَليلِ، لِيأتِيَ بِحاكِمٍ غَرِيبِ الأطْوارِ، وَنَجَحَ في تَدْميرِها، ولَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ عَلى اليَمنِ السَّعيدِ وأرْسَلَ الجّيوشَ والسِّلاحَ، وَنَجَحَ في تَقْسِيمِها، ولَمْ يَكْتَفِي! وأفْسَدَ عِلاقاتِ مِصْرَ مَعَ الكَثيرينَ بِخِطاباتٍ تَافِهةٍ وشَتَائِمٍ للقَريبِ والبَعيدِ لِأسْبَابٍ وعُقَدٍ فِي رأسِهِ، وتَسَبّبَ فِي أغْبَى الحُرُوبِ فِي عامِ 1967 وكانَتْ نَكْسَةً وهَزيمَةً مُزِّقَتْ مِصْرَ والعَرَبَ! وكانَتْ مِصْرُ فِي زَمَنِ المَلِكِ فاروقَ عَرُوسَ أفريقيَا وسَلّةَ الأرْضِ تَمْلأَ خَيْراتُها وخَزائِنُها خَزائِنَ بِلادٍ وبُلْدانٍ. ومُزِّقَتْ أورشَليمُ أو القُدْسُ وبِلادُ العَرَبِ، فَرَقَصَ الإسْرائيليّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ العَظيمِ، لكِنَّ ناصِرَ لَمْ يَكْتَفِي! فتآمَرَ عَلى تونس، أرْضُ الحُسْنِ والرِّقّةِ الفرانكفونيّةِ... الأُنوثَةُ المَغَارِبِيّةُ... حَلاوةُ اللهْجَةِ المَحَلِّيّةِ... السَّلالِمُ المُوسِيقِيّةِ... بوشناقُ وعُلَيَّةُ... سِحْرُ الإيقاعِ ورَوْعَةُ الحَضْرَةِ التُّونِسيّةِ... الزّيارَةُ التي أنتَظِرُهَا فِي كُلِّ سَنَةٍ وأشْرَبُ شّايَ الدارجيلينج مَعَ الطَّرَبِ وأسْتَمْتِعُ وأُغْمِضُ العَيْنَانِ والتِلْفازُ يُغَنِّي... والسَّهْرَةُ لَيْلِيَّةٌ صَبّاحِيَّةٌ... تُحَلِّقُ الأنْغامُ وتَطيرُ النَّغَمَاتُ فِي لَيالٍ قَمَريّةٍ...، وعبدُ النّاصِرِ لَمْ يَكْتَفِي! وحَاوَلَ وتَآمَرَ ثُمَّ حَاوَلَ وفَشِلَ وحَاوَلَ وفَشِلَ، لكِنَّهُ لَمْ يَكْتَفِي! وتآمَرَ مَعَ أَتْباعِهِ مِنْ مُنافِقِي العَرَبِ سِرَّاً عَلى لُبْنَانَ، سويسرا الشَّرْقِ... بِلادُ الأَرْزِ والجِّبالِ والزَّرْعِ... الأُنوثَةُ والدَّلَعُ والدَّلالُ وجَمَالُ خَصْرِ النِّسَاءِ إِذا مَالَ... ويَا وَيْلَ الرِّجَالِ إِذا مَالَ... صَالَ النَّظَرُ مَعَهُ وَجَالَ... لُبْنَانُ، رَوْعَةُ الطَّبيعَةِ والقُرَى وسِحْرُ الضَّيْعَةِ والوِدْيَانِ... بِلادُ القِدّيسَةِ العَذراءِ... أُمُّ النُّورِ أَطْهَرُ النِّسَاءِ... لُبْنانُ الكُبْرَى والتأريخُ والرَّبُّ والتَّلامِيذُ والجَّليلُ الشّرْقِيُّ... طَبَريَّا وصَيْدَا وسَمْعَانُ والصَّخْرَةُ والبَّحْرُ الأَزْرَقُ والنَّهْرُ الوَرْدِيُّ... والكِتابُ والسَّمَاءُ... فيرُوزُ والرّحبانِي وعَازِفُ الّليْلِ وجَمَالُ الأَلْحانِ... وَديعُ وفَريدُ والنّابُلسِي وسِحْرُ عُيُونِ أَسْمَهانَ... والثَّقافَةُ والأَدَبُ وأَقْلامُ جُبْران... وبشِيرُ الجميّلِ... الشَّهيدُ بَشِير، رَمْزُ الإِخْلاصِ والدَّيْر... القائِدُ الشَّابُّ... إخْتَارَهُ الشَّعْبُ "إنْتِخاباً" كَقَائِدٍ ورَئيسٍ... فَنَزَلَتِ المَلائِكَةُ وهَلّلَتْ وهَرَبَ إبْليسُ... الشَيْخُ بَشِيرُ... الكِبَارُ والصِّغَارُ أحَبُّوهُ... آخِرُ الرُّؤساءِ والزُّعَمَاءِ والأَمَلُ الأَخيرُ... وبَعْدَ عَشْرِ سَنَواتٍ وسَنَتَيْنِ مِنَ التآمُرِ بِقُنبِلَةٍ قَتَلوُهُ... وَسَكَتَ الزَّمَانُ... وإِنْهارَ لُبْنَانُ... قَتلوُهُ بأَوامِرٍ سُوريّةٍ وفَتَاوٍ إِيرانيّةٍ وأَمْوالٍ لِيبِيّةٍ وقَنَابِلٍ فِلِسْطينِيّةٍ وخِيانَةِ "النِّسَاءِ" والشَّيْطانِ! أعُودُ إلى عبدِ النّاصِرِ، ولَمْ أكْتَفِي! لَمْ يَكْتَفِي زَعِيمُ الإنقلاباتِ ناصِرُ بِتَدْميرِ المُجتَمَعاتِ، وإنْهَاءِ عُصُورِ الرُّقِيِّ والمَلَكيّاتِ، والقَضَاءِ عَلى تَنَوّعِ الأدْيانِ والدِّياناتِ، وتَدْميرِ الأراضِي والحُقولِ والمَزارِعِ والمَشاريعِ والأحْلامِ والحُرّيّاتِ، والإسْتِقلالِ والمُستَقبَلِ والآمَالِ، ولَمْ يَكْتَفِي بِقَتْلِ النّساءِ وسَجْنِ الرِّجالِ. لَمْ يَكْتَفِي المُتَآمِرُ ولَمْ يَكْتَفِي المُتَآمِرُون: زَعَمُاءُ الأوْهامِ عبد النّاصِر والقَذّافِي، وحافِظُ الأسدِ الذي قالَ عَنُهُ أحَدُ حُكّامِ الخَليجِ في جَلْسَةٍ "خاصَةٍ" بأنَّهُ كسُمِّ الثُّعبانِ قَدْ يَبيعَ أباهُ ويَغْدِرَ بِكَ أو "بِكِ" في ثَوَانٍ -- وياسِر عَرَفات، أبو عَمّار، شَيْخُ المُنافِقينَ وسارِقُ الذّهَبِ والمَاسِ، والرّاقِصُ فِي كُلِّ الأعْراسِ، الذي قالَ عَنهُ الرّئيسُ الرّاحِلُ صَدّام حسين في إحْدى التّسْجيلاتِ "الخّاصّةِ" والمُطَوَّلَةِ والسّيكارُ فِي يَدِهِ بأنّهُ، أيْ صَدّام حسين، يَجلسَ مَعَ عَرَفات ويبتسمَ لَهُ ويُساعِدَهُ ويُسانِدَهُ ويُوَطِّنَ أتْباعَهُ فِي بَغْدادَ فِي شُقَقٍ فارِهَةٍ ويَصْرُخَ بِتَحْريرِ "قُدْسِهِ" لأنَّها مِنْ مَبادِئِ "الحِزْبِ والثَّوْرَةِ" وتَلْتَهِبَ مَعَهُ القُبَلُ والأحْضانُ، لكِنّهُ يُدْرِكُ في قَرَارَةِ نَفْسِهِ بأنَّ عَرَفاتَ "أوْسَخُ" مِن حافِظِ الأسدِ والخُمَيْنِيّ وأنَّهُ يَبيعَ "قَضيّتَهُ" بِدينارٍ، وبِأنَّهُ، أيْ صَدّام حسين، عَلى عِلْمٍ ودِرايَةٍ أيْنَ يَذهَبُ عَرَفاتُ "مُتَخَفّياً بِكُوفِيَّتِهِ"عِندما يُغادِرُ بَغدادَ بأيّامٍ!! وكانَ هذا تَسْجيلٌ وحَديثٌ مُطَوَّلٌ شَرِبَ فيهِ صَدّامُ وسَكِرَ، وأسْتَمَعَ إلى الكَثيرِ مِنَ النُّكاتِ ال "+18" وكانَتْ ضَحِكاتُهُ تَطِيرُ فِي السَّماءِ، وكانَ يُسَمِّيَ الرُّؤَسَاءَ والقَادَةَ العَرَبَ بأسْماءِ شَخْصِيّاتٍ كَرْتُونيّةٍ! أعُودُ إلى عبدِ النّاصِرِ والعِراقِ والإنْقِلاباتِ لِأنْقَلِبَ بالكَلِمَاتِ والأحْداثِ إلى إنْقِلابِ 1958 المَشْؤومِ وقَتْلِ المَلِكِ الشّابِّ البَرِيءِ، ومَاذا كانَ مِنْ عَصَا مُوسَى والأفاعِيَ والثّعابينَ والسُّمُومِ. وَمَرَّتْ سَنَواتٌ عِراقِيّةٌ...، وقُتِلَ جَميعُ القَتَلَةِ، لأنَّ مَلائِكةَ السّمَاءِ قبلَ سَنَواتٍ قد بَكَتْ، عِندمَا دَمَعَتْ العَيْنُ ودَمَعَ المَطَرُ وكَثيرُ الدَّمْعِ وسَقَتْ الدُّموُعُ ما أرادَتْ وَسَقَتْ، وتَنافَسَ السُّقَاةُ عَلى الدُّموُعِ، عِندمَا بَكَتْ الأميرَاتُ، عِندمَا سَالتْ الدِّمَاءُ، دِمَاءُ المَلِكِ الطَيِّبِ فِي حَديقةِ قَصْرِهِ عَلى التُّرابِ والزَّرْعِ والزُّرُوعِ، عِندمَا صَعِدَ صُراخُ الوَصيفاتِ الباكِياتِ إلى السّمَاءِ، عِندمَا سَمِعَ الرَبُّ الصُّراخَ والبُكاءَ، فكانتْ عَدالَةُ الأرْضِ والسّمَاءِ. وقَتَلَ الخائِنُ شَريكَهُ الخائِنَ، فالخَوَنةُ لِبَعْضِهِم يَقتُلونَ، هَكذا عَلّمَنا التأريخُ والزّمانُ، هِيَ لُعبةُ الخِيانةِ والكَراسِيَ والأزْمِنةِ والأزْمانِ. بَعْثِيّونَ يَقتُلونَ شِيوعيِّينَ، وشِيوعِيّونَ يَقتُلونَ بَعْثيِّينَ، وقَومِيّونَ يَقْتُلونَ الإثْنَيْنِ، والإثْنانِ يَهْرُبانِ، والجَّميعُ يَتَقاتَلونَ ثُمَّ يَتَعانَقونَ ويَتَصَالَحُونَ!! أُكْمِلُ كَيْ لا يَتيهَ عَقْلُكَ وعَقْلِيَ ونَضيعَ بَيْنَ الأحْداثِ والمُفاجآتِ...، قُتِلَ قاسِمُ، والقاتِلُ هُوَ عارِفُ الرّفيقُ والصّديقُ! ثُمَّ قُتِلَ عارِفُ، والقاتِلُ هُوَ البَكِرُ الرّفيقُ والصّديقُ -- الذي شارَكَ عارِفَ في قِتالِ وقَتْلِ قاسِم فِي وِزارَةِ الدِّفاعِ ومَبْنى الإذاعَةِ والتّلفِزيون! وقُتِلَ عبدُ النّاصِر بِقَطَرَاتِ سُمٍّ في فِنجانِ قَهوَتِهِ، والقاتِلُ هُوَ الرّفيقُ والصّديقُ! وحَكَمَ شَقيقُ عارِفَ لكِنَّهُ، عَلى عَكْسِ أَخِيهِ، طَيّبٌ خَلُوقٌ لا يُحِبَّ القَتْلَ والنِّفَاقَ، فَخُيِّرَ بَيْنَ القَتْلِ أو السَّلامِ، فقَبِلَ التَّنازُلَ والسَّلامَ والإسْتِسْلامَ! وجَاءَ البَكِرُ وصَدّام حسين وآخَرونَ، وهُم بَعْثِيّون، لكِنّهُم لِ "قومِيّةِ" عبدِ النّاصِرِ تابِعونَ، والعِراقِيّونَ لهُم يُهلّلونَ!! وبُنِيَ العِراقُ من جَديدٍ، رَغْمَ النّارِ والحَديدِ، وعَادَتِ السّعادةُ للعِراقِيّينَ، هِيَ نِهايَةُ السِّتينيّاتِ، وسِحْرُ السَّبعينيّاتِ، والرّخاءُ للجَّميعِ، وتَعَلّمَ الجَّميعُ، وأصْبَحَ التّعْليمُ فِي العِراقِ الأرْقى فِي الشّرْقِ، هِيَ أرْضُ سُومَرَ عادَتْ مِنْ جَديدٍ، وَذُهِلَ العَرَبُ والغَرْبُ مِنْ ثَقافَةِ العِراقِيّينَ، واليونسكو قالَهَا لِلعَلَنِ، أنَّ التّعْليمَ فِي العِراقِ رائِعٌ ومٌعْجِزَةٌ ولا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، فأحمَد حَسَن البَكِر قَدْ نَدِمَ عَلى القَتْلِ والمُؤامَراتِ، أو رُبَّما تَعِبَ مِنْها وَلَمْ يَعُدْ يَقْدِر عَلَيْها، ولَبِسَ المَلابِسَ المَدَنيّةَ، وأحَبّ السّلامَ والإزدِهارَ وحَنَّ إلى الأيَّامِ الوَرْدِيَّةِ، فأصبَحَ لِمُحِبّيهِ الأبُ القائِدُ، وصَدّامُ هُوَ القَويُّ النَّائِبُ...، هِيَ سَبعينّياتُ الخَيْرِ والسّعادَةِ، ومَعَها، وَرَاءَ الكَواليسِ، كانَتْ النّارُ ومَعَهَا الحَديدُ وَهِيَ لِلعَسْكَرِ عَادَةٌ، والحَديدُ لِشِيعَةِ العِراقِيّينَ عَاشِقِي الفِتْنَةِ والشِّقَاقِ، رُبَّمَا، هُوَ الحَلُّ الوَحِيدُ! وأصْبَحَ العِراقُ لَوْحَةً جَميلَةً يَهْوَى النَّظَرَ إليْهَا العَرَبُ والغَرْبُ البَعِيدُ...، الطَّرَبُ والمُوسِيقَى والأنْغامُ وغَزَلُ النِّساءِ، والأَزْيَاءُ والشَّعْرُ المَسْدُولُ والقَصِيرُ والبَنْطَلُون، وجَمَالُ السّيقانِ التي تَمْشِيَ عَلى الدَّرْبِ، وأَنَاقَةُ الرِّجالِ ودَلالُ النِّساءِ، ومَا خَلَقَ مِنَ العُيُونِ... سُبْحانَكَ يا رَبُّ -- عِندمَا كانَ الجَّمَالُ "طَبِيعِيَّاً" وكانَ سَلامُ النُّفُوسِ وجَمَالُ الأَيَّامِ وعَذَابَاتُ الرِّجَالِ بِحُسْنِ النِّسَاءِ والفَتَيَاتِ، ولَيْسَ غُرْبَةُ النَّفْسِ وغَرَابَةُ أَيَّامِنَا وحَيْرَةُ الرِّجَالِ بِالنِّسْوَةِ، والحَيْرَاتُ بِكَمِّ الوُجُوهِ المُتَشَابِهَةِ والفِلْتَرَاتِ!! كانَتْ سَنَواتٌ ذَهَبيّةٌ، أزياءٌ ورَقْصٌ وغِنَاءٌ أَنْغَامُهُ الإِحْسَاسُ وأَلْحَانُهُ الرُّوحُ، رِجَالٌ ونِساءٌ، حُرِيَّةٌ ودَلالٌ، بِنْطالُ الجَرَسِ والجارلِسُ والتَنّورةُ والقَصِيرُ، غَرامٌ وسَهَرٌ وغَزَلٌ وأمِيرَةٌ وأمِيرٌ، والخَصْرُ وَجَمَالُ السَّاقَيْنِ، الشَّعْرُ والعُيُونُ والأُنوثَةُ وأحْمَرُ الشِّفاهِ ونُعومَةُ اليَدَيْنِ، سِحْرُ الفولكس فاغِن والأفلامُ والسّينَما والإنْفِتاحُ، فَلا إنْقِلاباتٌ وَلا جِرَاحٌ، وأصْبَحَتِ السّبعينيّاتُ فِي العِراقِ وبِلادُ العَرَبِ والعالَمِ عَقْداً للجّمَالِ والأَفْراحِ، رَغْمَ حَرْبٍ وحُرُوبٍ هُنَا وهُنَاكَ. كاسترو يَزُورُ العِرَاقَ ومَعَهُ هَدَايَا السِّيكَارِ الكُوبِيِّ، فيُغْرَمَ بِالتَطَوُّرِ والرَّخَاءِ...، هِيَ السَبعينيَّاتُ، يَا سَادَة، عَقْدُ النَّفطِ والثَّرَوَاتِ والتَّعْليمِ والبِنَاءِ، إذْ كانَ حُكّامُ العِرَاقِ والعَرَبِ مَعَ شُعوبِهِم عَلى حُكْمٍ وأُمورٍ مُتَّفِقينَ: إفْعَلْ أَيُّهَا المُواطِنُ العِرَاقِيُّ والعَرَبِيُّ مَا تَشاءُ... أُرقُصْ، إفْرَحْ، تَعَلَّمْ، إِرْفَعْ يَدَكَ بالدُّعَاءِ، أو إِنْسَ الأَمْرَ ولا تَعْبُد أَو تَتَعَبَّد، كمَا تَشَاءُ، لا شَأنَ لَنَا بِكَ مِنَ الأَلِفِ إلى اليَاءِ... سَافِرْ، غازِلْ، وتَغَزَّلْ بالنِّسَاءِ، إلبَسْ وإِرتَدِ مِنَ الثِّيابِ مَا تَشاءُ، وتَعَرّى "سِرَّاً" كَيْفَمَا تَشاءُ ومَتَى مَا تَشَاءُ، هِيَ حَيَاتُكَ وهِيَ الحَياةُ ومَا تَشَاءُ...، لكِنْ إِيّاكَ ثُمَّ إِيّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ، أَنْ تُؤذِيَ الآخَرينَ أَو أَنْ تَتَحدّثَ فِي "السِّياسَةِ" وأُمُورِ الحُكمِ والثَّوْرَةِ والبَعْثِ وسِيرَةِ الرِّفَاقِ والرُّفَقَاءِ، أَو أَنْ تَتَحَدَّى أَصْحَابَ النُّفُوذِ أَو "أَوْلادَهُم أَو بَنِيهِم لاحِقَاً" أَو أَنْ تَرْفُضَ تَمْجِيدَ الزُّعَمَاءِ! وإِلاّ صِرْتَ ضَحِيَّةً مِنْ ضَحَايَا أَبُو طُبَر والسَّاطُورِ والسَّوَاطِيرِ والسَّكاكِينِ والأَكْفَانِ ومَاءِ الوَرْدِ والحِنَّاءِ، أَو، عَلى الأَقَلِّ، صِرْتَ واحِدَاً مِنَ السُّجَنَاءِ -- كَمَا يَقولُ الآباءُ والأَجْدادُ: حَرَامِي لا تصِير، مِنْ شُرطِي "سُلطان" لا تَخَاف!! وقَبِلَتْ الشُّعوُبُ وكانَ الجَّميعُ سُعَدَاءَ مُتحابّينَ، وكانَ هَذا سِرُّ السّبعينيَّاتِ، ورُبَّما، رُبَّما، لاحِقاً، شَيْئَاً مِنَ الثّمانينيَّاتِ. لكنَّ السَّماءَ لَمْ تَنْسَى الأَحْدَاثَ ومَا جَرَى، والأَحْدَاثُ قَبْلَ سَنَوَاتٍ هِيَ الأَقْسَى، والسَّماواتُ عَلى العِرَاقِ غَضِبتْ مَرَّةً أُخْرَى، ومَا أدْراكَ مَا غَضَبُ السّماواتِ العُلَى! وكانَ صَدّام حسين أو السَيِّدُ النائِب أكْثَرَ قُوَّةٍ وحُضُورٍ ونُفُوذٍ، عِرَاقِيَّاً وعَرَبيَّاً ودُوَليَّاً، مِنَ البَكِر الذي ضَعُفَتْ صِحَّتُهُ وكَبِرَ فِي السِّنِّ، ولَمْ يَعُدْ لَقَبُ النائِبِ يَكْفِيَ ويَلِيقَ، فَأرَادَ صَدّامُ حسين كُرْسِيَّ الرِّئاسَةِ ولَقَبَ السَيِّدِ الرَّئيسِ، لكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلْحاقَ الأذَى بالبَكِر إذْ كانَ يَحْتَرِمَهُ ويَحْتَرِمَ تأريخَهُ وحُبَّهُ لِبَلَدِهِ، فَقَرَّرَ أنْ يَكونَ الأمْرُ سِلْميَّاً بالتَّراضِي، أيْ "بالعِينِي والآغاتِي" وأُبْلِغَ الرّئيسُ العِراقِيُّ البَكِرُ بالأمْرِ "الذي كانَ يَتَوَقَّعَهُ فِي لَحْظَةٍ مَا لأنَّهُ القَدَرُ" وكانَ كذَلِكَ، وكانَتْ التَنْحِيةُ. والبَكِرُ قَبِلَ الواقِعَ والقَرَارَ خَوْفَاً عَلى العِراقِ أنْ يَدْخُلَ فِي صِرَاعاتٍ بَعْثِيَّةٍ وحِزْبيَّةٍ ويَضِيعَ البَلَدُ والوَطَنُ الجَّميلُ والإزْدِهَارُ. ومَسَكَ صَدّامُ حسين السِّيكَارَ بيدِهِ، وبَدأتْ التَّصْفِيَاتُ البَعْثِيّةُ، ومَلالي الحَوْزاتِ والثَّعابِينُ فِي إيرانَ والعِراقِ مِنْ بَعِيدٍ وقَريبٍ يَرْقَبونَ، وعُمَلاءُ إيرانَ فِي "حِزْبِ الدَّعْوَةِ" مِنَ الجُهَلاءِ والجُّهَّالِ والسُّرّاقِ والقَتَلَةِ وكارِهِي العِراقِ فِي الدَّاخِلِ والخارِجِ يَنْتَظِرونَ، وحافِظُ الأسَدِ والسُوريُّونَ وفُروعُ البَعْثِ المُنْشَقِّ وكارِهُو أرْضِ الرَّافِدَيْنِ خَلْفَ الحُدُودِ يَرْقَبونَ، وَغَيْرُهُم كَثِيرونَ. ومَرّةً أُخرَى، بَدَأتْ المُؤامَرَاتُ، وبَدءَ صِرَاعُ الخِطَاباتِ. ومَرّةً أُخرَى، هِيَ لُعْبَةُ الكَراسِيَ التي يَعشَقُها العَسْكَرُ والعَساكِرُ، وحَكَمَ صَدّامُ القَويُّ الماكِرُ، وهُوَ عَلى حُكْمِ العِراقِ لَقَادِرٍ. وأنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ فِي قاعَةِ الخُلْدِ مَعَ الأوامِرِ والسّيجَارِ والسَّجَائِرِ. لكِنّ مَلالي قُمَّ وطَهرانَ كانُو بالمِرْصَادِ، وعِمامَاتُ إيرانَ لا زالتْ فِي إيرانَ تَغْلِي، وشاهُ إيرانَ ضَعيفٌ ومِنْ مَرَضِ السَّرَطانِ يُعانِيَ، وهُوَ فِي مَأزَقٍ كَبيرٍ، والغَرْبُ عَلَيْهِ بِسَببِ أسْعارِ النَّفْطِ غاضِبٌ وأعْطَاهُ مُهْلَةً للتَّسْعِيرِ. لكِنَّ الأمْرَ قَدْ إنْتَهَى، وهَكذا، أنْتَصَرَتْ الفَوْضَى، وبَدّأتْ ثَوْرَةُ الجَّهْلِ وَنَشْوةُ الإسْلامِ السِّياسِيِّ المَشْؤُومِ، والغَوْغَاءُ للعِراقِيّينَ والعَرَبِ بالمِرْصَادِ، وَظَهَرَتْ الأحْقادُ، وحَانَ وَقْتُ تَصْديرِ الثَّوْراتِ...، إنفِجارَاتٌ فِي بَغدادَ والجّامِعاتِ، مُحاوَلاتُ إغْتِيالٍ في العِراقِ، وفِي لُبْنانَ إعْدامَاتٌ! لكِنْ كَيْفَ بَدَأتْ اللعْنّةُ ومَعَهَا الشَّرُّ والشّؤْمُ؟؟ وَمَتى إسْتَيْقظَ الشَّيْطانُ؟؟ تَآمَرُو عَلى شاهِ إيرانَ، والأنْظارُ عَلى باريسَ وبَرْلينَ ومُخابَراتِ الألمانِ، ورَفَضَ الشّاهُ أنْ يُوَقِّعَ الوَرَقَةَ والوَرَقَ، والغَرْبُ، كَعادَتِهِ، يُفَكِّرَ بالنَّفْطِ والمَالِ وأرْضِ العَرَبِ والشّرْقِ، وأنْهارَ الحُلْمُ الإيرانِيُّ كالرِّيحِ الصَّفْراءِ والبَرْقِ، إذْ كانَتْ إيرانُ قبلَ ثَوْرةِ العِمامَةِ والشّيطانِ عَرُوُسَاً فِي الشّرْقِ، وأنْتَهَى كُلُّ شَيءٍ، وَهَرَبَتْ العَرُوُسُ والحَجَرُ إنْشَقّ، وقَتَلَ المَلالي شَقيقةَ العَرِيسِ وقَتَلُو العَرُوُسَ، وهَرَبَ العَرِيسُ إلى مِصْرَ وبَكى الأطفالُ، وهَرَبَ الرِّجالُ، وسَالتْ دُمُوعُ أجْمَلِ نِساءِ شَرْكَسَ وفارِسَ وإيرانَ، وغادَرَ القَمَرُ ومَعَهُ الحِسَانُ، وبَكَتْ الحَسْناوَاتُ، بَكَتْ الحَسْنَاءُ كوكوش ومَعَهَا بَكى أهْلُ بَغْدادَ، غَنَّتْ لَهُم زُورُونِي فَأحَبُّوهَا وكانَتْ لَهُم كالفَرَّاشَةِ تَطيرُ إلى العِراقِ مِنْ إيرانَ، وهايدَه ونوش آفرين، لیلا فروهر وأجْمَلُ نِساءِ نَوْروزَ وأذربيجانَ، وغابَتِ الشَّمْسُ عَنْ البِلادِ، الحُريَّةُ والسِّينَمَا والفَنُّ والفَلْسَفَةُ والشِّعْرُ والسّجّادُ، والطَبيعَةُ والأشْجارُ، الرُّزُّ والخُبْزُ والكافيارُ، الغِناءُ والرَّقْصُ والحَريرُ وجَمَالُ الألحانِ -- هُوَ التأريخُ وهِيَ المَلالي والأحْقادُ، والتأريخُ بِكُلِّ سَوَادِهِ قَدْ عَادَ! لكِنَّ المَلالِيَ كالشَّيْطَانِ، وتَدْميرُ الجَّمَالِ والآمالِ لا يَكفِي، ولا يَكفِي غَسْلُ العُقُولِ وغَسِيلُهَا، ومَلاليَ الجَّهْلِ لَديهِم دُسْتُورٌ، ودُسْتُورُ الشَّرِّ يَقولُ: كُلُّ العَرَبِ إيرانِيّونَ، وفِي أُصُولِهِم فارِسيّونَ، وأحْفادُ عُمَرَ ويَزيدَ والحَجَّاجِ جُناةٌ، والمَسيحيّونَ رُعَاةٌ، واليَهودُ لا يَسْتَحِقّونَ الحَياةَ، ولا فَرْقَ بَيْنَ مُوسَى وهارُونَ وصُهْيونَ، لا فَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والسّياسَةِ، ويَجِبُ إحْراقُ الشَّرْقِ وبِلادِ الضّادِ، بالصِّراعاتِ والقَتْلِ والفَقْرِ والبُؤْسِ والجِهَادِ، نَحْنُ الإيرانيّونَ، يَقوُلون، لَديْنا العَرْشُ والجَّحِيمُ والنَّارُ، ومِفْتَاحُ الجَنّةِ وأسْرَارُ المَوْتِ والحَيَاةِ والنِّساءِ والحُوُرِ، وفِي ذلِكَ لا حِوَارَ... هُوَ التأريخُ الفارِسِيُّ وكُتُبُ المَدارِسِ وتَعْليمُ الأطْفالِ، هُوَذا الدُّسْتُورُ، والعَلْمانيّونَ الحَياةَ لا يَستَحِقّونَ، والنَّجَفُ وكربَلاءُ والأرْضُ لِإيرانَ وبِلادِ فارِسَ ومَلاليَ اللياليَ والسَّمَرِ، والخُمَيْنِي خَلِيفَةُ اللهِ مِنَ البَرِّ إلى البَحْرِ، ولَعْنَةُ "آيَةِ اللهِ" عَلى أتْبَاعِ عُثْمانَ وعَمَرَ، والمَسيحِيّونَ والسّنةُ مِنَ الحُكّامِ خَطٌّ أحْمَرٌ!!! وقالَهَا الإيرانِيّونَ والعُمَلاءُ والجُّهَلاءُ: إمَّا أنْ نَحْكُمَ أرْضَ عَلِيٍّ والحُسَيْن، أو نُسقِطَ نِظامَ صَدّام حسين!! وكَتَبوُ رِسالَةً بِهَذا وإلى صَدّام سُلِّمَ الخِطَابُ، وصَدّام قَويٌّ يَعْشَقُ العِراقَ والتُّرَابَ، ومَعَهُ لا يجِبُ أنْ تَتَحَدّى وتَعْبَثَ أو تَلْعَبْ! وبَدَأتْ الحَرْبُ، وأنْتَهَى قِطارُ السّبعينيّاتِ وأيّامُهُ الوَرْدِيّةِ، وخُتِمَ فصْلُ الكِتابِ وفُصُولِهِ الذَهبيّةِ. والخُمَيْنِي يُفْتِي ويَقْتُلَ بإسْمِ اللهِ وعليٍّ والحُسَينِ والرَّبِّ، وحافِظُ الأسَد يُرسِلُ الصّواريخَ إلى إيرانَ لِتُطْلَقَ عَلى رُءُوسِ العِراقِيّينَ والعَرَبِ!! ومِثْلُهُ فَعَلَ القَذّافِي بإسمِ القُدْسِ والعَرَبِ -- والقَذّافِي أَحَبَّ الإِيرانِيّينَ وأَعْطاهُم المِلْيارَاتِ لِقَتْلِ صَدّامَ بِأَيادٍ إِيرَانيَّةٍ، لكِنْ بَعْدَ غَزوِ العِراقِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا حاوَلَ إنْقاذَ صَدّامَ وبَكَى عَلَيْهِ بَعْدَ إعْدامِهِ بِحِبَالٍ إيرانيَّةٍ!!! وأعُوُدُ للحَرْبِ الفارِسيَّةِ... وتَسْتَمِرُّ الصِّراعاتُ فِي العِراقِ ولُبنانَ وتَزْدَهِرُ تِجارَةُ السِّلاحِ والمَوْتِ والمُرْتَزَقةِ مِنَ الشَّرْقِ والغَرْبِ! والغَرْبُ يَبيعُ السِّلاحَ لِكُلِّ الأطْرافِ والطَرَفَيْنِ، والشّرِكاتُ تَكْسَبُ! وأَمريكا ودَوْلَتُها العَميقَةُ أَرَادَتْ إِضْعَافَ الإِثْنَيْنِ، فأَرَادَتْ عِرَاقاً ضَعِيفَاً وهَذا يَعْنِي ضَعْفَ الشَّرْقِ مِنَ العَرَبِ، وأَرَادَتْ حُكْماً شِيعيَّاً "دائِمَاً" فِي إيرَانَ كَيْ تُبْقِي تَهْدِيدَاً دائِمَاً عَلى المَمْلَكَةَ العَرَبيَّةَ السّعوديَّةَ والخَلِيجِ العَرَبِيِّ للتَّحَرُّكِ والتَّحَكُّمِ فِي أَسْعَارِ النَّفْطِ وسِيَاسَةِ المِنْطَقَةِ إنْ خَرَجَتْ الأُمُورُ عَن السَّيْطَرَةِ أَو تَوَلّى السُّلْطَةَ فِي الرِّيَاضِ حاكِمٌ غَيْرُ مَرْغُوبٍ بِهِ أَمْريكيَّاً، وأَيْضَاً، لِلحِفاظِ "أمريكيَّاً" عَلى تَوَازُنِ القِوى الطَّائِفيّةِ! وأُبْلِغَ الألْمانُ والفَرَنْسيّونَ وأُبْلِغَتْ السَّفَارَةُ السّويسريّةُ بِهَذا. وهَكذا، فَإِنَّ رِجَالَ الدَّوْلَةَ العَمِيقَةَ "مِنَ الدِّيمُقرَاطِيِّينَ" لا يَحْمِلُونَ فِي قُلُوبِهِم مَشَاعِرَ الوِدِّ والإِحْتِرامِ للسّعوديَّةِ والخَلِيجِ، وحَتّى يَوْمِنَا هَذا! إذْ إِنَّ تَلامِيذَ مَدْرَسَةِ أُوبَامَا "المُعْجَبِ كَثِيرَاً بِالإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ" مِثْلَ جو بايدن "لا يُحِبَّ، مَثَلاً، ولَنْ أسْتَخْدِمَ كَلِمَةً أقْسَى" السّعوديَّةَ والعَرَبَ لأَنَّهُم "أَهَانُوهُ" وأَهَانُو سِيَاسَاتِهِ المُسَانِدَةَ لِعَدُّوَتِهِم الأُولَى إِيرَانَ -- أَو نِظَامِ إِيرَانَ لِلدِّقَّةِ السِّيَاسِيَّةِ والمَوْضُوعِيَّةِ. وأَيْضَاً، هُمْ وهُوَ لا يُحِبّ مِصْرَ والرَّئيسَ السِّيسيّ وجَيْشَ مِصْرَ، لأنَّهُ، بِنَظَرِ "تَلامِيذِ" أُوبامَا، قَدْ أنْهَى وقَضَى عَلى مَشْرُوعِ الإخْوانِ المًسْلِمينَ والإِسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ لإِدَارَةِ الدِّيمُقراطيّينَ مَشْرُوعٌ صُرِفَ عَلَيْهِ الكَثِيرُ مِنَ المَالِ والوَقْتِ والجُّهْدِ وكانَ لَهُم سِلاحٌ "آنِيٌّ وزَمَنِيٌّ وزَمَانِيٌّ" وأَمْرٌ ضَرُورِيٌّ!! إذَنْ، فَالأَمريكانُ لا يُريدونَ التَّخَلُّصَ مِنْ نِظامِ مَلالِي طَهْرانَ أَو تَغْييرِ النِّظامِ الشِّيعِيِّ الطَّائِفِيِّ فِي إيرانَ كمَا يَعْتَقِدَ "سَاسَةُ" العَرَبِ وإسرائيلَ، وإلى يَوْمِنَا هَذا! والأَرْشيفُ الأُوروبّيُّ السِرِّيُ شاهِدٌ عَلى هَذا وذَاك وهَذا. وهُنَا أقُولُ... وأَمَّا دُونَالد ترامب، أَو لُورَنس العَرَبِ القَدِيمُ الجَّدِيدُ، فَإِنْ حَكَمَ وأَطَالَ وحَكَمَ وأَطَالَ ثُمَّ أَطَالَ، فَإنَّ بِلادَ العَرَبِ والشَّرْقَ والغَرْبَ مَعَهُ سَوْفَ يَتَغَيَّرُ رَأْسَاً عَلى عَقِبٍ، وتَقَعُ "أحْداثٌ" قَدْ "تُعِيدُ" النَّبْضَ لِقُلُوبِ العَرَبِ، ومِنْ غَرَابَتِهَا وسُرْعَةِ حُدُوثِهَا وشِدَّةِ وَقْعِهَا فإنَّ مُرْشِدَ إيرانَ قَدْ يَبْكِي ويَتَحَيَّرَ. ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ! خَاصَّةً عِندمَا يَبْدَأُ ترامب بِالتَّهْدِيدِ والضَّرْبِ -- والضَّرْبُ سَيَكُونُ بَرَّاً وبَحْرَاً وجَوَّاً فَوْقَ الحِزَامِ وتَحْتَ الحِزَامِ فِي إِيرَانَ والعِرَاقِ واليَمَنِ ولُبْنَانَ وسُوريَةَ وفِلِسْطِينَ فِي "المَضِيقِ" والطَّرِيقِ والدَّرْبِ. ورَغْمَ رَفْضِ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ "المُحِبَّةِ لِإِيرَانَ والنَّاقِمَةِ عَلى يَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لِسِيَاسَاتِ ترامب "الكَارِهِ لِإِيرَانَ والمُحِبِّ لِيَمِينِ سَاسَةِ إِسْرَائِيلَ" لَكِنَّهُ سَوْفَ يُغَرِّدُ "لَيْلاً" خَارِجَ السِّرْبِ. وترامب هُوَ رَجُلٌ مُفَاجِئٌ ومُبَاغِتٌ، والرِّبْحُ والخَسَارَةُ هِيَ لَهُ بَوْصَلَةٌ ومِيزَانٌ، وهُوَ عاشِقٌ لِلأقْوِياءِ وأَصْحَابِ النَّفْطِ ومَالِكِي البَرَامِيلِ وسَاسَةِ الإِنْفِتَاحِ والتَّطْبِيعِ مَعَ إِسْرَائِيلَ وزُعَمَاءِ "التِّجَارَةِ" فِي كُلِّ البُلْدَانِ -- يَعْشَقُ النَّارَ لكِنَّهُ يَكْرَهُ الحَرْبَ -- ويَكْرَهُ الأَحْزَابَ والسِّيَاسَةَ ومُعَادَلاتِهَا وتَعْقِيدَاتِهَا والتي، بِعَكْسِ شَخْصِيَّتِهِ وعَقْلِيَّتِهِ كَرَجُلِ أَعْمَالٍ، تَعْتَمِدُ عَلى التَّعْقِيدِ والمَلَلِ والوَقْتِ والإِنْتِظَارِ والإِعْتِمَادِ عَلى الأَقْدَارِ والزَّمَانِ. والدَّوْلَةُ العَمِيقَةُ "تَحْتَ" البَيْتِ الأَبْيَضِ وحَدِيقَتِهِ قَدْ تَحْتَارُ فِي أَمْرِهِ -- فَإِنْ نَجَحُو، أَيْ فُرْسَانُ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ، فِي قَتْلِهِ ورَفَضُوهُ وإِخْتَارُو الدِّيمُقرَاطِيِّينَ "الضُّعَفَاءَ" فَإِنَّ أَمريكا سَوْفَ تَحْتَرِقُ والغَرْبُ سَوْفَ يَنْتَهِيَ ويَيْقَى الشَّرْقُ "فَوْضَوِيَّاً" فِي أَحْضَانِ العَرَبِ ورُوسِيَا وإِيرَانَ - وأَمْرُهُم "فَوْضَى" بَيْنَهُم! وإِنْ "فَشِلُو فِي إِغْتِيَالِهِ" وإِنْتَخَبُوهُ وإِخْتَارُوهُ وسَلَّمُو مَفَاتِيحَ أَمريكا "كُلَّهَا" إِلى الجُّمهُورِيِّينَ فَإِنَّ الشَّرْقَ سَوْفَ يَحْتَرِقُ وأَمريكا تَعُودُ بِقُوَّةٍ ويَبْقَى الغَرْبُ ضَعِيفَاً والعَرَبُ فِي أَمَانٍ - وأَمْرُهُم "شُورَى" بَيْنَهُم! لكِنَّهُم، أَيْ الفُرْسَانُ، فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ، سَوْفَ يَخْتَارُوهُ لِتَبْقَى أَمريكا "آمِنَةً" وتَكُونَ أُوروبّا "ضَعِيفَةً" ورُوسيَا "مُنْتَصِرَةً" وإِيرَانُ "بَائِسَةً" والميلشيَاتُ "خَائِفَةً" وبِلادُ العَرَبِ والمَالِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ وحُكُومَاتِهَا "مُنْتَشِيَةً" ورُءُوسُ الأَمْوَالِ "شُجَاعَةً" ولَنْ يَخَافَ رَأْسُ المَالِ ولَنْ تَعُودَ السُّفُنُ حَائِرَةً، وسَوْفَ تُحَلِّقُ الطَّائِرَةُ، وسَوْفَ تَعْبُرُ البَاخِرَةُ، والتُّجَّارُ وأَصْحَابُ المَالِ سَوْفَ يَفْرَحُونَ بِالأَخْبَارِ، ويَرْقُصُونَ مَعَ ترامب "المُخَلِّصِ المَعْبُودِ" والجَّمِيلَةِ إِيفَانكا "وَزِيرَةِ المُسْتَقْبَلِ المَعْهُودِ" رَقْصَةَ الإِنْتِصَارِ، ورَقْصُهُم يَسْتَمِرُّ فِي اللَّيْلِ والنَّهَارِ!! وعَصْرُ دُونَالد ترامب سَوْفَ يَكُونُ كَابُوسَاً "حَقِيقيَّاً" عَلى عَاشِقِي عِمَامَاتِ "النَّجَفِ" وقُمَّ وطَهْرَانَ! وكَرِيمَةُ ترامب "الحَسْنَاءُ" سَيَكُونُ لَهَا الرَّأْيُ والكَلِمَةُ والقَرَارُ والشَأْنُ، فِي أَحْوَالِ العِرَاقِ وسُوريَةَ واليَمَنِ وإِسْرَائِيلَ والشَّرْقِ ولُبْنَانَ، وخَاصَّةً لُبْنَانَ! خُلاصَتِي، أَنَّ دُونَالد ترامب هُوَ "مِسْمَارُ جُحَا" فِي نَعْشِ الإِرْهَابِ!! إِنْتَهَى!! وأَعُودُ دائِمَاً إلى الثَّمانينيَّاتِ...، ومَرّتْ سَنَواتٌ، وأنتَصَرَ العِراقِيّونَ فِي عامِ 1988 بِدِماءِ العِراقِيّينَ وأمْوالِهِم وأمْوالِ "بَعْضِ" المُخْلِصينَ مِنَ العَرَبِ، رَغْمَ خِيانةِ "بَعْضِ" المُنافِقينَ مِنَ العَرَبِ! وكانَ الإِنْتِصَارُ الصَّعْبُ فِي شَهْرِ آبٍ أَغُسْطُسَ وهُوَ الشَّهْرُ الثَّامِنُ مِنَ سَنَةِ العِرَاقِ الشَّمْسِيَّةِ بِأَرْضِهِ الزَهِيَّةِ وأُصُولِهِ الآشُورِيَّةِ السُّرْيَانِيَّةِ. وأُعْلِنَ بَيَانُ "النَّصْرِ" بِالصَّوْتِ المُرَادِ، وتَجَرَّعَ الخُمَيْنِيُّ السُّمَّ وأَعْلَنَ وَقْفَ القِتَالِ وبَكَى الإِيرَانيُّونَ ورَقَصَ العِرَاقِيُّونَ رَقْصَةَ النَّصْرِ "العَظِيمِ" فِي البُيُوتِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ وأُزِيلَتْ رَايَاتُ الحِدَادِ، وأُطْلِقَ الرَّصَاصُ فِي الهَوَاءِ والسَّمَاءِ، فِي أَيَّامِ أَغُسْطُسَ وكانَ عَدَدُ أَيَّامِهِ 31 يَوْماً مِنَ الرَّقْصِ والفَرَحِ والغِنَاءِ. وحَصَلَ بَعْدَهَا تَقَارُبٌ "نادِرٌ" بَيْنَ العِرَاقِ ودُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبِيِّ والعَرَبِ وكانَتْ أَوْقَاتُ إنْسِجَامٍ وصَفَاءٍ، أو هُدُوءٍ يُحَذِّرُ بِعَاصِفَةٍ مَا، وتِلْكَ العَاصِفَةُ كانَتْ... لَعْنَةُ الكُوَيت!! وأمّا صَدّام فَقَدْ أرَادَ بِناءَ العِراقِ بَعْدَ الحَرْبِ وأرَادَ إرْضَاءَ وإغْناءَ العِراقيّينَ الذينَ تَبَرَّعُو بأبْنائِهِم وأمْوالِهِم وحُلِيهِم لِلحَرْبِ التي قَتَلَتْ نِصْفَ مِليونٍ وأكْثَرَ، لكِنَّ الخَزينَةَ فارِغَةٌ والمَالُ إخْتَفى! وحَدَثَ خِلافٌ "شَخْصِيٌّ" بَيْنَ العِرَاقِ أو تَحْدِيدَاً "صَدّام حسين" والكُوَيتِ والخَلِيجِ أو تَحْدِيدَاً "الأُمَرَاءِ والمُلُوكِ" عَلى التأريخِ والأَحْدَاثِ والنَّفْطِ ودُيُونِ الحَرْبِ والمَالِ والبَنِينَ، ونُصِبَ الكَمِينُ، ورَنَّ الهاتِفُ فِي مُنْتَصَفِ الليْل، وتَمَّ إيقاظُ الشَّيْخِ الكَبيرِ، وقالَ لَهُ الشّابَُ الصَّغيرُ "البَيتُ الأبيَضُ يَتّصِلَ يَا عَمُّ" وجَاءَ الأمْرُ مِنَ زَعِيمِ البَيْتِ الأبْيَضِ وقالَ "إسْمَعْ يا شَيْخ، إسْمَعْ يا صَاحِ، حَانَ وَقْتُ النَّفْطِ والتِّجَارَةِ والرِّبْحِ والخَسَارَةِ وعليْكَ تَغْيِيرُ السِّعْرِ، وهَذا أَمْرٌ! فَصَدّامُ عَلى إيرانَ قَدْ إنتَصَرَ، وهَذا عَلَيْكَ وعَلى أصْحَابِكَ وإسرائيلَ خَطَرٌ، وتَذَكَّرْ، قالَها عبدُ الكريم قاسِم قَبْلَ صَدّام أنَّ الكُوَيتَ جُزْءٌ مِنَ العِراقِ وهذا قَدَرٌ!" وهَكذا، إنْتَهَى الإتِّصَالُ وجَاءَ القَرَارُ وبَدَءَ كابُوسٌ آخَرُ، وأرْتَعَبَ الأمِيرُ ونَادَى الشّيوخَ والوِرْعانَ، ونُفِّذَ أمْرُ الأَمريكانِ! وأبْتَلَعَ العِراقُ وقَبْلَهُ العَرَبُ الطُّعْمَ وسَمِعَ صَدّامُ "كَلِمَاتٍ" أَخِيرَةً مِنَ الشَّيْخِ فَحَلَّ بِهِ وعَلَيْهِ الغَضَبُ...، وصَدّامُ إذَا غَضِبَ! وأتّصَلَ البَيْتُ الأبيَضُ بالطَّرَفَيْنِ وقالَ مَا قالَ، وخُدِعَ الطَّرَفَانِ وصُبَّ عَلى النّارِ الزَّيْتُ. وهَكذَا، إِختَلَفَ العَرَبُ وأَجْتَمَعَ العَرَبُ، وأَفْتَرَقَ العَرَبُ وتآمَرَ العَرَبُ، وهُزِمَ الصَّبْرُ وغَابَتْ الحِكْمَةُ وأَنْتَصَرَ الغَضَبُ، ومَرَّةً أُخْرَى، بَدَأَتْ الحَرْبُ! وفِي لَمْحِ البَصَرِ، أحْتَلَّ الحَرَسُ الجُّمْهورِيُّ الكُوَيتَ فِي سَنَةِ 1990 وفِي يَوْمَيْنِ إنْتَصَرَ، وكانَ غَزْوُ الكُوَيتِ فِي السّياسَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والإجْتِماعِ السّياسِيّيْنِ تَهَوُّرٌ وخَطِيئةٌ وخَطأٌ جَسِيمٌ. وبَعْدَ مُبادَراتٍ ومُحَاوَلاتٍ وإتِّصَالاتٍ وتَهْدِيدَاتٍ وشُرُوطٍ هُنَا وهُنَاكَ مِنْهَا أَوْهَامٌ ومِنْهَا أَحْلامٌ، كانَ مَا خُطِّطَ وكانَ، وبَدَأَتْ الحَرْبُ فِي سَنَةِ 1991 بَيْنَ أَهْلِ الأَرْضِ مِنْ جِهَةٍ وصَدّام حسين وقُوَّاتِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وأَطْلَقَ صَدّام صَوَارِيخاً عَلى إِسْرائيلَ وهُنَا وهُنَاكَ، لكِنَّ النَتِيجَةَ حَتْمِيَّةً ومَعْرُوفَةً وهُزِمَ العِرَاقُ وأُخْرِجَ مِنَ الكُوَيت. وقَبِلَ صَدّامُ سَحْبَ المُتَبَقِّيَ مِنْ قُوَّاتِهِ مِنَ الكُويتِ، وبَدَأَ شَبَابُ العِرَاقِ بالعَوْدَةِ إلى الوَطَنِ والبَيْتِ، لكِنَّ الشَّيْخَ أصَابَهُ فيرُوسُ الحِقْدِ وهُوَ فِيرُوسٌ مُمِيتٌ، فَطَلَبَ مِن الرّئيسِ بوش الأبِ قَتْلَ العِراقيّينَ وهُمْ يَنْسَحِبُونَ!! رَفَضَ بوشُ أوّلاً "بَإبْتِسَامَةِ الكاوبُوي" وقالَ لَهُ "يَا صَدِيقِي، يا شَيْخ، إِنَّ العُرْفَ العَسْكَرِيَّ ضِدَّ هَذا، والعالَمُ سَوفَ يَرَى ومَعَهُ الدُّنْيَا، والجَّيْشُ العِراقِيُّ يَنْسَحِبُ وهَذا يَعْنِيَ بَدْءُ السّياسَةِ وإنْتِهاءُ الحَرْبِ، وقَدْ كانَ مَا كانَ وحَصَلْنَا عَلى مَا أَرَدْنَا، فَلِمَ المُبَالَغَةُ؟!" لكِنَّ الشَيْخَ أصَرَّ، والحِقْدُ، كالحُبِّ، أعْمَى! وهَكذا، قُدِّمَتْ المَلايينُ والهَدَايا، وعِنْدَهَا، غَنَّتْ المَلايينُ ورَنَّمَتْ... والعُيُونُ لِسِحْرِ الدُّولارِ لَمَعَتْ، وكانَ مَا كانَ، وأُمِرَ الصَّحَفيّونَ بالرَّاحَةِ والخُلُودُ، وحَلَّ عَلى الأحْبارِ والأقْلامِ الرُّكودُ، وكانَتْ المَجَازِرُ وقُتِلَ الآفُ الجُّنُودِ، ودُمِّرَ جَيْشُ العِراقِ ذُو البَأْسِ المَعْهُودِ، ورَقَصَ لِهَذا مَلالِيَ الجَّهْلِ والنِّفَاقُ، والعَرَبُ والغَدْرُ والشِّقَاقُ! والخَاسِرُ الوَحِيدُ مِنْ رَقْصَةِ الشَّيْطَانِ هَذِهِ هُم العَرَبُ، وأَنْتَصَرَتْ مَلالِي إيرانَ وشُفِيَ غَلِيلُهَا، ولَمْ تَكْتَفِي بِالرَّقْصِ والفَرَحِ، بَلْ "سَرَقَتْ" وإحْتَفَظَتْ بِطائِرَاتِ العِرَاقِ التي أَوْدَعَهَا "بَعْضُ مَسْؤولِي" العِرَاقِ أَمَانَةً عِنْدَ مَلالِي إيرانَ "سَلَّمَ القِطَّ مِفْتَاحَ الكَرَارِ!!" بِقَرَارٍ غَرِيبٍ وخاطِئٍ لَنْ أَصِفَهُ بِأَقَلِّ مِن "غَبِيٍّ" كَيْ أُحَافِظَ عَلى وَسَطِيَّةِ الكَلِمَاتِ ومُقْتَضَيَاتِ الأَدَبِ والعَمَلِ. وهُنَا وفِي الحَدِيثِ عَن مَلالِي النَّهْبِ والغَدْرِ أَذْكُرُ، عَلى هامِشِ الأَمْرِ، مَا حَدَثَ مِنْ فَوْضَى إجْتِمَاعيَّةٍ وإنْتِقَاميَّةٍ ونَهْبٍ وحَرْقٍ للأَسْواقِ والبُيُوتِ والعَرَبَاتِ وقَتْلٍ للأَبْرِيَاءِ وتَرْهيبٍ للعَائِلاتِ وإرْهابٍ للناسِ فِي جُنُوبِ العِراقِ -- وهِيَ الأَرْضُ التي سَكَنَهَا وإسْتَوْطَنَ فِيهَا وعَلَيْهَا الشِّيعَةُ مِنَ المُسْلِمِينَ بَعْدَ صِرَاعَاتٍ تأريخيَّةٍ -- وتَحَرَّكَ شِيعَةُ العِرَاقِ وإيرانَ فِي مَوْجَاتٍ وحَرَكاتٍ غَوْغائِيَّةٍ دَخَلُو مَعَ أَسْلِحَتِهِم مِنْ إيرانَ - مِنْهُم مِنَ والسُّجَنَاءِ الهارِبينَ مِنْ سُجُونِ المُحَافَظَاتِ الجَّنُوبِيَّةِ، مِيسَانُ والكُوتُ والنَّجَفُ وكَرْبَلاءُ...، جُلُّهُم جُهَلاءٌ، ومِنْهُم مِنْ حَاقِدِي حِزْبِ الدَّعْوَةِ الإيرَانِيِّ-العِرَاقِيِّ والميلشياتِ والعُمَلاءِ، ومُرْتَزَقَةٌ مِنْ عِراقِيِّ الجِّنْسِيَّةِ وهَجِينِيِّ الإِنتِمَاءِ، مُسْتَغِلِّينَ مَا حَدَثَ وكانَ مِنْ غِيَابٍ للقُوَّاتِ العِرَاقِيَّةِ المُنْهَكَةِ، مَعَ وُجُودِ مَحْدُودٍ لِقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَمْرِيكِيِّ هُنَا وهُنَاكَ فِي بَعْضِ مَنَاطِقِ جُنُوبِ العِرَاقِ بِالتَّنْسِيقِ مَعَ "عَدَدٍ مَحْدُودٍ" مِنْ ضُبَّاطِ الحَرَسِ الثَّوْرِيِّ الإِيرانِيِّ، كمَا جاءَ فِي تَقْرِيرٍ مُخَابَرَاتِيٍّ ألمانِيٍّ -- وهُنَا أُشِيرُ مَرَّةً أُخْرَى لِلتَحَالُفِ والتَّعَاوُنِ الوَثِيقِ والعَمِيقِ بَيْنَ الدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ فِي أَمْريكا وبَيْنَ مَلالِي إيرانَ الذينَ يَصْرُخُونَ "إعْلامِيَّاً" بِالمَوْتِ ِلأمْريكا أو الشَّيْطَانِ الأَكْبَرِ كَمَا يُسَمُّونَهَا!! وإِسْتَمَرَّ الغَوْغَاءُ فِي التَّخْرِيبِ والنَّهْبِ والقَتْلِ إنْتِقَامَاً لِهَزِيمَةِ إيرانَ قَبْلَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ، وفَعَلُو مَا فَعَلُو ودَمَّرُو مَا دَمَّرُو وحَرَقُو مَا حَرَقُو، وهَذِهِ مِنْ بِدَايَاتِ ونَتَائِجِ الحُرُوبِ والفَوْضَى. وسُمِّيَتْ هَذِهِ الحَرَكَةُ الغَوْغائِيَّةُ بِالإنْتِفَاضَةِ! وأُعْطِيَ لَهَا إسْمٌ إقْتَرَنَ بِإسْمِ شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ السَنَةِ الإسْلامِيَّةِ لإضْفَاءِ صِبْغَةٍ إيمَانيَّةٍ وطائِفيَّةٍ، وهِيَ مِنْ عَاداتِ النِّفَاقِ والمُنَافِقِينَ ومَا حَكَى لَنَا التأريخُ عَنْهَا وعَنْهُم، وأَخْبَرَنَا أَيْضَاً بِنَتَائِجِهَا الحَتْمِيَّةِ! بَعْدَ ذَلِكَ إنْتَهَتْ تِلْكَ الفَوْضَى والعَشْوائيَّةُ والغَوْغائِيَّةُ بَعْدَ إنْسِحَابِ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ مِنَ الأَرَاضِيَ العِرَاقِيَّةِ ودُخُولِ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ والقُوَّاتِ العِرَاقيَّةِ ومِنْهَا فِرَقٌ "خاصَةٌ" يَقُودُهَا أَفْرَادٌ مِنْ عائِلَةِ صَدّام حسين والمُقَرَّبُونَ مِنْهُ، ومِنْهُم حسين كامِل، وهُوَ اليَدُ اليُمْنَى لِصَدّامَ فِي المُهِمَّاتِ الدَّمَوِيَّةِ، إذْ إنَّ هَدَفَ البَيْتِ الأَبْيَضِ آنَذَاك لَمْ يَكُن الإطَاحَةُ بِنِظَامِ الحُكْمِ فِي بَغْدَادَ أَو إحْتِلالُ العِرَاقِ بَلْ إلْحَاقُ الهَزِيمَةِ بِهِ وإِضْعَافُ حُكْمِهِ فَقَطْ، وهِيَ مَا يُعْرَفُ بِسِيَاسَةِ الأَسَدِ الجَرِيحِ. وهَكذَا، ومَرَّةً أُخْرَى، هَرَبَ مَنْ هَرَبَ وقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وأُسِرَ مَنْ أُسِرَ وسَالَتْ الدِّمَاءُ فِي أَرْضِ الدِّمَاءِ! وهَكذا، هُوَ العِرَاقُ، وهُمْ شِيعَةُ العِرَاقِ، وهَيَ أَمْطَارُ السَّمَاءِ وأَنْهَارُ الدِّمَاءِ... دِمَاءِ المَلِكِ فيصَلِ الثّانِي الذي قُتِلَ ظُلْمَاً قبلَ سِنِينَ، ولَعْنَةُ الظُّلْمِ لا زالتْ تُلاحِقُ العِرَاقِيّينَ! وعَادَ الهُدُوءُ إلى أَرْضِ الشِّقَاقِ "بِإسْتِثْنَاءِ شَمَالِ البِلادِ" والمُؤَامَرَاتُ تَسْتَمِرُّ، ومَعَهَا الحِصَارُ مِنَ الغَرْبِ والعَرَبِ! ونَشَطَتْ "المُعَارَضَةُ" العِرَاقِيَّةُ وعُمَلاءٌ هُنَا وهُنَاكَ فِي لَندَنَ وكَيْنُونَاتٍ أُخْرَى فِي أُورُوبّا وأَمرِيكا ومَعَهَا بَرَامِجٌ مِنْ إذأعاتٍ أُخْرَى كَصَوْتِ العِرَاقِ "الحُرِّ" ومُؤتَمَرَاتٍ وجَلَسَاتٍ صُغْرَى وكُبْرَى. وحَصَلَتْ مُحَاوَلاتٌ إنْقِلابِيَّةٌ مِنْهَا سِرِّيَّةٌ ومِنْهَا عَلَنِيَّةٌ لكِنَّ المُخَابَرَاتِ العِرَاقِيَّةَ "وكانَتْ نَشِطَةً وقَوِيَّةً" مَعَ "الصُّدَفِ والأَقْدَارِ" أَحْبَطَتْ تِلْكَ المُحَاوَلاتِ. ودَخَلَ الكُرْدُ عَلى خَطِّ الشِّقاقِ رَغْمَ أنَّهُم "الوَحِيدُونَ" مِنْ أكْرادِ أو كُرْدِ الشَّرْقِ الذينَ كانُو يَوْمَاً مَا يَتَمَتَّعُونَ بالحُكْمِ الذَاتِيِّ. وبَدَأَتْ صِرَاعَاتُ "آلِ" طالباني وبارزاني والحِزْبَيْنِ، إذْ هُمْ تارَةً يُحِبُّونَ صَدّامَ وتارَةً يَكْرَهُوهُ، وتارَةً يَتَحالَفونَ مَعَ إيرانَ فَيَشْتِمُو صَدّامَ وفِي الجِّبَالِ يُقاتِلُوهُ، ثُمَّ تَحِينُ السّاعَةُ وتَتَغَّيرَ حِسَاباتُهُم فَيُقاتِلُو إيرانَ ومُرْشِدَ إيرانَ يَسِبُّونَ، فَتَضرِبُهُم إيرانُ والبَعْضُ بِالغَازِ السَامِّ "الذي إشْتَرَوْهُ مِنَ الوُسَطَاءِ" ويُقْتَلَ المِئاتُ مِنَ الأبْرِيَاءِ، أطْفَالٌ ورِجَالٌ ونِسَاءٌ، فِي السُلَيمَانيَّةِ وهُنَا وهُنَاكَ فيَنْدَمُونَ ويَعُودُونَ، ومَعَ صَدّام مَرَّةً أُخْرَى يَتَحَالَفُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَخْتَلِفونَ وعَلى سُلْطانِ الشَّمَالِ والثَرَوَاتِ يَتَقَاتَلُونَ، ثُمَّ يَتَّصِلَ أحَدُهُم بِصَدّام "مَرَّةً أُخْرَى" ويَتَّفِقُونَ، ثُمَّ يَتَرَاجَعُونَ، ثُمَّ يَتَصالَحَ الحِزْبَان ثُمَّ يَتَقاتَلونَ، وصَدّامُ يَصْرُخُ "يَا صَبْرَ أيُّوب، فَهُمْ فِي النِّهَايَةِ عِراقِيُّونَ،" وهّكذا دَوّخِينِي يَا لَمُونَة!! وكانَ مَا كانَ، حَتّى إسْتَقَرَّ الأمْرُ "رُبَّمَا" فِي الشَّمَالِ وسُمِّيَ كُردِسْتَان. والشَّمَالُ يَتَأرْجَحُ بَيْنَ الوَطَنِ الواحِدِ وحِلْمِ الإسْتِقْلالِ، لكِنَّ الإسْتِقْلالَ دُونَ نَفْطِ كركوكَ إنْتِحَارٌ سِياسِيٌّ، وقُوَّةُ الإقْتِصَادِ لِتَأْسِيسِ الأوْطَانِ شَرْطٌ أسَاسِيٌّ، والأَعْدَاءُ فِي كُلِّ إِتِّجَاهٍ كَثيرُونَ، أردوغانَ وسُوريَةُ وإيرانَ، وعَرَبُ العِرَاقِ وشِيعَتُةُ حَانِقُونَ، وكُلُّهُم لِأَحْلامِ الكُرْدِ رافِضُونَ، إلاّ إذَا دَخَلَ عَلى الخَطِّ العالَمُ "الخَاصُّ" وإسْرائيلُ والأَمريكان، عِنْدَهَا "يَكُونُ الصَّبْرُ هُوَ كَلِمَةُ السِرِّ" حَتّى يأتِيَ وَزِيرٌ مِنَ الشَّرْقِ ورَئِيسٌ مِنَ الغَرْبِ، فيُهْزَمَ الشِّيعَةُ وتُقَطَّعَ حِبَالُ إيرانَ، مِنْهُم هُنَا وهُنَاكَ مِنْ أَهْلِ العَرَبِ، وتَشَاءُ الأعْمَارُ والأقْدَارُ رَحيلَ أردوغانَ، بَعْدَهَا يَتَحَقَّقُ الحِلْمُ الوَرْدِيُّ، ويَكُونُ الإسْتِقْلالُ لِيُرْفَعَ عَلَمُ كُرْدِسْتَانَ وإسْرائيلَ وتُؤسَّسَ دَوْلَةُ مادِي، ويَنْتَهِيَ الأَمْرُ المَحْتُومُ ومَا كُتِبَ، عِندَهَا يَرْقُصُ الشَّعْبُ الكُرْدِيُّ، ومَعَهُ يَرْقُصُ الشَّعْبُ الإِيزِيدِيُّ، العَاشِقُ للحَيَاةِ والسَّلامِ الأَبَدِيِّ، لِيَهِلَّ الرَّبِيعُ بَعْدَ المَطَرِ، لِنَسْمَعَ المُوسِيقَى فِي ضَوْءِ الصَّبَاحِ عِنْدَ الفَجْرِ، وهَذا فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ والّلاهُوتِ قَدَرٌ مَكْتُوبٌ، وفِي عِلْمِ السِّياسَةِ والإجْتِمَاعِ أمْرٌ مَطْلُوبٌ... هِيَ مَسْألَةُ وَقْتٍ لَيْسَ إِلاّ. أَعُودُ إلى العِراقِ وبِدَايَةِ التِّسعينيَّاتِ وتَسَلْسُلِ الأحْداثِ بَعْدَ "خَطيئَةِ" غَزْوِ الكُوَيتِ... وجَاءَ زِيرُ النِّساءِ الرَّئيسُ كلينتون الذي كانَتْ يَدُهُ اليُمْنى بَيْنَ أفْخَاذِ النِّساءِ، واليُسْرى عَلى زِرِّ الصّواريخِ لِيُطْلِقَها بَيْنَ الحِينِ والحِينِ ويَقْتُلَ مِنَ العِراقيّينَ مَنْ يَشَاءَ، فَقَتَلَ فَنّانينَ ورَسّامينَ وإعْلاميّينَ وطُلاّباً فِي المَلاجِيءِ والبُيُوتِ آمِنينَ. وأسْتَمَرَّ الحِصَارُ، ومَرّتْ سَنَواتٌ والزّّمَانُ دَارَ، والفُقَراءُ مِنَ العِراقِ يُعانُونَ ويَبيعُونَ ويَشْتَرونَ ويُتاجِرونَ، والأغْنِياءُ مِنْهُ والمَسْؤولونَ بأَعْيادِ المِيلادِ يَحْتَفِلونَ، والرَّصاصَ فِي الهَوَاءِ وداخِلِ القاعاتِ فَرَحاً وتَحَدِّياً يُطْلِقُونَ. وعَوَائِلٌ وعائِلاتٌ أُخْرَى لا شَأْنَ لَهَا بِهَذا وذاكَ هُمْ فَقَط ْيَعِيشُونَ وعَلى الإثْنَيْنِ يَتَفَرَّجُونَ، والجَّميعُ بالقَليلِ رَاضُونَ، فالأَهمُّ عِنْدَ العِراقِيّينَ "شَعْبِ أبُو شَعْلَيّة" هُوَ الأمْنُ والأمَانُ، والعِراقِيّونَ آمِنونَ. لكِنَّ الشّيطانَ يَرْقُصُ مِنْ بَعيدٍ، وحَكَمَ بوشُ الإبْنُ وهُوَ راعِي البَقَرِ، وشَرِكاتُ نَفْطِهِ فِي تِكْساسَ تَخْسَرُ، والعُمَلاءُ والجُهَلاءُ والخَوَنَةُ فِي الشَّرْقِ والغَرْبِ مَعَ الشّيْطانِ يَرْقُصُونَ، بِأَمْوالِ العِراقِ طامِعُونَ، والإنْتِقامَ يُرِيدُونَ، وجُلُّهُم بالهَوَى إيرانيّونَ، أو عِراقِيّو الجِّنْسِيَّةِ مُغْتَرِبُونَ، فِي الفَسَادِ والأحْقَادِ يَتَنافَسُونَ. ثُمَّ جَاءَتْ بِدايَةُ النِّهايَةِ...، وجَاءَتْ سَنَةُ 2003، وَقَرّرَ الرّئيسُ بوش، والذي يُنافِسُ العَنْزَةَ في غَباءِهَا -- مَعَ الإعْتِذارِ لِلعَنْزةِ البَريئَةِ لِسُوءِ المُقارَنَةِ -- تَدْمِيرَ أقْدَمِ حَضارَةٍ فِي التأريخِ!! فوَادِي الرّافِدَيْنِ هُوَ الأعْمَقُ فِي كِتابَاتِ الوُجُودِ وخَليقَةِ آدَمَ وحَوَّاءَ، وقَالَ الجّيْشُ الأمريكِيُّ كَلِمَتَهُ ودَخَلَ بَغْدادَ، ورَفَعَ أعْلامَهُ وأوْهَامَهُ وحَطَّمَ تَمَاثِيلَ صَدّام حسين ودَمَّرَ مَعَهَا بَغْدادَ، وسلَّمَ العِراقَ لِإيرانَ عَلى طَبَقٍ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ، والعِرَاقُ ذَهَبَ، ودُمِّرَ العِرَاقُ حَسَبَ الإتّفاقِ. وحَانَ الوَقْتُ، والأهمُّ هُوَ تَدْميرُ الجّيْشِ العِراقِيِّ، وَتَدْميرُهُ هُوَ حُلُمٌ إيرانِيٌّ، والجَّيْشُ العِراقِيُّ كابُوسٌ فارِسِيٌّ، والتَخَلُّصُ مِنْ قَادَتِهِ وفِي مُقَدَّمَتِهِم سُلْطان هاشِم الذي عُرِفَ بِإخْلاصِهِ لِوَطَنِهِ وعَبْقَريَّتِهِ العَسْكَريَّةِ هُوَ شَرْطٌ للنَصْرِ الفارِسِيِّ، وإهَانَةُ فارِسَ للعِرَاقِ والعَرَبِ أمَلٌ تأرِيخِيٌّ...، وتَحَقَّقَ حُلُمُ بِلادِ فارِسَ وحُلَّ الجَّيْشُ الحَارِسُ للشَّرْقِ العَرَبِيِّ، وأصْدَرَ الأمْرَ بِذلِكَ "بَعْدَ التَّشَاوُرِ مَعَ الحَرَسِ الثَّوْرِيِّ فِي إجْتِمَاعٍ خاصٍّ" الحَاكِمُ الإدَارِيُّ بِأمْرِ البِلادِ والعِبَادِ بول بريمر، وكانَ "دبلُوماسِيٌّ" فاسِدٌ وغَريبُ الأطْوارِ وذُو عِلاقَاتٍ مُتَشَعِّبَةٍ مَعَ الكَثيرِ مِن مَافياتِ المَالِ وضُبَّاطِ المُخابَراتِ الأُوروبيّةِ والإقْليميَّةِ. وكانَ يَعْشَقُ النِّساءَ العَرَبيَّاتِ وأقامَ عِلاقَةً غَراميَّةً مَعَ إمْرَأَةٍ مُتَزَوِّجَةٍ وهِيَ إحْدَى نِسَاءِ "المُعارَضَةِ" العِراقيَّةِ، رَغْمَ مُيُولِهِ الجِنْسِيَّةِ الأُخْرَى! وكانَ "يَلْعَبُ" مَعَهَا "البِلْياردَ" وهِيَ "لُعْبَةٌ" تَعْشَقُهَا "النِّسَاءُ" إذْ أنَّ فِيهَا القَليلُ مِنَ الرِّياضَةِ والكَثِيرُ مِنَ الرُّومانسيَّة! وكَتَبَ عَنْهُ أحَدُ مُعَاصِرِيهِ بَعْضَ التَّفاصِيلِ الخَاصَّةِ فِي تَقْريرٍ "خاصٍّ" وعَن إسْتيلاءِهِ عَلى مِليارِ دولارٍ مِنْ أمْوالِ المَصَارِفِ العِراقيَّةِ بِعَمَليَّةٍ "مُعَقَّدَةٍ" قامَ بِهَا مَعَ أحَدِ عُمَلاءِهِ مِنَ "المُعَارَضَةِ" العِراقيَّةِ الذي كانَ عَلى رَأْسِ مَجْمُوعَةٍ مُسَلَّحَةٍ دَخَلُو بَغْدادَ مِنْ جِهَةِ الشّمَالِ. وكانَتْ مِنْ عَشَرَاتِ المِيلشياتِ التي دَخَلَتْ الأحْيَاءَ بَعْدَ سُقُوطِ بَغْدَادَ بِسَاعاتٍ. وَبَدأتْ فُصُولُ الإنْتِقامِ والقَتْلِ والنَّهْبِ والسَّلْبِ، وبَدَأَ تَمْزِيقُ العِرَاقِ...، إيرانيّونَ وإرهابِيّونَ وعُمَلاءٌ مِنَ الشّرقِ والغَرْبِ، وكُلُّ مَنْ هَبّ وَدَبّ، وجَاءَ المالِكيُّ والعامِرِيُّ والجَّعفَريُّ ومَنْ كانُو مَعَ الجّيْشِ الإيرانِيِّ فِي الثّمانِينيّاتِ يُقاتِلونَ، والعِراقِيّينَ يَقْتُلونَ، وعَلاّوي وقَنْبَرُ ومَنْ كانُو فِي "المُعَارَضَةِ" يُتاجِرُونَ، وآخَرُونَ يَكذِبونَ ويَتَآمَرونَ، ويَسرِقونَ ويَتَوافَقونَ، والمَنَاصِبَ يَشْتَرُونَ والمَقَاعِدَ يُوَزِّعُونَ! بَدَأَ عَهْدُ الغَوْغاءِ...، وإزْدَادَ غَضَبُ السّماءِ، ودُمِّرَ العِراقُ مِنَ الألِفِ إلى اليَاءِ، وسَالتِ الدّمَاءُ. وإسْتَمَرَّ الإيرانيّونَ وكارِهُو وادِي الرّافديْنِ فِي كِتابَةِ فَصْلِ الإنتِقامِ... يَنتقِمونَ مِنَ الرُقيِّ وتنوّعِ المُجتمَعاتِ والدِّينِ، مِنَ السّومَريّينَ والبابِليّينَ والآشوريّينَ وأهْلِ الدّارِ، مِنْ كِرامِ العَشائِرِ والشّيوخِ فِي الشّرْقِ والغَرْبِ والجُّنوبِ وسِحْرِ الأَهْوارِ، مِنَ الكُرْدِ وأهْلِ الشّمالِ والطّبيعَةِ والجِّبالِ، ومَزَارِعِ ديالى والبُرْتُقالِ، وسِحْرِ المُوصِلِ وجَمَالِهَا والكُبَّةِ المُوصِليَّةِ، وحَلاوَةِ اللَّهْجَةِ المُوصِليَّةِ، وزُرْقِ العُيُونِ مِنْ أجْيالٍ لِأَجْيالٍ، والمِياهِ والشَّلالِ، والمَسيحِيّينَ واليَزيديّينَ والنَّخيلِ والوَرْدِ والأَزْهارِ، مِنَ العُلَماءِ والفَنّانينَ والمُثَقّفينَ مِنَ الخّاصَّةِ والعَوَامِ، مِنَ الذينَ إنتصرُو فِي الثّمانينيّاتِ حِينَ غَنّتْ الشُّعُوبُ والطَّوائِفُ ومَلائِكةُ السّماءِ والمَقامِ، وكِبْرياءُ الليالي والأَيّامِ! 2003... العُمَلاءُ مِن عِراقِيِّ الجّنسيّةِ وإيرانِيِّ الهَوى للكُلِّ يُهلّلون، عُمَلاءٌ عِراقِيّونَ سوريّونَ يَمنيّونَ لُبنانيّونَ فِلسطينيّونَ إيرانيّون ومُرْتَزَقةٌ إرهابِيّونَ، مَن هُمْ لِبَغدادَ كارِهونَ، وال "مَلالي" يَعْبُدونَ، ومِنَ الأزْبَالِ والزُّبَالَةِ جاءُو ويأتِيَ يَوْمٌ إلى الأزْبَالِ سَوْفَ يَعُودُونَ -- فَحِكْمَةُ الزَّمَانِ قَالَتْ وتَقُولُ... مَنْ يَأتِيَ مِنَ "الأزْبَالِ" يَعُودُ إلَيْهَا وإلَيْهَا يَعُودُ، -- وأنقلبَتِ الأمُورُ، مِنَ مُجتَمَعِ الرُقِيّ والجّمَالِ، إلى مُجتَمَعاتِ الإنْحِطاطِ والأوْحالِ...! وأَعودُ بِقَلَمِي إلى سِحْرِ المَلَكيّةِ مُنْذُ أن بَدَأتْ فِي عَامِ 1921 حِينَ أشْرَقَتِ الشّمْسُ على العِراقيّينَ وغَرَّدَتِ العُصْفورَةُ البِريطانيّةُ غيرترود بيل وغَنَّتْ "لِنَبنِيَ الدّارَ،" وجَلَسَ المَلِكُ فيصَلُ الأوّلُ على عَرْشِهِ وبَدَءَ قِطارُ السّعادَةِ وبَدَءَ المِشْوارُ، وساسُون حسقيل أرْقَى وِزَرَاءِ المَاليَّةِ فِي الشَّرْقِ والدِّيَارِ -- عَبْقَرِيُّ الإدَارَةِ قَبْلَ النَّفْطِ وبَعْدِهِ، خَطَّطَ للبِنَاءِ والرَّخَاءِ والعِلاقَاتِ والقُرُوضِ قَبْلَ النَّفْطِ وخَيْرِهِ -- ثُمَّ أمْطَرَتِ السَّمَاءُ بالخَيْراتِ وإبْتَسَمَتِ الأرْضُ تَحْتَ النَّخيلِ والتُّمُورِ، وأُخْرِجَ النَّفْطُ فِي 1927 لِيَكُونَ العِراقُ سَيِّدَ الشَّرْقِ والعُصُورِ، وتَمَّ السَّدَادُ ورَقَصَ الدِّينارُ، وسَارَتْ بِسَلاسَةٍ كُلُّ الأُمُورِ، فالكُلُّ يَعْمَلُ بِجِدٍّ وسُرُورٍ، وحُبُّ الأوْطانِ أَصْلُ الإِنْسَانِ، ويَسْتَمِرُّ العَصْفُ الذِّهْنِيُّ والأَفْكَارُ، وجَاءَ نَعيم دنكور، بِحُبِّهِ لِلعِرَاقِ وشَعْبِهِ وبَغْدَادَ المَنْصُورِ، أَفْكَارٌ ومَشَارِيعٌ ومَصَانِعٌ ومَطَابِعٌ ولا زَالَ فِي الطَّرِيقِ الكَثِيرُ مِنَ الأُمُورِ، ومدرسةُ شماش ورَوْعَةٌ فِي التَّعْليمِ والرُّقِيِّ فِي حُبِّ الوَطَنِ والعُلُومِ والبِنَاءِ والإِعْمَارِ، والكُلُّ سُعَداءٌ فِي العِراقِ المَعْمُورِ، مُعَلِّمُونَ مُدَرِّسُونَ طُلاّبٌ طالِبَاتٌ وأوْلِياءُ أُمُورٍ، وأجاثا كريستي التي أحَبّتْ بَغدادَ ودِجْلَةَ والسَّلامَ والّليَالِيَ البَغْدَادِيَّةَ، والكَعْكَ وشَايَ العَصْرِيّةِ، والأَمَانَ وسَاعَاتِ المَغْرِبِيّةِ، لِتَكْتُبَ رُوايَةً عَن بَغْدادَ فِيهَا مِنَ التَّشْويقِ وجَمَالِ النّاسِ ودِجْلَةَ والبُيُوتِ والدُّورِ...، أَربعينيَّاتُ الفّخْرِ والسِّيادَةِ والغِنَى والصِّناعَةِ والزِّراعَةِ والتَّعْلِيمِ والفنِّ والأَدَبِ والرَّخاءِ، رُقِيٌّ فِي كُلِّ الأَرْجَاءِ، والمَلْوِيَّةُ وسَامَرَّاءُ، بَغْدَادُ ورَوْعَةُ العِمَارَةِ فِي سِينَما الزَّوْراءِ، والعِراقيُّونَ فِي البُيُوتِ والمَعَابِدِ والكَنائِسِ والمَسَاجِدِ بِحُرِيَّةٍ يَتَعَبَّدُونَ، والكُلُّ أَقْسَمَ بالوَلاءِ... لِيَزْدَهِرَ الوَطَنُ والبِنَاءُ، والنَّاسُ سُعَدَاءُ، والكُلُّ يَحْلُمُ فِي البَقَاءِ، يَهودٌ ومُسْلِمُونَ، صَابِئَةٌ ومَسِيحيُّونَ، آشوريُّونَ وهُم السُكَّانُ الأَصْلِيُّونَ، وأَغْصَانُ البَانِ، والإيزِيديُّونَ عِراقيُّونَ فَرِحُونَ، فِي شِيخانَ عَرُوسِ نَيْنَوَى، ولالش وجَمَالُ الجِّبَالِ والوُدْيَانِ، والجَّبَلُ المَقْلُوبُ والحَجَرُ والتأرِيخُ والبُنْيَانُ، نَسِيمُ مَار مَتّى فِي سَهْلِ نَيْنَوَى، والقَلْبُ لِنَيْنَوَى يَهْوَى، رَغْمَ ذلِكَ فَهُنَاكَ أحْزَانٌ، لكِنِّي لَنْ أقِفَ عِنْدَهَا الآنَ، كَيْ أبْقَى فِي فَصْلِ الفَرَحِ والنِّسْيَانِ "رَغْمَ جَرائِمِ الفَرْهودِ التي سأتَحَدّثُ عَنهَا، ولاحِقَاً عَن أسْبابِهَا...،" وأُكْمِلُ فِي فُصُولِ الرُّقِيِّ والرَّيْحَانِ، إِبْنَةُ البَصْرَةِ الحَسْنَاءُ فِكتُوريَا نُعْمَان، مُحَامِيَةٌ وإِذَاعِيَةٌ وإِعْلامِيَّةٌ لِلعِرَاقِ فَخْرٌ وعُنْوَانٌ، أَوَّلُ مُذِيعَةٍ فِي بِلادِ العَرَبِ بِنَبْرَةٍ كالنَسِيمِ وصَوْتٍ هَادِئٍ رَنَّانٍ. وسُعَادُ العمريّ حَسْناءٌ لَهَا شِفَاهٌ وقَوَامٌ وعَيْنَانِ، سُبْحَانَ الخَالِقُ الجَّمِيلُ المَنَّانِ، هِيَ مِنْ أَرْضِ الموصِلِ والجِّنَانِ، سُعَادُ، مَلاكٌ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ دَاعَبَهُ هَوَاءُ المُوصلِ ونَسِيمُ إِسْطنبُولَ، أَمِيرَةٌ مُوصِليَّةٌ، حَسْنَاءٌ عِرَاقِيَّةٌ، مِعْمَارِيَّةٌ تُركِيَّةٌ "لَيْدِي" وأُنْثَى وسَيِّدةٌ حَقِيقِيَّةٌ، رَائِعَةٌ كأَبِيهَا، هُوَ جَعَلَ العِرَاقَ رَاقٍ كَأَفْكارِهِ، وهِيَ جَعَلَتْ بَغْدَادَ جَمِيلَةً كَعَيْنَيْهَا، أَثْبَتَ الرَّبُّ فِيهَا إِنَّ نِسَاءَ المُوصلِ هُنَّ النِّسَاءُ، كُلُّ النِّسَاءِ، وهُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، وأَنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ هِيَ الأَحْلَى بَيْنَ لَهَجَاتِ الأَرْضِ والسَّمَاءِ -- فَاللَّهْجَةُ التُّونِسيَّةُ، مَثَلاً، بِالنِسْبَةِ لِي، هِيَ مُوسِيقَى وهَمَسَاتٌ، واللَّهْجَةُ السُّورِيَّةُ أَنْغَامٌ ونَغَمَاتٌ، لكِنَّ اللَّهْجَةَ المَصْلاوِيَّةَ إِحْتَارَ فِي جَمَالِهَا وحَلاوَتِهَا مُوريكوني ومُوتسارت، فَسَكنَتْ القُلوبَ والأَفْئِدَةَ -- سُعَادُ أَرشَد العمريّ، كانَتْ فِي عَصْرٍ هُوَ الأَجْمَلُ بَيْنَ العُصُورِ، كانَتْ فِي نَيْنَوَى حُورِيَّةٌ بَيْنَ الحُورِ، وفِي نَيْنَوَى وُلِدَتْ حُورِيَّاتُ البَحْرِ والبُحُورِ، هكذَا حَكَى التأريخُ وقَالَ، ومَعَهُ قَالَ الزَّمَانُ المَأْثُورُ. ومَلِكاتُ الجَّمَالِ "الطَّبِيعِيِّ" والأُنُوثَةِ والدَّلالِ والنُّورِ والمَلِكَةُ الحَسْناءُ رينِيه دنكور، عِرَاقِيَّةٌ يَهُودِيَّةٌ بِدَلالٍ وأُنُوثَةٍ بَغْدَادِيَّةٍ وعُيُونٍ مَلائِكِيَّةٍ ونَسَائِمٍ صِينِيَّةٍ وأَخْلاقٍ رَاقِيَةٍ، وهكذَا، وُلِدَتْ مَلِكَةٌ لِتَكُونَ مَلِكَةٌ وكانَتْ مَلِكَةٌ. إِلى حَسْناءٍ مُوصلِيَّةٍ بِشِفَاهٍ أَرْمَنِيَّةٍ ومَلامِحٍ يُونَانِيَّةٍ إِذْ كانَ فِيهَا حُسْنُ القَمَرِ، سَكَنَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا قُلُوبَ البَشَرِ، بِصَوْتٍ جَمِيلٍ كجَمَالِهَا فِي الإِبْتِسَامِ والنَّظَرِ، وشَخْصِيَّةٍ قَوِيَّةٍ وأُنُوثَةٍ عَمِيقَةٍ لَمْ تُقْهَرْ، هِيَ نَجْمَةُ الغِنَاءِ والسِّينما عَفِيفَة إِسْكَندَر. وسَلِيمَة مُرَادُ ومحمّد القبانجي ويُوسف عُمَر، هَيْفَاءُ حسين وزُهُور، وسِحْرُ الأغانِيَ والمَقامَاتِ فِي غَزَلِ بَدْرِ البُدُورِ -- جي مالي والي وجَمَالُ لَحْنِهَا وأَلْحَانِهَا وتَعْنِي "لأَنِّي بِدُون والِي أَو أَنَا بِلا سَنَدٍ أَو حَامٍ،" قلبَك صَخَر جَلمُود، وِنْ يَا قلَب، فراقهم بَجَّانِي، خَدْرِي الجَّاي "الشَّايَ" خَدْرِي، هَاجن جنُونِي لِولفي ودُّوني، يَا حِلو يَا بُو السِدارَة، ورَائِعَةُ عَفاكي عَفاكي عَلى فند العمَلتِينو، وبزرنگوش -- والبزرنگوشُ عُشْبةٌ مُعَمَّرةٌ بِرَائِحَةٍ زَكِيَّةٍ مِنْ فَصِيلَةِ النِّعْنَاعِ  -- والأُغْنِيَةُ الجَّمِيلَةُ أَصْبَحَتْ مِنْ رَوَائِعِ الفلكلورِ والتُّرَاثِ الشَّعْبِيِّ العِرَاقِيِّ بَعْدَ أَنْ كانَتْ مُجَرَّدُ مُحَادَثَةٍ ومُزَاحٍ جَمِيلٍ مِنْ أَحَدِ وُجَهَاءِ بَغْدَادَ لِصَدِيقِهِ الذي عَادَ مِنْ إِسْطَنْبُولَ وزَارَهُ لِيَجْتَمِعَ مَعَهُ ومَعَ رُقَاةِ ذَاكَ الزَّمَانِ مِنَ الأُدَبَاءِ والشُّعَرَاءِ والسَّاسَةِ والمُطْرِبِينَ ومَعَهُ بُذُورُ البزرنگوش العِطْرِيَّةِ. وبَعْدَ أَنْ بَدَأَ بِزِرَاعَتِهَا فِي حَدِيقَةِ الدَّارِ قالَ لَهُ صَاحِبُهُ وصَاحِبُ الدَّارِ مَازِحَاً "يَا صَاحِبِي يَا زَارِعَ البزرنگوش إِزْرَعْ لَنَا حِنَّةً فَالشَّيْبُ قَدْ غَزَا رُؤُوسَنَا،" وهكذَا، هُو الفَنُّ والفُنُونُ والأَزْمَانُ والنَّاسُ وجَمَالُهَا. وأُكْمِلُ رِحْلَةَ الزَّمَانِ... المَدارِسُ والمَعاهِدُ والجّامِعاتُ، والمَناهِجُ والتَّغْذِيةُ المَدْرَسيّةُ والمُسَابَقاتُ، المَطَابِعُ ورُقِيُّ المَكتَباتِ...، العُلُومُ التَّربَويَّةُ ورَئيسُ الوِزَرَاءِ محمّد الجَمَالِي، إخْلاصٌ للبِلادِ ورَمْزٌ للثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، آهٍ يا بَغْداد، يُغَنِّي المَطَرُ وتَرْقُصُ لَهَا السُّحُبُ والسَّحَابَاتُ، ونَظَافَةُ الشَّوارِعِ والأسْوَاقِ والطُّرُقاتِ، والسَّعَادَةُ والنَّاسُ تَمْشِي وتُدَنْدِنَ، كُلٌّ أحَبَّ البِلادَ وغَنَّى بِالشَّجَنِ، حَمَامَةُ السَّلامِ فِي السَّاحَاتِ، هِيَ الأرْضُ وهُوَ الوَطَنُ، والوَطَنُ يَسْتَحِقّ، لأَنَّهُ حَقَّاً وَطَنٌ، فَحافَظَ عَلَيْهِ أهْلُهُ فِي الرَّخَاءِ والمِحَنِ، إذْ كانَ يَفْتَخِرَ بِهِ أمَامَ الشُّعُوبِ والحُكُوماتِ...، والمَشارِيعُ والأفْكارُ والقُرُوضُ والتَّسْهِيلاتُ، حَلَويّاتُ الشَكَرجِي والأُورُوزدَي أَو الأُورِزْدِي وأَسْواقُ بَغْدادَ، هِيَ الأُولَى فِي بِلادِ العَرَبِ، قِطارُ الشَّرْقِ السَّريعِ وأحْدَثُ السَيّاراتِ، وأجْمَلُ المُوديلاتِ، خُطُوطُ الطَيَرانِ والطّائِراتِ، هِيَ الأُولَى فِي الخَلِيجِ وبِلادِ العَرَبِ، ورَوْعَةُ الرِّحْلاتِ والرَحَلاتِ، والجِّيرانُ طَائِراتٍ لا يَمْلِكُونَ، إلاّ عَن طَريقِ العِراقِ بالطَّائِراتِ يُسَافِرُونَ، والعِراقِيَّةُ جوزفين حَدّادُ أوّلُ نِسَاءِ الشَّرْقِ وَهِيَ للطائِرَةِ تَقُود، والجّميعُ سُعَداءٌ مُتَناغِمونَ، كُلُّهُم عِراقِيُّون -- مُسْلِمونَ مَسِيحيّونَ ويَهُودٌ، مَلِكاتُ الجَّمالِ في خَمسينيّاتِ الرُقِيِّ المَعْهُودِ، الألقابُ الجَميلَةُ والباشا والبَشَواتُ، والبيكُ والبَكَواتُ، والخاتونُ والخَوَاتينَ والأُنوثَةُ وجَمالُ الفُسْتانِ... هِيَ الأَرْبَعينيَّاتُ وكانَ ذَاكَ سِحْرُهَا وهِيَ الخَمْسينيَّاتُ وكانَ هَذَا جُمَالُهَا، لَكِنَّ الأَمَلَ فِي إِنْقِلابِ سَنَةِ 1958 تَلاشَى وإِنْتَهَى...! نَحْنُ فِي سِتّينيّاتِ الإنْقِلاباتِ والعُبُورِ، نِفاقُ السّاسَةِ والعَساكِرِ والمُطْرِبينَ والمُغَنّينَ والبُورِ مِنَ النّاسِ والقُلُوبِ البُورِ -- نِفاقُ نَاظم الغَزالِي الذي غَنّى للمَلِكِ الحَبيبِ فَيصَل الثَّانِي ونَادَاهُ بالنُّورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ثُمَّ غَنّى بَعِدَ ذلِكَ لِلقاتِلِ والخَائِنِ وأَمِيرِ الرُّعَاعِ عَبد الكرِيم قَاسِم وقَالَ لَهُ تِسْلَمْ يَا عَبد الكرِيم... لِلشَّعْبِ تِسْلَمْ... لَيْلُ المَظَالِمِ وَلَّى... ونَادَاهُ وهُوَ قَاتِلُ المَلِكِ "النُّورِ" بِقَاهِرِ الظَّلامِ وبَانِيَ العُصُورِ "ولَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ بَلْ هُوَ النِّفَاقُ العَرَبِيُّ والرَّغْبَةُ فِي التَّقَرُّبِ مِنْ ذَوِي الأَمْرِ" ومَاتَ ولَحِقَ بِزَعِيمِهِ الخَائِنِ لِبَلَدِهِ وقَسَمِهِ وشَرَفِهِ العَسْكَرِيِّ فِي السَّنَةِ ذَاتِهَا -- بَعْدَهَا بِأَشْهُرٍ مَعْدُودَةٍ! هُوَ النِّفَاقُ يَا سَادَة ومَا فِيهِ مِنْ أَقْدَارٍ تُرَتِّبُهَا الأَقْدَارُ بِنَفْسِهَا! ونِفَاقُ "بَعْضِ" الفَنَّانِينَ وخَاصَّةً المُغَنِّينَ إِسْتَمَرَّ لِسِنِينَ وكانَ سِمَةً لَهُم إِلى زَمَانِ صَدَّام حسين الذي نَافَسَ عَبد الكرِيم قَاسِم وكانَ لَهُ القِسْمُ الأَكْبَرُ مِن النِّفَاقِ والتَّقَرُّبِ مِنَ الحُكْمِ والحَاكِمِ وذَوِي الأَمْرِ والسُّلْطَانِ. وهُنَا أَسْمَحُ لِنِفْسِي بِإِسْدَاءِ النُّصْحِ والنَّصِيحَةِ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وبَسَاطَةٍ: إِنْ أَرَادَ فَنَّانٌ أَو مُغَنِّي "مُطْرِبٌ أَم لا" أَنْ يُغَنِّيَ لِوَطَنِهِ فَلْيُغَنِّيَ لِلأَرْضِ والسَّمَاءِ لأَنَّهُمَا بَاقِيَانِ إِلى أَنْ يَشَاءَ الرَّبُّ مَالِكُ الأَرْضِ والسَّمَاءِ، فَالمُلُوكُ والأُمَرَاءُ والرُّؤَسَاءُ والحُكَّامُ يَذْهَبُونَ فَتَذْهَبَ مَعَهُم الأَغَانِيَ والنِّفَاقُ والرِّيَاءُ، لكِنَّ الأَرْضَ تَبْقَى وإِنْ كانَتْ حَزِينَةً أَو بَاكِيَةً وهكذَا هِيَ الأَنْغَامُ والأَنَاشِيدُ، والإِسْتِثْنَاءُ مِنْ هذَا وذَاكَ هُوَ إِنْ كانَ الحَاكِمُ طَيِّبَاً مُبَارَكَاً أَمِينَاً مُحِبَّاً شَرِيفَاً مُخْلِصَاً لِوَطَنِهِ وشَعْبِهِ -- عِنْدَهَا تَكُونُ لَهُ الأَلْحَانُ والنَّغَمَاتُ حُبَّاً ومَحَبَّةً أَسَاسُهَا الإِسْتِحْقَاقُ والشُّكْرُ والإِمْتِنَانُ. وأَتْرُكُ الآنَ قُبْحَ المُنَافِقِينَ لِأَعُودَ إِلى فُصُولِ التأريخِ ومَا فِيهَا مِنْ جَمَالٍ ونَقَاءٍ بَيِّنٍ... الحَيَاةَ إِذَاً بِجَمالِهَا رَغْمَ الدُّمُوعِ تَسْتَمِرُّ... هِيَ السِّتينيَّاتُ وإِنْقِلابَاتُهَا السِّيَاسِيَّةُ والعَسْكَرِيَّةُ والإِجْتِمَاعِيَّةُ...، الحَسْناءُ سَميرة زيدان ومَلِكاتُ الحُسْنِ والأُنُوثَةِ والسِّحْرِ، وعُرُوضُ الأزْياءِ والمَقاهِيَ والأغانِيَ ونازِكِ المَلائِكة وليَالِي السَّمَرِ، والفَنادِقُ والسَّهَرُ، وقَضاءُ الليْلِ "فَوْقَ السّطْحِ" تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ، والنّسيمُ العَليلُ والأمانُ والحَفَلاتُ، فريدُ وحليمُ وأم كلثوم ورَوْعَةُ الخانِ، والعُلَماءُ والمُثَقّفونَ والمُسَابَقَاتُ والجّميلاتُ، أسْمَاءٌ وألْقَابٌ وقاماتٌ، ناظم بُطرس وسِهامُ السَبْتِي وسَليمُ البَصْري، عمّانوئيل ومَقَالِبُ عَبُّوسِي وتَعْلِيمُ حَجّي راضِي، نَحَبَانِي لَلُّو والدّارُ والدّوُرُ، الكُبَّةُ والصّمُّونُ والعَمْبَةُ والدَّرْسُ الأعْراسُ والهَلاهِلُ والفَرَحُ والسُّرُورُ...، لِتَأتِيَ سَبعينيّاتُ السَّعَادَةِ والحُرِيّاتِ والأسْفارِ، مَعْرَضُ بَغْدادَ والشَّرِكَاتُ الصِّينيَّةُ والصِنَاعَاتُ والمَصَانِعُ والمَعَامِلُ والإزْدِهارُ، نَهْرُ الخَيْرِ وأَرْضُ السَّوَادِ والكَرْخُ والرُّصَافَةُ، الشُورجَةُ والبابُ الشَرْقِيُّ وشارِعُ السَّعْدونِ، وأَبُو نَؤَاسُ والشِّوَاءُ، ولَذَّةُ السَّمَكِ العِرَقِيِّ "المَسْكُوفِ" عَجَبٌ، عَلى ضِفَافِ دِجْلَةَ يَسْهَرُ العِرَاقِيُّونَ والعَرَبُ، والنّاسُ أحْرَارٌ مَنْ يَشْرَبُ ومَنْ لا يَشْرَبُ، هِيَ الحُرِيَّةُ، والحُرِيَّةُ يَا سَادَة، هَديّةٌ مِنَ الرَّبِّ. والسَيِّدَةُ سُعاد البستاني، فَخْرُ المُجْتَمَعَاتِ المُوصِلِيَّةِ والعِرَاقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ، بَاحِثَةٌ وأُسْتَاذَةٌ جَامِعيَّةٌ، وَزِيرَةُ التَّعْلِيمِ العَالِي والبَحْثِ العِلْمِي فِي الحُكُومَةِ العِرَاقِيَّةِ، خِرِّيجَةُ الجَّامِعَةِ الأَمْيرِكيَّةِ، فِي التَّرْبيَةِ وعِلمِ النَّفْسِ والعُلُومِ الإجْتِمَاعِيَّةِ، والِدُهَا خَلِيل البستاني كانَ وَزِيرَاً فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والرُّقَاةِ فِي المَمْلَكةِ العِرَاقِيَّةِ، وزَوْجُهَا الطَّبِيبُ داوُد سَلمَان رَئِيسُ الجَّامِعَةِ المُسْتَنصِريَّةِ، عَمِيدُ كُليَّةِ الطِّبِّ، ورَئِيسُ الدَّائِرَةِ العِلمِيَّةِ...، تَأْمِيمُ النَّفْطِ كانَ العُنْوَانُ، فَرَقَصَتْ عَرُوسُ الرُّمِيلَةِ سِتَا هاكُوبيَان، وطَارَتْ الحَمَامَةُ بِغُصْنِ الزَّيْتُونِ وحَلَّقَتْ أَغْصَانُ البَانِ، وسَارَ قِطَارُ الزَّمَانِ، والأَغَانِيَ والأَلْحَانُ، والرَّخَاءُ والإزْدِهَارُ والغِنَى والمَصَانِعُ والغِذَاءُ والدَّوَاءُ والشَّرِكَاتُ المَحَلِّيَّةُ، وعلامَةُ "صُنِعَ فِي العِرَاقِ" هِيَ الأُولَى بِجَوْدَتِهَا فِي الشَّرْقِ والدُّوَلِ العَرَبيَّةِ، والتَّأْمِينُ الصِحِّيُّ لِكُلِّ أُسْرَةٍ عِرَاقيَّةٍ، والتَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ ومَشَارِيعُ مَحْوِ الأُمِيَّةِ، والعِرَاقُ هُوَ الأَفْضَلُ فِي تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِ وبَنَاتِهِ بِكُلِّ الفِئَاتِ العُمْرِيَّةِ، وأَبْنَاؤُهُ رُقَاةٌ رَاقُونَ فَخُورُونَ بِهَذِهِ الأَرْضِ الزَهِيَّةِ البَهِيَّةِ، والكِتَابُ يَطِيرُ بِجَنَاحَيِّ العِلْمِ والمَعْرِفَةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ المَدِينَةِ إلى الجِبَالِ والتِلالِ والقُرَى والنَّواحِيَ لِيَصِلَ إلى الأَكْثَرِيَّةِ والأَقَلِيَّةِ... بَلْ وحَتّى الأَهْوارِ بِسِحْرِهَا وطُيُورِهَا وجِنَانِهَا المَائِيَّةِ، فَكانَ عِرَاقُ السَبعِينيَّاتِ هُوَ الأَرْقَى فِي الشَّرْقِ ومِنْ أَفْضَلِ عِشْرينَ دَوْلَةٍ فِي الأَرْضِ فِي العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأُسُسِ التَّرْبَويَّةِ. ومَدْرَسَةُ المَأمُونِيَّةِ الأَرْقَى فِي المَدَارِسِ الإبْتِدَائِيَّةِ والبِلادِ -- السِتْ عَفَافُ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءٌ كَعَارِضَاتِ الأَزْيَاءِ، وبَشْرَى وصَفَاء ومَيْسُون وصَفِيَّة وهَيْفَاء ورَجَاء، وأُمَيْمَة والحاجَّةُ لائِقَةُ كانَتْ كالأُمِّ الثَّانِيَةِ، ودُرُوسُ الخَطَابَةِ والفَنِّ والمُوسِيقَى والرِيَاضَةِ، والجَوَائِزُ والفَوْزُ بِالأَلْقَابِ والمُسَابَقَاتِ الفَنِّيَّةِ والدَّوْرَاتِ الثَّقَافِيَّةِ والبُطُولاتِ الرِيَاضِيَّةِ، والمُدِيرَاتُ الرَّاقِيَاتُ... السِتْ هَيْفَاءُ التي أَحَبَّتْ عَمَلَهَا وأَعْطَتْ لَهُ مِنْ عِلْمِهَا وحَيَاتِهَا الكَثِيرَ، والسِتْ نُورِيَّة -- السِتْ نُورِيَة... هِيَ المُعَلِّمَةُ والمُرَبِيَةُ والتَّرْبَوِيَّةُ، والمُدِيرَةُ والمُشْرِفَةُ المِثَالِيَّةُ، التي أَحَبَّهَا الصِّغَارُ وأَجَلَّهَا الكِبَارُ مِنَ العَائِلاتِ الرَّاقِيَةِ، فَسَكَنَتْ فِي القُلُوبِ النَقِيَّةِ، بِأَخْلاقِهَا ولُطْفِهَا وحَزْمِهَا وأُصُولِهَا البَغْدَادِيَّةِ، عَمِلَتْ بِجِدٍّ وإخْلاصٍ وإجْتَهَدَتْ وأَسَّسَتْ قَوَاعِدَ إِدَارِيَّةً تَعْلِيمِيَّةً، وأَدَارَتْ وأَشْرَفَتْ عَلى أَرْقَى المَدَارِسِ فِي بَغْدَادَ مِنَ الوَزِيرِيَّةِ إلى الأَعْظَمِيَّةِ، فَكُرِّمَتْ مِنَ الحُكُومَاتِ والهَيْئَاتِ الرِّئَاسِيَّةِ، عِندمَا كانَ التَّعْلِيمُ فِي قِمَّتِهِ وأُطُرُهِ المِثَالِيَّةِ، لِلجَمِيعِ هِيَ أُمٌّ مِثَالِيَّةٌ -- قَلْبُهَا؟؟ تَخَيَّلْ مَعِي... تَخيّلْ بَيْتَاً مِنَ الفَيْرُوزِ الأَخْضَرِ بِأَرْضِيَّةٍ مِنَ اللاَّزَوَرْدِ الأَحْمَرِ، وتَحْتَ البَيْتِ أنْهَارٌ زَرْقاءٌ تَسْبَحُ فِيهَا أَسْمَاكٌ ذَهَبِيَّةٌ تُغَازِلُ بَعْضَهَا وتَنْظُرُ إِلَيْكَ، وفِي سَمَاءِ البَيْتِ مَلائِكَةٌ تَبْتَسِمُ وتُصَلِّيَ لَكَ وتَحْمِيكَ... هكذَا أَصِفُ قَلْبَهَا وقَلْبَ الأُمِّ المِثَالِيَّةِ. وهكذَا، كانَ عِرَاقٌ وكانَتْ بِلادٌ وكانَ رِجَالٌ وكانَتْ نِسَاءٌ... شَعْبٌ واحِدٌ بِرَابِطِ الحُبِّ والأَرْضِ والحَنِين، لا ذِكْرَ أَو فَرْقَ أَو إكْرَاهَ فِي الإيمَانِ أَو الدِّينِ، لا سُنَّةَ لا شِيعَةَ لا عُقَدَ نَفْسِيَّةَ لا جَهْلَ لا أَمْرَاضَ عَقْلِيَّةَ، وللطَائِفِيَّةِ فِي العَقْلِ لا مَكَانٌ أَو أَهَمِيَّةٌ...، السّياحَةُ والسُّواحُ والإنْفِتَاحُ والثَّقَافَةُ واللَّطَافَةُ واللِّينُ، العُمْلَةُ والقِيمَةُ والدِّينَارُ والفِلْسُ والوَرَقُ والمَعادِنُ والرَّنينُ، والنِّسَاءُ يَعْمَلْنَ كالرِّجَالِ فِي الصِحَّةِ والتَّعْلِيمِ والإِدَارَةِ والمُؤَسَّسَاتِ والخَدَمَاتِ العَامَّةِ والعُمُومِيَّةِ، لا فَرْقَ فِي الخَلِيقَةِ والكَرَامَاتِ الإِنسَانيَّةِ، شَميم السّعودِ تَلْعَبُ الشّطرَنجَ وتَفوزُ بِبَرَاعَةٍ فِي بَرْلينَ، حِسَانُ الرِّيَاضَةِ والمُبَارَزَةِ مَلِكَاتُ جَمَالٍ لَهُنَّ فِي القَلْبِ شَوْقٌ وأَنِينٌ، كَأَنَّهُنَّ مَلائِكَةُ ولَسْنَ مِنْ مَاءٍ وطِينٍ... وَسَن وبَسْمَة وآلاءُ، مَيَّادَةُ وإسْرَاءُ وبَيْدَاءُ، أَزْهَارُ وزُهُورُ وسِيرِينَ وشِيرِين، والفَرَيقُ العِرَاقِيُّ وحَبِيبَةُ القَلْبِ "الطُّوبَةُ" وفَلاح حَسَن وعَلِي كاظُم والفَوزُ عَلى إيرانَ فِي طَهْرانَ بِهَدَفِ حسين سَعيد، فَصَرَخَ العِرَاقِيُّونَ إِنَّهُ يَوْمُنَا، وأَيَّامُنَا كُلُّهَا عِيدٌ، وبُطُولاتُ الخَلِيجِ، والرَّقْصُ والدُّمُوعُ والفَرَحُ والأهازيجُ، ومَصانِعُ الحَليبِ والألْبَانِ، والصُّوفُ والنَّسِيجُ، والحُقولُ والمَزارِعُ وصَفَاءُ المَاءِ ونَقَاءُ التُرْبَةِ والطِّينِ، والبَصْرَةُ والمُوصِلُ والأَنْبَارُ والنَّاصِريَّةُ...، والسَّعَادَةُ فِي إِسْتِمْرَارٍ، كِبَارٌ وصِغَارٌ، هِيَ الثّقافَةُ وهُوَ الوَقارُ، مَجلّتي والمِزْمارُ، والجَّرائِدُ والمَجَلاّتُ وألف بَاء والجُّمهُورِيَّةُ...، ونَعْبُرُ الآنَ جِسْرَ الصَّرَافِيَةِ، لِنَصِلَ بَعْدَهَا إلى جَمَالِ وسِحْرِ العِطِيفيَّةُ، وفِيهَا الأُولَى والثَّانِيَةُ، مُسْتَشْفَى الرَّازِي ومَدْرَسَةُ السُّرُورِ الإبتِدَائِيَّةِ، سِت هاجَر المُدِيرَةُ الرَّاقِيَةُ، والسِتْ فَرِيدَةُ المُعَلِّمَةُ المِثَالِيَّةُ، ورَوْضَةُ الشَّقَائِقُ وبَاصَاتُهَا الرَّاقِيَةُ... ونَبْقَى فِي العِطِيفِيَّةِ، فِيهَا البُيُوتُ الرَّقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الشُّقَقُ السَّكَنِيَّةُ، فِيهَا المَحَلاّتُ الرَّاقِيَةُ وفِيهَا أَيْضَاً الأَسْوَاقُ الشَّعْبِيَّةُ، والمَقَاهِيَ والمَطَاعِمُ والمَخَابِزُ والمَعَامِلُ الأَهْلِيَّةُ والمَصَانِعُ الحُكُومِيَّةُ، والحَدَائِقُ والبَسَاتِينُ وعَرَبَاتُ الرَشِّ وخَدَمَاتُ البَلَدِيَّةِ، والبَاصَاتُ "16" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ تَسِيرُ وتَدُورُ حَوْلَ السَّاحَاتِ الدَّائِرِيَّةِ، والعَائِلاتُ بِكُلِّ ثَقَافَاتِهَا وأَدْيَانِهَا ودِيَانَاتِهَا السَّمَاوِيَّةِ، يَهُودٌ ومَسِيحِيُّونَ ومُسْلِمُونَ مُثَقَّفُونَ يَعِيشُونَ كُلُّهُم بِأَرْوَاحٍ عِرَاقِيَّةٍ، بِعُقُولٍ إِنْسَانِيَّةٍ وقُلُوبٍ وَرْدِيَّةٍ، غَادَرَ بَعْضُهُم ثُمَّ الكَثِيرُ مِنْهُم إلى إِيرَانَ وأُوروبّا لِأَسْبَابٍ سِيَاسِيَّةٍ، بِحِجَّةِ التَبَعِيَّةِ الإِيرَانِيَّةِ، فَبَكَى عَلى فِرَاقِ الأَحِبَّةِ الصِّغَارُ والكِبَارُ وحَزِنُو عَلى سَنَوَاتِهِم الذَّهَبيَّةِ، وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ وبَكَتْ قُلُوبُهُم النَّقِيَّةُ، إِذْ كانَتْ جِيرَةٌ جَمِيلَةٌ وصُحْبَةٌ هَنِيَّةٌ، لكِنَّهَا الحَرْبُ العِرَاقِيَّةُ-الإِيرَانِيَّةُ، وهِيَ، يَا سَادَة، حَرْبٌ إِيرَانِيَّةٌ-عِرَاقِيَّةٌ-إِيرَانِيَّةٌ!! وأُكْمِلُ فِي سِحْرِ السَبْعِينيَّاتِ ومَا تَبَقَّى مِن سَنَوَاتِهِا الذَّهَبِيَّةِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أَيَّامَاً فِضِّيَّةً... والمُوظَّفُ كانَ "مَلِكَاً" بِرَاتِبٍ وكَرَامَةٍ وسَعَادَةٍ وتَقَاعُدٍ لِسِنِين، والنَّقَابَاتُ والنَّوادِيَ والتَّرْفِيهُ للمُحِبِّينَ، والحَدائِقُ والنَّخيلُ والعِنَبُ والتِّينُ، والأَمَانُ فِي الّليْلِ والنَّهَارِ، والبُيُوتُ آمِنَةٌ والجَّارِ للجَّارِ، والنَّاسُ أحْرَارٌ، مَنْ يُصَلِّيَ ومَنْ يَجْلِسُ فِي الفَنادِقِ والبَارِ... والرِّحْلاتُ الصَّيْفِيَّةُ والمَوْسِمِيَّةُ، والسُّوَّاحُ والزُّوَّارُ والزَّائِرُونَ والعِراقِيُّونَ والتَّعارُفُ والصَّدَاقَةُ وقِطارُ خانَقِينَ، والسَّهَرُ والتَّمْثيليّاتُ وقَلْبِي نارَك وخَشْم الوَلَد طار وكافِي يَا معَوْدِين، والمَسْرَحِيَّاتُ والمُسَلْسَلاتُ والنَّجْمَةُ شَذى سالِم وفَتاةٌ في العِشرينَ، فَيُغْرَمَ العَرَبُ أكثَرَ وأكثَرَ بالعِراقِيّينَ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وفِي كُلِّ حِين. والغِنَاءُ العِرَاقِيُّ الأَكْثَرُ طَرَبَاً فِي سَمَاءِ الأَنْغَامِ المُوسِيقِيَّةِ، فيَعْشَقُهُ ذَوَّاقُو الطَّرَبِ فِي العِرَاقِ والدُّوَلِ العَرَبِيَّةِ، والإِحْسَاسُ والحُبُّ والغَرَامُ وأَحْزَانُ الحَبِيبِ والشَّوْقُ لِلحَبِيبَةِ الأَزَلِيَّةِ، والقَلْبُ والرُّوحُ والجُّرُوحُ، والعُيُونُ نَاعِسَةٌ والأُنُوثَةُ مُخْمَلِيَّةُ، والإنْشادُ والفنُونُ الشّعْبِيّةُ، جَمَالُ الرَّاقِصَاتِ والرَّقْصُ بالكَلَبيَّةِ، والدّبْكاتُ الكُرْدِيّةُ، والرّقَصَاتُ البَصْراوِيّةُ، والإهْزاجُ والأهازيجُ والهُوسَاتُ الجَمِيلَةُ والرَّقْصُ الجَمَاعِيُّ والأَغانِي الرّيفِيّةُ...، أَصْوَاتٌ جَمِيلَةٌ تُشْفِي القَلْبَ ومَا فِيهِ مِنْ جُرُوحٍ...، عَفِيفَةُ إِسكَنْدَر وجَمَالُ عَيْنَيْهَا ولَمَعَانُ خَدَّيْهَا وقُوَّةُ صَوْتِهَا، وأَنْوَارُ عَبد الوَهَاب وحَنِينُهَا وأَمَل خضَيِّر ونَصِيبُهَا وفُؤاد سالِم وطُيُوفُهُ وقَحْطَان العَطَّارُ وزَمَانُهُ وصَبَاح السَّهل ولَيَالِيهِ وسَعْدُون جابِر وطُيُورُهُ ويَاس خِضِر وأَسْفَارُهُ وحَمِيد مَنصُور وسَلامُهُ وحسِين نِعْمَة ونَخْلُهُ ونَخِيلُهُ وغُرْبَةُ الرُّوحِ...، ومَوّالاتُ سَعْدِي الحِلِّي، وفاضِل عَوّاد الذي جَمَعَ بَيْنَ الفَنِّ والثَّقَافَةِ والرُّقِيِّ، والأَغَانِيَ والخَبَرُ والجَفِيَّةُ ولَمَّةُ الحِلْوَاتِ والجَّمَالُ السُّومَرِيُّ، ونَظَرَاتُ العُيُونِ البابِليّةِ، وحِلْوَة يالبَغْدَادِيَّة يَا أُمّ الخُدُودِ الوَرْدِيَّة، وصَوْتُهُ الجَّمِيلُ وهُوَ يَعْبُرُ مِنَ الكَرْخِ إلى الرُّصَافَةِ...، أَصْوَاتٌ شَجِيَّةٌ ونَادِرَةٌ حُرِمَ العِرَاقِيُّونَ مِنَ الكَثِيرِ مِنْهَا بِسَبَبِ الغِيرَةِ الشَّخْصِيَّةِ والحُرُوبِ الفَنِّيَّةِ والعِصَابَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والتَّهْدِيدَاتِ الأَمْنِيَّةِ، فَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ وهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ وكُسِرَتْ الكَثِيرُ مِنَ القُلُوبِ النَقِيَّةِ! والنَّاسُ كالطُّيُورِ فِي جَمَالِ بَعْضِهَا وأَلْوَانِهَا وأُصُولِهَا وقُلُوبِهَا وهِجْرَتِهَا وإِسْتِقْرَارِهَا، مِنْهَا مَنْ يُهَاجِرُ لِأَسْبَابٍ فِطْرِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ وبِيئِيَّةٍ وتُسَمَّى بِالطُيُورِ المُهَاجِرَةِ، ومِنْهَا مَنْ يَبْقَى ويُقِيمُ ولا يَتْرُكُ مَا بَنَاهُ وأَحَبَّهُ وتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِهِ وتِلْكَ هِيَ الطُّيُورُ المُقِيمَةُ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي النَّهَارِ كالطُّيُورِ المَائِيَّةِ، ومِنْهَا مَنْ هَاجِرَ فِي اللَّيْلِ كالطُّيُورِ المُغَرِّدَةِ الرُّومَانسِيَّةِ -- وهَذِهِ كُلُّهَا حَقَائِقٌ عِلْمِيَّةٌ وعُلُومٌ طَبِيعِيَّةٌ وبِيئِيَّةٌ -- ومِنْهَا مَنْ هَرَبَ وهَاجَرَ لِوَحْدِهِ بَيْنَ الجِّبَالِ والوِدْيَانِ ومَسَارَاتِهَا الفَضَائِيَّةِ والمُغْنَاطِيسِيَّةِ المَرْسُومَةِ والمَوْضُوعَةِ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، ومِنْهَا مَنْ كانَ غَرِيبَاً فِي غَيْرِ سِرْبِهِ أَضأعَ بَوْصَلَتَهُ الرُّوحِيَّةَ التي خَلَقَهَا اللهُ لَهُ هَدِيَّةً مِنَ القَدِيرِ كَيْ لا يَتِيهَ فِي الأَرْضِ ويَضِلَّ فِي أَقْطَابِهَا ومُغْنَاطِيسِهَا الكَبِيرِ، ومِنْهَا مَنْ هاجَرَ آمِنَاً فِي سِرْبٍ وأَسْرَابٍ لِلبَحْثِ عَنْ الدِّفْءِ والحَنَانِ والأَمَانِ والعِلْمِ والحَيَاةِ والحَظِّ السَّعِيدِ، والحِفَاظِ عَلى النَّسْلِ والنَّوْعِ والوُجُودِ والتَّجْدِيدِ، والطَّعَامِ والغِذَاءِ والرِّزْقِ وإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ. والكَلِمَةُ السِّحْرِيَّةُ هِيَ الحُرِّيَّةُ -- فالفَرْقُ بَيْنَ الحَيَاةِ والمَوْتِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الجَّهْلِ والعِلْمِ هِيَ الحُرِّيَّةُ، والفَرْقُ بَيْنَ الفَنِّ والرُّكُودِ هِيَ الحُرِّيَّةُ. والحُرِّيَّةُ إِنْ أُعْطِيَتْ لِلإِنْسَانِ صَارَ طَيْرَاً وطَائِرَاً وأَنْبَتَ رِيشَاً آخَرَ بِأَلْوَانٍ أُخْرَى وصَارَ نَوْعَاً آخَرَ وجِيلاً آخَرَ قَدْ يَحْتَارُ فِي جَمَالِهِ ونَوْعِهِ عُلَمَاءُ الطَّبِيعَةِ والبِيئَةِ والمُجْتَمَعَاتِ. وطَائِرُ الدَّلْتا المِصْرِيَّةِ أَجْمَلُ مِثَالٍ عَلى هَذَا، فَهُوَ طَائِرٌ هِنْدِيٌّ هَاجَرَ وإِسْتَقَرَّ فِي مِصْرَ لِجَمَالِ شَمْسِهَا وقَمَرِهَا وكَانَ فِي حَدِيقَةِ حَيْوَانِهَا فِي السَبعينيَّاتِ، لكِنَّهُ إِشْتَاقَ إِلى حُرِّيَّتِهِ فَهَرَبَ وطَارَ ورَقَصَ وغَنَّى وإِسْتَقَرَّ فِي الدَّلْتَا، وأَصْبَحَ عِندَهَا أَجْمَلُ وأَرْقَى مُهَنْدِسَاً مِعْمَارِيَّاً فِي الوُجُودِ، إِذْ يَبْنِيَ عِشَّاً بِتَصْمِيمٍ خَاصٍّ أَشْبَهَ بِالحَرْفِ والحُرُوفِ الصُّغْرَى، وأَصْبَحَ يُنَافِسُ حَيَوَانَ القُنْدُسِ وهُوَ، أَيْ الأَخِيرُ، مِنْ أَذْكَى وأَرْقَى بَنَّائِي الطَّبِيعَةِ وهُوَ مَنْ تَخَرَّجَ مِنْ جَامِعَةِ الخَلِيقَةِ الكُبْرَى. وأَمَّا الإِنْسَانُ فَقَدْ تَخَرَّجَ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ ثُمَّ يَبْنِيَ الأَرْضَ اليَوْمَ لِيَهْدِمَ مَا بَنَاهُ غَدَاً -- بَعْدَهَا يُنَادِيَ العَدُوَّ والغَيْرَ بِسَبَبِ "الدِّينِ" أَو الطَّائِفَةِ أَو السِّيَاسَةِ بِالحَيَوَانِ إِنْ أَرَادَ السَّبَّ والشَّتْمَ والرِّيَاءَ -- ولا يَعْلَمُ بِغَبَاءِهِ ولا يُدْرِكُ بِجَهْلِهِ أَنَّ السَّبَّ والسِّبَابَ مَا هُوَ إِلاّ مَدْحٌ وثَنَاءٌ!! الأَدْيَانُ إِذَاً كالبَشَرِ والدِّينُ كالإِنْسَانِ، والإِنْسَانُ "بِحُرِّيَّتِهِ" كالطَائِرِ فِي الجِّنَانِ. والأَدْيَانُ والدِّيَانَاتُ والطَّوَائِفُ هِيَ طيُوُرٌ جَمِيلَةٌ لَهَا أَلوَانُهَا وأَشْكالُهَا وكُلٌّ يَرْقُصُ فِي السَّمَاءِ كمَا يَشَاءُ، ومَهْمَا تَنَوَّعَتْ ورَاقَتْ فِي أَلْوَانِهَا وأَصْوَاتِهَا وأَنْغَامِهَا ورَقْصِهَا فَهِيَ تُغرِّدُ مَعَاً أُغرُودَةً واحِدَةً مُوَحَّدَةً عُنْوَانُهَا -- آمِين! وطَائِرُ الإِيمَانِ والدِّينِ يُغَرِّدُ صَبَاحَاً ويَطِيرُ حُرَّاً بِرِيشِهِ الوَفِيرِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَقَعُ ويُكْسَرُ جَنَاحُهُ وقَلْبُهُ إِنْ أُطْلِقَتْ عَلَيْهِ رَصَاصَةُ السِّيَاسَةِ مِنْ طَائِفِيٍّ حَقِيرٍ، وهِيَ لَيْسَتْ رَصَاصَةُ رَحْمَةٍ بَلْ رَصَاصَةُ نِقْمَةٍ، فَيَمُوتُ ويَمُوتُ مَعَهُ الغِنَاءُ والرَّقْصُ والأَلْوَانُ والجَّمَالُ البَهِيرِ. وأَصِلُ بِقِطَارِ الجَّمَالِ والدَّلالِ، يَا سَادَة، إِلى أَجْمَلِ وأَرْقَى مَحَطَّاتِ الإِنْسَانِ والمُوسِيقَى والأَلْحَانِ، أَصِلُ إِلى سِيتَا هاكُوبيَان "فَرَاشَةُ البَصْرَةِ العِرَاقِيَّةِ" وحَلاوَةُ المَزْجِ بين التُّراثِ وكِيتارِ النَّغَماتِ الغَرْبيّةِ... يُمَّه يُمَّه آخ يُمَّه... وهِيَ دُرَّةٌ وُجِدَتْ فِي البُحَيْرَةِ، وشَمْسٌ وُلِدَتْ عَلى ضِفَافِ شَطِّ العَرَبِ فِي البَصْرَةِ، حَيْثُ وُلِدَ النَّحْوُ ومَعَهُ البَلاغَةُ وأَصْلُ اللُّغَةِ، وقَمَرٌ بِعُيُونٍ نَاعِسَةٍ أَرْمَنِيَّةٍ، جَمِيلَةٌ بِصَوْتِهَا وصَغِيرَةٌ كالفَرَاشَةِ الذَّهَبِيَّةِ، وحَبِيبُهَا كانَ صغَيْرُون، فَسَافَرَتْ فِي "دُرُوبِ السَّفَرِ" ودَمَعَتْ العُيُونُ، وذَبُلَتْ "أَوْرَاقُ الشَّوْقِ" والأَجْفَانُ والجُفُونُ، وتَاهَتْ فَقَالَتْ "مَنْدَل دَلُّونِي" وهِيَ أَجْمَلُ وأَرْقَى مَا غَنَّتْ، لِتَبْقَى مَعَ "أَوْرَاقِ الشَّوْقِ" وال 99% أَحْلَى الأَغَانِيَ العِرَاقِيَّةِ، تُبْكِينِي طِفْلاً فِي "لَيْلِ السَّهَرِ" والقَمْرَةِ اللَيْلِيَّةِ... أُحِبُّهَا، ولَسْتُ وَحْدِي، وأُشَاهِدُهَا وأَسْمَعُ صَوْتَهَا وأَسْتَمِعُ لَهَا يَوْمِيَّاً، ولَسْتُ وَحْدِي، فَقَدْ أَحَبَّهَا - ودَائِمَاً - الصَّغِيرُ والكَبِيرُ لِفَنِّهَا وصَوْتِهَا وكَلِمَاتِهَا وأَلْحَانِهَا وجَمَالِهَا وعُيُونِهَا وأُنُوثَتِهَا ورِقَّتِهَا وبَسَاطَتِهَا ومَشَاعِرِهَا وأَحَاسِيسِهَا وصِدْقِهَا مَعَ نَفْسِهَا ونَاسِهَا وإِبْتِسَامَتِهَا البَصْرَاوِيَّةِ ودُمُوعِهَا النَقِيَّةِ... وفَسَاتِينُهَا مِثْلُهَا جَمِيلَةٌ وزَهِيَّةٌ، بِزُهُورٍ وَرْدِيَّةٍ، سَكَنَتْ البَصْرَةَ فَكَانَتْ البَصْرَةُ بِهَا جَمِيلَةً سَاحِرَةً، وحَلَّتْ فِي بَغْدَادَ فَصَارَتْ سَمَاءُ بَغْدَادَ فَوْقَهَا بَاهِرَةً، لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ، كَعَادَتِهِم، لَمْ يُقَدِّرُو قِيمَةَ ولَمَعَانَ اللُّؤْلُؤُةِ البَصْرَاوِيَّةِ كَمَا قَدَّرَتْ لُبْنَانُ فَيْرُوزَهَا الجَبَلِيَّةِ، فَهَاجَرَتْ سِيتَا العِبَادَ والبِلادَ وهَجَرَتْهَا فَأَصْبَحَتْ بِلادُ الرَّافِدَيْنِ بَعْدَهَا حَزِينَةً حَائِرَةً... هِيَ سِيتَا هَاكُوبيان، فَكانَتْ السَبعِينيَّاتُ بِهَا ولَهَا عَقْدَ السَّعَادَةِ العِرَاقيَّةِ. وكانَتْ السَبعِينيَّاتُ سَعَادَةً حَقِيقِيَّةً، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ سَنَةُ 1979 مِيلادِيَّة ومَا فِيهَا مِنْ خَوْفٍ وقَهْرٍ وتَرَقُّبٍ وعَلامَاتِ إِسْتِفْهَامٍ وصِرَاعَاتٍ أَمْنِيَّةٍ، وتَأتِيَ مَعَهَا عِمَامَاتُ طَهْرَانَ الطائِفيَّةِ، مَعَ سِحْرِهَا الأَسْوَدِ وجَهْلِهَا وأَحْقَادِهَا التأريخيَّةِ، فَدَمَّرَتْ أَوَّلاً السَعَادَةَ الإيرانيَّةَ، لِتَبْدَأَ بَعْدَهَا بِتَدْمِيرِ المُجْتَمَعَاتِ العِراقيَّةِ والعَرَبيَّةِ، فَكَانَتْ لَعْنَةُ الجُغْرَافيَا السِيَاسيَّةِ...! وهَكذَا، نَأتِيَ إلى ثَمانينيَّاتِ الفَرَحِ والأَحْزَانِ، هِيَ الثَمانينيَّاتُ بِكُلِّ مَا فِيهَا مِنْ أَحْدَاثٍ عِرَاقيَّةٍ مَصِيريَّةٍ، ومَلالِي طَهْرَانَ وأَفَاعِيهَا الإِرْهَابيَّةِ...، العِرَاقيَّةُ بَلقِيس الرّاوي حَسْنَاءُ الأعْظَمِيَّةِ، فِي لُبْنَانَ كانَتْ زَهْرَةُ الدُّبلومَاسِيَّةِ، غَابَ سِحْرُ عَيْنَيْهَا وسَالَتْ دِمَاءُهَا ومَعَهَا وعَلَيْهَا دُمُوعُ نِزَارَ فِي تَفْجِيرِ السَّفارَةِ العِراقيَّةِ، وفِي بَيروتَ تَسِيلُ الدِّمَاءُ بِقَنَابِلٍ إيرانيَّةٍ وعَمَالَةٍ فِلِسْطينيَّةٍ، لِقَتْلِهَا رَقَصَتْ خَفَافِيشُ حِزْبِ الدَّعْوَةِ الإسْلاميَّةِ، ولِيَوْمِنَا، هُوَ الأحْقَرُ بَيْنَ الأحْزَابِ الطَّائِفِيَّةِ... لكِنَّ العِرَاقِيِّينَ مَعْرُوفُونَ بالبِنَاءِ والإبْدَاعِ والفَرَحِ رَغْمَ الحَرْبِ وأَحْزَانِهَا وأَقْدَارِهَا الرَبَّانيَّةٍ...، المَدَارِسُ والثَّانَوِيَّاتُ النّمُوذَجِيَّةُ... ومِنْهَا وأَرْقَاهَا ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ... ومَا أَدْرَاكَ مَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ؟؟ كُلِيَّةُ بَغْدَادَ والبَسَاتِينُ والحَدَائِقُ والرَّيْحَانَةُ والرَّيَاحِينُ ومَلاعِبُ الكُرَةِ والسَّلَّةِ والسَّاحَاتُ والكُورتَاتُ والكُرَاتُ وأَوْلادُ السُّفَرَاءِ والسَّاسَةِ والعَائِلاتُ الرَّاقِيَةُ، العِرَاقِيَّةُ والعَرَبِيَّةُ، مِنْ كُلِّ الأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ والثَّقَافَاتِ -- والبِنَايَاتُ والصُّفُوفُ والفُصُولُ والقَاعَاتُ والمُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةِ والمَكْتَبَاتُ، والأَسَاتِذَةُ الكِرَامُ والمُدَرَاءُ الرُّقَاةُ، أَذْكُرُ البَعْضَ مِنْهُم بِكُلِّ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ وتَقْدِيرٍ وإِحْتِرَامٍ وعِرْفَانٍ، مَعَ حِفْظِ الأَلْقَابِ والفَخْرِ والشُّكْرِ والإِمْتِنَانِ، أُسْتَاذُ قُتَيْبَة وفَازِع وسَمِير ونُورِي وبَاسِمُ وإِنْتِصَارُ ولطيف وأَحمد ومحمّد وفرانسيس وعَبدُ الواحِد وماجِد "أُوربِتَالل -- وأَتَعَمَّدُ هُنَا كِتَابَةَ حَرْفِ الّلامِ مَرَّتَيْنِ، فَقَط لِلذِكْرَى الجَّمِيلَةِ بِأَيَّامِهَا الأَجْمَلِ" والأُسْتَاذُ الفَاضِلُ فَاضِل وأُسْتَاذُ خِضر... والأُستَاذَةُ الجَمِيلَةُ خالِدة ومَيْسُون وخَدِيجَة وكَواكِب... أَرْقَى الأَسَاتِذَةِ والمُدَرِّسِينَ وهُم فِعْلاً فِي سَمَاءِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ نُجُومٌ وكَوَاكِبٌ، وحَسْنَاءُ الفَنِّ والرَّسْمِ والمَوَاهِبِ الفَنِّيَّةِ السِتْ صَبِيحَة... أُنْثَى وإِسْمٌ عَلى مُسَمًّى -- فتاةٌ صَبيحَةٌ بِجَمَالِهَا وشَعْرِهَا وأُنُوثَتِهَا المُتَفَجِّرَةِ، دُرَّةٌ وجَوْهَرَةٌ، بِحُسْنِهَا وسَمَارِهَا نَادِرَةٌ، يَرَاهَا مُرْهَفُو الحِسِّ مِنَ الطُّلاَّبِ فِي أَوَّلِ النَّهارِ وهُم لَهَا عَاشِقُونَ، وبِهَا حَالِمُونَ، لِقُدُومِهَا مُنْتَظِرُونَ، يَحِينُ الدَّرْسُ والطُّلاَّبُ كُلُّهُم "بِقُدْرَةِ قَادِرٍ" حَاضِرُونَ، فَلا مَرَضَ ولا أَعْذَارَ ولا غِيَابَ ولا شَكْوَى، ولا إِجَازَاتٍ ولا صِبَا ولا ذِكْرَ للجُنُونِ، بَلْ يُؤَجَّلُ كُلُّ ذَلِكَ لِدُرُوسٍ أُخْرَى... تَمُرُّ بِصَوْتِ كَعْبِهَا الحَنُونِ، لِيَكُونَ الصَّمْتُ والهُدُوءُ والسُّكونُ، فَصَمْتَاً يَصْمُتُونَ، كَعْبٌ ورُخَامٌ، صَهٍ صَهٍ، العُيُونَ يُغْمِضُونَ، الآذَانَ يَفْتَحُونَ، لَحْنَ الأُنُوثَةِ يَسْمَعُونَ، أَنْغَامَ أُغْنِيَةِ "الكَعْبِ" يَسْتَمِعُونَ، ثُمَّ يَتَنَهَّدُونَ، إِيهٍ، لِتُفْتَحَ العُيُونُ، إِلَيْهَا يَنْظُرُونَ، والشُّجُونُ ومَا أَدْرَاكَ مَا الشُّجُونُ، لِتُصْبِحَ مَادَّةُ الفَنِيَّةِ "فَجْأَةً" المَادَّةُ المُفَضَلَّةُ لَدَى الجَّمِيعِ، لِيَتَعَجَّبَ الأَسَاتِذَةُ والمُدَرَاءُ وأَوْلِيَاءُ الأُمُورِ ويَشْكُرُونَ العَلِيمَ السَّمِيعَ، عَلى إِلْتِزَامِ الطُّلاَّبِ والأَبْنَاءِ و "أَحَاسِيسِهِم" المُرْهَفَةِ و "حُبِّهِم" لِلفَنِّ والرَّسْمِ و "مَوَاهِبِهِم" الفَنِّيَّةِ! وبِسَبَبِ المُدَرِّسَةِ الحَسْنَاءِ أَصْبَحَ كُلُّ طَالِبٍ فِي كُلِيَّةِ بَغْدَادَ أَكْثَرَ مَوْهِبَةً مِنْ بَابلو بِيكاسو وأَميديو مُوديلياني وأُوجست رِينوَار بَلْ وحَتّى كلود مُونِيه، وإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ!! وكانَ مِنْ حُسْنِ حَظِّ جَدِّي أَنَّ الرَّسَّامَةَ الجَّمِيلَةَ كانَتْ تَسْكُنُ فِي أَحَدِ الأَحْيَاءِ القَرِيبَةِ مِنْ مَنْزِلِهِ، لكِنْ مِنْ سُوءِ حَظِّهِ أَنَّهَا كانَتْ تُحِبُّ المَشْيَ كَثِيرَاً! المَشْيُ رِيَاضَةٌ جَمِيلَةٌ ومٌفِيدَةٌ لكِنَّهَا كانَتْ تُبَالِغُ فِي الأَمْرِ بَعْضِ الشَّيءِ، فَتَرَكَ جَدِّي رِفَاقَهُ وأَصْحَابَهُ والبَاصَاتُ والسَّيَّارَاتُ وطَلَبَ مِن أَبِيهِ وأُمِّهِ أَنْ لا يَأْتِيَا لِإِصْطِحَابِهِ بَعْدَ المَدْرَسَةِ لأَنَّهُ قَرَّرَ أَنْ يَعُودَ إِلى البَيْتِ سَيْرَاً عَلى الأَقْدَامِ إِذْ أَنَّ المَشْيَ رِيَاضَةٌ مُفِيدَةٌ للجَّسَدِ والرُّوحِ...!! وكانَ يَمْشِيَ كَثِيرَاً وتَمْشِيَ مَعَهُ أَحْلامُهُ وآمَالُهُ وفُصُولُ خَيَالاتِهِ وهُوَ يَنْظُرُ إِلى أَمِيرَتِهِ الحَسْنَاءِ التي لا تُدْرِكَ أَنَّ البَطَلَ الرِّيَاضِيَّ الذي يَسِيرُ خَلْفَهَا يَعِيشُ قُصَّةَ حُبٍّ خَيَالِيَّةٍ بَعْضُهَا مَرَحٌ ومَشَاعِرٌ طُفُولِيَّةٌ، وبَعْضُهَا الآخَرُ غَرَامٌ وخَيَالٌ ورُمَانسِيَّةٌ، وأَنَّ رُكْبَتَيْهِ تَعِيشَانِ مِنَ التَّعَبِ فِلْمَ أَكْشِن بِكُلِّ أَحْدَاثِهِ الوَاقِعِيَّةِ... وكانَ يَمُرُّ فِي طَرِيقِهِ عَلى كُلِّ الأَسْوَاقِ حَتّى عَرَفَهُم وعَرَفَوهُ، وأَحَبَّهُم وأَحَبُّوهُ، ومَلَّهُم ومَلُّوهُ، وفِي طَرِيقِهِ كانَ يُحْضِرُ لِأَبِيهِ الجَّرَائِدَ اليَوْمِيَّةَ ولِأُمِّهِ مَا تَحْتَاجُهُ مِنَ خُبْزٍ أَو أُمُورٍ ضَرُورِيَّةٍ لِيُصْبِحَ، فَجْأَةً، الإِبْنُ الصَّالِحُ المُطِيعُ ولَمْ يَعُدْ الوَلَدُ المُدَلَّلُ! ولَمْ يَعْلَمُو أَنَّ هَذِهِ الطِّيبَةَ والسَّكِينَةَ مَا هِيَ إِلاّ أَقْدَارُ الحُبِّ والسَّيْرُ خَلْفَ المُدَرِّسَةِ الفَاتِنَةِ التي تَسِيرُ أَمَامَهُ كالأَرْنَبَةِ الشَّقِيَّةِ، وتَسْبِقُهُ لَيْسَ فَقَطْ فِي المَسَافَةِ بَلْ أَيْضَاً فِي السِّنِّ والأَقْدَارِ. وظَلَّ جَدِّي يَمْشِي ويَسِيرُ أَيَّامَاً وأَسَابِيعَ، رُبَّمَا، حَتّى مَلَّ ومَلَّتْ رُكْبَتَاهُ، فَتَعَرَّفَ عَلى فَتَاةٍ أُخْرَى فِي مَدْرَسَةٍ أُخْرَى تَمِشِيَ إِلى جَانِبِهِ وأَحْيَانَاً خَلْفَهُ كالسُّلْحَفَاةِ البَرِّيَّةِ، فَغَيَّرَ طَرِيقَهُ وطَرِيقَتَهُ وعَادَ إِلى أَصْحَابِهِ وبَاصَاتِهِ وتَوَقَّفَ، فَجْأَةً، عَنْ شِرَاءِ الحَاجِيَاتِ لِأُمِّهِ والصُّحُفِ لِأَبِيهِ، فَكانَ، مَرَّةً أُخْرَى، الإِبْنُ المُدَلَّلُ الذي يَهْتَمُّ بِدُرُوسِهِ ولَيْسَ بِأَيِّ شَيءٍ آخَرَ... أَو هَذَا مَا يَبْدُو عَلَيْهِ الأَمْرُ! ويَذْكُرُ "جَدِّي" إَنَّهُ مَرَّةً وهُم إلى الرَّسَّامَةِ الفَاتِنَةِ يَنْظُرُونَ وصَوْتِهَا يَسْمَعُونَ وإِلى طَقْطَقَةِ كَعْبِهَا يُنْصِتُونَ وحَرَكَاتِهَا ودَلالِهَا يُرَاقِبُونَ ومِنَ الدَّرْسِ شَيْئَاً لا يَفْهَمُونَ وحَتّى عُنْوَانَ الدَّرْسِ لا يَعْلَمُونَ، وكُلُّهُم "فِي صَمْتٍ" فِي الجَّمَالِ يُرَكِّزُونَ، وإِذَا بِأَحَدِهِم قَامَ بِأَمْرٍ لَيْسَ فِي الظَّنِّ والحُسْبَانِ والحِسْبَانِ وإِرْتَكَبَ جَرِيمَةً كُبْرَى بِحَقِّهِم وحَقِّ البَشَرِيَّةِ فَعَطَسَ وكَسَرَ بِذَلِكَ "قَوَاعِدَ اللُّعْبَةِ والإِشْتِبَاكِ" وشَوَّهَ جَمَالَ السُّكُونِ، فَحَصَلَ عَلى رَكْلَةٍ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ "جِلاَّق عِرَاقِي أَصْلِي" مِنْ صَدِيقِهِ الواقِفِ خَلْفَهُ "فِي صُفُوفِ المُشَاهِدِينَ والمُتَفَرِّجِينَ،" وهَذِهِ كانَتْ "يَرْحَمُكُم اللهُ بَعْدَ العَطْسِ" عَلى طَرِيقَةِ طُلاَّبِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وبَقِيَ الطَّالِبُ "المَضْرُوبُ عَلى مُؤَخَّرَتِهِ والمَغْضُوبُ عَلَيْهِ" يَمْشِيَ مِشْيَةَ الأَعْرَجِ كالبَطَّةِ العَرْجَاءِ كَأَنَّهُ يَرْقُصُ "الجُوبِي" فِي الشَّارِعِ لِأُسْبُوعَيْنِ!! إيهٍ ثُمَّ إِيهٍ... هُوَ الحُبُّ والعِشْقُ والوَلَهُ... وقَالَهَا عَبد الله الرُّويشد... هِيَ دُنْيَا الوَلَه! ثَانَوِيَّةُ كٌلِيَّةِ بَغْدَادَ... مَنْ تَخَرَّجَ مِنْهَا كانَ مِنَ الرُّقَاةِ المُتَفَوِّقِينَ، أَو سَافَرَ وهَاجَرَ وذَابَ مَعَ المُجْتَمَعَاتِ والأَحْوَالِ والسِّنِينَ، فِيهَا مَنْ يَهْوَى القِرَاءَةَ والأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَعِشَقُ قِلَّةَ الأَدَبِ، وفِيهَا مَنْ يَهْوَى الإِثْنَيْنِ، وجَدِّي مِنْ آخِرِ الفَرِيقَيْنِ، وإِنْتَعَشَ فِيهَا العِلْمُ والشِّعْرُ و "الرَّسْمُ" والفَنُّ والأَدَبُ، وإِنْتَعَشَتْ فِيهَا الرِّيَاضَةُ والمَوَاهِبُ المُوسِيقِيَّةِ والرَّقْصُ والطَّرَبُ، كمَا إِنْتَعَشَ فِيهَا أَيْضَاً تَبَادُلُ الأَفْلامِ "الإِبَاحِيَّةِ" بِالُّلغَةِ الفُصْحَى أَو الأَفْلامِ "السِّكْسِيَّةِ" بِلُغَةِ "شَعْبِ" كُلِيَّةِ بَغْدَادَ العَاشِقِ والمُحِبِّ، وأَصْبَحَ هُنَاكَ طالِبٌ مِنْ كُلِّ ثَلاثَةِ طُلاَّبٍ يَحْمِلُ فِي حَقِيبَتِهِ - عَلى الأَقَلِّ - فِلْمٌ أَو إِثْنَيْنِ -- إِحْصَائِيَّةٌ رَسْمِيَّةٌ!! هُوَ الأَمْرُ هكذَا، هِيَ ثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، وهُم طُلاّبُهَا، الأَجْمَلُ والأَرْقَى والأَنْقَى والأَحْلَى والأَذْكَى والأَشْقَى فِي عَالَمِ الإِنْسَانِ والوُجُودِ والبَقَاءِ... "كُوكتِيلٌ" وخَلِيطٌ نَادِرٌ ومُقَدَّسٌ بَيْنَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ! إِنَّهَا كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، يَا سَادَة، كُلِيَّةُ بَغْدَادَ -- مَدْرَسَةٌ جَامِعَةٌ تَجِدَ فِيهَا كُلَّ شَيءٍ وكُلَّ أَصْنَافِ البَشَرِ، وهُمْ أَجْمَلُ وأَحْلَى وأَرْقَى البَشَرِ، طُلاّبُهَا الأَكْثَرُ وَسَامَةً وشَغَبَاً وطِيبَةً وذَكاءً وعِلْمَاً ومَرَحَاً وفَرَحَاً وغِنَاءً ورَقْصَاً ومَقَالِبَاً وعِشْقَاً للنِّسَاءِ وحُبَّاً لِلحَيَاةِ... تَرْكِيبَةٌ نَادِرَةٌ جَمِيلَةٌ عَجِيبَةٌ غَرِيبَةٌ، فِيهَا مَنْ يَخْجَلُ مِنْ نَفْسِهِ وخَيَالِهِ ويَخَافُ النِّسَاءَ ويُصَلِّيَ، وفِيهَا مَنْ فِي حَقِيبَتِهِ أَجْمَلُ وأَحْدَثُ أَفْلامِ ال "بُورنُو" الأَمْرِيكيَّةِ والأَلْمَانيَّةِ والعَرَبِيَّةِ، ونِسَاءَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ يُلاحِقُ ويُمَلِّيَ ... رَحَلاتُهَا وبَاصَاتُهَا تَحْدُثُ فِيهَا أَحْلَى وأَجْمَلُ القِصَصِ والمَوَاقِفِ والأَغَانِيَ والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ والأَسْرَارِ الخَفِيَّةِ، هِيَ هَكذا، والحَيَاةُ فِيهَا كالسِّحْرِ، هِيَ كذَلِكَ، حَيَاةٌ خَاصّةٌ أَشْبَهُ بِالدَّوْلَةِ العَمِيقَةِ... لَمْ ولَنْ تُوجَدَ إلاّ فِي ثَانَوِيَّةِ كُلِيَّةِ بَغْدَادَ، فِي زَمَانِ بَغْدَادَ، عِنْدَمَا "كانَتْ" فِي زَمَانٍ مَا... كُلِيَّةُ بَغْدَادَ! وأَعُودُ إِلى المَدِينَةِ... بَغْدَادُ والمَحَلاَّتُ والأَزِقَّةُ الشَّعْبِيَّةِ، والشَّوَارِعُ والأَسْوَاقُ والأَحْيَاءُ والرَّاقِيَةُ، بَاتَا والقِيثَارَةُ وعَلاءُ الدِّينِ والصِّنَاعَاتُ والجَّوْدَةُ العِرَاقِيَّةُ، المُتْحَفُ البَغْدَادِيُّ والآبَاءُ والأَجْدَادُ وأَهْلُ النَّقَاءِ والخَيْرِ، والهُدُوءُ مَعَ الزِّحَامِ والهَدِيرِ والصَّفِيرِ، العَلاوِي والنَّهْضَةُ ومَكْتَبَاتُهَا والتَّحْرِيرُ، شَارِعُ المُتَنَبِّيَ ولِقَاءُ الفَنِّ مَعَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ والأَدَبِ، والمَكْتَبَاتُ والكُتُبُ النَّادِرَةُ فِي الوُجُودِ، فِي الشِّعْرِ والمُوسِيقَى والتأرِيخِ والسِّيَاسَةِ وعِلْمِ الإِجْتِمَاعِ والقِصَّةِ والرِّوايَةِ والحُبِّ، مَنْ زَارَهُ زَارَ بَغْدَادَ، ومَنْ فَاتَهُ لا أَكَلَ مِنْ جَمَالِ بَغْدَادَ ولا شَرِبَ. مَقْهَى الشَّابَندَر فِي كلِمَاتٍ... جَمَالٌ وثَقَافَةٌ وتأريخٌ فِي رُقِيِّ الآبَاءِ والأَجْدَادِ والأَحْفَادِ وأَصَالَةِ العِبَادِ وأَصْلِ البِلادِ. الشُّهَدَاءُ والسِّنَكُ والرَّشِيدُ والفَضْلُ والبَتّاوِيّينَ والدَرَابِينُ، والدَّرْبُونَةُ "أَو الدَّرْبُ الصَّغِيرُ أَو دَرْبُ أَبُونَا" والبِنَاءُ الأَصِيلُ والذِّكْرَيَاتُ والبُيُوتُ اليَهُودِيَّةُ الجَّمِيلَةُ وتُرَاثُ العِرَاقِيِّينَ مِنَ اليَهُودِ -- يَهُودُ العِرَاقِ مَنْ أَحَبَّ الأَرْضَ وبَنَى البِلادَ وأَغْنَاهَا فَأَغْنَى مَعَهَا العِبَادَ. الدُّورَةُ وحَيُّ المِيكانِيكِ والأَزْهَارُ والوُرُودُ المَسِيحِيَّةُ -- الآشُوريُّونَ أَصْلُ العِبَادِ وأَوَّلُ مَنْ سَكَنَ البِلادَ وأَسَّسُو سَلامَهَا وحَضَارَتَهَا ولِلعَالَمِ أَظْهَرُوهَا بِرَويَّةٍ...، والآشُوريَّةُ لَيْسَتْ دِينٌ أَو "دِيَانَةٌ" أَو إِيمَانٌ بَلْ هِيَ "قَومِيَّةٌ" تأريخيَّةٌ وُجُودِيَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وإِيمَانُهَا هُوَ المَسِيحِيَّةُ، ولا عِلاقَةَ لَهَا بالقَوْمِيَّةِ الكُرْدِيَّةِ، وذُو الرَّأْيِ المُخَالِفِ مَنْ يَرَى غَيْرَ ذَلِكَ فالأَمْرُ حِينَذَاكَ لا عِلاقَةَ لَهُ بِالعِلْمِ والتَّفْسِيرِ والتأرِيخِ أَو وِجْهَاتِ النَّظَرِ، وإِنَّمَا بِالعِنَادِ والتَّعَصُّبِ والجَّهْلِ بِالتأرِيخِ أَو قِصَرِ النَّظَرِ، أَو هِيَ عُقَدٌ شَخْصِيَّةٌ وهَوَى، ولَنْ يَكُونَ العِنَادُ هُنَا مُجَرَّدَ رُؤًى وإِنَّمَا هُوَ جَهْلٌ أَعْمَى. وعِندمَا أُقُولُ "أَصْلِيٌّ" أَو "أَصْلِيَّةٌ" فَعَلى القَارِئِ أَوَّلاً وإِدْرَاكَاً أَنْ يَعْرِفَ الفَرْقَ أَو الفُرُوقَ بَيْنَ بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ والتأرِيخِيَّةِ والإِجْتِمَاعِيَّةِ والسِّيَاسِيَّةِ كالفَرْقِ بَيْنَ الأَرْضِ والوُجُودِ والخَلِيقَةِ والحَضَارَةِ والوَطَنِ والدَّوْلَةِ والأُمَّةِ والبِلادِ بِكُلِّ مَعَالِمِهَا المَعْرُوفَةِ. فَالأَرْضُ، مَثَلاً، وُجِدَتْ قَبْلَ الخَلْقِ والإِنْسَانِ وطَبِيعَتِهِ وهِيَ الخَلِيقَةِ، والأَرْضُ بِنَاسِهَا وخَلْقِهَا وحَضَارَتِهَا أَو حَضَارَاتِهَا "كمَا هُوَ الحَالُ فِي بِلادِي العِرَاقَ" وُجِدَتْ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ دَوْلَةً أَو بَلَداً ثُمَّ وَطَنَاً أَو أُمَّةً إِنْ أَرَادَ سَاكِنُوهَا أَو سُكَّانُهَا مَا أَرَادُو. والإِنْسَانُ قَدْ يُخْلَقُ أَو يُولَدُ أَو يُوجَدُ فِي أَرْضِهِ وتُرْبَتِهِ ويُدْعَى "إِنْسَانٌ" فِي خَلْقِهِ وخَلِيقَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى "سُومَرِيٌّ" أَو "بَابِلِيٌّ" أَو "كِلْدَانِيٌّ" أَو "آشُورِيٌّ" أَو مِنْ حَضَارَةٍ أَو مُجْتَمَعَاتٍ أُخْرَى بِحُكْمِ الدَّوْلَةِ والحُكْمِ والحَاكِمِ والغَالِبِ والمَغْلُوبِ فِي السِّيَاسَةِ أَو الدِّينِ أَو الإِيمَانِ أَو عَادَاتِ البَشَرِ أَو تَقَالِيدِ النَّاسِ. وهُنَا، وفِي هذَا المَقَامِ والمَقَالِ ثَمَّةَ رِحْلَةٌ ومَحَطَّةٌ تَشْغَلُنِي خاصَّةً وأَنَّ الكَثِيرَ مِنَ النَّاسِ، ومِنْهُم العُلَمَاءِ، لا زَالَ يَجْهَلُ "جَهْلاً أَو عَمْداً عَلى عَيْنٍ" الفَرْقَ بَيْنَ الدِّينِ والإِيمَانِ. وهُنَا أَقُولُ، وهَذَهِ وِجْهَةُ نَظَرِي ومَا أَعْتَقِدُهُ فِي هذَا الأَمْرِ: وأَمَّا المَسِيحيَّةُ، وهِيَ إِيمَانُ القَوْمِيَّةِ الآشُورِيَّةِ، فَهِيَ إيمَانٌ وعِلاقَةُ حُبٍّ ومَحَبَّةٍ بَيْنَ الرَبِّ والخَلِيقَةِ السَّمَاوِيَّةِ وأَوْلادَهِ فِي الخَلِيقَةِ الإِنسَانيَّةِ الأَرْضِيَّةِ، وهِيَ لَيْسَتْ عِلاقَةٌ قَهْرِيَّةٌ بَلْ صَدَاقَةٌ أَبَوِيَّةٌ، وهذَا هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ "الدِّينِ" الذي بُنِيَ عَلى الخَوْفِ والنَّهْيِ والأَوَامِرِ كالإِسْلامِ واليَهُودِيَّةِ، وبَيْنَ "الإِيمَانِ" الذي أَسَاسُهُ الحُرِّيَّةُ والكَرَامَةُ الإِنْسَانِيَّةُ فِي العِبَادَةِ والإِخْتِيَارِ كالمَسِيحِيَّةِ، لِهذَا فَالمَسِيحِيَّةُ لَيْسَتْ دِيَانَةٌ بَلْ إِيمَانٌ حُرٌّ وأُسْلُوبُ حَيَاةٍ -- والحُبُّ والمَحَبَّةُ هِيَ إِطَارُ تِلْكَ الحُرِّيَّةِ. فِي الدِّينِ، مَثَلاً، إِنْ صَلَّيْتَ أَحَبَّكَ اللهُ ورَضِيَ عَنْكَ، وإِنْ لَم تُصَلِّ كُنْتَ فِي دَائِرَةِ الغَضَبِ، ورُبَّمَا، كانَ لَكَ مَقْعَدٌ فِي الجَّحِيمِ!! لكِنَّ الإِيمَانَ شَيءٌ آخَر، فَأَنْتَ إِنْ صَلَّيْتَ أَم لَمْ تُصَلِّ أَحَبَّكَ الرَّبُّ وإِنْ كُنْتَ غَيْرُ صَالِحٍ طَوَالَ الوَقْتِ - كمَا أَحَبَّ اللهُ دَاوُدَ رَغْمَ الخَطِيئَةِ وأَحَبَّ إِبْنَهُ سُلَيْمَانَ رَغْمَ الأَخْطَاءِ المَعْرُوفَةِ - لأَنَّكَ بِكُلِّ بَسَاطَةٍ إِنْسَانٌ ضَعِيفٌ مِنْ تُرَابٍ ومَاءٍ، وأَيْضَاً، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ "فِي الإِيمَانِ" أَبَدِيَّةٌ ونِعْمَةٌ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ أَسَاسُهَا النَّقَاءُ. فَهُوَ الخَالِقُ وأَنْتَ المَخْلُوقُ، وهُوَ الصَّانِعُ البَّارُّ وأَنْتَ الفَخَّارُ، وهذَا مَا يُسَمَّى بالمَحَبَّةِ الأَبَوِيَّةِ أَو المَجَّانِيَّةِ "الأَكَابَا أَو الأَغَابَا" وهذَا هُوَ جَوْهَرُ الفَرْقِ بَيْنَ الدِّينِ وهُوَ السِّجْنُ الكَبِيرُ الذي يَعْتَمِدُ عَلى النُّصُوصِ والتَّهْدِيدِ والوَعِيدِ ومَا كُتِبَ وكانَ، وبَيْنَ الإِيمَانِ وهُوَ الحُرِّيَّةُ فِي التَّفْسِيرِ والتَّفْكِيرِ والرُّجُوعِ إِلى ضَمِيرِ الإِنْسَانِ -- ولا يَتَوَفَّرُ الخِيَارُ المُطْلَقُ فِي الدِّينِ الذي بُنِيَ عَلى أَسَاسِ الخَوْفِ مِنَ النَّفْسِ والنَصِّ المَكْتُوبِ، وقَدْ يَصِلُ الأَمْرُ إِلى الأَمْرَاضِ النَّفْسِيَّةِ والخَوْفِ مِنَ الدِّينِ والرَّبِّ بَدَلَ حُبِّهِ ومَحَبَّتِهِ واللُّجُوءِ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَحْسُوبٍ! كانَتْ تِلْكَ مَحَطَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ لاهُوتِيَّةٌ، ونُكْمِلُ الرِّحْلَةَ البَغْدَادِيَّةَ الجَّمِيلَةَ، والرِّحْلَةُ فِي بِدَايَتِهَا... وجِسْرٌ جَمِيلٌ بَيْنَ الأَعْظَمِيَّةِ والكاظُمِيَّةِ، إسْلامٌ هُنَا وإسْلامٌ هُنَاكَ لا فُرُوقَ وَهِمِيَّةً ولا سُمُومَ فارِسيَّةً -- مُسْلِمُو العِرَاقِ مِنْهُم عِرَاقِيُّونَ مُثَقَّفُونَ أَو حِجَازِيُّونَ طَيِّبُونَ أَسَّسُو دَوْلَةَ العِرَاقِ وأَحَبُّوهَا فَعَمَّرُوهَا وجَعَلُوهَا كالشَّمْسِ فِي سَمَاهَا، ومِنْهُم فِي الأَصْلِ فارِسيُّونَ إِسْتَوْطَنُو الأَرْضَ كالبَكْتِرْيَا الضَّارَةِ فَأَمْرَضَوهَا وأَضْعَفُوهَا وأَنْهَكُوهَا فَأَمَاتُوهَا! مَسَاجِدُ وجَوَامِعُ العِرَاقِ بِثُرَاثِهَا وجَمَالِهَا وتَصَامِيمِهَا المِعْمَارِيَّةِ، فِي البَصْرَةِ والموصِلِ وكَرْكُوكَ وصَلاحَ الدِّينِ والأَنْبَارِ وأَرْبِيلَ والنَّجَفِ وكَرْبَلاءَ وسَامَرَّاءَ وبَغْدَادَ المَنْصُورِ ودُرَّتِهِ العَبَّاسِيَّةِ، إِهْتَمَّ بِهَا المُلُوكُ والرُّؤَسَاءُ فِي عُصُورٍ تأرِيخيَّةٍ، فَأَصْبَحَتْ تُحَفَاً فَنِيَّةً...، القَاهِرَةُ والوَزيريَّةُ وسِحْرُ الأعْظَميَّةِ، ومَرَّةً أُخْرَى، حَبِيبَتِي الأَعْظَمِيَّةُ، عَرُوسُ المَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ البَغْدَادِيَّةِ، وأضْواءُ "أَبُو حَنيفَةَ" والمَقْبَرَةُ المَلَكيَّةُ، ورأْسُ الحَوَاشِ وجَمَالُ بَنَاتِ الحَريرِي وإِنْتِظَارِ الجَّرَسِ فِي العَصْرِيَّةِ، وقاسِم والكَصُّ مَعَ الصَّمُّونِ أو خُبْزِ التَّنُّورِ بِالسِّمْسِمِ والسِّمْسِمِيَّةِ، والسُّوقُ العَبَّاسِيُّ والبِقَالَةُ والبَّقَّالَةُ والأَسْوَاقُ والمَحَلاّتُ والمَطَاعِمُ الشَهِيَّةُ، وأَشْهَى الدَّجَاجِ والكَبَابِ مِنْ مَطْعَمِ "أَبو فِرَاسٍ" والأَسْوَاقُ الرَّاقِيَةُ مَعَ أَصَالَةِ الأَسْوَاقِ الشَّعْبِيَّةِ، مَكْتَبَةُ الصَّباحِ ثُمَّ راغبَة خَاتُون والعَوْدَةُ إِلى سَاحَةِ عَنتَرَ ثُمَّ "لاحِقَاً" قَنَاةِ العِرَاقِ الفَضَائِيَّةِ، أو شَارِعُ عُمَر بِن عَبد العَزِيزِ إِلى الجِّهَةِ الشَّرْقِيَّةِ، ونَسَمَاتُ بَغْدَادَ وثَانَوِيَّةُ كُلِيَّةُ بَغْدَادَ، والسَيَّاراتُ والبَاصَاتُ "110" بِطَابِقٍ وطَابِقَيْنِ والفُورتَاتُ، والمُسْتَشْفَى والدَّهَالِيكُ والسَّاحَةُ الدَّائِريَّةُ، سَاحَةُ نَاظُم الطَّبَقْجَلِيُّ وإِلى ثَانَوِيَّةِ الإِنْتِصَارِ، مَرْحَبَاً فِي سَبْعَ أَبْكَار، بِجُسُورِهَا وأَسْوَاقِهَا ومَدَارِسِهَا وجَمَالِ طَالِبَاتِ الثَّانَوِيَّةِ، والكِرِيعَاتُ إلى كُلِيَّةِ المُعَلِّمِينَ أَو نَسِمِ المَزَارِعِ والرَّاشِدِيَّةِ، حَيْثُ الغَرَامُ والغَزَلُ فِي جَزِيرَةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، أَو العَوْدَةُ إِلى قَنَاةِ الجَّيْشِ وآفَاقَ عَرَبِيَّةٍ، حَيْثُ البِنَايَاتُ الجَّمِيلَةُ البَيْضَاءُ والبَيْضَوِيَّةُ، وهَكذا، مَرَّةً أُخْرَى، إلى اليَمِينِ مَنْ أَرَادَ الذِّهَابَ إِلى جَمَالِ وهُدُوءِ ورُقِيِّ السِتْ مِيَّة، والبَدَّالَةُ وأَسْرَارُهَا الوَرْدِيَّةُ، وهِيَ، أَيْ السِتْ مِيَّة، حَبِيبَتِي الأَزَلِيَّةُ...، الكَرَّادَةُ بِجَنَاحَيْهَا ومَسَاجِدِهَا وكَنَائِسِهَا وشُمُوعِهَا البَيْضَاءِ، والدِلالُ ومَاءُ كَهْرَمَانَةَ الحَسْنَاءِ، لِنَعْبُرَ ونَصِلَ إِلى الزِّحَامِ والمِيدَانِ وبَابِ المُعَظَّمِ والشَّيْخِ مَعْرُوفَ والكِفَاحِ والشَّوَارِعِ والسَّاحَاتِ... الشِّيخُ عُمَر والأَحْيَاءُ الصِّنَاعِيَّةُ والوِرَشُ والسَّيَّارَاتُ... مَرْحَبَاً دِجْلَةَ الخَيْرِ فِي لَيَالِ السَّمَرِ، والقَارِبُ الصَّغِيرُ والبَلَمُ الأَصْغَرُ، والقِشْلَةُ والتأريخُ والعَسَاكِرُ والعَسْكَرُ، والقَصْرُ العَبَّاسِيُّ والحَجَرُ الأَصْفَرُ، والمَدْرَسَةُ المُسْتَنْصِريَّةُ والتأريخُ إِنْ تَكَلَّمَ وحَدَّثَ وأَخْبَرَ، سُوقُ الصَفَافِيرِ والطَّرْقِ بالمَسَامِيرِ، الفَنُّ والذَّوْقُ والتُّحَفُ والأَنْتِيكاتُ والسَمَاوَرُ، والعُمُلاتُ والتأرِيخُ والحَنِينُ والأَصْلُ والدَّنَانِيرُ، والبَشَرُ فِي السُّوقِ كَثِيرٌ، مِنْهُم مَنْ تَنَاوَلَ الطَّعَامَ ومِنْهُم مَنْ شَرِبَ الشَّايَ أَو العَصِيرَ، مِنْهُم مَنْ تَذَكَّرَ مِنْ أَيَّامِهِ الكَثِيرَ، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى والتَّذْكِيرُ، ومِنْهُم مَنْ أَدْمَعَ حُبَّاً وفِي حُبِّ بَغْدَادَ ظَلَّ أَسِيرٌ، وهذَا إلى السَّاعَةِ يُشِيرُ، والقُلُوبُ والأَذْوَاقُ والطُيُورُ فِي سَمَاءِ بَغْدَادَ تَطِيرُ، والنَحَاسُ والفِضَّةُ والسَجَّادُ والحَصِيرُ، سُوقُ السَّرَاي والقِرْطَاسُ والكُرَّاسُ ومَوَاسِمُ المَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ، ونَعْبُرُ مَرَّةً أُخْرَى، والسَّفَارَاتُ والأَحْيَاءُ الرَّاقِيَةُ فِي المَنْصُورِ، والنَّقَابَاتُ ومَعْرَضُ الزُّهُورِ، شَوَارِعٌ وطُرُقٌ جَمِيلَةٌ فِيهَا النِّظَامُ والمُرُورُ...، البَرَامِجُ التِّلْفِزيُونِيَّةُ، إستراحَةُ الظَّهيرةِ ومُوسِيقَى هارُوت بامبُوكجيان ورَوْعَةُ النَّغَمَاتِ الأَرْمَنِيَّةِ، والكوميديا والنَّقْدُ الهادِفُ دُونَ عَتَبٍ، والنِّسْرُ وعُيُونُ المَدينَةِ، حُسْنِيَّة خاتُون وكَمْرَة ورِجَب، الكومِيديا العائِليَّةُ وأَيَّامُ الإجازَةِ مَعَ شَايِ النِّعْنَاعِ والقُورِي والفَرْفُورِي، أَو فِلْمُ السَّهْرَةِ ثُمَّ السَّلامُ الجُمْهُورِيُّ، والمَحْبُوبُ عِزّي الوَهاب يَبْتَسِمَ للجَّميعِ ويَجْتَهِدَ ويُتَرْجِمَ ويَكْتُبَ مَسْرَحِيّاتِ الأطْفالِ وأصْدِقاءَ المَزْرَعةِ، والمَزْرَعَةُ لَهَا أحْبابٌ وأصْدِقاءٌ والكُلُّ لَهَا مُحِبٌّ، مَسْرَحِيَّاتُ الأطْفَالِ وإبْداعُ أحْلام عَرَب، عارِضَاتُ الأزْياءِ وزَيُّونَةُ، هُنَّ مَصْلُ الجَمَالِ وأصْلُ الدَّلالِ، والجَمَالُ فِي عُيُونٍ عِراقِيَّةٍ شَرْكَسِيَّةٍ، إِبْدَاعُ حَسَن حُسْنِي وهُدُوءُ وأَمَل سِنَان والقِطَّةُ الجَمِيلَةُ "البَزُّونَةُ" هَدِيل كامِل والتَّشْويقُ والإِثَارَةُ ومُسَلْسَلُ نادِيَة، بَيْتٌ وخَمِسُ بيبانِ وعُنْجُر - لَك هِيَّة هاي يِمْنَة؟! وكُلُّ مَوْسِمٍ مَسْرَحِيَّةٌ... الشَّبَابُ والتِّلْفَازُ والخَمِيسُ والجُمْعَةُ والليَالِيَ البَغْدَادِيَّةُ، إقبالُ حَامِد وإِبْتِسَامَتُهَا وخَمائِلُ وجَمَالُهَا وفِريالُ ورُقِيُّهَا ومَديحةُ ودَلالُهَا وسُهاد وأُنُوثَتُهَا، هُوَ الجَّمَالُ وهِيَ ثَقَافَةُ النِّسَاءِ، العِلْمُ لِلجَّميعِ وكامِلُ الدّبّاغ فِي مَسَاءِ الأَرْبِعَاءِ، والأَفْلامُ والمُسَلْسَلاتُ والفَنُّ فِي نَمَاءٍ، هِند كامِل وجَمَالُهَا النَّادِرُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فِيهَا الأُنُوثَةُ والهُدُوءُ والأَنَاقَةُ والثَّقَافَةُ والعُيُونُ والكُحْلُ والبَهَاءُ، وُلِدَتْ جَمِيلَةٌ حَسْنَاءُ، فِي فَنِّهَا عَلامَةٌ شَيْمَاءُ، فَكانَتْ سِتُّ الحُسْنِ وكانَ فِيهَا حُسْنُ الأرْضِ والسَّمَاءِ...، سِينَما الأَطْفالِ ونِسْرين جُورج الجَميلَةُ الهادِئةُ... والدِّرَاسَةُ والتَّحْلِيلُ وأَفْلامٌ هَادِفَةٌ...، حَسْناءُ الإعْلامِ أمَل حسين بِجَمالِ عَيْنَيْهَا وإبْتِسامَتِها النَّقيّةِ، تَقَعُ فِي حُبِّهَا لا مَحَالَ، والأزْيَاءُ البَهِيَّةُ والأَنَاقَةُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وفِي كُلِّ حالٍ...، السِّينَمَا والفَنُِّ والغِناءُ والثَّقَافَةُ والأدَبُ، والقُلُوبُ النَّقِيَّةُ والضّحِكُ مِنَ القَلْبِ، سينَما أطْلَسُ وأفْلامُ الأكشِنِ والكُوميديا والحُبِّ، فائِق يَتَزَوّج وسِتَّة عَلى سِتَّة ولَيلَى وسَنَاءُ والنِّسَاءُ...، حَسْناءُ الفَنِّ والرَّقْصِ لَيلَى محمَّد سَكَنَتْ القُلُوبَ تارَةً بِحُسْنِهَا وتارَةً بِدَلالِهَا بَيْنَ الرَّقْصِ والإِغْرَاءِ والأُنُوثَةِ والحَيَاءِ، أَمِيرَةُ جَمَالٍ ودَلالٍ، وجَمَالُهَا هَدِيَّةٌ مِنَ السَّماءِ والرَّبِّ، لَهَا إِبْتِسَامَةٌ تَأْسِرُ الرَّجُلَ فِي لَحَظَاتٍ، ونَظْرَةٌ لَهَا مَا لَهَا مِنْ هَمَسَاتٍ... ولا كَلِمَاتٍ...، هُدُوءُ غازي فيصَل وصَوْتُ مِقداد مُرَاد وأدَبُ نِهاد نَجِيب، عَدَسَةُ الفَنِّ وخيريّة حَبيب، الفَطُورُ والبَيْضُ والعَسَلُ والحَلِيبُ، الغَدَاءُ جاهِزٌ مَعَ الرُّزِّ والدَّجاجِ والتّشْرِيبِ، والعَشَاءُ صِحِيٌّ خَفيفٌ مَعَ العَصِيرِ والزَّبِيبِ، خَليل الرِّفَاعِي وأَبو البَلاوي، والخَيْطُ والعُصْفورُ والمَسْرَحِيَّاتُ الكُوميديَّةُ، وأوَّلُ مَقْهَىً نِسَائِيٍّ للقِراءَةِ وإغْنَاءِ العُقُولِ النِّسَائيَّةِ، أعيادُ المِيلادِ وفَرَحُ الكنَائِسِ العِرَاقِيَّةِ، رأسُ السَّنَةِ والأضْواءُ والألوانُ البَهِيَّةُ، ليالِي رَمَضانَ والمُسَلْسَلاتُ التِلْفِزيُونيَّةِ، والله بالخير وتِدّلَّل عيوُني، والأَصْدِقَاءُ والأَصْحَابُ والرِحْلاتُ الجَّمَاعِيَّةُ، والسَّفْرَاتُ والسَيَّارَاتُ والتُويُوتَا والمَرسِيدس والبَرَازِيلِي، والأعْيادُ والصَبَاحُ الباكِرُ والكاهِي والمَحَلَّبِي، والكليجَةُ "أُمُّ التَّمُرِ" والكاستَر والبَقلاوَة والزلابيَة، شَرْبَت "عَصِيرُ" نادِر والدِّبْسُ والرَّاشِي، زِيارَةُ الصَّغيرِ للكَبيرِ والإحْتِرامُ والأُصُولُ واللَّمَّةُ العائِلِيَّةُ، والكِبَارُ والصِّغارُ والأجْدادُ والجُدُودُ "جِدُّو وبِيبِي ونانا" والعِيديَّةُ، البَرَامِجُ والمُسَابَقَاتُ ورَاسِم الجُمَيْلِي، والحَرْبُ والسَّلامُ والمُجْتَمَعُ والأَفْرَاحُ والأَحْزَانُ والجَّيْشُ الشَّعْبِيِّ...، عادِل إمَام بِجَمَالِ بَغْدادَ يُعْجَبُ، نُجومُ مِصْرَ والخَليجِ والمَغْرِبِ، مَعَ العِراقيّينَ بالنَّصْرِ يَحْتَفِلُ العَرَبُ، وكُلٌّ فِي بِلادِهِ مُرَحَّبٌ... وتَسْتَمِرُّ الحَرْبُ... والكُلُّ يُغَنِّيَ ويُنْشِدَ الأَغَانِيَ الوَطَنِيَّةَ، يَا كَاع ترابِج كافُورِي ومَنْصُورَة يَا بَغْدَادَ وإحْنَه مِشِينَه للحَرُب...، والتَّعْلِيمُ والحَيَاةُ والسَّنَوَاتُ فِي المَدَارِسِ والمَعَاهِدِ والجَّامِعَاتِ والبُيُوتِ ودُرُوسُ التَّقْوِيَةِ...، والطَّبْخُ والمَطْبَخُ مَمْلَكَةُ المَرْأَةِ والطَّبْخَاتُ العِرَاقِيَّةُ... ومَا أَدْرَاكَ مَا الأَكَلاتُ العِرَاقِيَّةُ، السّمَكُ والمَقْلُوبَةُ والدّولمَة والمَحْشِي، والمَخْلَمَةُ والقُوزِي والبِرْيانِي، وتِشْرِيبُ البَاكِلَّةِ، آهٍ آهٍ، والشُّوربَةُ العِراقِيَّةُ... وهِيَ الأشْهَى فِي الأرْضِ والمَطَابِخِ العَرَبيَّةِ والعَالَميَّةِ، حاوَلْتُ جاهِدَاً أنْ أصْنَعَ وأُحَضِّرَ ولَوْ شَبِيهَاً لَهَا وبِهَا فَعَجِزْتُ وتَرَكْتُ الأمْرَ... خَلَصْ هاي هِيَّة... وهِيَ لِي مُجَرَّدُ قِصَّةٍ جَميلَةٍ وذاكِرَةٍ أو طُفُولَةٍ وَرْدِيَّةٍ، والكَبابُ واللحومُ المَشْويّةُ، والشَبَابُ والبِيرَةُ والكُرَةُ والرِّيشَةُ والسِّبَاحَةُ والسَفْرَاتُ والسَّيَّارَاتُ والثِّرْثَارُ والحَبّانِيَّةُ، العِشْقُ والغَرَامُ والَّليَالِي والِّلقَاءُ فِي جَزِيَرةِ بَغْدَادَ السِّيَاحِيَّةِ، والشَّمَالُ وأربيلُ وشَلاّل كلِي عَلِي بَك وشَقْلاوَةُ الجَبَلِيَّةُ... شَقْلاوَة... نَسِيمٌ وجَنَّةٌ وخُضْرَةٌ ورَبِيعٌ وجَمَالٌ وحَلاوَةٌ...، وسِحْرُ المَرْأةِ العِراقيَّةِ، وغَزَلُ البَناتِ وغَمْزُ العُيُونِ العَسَلِيَّةِ، ذَوَبَانُ القُلُوبِ والتَّعَارُفُ وأرْقامُ الهَوَاتِفِ الأرْضِيَّةِ...، الفَوَازِيرُ ودَلالُ نِيللي ورَقْصُ شِيرِيهَان، أَلفُ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ وأفْلامُ كَرْتونِ بَعْدَ الظُّهْرِ والإنْتِظَارُ، ساسُوكي وسَاندِي بل وسِندبادُ بَغْدادَ والليْدي أوسكار، دايسكِي وكُوجِي وعدنانُ ولينا وحُبُّهُم المُستَحِيلُ وقِصَّةُ حُبٍّ أبَديَّةٍ ومِنَ القُبْطَانِ نَامِقٍ لا مَهْرَبَ أو مَفَرَّ، وعَبْسِي وبَشّارُ، إفْتَحْ يا سِمْسِم والسَّاعةُ السَّادِسَةُ والكَعْكُ والشَّايُ والعَصْرِيّةُ، هوسانيانج وجَمَالُهَا وسُيُوفُهَا ولِن تشُونغ وبُطُولاتُهُ وكاوشيُو وشَرُّهُ وحافّةُ المِياهِ وحافّاتُهَا الصِّينيّةِ بإثارَةٍ يابانِيّةٍ، أَحْمَد راضِي وكأسُ العالَمِ وشَيْخُ المُدَرِّبينَ عَمُّو بابا، والسّاحِرُ مارادُونَا، والصُّرَاخُ والفَرَحُ فِي جَلَسَاتٍ نَهَارِيَّةٍ لَيْلِيَّةٍ، وهَدَفٌ عَلى إنْجِلتَرَا بِيَدِهِ الذَهَبيَّةُ، لِيُصْبِحَ الرَّقمُ عَشْرَةَ مِنَ الأَرْقَامِ السِّحْرِيَّةِ، والبَدْرِي والرِّياضَةُ والبُطُولاتُ الخَلِيجِيَّةُ - وبُويَة إحْنَه العِرَاق - والفَوْزُ بِالثُلاثِيَّةِ، هِيَ عَقْدٌ وأزْمِنَةٌ وما تَلاهَا...، والتِّسعينيّاتُ والأحْزانُ والشَّهيدَةُ نِضال فاضِل التي قُتِلَتْ بِصَوارِيخٍ أمريكيَّةٍ، وشُهَداءٌ مِنَ النِّسَاءِ والأطْفالِ والتَّلامِيذِ فِي العامِريّةِ، والصّواريخُ فَوْقَ الدّارِ، والشَّهيدَةُ ليلى العَطّارِ -- مِن أجْمَلِ ما خَلَقَ الرَّبُّ من نِساءِ سُومَر وأَكَد وبَابِلَ وأشُورَ والفَنِّ والرَّسْمِ والضِّياءِ والفَنَارِ، غارَ مِنْها القَمَرُ ومِن جَمَالِها الجَّمَالُ غَارَ -- وأُخْتُهَا الحَسْناءُ المُهاجِرَةُ سُعاد العَطّار، أجْمَلُ اللوْحَاتِ فِي الليَالِي والأسْحَارِ، وسِحْرُ العُيُونِ والأُنوثةِ والحَيَاءِ، راقِياتٌ مِنَ زَمَانٍ وعَصْرٍ أشْرَقَتِ الشَّمْسُ فِيهِ والقَمَرُ نَارَ، وبَرَامِجٌ فِيهَا الفائِدَةُ والفَرَحُ والسُّرُورُ، والتّوْعِيَةُ وثَقافَةُ السِّيَاقَةِ والمُرُورِ، يَحيى إدْريسُ والمَقَامُ والطَّرَبُ وأصْلُ المُوسِيقَى والجُّذُورِ، رِضَا الخَيَّاطُ وطَيْرُ الحَمَامِ والجُوبِي وصَلاح عَبد الغَفُور، وَليد حَبُّوش وخالِد جَبُر والمَرسَمُ الصّغيرُ، ورَغْمَ الحِصارِ يَسْتَمِرُّ التَّعْميرُ، والمَجالِسُ ومَقَاهِيَ التَّحْريرِ، دِجْلةُ وأَبُو نُؤاسُ والسَّمَكُ والّليالِيَ والشَّبابُ والنِّسَاءُ والسَّهَرُ، صَوْتُ فَيْروزَ وَقْتُ الصَّباحِ وأُمُّ كلثومَ وَقْتُ السَّحَرِ، قِصَّةُ حُبٍّ مُعاصِرَةٌ والنَّجْمَةُ الجَّميلَةُ سُهير أَيَاد بِوَجْهٍ كالقَمَرِ، وإبْتِسَامَةٍ كالسِّحْرِ -- ولَهَا إبْداعٌ وتَّكْرِيمٌ وفَخْرٌ... ذِئَابُ اللَّيْلِ والتَّشْوِيقُ والكُلُّ فِي البُيُوتِ مَعَ العَصِيرِ والفَاكِهَةِ أو الشّايِ مَعَ الهَالِ "أَبُو الهِيلِ" يُحَضَّرُ...، إِخْتَفَتْ رُومَانسِيَّةُ السَبعينيَّاتِ بِأَغَانِيهَا وغَابَتْ، وإِخْتَفَى الطَّرَبُ الأَصِيلُ وبَكَتْ المُوسِيقَى وأُصُولُهَا الإِيقَاعِيَّةِ وتَغَيَّرَتْ، وأَصْبَحَ للأَغَانِيَ طَعْمٌ ومَذَاقٌ خَاصٌّ وغَرِيبٌ يَتَمَاشَى مَعَ "السَّاسَةِ" والسِّيَاسَةِ والأَغَانِيَ الوَطَنِيَّةِ، وإخْتَفَى العَصْفُ الذِّهْنِيُّ فَكَانَ البَدِيلُ هُوَ الأَلْحَانُ التُرَثِيَّةُ أَو التُّرْكِيَّةُ...، فَرَحُ والدّانَةُ والرَّشيدُ والأَجْراسُ وفِرَقٌ عِراقِيَّةٌ وخَلِيجِيَّةٌ...، الشَّبَابُ تِي فِي وهَيْثَم يُوسف وصَوْتُ الحَنِينِ والحَنَانِ، وأُمُّ كلثوم بِصَوْتِ قاسِم السُّلْطَان، ومَعَهَا أَلْحَانُ الأَغانِي التُرْكِيَّةِ بِنَكْهَةٍ جَمِيلَةٍ عِرَاقِيَّةٍ...، الدَّلَعُ والجَّمَالُ مَعَ الدَّلالِ والمُوسِيقَى والمَسْرَحِيَّاتِ الغِنَائِيَّةِ والإِسْتِعْرَاضِيَّةِ، غَالِيَةُ والمَهَا، أَطْرَافُ المَدِينَةِ والحَسْنَاءُ لَيلَى محمّد بِجَمَالِهَا ودَلالِهَا ورَقْصِهَا، وبَعْدَهَا غِزْلانُ وشَعْرُهَا الغَجَرِيُّ تَرْقُصُ وتُغَنِّي رَوَائِعَ سَعْدِي الحِلِّي فِي مَسْرَحِيَّةٍ أُخْرَى...، الشَّبَابُ والحَيَاةُ والسَنَوَاتُ والأيَّامُ والطُّفُولَةُ والمُرَاهَقَةُ الشَقيَّةُ...، لكِنْ بِرَغْمِ "الشَّقَاوَةِ والوَقَاحَةُ والوِكاحَةُ" وهذَا وذاكَ وذلِكَ مِنَ الطُّفُولَةِ والصِّبَى والمُرَاهَقَةِ ومَا تَلاهَا وهُوَ أمْرٌ طَبِيعِيٍّ ومِن فُصُولِ الحَيَاةِ وجَمَالِهَا، لكِنْ يَبْقَى الرُّقِيُّ والإحْتِرامُ وتَبْقَى الأُصُولُ والتَّرْبيَةُ، التَحَدُّثُ بِهُدُوءٍ ولُطْفٍ والصَّوْتُ لا يُرْفَعَ وأدَبُ الرَّدِّ والتَّحِيَّةِ، للسَّلامِ والوُقُوفِ والجُّلُوسِ آدابٌ وكَيْفِيَّةٌ، لا جِدالَ مَعَ الجّاهِلِ والمُنْحَطِّ "والأدَبْسِز" فَهُنَاكَ مَنْ هُوَ راقٍ وهُنَاكَ هَمَجٌ وعَشْوائِيَّةٌ، والمُعَلِّمُ إذا مَرَّ فِي الطَّريقِ أو الشّارِعِ هَرَبَ مَنْ هَرَبَ أو وَقَفَ مَنْ وَقَفَ مِنَ التَّلامِيذِ أو الطُّلاّبِ والطّالِباتِ وطأطأَ مَنْ بَقِيَ الرَّأسَ وألْقَى بِأدَبٍ السَّلامَ والتَّحِيَّةَ، خَجَلاً أو إحْتِراماً أو خَوْفَاً أو حُبَّاً للمُعَلّمِ أو المُدَرِّسِ أو المُدِيرِ أو المُديرَةِ كوَالِدٍ وأبٍ ثانٍ وأُمٍّ ثَانِيَةٍ، وكانَتِ وهِيَ العَادَاتُ والأُصُولُ والأُسُسُ التَّرْبَوِيَّةُ...، تَصَوّرْ جَمالَ الحَياةِ وتَصَوَّرْ! تَصَوَّر... تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضٌ كُتِبَتْ فِيهَا شَرِيعَةُ حَمُّورابِي أقْدَمُ الإكْتِشافاتِ القانُونيَّةِ فِي تأريخِ البَشَرِ والقَوانينِ المَدَنِيَّةِ المَكْتُوبَةِ، بَعْدَ قَوانِينِ الملكِ لبت عِشْتَار "وتَعْنِي لَمْسَةُ الآلِهَةِ عِشْتَار" وسُومَرَ فِي بابِلَ وديالى وشَرْقِ بَغْدادَ، فِي مَسَلَّةٍ سُنَّتْ فِيهَا وعَلَيْهَا 282 شَرِيعَةٌ مِنْ القَضاءِ والجَّيْشِ وحُقُوقِ النَّاسِ والجِّيرَةِ والجَّارِ، وحِمَايَةِ الدَّارِ، والحُقُولِ والزِّراعَةِ والبَسَاتينِ والرَّيِّ والتَّصامِيمِ والمِياهِ والبَيْعِ والأسْعارِ، والتَّسْعِيرِ والتِّجَارَةِ والسَّرِقَةِ والعُقُوباتِ...، وسُرِقَتْ ونُقِلَتْ مِنْ بابِلَ العِراقِيَّةِ إلى عِيلامِ الفارِسيَّةِ بَعْدَ غَزْوِ بابِلَ "والتأريخُ يُعيدُ نَفْسَهُ ولا عَجَبَ فِي هذا!" لِيَتِمَّ إكْتِشافُهَا وإنْقاذُهَا واليَوْمَ هِيَ فِي مُتْحَفِ اللُّوفَر فِي بارِيس، وأجْزاءٌ أُخْرَى فِي مَتَاحِفِ أسطَنبُولِ والقُدْسِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الإدَارَةَ فِي ألمانيا أُعْجِبَ الجَّمْعُ وتَعَجَّبَ مِنْ عَشَراتِ القَوانينِ التي كٌتِبَتْ وسُنَّتْ بِعَدْلٍ ودِقَّةٍ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، إذْ كانَتْ بِلادِي! تَصَوَّرْ أنْ تَنْهارَ نَيْنَوَى العَظيمَةُ وسُلالَةُ سُرْجُونَ ومُلُوكِ آشُورَ ومَلِكِ الحَرْبِ والسَّلامِ سَنْحاريب! تَصَوَّرْ أنْ تَنْهَارَ أرْضُ مَلِكَةِ الكَوْنِ سَميرأميس حَسْناءِ آشُورَ وحَمَامَةِ النَّهْرَيْنِ دِجْلَةَ والفُرَاتِ وبابِلَ وأرمِينيا وفارِسَ وكُلِّ الشَّرْقِ وكانَ رِضَاهَا أمَلُ كُلِّ حَبِيبٍ! أنْ تَنْهَارَ بَقَايَا بَوَّابَةِ عِشْتارَ التي إكْتَشَفَ أحْجَارَهَا الأصْلِيَّةَ عُلَماءُ بَرْلينَ، لِتُحْفَظَ فِيهَا فَيَراهَا البَعِيدُ والقَرِيبُ! أنْ تَنْهَارَ بابِلُ التي ذُكِرَتْ فِي الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وبِدَايَاتِ البَشَرِ وأوَّلُ بُرْجٍ فِي سِفْرِ التَّكْوِين! أنْ تَنْهَارَ حَدائِقُ بابِلَ بِجَنائِنِهَا المُعَلَّقَةِ التي بَناهَا ملكُ بابِلَ وكِلْدَانَ نبُوخذنصّر الثّانِي "بانِي بَوَّابَةِ عِشْتارَ إهْداءً لِبابِلَ" لإرْضاءِ زَوْجَتِهِ الفارِسيَّةِ الحَسْناءِ التي كانَتْ تَبْكِي شَوْقاً إلى جِبالِ فارِسَ وجَمَالِ حَدَائِقِهَا العَالِيَةِ -- وعِنْدَمَا دَرَسْتُ الماجِسْتيرَ فِي ألمانيا وما قَبْلَهَا وبَعْدَهَا وحَلَّقْتُ فِي التأريخِ واللاهُوتِ والحَضاراتِ والسِّياسَةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَّقَافِيِّ والعِمَارَةِ تَوَقَّفْتُ والبروفيسُورُ الألمانِيُّ طَويلاً فِي رَوْعَةِ الحَدَائِقِ وخَرَائِطِهَا الأصْلِيَّةِ، ودِقَّةِ العِمَارَةِ والتَّصَاميمِ الهَنْدَسِيَّةِ، فِي نِظامِ الرَّيِّ والإرْواءِ والعَبْقَريَّةِ، ونَقْلِ المِيَاهِ وإنْسِيابِهَا بِدِقَّةٍ مِنْ مُخْتَلِفِ المُسْتَوَياتِ، رَغْمَ صُعُوبَاتِهَا ورَغْمَ المِيَاهِ والضُغُوطِ والحِسَاباتِ، فَجَعَلَتْ مِنْهَا تُحْفَةً مِعْمَاريَّةً ومِنْ عَجائِبِ العالَمِ القَديمِ، وكُنْتُ فَخُوراً بِذَلِكَ، وفَخُوراً بأرْضِ أجْدادِي! وأذْكُرُ هُنَا ما ذُكِرَ فِي كِتابِ ومُذَكَّراتِ مُرَبيَةِ المَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّانِي والتي كَتَبَتْ فِيهَا بَعْضَ أحادِيثِهَا الجَّميلَةِ "والدَّرْدَشَةَ" مَعَ المَلِكِ الصَّغيرِ وقَوْلَهُ أنَّ لَديْهِ أحْلامَاً وآمَالاً ومِنْهَا أنَّهُ سَوْفَ يَعْمَلَ بِجِدٍّ عِنْدَما يَكْبُرَ ويَحِينَ وَقْتُهُ لِيَجْعَلَ العِراقَ كُلَّهُ حَدائِقَ وجِنَانٍ مُعَلَّقَةٍ وسَوْفَ يَكونَ طَيّاراً كأَبِيهِ المَلِكِ غازِي "الذي يُعَدُّ أَوَّلَ مَلِكٍ حَلَّقَ وطَارَ فَوْقَ المَاءِ والرِّمَالِ،" لِيَطيرَ فِي سَمَاءِ العِراقِ ويَرَى كُلَّ هَذا الجَّمَالِ. تَصَوَّرْ أنْ يَنْهارَ كُلُّ هَذا التأريخِ وتَنْهَارَ الأحْلامُ والآمَالُ! تَصَوَّر!! وهَكَذا، تَغَيَّرَ وإنْهارَ كُلُّ شَيءٍ فِي سَنَةِ 2003 مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ومِنَ الحَجَرِ إلى البَشَرِ ومِنَ البَرِّ حَتّى النَّهْرِ! مِنْ كُلِّ ذاكَ الرُّقِيِّ البَابِلِيِّ إلى الإنْحِطَاطِ الفَارِسِيِّ...، الأَحْزَابُ والعِصَابَاتُ والعَصَائِبُ والميلشيَاتُ والفَوْضَى والبَطَالَةُ والفَقْرُ، والأَمْرَاضُ والدّمَارُ والغَوْغَاءُ مِنَ النّاسِ والأَوْبَاشُ مِنَ البَشَرِ، سِلاحٌ هُنَا وهُنَاكَ والصَّغِيرُ كَالكَبيرِ والكَبيرُ كَالصَغِيرِ وصِرَاعٌ بَيْنَ القَبَائِلِ والعَشَائِرِ، وفَتَاوَى هُنَا وهُنَاكَ فِي حُكْمِ العِمَامَاتِ، وفَتَاوَى الجَّهْلِ تَنْزِيلٌ سَمَاوِيٌّ وأَمْرٌ! والجُهَلاءُ والجُهَّالُ يُقَادُونَ كالحَمِيرِ يَمِينَاً مِنْ أَهْلِ العُسْرِ أَو هُمْ مِنْ أَهْلِ اليَسَارِ واليُسْرِ، ولَطْمٌ وسَوَادٌ فِي الشَّوَارِعِ والطُّرُقَاتِ ولا مَمَرَّ أَو مَفَرَّ، وإنْهَيَارُ التَّعْلِيمِ والقَضَاءِ بَعْدَ كُلِّ غَزْوٍ هُوَ قَضَاءٌ وقَدَرٌ، والعِلْمُ والعَدْلُ هُمَا أسَاسُ المُجْتَمَعَاتِ الإنْسَانيَّةِ مُنْذُ خَلَقَ الرَبُّ البَشَرَ... وهَكذا، بِسُقُوطِ العِلْمِ والعَدْلِ سَقَطَ الوَطَنُ الحُرُّ! وبَدَأَتْ لُعْبَةُ العُرُوشِ والكَرَاسِيَ والحُكُومَاتِ، وبَدَأَ عَصْرُ الطَّائِفيَّةِ، ولَمْ يَتَعَلَّمَ "البَشَرُ" والعَرَبُ والعِرَاقيُّونَ مِنْ لُبْنَانَ فِي سَنَةِ 1990 بَعْدَ نَتَائِجِ ونِهَايَاتِ ومَآسِي الحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ ولَعْنَةِ الطَّائِفيَّةِ بَعْدَ تَأْسِيسِ حِزْبِ اللهِ الإِيرَانِيِّ-الُّلبْنَانِيِّ فِي سَنَةِ 1982 بِفَتَاوٍ فَارِسيَّةٍ وأَيَادٍ فِلِسْطِينيَّةٍ وأَسْلِحَةٍ سُورِيَّةٍ وأَمْوَالٍ لِيبيَّةٍ ومُبَارَكَةٍ "إِسْرَائِيليَّةٍ" وحَفَلاتٍ لُبْنَانِيَّةٍ-إِسْرَائِيليَّةٍ رَقَصَتْ فِيهَا العِمَامَةُ الإِيرَانِيَّةُ مَعَ السِّلاحِ الإِسْرَائِيلِيِّ فَكانَتْ الصُّحْبَةُ الحَقِيقيَّةُ والصَّدّاقَةُ الأَبَدِيَّةُ والأَعْرَاسُ الكاثُولِيكيَّةُ، ومُدَّتْ فِيهَا مَوَائِدُ ومَائِدَاتُ الرَّحْمَنِ، وذُبِحَ فِيهَا السَّمِينُ مِنَ الخِرَافِ والخِرْفَانِ، فَكَانَتْ بِدَايَاتُ نِهَايَاتِ لُبْنَانَ ودَمَارِهِ وحُرُوبِهِ ودُمُوعِهِ والدُّرُوسِ التَّأرِيخيَّةِ!! وأَعُودُ إلى عِرَاقِ سَنَةِ 2003 وهُوَ أَبْرَزُ المَسَارِحِ الإِيرَانِيَّةِ... وأُسِّسَ مَجْلِسُ حُكْمٍ أشْبَهُ بِعَرْضِ الدُّمَى، وأبْطالُهُ الضِّفْدَعُ كيرمِت وحَبِيبَتُهُ الآنِسَةُ بِيجِي، وفِيهِ مَنْ فِيهِ ويأتِيَ مَنْ يأتِيَ، مِنَ الخَلْقِ والمَخْلُوقاتِ الأرْضِيَّةِ، وقُتِلَ المَسِيحيُّونَ والأبْرِياءُ فِي الدُّورَةِ والغَزَاليَّةِ والجّادريَّةِ، وقُتِلَ العَدِيدُ مِنَ الفِلِسْطِينيّينَ وأَهْلِ فِلِسْطِينَ السَاكِنينَ فِي بَغْدَادَ وسُلِبُو وأُخِذَتْ مِنْهُم الأَسْوَاقُ والأَرْزَاقُ والبُيُوتُ والشُّقَقُ السَكَنِيَّةُ، وطُرِدُو وهُجِّرُو بِأَمْرِ الميلشيَاتِ والأَحْزَابِ الطَّائِفيَّةِ والعِمَامَاتِ الإيرانيَّةِ -- واليَوْم تِلْكَ الإحْزَابُ والميلشيَاتُ "ذَاتُهَا" تُجَهِّزُ الصَوَارِيخَ ومُسَيَّرَاتِ القَتْلِ والجَّهْلِ لِ "نُصْرَةِ أَهْلِ فِلِسْطِينَ" وضَرْبِ إِسرَائيلَ "عِندمَا يَحِينَ الوَقْتُ" بِأَمْرِالعَمَائِمِ والعِمَامَاتِ الفَارِسيَّةِ، وقَادَتُهَا مِنَ عُمَلاءِ إيرَانَ يَتَبَاكُونَ "اليَوْمَ" عَلى أَهْلِ فِلِسْطِينَ والقُدْسِ ويُنَادُونَ "نِفَاقَاً" بَلْ ويَصْرُخُونَ بِتَحْرِيرِهَا وتَدْمِيرِ بِلادِ دَاوُدَ ورَمْيِ اليَهُودِ فِي البَحْرِ وإنْهَاءِ الصُّهْيُونيَّةِ!!!! لا تَنسِ يَا هِندُ، إِنَّهُ الجَّهْلُ والنِّفَاقُ! وأُكْمِلُ فِي أَحْزَانِ بَغْدَادَ فِي أَمْسِهَا وأَيَّامِنَا... وعُلِّقَتْ وحُمِلَتْ الرَّايَاتُ الطَّائِفيَّةُ، السَّوْدَاءُ والخَضْرَاءُ والحَمْرَاءُ فِي الأعْظَميَّةِ، وضَابِطُ جَيْشٍ يُقَبِّلُ يَدَ المُعَمَّمِ فَيُهِينَ العِراقَ والجَّيْشَ والهَيْبَةَ العَسْكَريَّةَ! ودَخَتْ قَامُوسَ العِرَاقِيّينَ مُفْرَدَاتٌ لَمْ يَسْمَعُو بِهَا مِنْ قَبْلُ مِثْلُ "مُفَخَّخةٌ، عَبْوَةٌ، خَطْفٌ، كَاتِمٌ...،" وسَكَنَتْ يَوْمِيَّاتُهَا فِي عُقُولِ الكِبَارِ والصِّغَارِ، وأَصْبَحَ طُلاّبُ وتَلامِيذُ المَدَارِسِ "الجَّالِسُونَ عَلى الأَرْضِ" فِي المَدَارِسِ المَهْجُورَةِ يَحْفَظُونَ أَسْمَاءَ وأَنْوَاعَ المُتَفَجِّرَاتِ والصَّوَارِيخِ كَأَسْمَاءِ أَصْحَابِهِم وآبَائِهِم وَذُرِّيَّاتِهِم، لِيَبْكِيَ عِلْمُ النَّفْسِ وفُصُولُهُ الإجْتِمَاعِيَّةُ! وتَمَّ تَغْيِيرُ أَسْمَاءِ بَعْضِ الشَّوَارِعِ والمَنَاطِقِ والأَحْيَاءِ كَمَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" فِي بَغْدَادَ -- وهِيَ مَجْمُوعَةُ عَشْوَائِيَّاتٍ وأَحْيَاءٍ شَعْبِيَّةٍ تُشَكِّلُ مَعَ بَعْضِهَا مَا يُشْبِهُ "بَلَدَاً" صَغِيرَاً مُكْتَظَّاً بالسُّكَّانِ أَو مُحَافَظَةً دَاخِلَ المُحَافَظَةِ -- يَسْكُنُهَا شِيعَةٌ نَزَحَ جُلُّهُم مِن مُحَافَظَةِ مِيسَان ومُحِيطِهَا فِي جُنُوبِ العِرَاقِ فِي أَوْقَاتٍ وأَزْمَانٍ مَا، وكانَتْ تُسَمَّى فِي عَهْدِ المَلَكِيَّةِ بِ "الصَّرَايِفِ" قَبْلَ أَنْ تُصْبِحَ "الثَّوْرَةُ" فِي عَهْدِ قَاسِم ثُمَّ "حَيُّ الرَّافِدَيْنِ" فِي عَهْدِ الأَخَوَيْنِ عَارِفَ ثُمَّ "الثَّوْرَةُ" مَرَّةً أُخْرَى فِي عَهْدِ البَكِرِ ثُمَّ لاحِقَاً - وأَحْيَانَاً - "مَدِينَةِ صَدّام" لكِنَّهَا بَقِيَتْ تُسَمَّى "الثَّوْرَةُ" فِي أَذْهَانِ سُكَّانِ وأَهْلِ بَغْدَادَ وعَائِلاتِهَا وأُصُولِهَا، وأَصْبَحَتْ مِثَالاً يُسْتَخْدَمُ إِجْتِمَاعِيَّاً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ تَدَنِّيَ مُسْتَوَى التَّعْلِيمِ أَو حَتّى "الأَذْوَاقِ" فِي الحَدِيثِ والمَلْبَسِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ، فَأَصْبَحَتْ قِيَاسَاً ومِقْيَاسَاً فِي العَشْوَائِيَّةِ والعَبَثِ فِي الذَّوْقِ الخَاصِّ والعَامِ، مَثَلاً، تَقُولُ الأُمُّ الرَّاقِيَةُ أَو الأَبُ الرَّاقِ لِلصَبِيِّ أَو البِنْتِ إِنْ تَحَدَّثُو أَو تَصَرَّفُو بِطَرِيقَةٍ غَيْرِ لائِقَةٍ أَو لَبِسُو أَزْيَاءَ أَو مَلابِسَ بِأَلْوَانٍ عَشْوَائِيَّةٍ أَو تَصَامِيمٍ غَيْرِ مُتَنَاسِقَةٍ "شُنُو هذَا؟! أَيْ مَا هذَا؟! هَلْ نَحْنُ مِنْ أَهْلِ الثَّوْرَةِ؟!" كَتَوْبِيخٍ لَطِيفٍ عَنْ تَدَنِّي الذَّوْقِ الخَاصِّ. وسَاكِنُو "الثَّوْرَةِ" غَالِبَاً مِنْ أَتْبَاعِ شِيعَةِ إيرانَ فِي بَعْضِ أُصُولِهَا ومَدَارِسِهَا وفُرُوعِهَا وحَوْزَاتِهَا المَذْهَبِيَّةِ أَو آلِ الصَّدْرِ -- مِنْهُم الطَّيِّبُونَ البُسَطَاءُ، ومِنْهُم الجُهَّالُ والجُّهَلاءُ، ومِنْهُم مُغَنُّونَ وشُعَرَاءٌ أَبْدَعُو فِي الشِّعْرِ الشَعْبِيِّ والأَهازِيجِ والهُوسَاتِ والغِنَاءِ، وجُلُّهُم مِنْ البُسَطَاءِ فِي العِلْمِ أَو غَيْرِ المُتَعَلِّمِينَ أَو مِمَّنْ رَفَضُو التَّعْلِيمَ وأَتْعَبُو وِزَارَاتِ التَّعْلِيمِ والحُكُومَاتِ العِرَاقِيَّةَ عَلى مَرِّ العُقُودِ. لَهُم كَلِمَاتُهُم وعَادَاتُهُم ويُعْرَفُونَ للسَّامِعِ بِأَحادِيثِهِم ولَهَجَاتِهِم ومَخَارِجِ حُرُوفِهِم الدَّالَةِ عَلَيْهِم "والأَقْرَبُ فِيهَا إلى لَهَجَاتِ سُكَّانِ جُنُوبِ العِرَاقِ،" لكِنَّهُم يَخْتَلِفُونَ عَنْ سُكَّانِ مُحَافَظَاتِ الجَّنُوبِ الأُخْرَى فِي أَنَّ الأَخِيرَةَ كالبَصْرَةِ والنَّاصِرِيَّةِ أَعْطَتْ لِلعِرَاقِ خِيرَةَ العُلَمَاءِ والسَّاسَةِ والشُّعَرَاءِ والأُدَبَاءِ والكُتَّابِ والمُطْرِبِينَ ويُعْرَفُ سُكَّانُهَا بِالهُدُوءِ والجَّمَالِ ورُقِيِّ التَّعْلِيمِ والمَوَاهِبِ والذَّوْقِ وحُبِّ الحَيَاةِ، فِي حِينِ أَنَّ سُكَّانَ مَدِينَةِ "الثَّوْرَةِ" يُعْرَفُونَ بِالقَسْوَةِ والخُشُونَةِ والعَشْوَائِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكِيرِ والعَادَاتِ وأُسْلُوبِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ -- قَلِيلُهُم أَحَبُّو صَدّام حسين وجُلُّهُم أَبْغَضُوهُ. وهكذَا، أَصْبِحَ إسْمُهَا بَعْدَ إِنْهِيَارِ بَغْدَادَ فِي سَنَةِ 2003 مَدِينَةَ "الصَّدْرِ" نِسْبَةً إِلى آلِ الصَّدْرِ إرْضَاءً لِمُقْتَدَى الصَّدْرِ وإِيرانَ وقَادَتِهَا وإِنْتِصَاراً لَهُم! وأَصْبَحَتْ اليَوْمَ "مَعْقِلاً" لِبُيُوتٍ "مُؤَقَّتةٍ ودَائِمَةٍ" وأَحْيَاءٍ ومُعَسْكَرَاتٍ تُسَيْطِرُ عَلَيْهَا - سِرَّاً - العِصَابَاتُ والمِيلشيَاتُ الشِّيعِيَّةُ المُوَالِيَةُ لِطَهْرَانَ. وبَعْدَ سُقُوطِ بَغْدَادَ ومُجْتَمَعَاتِهَا فِي سَنَةِ 2003 إِنْتَقَلَ "أَصْحَابُ المَلايِينِ" مِنَ السُّرَّاقِ والقَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ والمَافِيَاتِ والعِصَابَاتِ وتُجَّارِ البَشَرِ والسِّلاحِ والمُخَدَّرَاتِ أَو الغَوْغَاءِ مِمَّنْ عُرِفُو بِالسُّلُوكِ السَّيِّءِ وهُم فِي كُلِّ العُصُورِ "أَغْنِيَاءُ مَا بَعْدَ الحُرُوبِ وإِنْهِيَارِ الأَوْطَانِ" إِلى مَنَاطِقَ "كانَتْ" تُعْرَفُ بِالرُّقِيِّ والهُدُوءِ كالمَنْصُورِ وزَيُّونَةَ والأَعْظَمِيَّةِ كيْ يَنْدَمِجُو مَعَ المُجْتَمَعَاتِ الرَّاقِيَةِ هُنَاكَ، وبِهَذَا يَتَخَلَّصُو مِنْ عُقْدَةِ "الطَّبَقَةِ الإِجْتِمَاعِيَّةِ" لكِنَّ الأَصْلَ فِي الأَقْدَارِ أَنَّ الإِنْسَانَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ الحَجَرَ والبَشَرَ والجَّارَ والإِسْمَ والمَكانَ والزَّمَانَ أَو حَتّى مَلْبَسَاً آخَرَ ومَلامِحَ أُخْرَى لكِنَّهُ لا يَسْتَطِيعُ، أَبَدَاً، أَنْ يَشْتَرِيَ الأَصْلَ والتأرِيخَ والقَدَرَ والمَكْتُوبَ! وأَصْبَحَتْ المَنَاطِقُ الرَّاقِيَةُ المَذْكُورَةُ، بِهذَا التَّحَوُّلِ والتَّشْوِيهِ الديمُغرافِي الهَائِلِ، تُدْعَى فِي الأَوْسَاطِ البَغْدَادِيَّةِ بِمَنَاطِقِ "اللَّمْلُومِ" أَيْ المَنَاطِقُ والأَحْيَاءُ التي "لَمَّتْ" كُلَّ أَنْوَاعِ البَشَرِ وتَشَوَّهَتْ وسُكِنَتْ مِنْ هُنَا وهُنَاك. ومُنْذُ إِنْهِيَارِ البَشَرِ والحَجَرِ فِي سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا عُرِفَتْ مَدِينَةُ "الثَّوْرَةِ" أَو "الصَّدْر" كمَا إِسْمُهَا اليَوْمَ بِالإِنْحِرَافِ الإِنْسَانِيِّ والأَخْلاقِيَِّ فِي الخَلْقِ والخَلِيقَةِ أَو مَا يُعْرَفُ بِالجِّنْسِ الثَّالِثِ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، أُكَرِّرُ، فَقَطْ فِي "بَعْضِ" أَحْيَائِهَا، وهُم اليَوْم تَحْتَ حِمَايَة قَادَةِ المِيلشيَاتِ الشِّيعِيَّةِ أَو "المُقَاوَمَةِ" وهذَا، رُبَّمَا، أَيْضَاً، مِنْ أَجْلِ "تَحْرِيرِ القُدْسِ" وتَدْمِيرِ إِسْرَائِيلَ ورَمْيِ اليَهُودِ "الأَشْرَارِ" فِي البَحْرِ!!! وأَصْبَحَ هذَا، أَي الجِّنْسُ الثَّالِثُ، "سِمَةُ فَخْرٍ" لَهُم فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الإِجْتِمَاعِيِّ، كمَا أَصْبَحَ "وَصْمَةُ عَارٍ" فِي تأريخِ بَغْدَادَ الحَدِيثِ ودَلِيلاً عَلى إِنْهِيَارِ المُجْتَمَعَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ بِإِنْهِيَارِ البُلْدَانِ والأَوْطَانِ والحَضَارَاتِ البَشَرِيَّةِ! وتَمَّ تَغْيِيرُ النَشِيدِ الوَطَنِيِّ ومَعَهُ عَلَمِ البِلادِ، لِيَحْتَارَ فِي أَمْرِهِ الكثيرُ مِنَ العِراقِيّينَ، وأَصْبَحَ تَغْيِيرُهُ كَتَبْدِيلِ المَلابِسِ اليَوْمِيَّةِ، فَقَدْ كانَ الأجْمَلُ فِي التَّصْمِيمِ فِي عَهْدِ الرُّقِيِّ والمَلَكيَّةِ، بِنَجْمَةٍ ونَجْمَتَيْنِ فِي العِرَاقِ والأُرْدُنِ كَأُسَرٍ هاشِميَّةٍ، ثُمَّ غُيِّرَ بَعْدَ الإنْقِلابِ والخِيَانَةِ فِي سَنَةِ 1958 وتَأْسِيسِ الجُّمْهُورِيَّةِ، ثُمَّ بُدِّلَ "بَعْدَ الإنْقِلابَاتِ والحَرَكَاتِ والصِّرَاعَاتِ الحِزْبِيَّةِ" بِعَلَمٍ ونُجُومٍ أَسَاسُهَا مِصْرَ وسُوريَة والبَعْثِيَّةُ والقَوْمِيَّةُ والنَّاصِريَّةُ وشِعَارَاتُ الوِحْدَةِ العَرَبيَّةِ، وجَاءَ زَمَانُ الحُرُوبِ العِرَاقيَّةِ العَرَبيَّةِ الغَرْبيَّةِ، فَكَتَبَ صَدّام حسين بِيَدِهِ عَلى العَلَمِ عِبَارَاتٍ إسْلاميَّةٍ، لِتَمِيلَ القُلُوبُ مَعَ المَعَانِيَ الدِينيَّةِ، وحَصَلَ الإنْهِيَارُ فِي سَنَةِ 2003 مِيلادِيَّةٍ، لِيَبْدَأَ عَصْرُ الغَوْغَاءِ والغَوْغَائِيَّةِ، وإحْتَلَّتْ إيرانُ العِرَاقَ "ولا زالَ الإحْتِلالُ" وشُوِّهَ العَلَمُ مَرَّةً أُخْرَى وأُزِيلَتْ النُّجُومُ البَعْثِيَّةُ، لِتَبْقَى شِعَارَاتُ إسْلامِيَّةٌ، والغَايَةُ مِنْهَا لَيْسَ الإيمانُ بَلْ النِّفَاقُ والقَوْمِيَّةُ والطَّائِفيَّةُ!! وحَكَمَ فِيهِ "الهَمَجُ" بِأَسْمَاءٍ ومَعَانٍ شَيْطَانيَّةٍ... لَنْ أَذْكُرَ الكَثِيرَ مِنْهَا حِفَاظَاً عَلى أذْوَاقِ القُرَّاءِ الرَّاقِيَةِ، فَهِيَ وُجُوهٌ ونَمَاذِجٌ بَشَريَّةٌ "لا إنْسَانيَّةً" مُقَزِّزَةٌ غَرِيبَةٌ عَنْ مُجْتَمَعَاتِنَا العِرَاقِيَّةِ، لكِنِّي سَأَذْكُرُ أَكْثَرَهَا "إنْحِطَاطَاً" بِكُلِّ جَوَانِبهِ السِيَاسِيَّةِ والإجْتِمَاعِيَّةِ والأَخْلاقِيَّةِ: الفَتْلاوي عاشِقَةُ الفِتْنَةِ الطَّائِفيَّةِ، صَاحِبَةُ نَظَرِيَّةِ الكَعْكَةِ وتَقْسِيمِهَا، إحْتارَتْ فِي خَلْقِهَا الأَزْمَانُ والأَقْدَارُ، فَأرادَتْ قَتْلَ شَبابٍ مِنَ السُّنَّةِ "العِراقِيّينَ" مُقابِلَ كُلِّ شابٍّ شِيعِيٍّ "عِراقِيٍّ" يَمُوتُ... وهِيَ حِساباتُ الشَّيْطانِ والمَوْتِ!! وعَبدُ المَهْدِي يَحْكُمَ ويَقْتُلَ ويَسْرِقَ ويُحَوِّلَ أمْوَالَ نَفْطِ العِراقِ إلى إيرانَ ثُمَّ يَلْطُمَ بَعْدَهَا عَلى إمَامِهِ الحُسَيْنِ! وعلاّوي والتَّآمُرُ والخِيانَةُ والغَدْرُ وفَتْحُ أبْوابِ بَغْدادَ للدَبَّاباتِ! والمالِكِيُّ الذي بَاعَ المُوصِلَ وأقْسَمَ عَلى قَتْلِ سُنَّةِ العِرَاقِ لِيَنْتَقِمَ لِإيرانَ "بِتَسْجيلٍ فِي طَهْرانَ" ونَجَحَ مَعَ إبْنِهِ فِي ذلِكَ فَقَتَلُو مَنْ قَتَلُو وسَرَقُو المَصَارِفَ بدَنانيرِهَا بِسَبَائِكِهَا بِخَزائِنِهَا بِدُولاراتِهَا بِبَابا غَنُّوجِهَا ولَمْ يَتَبَقَّى إلاّ الأرْضِيَّةَ... رَسْمِي فَهْمِي نَظْمِي!! ودُمِّرَتِ آثَارُ آشُورَ وسُرِقَ مَا بَقِيَ مِنْ رَمَادٍ، وحَقَائِبُ الدُّولاراتِ حَمَلُوهَا بَيْنَ البِلادِ! والجَّعْفَرِيُّ الإمِّيُّ صَاحِبُ الأَلْفِ كِتَابٍ، ولَم يَقْرَأ خَمْسَةً مِنْهَا! وحَدّاد الذي سَمَّى نَفْسَهُ قاضِي قُضَاةِ العِرَاقِ والعَرَبِ لكِنَّهُ لا يَتَحَدَّثَ الصَّحيحَ مِنْ لَهْجَةِ العِرَاقِ ولُغَةِ العَرَبِ، ولَيْسَ فِي مَكْتَبِهِ إلاّ القَلِيلَ مِنْ تَسْجِيلاتٍ إبْتِزَازيَّةٍ، ولَيْسَ فِي قَلْبِهِ إلاّ الكَثِيرَ مِنَ الأَحْقادِ! والصَّيَادِي أَيْقُونَةُ الإِنْحِطَاطِ الأَخْلاقِي والإِجْتِمَاعِيِّ والعِلْمِيِّ فِي أَسَاسِهِ البَشَرِيِّ! والزَّيْدِي والفَسَادُ وشِرَاءُ العِبَادِ! وزيبارِي والجُّبُورِي والبَيْعُ والشِّرَاءُ وإهْدَاءُ المَنَاصِبِ لِهَذا وذاكَ مِنَ الأَوْغادِ! والأَعْرَجِي والمَشْهَدَانِي والبَيَاتِي والجَّابِرِي والعَانِي والعَقِيلي والسَّعْدُون والعُبَيْدِي والهِيتِي والوِنْدَاوِي والنَّجَفِي ومُطْلَكُ والعِيسَاوِي والحَلْبُوسِي والعقَابِي والبَغْدَادِي وحَمُّودِي والشِّيخُ عَلِي، وهَلُمَّ جَرَّا... ومَشَارِيعُ "الفَنْكُوشِ" والصّفَقَاتُ الوَهْمِيَّةُ! والدَّبَّاغُ والشِيبانِي والحَمَدَانِي والنَّاصِرِيُّ والسَّرِقاتُ! والعَبُودِي الذي أَقِسَمَ فِي "التَّسْرِيبَاتِ" أَنْ "يَنْسُخَ" تَعْلِيمَ إيرَانَ فِي مَدَارِسِ العِرَاقِ والجَّامِعَاتِ -- بِكُلِّ طَائِفِيَّتِهِ وأَحْقَادِهِ، واليَوْم، حَوِّلَ تَعْلِيمَ العِرَاقِ المَعْهُودِ إلى رَمَادٍ وفُتَاتٍ! والمُوسَوِيّ والرَّغْبَةُ فِي الإنْتِقامِ مِنَ أصْحابِ الشَّهاداتِ -- لِعُقْدَةٍ فِي نَفْسِهِ بِحِرْمانِهِ مِنْهَا حّتّى الإبْتِدائِيَّاتِ! والرُّبَيْعي أرَادَ قَتْلَ العِراقِيّينَ وعُرِفَ عَنْهُ الإضْطِرابُ النَّفْسِيُّ وغَرَابَةُ العَادَاتِ! ثُمَّ نَأتِيَ إلى مُهَنْدِسِ إحْتِلالِ بَغْدَادَ وتَدْمِيرِهَا - هُولاكُو العَصْرِ الحَدِيثِ - الجَّلَبِي "الدُكتُورِ صَاحِبُ الشَهَادَاتِ بِعَلامَاتِ إسْتِفْهَامِهَا" وتَزْوِيرُ الحَقَائِقِ والوَثَائِقِ والتَّسْرِيبَاتِ، بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ وإِشْتَرَى ثُمَّ بَاعَ ثُمَّ إِشْتَرَى ثُمَّ تَاجَرَ ثُمَّ بَاعَ العِرَاقَ لِلمُخَابَرَاتِ الأَمرِيكيَّةِ بِالمُسْتَنَدَاتِ، وسَرَقَ مَصَارِفَ بَغْدَادَ والبَنْكَ المَرْكَزِيَّ، ولَمْ يَكْتَفِي، فَسَرَقَ الآثَارَ والمُقْتَنَيَاتِ!! لِنَصِلَ بِقِطارِ الخِيَانَةِ إلى العامِرِيُّ، زَعِيمِ ميلشياتِ بَدْر مِنَ الأُمِّييّنَ والمُجْرِمينَ والجُهَلاءِ والعُمَلاءِ، ومَعَهَا عِصَاباتِ الثَّمانينيّاتِ، عَذَّبَ الأسْرى العِراقِيّينَ فِي إيرانَ ثُمَّ أصْبَحَ وَزيرَ نَقْلٍ لِيَنْقُلَ السِّلاحَ والمُخَدَّراتِ، فَيَقْتُلَ الشَّبابَ ويُخَدِّرَ! ويَأتِيَ دَوْرُ قَنْبَر، فِي بَيْعِ الوَثَائِقِ والأسْرارِ والأفْلامِ والشِّراءِ، والتِّجَارَةِ بِالدِّمَاءِ، لإبْتِزازِ الوِزَرَاءِ والنِّسَاءِ! والسِّيستَانِيُّ والفَيَّاضُ والفَتَاوَى والمِيلشياتُ والقَتْلِ! والحَكِيمُ وعِمامَةُ الجَّهْلِ -- وهُوَ أَشْبَهُ بِالوَزِيرِ اللُبْنَانِي جُبْرَان بَاسِيل الرَّاقِصِ عَلى الحِبَالِ السِّيَاسِيَّةِ، وشِعَارُهُمَا "مَن يَتَزَوَّجَ أُمِّي يَكُونَ عَمِّي... ويِدَلَّل!!" وبَاسِيلُ هَذا يُذَكِّرُنِي بالسِيركِ الشَّعْبِيِّ وخَاصَّةً "أبُو الثَّلاثِ وَرَقَاتٍ" وقَدْ نَعَتَهُ أحَدُ وِزَرَاءِ أُوروبّا بَعْدَ لِقَاءِهِ بِقَرَقُوزِ حِزْبِ اللهِ والعِمَامَاتِ! وأُكْمِلُ فِي "النَّماذِجِ" البَشَريَّةِ التي حَكَمَتْ أَرْضَ الحَضَارَاتِ... والصَّدرُ والنِّفَاقُ والرِّيَاءُ يُنَادِي صَارِخَاً أَنَا الدَّاءُ وأَنَا الدَّوَاءُ، لَهُ ميلشيَاتٌ وجَيْشٌ مَهْدِيٌّ طَائِفِيٌّ وسَرَايَا وعِصَابَاتٌ حُلَّ مِنْهَا عَلَنَاً وبَقِيَ مَا بَقِيَ فِي الخَفَاءِ! والخَزْعَلِيُّ والقَتْلُ فِي الَّليْلِ والنَّهَارِ وعِصَابَاتُهُ وعَصَائِبُهُ تَبُثُّ السُّمَّ كالثَعَابِينِ العَمْيَاءِ! والمَوْتُ يَنْتَظِرُ ومِنَ البُيُوتِ يَتِمُّ الخَطْفُ والإخْفَاءُ! والسّهيلُ والرَّيِّسُ وجَهْلُ السُّفَراءِ! والسِّياسَةُ الخارِجيَّةُ والغَباءُ! ونصيّف المَحْسُوبَةُ ظُلْمَاً وخَطَأً وسَهْواً عَلى مَعْشَرِ النِّسَاءِ -- التي إنْ نَظَرْتَ إليْها أصَابَكَ العُقْمُ وغابَتْ عَنْكَ شَهِيّةُ الطَّعامِ والمَاءِ والنِّساءِ! وُجُوهٌ وأَسْمَاءٌ وأَلْقَابٌ شَوَّهَتْ آذَانَ العِرَاقِيّينَ مِنَ المُثَقَّفِينَ والرُّقَاةِ بَلْ حَتّى مِنَ البُسَطَاءِ! كُتَلٌ وأَحْزَابٌ وجُيُوشٌ ومِيلشيَاتٌ بِالمِئَاتِ والآلافِ تَجَاوَزَتْ أَرْقَامُهَا تِعْدَادَ أَهْلِ العِرَاقِ! عِمَامَةُ النِّفاقِ وعِقالُ الشِّقاقِ وبَدْلَةُ الخُبْثِ وثَوْبُ الأسْقامِ، والسِّلاحُ بِالمَجَّانِ وكاتِمُ الصَّوْتِ والقَتْلُ فِي النّهارِ وَسَطَ الزِّحَامِ، عادِي، تِلْكَ هِيَ الأيَّامُ! والوَزيرُ "الصّالِحُ" عَدْنان الباجَجِيّ الذي جاءَ مَعَ "الهَمَجِ" والغَوْغَاءِ، فَشَوَّهَ تأريخَهُ ولَوَّثَ السُّمْعَةَ الطَّيِّبَةَ وما عُرِفَ بِهِ وعَنْهُ مِنْ رُقِيٍّ وحِكْمَةٍ وهُدُوءٍ وبِهِ نَفْتَخِرُ -- فِي بِلادِ العَرَبِ مِنَ الأحْبَابِ والأشِقَّاءِ - فَهُوَ مَن كَتَبَ الخِطَابَ فِي بِدَايَةِ السّبعينيّاتِ، فأُسِّسَتْ دَوْلَةُ الإمَاراتُ. وحُدودُ العِراقِ اليَوْم مَفْتوحَةٌ مِن كُلِّ الجِّهاتِ، والحَرَسُ الثّوْرِيُّ وفَيْلَقُ القُدْسِ والعِصَاباتُ، والجِّنُّ والجَّانُ والأفاعِيَ النِّيَامُ، والثَعَابِينُ السَوَامُ، والإنْتِخَاباتُ والرَّشَوَاتُ والعَقَارِبُ السَّامَّاتُ، و "الشرُوك" وهُم اليَوم فَنّانونَ وسَاسَةٌ وضُبَّاطٌ وقُضَاةٌ، ومُحامُونَ ومُهَنْدِسونَ ورُؤسَاءُ جامِعاتٍ، وبَرلَمانيّونَ وصَحفيّونَ وإعْلامِيّونَ ونُجومُ  تِلْفازٍ وعُرُوضٍ وبَرامِجٍ ومُسَلْسَلاتٍ، بَلْ مُديرُو شَبَكاتِ إعْلامٍ وفَضائِيَّاتٍ!! والنَّاسُ تَحْزَنُ وتَضْحَكُ عَلَيْنَا مِنَّا، مِنْ هَذا المُسْتَوَى مِنَ الهَمَجِ والغَوْغَاءِ، والأقْدارُ والقَدَرُ، والزَّمانُ إنْ سَخِرَ بالبِلادِ، ولا يَزَالُ بالعِبَادِ يَسْخَرَ! فالمَالِكِي يُدْخِلُ إصْبَعَهُ فِي أنْفِهِ أمامَ النّاسِ والكاميرا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا! والجَّعْفَرِي "يُونس شَلَبي العِراقِ، مَعَ الإعْتِذارِ لِروحِ الفَنّانِ المَحْبُوبِ" يَتَحَدّثُ عَشْرَ ساعاتٍ دُونَ أنْ يَقولَ شَيئاً مَا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا! والعبادِي يُحَاوِلُ جاهِداً ولِسَاعَاتٍ أنْ يَربِطَ ويُمْسِكَ بَنْطَلُونَهُ أمَامَ النّاسِ والكاميرا لِيَمْنَعَهُ مِنَ "الإنْزِلاقِ" دُونَ جَدْوَى، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهِ وعَلَيْنا! والفَتْلاوي تُنافِسُ عَلِي بابا فِي سَرِقاتِهِ! وإبْنَةُ نصيّف "تُوَلْوِلُ" وتَصْرُخُ وتَعْرِضُ بَضائِعَ البَرلَمانِ ولَيَاليهِ وهَمَسَاتِهِ، وتُخْطِئُ حَتّى فِي كِتابَةِ إسْمِهَا، فَيَضحَكَ النّاسُ عَلَيْهَا وعلَيْنا!! أَيًعْقَلُ أَن يَحْكُمَ "هَؤُلاءُ" أَرْضَاً هِيَ الاَقْدَمُ والأَرْقَى لِمَنْ سَكَنَ الأَرْضَ ومَنْ فِيهَا ومَا عَلَيْهَا؟! يَحْكُمُونَ أَوَّلَ مَنْ حَرَثَ الأَرْضَ وأَسَّسَ للبَشَريَّةِ نُظُمَ الزِّرَاعَةِ والرَّيّ والإرْوَاءِ والمَسَاحَاتِ -- أَوَّلَ مَنْ حَلَّلَ الأَرْقَامَ وحِسَابَاتِ المُثَلَّثَاتِ، والرِيَاضِيَّاتِ وحِسَابَاتِ الأَيَّامِ والأَوْقَاتِ والسَّاعَاتِ، والتَوْقِيتَ والفَلَكَ والفُصُولَ -- أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ للكِتَابَةِ إِسْمَاً وأُسَسَاً وعَلامَاتٍ وأُصُولٍ -- أَوَّلَ مَنْ أَسَّسَ شَرِيعَةً إجْتِمَاعِيَّةً وأَخْلاقِيَّةً لِتَأْسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ مَدَنيَّةٍ لِذَوِي العُقُولِ، تَعِيشُ بِسَلامٍ ورُقِيٍّ وإحْتِرَامٍ للقَانُونِ والمُؤَسَّسَاتِ؟! الأَرْضُ الوَحيدَةُ التي وُجِدَتْ فِيهَا وعَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ حَضَارَةٍ فِي حَضَارَاتٍ -- أَرْضٌ إخْتَارَهَا اللهُ لِآدَمَ ونُوحٍ وإِبْرَاهِيمَ أَبِ الأَدْيَانِ -- حَضَارَةُ الحَضَارَاتِ، مَشَارِيعُ الجِّنَانِ، الأُولَى فِي قِدَمِ الوُجُودِ، قَبْلَ الكُتُبِ والعُهُودِ والوُعُودِ... قَبْلَ وَادِي السِّنْدِ ومِصْرَ والمَايَا والصِّينِ والسُّلالاتِ، قَبْلَ قَدِيمِ المَخْطُوطَاتِ! غَوْغَاءُ الأَيَّامِ والجُهَّالُ والجُّهَلاءُ والعُمَلاءُ، يَحْكُمُونَ مُنْذُ سَنَةِ 2003 أَوَّلَ وأَوَّلَ وأَوَّلَ كُلِّ شَيءٍ وبِدَايَاتِ الأَشْيَاءِ!! أَهِيَ الأَقْدَارُ والشَمْسُ والقَمَرُ ولُعْبَةُ الأَرْضِ والدَوَرَانِ، أَم هِيَ الأُمَمُ والعُرُوشُ والزَّمَانُ والأَزْمَانُ؟ أَم كَمَا قَالَتْ الوَزِيرَةُ الشَّقْرَاءُ مُخَاطِبَةً الشَّعْبَ العِرَاقِيَّ "أَنْتَ شَعْبٌ مُنَافِقٌ وجَبَانٌ؟!" أَم هِيَ إيرانُ ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا والمَكَانِ؟ أَم هِيَ جِيرَةُ الإنْسَانِ للإِنْسَانِ؟! أَم، أَم، أَم...؟ إذَنْ، هُوَ عَصْرُ الجَّهْلِ والطَّائِفيَّةِ والخُرَافاتِ، هُمْ "بَعْضُ" المُسْلِمينَ و "بَعْضُ" العَرَبِ، وهُمْ السَّلَفُ والإرْهَابُ ومَنْ جَرَّبَ، وهُمْ "أَكْثَرِيَّةُ" شِيعَةِ الجَّهْلِ والفِتْنَةِ والشِّقَاقِ والنِّفَاقِ -- وأَنَا أُصِرُّ عَلى إِسْتِخْدَامِ كَلِمَاتٍ مِثْلِ "بَعْض ولَيسَ كُلّ أَو أَكْثَرِيَّة ولَيْسَ عُمُوم" كَيْ أَتَجَنَّبَ إِهَانَةِ مَنْ لا يَسْتَحِقَّ التَّقْلِيلَ مِنَ الشَّأْنِ والكَرَامَةِ والمَقَامِ -- وأُكْمِلُ... وهِيَ مَواكِبُ الدّموعِ واللَّطْمِ والخِيَامِ والأتْرابِ والأوْحَالِ، والرَّكْضُ والصُّرَاخُ والدِّمَاءُ والمَجامِيعُ والزَّناجيلُ، والسِّيوفُ والطُّبُولُ والأطْبالُ، وزِحَامٌ وجِنْسِيَّاتٌ وبَشَرٌ وألْوانٌ وأشْكالٌ، والهَوَاءُ المُلَوَّثُ والرَّوَائِحُ والأزْبالُ، والنِّفَاياتُ والأمْراضُ والعَدْوَى والأَسْقَامُ! ومَرَّتْ الأَيَّامُ والأَسَابِيعُ الشُّهُورُ، ورَفَضَ صَدّام حسين وأَوْلادُهُ الإِثْنَانِ الإسْتِسْلامَ أَو الهُرُوبَ ومُغَادَرَةَ العِرَاقِ، لكِنَّ العُيُونَ هُنَا وهُنَاكَ والفَوْضَى وضَعْفَ النُّفُوسِ والخَوْفَ مِنَ المَجْهُولِ عَوَامِلٌ سَيْطَرَتْ عَلى القَرِيبِ والبَعِيدِ وأَهْلِ العِرَاقِ، فَقُتِلَ أَوْلادُ صَدّام حسين "عُدَي وحَارِسُهُ وقُصَي وإبْنُهُ مُصْطَفَى" فِي غَارَةٍ أَمْرِيكيَّةٍ ومَعْرَكَةٍ عَنِيفَةٍ ومُعَقَّدَةٍ إسْتَمَرَّتْ لِسَاعاتٍ وكانَ ذَلِكَ فِي تَمُّوزَ يُوليُو 2003. وبَعْدَهَا، تَحْدِيدَاً فِي كانُون الأَوَّلِ دِيسَمْبَر 2003 قُبِضَ عَلى صَدّام حسين فِي بَيْتٍ رِيفِيٍّ صَغِيرٍ. وقَرَّرَ عُمَلاءُ إيرانَ فِي بَغْدَادَ صِنَاعَةَ نَصْرٍ إيرانِيٍّ وَهْمِيٍّ وإهَانَةَ العِرَاقِ والعَرَبَ بِقَوْلِهِم إنَّ صَدّامَ كانَ يَخْتَبِئَ فِي حُفْرِةٍ تَحْتَ الأَرْضِ، وهِيَ أَكاذِيبٌ عَبَثِيَّةٌ إذْ أنَّ الشُّهُودَ والسُّكَّانَ ومَعَهُم جُنُودَ الجَّيْشِ الأَمرِيكيِّ كانُو هُنَاكَ، وكانَ صَدّام فِي غُرْفَةٍ صَغِيرَةٍ وهُوَ مَلْجَأٌ أَرْضِيٌّ يُحْتَمَى بِهِ فِي أَوْقَاتِ الحَرْبِ والفَوْضَى. وبَعْدَ ثَلاثِ سَنَواتٍ مِنَ الغَزْوِ والإنْهِيارِ ومُحاكَمَاتٍ عَبَثِيَّةٍ وإنْتِقاميَّةٍ وفَوْضَوِيَّةٍ، وإخْتِيَارِ "قُضَاةٍ" بِنَزْعَةٍ إنْتِقَامِيَّةٍ مِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ العَرَبِيَّةَ بِصُعُوبَةٍ ومِنْهُم مَنْ يَتَحَدَّثَ أَو يُحَاوِلَ التَّحَدُّثَ بِالفُصْحَى بِأَخْطَاءٍ وأَغْلاطٍ بِدَائِيَّةٍ فَيَكُونَ مَحَطَّ إسْتِهْزَاءِ القَرِيبِ والبَعِيدِ -- وبَعْدَ إهانَةِ وادِي الرّافِدَيْنِ وإذْلالِ العِرَاقِ والعِراقِيّينَ -- أُعْدِمَ الرَّئِيسُ صَدّام حسين! أُعْدِمَ فِي يَوْمٍ تَمَّ إخْتِيارُهُ "طائِفيَّاً" بِعِنَايَةٍ مِنْ خامَنئِيّ والحَرَسِ الثَوْرِيِّ الإيرَانِيِّ. وتَمَّ الإعْدامُ بِتَوْقِيعِ خادِمِ إيرانَ "المُفَضَّلِ" المالِكِيّ إذْ كانَ جُنْدِيَّاً "مُطِيعَاً" فِي الجَيْشِ الإيرَانِيِّ فِي الثّمانينيَّاتِ ثُمَّ لاحِقَاً مَسْؤولاً "أَمْنِيَّاً" عَنْ قَتْلِ البَعْثِيّينَ والمَسْؤولينَ والفَنّانينَ ومَنْ "بِإعْتِقادِهِ" أَحَبَّ صَدّام حسين! وكانَ الإعْدَامُ بِحُضُورِ الصَّدِر الزَّعيمِ الأُمِّيِّ، وأَحَدِ أبْناءِ شُيُوخِ الكُوَيتِ الذي أَصَرَّ "بِعِلاقَاتِهِ وأَمْوَالِهِ" عَلى أَنْ يَشْهَدَ حَفْلَةَ الإنْتِقامِ الوَحْشِيِّ. وبَدَءَ الأَمْرُ وكانَتْ رَقْصَةُ الشَّيْطانِ البَرْبَرِيِّ، بِحُضُورِ ضَابِطٍ أمريكِيٍّ، ومَجْمُوعَةٍ مِنَ حُثالَةِ النَّاسِ مِنْ إيرانَ والشَّرْقِ العَرَبِيِّ. وغَابَ عَن المَشْهَدِيَّةِ "القَلِيلُ" مِنَ الرُّقَاةِ الذينَ رَفَضُو هَذا العَارَ العَرَبِيِّ. ورَفَضَ المالِكيُّ أنْ يَتِمَّ إكْمالُ التَّصْويرِ بَعْدَ أنْ فاجَأَ صَدّامُ حسينَ الجَّمِيعَ إذْ وَقَفَ شُجَاعَاً مُتَمَاسِكَاً بَيْنَمَا القَتَلَةُ يَرْتَجِفُونَ! وحَدَثَ مَا حَدَثَ وأُكْمِلَ التَّصْويرُ بأَمْرِ الضّابِطِ الأمريكِيِّ، فَلا تُوجَدُ جَريمَةٌ كامِلَةٌ بَلْ هُوَ الغَبَاءُ والحِقْدُ الأعْمَى وهِيَ الأَيَّامُ، والخَفافِيشُ إنْ رَقَصَتْ كانَ رَقْصُهَا سِرَّاً فِي الظَّلامِ والنَّاسُ نِيَامٌ، لكِنَّهَا تَخَافُ أَنْ تَرْقُصَ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ الشُّرُوقِ، وهَكذا، تَمَّ إعْدَامُ الرَّئِيسِ العِرَاقِيِّ صَدّام حسين، وأُنْجِزَ الأَمْرُ قَبْلَ الشُّرُوقِ وبَعْدَ الشُّرُوقِ، فَهُزِمَ الشّانِقُ وأنْتَصَرَ المَشْنُوقُ! وأُعْدِمَ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهُوَ بالنِسْبَةِ للعِراقِ وكَثيرٍ مِنَ العَرَبِ والغَرْبِ آخِرُ رَئيسٍ شَرْعِيٍّ، وهَذِهِ مَعْلُومَةٌ ولَيْسَ تَحْلِيلٌ أو تَفْسِيرٌ عَقْلِيٌّ. وأقُولُ "شَرْعِيٌّ" وأَنَا لَسْتُ بِحِزْبِيٌّ أو بَعْثِيٌّ، ولا مِنْ مُنَاصِرِيهِ، ولا أَنَا مُحِبٌّ أَزَلِيٌّ "فأنَا مِنْ مُنْتَقِدِيهِ خاصَةً بَعْدَ خَطِيئَةِ إحْتِلالِ الكُوَيتِ" ولَيْسَ لِي عِلاقَةٌ بالأحْزابِ أو بِهَذا وذاكَ، ولا أُحِبُّ الأحْزَابَ أََو أعْتَرِفُ بِالمُنَافِقِينَ مِنْهَا، لا أَنَا ولا جَدِّي -- وجَدِّي مَلَكِيٌّ دُسْتُورِيٌّ أَحَبَّ الرَّخَاءَ والسَّلامَ والإِسْتِقْرارَ السِّياسِيَّ والإجْتِمَاعِيَّ. وأُؤْمِنُ أَنَّ تَعْرِيفَ الدِّيمُقرَاطيَّةَ، وهَذا رَأْيٌ شَخْصِيٌّ، هُوَ فِي ثَلاثٍ: الأَمَانُ والسِّيَادَةُ والإزْدِهَارُ، وهَذا يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ العَائِلَةِ أَو المَلَكِيَّةِ الدُّسْتُورِيَّةِ أَو الحِزْبِ الوَاحِدِ أَو القَلِيلِ والمَعْدُودِ مِنَ الأَحْزَابِ الوَطَنِيَّةِ مِنْ ذَوِي العِلْمِ والأَصْلِ والثَّقَافَةِ دُونَ الجُهَلاءِ والعُمَلاءِ والدُّخَلاءِ -- وأَنَا عاشِقٌ للمَلَكِيَّةِ كَجَدِّي. ولا أُحِبُّ الأحْزَابَ لأنَّهَا، فِي رَأْيِي، مَشَارِيعُ نِفَاقٍ ودَمَارٍ "بَطِيءٍ" وخَرَابٍ ولا عِلاقَةَ لَهَا بالتَّعَدُّديَّةِ والدِّيمُقراطِيَّةِ، بَلْ هِيَ وَسِيلَةٌ "قَانُونِيَّةٌ" لِقَتْلِ العِبَادِ ونَهْبِ البِلادِ، وهِيَ مِنَ الأوْهَامِ السّياسِيَّةِ -- وهَكذا، أقُولُ هُوَ رَئيسٌ شَرْعِيٌّ لأنِّي أعْشَقُ الحَقِيقَةَ المُجَرَّدَةَ أَو عَلى الأقَلِّ الحَقيقَةَ مِنْ وُجْهَةِ نَظَرِي المُتَوَاضِعَةِ. ثُمَّ أنِّي كَباحِثٍ فِي عِلْمِ الإجْتِمَاعِ والسِياسَةِ والتأريخِ أتَحَدَّثُ تَحْتَ مِجْهَرٍ تأريخِيٍّ، وهُو إخْتِصَاصٌ لِي، وأكْتُبُ كلِماتِي بِقَلَمٍ واقِعِيٍّ براغماتِيٍّ، فَقَد أُطِيحَ بِحُكْمِ صَدّام حسين بِغَزْوٍ إيرانِيٍّ أمريكِيٍّ. وكُلُّ مَنْ حَكَمَ العِراقَ بَعْدَهُ وإلى يَوْمِنَا ومَنْ "عُيِّنَ" يَحْكُمُونَ تَحْتَ الإحْتِلالِ "أوَّلاً" الأمريكِيِّ، ثُمَّ "لاحِقَاً" بَعْدَ نِهَايَتِهِ، وإلى اليَوْمِ، الإيرانِيِّ. ورَئيسُ "الدَّوْلَةِ" مُنْذُ سَنَةِ 2003 وإنْهِيارِ العِرَاقِ هُوَ مُوَظَّفُ تَشْرِيفاتٍ ولا عِلاقَةَ لَهُ بِأُمُورِ الحُكْمِ! ورَئيسُ الوِزَراءِ لا يَجْرُؤَ أو يَتَجَرَّأَ عَلى حَكِّ رأسِهِ أَو دُخُولِ الحَمَّامِ دُونَ إذْنِ طَهْرانَ وقُمّ!! وهَكذا، أُعْدِمَ وقُتِلَ الرَّئِيسُ الشَّرْعِيُّ، وأُكْمِلُ مَا كانَ وجَرَى، واللَّيْلُ مَعَ "الإسْرَاءِ" إذَا سَرَى...، وأَقَامَ رَئِيسُ الوِزَارَةِ وهُوَ "بِحُكْمِ القَدَرِ والأَقْدَارِ" رَئِيسُ الوِزَرَاءِ فِي تِلْكَ اللَيْلَةِ حَفْلاً رَقَصَ وسَكِرَ فِيهِ الكَثِيرُ مِنَ العُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والشُّعَرَاءِ مِنَ المُنافِقينَ والرَّاقِصينَ عَلى كُلِّ الأَحْبَالِ وهُمْ يَدَ "الزَّعِيمِ" وقَلَمَهُ الذي وَقَّعَ بِهِ الإِعْدامَ يُقَبِّلونَ. وهُمْ أنْفُسُهُم اليَوْمَ لَهُ يَشْتِمُونَ، وأَسْلافَهُ يَلْعَنُونَ!! لا تَتَعَجَّبْ! فَلا زِلْنَا فِي أَرْضِ النِّفَاقِ، وهُوَ النِّفَاقُ، يَا هِنْدُ، هُوَ النِّفَاقُ! ودُعِيَ إِلى الحَفْلِ ضُبَّاطٌ مِنْ مُخابَراتِ الأَمريكانِ والبِريطانِيّينَ والأَلْمَانِ، والكَثِيرُ مِنَ الجَّميلاتِ الحِسَانِ. وتَطَايَرَ "الغُبَارُ" والوِيسكِي والنَّبيذُ مِنْ فَسَاتِينِ الرّاقِصاتِ، وتَطَايَرَتْ مَعَهَا المَلابِسُ الدَّاخِليَّةُ لِوَزِيرِ الدَّاخِليَّةِ "إنْ وُجِدَ أَو تَبَقَّى شَيءٌ مِنْهَا" لِتَرْقُصَ العَذَارَى والعَذْراواتُ، والزَّوْجَاتُ والبَاقِياتُ الصَّالِحَاتُ... وقُبَلٌ وآهَاتٌ ولَقَطَاتٌ فَاقَتْ فِي "حَلاوَتِهَا" أَفْلامَ ميرفَت أَمِين وسُهير رَمزِي ونَجْلاء فَتْحِي وجَمَالَ السّبعِينيَّاتِ! ونَامَ مَنْ نَامَ، وصَوَّرَ مَنْ صَوَّرَ، وضَرَبَ مَنْ ضَرَبَ، ورَقَصَ مَنْ رَقَصَ، وسَكِرَ مَنْ سَكِرَ... وسَكِرَ أحَدُهُم وأَكْثَرَ فِي السُّكْرِ، فَقَفَزَ عَلى صَاحِبِهِ وقَبَّلَهُ بِالخَطأِ ويَدُهُ عَلى "رَأْسِهِ" وإِعْتَذَرَ، لِيَرُدَّ الصَّديقُ الصَّدُوقُ قَائِلاً "حَبِيبِي، ولا يهِمَّك!!" وهَكذا "بَقِتْ مَلْيَطَة... وكُومِيديا مِلْحُ وسُكَّر!" وتَشَابَكَتِ الأَصَابِعُ والشِّفاهُ والشَّفَهَاتُ، وإخْتَفَتِ "بِقُدْرَةِ قادِرٍ" الفَسَاتِينُ والكَلْسُوناتُ والتَنُّوراتُ، وإِرْتَفَعَ الصُّرَاخُ وإِزْدادَتِ الآهَاتُ، وإِخْتَفَتْ مَعَهَا السَّرَاويلُ، وإِرْتَفَعَتْ المَوَاوِيلُ، لكِنَّهَا الأَعْمارُ والأقْدَارُ، يَا هِنْدُ، و"ماكُو حِيل..." وعَلى اللهِ قَصْدُ السَّبيلِ. وفَجْأَةً ظَهَرَتْ وتَطَايَرَتْ الفِياجرَا والسيلدينافيل، فَصَفَّقَ الجَّمِيعُ فَرَحاً بالنَّجَاةِ، ورَحِمَ اللهُ نَجَاة، إذْ قالَتْهَا آخِرَ الليْلِ وَغَنَّتْ وقْتَ السَّحَرِ، أَنَا بَعْشَقِ البَحْرِ! وصَاحَ الدِّيكُ صَيْحَةَ الفَجْرِ، هَلُمَّ يَا رَجُل، إِفْرَحْ، إِرْفَعْ "رأسَكَ" فَلَقَد حَضَرَتْ الفِياجرَا! ورَقَصَ الجَّمِيعُ، ورَدَحَ الكُلُّ فَرَحاً بِالرَّبيعِ، وشَكَرُو المَوْلَى لِنِعْمَةِ "السِّقايَةِ" والمَطَرِ. وتَحَوَّلَ الرَّجُلُ مِنْ "حبُّوب وكيُوت وبَرَكَة" إِلى وَحْشٍ كاسِرٍ وكُلُّهُ حَرَكَةٌ، وصَرَخَ وَلِيُّ الأَمْرِ "واقِفَاً" عَلى الفِراشِ "أَنَا رُشدي أَبَاظة أَنَا فَريد شَوقِي أَنَا الشِّرِّيرُ غَسّان مَطَر..." وهَلَّلَتِ البَنَاتُ البِكْرُ، والنِّسَاءُ بِالأَحْمَرِ والتِّرْتِرِ، وجَاءَ الفَرَجُ فِي حَبَّةٍ أَو حَبَّتَيْنِ أَو ثَلاثِ حَبَّاتٍ. يارَبُّ، يا مُسَهِّلُ، فَهُوَ الشَّيْبُ وهُوَ السِّنُّ وهِيَ الأَعْمارُ، واللهُ حَليمٌ سَتَّارٌ! بَعْدَهَا، زَادَ الحَمَاسُ واللهُ المُسْتَعَانُ، وفِي غَفْلةٍ وغِرَّةٍ خُلِعَتِ القُمْصَانُ، ومَرَّةً أُخْرَى إخْتَفَى الفُسْتَانُ، والشَّقْراءُ مِنْ غُرْفَةٍ لِأُخْرَى تَمْشِي والقَدَحُ مُلآنٌ، وتُغَنِّي والفَمُ مُلآنٌ "طالعَة مِنْ بِيت أَبُوها رايحَة لبِيتِ الجِّيرانِ،" وظَهَرَ الحَريرُ الأَسْوَدُ والأَبْيَضُ ومَعَهَا البِيجامَاتُ، وكانَتْ مِنْ قِطْعَةٍ أَو قِطْعَتَيْنِ أَو "حَسَبِ الطَّلَبِ" مِنْ ثَلاثِ قِطْعَاتٍ، مِنْهَا بِزَهْرَتَيْنِ ومِنْهَا بِثَلاثِ وَرْداتٍ. رَنَا وسُعَادُ وريمَا ورَشَا ومَايا ولارا وسَمَرُ. وغُيِّرَ عَلَمُ العِراقِ وأُزيلَتْ عِبَارَةُ اللهُ أَكْبَرُ، وتَمَّ إسْتِبْدالُهَا بِيَدِ الوَزِيرِ "إِنْتَ عُمْرِي!" وكُتِبَتْ بِالأَحْمَرِ. وأَصْبَحَ شِعَارُ الدَّوْلَةِ "تَعَا... ولَيْسَ تَعَال... يَا رُوحِي إنْتَ... يَا أَزْعَرُ،" وذَابَتِ القُلُوبُ والأَبْدانُ وذَابَ البَشَرُ. ثُمَّ تَعِبَ الجَّميعُ بَعْدَ لَيْلَةِ ال +18 هَذِهِ ونَامُو فِي الغُرَفِ والصَّالاتِ كمَا يَنَامُ النَّبَاتُ. والحِمَايَةُ "الله يِحْمِيهُم" مَعَ القَنَانِي فِي السَيَّاراتِ... والثَّعْلَبُ "الشَقِيُّ" فَاتَ، وفَاتَ وفَاتَ وفَاتَ...، ونَفْسُ الثَّعْلَبِ بَعْدَ أَنْ كانَ "واقِفَاً" كالأَسَدِ خَرَجَ وسَقَطَ أَرْضَاً وتَعِبَ... والثَّعْلَبُ "النَّعْسَانُ" أَصَابَهُ النُّعَاسُ والتَّعَبُ ونَامَ ومَاتَ، ومَاتَ ومَاتَ ومَاتَ...، وإِسْتَمْتَعَتْ العَصَافيرُ بِفِلْمِ الوَزِيرِ، الذي وُزِّعَتْ مِنْهُ نُسَخٌ ومِنَ النُّسَخِ كَثِيرٌ، فِي بِلادٍ كَثيرَةٍ وقارَّاتٍ بِأَمْرِ الأَمريكِيِّ المُدِيرِ، وفِي بَيْتِ المُدِيرِ بِيرٌ وزِيرٌ، وكانَتْ أَحْلامُ العَصَافِيرِ، وتُصْبِحُونَ عَلى خَيْرٍ! وظَنَّ أُولَئِكَ أنَّ الأمْرَ قَدِ إنْتَهَى وَبَانَ، ولَمْ يُدْرِكُو أنَّ بَعْدَ عِشْرينَ سَنَةٍ مِنْ لَيْلَةِ الإعْدامِ والرَّقْصِ بالحِبَالِ عَلى الجُّثَثِ أنَّهُ قَدْ يَأتِيَ الحِينُ ويَدُورَ الزَّمَانُ، وتَنْقَلِبَ الأُمُورُ عَلى رُؤوسِهِم كَمَا عَلَّمنَا التأريخُ وقالَتْ لَنَا الأزْمَانُ، لكِنَّهُ الإنْسانُ ونِعْمَةُ أو "نِقْمَةُ" النِّسْيانِ!! وأعودُ إلى عِراقِ هَذِهِ الأيَّامِ أو ما تَبَقَّى مِنْهُ ومَا يَحْدُثَ فِيهِ والمُجْتَمَعَاتِ وأشْكالِ الحَيَاةِ... وبَعْدَ تَدْقيقٍ ومَسْحٍ وإطِّلاعٍ عَلى "الكَثيرِ، ولَيْسَ الكُلّ" مِنْ المَدَارِسِ فِي عِراقِ ما بَعْدَ 2003 وَجَدْتُ أُمورَاً لَمْ أتَخَيَّلَ أنّهَا سَتَكونَ حَقائِقَ فِي أرْضٍ وحَضَارَةٍ عَلَّمَتْ أهْلَ الأرْضِ الكِتابَةَ والفَلَكَ وحِسَابَ الوَقْتِ والزَّمَانِ والعُلُومَ والحِكْمَةَ والأُصُولَ!! فَوَجَدْتُ أطْفالَ المَدَارِسِ اليَوْمِ لا يَتَعَلَّمُونَ العُلُومَ والفَضَاءَ والآثَارَ والطَّبيعَةَ والمُوسيقَى والتأريخَ وجَمَالَ الأدْيانِ والثَّقافاتِ والتَنَوُّعَ والتَّعايُشَ والإنْسِجامَ والتَّعَلُّمَ مِنَ الشُّعُوبِ والفُنُونَ الشَّعْبِيَّةُ، ولا العاداتِ الصِحّيَّةَ والأنْشِطَةَ الرِياضِيَّةَ، بَل يَتَعَلّمُونَ دُعاءَ الشّيعَةِ فِي الصَّبَاحِ الباكِرِ وإنْتِظارِ المَهْدِيِّ فِي المَدارِسِ والصُّفوفِ اليَوْميّةِ!! ولا إحْتِرامَ ولا خَوْفَ ولا وَقَارَ ولا تَرْبِيَةَ، وقِيمَةُ المُعَلِّمِ أصْبَحَتْ صِفْرِيَّةٌ! وهُنَا دَائِمَاً أَقُولُ... جِيلٌ بِلا تَعْلِيمٍ أَشْبَهُ بِخَليَّةِ جَهْلٍ قائِمَةٍ أَو خَلِيَّةِ إِرْهَابٍ نَائِمَةٍ. وهَكذَا، هِيَ ظُلْمَةُ العُقولِ والظُّلُمَاتُ الفارِسيَّةُ، لا تَعْليمَ لا كَرامَةَ لا وَظائِفَ لا ماءَ لا طاقَةَ لا زِراعَةَ لا صِناعَةَ لا فَرَحَ لا أمَانَ إلاّ بِشُروطٍ إِيرانيَّةٍ! ومَنْ سَاعَدُو الغَرْبَ فِي إحْتِلالِ العِراقِ وتَدْميرِهِ وحَرْقِ الكَنائِسِ والمَساجِدِ والمَعابِدِ والبُيُوتِ وقَتْلِ العِراقِيّينَ يَظْهَرُونَ على الشّاشاتِ الإيرانِيَّةِ "العِراقِيَّةِ" وهُمْ يَحْكُونَ ويَفْتَخِرونَ بأنَّهُم ساعَدُو المَعْتُوهَيْنِ بُوش وبلير فِي إحْتِلالِ العِراقِ! وهُنا، كَيْ يُفْهَمَ الأمْرُ، خَطَرَ عَلى بالِيَ لِأقولُ... نَحْنُ نَعْلَمَ، أو بالنِّسْبَةِ لِي، أنّ الإجْرامَ والجَّريمَةَ والغَدْرَ مَعَ الخَلْقِ والإنْسانِ قَدْ بَدَأَ وخُلِقَ، فأولادُ آدَمَ كانَ فيهِم الخَيْرُ والشَّرُّ، وكانَ فِيهِم الصّالِحُ يَرْعَى الخِرافَ وقَدَّمَ أفْضَلَ خِرافِهِ قُرْباناً للرَّبِّ لأنَّهُ أحَبَّ الرَّبَّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِقَلْبِهِ -- وأخٌ آخَرُ زارِعٌ للأرْضِ والحَرْثِ كانَ فيهِ شَرٌّ وأحَبَّ نَفْسَهُ أكْثَرَ مِنَ الرَّبِّ، وجَمَعَ الشِّرّيرُ الفاسِدَ مِنْ زَرْعِهِ وقَدَّمَهُ قُرْباناً للرَبِّ وتَقَرَّبَ إليْهِ بِعَقْلِهِ لا بالقَلْبِ، ونَسِيَ أنَّ اللهَ رَبٌّ للقُلُوبِ قَبْلَ العُقُولِ، فَتَقَبَّلَ اللهُ قُرْبانَ الصّالِحِ ورَفَضَ نِفاقَ الشِّرّيرِ، فَغَضِبَ الشِّرّيرُ وغارَ وكَرِهَ أخَاهُ وحَقَدَ عَلَيْهِ، والحِقْدُ مِنْ مَقَاماتِ العاطِفَةِ وفُصُولِ شَرِّها، وقَتَلَهُ وحَدَثَ هذا فِي بِداياتِ الخَلْقِ والأيَّامِ بِوُجودِ الرَّبِّ والخالِقِ وحُكْمِهِ...، فَكَيْفَ بأيَّامِنَا ولَمْ تَبْقَى إلاّ الكِتاباتُ والكُتُبُ، والخالِقُ بَعِيدٌ وقَريبٌ؟! وهَلْ يَكُفَّ الشِّرِّيرُ عَنْ شَرِّهِ وقَتْلِهِ لِأخيهِ دُونَ رَقيبٍ؟! أنَا أعْتَبِرُ، مَثَلاً، أنَّ هِتْلَر هُوَ مِنْ أشَدِّ الزُّعَماءِ إجْراماً فِي تأريخِنا المُعاصِرِ، فَلَو أجْرَيْتُ مَسْحَاً إجْتِماعِيَّاً وسِياسيَّاً للتأريخِ لَوَجَدْتُ مُجْرِمينَ وقَتَلَةً هُنَا وهُنَاك، وكُلٌّ لَهُ أَسْبابُهُ وأَوْهامُهُ الصَّغيرَةُ والكبيرَةُ، مِثْلَ هُولاكو الذي قَتَلَ أَهْلَ بَغْدادَ وأبْكى دِجْلَةَ وأَحْرَقَ بَغدادَ ومَعَهَا كُتُبَ السَّماءِ والأرْضِ...، إِلى ستالين الذي قَتَلَ وعَذَّبَ المَلايينَ فِي مُعَسْكَرَاتِ سيبِيريَا البَارِدَةِ وأُهْمِلُو ودُفِنُو فِي ثُلُوجِهَا لِتَكُونَ الأُمُّ الطَّبِيعَةُ الحَزِينَةُ والحَنُونُ، كالعَادَةِ، مَقْبَرَةً لِأَوْلادِهَا البَشَرِ الذينَ أَحْزَنُوهَا وأَتْعَبُو قَلْبَهَا...، إلى تشِرشِل الذي عَشِقَ الخَمْرَ والسِّيكَارَ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ والقَتْلَ، فَقَتَلَ عَشَائِرَ العِراقِ بالغازِ فِي العِشرينيَّاتِ وأحْرَقَ مُدُنَ أيرلندا الثَّائِرَةَ وجَوَّعَ وقَتَلَ أهْلَهَا ومَحَى بِحِقْدِهِ وجُنُونِهِ الأَجْيَالَ، فَقَط، لأنَّهُم أرادُو الحُريَّةَ والكَرامَةَ والإسْتِقْلالَ. لكِنَّ هِتْلَر قَتَلَ المَلايينَ بأجْسادِهِم وأرْواحِهِم وآمالِهِم، وأجْيالُهُ يَقْتُلُونَ إلى يَوْمِنا...، فَقَد قَتَلَ اليَهودَ الألمانَ والأُوروبّيينَ مِن الأَبْرياءِ والعُلَماءِ والأَطِبّاءِ، والمُدَرِّسِينَ والمُهَنْدِسينَ وأَرْقى الفَنَّانينَ والمُخْرِجِينَ والمُبْدِعِينَ والرَّسّامينَ والأُدَبَاءِ، وأيْضاً أفْضَلَ عازِفِي المُوسِيقى عَلى الإطْلاقِ، وحَتّى مَنْ كانَ مِنْهُم مِنْ أَصْدِقائِهِ والأَقْرِبَاءِ! وقَتَل ذَوِي الإحْتِياجاتِ الخاصَّةِ والمَرْضى والفُقَراءَ، وذَوِي الإِضْطِرَابِ الإِجْتِمَاعِيِّ والخَوْفِ المُجْتَمَعِيِّ لِيُحافِظَ عَلى خَزِينَةِ الدَّوْلَةِ مِنْ "شَرِّ" الإِسْرَافِ وضَيَاعِ المَالِ عَلى "التَّفَاهَاتِ" والسُّلالاتِ التي لا "جَدْوَى" مِنْهَا وأَيْضَاً لِلحِفَاظِ عَلى الجُذُورِ الأَلْمانِيَّةِ والذُريَّةِ الآرِيَّةِ وسُلالَتِهِ النَقِيَّةِ والحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنْ الإِنْحِرَافِ والتَّشْوِيهِ والتَّغْيِيرِ كمَا قَالَ -- رَغْمَ أنَّهُ مَريضٌ بإِضْطِرابٍ عَقْلِيٍّ ولَهُ سِجِلٌّ مُفَصَّلٌ بِهذا! وقَتَلَ مُعارِضِيهِ مِنَ المَسِيحيّينَ والمُسْتَقلّينَ والشُيوعيّينَ والمُخالِفينَ مِنَ السّياسيّينَ، وقُتِلَ بِسَبَهِ آلافُ المُسْلِمينَ مِنَ المُقاتِلينَ الذينَ دَفَعَ بِهِم المُنافِقُ أمينُ الحُسَيْنِي مُفْتِي القُدْس لِيُقْتَلُو فِي سَبيلِ "تَحْريرِ القُدْسِ!!" ورَغْمَ كُلِّ هذا تَظْهَرُ صُوَرُ هِتْلَر هُنا وهُناكَ فِي صَفَحاتِ التّوَاصُلِ العَرَبيَّةِ فِي أيّامِنَا إحْتِفاءً بِهِتْلَر وحِقْداً عَلى إسْرائيلَ، والسَّبَبُ، كالعادَةِ، هُوَ جَهْلُ العَرَبِ بالسِّيَاسَةِ والأَحْدَاثِ والتَأرِيخِ. ونَسِيَ الكَثِيرُ مِنْ تُجَّارِ السِّيَاسَةِ والدِّينِ فِي بِلادِ العَرَبِ أَنَّ الأَرْضَ كانَتْ وبَقِيَتْ وقُدِّرَ لَهَا أَنْ تَكُونَ كُرَوِيَّةَ الشَّكْلِ دُونَ زَوَايَا، وإِنَّ أَعْدَاءَ الأَمْسِ هُم أَصْدِقَاءُ اليَوْم، وإِنَّ أَصْدِقَاءَ اليَوم قَدْ يَكُونُو أَعْدَاءَ الغَدِ -- وأَنَّ اللهَ يَضَعُ أَسْبَابَاً لِلأَسْبَابِ، ولا يَعْلَمُ الإِنْسَانُ مَنْ يُسَاعِدُ مَنْ، ومَنْ يَتَآمَرُ عَلى مَنْ! مَثَلاً، فِي حَرْبِ 1948 والتي غَيَّرَتْ الكثِيرَ مِنْ فُصُولِ التأرِيخِ بَيْنَ العَرَبِ وإِسْرَائِيلَ، وفِي وَقْتٍ كادَ العَرَبُ فِيهِ بِكُلِّ جُيُوشِهِم أَنْ يُدَمِّرُو إِسْرَائِيلَ، كادَتْ الحَرْبُ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهَزِيمَةٍ إِسْرَائِيلِيَّةٍ قَاسِيَةٍ، لكِنَّ مَا حَدَثَ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" فِي فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الحَرْبِ أَثْبَتَ قَطْعَاً أَنَّ الإِنْسَانَ لا يُدْرِكُ مَقَادِيرَ الأُمُورِ وأَقْدَارَ السَّمَاءِ ومَا يَكُونُ -- عِندمَا أُنْقِذَتْ إِسْرَائِيلُ بِطَائِرَاتِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ التي قَلَبَتْ مِيزَانَ القُوَى فِي الحَرْبِ التي غَيَّرَتْ الكَثِيرَ مِنْ أَقْدَارِ العَرَبِ! كَيْفَ؟ فِي خِضَمّ الحَرْبِ والحَيَاةِ والصُّعُوبَاتِ قَامَتْ جُولدا مَائِير، التي وُصِفَتْ بِأَنَّهَا إِحْدَى أَذْكى نِسَاءِ الأَرْضِ، بِجَمْعِ الكثِيرِ مِنْ أَمْوَالِ المُتَعَاطِفِينَ فِي الولايَاتِ المُتَّحَدةِ وأُورُوبّا، وإِلْتَقَتْ سِرَّاً وعَلَنَاً ولَيْلاً ونَهَاراً، رَغْمَ آلامِهَا ومَرَضِهَا، بِسَادَةِ وأَسْيَادِ الكوَالِيسِ وأَشْبَاحِ السَّفَارَاتِ وتُجَّارِ السِّلاحِ، فَكانَتْ جُهُودُهَا، بِالإِضَافَةِ إِلى قَرَارِ ستالِين المُنْتَصِرِ بِدَعْمِ القَضِيَّةِ الصِّهْيُونِيَّةِ، عَامِلاً غَيَّرَ كُلَّ شَيءٍ فِي الحَرْبِ والسَّلامِ. وأَمَّا مِصْبَاحُ عَلاءِ الدِّينِ فَكانَ حُصُولُ جُولدا مَائِير عَلى بَعْضِ الصَّفَقَاتِ ومِنْهَا مَخْزُونَاتِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ وطَائِرَاتِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ التي إِسْتَوْلَى عَلَيْهَا المُقَاوِمُونَ والجُّيُوشُ المُنْتَصِرَةُ فِي التشِيك وأُوروبّا الشَّرْقِيَّةِ بَعْدَ هَزِيمَةِ أَلمانيَا النَّازِيَّةِ. وهكذَا، دَارَتْ عَجَلَةُ الزَّمَانِ لِتَكُونَ الطَّائِرَاتُ النَّازِيَّةُ التي قَتَلَتْ مَلايِينَ اليَهُودِ قَبْلَ سَنَوَاتٍ، هِيَ ذَاتُهَا، الطَّائِرَاتُ التي تَقْتُلُ أَعْدَاءَ اليَهُودِ وتَكُونُ سَبَبَاً فِي إِنْقَاذِهِم وإِرْسَاءِ دَعَائِمِ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ! فَهَلْ تَعَلَّمَ العَرَبُ والشَّرْقُ والغَرْبُ الدَّرْسَ -- بِأَنَّ الأَرْضَ كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ والتَّصْمِيمِ والأَقْدَارِ؟ وأَنَّكُم، مَرَّةً أُخْرَى، تَضْحَكونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ؟!! لكنْ رَغْمَ جَرائِمِ هِتْلَر وقَتْلِهِ لِمَلايينِ الأبرياءِ رَمْياً بالرَّصاصِ أو التَّجْويعِ أو الحَرْقِ فِي السُّجونِ ومُعَسْكَراتِ "العَمَلِ" والإعْتِقالِ، إلاّ أنَّ كَلِمَاتِهِ لِعَشيقَتِهِ الحَسْناءِ الحَزينَةِ إيفا براون التي أصْبَحَتْ "فراو هِتْلَر أو السّيّدة هِتْلَر" قَبْلَ سَاعاتٍ مِنْ نِهايَتِها مَعَ هِتْلَر إنْتِحاراً -- هُوَ بالرَّصاصِ وهِيَ بِكَبْسُولَةِ السُّمِّ ثُمَّ الرَّصاصِ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ والنِّصْفِ ظُهْراً -- ومَا قالَهُ يَسْتَحِقُّ أنْ أقِفَ عِنْدَهُ بِشَيءٍ مِنَ الوُضُوحِ، إذْ قالَ لَهَا، وهُمَا يَتَحَدَّثانِ ويَتَهامَسَانِ بأُمُورِ الحَياةِ وأيَّامِها والدُّنْيا وغَدْرِهَا والحُبِّ والخِيانَةِ ومَا جَرَى وماهِيَّةِ الأحْداثِ "حَبيبَتِي إيفا، لَقَد عِشْتُ كَثيراً حَتّى قَبْلَ أنْ أُولَدَ بِسِنين، وأحْبَبْتُ القَليلَ مِنَ البَشَرِ وكَرِهْتُ الكَثيرَ مِنْهُم، وأمَّا مَنْ كَرِهْتُهُم وأحْتَقَرْتُهُم أكْثَرَ وأكْثَرَ فَهُم الذينَ ساعَدُونِي فِي إحْتِلالِ أوْطانِهِم الأُمِّ، وكانُو يُهَللِّلونَ!" وهكذا، أقْسَى المُجْرِمينَ وأقَلُّهُم رَحْمَةً فِي التأريخِ إحْتَقَرُو خَوَنَةَ أوْطانِهِم، وكلِماتِي هذهِ وإسْقاطاتِي التأريخيّةِ أو الزَّمَنيَّةِ لِهَؤُلاءِ الذينَ ساعَدو أمريكا على إحْتِلالِ العِراقِ وقَتْلِ العِراقِيّينَ وإغْتِصابِ النِّساءِ والأسْرى فِي سُجُونِ أبو غريب وهُم يَضْحَكُونَ، وأُولَـٰئِكَ الذينَ ساعَدو بِريطانيا فِي تَدْميرِ البَصْرَةِ وقَتْلِ أهالِيها والتَبَوُّلِ عَلى رُؤوسِ أسْرَاها فِي سُجُونِها وهُمْ يَسْكَرُونَ ويَرْقُصُونَ ويُصَوِّرونَ ويَحْتَفِلُونَ!! وأَنَا أُجْزِمُ أنَّ الغَرْبَ بِكامِلِ حُكومَاتِهِ وشُعُوبِهِ "أَو جُلَّهُم كَيْ أَبْقَى فِي المُنْتَصَفِ" يَحْتَقِرُ حُكَّامَ العِرَاقِ ومَسْؤولِيهِ الذينَ حَكَمُو بَعْدَ إنْهِيارِ العِرَاقِ مُنْذُ تَدْمِيرِهِ فِي سَنَةِ 2003 وإِلى يَوْمِنَا هَذا، وإِنْ كانَ سِرَّاً أَو فِي كَوَاليسِهِم أَو فِي أَحَادِيثِهِم مَعَ الأَصْدِقاءِ والعَائِلاتِ، وأَنَا شَاهِدٌ عَلى هَذا...! لكِنْ لا يَجِبُ عَلى العِراقيّينَ والعَرَبِ وخاصَّةً العُقَلاءِ مِنْهُم أنْ يَنْسَوْ أنَّ المَلايينَ مِنَ الأمريكانِ والبِريطانِيّينَ وأهْلِ الأرْضِ كانو يَجُوبونَ الشَّوارِعَ إحْتِجاجاً ورَفْضَاً لِحَرْبِ الخَليجِ "العَرَبِيِّ" وإحْتِلالِ العِراقِ وتَدْميرِهِ مِنْ أجْلِ النَّفْطِ، وأنَّ قَرارَ الحَرْبِ فِي إحْتِلالِ البَيْتِ الأبْيَضِ للعِراقِ "كَمَا هُوَ قَرارَ الحَرْبِ وإحْتِلالِ العِراقِ للكُويَتِ" لَيْسَ إلاّ قَرارَ شَخْصٍ وأشْخاصٍ وأفْرادٍ ولا عِلاقَةَ للشُّعُوبِ بالأمْرِ. فَقَد رَفَضَ العالَمُ ورَفَضَ شَعْبُ أمريكا الحَرْبَ وإحْتِلالَ العِراقِ وصُدَمَ بِهِ وبِهَا وبِأكاذيبِهَا ونَتَائِجِهَا فِي قَتْلِ وإفْقارِ وتَشْرِيدِ المَلايين مِنَ العِراقِيّينَ، وهُوَ إحْتِلالُ البَيْتِ الأبْيَضِ أو فِرَقٍ مِنَ الجَّيْشِ الأمريكيِّ للعِراقِ ولَيْسَ إحْتِلالُ أمريكا للعِراقِ. كَمَا صُدِمَ شَعْبُ العِراقِ صَبَاحاً بالحَرْبِ وإحْتِلالِ الكُوَيتِ، وهُوَ إحْتِلالُ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ أو فِرَقَاً مِنَ الجَّيْشِ العِراقِيِّ للكُوَيتِ ولَيْسَ إحْتِلالُ العِراقِ للكُوَيت. لِهَذا لا يَجِبُ مُحاسَبَةُ الشُّعوبِ، أو عَلى الأقَلِّ، لا يَجِبُ كَراهيَّتُها أو إتِّهامُها بأحْداثٍ تأريخيَّةٍ أو أخْطَاءٍ جَسِيمَةٍ أو قَرَاراتِ الحَرْبِ والسِّلْمِ، وهِيَ، أيْ الشُّعوبُ، مَغْلُوبَةٌ عَلى أمْرِهَا. بَلْ أكْثَرُ مِنْ ذَلِك، حَتّى هِتْلَرَ وخِلالَ الحَرْبِ العالَميَّةِ الثَّانيَةِ كانَ لَهُ كارِهُونَ ومُعَارِضُونَ مِنْ وفِي طَبَقَاتِ الشَّعْبِ والجَّيْشِ الألمَانِيِّ الذينَ إِمْتَلأتْ بِهِم السُّجُونُ ومُعَسْكَراتُ الإِعْتِقَالِ وسَاحَاتُ الإعْدَامَاتِ -- مِنْهُم قادَةٌ كِبَارٌ ومِنْهُم مَنْ قاتَلَ وحَارَبَ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الأولَى وإِلْتَزَمَ بِعَقِيدَةِ الجَّيْشِ الأَلْمَانِيِّ ومَا فِيهِ مِنْ أُسُسٍ ومَبَادِئٍ مَعْرُوفَةٍ -- وبَلَغَتْ مُحَاوَلاتُ إغْتِيَالِ هِتْلَرَ وقَتْلِهِ العَشَرَاتِ مَا أُعْلِنَ مِنْهَا ومَا أُهْمِلَ لِأَسْبَابٍ شُعُوبِيَّةٍ وأَمْنِيَّةٍ ودَعَائِيَّةٍ. وأَبْقَى لِزَمَانٍ فِي تأرِيخِ هِتْلَرَ لِأَضَعَ "مَا فِي رَأْسِهِ" تَحْتَ مِجْهَرِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ كيْ نَعْرِفَ "سِرَّ" كَرَاهِيَتِهِ لِليَهُودِ رَغْمَ كُلِّ مَا عُرِفُو بِهِ مِنْ رُقِيٍّ وعِلْمٍ وهُدُوءٍ وسَلامٍ وإِحْتِرَامٍ لِلقَانُونِ والمُجْتَمَعِ وكَوْنِهِم العَمُودِ الفَقَرِيِّ لِإِقْتِصَادِ أَلمانيَا وأُورُوبّا والكَثِيرِ مِنْ بِلادِ الأَرْضِ، إِضَافَةً إِلى قِتَالِ ومَقْتَلِ الآلافِ مِنْهُم مِنْ أَجْلِ أَلمانيَا فِي الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الأُولَى ومِنْهُم مَنْ كانُو زُمَلاءً لِهِتْلَرَ فِي خِدْمَتِهِ العَسْكَرِيَّةِ عَلى بَعْضِ الجَبَهَاتِ ومِنْهَا الجَبْهَةُ الغَرْبِيَّةِ، ومَقَابِرُهُم فِي أَلمانيَا ومِنْهَا بَرلِين شَاهِدَةٌ عَلى ذَلِكَ. عِندمَا كَتَبَ هِتْلَرُ كِتَابَهُ الشَّهِيرَ "كِفَاحِي" والذي كَتَبَهُ فِي سِجْنِهِ الشَبِيهِ بِالإِقَامَةِ فِي هُوتِيلٍ بِنُجُومٍ مَا والمَلِيءِ بِزُهُورِ المَعْجَبَاتِ بِأَفْكَارِهِ المُتَطَرِّفَةِ فِي وَقْتٍ كانَتْ أَلمانيَا تَعِيشُ فَوضَى وعَشْوَائِيَّةً سِيَاسِيَّةً وإِجْتِمَاعِيَّةً كَنَتَائِجٍ طَبِيعِيَّةٍ وقَدَرِيَّةٍ لِخَسَارَتِهَا الحَرْبَ وإِجْبَارِهَا عَلى دَفْعِ الثَّمَنِ والأَثْمَانِ مِنْ أَمْوَالِ وكَرَامَاتِ الشَّعْبِ الأَلْمَانِيِّ المُنْهَكِ والمَهْزُومِ حِينَهَا، لَمْ يَكُنْ حِينَهَا فِي عِلْمٍ أَو إِعْتِقَادٍ بِأَنَّ كِتَابَهُ سَيَكُونُ دُسْتُوراً شَيْطَانِيَّاً لِلقَتْلِ والإِبَادَةِ لِكُلِّ مُخْتَلِفٍ ومُخَالِفٍ لِإِيديُولوجِيَّةٍ وفِكْرَةٍ وطَرِيقٍ مَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَن الحُرِّيَّةِ والمَكانِ والزَّمَانِ. وقَدْ إِستَمَدَّ أَفْكَارَهُ ومَشَاعِرَهُ مِنْ الكَثِيرِ مِمَّنْ عُرِفُو بِمُعَادَاتِهِم لِلسَّامِيَّةِ وكَرَاهِيَتِهِم لِليَهُودِ الأَغْنِيَاءِ والرُّوسِ والآخَرِينَ -- مِنْهُم، مَثَلاً، السِّيَاسِيُّ النَّمسَاوِيُّ وعُمْدَةُ فِيينا القَوِيُّ وزَعِيمُ وأَحَدُ مُؤَسِّسِي الحِزْبِ الإِجْتِمَاعِيِّ المَسِيحِيِّ "الشُّعُوبِيِّ" فِي الإِمبِراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ كارل لُوجر، وكذَلِكَ كِتَابَاتُ اللَّاهُوتِيِّ الأَلمانِيِّ مارتِن لُوثَر الذي أَحْدَثَ شَرْخَاً تأرِيخِيَّاً فِي الكنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ وسِيَاسَاتِهَا وعُرِفَ بِكَرَاهِيَّتِهِ الشَّدِيدَةِ لِليَهُودِ "سَوَاءٌ مِنْ مُنْطَلَقٍ وأَسَاسٍ لاهُوتِيٍّ مَعْرُوفٍ" يَتَعَلَّقُ بِصَلْبِ السَّيِّدِ المَسِيحِ ولَعْنَةِ كَبِيرِ كَهَنَةِ اليَهُودِ لِجِيلِهِ وأَوْلادِهِ ومَا تَلاهَا فِي إِنْجِيلِ القِدِّيسِ مَتّى، أَو لِمَشَاعِرٍ وأَحْدَاثٍ شَخْصِيَّةٍ "مِنْ مُنْطَلَقٍ إِنْسَانِيٍّ وإِجْتِمَاعِيٍّ مَفْهُومٍ" ومَا كانَ وكانَ مِنْ أَحْدَاثٍ وَقَعَتْ فِي بِلادٍ ومُجْتَمَعَاتٍ مِثْلِ إِيطاليَا وإِسْبَانيَا وأَلمانيَا وغَيْرِهَا. وكانَتْ كِتَابَاتُ لُوثَرَ عَمِيقَةً فِي قُوَّتِهَا ومَعَانِيهَا وغَرَابَتِهَا وقَدْ نَعَتَ اليَهُودَ بِالكِلابِ وصِفَاتٍ أُخْرَى كالكَذِبِ والخِيَانَةِ وغَيْرِهَا، لكِنَّهُ إِعْتَذَرَ عَنْ بَعْضِهَا وبَعْضِ كِتَابَاتِهِ المُثِيرَةِ لِلجَدَلِ والعُنْصُرِيَّةِ والأَحْقَادِ قَبْلَ مَوْتِهِ خَاصَّةً التي بُنِيَتْ عَلى أَحْدَاثٍ ومُعْتَقَدَاتٍ شَخْصِيَّةٍ ولَيْسَ عَلى أَسَاسٍ عِلْمِيٍّ أَو إِيمَانِيٍّ أَو لاهُوتِيٍّ -- رُبَّمَا بَعْدَ فَوَاتِ الأَوَانِ، ومَا حَدَثَ لاحِقَاً دَلِيلٌ عَلى مَا أَقُولُ -- وهذَا يَدُلُّ قَطْعَاً عَلى أَنَّ الكَلِمَةَ سِلاحٌ قَدْ يَكُونُ مُمِيتَاً وقَاتِلاً لِلأَرْوَاحِ والأَجْسَادِ والمُجْتَمَعَاتِ. لكِنَّ هِتْلَرَ، بِالعَوْدَةِ إِلَيْهِ، أَخْفَى عَنْ نَفْسِهِ والآخَرِينَ والتأرِيخِ شَيْئَاً ولَو القَلِيلَ واليَسِيرَ مِنْ جُذُورِهِ اليَهُودِيَّةِ! ولِفَتْحِ هذَا البَابِ عَلَيَّ أَولاً، ولِثَوانٍ، أَنْ أَعُودَ إِلى التأرِيخِ وعُصُورٍ خَلَتْ -- فَنَحْنُ نَعْلَمُ، أَو جُلُّنَا، بَأَنَّ غَالِبِيَّةَ الشُّعُوبِ المَسِيحِيَّةِ فِي أُوروبّا هِيَ شُعُوبٌ ذَاتُ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ تَحَوَّلَتْ فِي غَالِبِيَّتِهَا إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ السَّائِدَةِ بِفِعْلِ التَّهْدِيدِ بِالقَتْلِ أَو الطَّرْدِ والتَّهْجِيرِ كمَا حَدَثَ فِي إسْبانيَا وإِيطاليَا وأَلمانيَا، ولاحِقَاً، ومِنْهَا، الِإمبراطورِيَّةِ النَّمْسَاوِيَّةِ المَجَرِيَّةِ ثُمَّ مَمْلَكَةِ المَجَرِ فِي حِينِهَا. ومِئَاتُ الآلافِ تَنَكَّرُو فِعْلاً لِدِيَانَتِهِم اليَهُودِيَّةِ فِي جَلَسَاتٍ خَاصَّةٍ وعَامَّةٍ وتَحَوَّلُو إِلى الإِيمَانِ المَسِيحِيِّ والكَنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ خَوْفَاً مِنَ القَتْلِ أَو الإِضْطِهَادِ الدِّرَاسِيِّ أَو العِلْمِيِّ أَو الوَظِيفِيِّ أَو السِّيَاسِيِّ أَو حَتّى المُجْتَمَعِيِّ كَحَقِّ الإِيجَارِ والتَمَلُّكِ والزَّوَاجِ وغَيْرِهَا. وكَثِيرٌ مِنَ مَشَاهِيرِ ونُجُومِ الفَنِّ والصَّحَافَةِ والرِّيَاضَةِ كانُو مِمَّنْ تَحَوَّلُو إِلى الكاثُولِيكِيَّةِ ومِنْهُم مَن شَارَكَ فِي عُقُودٍ لاحِقَةٍ كَرِيَّاضِيِّينَ كاثُولِيكٍ مِنْ أَصْلٍ يَهُودِيِيٍّ سِرَّاً أَو جَهْرَاً أَو خَوْفَاً أَو نِفَاقَاً أَو حُبَّاً، مَثَلاً، فِي الأَلعَابِ الأُولمبِيَّةِ فِي بَرلِينَ مِنْ عَامِ 1936 وفِي أَوْجِ قِمَّةِ وقُوَّةِ النَّازِيَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ والعَالَمِيَّةِ، وحَصَلُو عَلى المَرَاتِبِ الأُولَى والمِيدَاليَاتِ وتَسَلَّمُوهَا مِنْ هِتْلَرَ ومُسَاعِدِيهِ وضُبَّاطِ الرَّايخِ الثَّالِثِ وأَجْهِزَتِهِ الأَمْنِيَّةِ المُخِيفَةِ، فِي وَقْتٍ كانَتْ مُعَسْكَرَاتُ التَّعْذِيبِ والعَمَلِ والإِعْتِقَالِ وتَكْسِيرِ عِظَامِ إِخْوَانِهِم اليَهُودِ عَلى بُعْدِ أَمْيَالٍ قَلِيلَةٍ! وأَعُودُ إِلى هِتْلَرَ، الزَّعِيمِ المُخْتَلِّ عَقْلِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ عِلْمِيَّةٌ وتأرِيخِيَّةٌ -- فَهُوَ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكَرِهَ نَفْسَهُ وعَائِلَتَهُ لِهَذَا. أَمَّا حُبُّهُ الشَّدِيدُ لِوَالِدَتِهِ كلارَا، والتي تَعَلَّقَ بِهَا جَسَدِيَّاً ورُوحِيَّاً، فَقَدْ كانَ إِسْتِثْنَاءً وَحِيداً لِإِحْسَاسِهِ بِالنَّقْصِ والوِحْدَةِ والرَّفْضِ مِنَ المُجْتَمَعِ، وأَيْضَاً عَطْفَاً عَلَيْهَا وغَضَبَاً مِنْ وَالِدِهِ أَلوِيس الذي عُرِفَ بَقَسْوَتِهِ الشَّدِيدَةِ عَلَيْهِ وعَلى أُمِّهِ كلارَا والتي كانَتْ إِبْنَةُ عَمِّ أَلوِيس -- وكانَتْ صَغِيرَةُ السِّنِّ بِمَا يَكفِي لِتَكونَ إِبْنَتَهُ إِذْ كانَتْ تُنَادِيهِ "عَمِّي أَلوِيس" -- وقَدْ إِنْضَمَّتْ أَوَّلاً إِلى أُسْرَتِهِ كخَادِمَةٍ لكِنَّهَا غَادَرَتْ بَعْدَ زَوَاجِهِ الثَّانِي -- ثُمَّ عَادَتْ عِندمَا مَرِضَتْ زَوْجَةُ أَلوِيس الثَّانِيَةُ لِرِعَايَةِ أَطْفَالِ أَلوِيس ومَنْزِلِهِ، وإِنْتَهَى بِهَا الأَمْرُ حَامِلاً بِطِفْلٍ لَهُ مَا لَهُ فِي تأرِيخِ البَشَرِ. وكَرَاهِيَةُ هِتْلَرَ لِأُصُولِهِ اليَهُودِيَّةِ ولاحِقَاً الكاثُولِيكِيَّةِ وعَدَمِ إِحْتِرَامِهِ لِلإِيمَانِ المَسِيحِيِّ "رَغْمَ ثَبَاتِ مَعْمُودِيَّتِهِ الكاثُولِيكِيَّةِ" لَهَا أَحْدَاثٌ وأَسْبَابٌ شَخْصِيَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِجِيرَتِهِ فِي إِقْلِيمِ النَّمْسَا العُلْيَا، ثُمَّ عَدَمِ قُبُولِهِ كَرَسَّامٍ أَو فَنَّانٍ ذِي مَوْهِبَةٍ فَنِّيَّةٍ رَغْمَ تَمَتُّعِهِ بِشَيءٍ مِنْهَا ونَرَى ذَلِكَ فِي لَوْحَاتِهِ المَعْرُوفَةِ والمَحْفُوظَةِ والتَّسْجِيلاتِ الخَاصَّةِ بِنِقَاشَاتِهِ فِي بِدَايَاتِ التَّصَامِيمِ الهَنْدَسِيَّةِ والمِعْمَارِيَّةِ مَعَ مُهَنْدِسِيهِ ومِنْهُم أَلبرت شبِير، إِذْ كانَا يَشْتَرِكَانِ بِحُلْمِ إِنْشَاءِ بَرْلينَ الكُبْرَى، لكِنَّ الحُرُوبَ، كالعَادَةِ، تَقْتُلُ الفَنَّ وتُمِيتُ مَا فِيهِ مِنْ جَمَالٍ وخَيَالٍ ورَوْعَةٍ. لكِنَّ كَرَاهِيَةَ هِتْلَرَ لِليَهُودِ شَابَهَا "بَعْضُ" النِّفَاقِ وعَلامَاتِ الإِسْتِفْهَامِ، وهذَا دَلِيلٌ عَلى أَنَّ حِقْدَهُ عَلى اليَهُودِ كانَ لِأَسْبَابٍ شَخْصِيَّةٍ فِي مُعْظَمِهَا ولَيْسَتْ أَيديُولوجيَّاتٍ وأَفْكارٍ وفَلْسَفَةٍ عَقْلِيَّةٍ. مَثَلاً، إِحْتِرَامُهُ للسَّيِّدِ إِدوارد بلوخ وهُوَ الطَّبِيبُ العَائِلِيُّ لِعَائِلَةِ هِتْلَرَ فِي مَاضِيهِ وكانَ يَهُودِيَّاً صَالِحَاً أَحَبَّ هِتْلَرَ وكانَ يُسَاعِدُهُ طِبِّيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً خَاصَّةً فِي أَوْقَاتِ مَرَضِ أُمِّهِ الشَّدِيدِ. وعِندمَا وَصَلَ هِتْلَرُ إِلى قِمَّةِ النُّفُوذِ والسُّلْطَةِ والمَجْدِ أَهْدَى الطَّبِيبَ بلوخ إِحْدَى لَوْحَاتِهِ وأَطْلَقَ عَلَيْهِ لَقَبَ "اليَهُودِيُّ النَّبِيلُ" وكانَ مُسْتَثْنَى مِنَ إِحْتِمَالاتِ التَّعْذِيبِ والمَحْرَقَةِ والإِجْرَامِ النَّازِيِّ. وأَذْكُرُ هُنَا مِثَالاً آخَرَ، وهِيَ عَشِيقَةُ هِتْلَرَ وزَوْجَتُةُ فِي "الوَقْتِ الضَّائِعِ" الحَسْنَاءُ الحَزِينَةُ إِيفَا برَاون -- كانَ هِتْلَرُ لَهَا حَبِيبَاً وقَدَرَاً مُمِيتَاً، وكانَتْ لَهُ رَغْبَةً وحَيَاةً -- كانَتْ مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ وكانَتْ جَدَّتُهَا يَهُودِيَّةً طَيِّبَةً وصَالِحَةً. كذَلِكَ سَائِقُ هِتْلَرَ الأَمِينُ ودِمَاؤُهُ السَّامِيَّةُ -- والكَثِيرُ مِنْ ضُبَّاطِ الجَّيْشِ الأَلمانِيِّ والأَمْنِ الخَاصِّ والعَامِّ والمُقَرَّبِينَ إِذْ كانُو مِنْ أُصُولٍ يَهُودِيَّةٍ أَثْبَتَ التأرِيخُ وأَرْشِيفُهُ الكَثِيرَ مِنْهَا، وأَثْبَتَ التأرِيخُ أَيْضَاً رَفْضَهُم لِأُصُولِهِم اليَهُودِيَّةِ وكَرَاهِيَّتَهُم لِأَنْفُسِهِم ولَهَا -- عَلى سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، الجَنِرَالُ المُدْمِنُ هِيرمَان غورِينغ، والقَاتِلُ الهَادِئُ راينهَارد هايدرِيش المَسْؤُولُ عَنْ قَوَائِمِ اليَهُودِ والبَحْثِ عَنْهُم وإِنْهَاءِ أَقْدَارِهِم، ولا يَجِبُ أَنْ أَنْسَى زَعِيمَ النِّفَاقِ هاينرِيش هيملَر قائِدَ القُوَّاتِ الخَاصَّةِ الشُوتزشتَافِل، والذي كانَ أَحَدُ أَقْوَى رِجَالِ هِتْلَرَ وأَحَدُ "مُهَنْدِسِي ومُنَفِّذِي" الهُولوكوست! إِذَنْ، أَقُولُ، يَا سَادَة، إِنَّ مَا كانَ ويَكُونُ وسَوْفَ يَكُونُ مِنْ إِرْهَابٍ وحُرُوبٍ وصِرَاعَاتٍ وقَتْلٍ وتَدْمِيرٍ وتَهْجِيرٍ وأَحْزَانٍ فِي أُوروبّا أَو أَمرِيكا أَو آسِيَا أَو أَفرِيقيَا أَو بِلادِ العَرَبِ -- فِي المَاضِي والحَاضِرِ والمُسْتَقْبَلِ -- جُلُّهَا وجُلُّ أَسْبَابِهَا إِرَادَاتٌ وصِرَاعَاتٌ "شَخْصِيَّةٌ" أَو أَفْكارٌ وعُقَدٌ إِجْتِمَاعِيَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِالطُّفُولَةِ والشَّبَابِ والمَاضِي والأَحْدَاثِ الأُولَى ومَا تَلاهَا أَو مَا كانَ مِنْهَا وحَوْلَهَا فِي حَيَاةِ الحَاكِمِ والحُكَّامِ أَو أَصْحَابِ النُّفُوذِ والسُّلْطَانِ، ولاَ سَبِيلَ إِلى الشَّكِّ فِي ذَلِكَ. وأَمَّا الحُكَّامُ العَرَبُ فَقَدْ أُعْجِبَ الكَثِيرُ مِنْهُم بِسِيرَةِ هِتْلَرَ ومَسِيرَتِهِ سِرَّاً أَو جَهْرَاً وعَلَنَاً، كمَا كانَتْ صُوَرُهُ الصَّغِيرَةُ فِي غُرَفِ الكَثِيرِ مِنْهُم وبُيُوتِهِم وبُيُوتِ مُوَاطِنِهِم -- خَاصَّةً فِي جَنُوبِ العِرَاقِ فِي الحَدِيثِ عَنِ العِرَاقِ كمِثَالٍ مَعْلُومٍ بِالأَدِلَّةِ التَّأرِيخِيَّةِ المُسَجَّلَةِ. وحَاوَلَ "بَعْضُ" الحُكَّامِ العَرَبِ بِشَكْلٍ مُبَاشَرٍ أَو غَيْرِ مُبَاشَرٍ أَنْ يُقَلِّدَ شَيْئَاً مِنْ سِيرَةِ هِتْلَرَ أَو أَفْكارِهِ فِي بِدَايَاتِ مَجْدِهِ. مَثَلاً، صَدّام حسين، وقَبْلَ خَطِيئَةِ إِحْتِلالِ الكُوَيتِ، الذي أَعْجَبَتْهُ قِصَّةَ الإِتِّفَاقِ والإِتِّفَاقِيَّةِ بَيْنَ هِتْلَرَ وستَالِين فِي "السَّلامِ المُؤَقَّتِ" وعَدَمِ الإِعْتِدَاءِ أَو حَالَةِ اللّا حَرْبَ واللّا سِلْمَ التي أَرَادَ مِنْهَا هِتْلَرُ تَوْفِيرَ الوَقْتِ والجُّهْدِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضَّ عَلى فَرِيسَتِهِ وفَرَائِسِهِ عَلى طَرِيقَةِ "الذِّئْبِ الصَّبُورِ" قَبْلَ بَدْءِ "مُغَامَرَاتِ" الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ فِي سَنَةِ 1939 ومَا كانَ مِنْهَا مِنْ دَمَارٍ وتَدْمِيرٍ وضَحَايَا فَاقَ الخَمْسِينَ مِليُونَاً مِنَ العَسَاكِرِ والمَدَنِيِّينَ مِنْ كُلِّ الأَجْيَالِ. صَدّام حسين إِذَاً ومِنْ قَبْلِهِ المَعْتُوهُ جَمَال عَبد النَّاصِرِ أَو الخَائِنُ عَبد الكرِيم قَاسِم وغَيْرُهُم... كُلُّهُم تَذَكَّرُو البِدَايَاتِ لكِنَّهُم نَسُواْ النِّهَايَاتِ! تَذَكَّرُو كيْفَ بَدَءَ الأَمْرُ لكِنَّهُم نَسُواْ كيْفَ إِنْتَهَتْ وآلَتْ إِلَيْهِ الأُمُورُ! تَذَكَّرُو كيْفَ كانَتْ بِدَايَةُ هِتْلَرَ لكِنَّهُو نَسُواْ كَيْفَ إِنْتَهَى! وأبْقَى لِثَوانٍ أُخْرَى فِي ألمانيا لِأُقارِنَ فِي الأسْبابِ التي أدَّتْ "خِلالَ سَنَوَاتٍ فَقَط" إلى بِنَاءِ وإزْدِهارِ ألمانيا بَعْدَ دَمَارِهَا وتَدْمِيرِهَا كُليَّاً فِي سَنَةِ 1945 بَيْنَمَا غابَ الإسْتِقْرارُ والرَّخاءُ عَن العِراقِ مُنذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا وإلى يَوْمِنَا هَذا رَغْمَ مُرُورِ السِّنين! إذا أرَدْنَا أنْ نُحَلِّلَ الأسْبابَ والأحْداثَ بِواقِعِيَّةٍ، ونُجَرِّدَ القُلُوبَ مِنَ العاطِفَةِ، والعُقُولَ مِنَ الجَّهْلِ لِدَقائِق ولَو مَعْدُودَاتٍ، فَعَلَيْنَا أن نَبْحَثَ فِي سُلُوكِ الشُّعُوبِ وعِلْمِ الإجْتِمَاعِ ونَبْقَى لِثَوانٍ فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِياسِيِّ وأسْرارِهِ. فالألْمانُ، مَثَلاً، يُحِبُّونَ بِلادَهُم بِشِدَّةٍ وصِدْقٍ وعُرِفَ عَنْهُم ذلِكَ وهُمْ يَفْتَخِرونَ بِهِ وهُوَ سِمَةٌ لَهُم ومِن سِمَاتِهِم -- كمَا عُرِفَ عَن الكُورِيِّينَ، مَثَلاً، حُبُّهُم لِلتَّقَالِيدِ الجَّمِيلَةِ والأَصِيلَةِ، وهُوَ مَثَارُ إعْجَابِ الشُّعُوبِ -- لِهذا نَهَضَ الشَّعْبُ الأَلْمَانِيُّ الحَزِينُ مِنَ النِّساءِ والشّابَّاتِ ومَن تَبَقَّى مِنَ الرِّجَالِ والشَّبَابِ مِنَ رُكَامِ الحُزْنِ والصَّدْمَةِ والفَقْرِ والدَّمَارِ بَعْدَ الهَزيمَةِ فِي الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانيةِ وإنْهيارِ أوْهَامِ النّازِيَّةِ فِي سَنَةِ 1945 وبَنُو بِلادَهَم وعمَّرُوهَا إذْ لَيْسَ لَهُم سِواهَا. ولا نَنْسَى هُنَا الأسَاسَ فِي هَذا وهُوَ المُعْجِزَةَ الألمانيَّةَ ومَشْرُوعَ مارشال لِإعادَةِ إعْمارِ ألمانيا وأُوروبّا وهُو الأضْخَمُ فِي تأريخِ ما بَعْدَ الحُرُوبِ بالتَّعاوِنِ مَعَ أوَّلِ حُكومَةٍ ألمانيَّةٍ ديمقراطيَّةٍ مُنْتَخَبَةٍ فِي عامِ 1949 مِنْ سَاسَةٍ ألمانٍ أحَبُّو بِلادَهُم ولَم يَكُن بَيْنَهُم لُصُوصٌ أو جُهَلاءٌ أو سُرَّاقٌ -- وقَد قامَتْ أمريكا بِهذا المَشْرُوعِ خَوْفَاً مِن أنْ يَبْتَلِعَ الإتَّحادُ السّوفيتيُّ أوروبّا ومَا فِيهَا خاصَةً بَعْدَ تَقْسيمِ بَرْلينَ بَيْنَ المُنْتَصِرينَ والحُلَفَاءِ وأسْبَابٍ أُخْرَى. وأمّا العِراقيّينَ مِنْ عَرَبٍ وكُرْدٍ وآشوريّينَ وغَيْرِهِم "وهُنا أتَحَدَّثُ عَن القَوْميّاتِ" أو يَهُودٍ ومَسيحيّينَ ومُسْلِمينَ وغَيْرِهِم "وهُنَا أتَحَدَّثُ عَن الأدْيانِ والدِّياناتِ" فَقَد كانُو يُحِبُّونَ بِلادَهُم العِراقَ ويَعْشَقُونَهُ قَبْلَ سَنَةِ 1958 وإنْقِلابِهِ المَشْؤومِ، وبَقِيَ الحُبُّ وأسْتَمَرَّ حَتّى فِي السِتينيّاتِ والسَبْعينيّاتِ إلى عامِ 1979 وإنْتِهاءِ العُصُورِ الذَهَبيّةِ والفِضِّيَّةِ ومَعَهَا الخَيْرُ والرَّخَاءُ، وهُنَا بِتَحْليلِ عِلْمِ النَّفْسِ والإجْتِمَاعِ وسُلوكِ الشُّعُوبِ. وبَقِيَ شَيءٌ مِنَ الحُبِّ والوَلاءِ فِي الثّمانينيّاتِ وتَلاشَى كَسَرابٍ فِي التِسْعينيّاتِ لِيَخْتَفِيَ فِي سَنَةِ 2003 بِإحْتِلالِ إيرانَ للعِراقِ بَعْدَ غَزْوِ البَيْتِ الأبْيَضِ للبِلادِ وقَتْلِ العِبَادِ! والأسَاسُ فِي الإنْهِيارِ وغِيابِ الإعْمَارِ هُوَ عُمَلاءُ إيرانَ الذينَ حَكَمُو ويَحْكُمُونَ العِراقَ مِنَ الجُّهَّالِ والسُّرَّاقِ وهُمْ الأشَدُّ حِقْدَاً عَلى العِراقِ والعِراقيّينَ، عَلى عَكْسِ ما كانَ فِي ألمانيا كَمِثالٍ تأريخِيٍّ لَعِبَتْ فِيهِ عَوامِلُ الجُّغرافيا السِياسيَّةُ والأخْلاقُ والتَّربيةُ والعِلْمُ والجَّهْلُ والثّقافَةُ والأصْلُ والجّيلُ والأجْيالُ وحُبُّ الأوْطانِ والإخْلاصُ الدَّوْرَ والأدْوارَ! وهُنَا أَقُولُ... الوَطَنُ "إِنْ وُجِدَ" فَهُوَ جَمِيلٌ ونِعْمَةٌ مِنَ الرَّحْمَن، والأَوْطَانُ "إِنْ وُجِدَتْ" فَكُلُّهَا جَمِيلَةٌ وجِنَانٌ -- والعَيْبُ والخَلَلَلُ، يَا سَادَة، لَيْسَ فِي السَّمَاءِ والأَرْضِ والخَلْقِ بَلْ فِي الإِنْسَانِ والبَشَرِ وخَلِيقَتِهِ، ولَيْسَ فِي الوَطَنِ بَلْ فِي المُوَاطِنِ وطَبِيعَتِهِ -- لَيْسَ فِي العِرَاقِ وحَضَارَتِهِ ورَوْعَتِهِ، ولَيْسَ فِي دِجْلَةَ الخَيْرِ والفُرَاتِ الذي ذُكِرَ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ وأَسْفَارِهِ، ولا فِي نَخِيلِ البَصْرَةِ وجَمَالِهِ وشَطِّ العَرَبِ وسِحْرِهِ وأَسْحَارِهِ، ولَيْسَ فِي أَسَدِ بَابِلَ وتَأرِيخِهِ، أَو أُورَ وبَيْتِ سَارَةَ وإِبْرَهِيمَ ومَلائِكَتِهِ، ولَيْسَ فِي المَلْوِيَّةِ والمَنَارَةِ والكَنَائِسِ والمَسَاجِدِ والمَعَابِدِ والجِّبَالِ والتِّلالِ والمَزَارِعِ والأَنْهَارِ والهَوَاءِ والصَّحْرَاءِ وبَغْدَادَ والتَّأرِيخِ ونَسِيمِهِ ونَسَمَاتِهِ، بَلْ كُلُّ العَيْبِ فِي مَنْ نَسِيَ أَو يَنْسَى كُلَّ ذَلِكَ فِي زَمَانٍ ولَحَظَاتِهِ...، والخَلَلُ فِي العِلْمِ إِذَا غَابَ، وفِي الجَّهْلِ إِذَا حَضَرَ، وفِي العَمِيلِ إِذَا أَمَرَ، فَصَارَ الإِنْسَانُ حَيَوَانَاً سَرَقَ وقَتَلَ وخَرَّبَ ودَمَّرَ!! وإنْ أرادَ العِراقيّونَ أو العَرَبُ أنْ يَبْنُو أوْطانَاً جَميلَةً يَفْخَرُونَ بِهَا ويَتَفاخَرُونَ لأجْيالٍ وأجْيالٍ، أو إنْ أرادَ البَشَرُ أنْ يَعِيشُو رَغَدَ الحَياةِ والأَمَانَ فِي الأَوْطَانِ، فَعَلَيْهِم أوَّلاً أنْ  يُحِبُّو الأرْضَ التي تُبْنَى عَلَيْها تِلكَ الأوْطانُ، وعَلَيْهِم أنْ يَعْلَمُو أنَّ الحُرُوبَ "غَيْرَ الدِّفاعِيَّةِ" هِيَ مِن فَصُولِ الأمْراضِ النَّفْسيَّةِ والإضْطِراباتِ العَقْليَّةِ، وأنَّ هُناكَ حُدُوداً للغَضَبِ والحِكْمَةِ، وفُرُوقَاً بَيْنَ التَرَيُّثِ والإسْتِكانَةِ، وبَيْنَ الصَّبْرِ والإنْدِفَاعِ، وبَيْنَ الشَّجاعَةِ والتَهَوُّرِ، وبَيْنَ التّعَاوُنِ والعَمَالَةِ، وخُطُوطَاً رَفيعَةً ودَقيقَةً ومَفْصَليَّةً بَيْنَ هذا وذاكَ وهذهِ وتِلْك. وأقُولُ... عَلى العِراقِيّينَ أنْ يَحكُمُو أنْفَسَهُم وعَلى العَرَبِ أن يَحْكُمُو أرْضَهُم، فَمِنَ المُعِيبِ والغَريبِ أنْ يَكُونَ شِيعَةُ العِرَاقِ والعَرَبِ "عَبيداً" للسِيستانِيِّ وهُوَ رَجُلٌ فارِسِيٌّ، أو أنْ يَكُونُو "عَبيدَاً" لِخامَنَئِيِّ وهُوَ رَجُلٌ أذَرِيٌّ، وقَبْلَهُ الخُمَيْنِيُّ وهُوَ رَجُلٌ هِنْدِيٌٌّ، مَعَ الإحْتِرَامِ لِكُلِّ القَوْميَّاتِ والجِنْسِيَّاتِ والحَضَاراتِ. لكِنَّ مَنْطِقَ الإنْسَانِ أنَّ حُبَّ الأوْطَانِ والحِفَاظَ عَليْهَا لا يَقُومَ ويَسْتَقيمَ إلاّ مِنْ أصْحابِ الأرْضِ ومَن تَعِبَ فِي زِراعَتِهَا وتَعَرَّقَ فِي إعْلاءِ البُنْيَانِ، مَعَ الصَّبْرِ والحِكْمَةِ دُونَ أن يَقَعَ فِي فَخِّ الغَضَبِ والغُرُورِ وجُنُونِ العَظَمَةِ والنِسْيَانِ. والأمْرُ يَخْتَلِفُ، مَثَلاً، مَعَ محمّد عَليّ بَاشَا الألْبَانِيِّ الذي حَكَمَ مِصْرَ، أَو نابليون بُونابرت الإيطالِيِّ الذي حَكَمَ فرَنسا، أَو أَدُولف هِتْلَر النَّمسَاوِيِّ الذي حَكَمَ ألمانيا...، فالحُكْمُ قَدْ يَكونَ مِنْ نَتَائِجِ الحُرُوبِ والفَوْضَى كمَا أُوروبّا، أو مُخَلَّفَاتِ الصِّرَاعَاتِ والفَرَاغِ والتّأسِيسِ والبِدَايَاتِ كمَا هُوَ الحَالُ فِي مِصْرَ والعُثْمَانيّينَ وغَيْرِهِم، أو لُبْنانَ والشَامِ وفَرَنسا، أو مِثَالِ العِرَاقِ والبِرِيطانيّينَ وأُمَرَاءِ الحِجَازِ... وقَدْ بَنُو البِلادَ وأَحَبُّو الأرْضَ أَكْثَرَ مِنْ أصْحَابِ الأَرْضِ الذينَ عَبَثُو فِيهَا ودَمَّرُوهَا!! فَالحِكْمَةُ والمَشُورَةُ وعَلامَاتُ المُسْتَقْبَلِ والحِفَاظُ عَلى البِلادِ والعِبَادِ هِيَ أَسَاسِيَّاتُ الحُكْمِ والحَاكِمِ، أو المَفْرُوضُ هَكذا، فَلَوْ أنَّ صَدّام حسين، مَثَلاً، كانَ قَدْ إكْتَفَى بإنْتِصارِهِ عَلى إيرانَ فِي حَرْبِ العِراقِ والعَرَبِ "العادِلَةِ" عَلى مَلالِيَ الحِقْدِ والشَرِّ، ولَم يَقُمْ بإحْتِلالِ الكُوَيت لَكانَ حَقَّاً حَبِيبَاً للعِراقِ والعَرَبِ رَغْمَ أوْهامِ البَعْثِ فِي تَحْريرِ القُدْسِ وغَيْرِهَا مِنَ الأكاذيبِ النّاصِريَّةِ والقَوْميّةِ. ولَو كُنْتُ رَئيسَاً أو مَسْؤولاً لَكانَتْ سِياسَةُ البابِ المَفْتُوحِ مَعَ الحِفاظِ عَلى القُوَّةِ والإزْدِهَارِ والسِّيادَةِ أسَاساً للحُكْمِ. ولَو أنَّ صَدّام حسين، أيْضَاً، أقامَ سَلاماً أو عِلاقاتٍ طَيّبةٍ أو "عَلى الأقَلِّ مَبَادِئَ سَلامٍ ولَوْ أوّليَّةً" مَعَ جِيرانِهِ ثُمَّ مَعَ إسْرائيلَ التي يَسْكُنُ فِيهَا عِراقِيّونَ بابِليّونَ طَيّبُونَ مُحِبُّونَ لِبَلَدِهِم الأصْلِيِّ وأُجْبِرو ظُلْمَاً عَلى تَرْكِهِ وتَرْكِ بُيُوتِهِم وأمْلاكِهِم وجِيرانِهِم وهُم اليَوْمَ مِنْ أكْبَرِ الجّالياتِ فِي إسْرائيلَ وأكْثَرِهِم ثَقافَةً وعِلْمَاً كثَقافَةِ بابِلَ العَظيمَةِ، لَكانَ العِراقُ (فِعْلاً) بَيْتَ الحِكْمَةِ كمَا كانَ يُلَقَّبُ فِي سَابِقِ الأزْمَانِ والدُّهُورِ والتأريخِ القَدِيمِ والحَدِيثِ قَبْلَ وبَعْدَ السَبْيِ البابِلِيِّ. ولَوْ أنَّ هِتْلَرَ، مِثَالاً آخَرَ، إكْتَفَى بِحَرْبِهِ "الظّالِمَةِ" وإنْتِصَاراتِهِ "الخَاطِفَةِ" عَلى أُوروبّا وإحْتِلالِ غَرْبِهَا وشَرْقِهَا وشَمَالِهَا دُونَ أنْ يُهَاجِمَ الإتّحادَ السّوفيتِيَّ بَعْدَهَا، لَكانَ (رُبَّمَا) زَعِيماً مَجْنُونَاً مَحْبُوبَاً فِي العَديدِ مِنْ طَبَقاتِ شَعْبِهِ وبِلادِ الشَّرْقِ والغَرْبِ بالرَّغْمِ مِنْ أمْراضِهِ النَّفْسيَّةِ والعَقْليَّةِ ويَدِهِ المُلَطَّخَةِ بِدِمَاءِ الأبْرياءِ، ومِنْهُم الألْمانِ! فَقَدْ كانَتْ شَعْبِيَّةُ هِتْلَر قَدَرِيَّةً تأريخيَّةً، ولَمْ تُضَاهِيهَا شَعْبيَّةٌ مُنْذُ الإسكندرِ الأكبَرِ وسٌلَيْمَانِ القَانُونِيِّ، وكانَتْ النِّسَاءُ والفَتَيَاتُ فِي ألمانيا وأُوروبّا وأَمْريكا وبِلادٍ أُخْرَى فِي سَنَةِ 1939 وقَبْلَ الحَرْبِ، مَثَلاً، يَبْكِينَ حُبَّاً وشَوْقَاً ورَغْبَةً بِهِ خاصَةً بَعْدَ أنْ قالَ بِأَنَّهُ مُتَزَوِّجٌ مِنْ "ألمانيا العُظْمَى" وأنَّهُ لَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِسَاءِ "قَبْلَ أنْ يَتَزَوَّجَ إيفَا قَبْلَ الإنْتِحَارِ إرْضَاءً لَهَا،" كمَا هِيَ حَسْنَاءُ التِّجَارَةِ والأعْمَالِ التي أَتَتْ مِنْ أمريكا، فَقَطْ، لِتَلْمِسَ يَدَهُ، أو جَمِيلَةُ بِريطانيا التي وَقَعَتْ فِي حُبِّهِ ومَاتَتْ مِنْ أَجْلِهِ!!! وتِلْكَ الأَوْهَامُ والأَيَّامُأعُوُدُ بالأَيَّامِ إلى الأَيَّامِ... أَيَّامُهُم وأَيَّامُنَا وأَحْوَالُ العِرَاقِ والعَرَبِ، ونَرَى كيفَ يُفَكِّرُ الرِّجَالُ وتَبدو النِّساءُ كالرّجَالِ، وعَمِليّاتُ التّجْمِيلِ التي قَتَلَتْ كُلَّ طَبِيعِيٍّ وأَصِيلٍ وَزَانٍ، ونُفِخَتِ الشِّفاهُ، وقُطِعَ وقُطِّعَ الأَنْفُ وإخْتَفَتْ الأُنُوفُ، وثُقِبَتْ الخُدُودُ، وسُحِبَتْ البَشَرَةُ، وحُقِنَتِ المُؤخِّرةُ، وزُرِعَ الشَّعْرُ الغَجَرِيُّ المَجْنُونُ، ورُكِّبَتْ الأَسْنانُ، وأَشْرَقَتْ العُيُونُ بِعَدَسَاتِهَا وكُحِّلَتْ، فَتَشَابَكَتْ عَلامَاتُ الجَّمَالِ، وإحْتَارَتْ قُلُوبُ الرِّجَالِ، وتَشابَهَ الجَّمِيعُ، وبَكَتْ أغصَانُ البَانِ ومَاتَتْ، وإخْتَفَى الرَّبِيعُ!! وأصْبَحَتْ مِنْ مُعْجِزَاتِ السَّمَاءِ أَنْ يُمَيّزَ الرَّجُلُ أَو الشَابُّ حَبِيبَتَهُ أَو زَوْجَتَهُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فإِنْ جُنَّ أَو غَابَ عَن الوَعْيِ والآنَ، أَو تَذَكَّرَ أَو ذُكِّرَ أَو إلى شَيءٍ "جَمِيلٍ" قَدْ نَظَرَ، وكانَ "ولَوْ لِبُرْهَةٍ" ذَاكَ العاشِقُ الوَلْهَانُ، أَو كانَ مَعَ نَفْسِهِ وسِنِّهِ فِي تَحَدٍّ ورِهَانٍ، أَو نَسِيَ الأَمْرَ أَو سُحِرَ -- وأرَادَ سَهْوَاً أنْ يُقَبِّلَهَا "مُغْرَمَاً أَو مُكْرَهَاً" أَو أَنْ يُطارِحَهَا الغَرامَ، لإظْهَارِ الوَلاءِ والوَفاءِ وغَايَتُهُ رَاحَةُ البَالِ والسَّلامُ -- تأكَّدَ أَوَّلاً أنَّهَا زَوْجَتُهُ مِنْ عَلامَةٍ فِي الجَّسَدِ أَو تَخْمِينٍ أَو تَرْكِيزٍ أَو دِرَاسَةٍ أَو سُؤالٍ أَو "كودٍ" أَو كَلِمَاتِ سِرٍّ وأَرْقامٍ!! لا يُصَدَّقُ إنِّي أتَحَدَّثُ وأكْتُبُ عَنْ نَفْسِ الأرْضِ والجُّغرافيا والبَلَدِ وذاتِ الخَليقَةِ والبَشَرِ والإنْسانِ!! بَلْ هِيَ الأحْداثُ التي لَمْ أَشْهَدَ الكَثِيرَ مِنْهَا، إذْ لَم أَكُنْ حِينَهَا وكانَ جُلُّهَا قَبْلَ أَنْ أُولَدَ بِعُقُودٍ وسِنِين، لكِنَّهَا أَحْدَاثُ كانَتْ، ولا زَالَ خَيْرُهَا، وهُوَ قَلِيلٌ، وشَرُّهَا، وهُوَ كَثِيرٌ، تَرْسِمُ أَيَّامَ وأَحْلامَ وأَقْدَارَ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والأَزْمَانِ، وتَنْقَلِبُ هُنَا وهُنَاكَ فِي آونَةٍ وآنٍ، والحِاكِمُ فِي طَهْرَانَ، والعِمَامَةُ إذَا إنْقَلَبَتْ وكانَ مَا كانَ، إذا إنْقَلَبَتْ بِغَدْرِ الزَّمَانِ...، وهِيَ دَوَاءُ الحَقيقَةِ ومَرَارُها وحَلاوَتُهَا أُدَوِّنُهَا بِقَلَمِي قَبْلَ أنْ تَمُرَّ العُقُودُ والسِّنونَ فَأكْبُرَ وتَبْدَأَ لُعْبَةُ النِّسْيانِ! كانتِ النّساءُ قبل 2003 يَتنافَسْنَ في العِلمِ والأزياءِ والرُقيِّ والإتيكيتِ والِلياقةِ واللَبَاقَةِ والهُدُوءِ والرّقْصِ والمُوسِيقى والأُنُوثَةِ والدّلالِ والجّمَالِ، وهُدُوءُ الرِّجالِ. وأمّا اليَوْمَ، فالنِّسوةُ أو "النِّسْوانُ لا النّسَاءَ" يَلطمْنَ ويَتنافَسْنَ في اللَطْمِ والفَضَائِحِ والشَّتائِمِ والغَرَقِ فِي التُّرابِ والأوْحالِ، وصُراخُ الرِّجالِ. إذَنْ، ذَهَبَ زَمَانُ الحَضَاراتِ والعِلْمِ والرُّقِيِّ والثَّقافَةِ والشَّهاداتِ، وزَمَانُ الرُّقاةِ و "أوْلادِ الأُصُولِ" والوَزيراتِ الرّاقِياتِ، وجَاءَ زمَانُ الإغْتِيالاتِ، وأحْزابٌ بالمِئاتِ، وإمّعاتٌ لَبِسُو العِمامَةَ والعِقالَ ورَبْطَةَ العُنُقِ فأصْبَحُو شَخْصِيّاتٍ، وزُوِّرَتِ الشّهاداتُ، والعُقُودُ والسّرِقاتُ، وفَسَادُ البَرلمانيّينَ والبَرلمانيّاتِ، مِن خِرِّيجِيّ الإبْتِدائِي والإبتِدائيّاتِ، حَصَلو على الحَقائِبِ والكراسِي بالمَالِ وقوّةِ السِّلاحِ وليالِيَ السَمَرِ والرَّشاوَى والرَّشَوَاتِ، وهذا وذاكَ وَذات، وتَعْلَمونَ ما هذا وذاكَ وذات! كانَ مَا كانَ، فِي رَوْعَةِ الزَّمَانِ، كانتْ خِطاباتُ المُلُوكِ والوُزَراءِ والرُّؤسَاءِ فَخْراً في البَلاغَةِ والخَطَابَةِ والإتْقانِ، وأمّا اليَوْمَ، فَكَلِمَاتُ وخِطاباتُ الرُّؤسَاءِ والوُزَراءِ والمَسْؤولينَ فَضَائِحٌ في الفُصْحَى وأخْطاءٌ في اللّغاتِ يَخْجَل مِنْها البَشَرُ، وأصبَحَتْ مَخَارِجُ الحُرُوفِ كَ "صُراخِ" خَرُوفِ البَحْرِ، وخَرُوفُ البَحْرِ هُوَ النّادِرُ في الحَيَواناتِ المَائِيّةِ، وأنْهارَتِ اللغةُ العَرَبيّةُ، وأصْبَحَ "المَسْئُولونَ والمُتَحَدِّثونَ" يَحْتارونَ بينَ اللغةِ العَرَبيّةِ وهُمْ لَهَا جاهِلون، وبينَ اللغةِ الفارِسِيّةِ وهُمْ لَهَا عارِفون! وأصبَحَ خِطابُ المَسْؤولِ اليَوْمَ أشْبَهَ بِمَلْحَمَةِ الحُبِّ والدُّمُوعِ ولَيالِ الغَرَامِ والشّمُوعِ "الحَلَزُونة" للزَّعيمِ عادِل إمام! وأصْبَحَ الرّؤسَاءُ والوُزَراءُ والنُّوّابُ والصَّحَفِيُّونَ أو "الإعْلامِيُّونَ" يَنْصِبونَ الفاعِلَ ويَرْفَعونَ المَفْعولَ بِهِ ويَنْصِبونَ إسمَ كانَ ويَرْفَعونَ إسمَ إنّ...، وقَلَبُو الطّاوِلَةَ عَلى النَّحْوِ والبَلاغَةِ إنْ كانُو يُسَجِّلُونَ أو عَلى أو تَحْتَ الهَوَاءِ، وأصْبَحَ المُذِيعُونَ والمُحَرِّرُونَ والمُتَرْجِمُونَ والمُدَرَاءُ ورُؤَسَاءُ التَّحْريرِ وأصْحَابُ أو "مُلاَّكُ" القَنَوَاتِ، مَثَلاً، كَيْ أتَحَدَّثَ قَليلاً عَن الإعْلامِ المُنْهَارِ، لا يَسْتَطِيعُونَ إنْهاءَ مُوجَزٍ أو نَشْرَةٍ أو لِقَاءٍ أو بَرْنَامَجٍ أو مُقَابَلَةٍ أو مُدَاخَلَةٍ مَا دُونَ إرْتِكَابِ أخْطَاءٍ غَريبَةٍ وبَسِيطَةٍ لا يَقَعَ فِيهَا "خِرِّيجُو" المَرْحَلَةِ الإبْتِدائيَّةِ!! وهّذا هُوَ الحَالُ فِي أيَّامِنَا فِي القَنَواتِ العِراقِيَّةِ والعَرَبيَّةِ وخاصَةً فِي الخَليجِ العَرَبِيِّ "والذي تُعانِيَ فِيهِ اللُغَةُ العَرَبيَّةُ الفُصْحَى بِشِدَّةٍ" حَيْثُ أصْبَحَ قِيَاسُ ومِقْيَاسُ التَّوظِيفِ فِيهَا عِلاقَاتِ "الرَّجُلِ" مَعَ المُدَرَاءِ والأقْرِبَاءِ، أو جَمَالَ "المَرْأةِ" ودَلالَهَا لِيَكُونَ هَذا وذَاكَ هُوَ ال "سِي فِي" المُعْتَمَدُ!! إيهٍ وإيهٍ... أُرْقُدْ بِسَلام يا جَاحِظ! نَعَم، لا إنْكَارَ فِي أَنَّ نِسَاءَ العَرَبِ هُنَّ الأَجْمَلُ بَيْنَ النِّسَاءِ، لكِنَّ جَمَالَ الثَّقَافَةِ والأُنُوثَةِ والهُدُوءِ والقَلْبِ النَقِيِّ هُوَ الأَبْقَى. وعِندمَا كُنَّا أطْفَالاً وصِغَاراً ونَرَى ثَقَافَةَ المُذِيعينَ وجَمَالَ وثَقَافَةَ المُذِيعاتِ ونَسْألُ عَن أَسْرارِهَا كانَتْ الإجَابَةُ سَريعَةً وبَسِيطَةً وهِيَ المَوْهِبَةُ والتَّدْرِيبُ. إذَنْ، فالمَوْهِبَةُ دُونَ تَدْريبٍ لا بُنْيَانَ لَهَا، والتَّدْريبُ دُونَ مَوْهِبَةٍ لا أسَاسَ لَهُ. ورُبَّمَا غابَتْ المَوْهِبَةُ فِي أَيَّامِنَا وغابَ مَعَهَا التَّدْريبُ أيْضَاً! واللُغَةُ العَرَبيَّةُ جَمِيلَةٌ وسَاحِرَةٌ ولا تَسْتَحِقُّ العَبَثَ والجَّهْلَ الذي نَرَاهُ اليَوْمَ فِي الفَضَائِيَّاتِ وعَلى الشَّاشَاتِ، ولَيْسَ العَيْبُ أنْ يُدَرَّبَ المُذِيعُونَ بَيْنَ الحِينِ والحِينِ، بَلْ العَيْبُ أنْ تَسْتَمِرَّ أَخْطَاءُ العَرَبِ فِي بِلادِ العَرَبِ!! وأَمَّا التَّشْكيلُ وضَبْطُ الحُرُوفِ بالحَرَكاتِ "ولَيْسَ بالسَّهْلِ دائِمَاً حَسَبَ تَحْدِيثِ اللُغَاتِ السَّامِيَّةِ والتَنْصِيبِ" فَمَا هُوَ إلاّ شَيءٌ أسْتَمْتِعُ بِهِ لأنِّي أَحْبَبْتُ اللُغَةَ العَرَبيَّةَ مُنذُ الطُّفُولَةِ وأَرَدْتُهَا دائِمَاً أنْ تَكونَ مُتَقَدِّمَةً كاللُغَةِ الإنكِليزيَّةِ. وأَقُولُ دائِمَاً إِنَّ الإنْسَانَ عِبَارَةٌ عَنْ تِرْحَالٍ وأَسْفَارٍ ولُغَاتٍ. كانَ مَا كانَ... كانَ المَلِكُ والرَّئيسُ إذا زارَ البِلادَ والبُلدانَ وَقَفَ لَهُ الجَّمِيعُ وَقارَاً وإحْتِراماً وقَبْلَ ذلِكَ يأتِيَ الإعْجابُ، كمَا زَارَ المَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي، مَثَلاً، بِريطانيَا فَجَاءَتْ لِإِسْتِقْبَالِهِ المَلِكَةُ والبَلاطُ والبِلادُ والعِبَادُ لِأَنَّهُ، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، يَا سَادَة، مَلِمُ العِرَاقِ، سَيِّدُ المَقَامِ وأَرْضِ الكِتَابِ والحَضَارَاتِ والمَلَكِيَّةِ ومَا كانَ لَهَا مِنْ سِيَادَةٍ وعِزٍّ وحُبٍّ ورُقِيٍّ. وَأَمَّا اليَوْمَ فإنْ "فَكَّرَ" المَسْئُولُ بِأَنْ يَزُورَ البِلادَ والبُلدانَ "بِالأَمْرِ والنِّداءِ أَوالإسْتِدْعاءِ" فَهُوَ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ مَحْظُوظٌ يَا وَلَدي، إِنْ، كانَ بإِسْتِقبالِهِ طَبَّاخُ المَلِكِ أَو الرَّئيسِ، أَو، إِنْ كانَ أَكثَرُ حَظَّاً، مُديِرُ مَكْتَبِهِ أَو مُوَظَّفُ البَرِيدِ، ورُبَّمَا مَنْ أُحِيلَ عَلى التَّقَاعُدِ مُؤَخَّرَاً!! وأَمَّا رَئيسُ الدّوْلَةِ اليَوم ومُنْذُ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا فَهُوَ يُقَدِّمُ "الشّاي يَا سَيّدي الدّوق،" ورَئيسُ الوُزرَاءِ لا يَدخُلُ الحَمّامَ قَبْلَ أَخْذِ الإِذْنِ مِنْ قُمَّ وطَهْرانَ بَعْدَ أَنْ يُبْدِيَ ويُظْهِرَ الإِحْتِرامَ والشَّوْقَ والوَلاءَ المُطْلَقَ! هكذا هُوَ الأمْرُ عِندَما تُدَمَّرُ البُلدانُ والأوْطانُ وتَتَلاشى الحَضَاراتُ وتَضيعُ الهَيْبَةُ! ولا زَالَ "بَعْضُ" العِراقِيّين يُهلّلون، وفي البَلاءِ يَلطمون! شُعُوبُ الأرْضِ تَبنِي، والأطفالُ يَتَعَلّمون، والنَّاسُ يَبتكرون ويُعَمّرون ويَفرَحون، ويُغَنّونَ ويَرْسِمونَ ويَرقصُون ويَحتَفِلون، ثُمَّ يَرْتَقونَ ويَرْتَقونَ، وإلى الفََضاءِ يُسافِرون، لكنّ الجُهَلاءَ -- بَعْضَ العِراقِيّينَ مِن إيرانِييّ الهَوَى والإنْتِماءِ -- الشّعاراتِ والصّواريخَ يُطلِقون، ورُءُوسَ "آيَاتِ اللهِ" يُقَبّلون، وهُمْ لِكُلِّ جَميلٍ ورَاقٍ كارِهوُن، ويُهَلّلون، ويَقتُلونَ ويُهَلّلونَ ويَلطمون! هِيَ لَعْنةُ الجَّهْلِ والفَوْضَى، هُم شِيعَةُ الميلشياتِ، هُوَ حُكْمُ الغَابِ والغَابَاتِ، هِيَ العِصَابَاتُ، هِيَ الأوْهامُ والشِّعاراتُ، وإنْقِلابُ الزَّمَانِ، مِنْ هَيْبَةِ بَغدادَ والمُلُوكِ والرُّؤسَاءِ والحُكومَاتِ، اليَوْمَ والأَيَّام، إِلى لَعْنَةِ الطَّوائِفِ والمَذاهِبِ والحَوْزاتِ والعِمَامَاتِ. وعَنْ هذَا وهَذِهِ أَقُولُ... العِمَامَةُ "عِنْدِي" عِمَامَتان: عِمَامَةٌ تَدْعُو إلى التَّقْديرِ والإِحْتِرامِ كعِمَامَةِ السَّيِّدِ مُوسَى الصَّدِر الذي أَحَبَّ لُبْنَانَ والجَّميعَ وَتَمَنّى السَّلامَ للقَريبِ والبَعيدِ وكانَ إِسلامُهُ وَسَطِيٌّ وخَيْرُهُ كَثِيرٌ، لِهَذا قُتِلَ بِأَمَانٍ سُورِيَّةٍ وأَيَادٍ لِيبيَّةٍ وفَتَاوٍ خُمَيْنِيَّةٍ. وهُناكَ عِمَامَةٌ أٌخْرَى تُخْفِي تَحْتَها رُءُوسَاً مَليئَةً بالخُبْثِ والحِقْدِ والإِرْهَابِ والدَّجَلِ والنِّفاقِ، كعِمَامَةِ خامَنئِي والخُمَيْنِيّ وأَمْثَالِهِمَا، وقبْلَ ذلِكَ تُخفِي تَحْتَها العُقَدَ النَّفْسِيّةَ! فَالخُمَيْنِيُّ كَرِهَ المُخالِفِينَ والمُخْتَلِفِينَ وكُلَّ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ والهُدُوءَ والرَّخاءَ والحُريَّةَ، وغَادَرَ النَّجَفَ قائِلاً للعِراقِيّينَ ولَهَا "الوَعْدُ الوَعْدُ... أَتْرُكُ النَّجَفَ اليَوْمَ وَهِيَ عِرَاقِيّة، وأَعودُ لَهَا غَدَاً وَهِيَ فارِسيَّةٌ!" وهَكذا، هُوَ العِراقُ، بِلادٌ تَصْرُخ وتُرِيد، ومِلَلٌ وطَوائِفٌ وشِيعَةٌ لا تُحْكَمُ إلاّ بالحَدِيد، وشَعْبٌ تَعِبَ وإِشْتَكَى مِنْهُ المَلِكُ الطَيِّبُ فيصَل الأوّلُ والمَلِكُ غَازي والمَلِكُ الحَبيبُ فيصَل الثّانِي والبَاشا الحَكيمُ نُوري السَّعيدُ... وقَبْلُهُم تَعِبَ وإشْتَكى مِنْهُ إبراهيمُ والأَنبياءُ، والخُلَفَاءُ والعُلَمَاءُ والفُقَهَاءُ، وعَلِيٌّ وأَوْلادُهُ والحَجَّاجُ وهاروُنُ الرَّشيدُ، واليَهودُ والمَسيحِيّونَ والمُسْلِمونَ والوَسَطيّونَ والوُسَطَاءُ، والتَّلاميذُ والصَّحابَةُ والأَصْحَابُ والقَريبُ والبَعيدُ! إِشْتَكَى مِنَ العِرَاقِ وشِيعَتِهِ كُلُّ هَؤُلاءِ!! كُلُّهُم قَالو لِشِيعَةِ العِرَاقِ "يَا شِيعَةَ العِرَاقِ مِنْكُم قَدْ تَعِبْنَا، شِئْنَا فأَبَيْتُم ثُمَّ شِئتُم فأَبَيْنَا، وتَعِبَ مِنْكُم الرَبُّ والأَرْبابُ!" فَشِيعَةُ العِرَاقِ قَدْ أَحَبُّو "ولَوْ نِفَاقَاً" الإِمَامَ عَليٍّ ثُمَّ إنْقَلَبو عَليْهِ! نَافَقُو إبْنَهُ الحُسَيْنَ ثُمَّ أنْقَلَبو عَليْه! وبَعْدَ عُقُودٍ ودُهُورٍ هَلّلو لِنُوري السَّعيدِ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد شَدَّة وَرِد، وصَالِح جَبُر رَيْحانَه" ثُمَّ - وبَعْدَ أَرْبَعٍ وعِشْرينَ سَاعَةٍ - إنقَلبُو عَلى نُوري السَّعيدِ وشَتَمُوهُ وهُم يُغَنُّونَ "نُوري السَّعيد القُنْدَرَة، وصَالِح جَبُر قِيطانَه!!" وَهَلّلو لِلمُلُوكِ والرُّؤَسَاءِ ثُمَّ إنقَلَبو عَليهِم! والعَرَبُ المُسْلِمونَ عُمُومَاً نَافَقُو وأَحَبُّو الفِتَنَ هُنَا وهُنَاكَ فِي مِصْرَ والشَّامَ ولُبْنانَ والجَّزائِرَ وغَيْرِها، وأَقوُلُ العَرَبُ "المُتَعَصِّبُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ" لأَنَّ التأريخَ حَكَى لَنَا وأخْبَرَنَا وشَهِدَ "نَادِرَاً" أَنَّ الآشُورِيِّينَ "أَيْ السُّكَّانَ الأَصْلِيِّينَ" واليَهودَ والصَّابِئَةَ وآخرِينَ مِمَّنْ شَهِدَ التأرِيخُ بِسَلامِهِم فِي أَرْضِ السَّلامِ لَمْ تُخْلَقَ فِي عُقُولِهِم الفَوْضَى العَمْيَاءَ ولَمْ يُخْلَقَ الغَدْرُ والكَذِبُ والحِقْدُ والخُبْثُ والنِّفاقُ فِي قُلُوبِهِم أَو عُقُولِهِم أَو "مُرَكَّبَاتِهِم مِنَ الحَامِضِ أَو الحَمضِ النَّوويّ" مِثْلَ الكَثِيرِ "ولَيْسَ الكُلُّ" مِنَ العَرَبِ، وهُنَا أتَحَدَّثُ عَنْ سَاسَةِ الدِّينِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ وعِبَادَةِ البَشَرِ، ولَيْسَ كُلُّ البَشَرِ. وهَذا تأريخٌ وهِيَ أَحْداثٌ، وأَنَا هُنَا أتَحَدَّثُ عَن بِلادِ العَرَبِ ولا أَخُوضَ فِي بِلادِ الغَرْبِ وفَسَادِ بَابواتِ الفاتيكانِ وجَمْعِ الأَمْوَالِ وبَيْعِ صُكُوكِ الغُفْرَانِ للنِّعْمَةِ والبِرِّ والخَلاصِ مِنَ الذُّنُوبِ أَو النِّفَاقِ أَو إِرْسَالِ الجُّيوشِ الصَّليبيَّةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ بِحِجَّةِ حِمَايَةِ الكَنائِسِ والأَرْضِ والتُّراثِ والإِيمَانِ! وأنا هُنا لا أنْوِيَ أَو أَتَعَمَّدُ الإِهانَةَ والتَّجْرِيحَ الأَعْمَى، بَلْ أُحَلِّلُ التأريخَ والأَحْداثَ تَحْتَ مِجْهَرِ العُلُومِ السِّياسِيَّةِ وعِلْمِ الإجْتِماعِ الثَقَافِيِّ واللاهُوتِ والأَدَبِ والدِّينِ المُقارَنِ، وهِيَ لِي إخْتِصَاصٌ وتَعْرِيفٌ ودِرَاسَةٌ. واليَوْم فِي العِراقِ قَدْ تَجَمَّعَ السُّرّاقُ والذُّبَابُ، وعَلى مِصْرَاعَيْهِ قَدْ فُتِحَ البَابُ! وهُنَا أَقولُ... عِندَما أَضَعُ البُلدانَ والأوْطانَ تَحْتَ مِجْهَرِ التأريخِ والأيّامِ فإنِّي أرَى بِوُضوحٍ تامٍّ بأنّ "مُعْظَمَ وجُلَّ" الخَرَابِ والدَّمَارِ والجّهْلِ والتَخَلُّفِ والفِتَنِ والحُرُوبِ وأكْثَرِ الظَّلامِ وجُلِّهِ كانَ مِن "شِيعَةِ" العَرَبِ وال "الشّيعَةِ" مِنَ المُسْلِمين! فإنْ نَظَرْنا، مَثَلاً، إلى المَغْرِبِ العَرَبِيِّ أو مِصْرِ المَحْروسَةِ -- والمَحْروسَةُ لَقَبٌ لَهَا لأنَّ اللهَ وَضَعَها فِي مَكانَةٍ خاصّةٍ فَكُتِبَ عَليْها ولَها الأمْنُ والأمَانُ -- وأيْضَاً إنْ نَظَرْنا إلى دُوَلِ الخَليجِ العَرَبِيِّ فنَحْنُ نَرى بِوُضُوحٍ تامٍّ وإعْتِماداً على السِّنينِ ومُجْرياتِ الأمُورِ وسِجِلاّتِ التأريخِ بأنَّ وَسَطيّةَ الإسْلامِ وإعْتِدالِهِ قَدْ نَجَحَتْ فِي بِناءِ أوْطانٍ ومُجْتَمَعاتٍ عَرَبيّةٍ مُستَقِرّةٍ وآمِنة أو، على الأقَلِّ، أفْضَلُ مِن غيْرِها بِكَثِيرٍ. إذَن، فإنَّ الحُكّامَ مِنَ المَسيحيّينَ أو اليَهودِ أو المُسلِمينَ مِن أهْلِ الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ أو العَلْمانيّةِ والفَّصْلِ بَيْنَ الدِّينِ والسِّياسَةِ قَد نَجَحُو فِي خَلْقِ وتأسِيسِ مُجْتَمَعاتٍ تَفَخَرُ بِنَفْسِها وأوْطانِها وتَعيشَ بِسَلامٍ وَرَخاءٍ وإسْتِقْرارٍ. وهذا لِلأسَفِ على عَكْسِ الشِّيعَةِ أو الإخْوانِ المُسلِمينَ أو الراديكاليّينَ أو السَّلَفيّينَ أو حَتّى القَوْمِيّينَ الذينَ حَكَمُو بِإسْمِ الشِّعَارَاتِ والأوْهامِ والأكاذِيبِ والدِّينِ فَشَوَّهُو أدْيَانَهُم ومَذَاهِبَهُم ومُجْتَمَعَاتِهِم وسِيَاسَاتِهِم وأدْخَلو بُلْدانَهُم والآخَرينَ فِي ظُلُمَاتِ الفَقْرِ والبُؤْسِ والجَّهْلِ والعُنْفِ والحُرُوُبِ والخَرَابِ، مِثْلَ إيرانَ بَعْدَ ثَوْرَتِها المَشْؤومَةِ أو اليَمَنِ أو سُوريَة أو لُبْنانَ، كذَلِكَ العِراقَ بَعْدَ سُقوطِ المَلَكيّةِ الرّاقيَةِ أو رُبَّمَا، كَيْ أبْقَى مُتَفائِلاً، بَعْدَ سُقوطِ نِظامِ صَدّام حسين الذي كانَ عَلْمَانيَّاً صَحِيحَاً فِي بِدَايَاتِهِ، والقاسِمُ المُشْتَرَكُ فِي "مُعْظَمِ" الدَّمَارِ هُوَ جَهْلُ ونِفَاقُ الشِّيعَةِ وحُبُّهُم للخَرَابِ والفِتَنِ، أو السَّيْطَرةُ المُباشَرَةُ أو غَيْرُ المُباشَرَةِ لِمَلاليَ إيرانَ على تِلْكَ المُجْتَمَعاتِ بِحُكومَاتِها الضَّعيفَةِ ومُجْتَمَعاتِهِا الهَشَّة، ولا نَنْسَى عامِلَ الجُّغرافيا وهُوَ لُعْبَةُ الخَلْقِ والخَليقَةِ ولَعْنَةُ الأقْدار! وكَيْ أَكونَ مُنصِفَاً مَعَ نَفْسِي وقَلَمِي فَعَلَيَّ أَنْ أَقُولَ بَأنَّ الشّيعَةَ وَحْدَهُم لَيْسُو فِي دائِرَةِ الجَّهْلِ والنِّفَاقِ، بَلْ أَيُّ إِنسَانٍ مُتَعَصِّبٍ لِدينِهِ أَو مَذهَبِهِ أَو مِلَّتِهِ أَو مُجتَمَعِهِ أَو خِيارَاتِهِ فِي الحَيَاةِ، فَيَكُونَ بِهَذا فَريسَةً لآفَةِ الجَّهْلِ والدُّخولِ فِي نَفَقِ الظُّلُمَاتِ مَهِْمَا كانَ دينُهُ أَو مَذهَبُهُ أَو إِيمانُهُ أَو حَتّى قَوْمِيَّتُهُ سَواءٌ كانَ مَسيحيَّ الإِيمانِ أَو يَهودِيَّ الدِّينِ أَو مُسْلِمَ العَقيدَةِ أَو قَوْمِيَّ الكُرْدِيَّةِ أَو مِن أَيِّ دِيانَةٍ سَماوِيَّةٍ أو أَرْضِيَّةٍ أُخْرَى. مِثالٌ على ذلِكَ الإيمانُ والإرْهابُ، فالمُسْلِمُ السُّنِيُّ أو الشّيعِيُّ قد يَتَحَوَّلُ إلى قاتِلٍ وإرهابِيٍّ إذا إبْتَعَدَ عَن الإعْتِدالِ والوَسَطيّةِ وفَتَحَ بابَ عَقْلِهِ وقَلْبِهِ للجَّهْلِ وظُلُماتِ المَاضِي الذي كُتِبَ بأيَادٍ مَريضَةٍ، كالجَّماعاتِ والتّنْظيماتِ المُسَلَّحَةِ مِثْلِ القاعِدة وداعِش وحَمَاسٍ والإخْوانِ والحَرَسِ الثَّوْرِيِّ والمِيلشياتِ الشِّيعيَّةِ وغَيْرِها، وشَهِدْنا ماذا فَعَلُو بالعِراقِ وسُوريَة مِن قَتْلٍ ودَمَارٍ بَعْدَ أنْ أعْطاهُم العَمِيلُ الإيرانِيُّ المَالِكيّ مِفْتاحَ الموصِلِ كَيْ تَصْدُرَ الفَتَاوَى هُنَا وهُنَاكَ وتَدخُلَ إيرانُ، ثُمَّ تُؤَسَّسُ المِيلشياتُ بِحِجَّةِ التَّحْريرِ فِي لُعْبَةٍ لا يَقْدِرَ على تَنْفيذِها إلاّ الشَّيْطانُ، وهُوَ سَاكِنٌ فِي عُقُولِ الجُّهَلاءِ والعُمَلاءِ! مِنْ ناحِيَةٍ أُخْرى، نَرَى كَيْفَ تَحَوّلَتِ السّعوديّةُ، مَثَلاً، مِن سِجْنٍ كَبيرٍ ودَوْلَةٍ مُخيفَةٍ يَحْكُمُها سَابِقَاً النِّفَاقُ والخَوْفُ والأمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ "حَسَبَ إعْتِقادِهِم" إلى دَولَةٍ جَميلَةٍ ومُتَطَوِّرَةٍ ومَحْبُوبَةٍ فِي أيَّامِنَا بِمُجَرَّدِ تَخَلِّيها عَنِ الوَهابيّةِ والتَعَصُّبِ والإنْغِلاقِ والعَمَالَةِ وجَهْلِ العُقولِ. وهَكذا، الدِّينُ والمَذْهَبُ والعُنْصُريَّةُ والقَومِيَّةُ يُمْكِنُ أن تَكونَ سُمُومَاً قاتِلَةً للمُجْتَمَعاتِ إنْ حَلَّ الجَّهْلُ فِيهَا، وهُوَ السُّمُّ القاتِلُ. وهذا فَصْلٌ مِنَ المُفِيدِ والمَنْطِقِ فيهِ أنْ أتَحَدّثَ بِكَلِماتٍ عَن مأسَاةِ ومَآسِ "الفَرْهُود،" والتي حَدَثَتْ فِي العِراقِ فِي سَنَةِ 1941 بَعْدَ فَشَلِ المُحاوَلَةِ الانْقِلابيّةِ التي قامَ بِها رَشيد عالِي الكيْلاني وعَساكِرٌ آخَرونَ للإطاحَةِ بالمَلَكيّةِ الدّستوريّةِ بِإسْنادٍ وتَخْطِيطٍ مِن هِتْلَر والإسْتِخْباراتِ الألمانيّةِ للرّايخِ الثالِث. فَبَعْدَ أنْ عاشَ العِراقيّونَ بِسلامٍ وَرَخاءٍ مُنْذُ عامِ 1921 وبِناءِ الدّوْلَةِ بِأطْيافِها وألْوانِها والعِلاقَةِ بَيْنَ العِراقِ وبريطانيا والتي كانَ أساسُها المَصالِحَ المُشْتَرَكَةَ والرّخاءَ للشَّعْبينِ، وبَعْدَ صُعُودِ هِتْلَر والنّازِيّةِ وبَدْءِ فُصُولِ غَسْلِ العُقُولِ والقُلُوبِ سَواءٌ بِخطاباتِ هِتْلر المَسْرَحيّةِ التي كانَ يُلَخِّصُها يُونِس بَحْري مِن إذاعةِ بَرْلينَ الدّوليّةِ والمُنافِسَةِ لل بي بي سي البريطانيّةِ قَبْلَ وخِلالِ الحَرْبِ العالَميّةِ الثّانيةِ، حَصَلَ إتّفاقٌ بيْنَ هِتلر ورشيد عالي الكيلاني فِي لِقاءٍ حَميمٍ فِي بَرلينَ إلتَقى فيهِ هِتلر مَعَ رشيد الكيلاني أوّلاً ثُمّ لاحِقاً مع أمين الحُسيني مُفتِي القُدْسِ وكلاهُما، أيْ الكيلاني والحُسيني، مِن الكارِهِينَ لِبريطانيا والعاشِقينَ لِهِتلر وخِطاباتِهِ النّاريّةِ والتّحَرّريّة! أمّا هِتلر فَلَمْ يَكُنْ فِي غايَتِهِ إلاّ السّيطَرةَ على حُقولِ النِّفْطِ والآبارِ خاصّةً فِي الشّمالِ كما كُتِبَ ودُوِّنَ فِي العُقودِ الأوّليّةِ "المسْوَدّةِ" التي وُضِعَتْ فِي الدُّرْجِ وكانَتْ لِتُوَقَّعَ بَعدَ نَجاحِ إنْفِلابِ الكيلاني ودُخولِ القُوّاتِ الألمانيّةِ مِن شَمالِ العِراقِ. وَحَصَلَ الكيلاني مِن "زَعيمِهِ" هِتلَر على دَعْمٍ مالِيٍّ كبيرٍ "هَديّةٍ ضَخْمَةٍ" وبَعْدَ أشْهُرٍ قَليلةٍ، حَصَلَ الحُسَيْنِي على مِثْلِها مِن أجْلِ "تَحْريرِ فِلِسطينَ والقُدْسِ" مِنَ البِريطانيّينَ واليَهُود!! عُموماً، هِيَ الأقْدارُ وهُوَ النِّفاقُ وهِيَ العُقُولُ! ثُمَّ فَشِلَ إنقِلابُ الكيلاني لِصمودِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ وقُوّتِهِ وقُوّةِ الجَّيْشِ البِريطانِيِّ الي سانَدَهُ ودارَتْ مَعارِكَ هُنا وهُناكَ و "إللي هَرَب هَرَب وإللي ضَرَب ضَرَب" وأسْتَقَرَّ الأمْرُ لِلوَصِيِّ عبد الإله الذي كانَ وَصِيّاً على العَرْشِ لِصِغَرِ سِنِّ الأميرِ فيصَل الثّانِي -- الذي أصْبَحَ فيما بَعْدُ مَلِكاً حَبيباً للعِراقِ فِي سَنةِ 1953 لِيَسْكُنَ قُلُوبَ الصِّغارِ والكِبارِ سَوَاءٍ مِن مُعاصِريهِ أو الأجْيالِ اللاحِقَةِ ومَنْ وُلِدو بَعْدَ سِنينٍ وعُقودٍ، وأنا مِنْهُم. وهَرَبَ الكيلاني إلى إيرانَ ومِصْر ولُبْنانَ يَتَنَقَّل ويَتَسَوَّل ويَتَوَسَّل هُنا وهُناكَ، وطَبْعاً إلتقى بَعْدَ سَنَواتٍ بِعَبدِ النّاصِرِ لأنَّ الحَشَراتِ تُحِبّ أمْثالَهَا، وقُبِضَ على المتُآمِرينَ وأُعْدِمَ المُنَفِّذونَ مِنَ القادَةِ والضُبّاطِ، وكانَ إعْدامُهُم هُوَ نَواةُ الإنْتِقامِ مِنَ الوَصِيِّ عبد الإلهِ والتَّنْكيلِ بِجُثَّتِهِ عِنْدَ إنْهيارِ المَلَكيْةِ فِي الإنْقِلابِ المَشْؤومِ فِي سَنَةِ 1958 مَعَ أنْهارِ الدِّماءِ والدُّمُوعِ التي سالَتْ حِينَها، وبَعْدَها، وإلى اليَوْمِ! وفِي حُزيرانَ مِن سَنَةِ 1941 وبَعْدَ فَشَلِ حَرَكَةِ الكيلاني فِي أيّارَ، بَدَءَ الغَوْغاءُ والرُّعاةُ والإرْهابِيّونَ وعاشِقو هِتلر مِنْ جُهَلاءِ ونَازِيِّي العِرَاقِ أعْمالَ قَتْلٍ وإغْتِصابٍ ونَهْبٍ وتَخْريبٍ ضِدَّ الأبْرياءِ مِن اليَهودِ مِن نساءٍ ورِجالٍ وأطفالٍ وعائِلاتٍ مِن أبْناءِ العِراقِ إنتِقاماً لِما حَدَثَ ورَدَّةَ فِعْلٍ لِفَشَلِ الإنْقِلابِ النّازِيِّ، والذي لَوْ كُتِبَ لَهُ النَّجاحُ لَكَانَ كارِثةً سِياسيّةً وإجْتِماعِيّةً تَسْتَمِرّ لِسَنَواتٍ. وكانَ المُسْلِمونَ أَو "بَعْضُ" المُسْلِمينَ مِنَ القَتَلَةِ والمُجْرِمِينَ يَجولُونَ الشّوارِعَ حامِلِينَ السّكاكينَ والسّيوفَ والسَّواطيرَ وهُمْ يَهْتِفُونَ بِقَتْلِ اليَهودِ الذينَ عاشو مَعَهُم لِسِنينَ... يأكلونَ سَويّةً ويَفْرَحونَ ويَحْزَنونَ ويَعْمَلُونَ ويُعَمِّرُونَ ويَرْقُصونَ لأفْراحِ وأعْيادِ الوَطَنِ "الواحِدِ" يَداً بِيَدٍ!!! هُوَذا النِّفاقُ والشِّقاقُ الذي تَحَدَّثْتُ عَنْهُ!! وقُتِلَ يَهُودٌ بالعَشَراتِ وجَاوَزَ المِئَةَ وأَكْثَرَ بِكَثِيرٍ، وجُرِحَ المِئاتُ مِنَ الكِبَارِ والصِّغَارِ، ولَمْ يَسْلَمَ لا صَغِيرٌ ولا كَبِيرٌ، وتَمَّ نَهْبُ المِئاتِ مِنَ البُيوتِ والمَحَلاّتِ والدَّكاكينِ. وصُدِمَ الجَّميعُ وخاصّةً المَسيحيّونَ واليَهودُ مِنَ الزَّمَانِ والأقْدارِ ودَوَرانِ الأَيَّامِ ونُفوسِ البَشَرِ وكَيْفَ يَنْقَلِبُونَ ويَتَغَيَّرُونَ!! وهُنا جاءَتْ كَلِمَةُ "فَرْهُود" وهُوَ مُصْطَلَحٌ مَحَلِّيٌّ يُسْتَخْدَمُ فِي العِراقِ وبَعْضِ البِلادِ والمُجْتَمَعاتِ العَرَبيّةِ ويَعْنِي السَّرِقَةُ والنَّهْبُ والسَّلْبُ خاصّةً بإسْتِخْدامِ القُوّةِ أوالإرْهابِ أو الخِلْسَةِ أو الحِيلَةِ بِجَهْلِ وقِلّةِ أخْلاقِ السّارِقِ، مَعَ ضَعْفِ وطِيبَةِ الضَحِيَّةِ أو المَسْروُقِ الذي يَعْجَزُ عَنْ الدِّفاعِ عَنْ نَفْسِهِ بِسَبَبِ الضَّعْفِ أو الأَخْلاقِ أو الطِّيبَةِ أو قِلّةِ الحِيلَةِ أو الصَّدْمَةِ أو حُبِّهِ لِوَطَنِهِ أو مَحَبَّةِ السَّلامِ. ويُطْلَقُ على مأْساةِ الفَرْهودِ اليَوْمَ بالهولوكوستِ العِراقِيِّ أو مَآسِيَ يَهُودِ العِرَاقِ، وهُوَ وهِيَ فِعْلاً كذلِك. وأُضِيفُ بأنَّ أعْمَالَ العُنْفِ والقَتْلِ والنَهْبِ والتَّهْجيرِ بِحَقِّ اليَهودِ لَمْ تَحْدُثَ فقط فِي العِراقِ بَلْ وأيْضاً فِي العَديدِ مِنَ الدُّوَلِ العَرَبيّةِ كمِصْرِ والجَّزائِرِ قَبْلَ وأثْناءَ وبَعْدَ الحَرْبِ العالَميّةِ الثّانيةِ. وبَعْدَ إنْتِهاءِ أعْمالِ العُنْفِ والغَوْغائيّةِ وإسْتِتْبابِ النِّظامِ فِي الشّوارِعِ والأزِقَّةِ ومُساعَدَةِ العُقَلاءِ والمُثَقّفينَ والشُّرَفاءِ مِنَ المُسْلِمينَ والمَسيحيّينَ "العِراقيّينَ" لِأخْوانِهِم مِنَ اليَهودِ "العِراقيّينَ،" إنْتَهى الأمرُ وعادَتِ المَحَبَّةُ وعادَ الوِئامُ لِيَكونَا الأساسُ فِي نَسيجٍ إجْتِماعِيٍّ يُحْسَدُ العِراقُ على ألْوانِهِ وجَمَالِهِ. وعاشَ الجّميعُ فِي سَلامٍ وإِزْدِهارٍ خاصَةً وأَنَّ اليَهودَ العِراقِيّينَ أَصَرّو أَنْ يَبْقو فِي بِلادِهِم وأَرْضِهِم التي وُلِدُو فِيهَا وأَحَبُّوهَا وأَسَّسُو بُنيانَهَا وجَمَالَهَا بالسَّهَرِ والحُبِّ والإِبْدَاعِ والأَفْكَارِ والمَشَارِيعِ الصُّغْرَى والكُبْرَى، ولَمْ يُهاجِرُو إلى إِسرائِيلَ رَغْمَ التَّرْهيبِ مِنْ جِهَةٍ والتَّرْغِيبِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى. وكانَتْ تِلْكَ الفَتْرَةُ وحَتّى حَرْبِ 1948 فَتْرَةً جَميلَةً تَدْمَعُ عُيُونُ العِراقِيّينَ كُلَّما تَذَكّرُوهَا. لكِنَّ الأَمْرَ تَغَيّرَ بَعْدَ حَرْبِ 1948 والصِّرَاعَاتُ العَرَبِيَّةُ-الفِلِسْطِينيَّةُ-الإِسْرَائِيليَّةُ "الأَبَدِيَّةُ" أَو كمَا تُسَمَّى "إِعْلامِيَّاً وتِجَارِيَّاً" حَرْبُ "القَضِيَّةِ" التي "تاجَرَ" فِيهَا وبِهَا أَصْحَابُهَا "الفِلِسْطينِيُّونَ" قَبْلَ غَيْرِهِم، وبَاعُوهَا لِيُصْبِحُو وأَوْلادُهُم مِنْ أَصْحَابِ المَلايِينِ والشَّرِكَاتِ "واقِعِيَّاً" ومِنْ أَصْحَابِ الشِّعَارَاتِ "إِعْلامِيَّاً" هُنَا وهُنَاكَ!! فَأَصْبَحَتْ "صُدَاعَاً" وكابُوسَاً فِي لَيَالِ العِرَاقِيّينَ والعَرَبِ والغَرْبِ!! وتَمَّ التّآمُرُ عَلى يَهودِ العِراقِ وتَهْديدِهِم بِتَلْفِيقِ التُّهَمِ، وهُمْ لا ذَنْبَ لَهُم سِوى أنّهُم يَهودٌ عِرَاقِيُّونَ مُسَالِمُونَ يُحِبُّونَ العِرَاقَ وهُوَ لَهُم أَرْضٌ وحُبٌّ وذِكْرَيَاتٌ وحَيَاةٌ وبَلَدٌ أُمٌّ. وهاجَرَ البَعْضُ مِنْ هُنَا وهُنَاكَ قَسْرَاً وظُلْمَاً وتَهْرِيبَاً وعَذَاباً عَن طَرِيقِ الشَّمَالِ أَو شَرْقَاً وجَنُوبَاً عَن طَرِيقِ إيرانَ، وبَقِيَ جُلُّهُم رَغْمَ المُؤامَراتِ والتّهْديداتِ والإتّهاماتِ بالعَمالَةِ تارَةً والتَّجَسُّسِ تارَةً أُخْرى، وعُلِّقَ الكَثِيرُ بِالمَشانِقِ وكانَتْ الإعْداماتُ وصَفَّقَ لَهَا الغَوْغَاءُ مِنْ "بَعْضِ" العَرَبِ. والسَّماءُ تُراقِبُ والمَلائِكةُ تَنظُرُ وتَرْقَبُ الجَّوْرَ والظُّلْمَ، وكانَ بُكاءُ الأبْرِياءُ يُسْمَعُ مِنَ الرَّبِّ، وجُرِّدَ العَديدُ مِنَ اليَهودِ مِنَ الجِنْسيّةِ العِراقيّةِ، وعَلى ذلِكَ تَمَّ "إرْغامُ" الحُكومَةِ العِراقيّةِ. وهاجَرَ أكْثَرُ وأكْثَرُ لِلخَلاصِ، مِنْهُم مَنْ باعَ أمْلاكَهُ ومِنْهُم مَنْ تَرَكَ كُلَّ شَيءٍ وسَالَتْ دُمُوعُ الأَطْفَالِ النَقِيَّةُ. وعِنْدمَا جَلَسَ المَلِكُ الحَبيبُ فيصَل الثّاني عَلى عَرْشِهِ والوَقْتُ فِي عامِ 1953 قَدْ حَانَ، أقْسَمَ بأنْ يَبنِيَ عِراقاً جَديداً يَعيشَ فِيهِ الجَّميعُ سَويّةً بِرَخاءٍ ونَعيمٍ وأمَانٍ، وقالَها مِرَاراً لِعائِلتِهِ وخَطيبَتِهِ ومُربيّتِهِ وصَديقَتِهِ وشَعْبِهِ ومَنْ وَثِقَ فِيهِم وأحَبَّهُم مِنْ عَشيرَتِهِ مِنَ الهاشِميّينَ وأبنِ عَمِّهِ الحُسَيْنِ والجّيرانِ. لكِنَّ العِراقِيّينَ لَمْ يَشْكرُو السّماءَ عَلى هَذا المَلِكِ الصّالِحِ وهَذهِ النِّعْمَةِ وهَذا العَطَاءِ! وقَتَلوُهُ!! وهُنَا أقُولُ، أنَا مُؤمِنٌ بأَنَّ الحُكوماتِ تُرِبِّيَ شُعوبَهَا كمَا يُرَبِّيَ الآبَاءُ الأبْناءَ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. مَثلاً، كانَ العِراقِيّونَ والعَرَبُ فِي سَنَوَاتِ المَلَكِيّةِ والمَلَكيّاتِ وقَبْلَ غَسْلِ عُقُولِهِم بالجَّهْلِ والنّازيّةِ والنّاصِريّةِ وكُلِّ هَذهِ الأوْهامِ يَتَمَتّعونَ بالرُقِيِّ والثّقافَةِ والهُدُوءِ وحُبِّ القِراءَةِ والدِّراسَةِ والإطِّلاعِ والسَّفَرِ والبِنَاءِ وكُلِّ جَديدٍ ومُمْتِعٍ لِتَكونَ للحَياةِ ألوانٌ ويَكونَ للأيّامِ مَعْنى، لأنَّ المُلوكَ والأمَراءَ والأميراتِ كانو هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا، وكانَ للمَلِكِ الحَبيبِ فيصَل الثّاني، مَثَلاً، حُلماً وأحْلاماً فِي أنْ يَجْعَلَ العِراقَ أشْبَهَ بالمَمْلَكةِ المُتَّحِدةِ وأنْ تَكونَ بَغدادُ لَنْدَنَ الشَّرْقِ، وكان يُخَطِّطُ لِهذا كَما كانَ وهُوَ فِي أرشيفِ العِراقِ الذي أَحْرَقَ وزَوَّرَ وشَوَّهَ الكَثيرَ مِنْهُ المَعْتُوهُ عَبد الكريم قاسِم، لكِنَّ الأصْلَ مِنَ الوَثَائِقِ فِي أرشيفِ لَندَنَ وبَرلينَ. وبَعْدَ إنْقِلابِ مِصْر فِي سَنَةِ 1952 وخَرابِ المَحْروسَةِ وبَدْءِ عبدِ النّاصِر فِي بَثِّ السُّمومِ والأكاذِيبِ بِخِطاباتٍ وأوْهامٍ وعَنْتَريّاتٍ فارِغَةٍ وبَعْدَ "عَويلِ" و "صُراخِ" و "أكاذيبِ" صَوْتِ العَرَبِ التي دَخَلَتِ البُيوتَ وشَوّهَتِ الآذانَ والعُقُولَ والقُلُوبَ العَرَبيّةَ، مُدَّ بِسَاطُ الدَّمِ الأحْمَرِ لِتَسيرَ علَيْهِ شَيَاطينُ الحُرُوبِ والإنْقِلاباتِ النّاصِريّةِ مِن مَكانٍ لآخرَ وبِلادٍ لِأُخْرى ومِنْها العِراق، فَكانَ الإنقِلابُ المَشْؤومُ وحُكْمُ العَسْكَرِ، وأصبَحَ العِراقيِونَ والعَرَبُ أكْثَرَ عُنْفاً وسَريعِي الغَضَبِ ويَكْذِبونَ ويَسْرِقونَ ويَتَحايَلونَ على أنْفُسِهِم وغَيْرِهِم ولا يَثِقُونَ بِبَعْضِهِم البَعْضِ ويُنافِقونَ فِي حَيَاتِهِمُ اليَوْميّةِ لأنَّ الحُكّامَ بَعْدَ الإنْقِلاباتِ هُمْ هكذا، والشُّعوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وفِي السَبعينيَّاتِ عَادَ العِراقِيُّونَ لِيَكونُو أَكثَرَ إنْفِتاحاً وثَقافَةً وعِلْمَاً وحُبَّاً لِلحَياةِ والإزْدِهارِ لأَنَّ الحُكَّامَ حينَهَا، رَغْمَ الإِعْداماتِ والحَدِيدِ والنَّارِ، أَحَبُّو الِإنْفِتاحَ والرَّخَاءَ والتَّمَتُّعَ بالحَيَاةِ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكّامَهَا، ولا نَنْسَى، بأَنَّ فِي كُلِّ هَذهِ الأَزْمَانِ وحَتّى عامِ 1979 كانَ الشَّرْقُ والعَرَبُ فِي شَيءٍ مِنَ الإِنْفِتاحِ والإِزْدِهَارِ والرَّخَاءِ وجَمَالِ الحَيَاةِ -- فِي شَرْقِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَلالِي إيرانَ فِي قُوَّتِهِم رَغْمَ المُحاوَلاتِ -- ومَلالي إيرانَ، فِي كُلِّ الأَزْمانِ، أرَادُو ويُريدونَ خَفْضَ تِعْدادِ العَرَبِ إلى النِّصْفِ بالقَتْلِ والفِتَنِ والحُرُوبِ الأهْليّةِ، وزِيادَةَ تِعْدادِ الفُرْسِ إلى الضِّعْفِ بِغَزْوِ البِلادِ سِياسيّاً وثَقافيّاً وأخْلاقِيَّاً وإجْتِماعيّاً وعَسْكَريّاً وإقْتِصَادِيَّاً. وأرَادَ المَلالِي خَلْقَ أجْيَالٍ عَرَبِيَّةٍ أخْرَى لا تُشْبِهَ بَعْضَهَا أو حَضَارَاتِهَا ولا أخْلاقَ أو رُقِيَّ فِيهَا، ولِلأَسَفِ نَجَحُو بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي ذلِك، فَأصْبَحَ هُنَاكَ جِيلٌ عِراقِيٌّ وعَرَبِيٌّ عاشِقٌ للفِتَنِ والحُرُوبِ والغَوْغائِيَّةِ والهَمَجِيَّةِ فِي الحَدِيثِ والتَّفْكيرِ والعَمَلِ بَلْ والعاداتِ اليَوْمِيَّةِ وشَكْلِ الحَيَاةِ وأشْكالِهَا! وأنَا هُنَا لا أتَحَدَّثَ عَن العِراقِيّينَ والعَرَبِ فِي العِراقِ وبِلادِ العَرَبِ بَعْدَ إنْهِيارِ المَلَكيَّاتِ وعُصُورِ الرُّقْيِ وما تَلاهَا مِنْ إنْقِلابَاتٍ وفِتَنٍ وحُرُوبٍ وتَشْوِيهٍ للأجْيَالِ وثَوْرَاتٍ دَمَويَّةٍ وتَدْمِيريَّةٍ إتَّخَذَتْ الرَّبيعَ إسْمَاً لَهَا فَحَسْب، بَلْ أيْضَاً "بَعْضِ أو جُلِّ" أُولئِكَ مِنَ العِراقِيّينَ والعَرَبِ الذينَ يَعِيشُونَ اليَوْمَ فِي أوروبّا وأمْريكا وقارَاتٍ أُخْرَى - ومِنْهُم مَشَاهِيرٌ لَهُم المِئَاتُ مِنَ المُتَابِعِينَ الذينَ يُشْبِهُونَهُم - ويَظْهَرُونَ عَلى صَفَحاتِهِم بَِشَكْلٍ آخَرَ وأخْلاقٍ مُغايِرَةٍ للواقِعِ، ومَا يَقُومُونَ بِهِ عَلَنَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ مِنْ عَاداتٍ يَوْمِيَّةٍ أو حَدِيثٍ بِصَوْتٍ عالٍ وهَمَجِيٍّ وسُوقِيٍّ فِي الشّوارِعِ أو مَعَ الجِّيرانِ أو المُوَظَّفِينَ أو العِيَاداتِ والمُؤسَّسَاتِ أو البَّصْقِ فِي الطُّرُقَاتِ أو التَحَرُّشِ مَعَ أيِّ "مَخْلُوقَةٍ" شَقْرَاءَ وإنْ كانَتْ طِفْلٌَةً أو مُراهِقَةً فِي طَرِيقِهَا إلى البَيْتِ أو المَدْرَسَةِ!! وأيْضّاً ما يَكونُ مِنْهُم مِنْ هَمَجِيَّةٍ وإنْحِطاطٍ إنْسانِيٍّ أو حَتّى بَشَرِيٍّ فِي التَّجَمُّعاتِ والسّينَماتِ والحَفَلاتِ! فَهَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الأرْضِ والأوْطَانِ والأمَانِ والجِّنْسِ والحُبِّ؟ لا، بَلْ هُوَ الحِرْمَانُ مِنَ الرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ! والنَّاسُ أو حُكُوماتُ الغَرْبِ لا يَتَحَدَّثُونَ عَن الفَرْدِ والأفْرادِ، ولا يَقُولونَ "عِراقِيٌّ أو عَرَبِيٌّ فَعَلَ هَذا أو ذاكَ" بَلْ يَجْمَعُونَ ويُعَمِّمُونَ ويَقُولوُنَ "العِراقِيّونَ والعَرَبُ فَعَلُو ويَفْعَلُونَ هَذا وذاكَ!!" إذَنْ، الشُّعُوبُ تُشْبِهُ أوْطانَهَا وحُكومَاتِهَا، فإنْ أرَدْتَ أنْ تَعْرِفَ الشُّعُوبَ وتَتَعَرَّفَ عَلى بَعْضِ عاداتِهَا وتَقِيسَ أخْلاقَ النّاسِ وسُلُوكيّاتِ البَشَرِ فِيهَا ومِنْهَا، فأٌنْظُر إلى أوْطانِهَا وحُكُومَاتِهَا، لأنّي، مَرَّةً أُخْرَى، أقُولُ، إنَّ الشُّعُوبَ تُشْبِهُ الأوْطَانَ والُحُكومَاتِ، والمُجْتَمَعُ وَلِيدُ الحَضَارَاتِ، والنَّاسُ يُشْبِهُونَ أوْطانَهُم، والبَشَرُ يُشْبِهُونَ حُكُومَاتِهِم، والخَلِيقَةُ مِنَ الخَالِقِ، والخَلْقُ للخَالِقِ، والحُبُّ يَنْمُو فِي القَلْبِ الصَّادِقِ، والأصِيلُ يَأْتِيَ مِنَ الأرْضِ الطَيِّبَةِ، والطِينُ مِنَ الخُبْزِ المَأدُومِ الرَّائِقِ، والرُّوحُ النَقِيَّةُ يَنْسَابُ جَمَالُهَا كالشَّرَابِ الرَّائِقِ، والخُبْثُ يَظْهَرُ فِي السّارِقِ، والقُبْحُ فِي المُنَافِقِ! وهكذَا، بالحَدِيثِ عَن النِّفَاقِ، أعُودُ إلى إيرانَ وأحْلامِهَا فِي تَشْويهِ بِلادِ العَرَبِ وتَصْديرِ أفْكارِهَا فِي صَنَادِيقٍ مَخْتُومَةٍ بِأخْتَامِ القَتْلِ والفَقْرِ والجَّهْلِ والخُبْثِ والفِتْنَةِ والطَّائِفيَّةِ...، وكانَ لِحُكّامِ إيرانَ، وإلى يَوْمِنَا، مِفتاحٌ عاطِفِيٌّ هُوَ "الماستَر كِي" الذي فَتَحَ ويَفْتَحَ لَهُم أبْوابَ وقُلُوبَ وعُقُولَ الجُّهّالِ مِنَ "المُسْلِمينَ" الشِّيعَةِ ومِنْهُم وجُلُّهِم الجُّهَلاءِ وغَيْرِ المُتَعَلِّمينَ، وهذا المِفْتاحُ هُوَ "مَظْلوميّةُ" الزَّمانِ وكَلِمَةُ "الحُسَيْن!!!" لكِنْ لِماذا الإمامَ الحُسَيْنِ ولَيْسَ أخوهُ الحَسَنُ إبْنُ عَلِيٍّ وفاطِمَةَ والحَفيدُ المُباشِرُ للنَبِيِّ مُحَمَّدٍ أو أخٌ أو شَقيقٌ آخَرُ مِن أبْناءِ عَلِيٍّ الكُثُرِ؟؟ وهُنا لَنْ أتَحَدّثَ عَن "حَقيقَةِ" ما حَدَثَ فِي العِراقِ أو كربَلاءِ أو دِمَشْقَ أو ما حَدَثَ مَعَ الدّولَةِ الأمَويّةِ ومَا لِ "حَقيقَةِ" القِصَّةِ والأحْداثِ مِنْ حَقائِقٍ ومُفاجَآتٍ تَمَّ تَزْويرُها وتَغْييرُها لِتَكونَ مأساةً وقَطْعَاً للرُّؤوسِ وسَبْيَاً للنِّساءِ والأطْفالِ وخِطاباتٍ عاطِفيّةٍ وبُطولاتٍ شَوَّهَتْ تأريخَ آلِ البَيْتِ والمُسلِمينَ والذينَ لَهُمْ مِنِّي كُلُّ التَّقْديرِ والإحْتِرامِ. لكِنِّي سأُبَيِّنُ أنَّ الإيرانيّينَ وأحْفادَ فارِسَ "وهُنَا أتَحَدّثُ تَحْديداً عَنْ عِمَامَاتِ إيرانَ ومَنْ حَكَمَ مُنْذُ سَنَةِ 1979 وهِيَ السَنَةُ المَشْؤومَةُ وشُؤْمُهَا على الإيرانِيّينَ والعَرَبِ عَلى حَدٍّ سَوَاءٍ" لَيْسَ فِي قُلُوبِهِم فِيمَا يَتَعَلّقُ بالعِرَاقِ والعَرَبِ سِوَى الإحْتِقارُ والأحْقادُ والرَّغْبَةُ فِي الإنْتِقامِ لِتأريخٍ وهَزائِمٍ بَعيدةٍ وقَريبَةٍ دَوَّنَتْها الكُتُبُ فِي الشَّرْقِ والغَرْبِ. ونَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ تَزْويرَ التأريخِ والكُتُبِ والمَخْطوطاتِ هِيَ عَمَليّةٌ مٌعَقَّدةٌ ودقيقَةٌ صُرِفَتْ وتُصْرَفَ علَيْها الأمْوالُ الطّائِلَةُ لِتَكونَ حَقائِقَ أُخْرى بأحْداثٍ مُخْتَلِفَةٍ تَسْكُنَ فِي عُقولِ الجُّهالِ والجُّهَلاءِ مِنَ البَشَرِ والأجْيالِ! وفِي هذا أقُولُ...، أمّا قِصّةُ الحُسَيْنِ وإخْتيارُهُ فَلَهُ سِرٌّ تأريخيٌّ غابَ عَنِ الكِتاباتِ وحَقيقَةٌ غُيِّبَتْ فِي كثيرٍ والكَثيرِ مِنَ الكُتُبِ، وهِيَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ "شهربانو" أو "شهربانويه" إبْنَةُ آخرِ أكاسِرةِ الفُرْسِ يَزْدَجَرْد -- وكانَتْ تِلْكَ الأميرَةُ الفارِسيّةُ زَوْجَةً للحُسَيْنِ إبْنِ عَلِيٍّ الذي تَزَوَّجَها وأنْجَبَتْ مِنْهُ ولَهُ إبْنَهُ عليّ زَيْن العابِدِين، فَقالَ حينَها "أَنَا إِبْنُ الخِيرَتيْنِ،" مُشيراً إلى قَوْلِ جَدِّهِ الذي قالَ "للّهِ تَعَالى مِنْ عِبادِهِ خِيرَتانِ: مِنَ العَرَبِ هاشِم ومِنَ العَجَمِ فارِس!" إذَنْ، يا سَادَة، الأمْرُ هُوَ تأريخٌ فارِسِيٍّ وتَمْجيدٍ لآلِ فارِسَ، ولا عِلاقَةَ للعِراقِ والعَرَبِ بِكُلِّ فُصُولِ الجَّهْلِ واللَّطْمِ والأحْزانِ والطّائِفيّةِ التي أثارَتِ الحُرُوبَ والقَتْلَ والفِتَنَ لِدُهُورٍ وعُصُورٍ دُونَ أنْ يَسْألَ الكَثيرُ مِنَ الجُّهَلاءِ أو القَليلُ مِنَ العُقَلاءِ لِمَ ولِمَاذا؟! وأُكْمِلُ لأقولَ...، كانَ عامُ 1979 عامَ الفَصْلِ بَيْنَ العُصُورِ المُلَوَّنَةِ وبَيْنَ الحُرُوبِ والإغْتِيالاتِ والإضْطِراباتِ المُجْتَمَعيّةِ، وأصْبَحَ عامُ 1979 عِندَ الكَثيرينَ مِن عُلَماءِ الإجْتِماعِ والمُخْتَصِّينَ بِهِ، وأَنَا مِنْهُم، هُوَ عامُ العَدِّ التَنازُلِيِّ لإزْدِهارِ الكَثيرِ مِنَ دُوَلِ الشَّرْقِ ورَخاءِ الأيّامِ والسِّنينَ، وعامٌ بَدَءَ فِيهِ إنْشاءُ مُجْتَمَعاتٍ تُؤمِنُ بالعُنْفِ وال "العَنْتَريِّاتِ،" وإلى يَوْمِنا! واليَوْم... ومُنْذُ إنْهِيارِ الجَّسَدِ والرُّوحِ فِي سَنَةِ 2003 وإِحْتِلالِ إِيرانَ لِلعِرَاقِ وتَنْصِيبِ الغَوْغَاءِ عَلى حُكْمِهِ، إِنْهارَ كُلُّ مَا هُوَ رَاقٍ وأَصِيلٍ وجَميلٍ، وتَغَيَّرَ البَشَرُ سَلْبَا، وسَادَ جِيلٌ عَلى جِيلٍ بَعْدَ جِيلٍ، وهذَا يَعْنِي سُلُوكِيَّاتُ الشُّعُوبِ، والشُّعوبُ، غَالِبَاً، تُشْبِهُ حُكّامَهَا! وأَصْبَحَ السِّلاحُ فِي أَيَّامِنا رُكْنَاً أَسَاسِيَّاً مِنْ أَسَاسِيَّاتِ أَثاثِ البَيْتِ! والرَّجُلُ لا تَكْتَمِلُ رُجُولَتُهُ إِلاّ بِسِلاحٍ فِي خَصْرِهِ -- ولا تَكْتَمِلُ أُنوثَةُ المَرْأَةِ إِلاّ بِلِسَانٍ سَليطٍ فِي فَمِهَا -- بَعْدَ أَنْ كانَ سِلاحُ الرَّجُلِ فِي عُصُورِ المَلَكيَّاتِ الذَّهَبيَّةِ هُوَ المُوسِيقَى والكِتَابُ والسَّفَرُ والتِّرْحَالُ، وسِلاحُ المَرْأَةِ هُوَ العِلْمُ والثَّقافَةُ والأُنوثَةُ والجَّمَالُ -- وهُنا أتَحَدَّثُ عَنْ الجَّمَالُ الطَّبِيعِيِّ، أَو فِي أَقَلِّ تَقْديرٍ، كانَ سِلاحُ الإِثْنَيْنِ مِنَ النِّساءِ والرِّجَالِ فِي المَلَكيَّاتِ هُوَ الهُدُوءُ ورَاحَةُ البَالِ. وهُنَا أَضَعُ لِلنِّسَاءِ العِرَاقِيَّاتِ أَلْقَابَاً فِي أَسَاسِيَّاتِ الزَّمَانِ والمَكانِ والأَحْدَاثِ والأَقْدَارِ وسُلُوكِ الحُكُومَاتِ والشُّعُوبِ، مَثَلاً، فِي الثَّلاثِينيَّاتِ كُنَّ طَاهِرَاتٌ سَاكِنَاتٌ، وفِي الأَرْبَعينيَّاتِ جَمِيلاتٌ رَاقِيَاتٌ، وفِي الخَمسِينيَّاتِ دَارِسَاتٌ فَخُورَاتٌ، وفِي السِّتينيَّاتِ مُثَقَّفَاتٌ عَامِلاتٌ، وفِي السَّبعِينيَّاتِ مُجْتَهِدَاتٌ حِسَانٌ حَسْنَاوَاتٌ، وفِي الثَّمَانينيَّاتِ مُقَاتِلاتٌ مَاجِدَاتٌ، وفِي التِّسْعِينيَّاتِ صَابِرَاتٌ عَارِفَاتٌ --  لكِنْ مُنْذُ إِنْهِيَارِ سَنَةِ 2003 ومَا تَلاهَا وإِلى يَوْمِنَا مِنْ عَبَثٍ فِي السُّلُوكِيَّاتِ والشَّخْصِيَّاتِ يَصْعُبُ عَلَيَّ وعَلى قَلَمِي وعَلى أَيِّ إِنْسَانٍ مَهْمَا كانَ ذَوْقُهُ وأَسَاسُهُ ومُسْتَوَاهُ الثَّقَافِيُّ ومَهْمَا كانَتْ خِيَارَاتُهُ فِي الحَيَاةِ أَنْ يَصُوغَ فِكْرَةً أَو لَقَبَاً أَو كلِمَاتٍ أَو مَعَانٍ لِشَخْصِيَّةِ اليَوْم فِي الحَيَاةِ الوَاقِعِيَّةِ أَو الإِفْتِرَاضِيَّةِ ومَا نَرَاهُ مِنْ تَشْوِيهٍ وإِنْحِطَاطٍ إِنْسَانِيٍّ وبَشَرِيٍّ وذَوْقِيٍّ فِي عَالَمِ الرِّجَالِ، ولِلأَسَفِ، النِّسَاءِ مِنْ أَجْيَالِ بِلادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ!! وهكذَا، هِيَ الشُّعُوبُ وهِيَ الحُكُومَاتُ، والشُّعُوبُ تُشْبِهُ حُكَّامَهَا. وأَصِفُ الآنَ مَا أَصِفُ كَيْ نَعْرِفَ كَيْفَ تَغَيَّرَتْ سُلُوكيَّاتُ الشَّعْبِ العِرَاقِيِّ بِتَغَيُّرِ حُكُومَاتِهِ -- وأَبْدأُ حَيْثُ بَدَأَ الرُقِيُّ، فالمَلِكُ الطَيّبُ فيصَل الأوّل الذي أسَّسَ البُنيانَ كانَ أساسُهُ الرُّقِيَّ وسُمْعَةَ الشُّعُوبِ الطَّيِّبَةِ أمَامَ النّاسِ، لكِنّ العِراقِيّينَ أحْزَنوهُ وأتْعَبُوهُ، فَكَتَبَ فِي وَصيّتَهُ أنَّ طَوائِفَ العِراقِ ومَنْ على أرْضِهِ مِن شيعَةٍ ومِلَلٍ ومَذاهِبٍ يَمْلأُ قُلُوبَهَم النِّفاقُ، وأنَّ السّيْطَرَةَ عليْهِم مِنَ المُعْجِزاتِ! والمَلِكُ غَازي الذي أحَبَّ الزَّعِيمَ النَّازِيَّ هِتْلرَ وعادَى البِريطانيّينَ بِالخِطَابَاتِ والكَلِمَاتِ والإذَاعَاتِ وأَسَّسَ إِذَاعَةً الزُّهُورِ هُنَا وهُنَاكَ وفِي قَصْرِ الزُّهُورِ فِي عامِ 1936 لِيُحَبَّهُ الكَثيرُ مِنَ العِراقيّينَ وهُمْ للإنجليزِ الذينَ أدْخَلوُ الرُّقِيَّ والعِلْمَ للعِراقِ كارِهونَ! فَحَصَلَ المَلِكُ العِرَاقِيُّ الثَّائِرُ عَلى الهَدَايَا الألْمَانيَّةِ كالسَّيَّارَاتِ الفَاخِرَةِ وتُحَفٍ نَادِرَةٍ كَهَدِيَّةِ بُلْبُلِ الإذَاعَةِ الذَهَبِيِّ بِمُنَاسَبَةِ إفْتِتَاحِ إذَاعَةِ الزُّهُورِ مَعَ خِطَابِ شُكْرٍ ومَوَدَّةٍ بِتَوْقِيعِ هِتْلَر، لكِنَّ المَلِكَ الطَّيَّبَ حَصَلَ أَيْضَاً عَلى فَخٍّ إنْكِلِيزِيٍّ وحَادِثٍ مُدَبَّرٍ فَقُتِلَ فِي سَيَّارَتِهِ وهُوَ فِي طَرِيقِهِ لِمُقَابَلَةِ الشَّقْرَاءِ البِرِيطَانيَّةِ، ليُضَافَ حُزْنٌ آخَرُ لِأَحْزَانِ المَلِكَةِ عَاليَة... مَلِكَةِ الأَحْزَانِ العِرَاقِيَّةِ!! وحَانَ وَقْتُ عبد الإلهِ، خَالِ المَلِكِ الصَّغِيرِ فَيصَل الثَّانِي والوَصِيِّ عَلى عَرْشِ العِرَاقِ، والذي أَحَبَّ العِرَاقَ لكِنَّ العِرَاقَ رَفَضَ حُبَّهُ كَوَصِيٍّ! وبَنَى رَغْمَ ذَلِكَ جَيْشاً قويّاً وحَاوَلَ الحِفَاظَ عَلى الأَمَانَةِ كَوَصِيٍّ وخَالٍ، لكِنَّ العَداءَ مَعَ القَوْميّينَ والنَّاصِريّينَ والأَحْزَابِ والخَوَنَةِ كانَ لَهُ بالمِرْصادِ! أَمَّا فيصَل الثّاني فكانَ الرُّقِيُّ والطّيبَةُ لَهُ سِمَةٌ وسِمَاتٌ، فأحَبَّهُ المَلايينَ مِنْ أهْلِ العِراقِ والعَرَبِ والغَرْبِ ومَلائِكَةُ السّماواتِ، وتَعِبَتْ يَدُاهُ مِن البِناءِ والإعْمارِ والمَشاريعِ والبُحَيْراتِ، والثِّرْثارِ والصّناعَةِ والزّراعَةِ والحَدائِقِ والرِّحابِ والزُّهورِ والجّامِعاتِ، لكِنّ غَوْغاءَ العِراقيّينَ فِي شَبَابِهِ قَتَلوُهُ، فَقَتَلوُ مَعَهُ العِراقَ وأذَلّوُهُ! وبَدَءَ حُكْمُ الخَوَنَةِ والعَسْكَرِ بِقِيَادَةِ عبد الكريم قاسِم مَعَ رَئِيسٍ شَرَفِيٍّ لا سُلْطَةَ بِيَدِهِ ولا سُلْطَانَ لَدَيْهِ. وحَكَمَ قاسِمُ بِقُوَّةٍ ضَارِبَةٍ مُسَمِّيَاً نَفْسَهُ "الزَّعِيم" مَعَ المُعْجَبينَ بِهِ والتّابِعينَ لَهُ مِنَ الغَوْغاءِ والهَمَجِ وغَيْرِ المُثَقَّفِينَ. وكانَ فِي حُكْمِهِ رَاقِصَاً عَلى حِبَالِ الأَحْزَابِ يَمينَاً ويَسَارَاً هُنَا وهُنَاكَ، وعازِفَاً بِخُبْثٍ عَلى أَوْتَارِ الفُقَرَاءِ، فَسَرَقَ كُلَّ المَشاريعِ التي كانَتْ قَيْدَ التَّسْجِيلِ والتي تَمَّ تَخْطِيطُهَا وتَصْميمُهَا فِي عَهْدِ المُلُوكِ والأُمَراءِ والوَزِيرِ نُورِي السَّعيدِ وخاصَةً مَشَارِيعَ الإسْكانِ، وتَمَّ وَضْعُ إسْمِ قاسِمَ عَلى المَشارِيعِ والوَرَقِ، وهَكذا، إسْمُ الزَّعِيمِ المُحْتَالِ فِي تأريخِ العِرَاقِ بالتَّزْويرِ نُقِشَ وكُتِبَ -- كمَا صَنَعَ عبدُ النّاصِرِ فِي مِصْر فَسَرَقَ الكَثِيرَ مِنْ أَفْكارِ ومَشَارِيعِ وأمْجادِ المَلِكِ فارُوق ونَسَبَهَا إلَيْهِ!! وحَكَمَ عبدُ السّلام عارِف وكانَ دُمْيَةَ عبدِ النّاصِرِ وخادِمَهِ المُطِيعِ، وفِي سَنَواتِ حُكْمِهِ القَلِيلَةِ والمَعْدُودَةِ نَفَّذَ بِوَضَاعَةٍ وحَقَارَةٍ أمْرَ عَبْدِ النّاصِر بِتَرْهِيبِ وسَجْنِ وإعْدامِ المِئَاتِ مِنْ يَهُودِ العِرَاقِ الأبْرِيَاءِ فِي مُنْتَصَفِ السِّتينيَّاتِ! ثُمَّ حَكَمَ أخوُهُ عبدُ الرّحمَنِ عارِف، وكانَ مُسَالِمَاً ورُبَّمَا أيْضَاً مَهْزُوزَاً ولا سُلْطَانَ لَدَيْهِ وفَتَحَ أبْوَابَ العِرَاقِ للفِلِسْطينيّينَ وضُبَّاطِ وطَيَّارِي عبِد النّاصِر لِيَقُومو بِحُرُوبٍ "صَغِيرَةٍ" وضَرَبَاتٍ ضِدَّ إسْرائِيلَ هُنَا وهُنَاك، وكانَ مِنْ بَيْنِهِم الرَّئيسُ المِصْرِيُّ السَّابِقِ حُسنِي مُبارَك. وفِي عَهْدِ عَبد الرّحمنِ عارِف إسْتَطاعَ النَّقيبُ الطَيَّارُ مُنير روفا الفِرَارَ مِنَ العِراقِ بِطائِرَةِ الميغ الشَّهِيرَةِ لِيَحُطَّ بِهَا فِي إسْرائِيلَ بِعَمَلِيَّةٍ جاسُوسيَّةٍ خاطِفَةٍ. وتَمَّ إنْهَاءُ حُكْمِ عارِف بِسَلامٍ بَعْدَ ثَوْرَةٍ خاطِفَةٍ وضَمَانِ سَلامَتِهِ ومَنْ مَعَهُ وتَرَكَ العِراقَ لِيَبْدأَ حُكمُ البَعْثِيّينَ. وحَكَمَ لاحِقَاً أحمد حَسَن البَكِرُ الذي حَكَمَ نِهَايَةَ السِّتينيَّاتِ والسّبعينيّاتِ وجَعَلَ مِنْها عَقْدَ بِنَاءٍ وهُدُوءٍ ورَخاءٍ وإحْتِرَامٍ وسِيَادَةٍ وإقْتِصَادٍ مَدْرُوسٍ، وهَذا يَعِنِي فِي عِلْمِ الإجْتِمَاعِ السِّياسِيَّ الرَّخَاءُ والإسْتِقْرَارُ. لِنَصِلَ إلى صَدّام حسين الذي إحتارَ فِي أمْرِهِ التأريخُ والزّمانُ إحْتارَ -- وإحْتارَ فِي أمْرِهِ القَادَةُ العَرَبُ وخَافُو مِنْهُ ومِنْ قُوَّتِهِ وشَخْصِيَّتِهِ وغارُو مِنْهُ وقَلَّدُوهُ خاصَةً فِي عِلاقَتِهِ الوَثِيقَةِ مِنْ طَبَقَاتِ شَعْبِهِ وزِيَارَاتِهِ لَهَا، لكِنَّ العَرَبَ لَمْ يَفْهَمُوهُ، فَهُوَ رَغْمَ خَلْفِيَّتِهِ الرِّيفيَّةِ والقَبَلّيّةِ التي أساسُهَا القُوَّةُ والحَزْمُ والقَسْوَةُ العَشَائِريَّةِ إلاّ أنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هَذا وذاكَ وبَيْنَ التَمَدُّنِ والثَّقافَةِ وهِيَ ثَقافَةُ الكُتُبِ التي ذابَ فِيهَا لِسِنَواتٍ، فأصْبَحَ شَخْصِيَّةً فَرِيدَةً بِحُضُورٍ لافِتٍ وصَوْتٍ مُمَيَّزٍ وكاريزما خاصَّةٍ جَعَلَتْ مَنْ عَرَفُوهُ مِنْ جِيلِهِ وحَتّى أجْيَالِ اليَوْم إمَّا أنْ يَحْتَارُو فِيهِ، أو يُحِبُّوهُ، أو يَخَافُوهُ -- فَقَدْ حارَبَ مَلالِي إيرانَ وكَسَرَ أُنوفَ فارِسَ وأحْزابَ الخَرَابِ والدَّمَارِ وهَذا لَيْسَ بالأمْرِ الهَيِّنِ، ومَا يَحْصُلُ فِي أَيَّامِنَا دَلِيلٌ عَلى ذَلِكَ، وكانَ شُجَاعٌ قَوِيٌّ حازِمٌ عادِلٌ قارِئٌ ماكِرٌ أنيقٌ وَسيمٌ وفِيهِ وَقَارٌ، ورُبَّمَا مُتَهَوِّرٌ أَيْضَاً كَيْ أَبْقَى واقِعِيَّاً مُخْلِصَاً لِقَلَمِي. وكانَ العِراقُ فِي سَنَواتِ حُكْمِهِ وحَرْبِهِ عَلى عِماماتِ طَهْرانَ يَحْظَى بِالسّيادَةُ والكرَامَةِ التي حُرِمَ مِنْهَا بَعْدَ إنْهِيَارِهِ. فَحَمَى العِراقَ والعَرَبَ مِنْ ثَعابينِ الجَّهْلِ والفِتَنِ، وهّذا لا يُقَدَّرَ بِثَمَنٍ. وكانَتْ المُخَدَّراتُ فِي زَمانِهِ لا وُجودَ لَهَا إلاّ ما قَلَّ ونَدَرَ، ولا وُجُودَ للفَسَادِ الإدارِيِّ أو الحُكومِيِّ إذْ أنَّ عُقوبَةَ الإعدامِ كانَتْ لِتُجّارِ المُخَدّراتِ والمُدَراءِ والوُزَراءِ والفاسِدينَ والسُّرّاقِ بالمِرْصادِ. وهذا مِنَ الأسْبابِ التي جَعَلَتِ المَلايينَ مِنَ العِراقيّينَ، ولا زالُو، يَحِنُّونَ لِسَنَوَاتِ حُكْمِهِ، وأسْبابٍ أُخْرى، مِنْهَا إنْحطاطِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنَ الحُكّامِ وهُمْ اليَوْمَ فِي نَظَرِ المَلايينِ فِي العِراقِ والعالَمِ مِنْ حُثالاتِ البَشَرِ، وأَذْكُرُ هُنَا الوَزِيرَ الألْمَانِيَّ مُتَحَدِّثَاً إلى مُسَاعِدِيهِ قائِلاً "أَيُعْقَلُ أَنْ يُمَثِّلَ هَؤُلاءُ مِيسوبوتَاميا -- أَقْدَمَ الحَضَارَاتِ؟!" فِي إشَارَتِهِ إلى الوَفِدِ العِراقِيِّ فِي لِقَاءٍ قَبْلَ أَشْهُرٍ وشُهُورٍ! أَعُودُ إلى صَدّام حسين... والعَرَبُ "بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الذينَ خانُوهُ أو تآمَرُو عَليهِ قَدْ عَرَفُو قِيمَةَ مَا صَنَعَ بَعْدَ إنْهِيَارِ العِرَاقِ وإحْتِلالِ عِماماتِ إيرانَ لِبِلادِ العَرَبِ وتَشْوِيهِ المُجْتَمَعاتِ فِي العِراقِ وسُوريةَ ولُبنانَ واليَمَنَ وبَعْضِ المُحَاوَلاتِ فِي البَحْريْنَ والخَليجِ العَرَبِيِّ هُنَا وهُنَاكَ. لكِنَّ هذهِ مِنْ مَصَائِبِ العَرَبِ والأقْوَامِ، فَهُمْ يَقْتُلونَ المُلُوكَ والرُّؤسَاءَ، وبَعْدَ عُقودٍ يَتَباكونَ عَلَيْهِم ورُبَّمَا يَبْكُونَ! وبَعْدَ أنْ إنْتَهَتِ المَلالِي مِن دَمارِ إيرانَ والعِراقَ وقَتْلِ الشَّبابِ والشّابّاتِ المُحِبّينَ للحُرِيّةِ والخَلاصِ، وأثارَتْ ما أثارَتْ مِن فِتَنٍ وقَتْلٍ وخَوْفٍ وحُزْنٍ ودَمَارٍ وفَقْرٍ فِي البيئَةِ والمُجْتَمَعاتِ، كانَتْ عَيْنُ إيرانَ بَعْدَ الخَليجِ العَرَبِيِّ عَلى أفريقيا والمَغْرِبِ العَرَبِيِّ ومِصْر المَحْروسَةِ -- وكانَتْ على وَشَكِ أنْ تَنْجَحَ فِي أنْ يَكونَ لَها وُجُودٌ أثْناءَ حُكْمِ الإخْوانِ بَعْدَ ثَوْرَةِ يَنايِر فِي سَنَة 2011 فِي إتّفاقٍ ولِقاءٍ شَيْطانِيٍّ تَحْتَ الأرْضِ مَعَ إرْهابِيِّ حَماسَ بِرِعايَةِ وأمْوالِ إحْدى دُوَلِ الخَليجِ العَرَبِيِّ وفَضائِيّاتِهَا الطَّائِفيَّةِ وصَحَفِيِّيهَا بِهَوِيَّاتٍ إعْلامِيَّةٍ و "قُلُوبٍ" إخْوَانيَّةٍ حَمْسَاوِيَّةٍ -- لَوْلا عِنايَةَ اللهِ الذي أحَبَّ مِصْرَ وكَتَبَ عَلَيْها ولَهَا السَّلامَ والأمَانَ والرَّخاءَ، ودَعَتْ لَهَا أُمُّنا العَذْراءُ مَرْيَم بالمَحَبَّةِ والنَّمَاءِ، إذْ عاشَتْ فِيها مَعَ الرَّبِّ ويوسُفَ والأقْرِباءِ. ولَوْلا قُوّةَ الشَعْبِ والأزْهَرِ والكَنيسَةِ المُحِبِّينَ للوَسَطيّةِ الدِّينيّةِ والحَياةِ والفَرَحِ والسَّلامِ الإسْتِقْرارِ والصَّفاءِ...، فأنْقَذُو مِصْر فِي عامِ 2013 ورَقَصَتْ مِصْرُ مِنْ جَدِيدٍ. ورَغْمَ أنَّ صَدّامَ حَمَى العَرَبَ مِن شَرِّ إيرانَ وسُمُومِها وهُوَ أمْرٌ يَجْعَلُ المَلايينَ مِنَ العَرَبَ يُقَدِّسونَهُ لِسَنَواتٍ وعُقُودٍ، غَيْرَ أنَّ إحْتِلالَ الكُوَيتِ كانَ ولا يَزالَ لِصَدّام حسين خَطَأٌ جَسيمٌ فِي حَيَاتِهِ السّياسيّةِ، مَهْمَا كانَتْ أسْبابُهُ وما سَبِقَهُ مِن "فِخاخٍ" ومُؤآمَراتٍ مِنْ "بَعْضِ" حُكّامِ العَرَبِ -- كَما ذُكِرَ فِي مَلَفّاتِ الغَرْبِ ومُخابَراتِهِ فِي تَآمُرِ بَعْضِ العَرَبِ والشُّيُوخِ بأمْرِ مُباشَرٍ مِنَ البَيْتِ الأبْيَضِ الذي غَذّى فِي قُلُوبِهِم الخَوْفَ والرُّعْبَ مِنْ صَدّام حسين الذي كانَ فِي قُوَّتِهِ ونَشْوَتِهِ، وذُكِرَ أيْضَاً فِي أسْرارِ الوَزيرِ طارِق عَزيز رَحِمَهُ اللهُ "غَيْرِ المُعْلَنَةِ" التي سَلَّمَها وأوْصَلَهَا لِأحَدِ أصْدِقائِهِ مِنْ صَحَفِيِّ المانيا قَبْلَ وَفاتِهِ، وكانَ طارِق عَزيز مِنَ القِلَّةِ الرَّاقِيَةِ التي وَثِقَ بِهَا صَدّام حسين وقَرَّبَهَا إلَيْهِ ومِنْ دائِرَةِ الحُكْمِ خاصَةً عَلى صَعيدِ الثَّقافَةِ والعِلاقاتِ الخارِجِيَّةِ والدُّوَليَّةِ، وكانَ للسَّيدِ عَزيز وَقَارٌ وإحْتِرامٌ عِنْدَ حُكُوماتِ الغَرْبِ، وكانَ مُسْتَحِقَّاً لِهَذهِ المَكانَةِ. إذَنْ، كانَتْ "خَطيئَةُ" إحْتِلالِ الكُوَيتِ، والتي كانَتْ بِدايَةُ نِهايَةِ العِراقِ، خَطيئَةٌ قَدْ لا تُغْفَرَ لِصَدّامِ حسين "سِياسِيّاً" لأنّهُ، بِهذِهِ الزَّلّةِ التأريخيّةِ، فَتَحَ بَابَ العِرَاقِ عَلى مِصْراعََيْهِ لِتَدْخُلَ مِنْهُ خَفافيشُ الظَّلامِ وتَتَغَذّى عَلى دِماءِ العِراقِيّينَ ودَمَارِ وادِي الرّافِدَيْنِ، وأعْطى عِمَامَاتِ إيرانَ، بِعِنادِهِ، فُرْصَةَ العُمْرِ فِي الإنْتِقامِ مِنَ العَرَبِ والعِراقِيّينَ والسَّيْطَرَةِ عَلى مَنْ يَستَطيعُونَ مِنْهُم، وإلى يَوْمِنَا!! ومِن أخْطاءِ صَدّام الأُخْرى أنَّهُ وَثِقَ بِبَعْضِ رُؤَسَاءِ العَرَبِ وأطْلَعَهُم عَلى أسْرارِ الدَّوْلَةِ العِراقيَّةِ وخاصَةً العَسْكَريَّةِ مِنْهَا، فَخانُوهُ وبَاعُو تِلْكَ المَعْلُوماتِ الحَسَّاسَةِ وحَصَلُو عَلى المَلايين مَعَ الهَدَايَا وإسْقاطِ الدّيُونِ! كذَلِكَ مِنَ الأخْطَاءِ أنَّهُ أعْطى لِعائِلَتِهِ وخَاصَةً إخْوَتِهِ القُسَاةِ والأشِدَّاءِ والفَاسِدِينَ وبَعْضِ مَنْ أحَبَّهم ومَنْ وَثِقَ بِهِم "أو ظَنَّ مُخْطِئاً أنَّهُ يَستَطيعَ الوُثوقَ بِهِم" سُلْطاناً وقُوَّةً وأصْبَحُو فِي مَواقِعِ السَيْطَرَةِ المُطْلَقَةِ وعَلى رأْسِ الوِزَاراتِ السِّيادِيَّةِ وأَقْدَارِ المُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِيَّةِ، رَغْمَ تَعْلِيمِهِم المُتَوَاضِعِ أَو المَعْدُومِ وثَقَافَتِهِم التي لا أَسَاسَ لَهَا وإِنْحِطَاطِ مَا كانَ "البَعْضُ" عَلَيْهِ مِنْ مُسْتَوَيَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وقَضَاءِ أَوْقَاتِهِم سُكَارَى فِي أَحْضَانِ الرَّاقِصَاتِ والغَجَرِيَّاتِ، فَكانُو عَليْهِ وعَلى العِراقِ وَبَالاً ولَعْنَةً وكانُو مِنْ أسْبابِ إضْعَافِ سُلْطَانِهِ وسُقُوطِ الدَّوْلَةِ. والأمْثِلَةُ عَلى هَذا كَثيرَةٌ لكِنّي سَأتَحَدّثُ عَن مِثالٍ كانَ حَقَّاً وَبَالاً ولَعْنَةً عَلى العِراقِ وسَاهَمَ بِخُبْثٍ ودَهَاءٍ وغَباءٍ فِي نَفْسِ الوَقْتِ فِي تَدْميرِ وإضْعافِ حُكْمِ صَدّام حسين أو ما تَبَقّى مِنْهُ فِي عَقْدِ التِّسعينيّاتِ، وأتَحَدّثُ هُنا عَن زَوْجِ إبْنَتِهِ حسين كامِل، أو ما كانَ يُدْعَى ويُكَنّى سِرَّاً بَيْنَ الأوْسَاطِ السِياسيّةِ والعَسْكَريّةِ حِينَهَا ب "الزَّعْطُوط -- وتَعْنِي بالعَرَبيّةِ الطِّفْلِ أو الوَلَد لكِنَّها تُسْتَخْدَمُ للتَّحْقيرِ والتَّصْغيرِ" أو "التّافِهِ" أو "الأرْعَنِ" أو أحياناً ب "السَّرَطانِ الخَبِيثِ" كَمَا جَاءَ فِي مُذَكّراتِ ضَابِطِ مُخابَراتٍ ألمانِيٍّ وهُوَ اليَوْم مِنْ سَاسَةِ ألمانيا مِنَ الصَّفِّ الأوّلِ، والذي كَشَفَ فِي مُذَكّراتِهِ بأنَّ حسين كامِل كانَ خَبيثاً و "طامِعَاً" للغايَةِ، وأنَّ كامِلَ كانَ يُخَطِّطُ لِإغْتِيالِ صَدّامِ حسين بإطْلاقِ النّارِ عَلَيْهِ بِشَكْلٍ مُباشِرٍ وقَتْلِ وَلَدَيْهِ عُدَي وقُصَي والإستيلاءِ عَلى حُكْمِ العِراقِ، تَحْديداً فِي مُنْتَصَفِ التِّسعينيّاتِ. ومِنْ جَرَائِمِ حسين كامِل الكُبْرَى "تَنْفيذُ الأَمْرِ الصَّعْبِ" والغَدْرُ والتَخَلُّصُ مِن أحَدِ أرْقى وِزَراءِ الدِّفاعِ فِي العِراقِ والعالَمِ العَرَبِيِّ والمُهَنْدِسِ الحَقيقيِّ للنَّصْرِ العِراقِيِّ على إيرانَ فِي حَرْبِ الثّمانينيّاتِ أو "القادِسيّةِ" وهُوَ الفَريقُ عدنان خيرالله، الذي كانَ قَريبُ صَدّام حسين وشَقيقُ زَوجَتِهِ ساجِدة خيرالله. ولَمْ يَكْتَفِي حسين كامِل بِهذا لكِنَّهُ ساهَمَ أيْضاً بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فِي تَدْميرِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ بِقَراراتٍ خَبيثَةٍ وغَبيَّةٍ لا أساسَ لَها وقامَ بالتَخَلُّصِ مِنَ المِئاتِ مِنَ القادَةِ والضُبّاطِ ذِي التأريخِ والكَفاءَةِ العَسْكَريّةِ، خاصَّةً وأنَّ الضُبّاطَ والجّنودَ فِي الجَّيْشِ العِراقِيِّ كانُو يَحْتَقِرونَ كامِل الذي تَمَّتْ تَرْقيَتُهُ بِلَمْحِ البَصَرِ إلى أعْلى المَرَاتِبِ العَسْكَريّةِ، فَقَط، لأنَّهُ زَوْجُ إبنَةِ الرَّئيسِ، وهُوَ، أيْ كامِل، المَشْكوكُ، حَتّى، فِي شَهادَتِهِ الإبْتِدائيّةِ!! وكانَ الفَريقُ عدنان خيرالله مِن مُحْتَقِرِي حسين كامِل ومُنْتَقِدِيهِ وبِشَكْلٍ عَلَنِيٍّ. وكانَ خيرالله، الرَّجُلُ القَوِيُّ والخَلُوقُ، خاصّةً فِي أوْسَاطِ الجَّيْشِ، يَتَمَتّعُ بِحُبِّ وإحْتِرامِ الضُبّاطِ والقادَةِ، وكانَتْ شَعْبِيَّتُهُ بَيْنَ النّاسِ، خاصّةً بَعْدَ إنْتِصارِ العِراقِ على إيرانَ فِي عامِ 1988، تَفُوُقُ شَعْبِيَّةَ صَدّام فِي أوْسَاطِ الجّيْشِ القَوِيِّ والشَّعْبِ المُنْتَصِرِ، وهذا ما جَعَلَ فِي قَلْبِ صَدّام بَعْضَ الإسْتِياءِ والسُّخْطِ، ورُبَّمَا الغِيرَةِ أو الخَوْفِ مِنْ الأقْدارِ والإحْتِمَالاتِ، خاصَةً بَعْدَ خِلافاتٍ عائِليَّةٍ تَتَعَلّقُ بِالزِّيجاتِ وصِراعاتِ النِّسَاءِ! وَبَعْدَ قَتْلِ عدنان خيرالله فِي سَنَةِ 1989 بِإسْقاطِ طائِرَتِهِ فُتِحَتْ أبْوابُ الوِزاراتِ والمُؤسَّساتِ أمامَ حسين كامِل بِدَعْمٍ مُباشَرٍ مِنْ صَدّام حسين وسَيطَرَ لاحِقاً على الكَثيرِ مِنْهَا بِخُبْثٍ وقَبْضَةٍ حَديديّةٍ، وتَسَلَّلَ كالأفْعَى إلى الجَّيْشِ الذي كانَ يُعانِيَ الغَضَبَ والحُزْنَ والصَّدْمَةَ والكَثيرَ مِنْ عَلاماتِ الإسْتِفْهامِ لِفُقْدانِ قائِدِهِ القَوِيِّ والمَحْبُوبِ خيرالله. وقَدْ حاكَ حسين كامِل الكَثيرَ مِنَ المُؤآمَراتِ مِنْها ما نَجَحَ ومِنْها ما أُسْقِطَ أو فَشِلَ حَتّى هُرُوبِهِ إلى الأُردُنِ "بَعْدَ إكْتِشافِ مُؤآمَرَتِهِ بالصُّدْفَةِ" وَسَلَّمَ حِينَها كُلَّ أسْرارِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ والحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ المَعْرُوفِ بِقُوَّتِهِ والتَّصْنيعِ العَسْكَرِيِّ والإسْتِخْباراتِ العِراقيّةِ إلى المُخابَراتِ الأمريكيّةِ، والتي "ساعَدَتْ" بِشَكْلٍ أو بِآخَرَ فِي هَزيمَةِ الجَّيْشِ العِراقِيِّ وإحْتلالِ بَغدادَ فِي ساعاتٍ مَعْدُوداتٍ خِلالَ غَزْوِ العِراقِ بَعْدَ سَنَواتٍ، والتي كانَ الحَسْمُ فِيها مَعْرَكَةُ المَطَارِ التي أُضْطُرَّ فِيها الجَّيْشُ الأمريكيُّ إلى إسْتِخْدامِ الأسْلِحَةِ الكيميائِيَّةِ "الخَّاصَّةِ" بِسَبِ ضَرَاوَةِ المَعْرَكَةِ وصُعُوبَتِها خاصَّةً وأنَّ إحْتِلالَ بَغْدادَ كانَ مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكانٍ لِقُوَّةِ الحَرَسِ الجُّمْهُورِيِّ وقِتالِهِ الشَرِسِ الذي أدَّى إلى مَقْتَلِ آلافِ الجُّنودِ والضُّبَّاطِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وكانَ قُصي صَدّام حسين هُوَ القائِدُ المَيْدانِيُّ لِمَعْرَكَةِ المَطَارِ الكُبْرَى "كَمَا سُمِّيَتْ" وجاءَ ذَلِكَ ودُوِّنَ فِي أسْرارِ المُخَابَراتِ الألْمانيَّةِ والتي كانَتْ فِي أوْجِ نَشَاطاتِها فِي بَغْدادَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ! أُضِيفُ أنَّ ال سي أن أن وال بي بي سي والقَنَواتِ الخَليجِيَّةَ وغَيْرَها تَلَقَّتْ حِينَها الأوامِرَ بالخُرُوجِ مِن "دائِرَةِ التَّغْطِيَةِ!!" وهكذا، كانَ، حسين كامِل، الذي أفْشَى أسْراراً وأحْتَفَظَ بِأُخْرى، مِن أخْطاءِ صَدّام حسين القاتِلَةِ. أمّا أخْطاءُ صَدّام حسين الإجْتِماعيّةُ فَقَد كانَتْ مَنْحَ الحُريّةِ الكامِلَةِ إلى إبْنِهِ عُدَي والذي بِغُرورِهِ كَخَليفَةٍ مُحْتَمَلٍ سَبَّبَ لأبيهِ وأيْضَاً لِأخيهِ قُصَي الصُّداعَ وأحياناً الغَضَبَ الشَّديدَ والإحْرَاجَ سَواءً مَعَ المُحيطينَ أو العَشائِرَ الذينَ كانُو يَغْضَبُونَ لِتِلْكَ التَصَرُّفاتِ الصِّبْيانيّةِ والعُدْوانيَّةِ خاصّةً قَسْوَةَ عُدَي على الرِّجالِ والتَّحَرُّشِ بالنِّساءِ وفَتَياتِ الجّامِعاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ أجْمَلَ النِّسَاءِ، وكانَ عُدَي يَفْعَلُ ما يَشَاءُ ودُونَ رادِعٍ أو رَقيبٍ، حَتّى تَمَّ "تَحْجِيمُهُ" أوَّلاً بِسَجْنِهِ بأمْرٍ مًباشَرٍ مِنْ أبِيهِ بَعْدَ أنْ قامَ بالإعْتِداءِ عَلى أحَدِهِم بالضَّرْبِ حَتّى المَوْتِ، ثُمَّ لاحِقَاً بِالإعْتِداءِ علَيْهِ بالرَّصاصِ لِيَهْدَأَ وتَهْدَأَ مَعَهُ الأُمُورُ. أمّا قُصَي، الإبْنُ القَويّ الهادِئ، فَقَد كانَ يُشْبِهُ أبَاهُ بِهُدُوءِهِ وشَجاعَتِهِ، وهُنَا عَلَيَّ أنْ أَضَعَ كَلِمَةَ هُدُوءٍ بَيْنَ قَوْسَيْنِ وخَطَّيْنِ، إذْ أنَّ حَفَلاتِهِ وعِلاقاتِهِ كانَتْ، كأَبِيهِ، مُحَاطَةً بالسِّريَّةِ ما أمْكَنَ ذلِكَ "رَغْمَ صُعُوبَتِهِ" ولَمْ تَكُنْ دائِمَاً عَلَنِيَّةً كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ أَخِيهِ عُدَي! وكانَ قُصَي إذا عاقَبَ أحَداً ما عادَةً ما كانَ الحَزْمُ والقُوّةُ والسِّريّةُ أساسَ العِقابِ والثّوَابِ، وهذا ما تَشابَهَ بِهِ أيْضاً مَعَ أَبيهِ فِي التَّخَلُّصِ مِنَ الأعْداءِ أو الأعْداءِ "المُحْتَمَلِينَ" بِشَكْلٍ تامٍّ ونِهائِيٍّ وحَازِمٍ ودُونَ أثَرٍ، خاصَّةً إذا نَظَرَ إلى أحَدِهِم بِشَكْلٍ مُباشَرٍ فَوَجَدَ فِي عَيْنَيْهِ "نُقْطَةً سَوْداءَ" وهذا، فِي لُغَةِ صَدّام وإِبْنِهِ قُصَي، إشارَةٌ أو عَلامَةٌ لِإحْتِمَاليّةِ الخِيانَةِ أو عَلى الأقَلِّ "بِدَايَةِ التَّفْكيرِ" فِي التَّآمُرِ عَلَيْه...، وهذا ما جَعَلَ مَن سَمِعُو بِهَذا لاحِقَاً يَتَجَنَّبونَ النَّظَرَ إليْهِمَا بِشَكْلٍ مُباشَرٍ، وخاصَّةً صَدّام، خَوْفَاً مِنَ الأقْدارِ غَيْرِ المَحْسُوبَةِ ورُعْبَاً مِنْ نَظَرَاتِهِ الحَادَّةِ، ومِنْهُم الأقرباءُ والرُّؤسَاءُ والأُمَرَاءُ والمُلُوكُ والمَسْؤولونَ العَرَبُ، وبَعْضُ مَسْؤولِي الغَرْبِ، وهَذهِ حَقِيقَةٌ! وعَلَيْهِ أمَرَ صَدّامُ بالبَدْءِ بِإعْدادِ قُصي فِي التّسعينيّاتِ لِيَكونَ خَليفَةَ أَبيهِ والرَّئيسَ القادِمَ إنْ سَمِحَتِ الأقْدارُ والأيَّامُ بِهَذا، لكِنَّها لَمْ تَسْمَح. وهُنا، ولِلإنْصافِ التأريخِيِّ أقُولُ، أنَّ سِياسَةِ التّوْريثِ وسُلالاتِ الحُكْمِ العائِلِيِّ لَمْ تَقْتَصِرَ فَقَط عَلى العِراقِ، بَلْ كانَ ويَكُونُ مِنَ "الأعْرافِ" العَرَبيّةِ مُنْذ عُصُورٍ وأزْمَانٍ وأدْهارٍ ودُهُورٍ، حَتّى أصْبَحَ واقِعاً وقَدَراً تَقْبَلَ وتَرْضَى بِهِ الشُّعُوبُ العَرَبيّةُ كَما هُوَ الأمْرُ فِي سُورية وعائِلَةِ الأسَدِ أو ليبيا وعائِلَةِ القَذّافِي أو اليَمَن وعائِلَةِ صالِحٍ أو مِصْر وعائِلَةِ حُسنِي مُبارَك... وباقِي بِلادِ العَرَبِ. وأحْياناً كانَ هذا التَّوْريثُ للأوْلادِ لا بأْسَ بِهِ ولا خَطَرَ على الشُّعُوبِ مِنْهُ خاصَّةً كَمِفْتاحٍ للإسْتِقْرارِ والأمانِ عَلى مَبْدَأ "مَنْ تَعْرِفهُ خَيْرٌ مِمَّنْ لا تَعْرِفهُ!" والأُمورُ تأْخُذُ مَجْرَاها والأحْداثُ تَتَغَّيرُ، والزَّمانُ مِنَ العَرَبِ يَتَحَيَّرُ! لكِنَّ سُخْرِيَةَ الأقْدَارِ أنَّ الإنْقِلاباتِ العَسْكَريَّةَ التي أطاحَتْ بالمَلَكِيّاتِ والأوْطانِ والمُجْتَمَعاتِ الرّاقيَةِ ودَمَّرَتْ ما دَمَّرَتْ فِي الخمسينيّاتِ والسِّتينيّاتِ ومَا تَلاهَا كانَتْ أساساتُهَا وأسْبابُهَا أو "ما أُعْلِنَ للشُّعُوبِ السّاذَجَةِ" هِيَ التَّخَلُّصُ مِنَ حُكْمِ العائِلاتِ وسِياسَةِ التَّوْريثِ!!! والإنْقِلابَاتُ إمَّا إنقِلاباتُ عَسْكَرٍ وعَسَاكِرٍ أسَاسُهَا الغَدْرُ والطَّمَعُ والخِيَانَةُ وتَدْمِيرُ الأوْطَانِ كَمَا هُوَ الحَالُ مَثَلاً فِي إنْقِلابِ 1952 فِي مِصْر الذي كانَ رَأْسُ الثُّعْبَانِ فِي بِدَايَةِ مُسَلْسَلِ الإنْقِلابَاتِ وخَرَابِ البُلْدَانِ والمُجْتَمَعاتِ العَرَبيَّةِ الرَّاقِيَةِ، وكذِلِكَ إنْقِلابِ 1958 فِي العِراقِ الذي أنْهَى مَشْرُوعَ جَنَّةِ الشَّرْقِ، وإنْقِلابَاتِ سُوريَة ولِيبيا واليَمَن وغَيْرِهَا. أو هِيَ إنْقِلابَاتٌ أشْبَهُ بِحَرَكاتٍ تَصْحيحِيَّةٍ لا مَفَرَّ مِنْهَا لِإنْقاذِ الأوطانِ والشُّعُوبِ مِن إحْتِمَالاتِ الظَّلامِ والدَّمَارِ والدُّخُولِ فِي "أنْفَاقِ" الزَّمَانِ، كَمَا هُوَ الحَالُ مَثَلاً فِي حَرَكَةِ الشَّعْبِ والجَّيْشِ المِصْرِي فِي عامِ 2013 لِإنْقَاذِ مِصْر مِن حُكْمِ الإخْوَانِ والإسْلامِ السِياسِيِّ وتَخْلِيصِ المَحْرُوسَةِ مِن قِوَىً لا تُؤمِنَ بالسَّلامِ والمُسْتَقْبَلِ وهُمْ إخْوَانُ مِصْر ومَجَانينَ حَمَاسٍ الفِلِسْطينيَّةِ وإرْهابِيُّو العَرَبِ والغَرْبِ الذين أرَادُو إشْعالَ الشَّرْقِ بِحُرُوبٍ عَبَثِيَّةٍ نَتَائِجُهَا الخَرَابُ وإزَالَةُ البِلادِ مِنَ الخَرَائِطِ وهِيَ نَتَائِجٌ مَعْرُوفَةٌ، كَمَا قالَ لَنَا أجْدادُنَا وحَكَى لَنَا التأريخُ والزَّمَانُ، لكِنَّ الإنْسَانَ يَنْسَى، والغَبَاءُ، كالذَكَاءِ، مَوْهِبَةٌ!! ولا نَنْسَى لَعْنَةَ الجُّغرَافيا والتي تَلْعَبُ فِيهَا الأقْدارُ أهَمَّ الأدْوَارِ، فالمَمْلَكَةُ المَغْرِبيَّةُ، مَثَلاً، هِيَ مِثالٌ للمُجْتَمَعِ الرَّاقِي والهادِئِ بِدَوْلَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ يَعيشُ فِيهَا المُسلِمُونَ والمَسيحيُّونَ واليَهُودُ مُواطِنُونَ وأحْبَابٌ فِي الوَطَنِ الواحِدِ، وهَذا مِن مَحَاسِنِ ورَكائِزِ ومُقَوِّمَاتِ الحُكْمِ المَلَكِيِّ المُسْتَقِرِّ. وعَوَامِلُ القَدَرِ والثَّقَافَةِ والحِكْمَةِ السِياسيَّةِ وحُبِّ الأرْضِ والوَطَنِ والجُّغْرَافيَا سَاعَدَتْ فِي هَذا الإسْتِقْرَارِ وهَذِهِ السَّعَادَةِ -- جُغْرَافيا البَّحْرِ والمُحِيطِ والمَاءِ والقُرْبِ مِنْ أوروبّا وهِيَ أسَاسٌ رُسِمَ فِيهِ القَدَرُ والإسْتِقْرارُ المُجْتَمَعِيُّ. فَجِيرَةُ المُحِيطِ والمَاءِ بَرَكَةٌ مُبارَكَةٌ، والمَاءُ فِيهِ الحَيَاةُ ولا يَسْكُنْهُ الشَّيْطانُ، والبَيْتُ المُبَارَكُ لا يَسْكُنْهُ الثُّعْبَانُ، والثُّعْبَانُ السَّامُّ قَدْ إِسْتَقَرَّ وسَكَنَ فِي إيرانُ. ومِنْ ضَحَايَا الإِسْلامِ السِّيَاسِيِّ والمِيلشيَاتِ الطَّائِفِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانيَّةِ والجُّغرَافيَا السِّيَاسِيَّةِ هِيَ أَرْضُ اليَاسَمِينِ، سُوريَة، حَبِيبَةُ الرَّسُولِ بُولس... دُمِّرَتْ وأَصَابَهَا الضَّيَاعُ والتَّقْسِيمُ وحَلَّتْ فِيهَا الفَوْضَى وبَكَى أَهْلُهَا، ولَعْنَةُ الجُّغْرَافيَا أَسَاسٌ فِيهَا! وعَنْهَا، هَمَسَ إِلَيَّ المَسْؤولُ (...) مَرَّةً بِحَديثٍ قَبْلَ سَنَوَاتٍ وقَالَ "إِليْكَ، يَا مازن، السِّرَّ والحَقِيقَةِ والخُلاصَةِ: إِنَّ الحَرْبَ والعُنْفَ والفَوْضَى فِي سُورية لَنْ تَنْتَهِيَ مَهمَا كانَ ويَكونَ إِلاّ إِذَا عَادَ الزَّمَانُ والمَكانُ قَبْلَ أَنْ تَبدَأَ رِياحُ "التَّغْيِيرِ والصَّفِيرِ،" وأَيُّ شَيءٍ عَدَا ذَلِكَ هُوَ خِدَاعٌ وضَيَاعٌ لِلوَقْتِ والمَالِ والأَرْوَاحِ والكلِمَاتِ ولَيْسَ لِلإِعْلامِ فِيهِ إِلاّ الإِثَارَةَ والتّخَبُّطَاتِ، فَلا أَمَلَ دُونَ قَرَارٍ إِسْرَائِيليٍّ، وأَمَّا المُفَاوَضَاتُ بَيْنَ "الحُكومَةِ" والمُعَارَضةِ أَو "المُعارَضَاتِ" فهِيَ لَمْ تَفْشَلَ لأَنَّهَا لَمْ تَبْدَأَ!" وعِندمَا أَرَدْنَا الحَدِيثَ عَنِ العِرَاقِ نَظرْنَا إِلى مَنْ جَاءَ مِنَ قَادَةِ الميلشياتِ والعُمَلاءِ والجُّهَلاءِ والعَقليَّاتِ والمُسْتَويَاتِ فِي سَنَةِ 2003، ونَظرْنَا إِلى العَلمِ "الإِيرَانِيِّ" فِي المَقْعَدِ "العِرَاقِيِّ،" وعِنْدَهَا، تَكلَّمْنَا وتَحَدَّثْنَا فِي مَوْضُوعٍ آخَرَ! وبَعْدَهَا، قَالَ "قائِلٌ" مِنْهُم "إِنَّ الجَّمِيعَ مُتَّفِقٌ عَلى رَحِيلِ الرَّئيسِ السُّورِي، ويَتَمَنَّى ذَلِكَ بِشِدَّةٍ اليَوْمَ وغَدَاً، لكِنَّهُم، أَيْ الأَغْبِيَاءَ مِنَ سَاسَةِ أُوروبّا، مُتَّفِقونَ عُمُوماً عَلى أَنَّهُ لَنْ يَرْحَلَ دُونَ قَرَارَاتٍ أَمْرِيكيَّةٍ وضَرَبَاتٍ إِسْرَائِيليَّةٍ،" "وأَنَّ بَعْضَ الأُوروبييّنَ يَتَهيَّئونَ "نَفْسِيَّاً" لِلإِعترَافِ بِ "سُوءِ الحِسَابَاتِ" فِي سُوريَة، والذي أَدَّى إِلى زَعْزَعةِ الإِسْتِقرَارِ المُجْتَمَعِيِّ فِي أُوروبّا!! وأَنَّ حِسَابَاتِهِم كانَتْ مُتَسَرِّعَةً فِي إِعْتِقَادِهِم أَنَّ التَّجْرِبَةَ التُّونِسيَّةَ مِثَالٌ قابِلٌ للتَّطْبِيقِ فِي الشَّامِ - كمَا أَقْنَعَهُم بِذَلِكَ العَرَبُ والأَتْرَاكُ - وأَنَّ الخَارِجيَّةَ ال "..." تَضَعُ الآنَ بَعْضَ الأَفكارِ المُعَقَّدَةِ و "الصَّعْبَةِ" لِ "تَصْحِيحِ الحِسَابَاتِ" والِإتِّصَالِ بِالرَّئِيسِ السُّورِيِّ، لَيْسَ حُبَّاً بِهِ، بَلْ كُرْهَاً لِمُوَاطِنِيهِ، وهُنَا أَتَحَدَّثُ عَنْ الإِخْوَةِ اللاجِئِينَ الذينَ، هُم دَائِمَاً، ضَحِيَّةُ الحُرُوبِ الشَّخْصِيَّةِ والعَمَالَةِ الإِيرَانِيَّةِ والطَّاوِلَةِ السِّيَاسِيَّةِ، والأَقْدَارِ الأَرْضِيَّةِ والبَشَريَّةِ -- ولَيْسَ الأَقْدَارُ السَّمَاوِيَّةِ والإِلهيَّةِ. ومِثَالٌ آخَرٌ لِعَامِلِ الجُّغرَافيا الحاسِمِ هُوَ العِراقُ الذي وَجَدَ نَفْسَهُ مُحَاطَاً بِ "جِيرانٍ" أرَادُو أَنْ يُمَزِّقُوهُ أو يُدَمِّرُوهُ أو يَحْتَلُّوهُ، أو إنْقِلابِيُّونَ عَسْكَرٌ وعَسَاكِرٌ حَكَمُوهُ، أَو غَوْغَاءٌ وجُهَلاءٌ وعُمَلاءٌ اليَوْمَ يَحْكُمُوهُ، فَأَوْصَلُوهُ إلى حَالٍ ومَآلٍ لِيكونَ إِحْدَى المُحَافَظاتِ الإيرَانيَّةِ النَّاطِقَةِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، أَو لِيكونَ، كمَا عَبَّرَ عَنْهُ أَحَدُ القادَةِ الأُوروبِيّينَ فِي "دَرْدَشَةٍ" سِياسِيَّةٍ بِالبَلد التَّائِهِ! فَتَحَقَّقَتْ بِذَلِكَ نُبُوءَاتُ الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ والعَهْدِ القَدِيمِ، إذْ بَعْدَ أَنْ أَعْطَى الرَّبُّ أَرْضَ بَابِلَ الخَيْرَ والبَرَكَةَ والشَّمْسَ والمَاءَ والزَّرْعَ وجَعَلَ مِنْهَا أَرْضَاً لِأُولَى الحَضَارَاتِ والسُّلالاتِ والرِّسَالاتِ، وجَدَ فِي شَعْبِهَا قَسْوَةً وحُبَّاً للفِتَنِ والشِّقَاقِ. فَأَمَرَ الرَّبُّ إبْرَاهِيمَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا وأَهْلَهُ وتَنَبَّأَ مَلاكُ الرَّبِّ بِخَرَابِ بَابِلَ بِسَبَبِ شَعْبِهَا العَاشِقِ للعُنْفِ وسَيْلِ الدِّمَاءِ. ودَلِيلُ الرَّبِّ عَلى هَذا مَا حَصَلَ بَعْدَ دُهُورٍ وعُصُورٍ فِي القُصُورِ المَلَكيَّةِ وقَبْلَهَا وبَعْدَهَا وسَيْلُ دِمَاءِ الأَبْرِيَاءِ فِي أَربَعِينيَّاتِ وخَمْسِينيَّاتِ عَقْدِ الدِّمَاءِ. لِتَأْتِيَ سَنَةُ 2003 وتَكُونَ خَيْرُ دَلِيلٍ عَلى نِفَاقِ وشِقَاقِ وغَبَاءِ البَشَرِ الذينَ صَفَّقُو وهَلّلَو حِينَهَا لِسُقُوطِ بَغْدَادَ ودَمَارِ العِرَاقِ وإعْدَامِ صَدّام حسين، لِيَبْكُو اليَوْمَ عَلى بَغْدَادَ والعِرَاقِ وصَدّام حسين!! ومَرَّةً أُخْرَى، هُوَ النِّفَاقُ والشِّقَاقُ يَا هِنْد، هُوَ النِّفَاقُ والشِّقَاقُ! فَكَانَتْ الأقْدَارُ للعِرَاقِ ولِشَعْبِهِ بالمِرْصَادِ، وكانَ هُوَ لِنَفْسِهِ بالمِرْصَادِ. ومِثَالٌ آخَرٌ هُوَ مِصْر المَحْرُوسَةُ، الوَحِيدَةُ فِي البِلادِ التي كَتَبَ اللهُ لَهَا وعَلَيْهَا الأَمَانَ فِي كُتُبِ الزَّمَانِ، فَجِيرَانُهَا هُنَا وهُنَاكَ وأرْضٌ وبَحْرٌ، ومِنْهُم غَزَّة التي لَمْ يأتِيَ لِمِصْر مِنْهَا إلاّ أنْفَاقُ الظُّلْمَةِ والظَّلامِ والجَّهْلِ والإرْهابِ وتَهْرِيبِ السِّلاحِ والتَّآمُرِ وصُدَاعِ الرَّأْسِ، أَو جَارٌ آخَرُ لِمِصْرَ هِيَ إسْرائيل، والعِلاقَةُ مَعَ إسْرائيلَ واضِحَةٌ بَيِّنَةٌ لا غُمُوضَ فِيهَا، إمَّا حَرْبٌ ودَمَارٌ وإمَّا سَلامٌ ورَخَاءٌ وإعْمَارٌ...، إمَّا حُرُوبٌ ونَكَسَاتٌ كَمَا كانَتْ مَعَ عَبدِ النّاصِرِ وإمَّا حَرْبٌ وسَلامٌ ثُمَّ إسْتِرْدادُ الأرْضِ بِالحِكْمَةِ والإتِّفَاقِ وتَنَاوُلِ الكَّعْكِ والشَّاي دُونَ قَطْرَةِ دَمٍ كَمَا كانَ مَعَ أنورِ السَّادات -- وهكذَا، فَالعِلاقَةُ مَعَ إسرائيلَ تَعْتَمِدُ عَلى الحِكْمَةِ والتَّعَقُّلِ والحِفَاظِ عَلى الأرْضِ والسِّيادَةِ وكَرَامَاتِ النّاسِ عَنْ طَرِيقِ السَّلامِ والعَدْلِ والجِّيرَةِ الطَّيّيبَةِ والإحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ والقَبُولِ بأقْدَارِ الرَّبِّ ومَا أرَادَ وكانَ ويَكُونَ، ولَيْسَ عَن طَرِيقِ الغَبَاءِ والجَّهْلِ وغَسِيلِ العُقُولِ والإسْلامِ السِياسِيِّ والخِطَاباتِ النّاريَّةِ والمُظَاهَرَاتِ، والشِّعَارَاتِ والميلشياتِ والمُخَدَّرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ، والأكَاذِيبِ وشَتْمِ القَرِيبِ والبَعِيدِ، ورَفْعِ الأصَابِعِ والتَّهْدِيدِ، والأحْلامِ والأوْهَامِ بِحَرْقِ إسرائِيل والوَعِيدِ، وإزَالَتِهَا فِي دَقَائِقٍ مِنَ الوُجُودِ، وصِرَاعٍ بَيْنَ قِمَّةِ التَكنلوجيا الإسْرَائِيليَّةِ وقُوَّةِ الطَّائِراتِ ضِدَّ أفْرادٍ فِي أنْفاقٍ بِلا هَوَاءٍ بَيْنَ الحُدُودِ والحُدُودِ، وحُرُوبٍ وأعْمَالٍ بِخَوَاتِيمِهَا، والخَوَاتِيمُ، حَتْمَاً، هِيَ الدَّمَارُ وزَوَالُ الأُمَمِ وقَهْرُ الشُّعُوبِ والتَّهْجِيرُ والدُّمُوعُ والفَقْرُ والعَوْدَةُ قُرُونَاً إلى الوَرَاءِ! وهُنَا أَقُولُ، إِنَّ إِسْرَائِيلَ دَوْلَةٌ تُحِبُّ السَّيْطَرَةَ الدَّائِمَةَ، لَكِنَّهَا لا تُحِبَّ الحَرْبَ الدَّائِمَةَ، وهَذا فِي عِلْمِ النَّفْسِ السِّيَاسِيِّ فَرْقٌ كَبِيرٌ -- فَإِسْرَائِيلُ، وهُنَا دَائِمَاً أُكَرِّرُ، دَوْلَةُ رُدُودِ أَفْعَالٍ أَكْثَرُ مِنْ كَوْنِهَا أَفْعَالٌ، أَيْ أَنَّ السَّلامَ مَعَ مَنْ أَرَادَ السَّلامَ، والحَرْبَ والتَّدْمِيرَ والتَّهْجِيرَ مَعَ مَنْ أَرَادَهَا أَو فَكَّرَ بِهَا أَو فِيهَا. والعَقْلِيَّةُ الإِسْرَائِيليَّةُ تَعْتَمِدُ "برَاغمَاتِيَّاً" عَلى العِلْمِ والعَمَل، وهُمَا مِنْ هِبَاتِ الرَّبِّ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ مُنْذُ القِدَمِ. فَقَد كانَ لَهُم مَوْهِبَةُ العِلْمِ والحِرَفِ اليَدَوِيَّةِ والإِبْدَاعِ والإِجْتِهَادِ فِي العَمَلِ والوُصُولِ إِلى الهَدَفِ قَبْلَ وبَعْدَ خُرُوجِهِم مِنْ مِصْرَ وإِلى تأرِيخِنَا المُعَاصِرِ، بَلْ حَتّى عِندمَا كانُو فِي مُعَسْكَرَاتِ الإِعْتِقَالِ فِي أَلمانيَا وأُوروبّا وهُم يَعْمَلُونَ ويَصْنَعُونَ التُّحَفَ النَّادِرَةَ والأَثَاثَ الجَّمِيلَ ويَعْزِفُونَ أَشْهَرَ المَقْطُوعَاتِ المُوسِيقِيَّةِ لِجَنِرَالاتِ الرَّايخِ الثّالِث الذينَ كانُو بِحَاجَةٍ إِلى مَوَاهِبِ اليَهُودِ أَو إِلى أَمْوَالِهِم المَوْجُودَةِ أَو المُهَرَّبَةِ عِندمَا بَدَءَ "سُوقُ الرَّشَاوَى" بِالإِنْتِعَاشِ فِي مُعَسْكَرَاتِ العَمَلِ والإِعْتِقَالِ. وهَذا مِنْ أَسْرَارِ بَقَاءِ أَو إِبْقَاءِ الكَثِيرِ مِنْهُم عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ قَبْلَ وبَعْدَ "إِجْتِمَاعِ الحَلِّ الأَخِيرِ" الذي "كَتَبَ" فُصُولَهُ القَائِدُ النَّازِيُّ أَدُولف آيشمَان. وهُوَ "مَجْمُوعَةُ أَفْكَارٍ" لِحَلِّ المَسْأَلَةِ اليَهُودِيَّةِ والتَّخَلُّصِ مِنْهُم بِشَكْلٍ نِهَائِيٍّ وفَعَّالٍ نُوقِشَتْ بِالتَّفْصِيلِ فِي مُؤْتَمَرِ وَانسِيي أَو فَانسِي فِي بَرْلِينَ فِي بِدَايَةِ سَنَةِ 1942 وكانَ إِحْتِمَاعَاً بِزَعَامَةِ القَائِدِ النَّازِيِّ راينهَارد هايدرِيش -- وهُوَ مِن أَصْدِقَاءِ هِتْلَر المُقَرَّبِينَ وإِبْنُهُ الرُّوحِيُّ وقُتِلَ وأُغْتِيلَ فِي برَاغ بِيَدِ المُقَاوِمِينَ بَعْدَ أَشْهُرٍ مِنْ ذَاكَ الإِجْتِمَاعِ -- وكانَ مِنْ جَدَاوِلِهِ "العَلَنِيَّةِ والسِّرِّيَّةِ" تَنَاوِلُ الطَّعَامِ والنِّقَاشِ وإِيجادُ طَرِيقَةٍ "مِثَالِيَّةٍ" وسَرِيعَةٍ وعِلْمِيَّةٍ وعَمَلِيَّةٍ لِحَرْقِ البَشَرِ وقَتْلِ الأَطْفَالِ والنِّسَاءِ والرِّجَالِ الأَبْرِيَاءِ، فَقَطْ، لأَنَّهُم يَهُودٌ!! رَغْمَ ذَلِكَ بَقِيَ الكَثِيرُ مِنَ اليَهُودِ عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ لِأَنَّ اللهَ أَرَادَ ذَلِكَ -- عِلْمَاً إِنَّ الكَثِيرَ مِنْهُم كانَ قَدْ أَعْلَنَ نُكْرَانَهُ لِلرَبِّ والدِّينِ بِسَبَبِ الظُّلْمِ والقَهْرِ والعَذَابِ -- لأَنَّ اللهَ نَسِيَ شَعْبَهُ مَرَّةً أُخْرَى كمَا قِيلَ وكُتِبَ. وإِسْتَمَرَّ الكَثِيرُ مِنْهُم فِي الصَّبْرِ وقُبُولِ الأَقْدَارِ الصَّعْبَةِ وعَمِلَ بِجِدٍّ وصَبْرٍ وصَنَعَ التُّحَفَ ورَسَمَ الجِّدَارِيَّاتِ وأَلَّفَ الكُتُبَ والمُوسِيقَى - وكَثِيرٌ مِنْهَا ومِن إِبْدَاعَاتِهِم لا زَالَتْ فِي مَتَاحِفِ أَلمانيَا والدُّوَلِ الأُوروبِيَّةِ، والأَكْثَرُ مِنْهَا نُشِرَ وأُذِيعَ لِلبَشَرِ. والشَّعْبُ الإِسْرَائِيلِيُّ لَهُ قُدْرَةٌ فِي البِنَاءِ تُثِيرُ الإِعْجَابَ مَهْمَا إِخْتَلَفَتْ الشُّعُوبُ مَعَهُم سِيَاسِيَّاً أَو وُجُودِيَّاً، فَقَدْ إِسْتَلَمُو الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ، مَثَلاً، صَحْرَاءَ جَرْدَاءَ لَكِنَّهُم صَنَعُو مِنْهَا بِيئَةً حَضَارِيَّةً وحَضَرِيَّةً وسَكَنِيَّةً وطَبِيعِيَّةً مُتَقَدِّمَةً مُجْتَمَعِيَّاً وعِلْمِيَّاً "فَوْقَ الأَرْضِ" فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ، بَيْنَمَا نَجَحَ العَرَبُ فِي فِلِسْطِينَ فِي صُنْعِ مَدِينَةٍ كَامِلَةٍ ومُحَصَّنَةٍ "تَحْتَ الأَرْضِ" عَلى شَكْلِ أَنْفَاقٍ لِقَتْلِ النَّاسِ وحِفْظِ أَمْوَالِ "القَادَةِ" وعَائِلاتِهِم الذينَ أَصْبَحُو مِنْ أَغْنِيَاءِ الشَّرْقِ فِي وَقْتٍ قِيَاسِيٍّ!! وأَصْبَحَتْ إِسْرَائِيلُ وتَحَوَّلَتْ مِنْ مَجْمُوعَةِ عَائِلاتٍ وشَتَاتٍ إِلى دَوْلَةٍ تُعْتَبَرُ مِنَ الأَوَائِلِ فِي البُنَى التَّحْتِيَّةِ والعِلْمِ والتَّكنَلُوحِيَا، بَيْنَمَا يُفَكِّرُ قَادَةُ حَمَاسَ وفَتْحَ وحِزْبِ اللهِ اللُّبْنَانِيِّ-الإِيرَانِيِّ فِي سَرِقَةِ أَمْوَالِ التَّبَرُّعَاتِ الأُمَمِيَّةِ والدُّوَلِيَّةِ التي أَسَاسُهَا، أَو المَفْرُوضُ فِيهَا، هُوَ بِنَاءُ المُسْتَشْفَيَاتِ والمَصَانِعِ والحَدَائِقِ العَامَّةِ والمَدَارِسِ والجَّامِعَاتِ! ولا زَالَ السَّاسَةُ فِي أُوروبّا، مَثَلاً، وهذِهِ حَقِيقَةٌ، يَتَحَيَّرُونَ مِنْ ضَيَاعِ المَلايِينِ مِنَ الأَمْوَالِ "التَبَرُّعَاتِ الإِغَاثِيَّةِ والإِنْسَانِيَّةِ" التِي أَسَاسُهَا التَّعْلِيمُ والبِنَاءُ والتي سُلِّمَتْ لِمَسْؤولِي فَتَحَ، مَثَلاً، المَوْجُودِينَ فِي أَلمَانيَا وأُوروبّا! أَيْنَ ذَهَبَتْ؟ وكَيْفَ؟! عُمُومَاً، الكُلُّ يَصْرُخُ بِتَحْرِيرِ القُدْسِ، مِنْهُم مَنْ يُقَاتِلُ نِفَاقَاً مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ أَو إِيرَان، ومِنْهُم مَن يَصْرِخُ إِتِّفَاقَاً، "وأَيْضَاً" مَعَ إِيرَان، وإِيرَانُ لا تُفَكِّرُ إِلاّ بِإِيرَانَ، والمُنَافِقُونَ يَبْحَثُونَ عَنْ مَكَانٍ لَهُم فِي هذِهِ الدُّنْيَا "قَبْلَ النِّسْيَانِ" ولا عِلاقَةَ لِلأَمْرِ بِالقُدْسِ! القُدْسُ... وهِيَ أُورشَلِيم... وهِيَ أُورسَالِم، وهِيَ القُدْسُ العَرُوسُ، وهِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ العَرِيسِ، حِينَ هَرَبَ إِبْلِيسُ، وهِيَ مَدِينَةُ الحُبِّ والسَّلامِ ورَئِيسِ السَّلامِ، وهِيَ مَدِينَةُ اللهِ، واللهُ رَبُّ الجَّمِيعِ، واللهُ سَلامٌ لِلجَمِيعِ، وهَكذَا، أُورشَلِيم مَدِينَةُ الجَّمِيعِ -- مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمَعِ فَلْيَسْمَعْ! ولَوْ ذَهَبْتَ اليَوْمَ إِلى القُدْسِ بِقِسْمَيْهَا، مَثَلاً، لَعَرَفْتَ الفَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَحَبَّ اللهَ والسَّلامَ والبِنَاءَ والإِعْمَارَ مِنْ أَجْلِ الجَّمِيعِ، وبَيْنَ مَن يَهْوَى الخَرَابَ والدَّمَارِ لِلجَمِيعِ -- وهُنَا، مَرَّةً أُخْرَى، لَيْسَ الكُلُّ والجَّمِيعُ -- إِذْ أَنَّ الأَسَاسَ هُوَ تَرْبِيَةُ الإِنْسَانِ فِي طُفُولَتِهِ وبِيئَتِهِ قَبْلَ تَرْبِيَةِ الحُكُومَاتِ والأَوطَانِ. فَهُنَاكَ الطَّيِّبُ والرَّاقِيَ أَو الشِّرِّيرُ والخَبِيثُ مِنْ هَذا وذَاكَ وهُنَا وهُنَاكَ - والبَشَرُ يَبْقَى هُوَ البَشَرُ. لَكِنَّ الأَكْثَرِيَّةَ والأَقَلِيَّةَ والوَاقِعَ والأَهْلِيَّةَ هِيَ مِيزَانُ الأُمُورِ والأَحْدَاثِ. مَثَلاً، عِندمَا كُنْتُ أَعِيشُ فِي بَرلِينَ التي دَرَسْتُ وعِشْتُ فِيهَا، كانَ الأَمْرُ وَاضِحَاً وجَلِيَّاً بَيْنَ شَمَالِ بَرْلِينَ الهَادِئِ نَوْعَاً مَا، أَو جَنُوبِ غَرْبِهَا المَعْرُوفِ بِنَظَافَتِهِ وهُدُوءِهِ ورُقِيِّ سَاكِنِيهِ، وبَيْنَ غَرْبِهَا بِزِحَامِهِ الشَّدِيدِ خَاصَّةً بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَ مَقْصَدَ المُهَاجِرِينَ فِي السَّنَةِ الأَخِيرَةِ لِفَوْضَى قَوَانِينِ بَلَدِيَّاتِهِ، وبَيْنَ شَرْقِهَا المَعْرُوفِ بِنَازِيَّةِ قَاطِنِيهِ، أَو وَسَطِ المَدِينَةِ أَو وَسَطِ جَنُوبِهَا قَلِيلاً وخَاصَّةً حَيِّ "نُويكُولن" المَعْرُوفِ بِأَوْسَاخِهِ وعَشْوَائِيَّاتِهِ ومُعَدَّلِ جَرَائِمِ سَاكِنِيهِ وحُبِّهِم لِلعُنْفِ والسُّوقِيَّةِ والفَوْضَى والصُّرَاخِ والعَوِيلِ أَو حَتّى اللَّطْمِ فِي الشَّوَارِعِ -- أَو المُظَاهَرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ أَمَامَ كامِيراتِ الفَضّائِيَّاتِ ثُمَّ تَكْسِيرِ المَحَلاَّتِ والأَسْوَاقِ والمَرَافِقِ العَامَّةِ والعِرَاكِ مَعَ الشُّرْطَةِ عِندمَا تَنَامُ الكامِيرَاتُ -- ومُعْظَمُ سَاكِنِيهِ مِنَ المُهَاجِرِينَ والمَافِيَاتِ العَرَبِيَّةِ والخَلايَا الإِرْهَابِيَّةِ ومَجَامِيعِ الشَّرِيعَةِ الإِسْلامِيَّةِ التي أَصْبَحَتْ أَحَادِيثَ المُجْتَمَعَاتِ اليَوْمِيَّةِ وأَخْبَارَهَا، خاصَّةً مِمَّنْ جَاءَ وحَضَرَ ودَخَلَ أَلمَانيَا فِي سَنَةِ 2015 أَيْ قَبْلَ خَمْسِ سَنَوَاتٍ مِنْ كِتَابَةِ كَلِمَاتِيَ هَذِهِ عِندمَا فَتَحَتْ المُسْتَشَارَةُ الأَلْمَانيَّةُ أَنجِيلا مِيركل البَابَ عَلى مِصْرَاعَيْهِ فَكانَتْ فُرْصَةُ العُمْرِ لِدُخُولِ آلآفِ العَوَائِلِ الطَّيِّبَةِ، وهَذا بَابٌ إِنْسَانِيُّ، لَكِنْ، لِلأَسَفِ، مَعَهَا أَيْضَاً آلآفُ المُجْرِمِينَ والسُّوقِيِّينَ والإِرْهَابِيِّنَ "ومِنْهُم أَنِيس عَمْرِي أَو العَمْرِي أَو العَامِرِيّ" أَو الطَّائِفِيِّينَ والمُتَعَصِّبينَ مِنَ جُهَلاءِ العِلْمِ والدِّينِ والسِّيَاسَةِ والإِجْتِمَاعِ والأَخْلاقِ والرُّقِيِّ والتَّرْبِيَةِ، وهذَا بَابٌ تَخْرِيبِيٌّ! نَعَم، يَا سَادَة، هَذِهِ هِيَ أَلمَانيَا اليَوْم! وَصَلَتْ؟! وأقُولُ فِي هَذا الفَصْلِ كَمَا قُلْتُ سَابِقَاً وفِي كُتُبٍ وفُصُولٍ أُخْرَى: غَرِيبٌ عاقِلٌ خَيْرٌ مِن أَخٍ بَغِيٍّ، ومَاجِنٌ تَقِيٌّ خَيْرٌ مِن مُنَافِقٍ وَلِيٍّ، وصَدِيقٌ رَاقٍ خَيْرٌ مِنْ جَارٍ سُوقِيٍّ، وعَدُوٌّ حَكِيمٌ خَيْرٌ مِن حَلِيفٍ غَبِيٍّ! وإِنْ أَرَادَ الشَّعْبُ العِرَاقِيُّ أَو العَرَبِيُّ أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً تُسَمَّى "حَيَاةٌ" ولَيْسَ شَيئَاً آخَرَ، فَعَلَيْهِ أَن يَثُورَ عَلى نَفِسِهِ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَثُورَ عَلى غَيْرِهِ. وعَلَيْهِ أَنْ يَتَّكِلَ عَلى نَفْسِهِ بَعْدَ الرَّبِّ، وأَنْ يُؤْمِنَ بِالتأرِيخِ ومَا كانَ فِيهِ مِنْ دُرُوسٍ وعِبَرٍ وأَهَمُّهَا "مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثلُ ظُفْرِكَ" فَالكُلُّ لَهُ مَا لَهُ مِنْ أَطْمَاعٍ ومَصَالِحٍ ولا يَنْفَعَ أَحَدٌ أَحَدَاً -- تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وتَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ! وأَمَّا عِرَاقِيَّاً، وبَعْدَ أَنْ يَثُورَ الشَّعْبُ عَلى نَفِْسِهِ ويُغَيِّرَ مَا فِيهَا مِنْ نِفَاقٍ وشِقَاقٍ وحُبٍّ لِلفِتْنَةِ والطَّائِفِيَّةِ وسُلُوكِيَّاتٍ مُجْتَمَعِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَاصَّةً "الشَّكْوَى" وهُوَ مَا عُرِفَ بِهِ طَوَالَ العُصُورِ والدُّهُورِ، يَبْدَأُ بَعْدَهَا فِي التَّخَلُّصِ مِنَ النِّفَايَاتِ السِّيَاسِيَّةِ والمُجْتَمَعِيَّةِ وبَقَايَا ومُخَلَّفَاتِ الإِحْتِلالِ الإِيرَانِيِّ بِكُلِّ آثَارِهِ وعَادَاتِهِ وخُرَافَاتِهِ وسَخَافَاتِهِ المُقَزِّزَةِ للعُقُولِ والأَبْدَانِ! والأَهَمُّ هُوَ طَرْدُ نِفَايَاتِ إِيرَانَ مِنَ العُمَلاءِ والجُهَلاءِ والقَتَلَةِ والسُّرَّاقِ والفَاسِدِينَ سِيَاسِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وعِلْمِيَّاً... وعَلى رَأْسِهِم المَالِكِيّ وهُوَ الحِصَانُ الإِيرَانِيُّ والحَاكِمُ الفِعْلِيُّ لِبَغْدَادَ... الذي حَكَمَ العِرَاقَ ودَوْلَتَهُ العَمِيقَةَ قَبْلَ وِلايَتِهِ وأَثْنَاءَ وِلايَتِهِ وحَتّى بَعْدَ وِلايَتِهِ "وإِلى اليَوْم" لِإِتِّصَالِهِ المُبَاشَرِ واليَوْمِيِّ بِالمُخَابَرَاتِ الإِيرَانِيَّةِ وإِسْتِخْبَارَاتِهَا وتَلَقِّ الأَوَامِرَ والتَّعْلِيمَاتِ والوَصَايَا التَّخْرِيبيَّةِ للمُجْتَمَعِ والشَّبَابِ العِرَاقِيِّ -- وتَبَادُلِ التَّقَارِيرِ بِشَكْلٍ دَائِمٍ! وهُوَ عَاشِقٌ لِلجَاسُوسِيَّةِ مُنْذُ نُعومَةِ أَظْفارِهِ وصِبَاهُ، وهَذَا مَا عُرِفَ عَنْهُ "وكُتِبَ" فِي سِجِلاَّتِ المُخَابَرَاتِ الغَرْبِيَّةِ وبَعْضِ الكَوَالِيسِ العَرَبِيَّةِ والإِقْلِيمِيَّةِ. وهَكذَا، هِيَ العُلومُ السّياسِيّةُ، وهُوَ عِلمُ الإجْتِماعِ، وهُوَ عِلمُ الإجْتِماعِ السّياسِيِّ، وهُوَ عِلمُ النّفْسِ السّياسِيِّ كَمَا حَالُ العِرَاقِ والعَرَبِ، وهِيَ لَعَنَاتُ الإنْقِلاباتِ العَسْكَرِيَّةِ فِي الخَمسينيَّاتِ والسِّتينيَّاتِ التي تُلاحِقُ أصْحابَهَا، وعَدَمُ الرِّضَا بالمُلُوكِ الصّالِحينَ، والعَسَاكِرُ هُمْ للحُرُوبِ والغُرُورِ تَابِعِينَ...، أو لَعَنَاتُ النِّفاقِ والشِّقاقِ وعَدَمِ الرِّضَا بالرُّؤسَاءِ وأَقْدَارِ السِّنِين، أو، كانَ مَا كانَ وَلا يَزَال، لَعْنَةُ 1979 ولَعَنَاتُ الزَّمَانِ والمَكَانِ وطَلاسِمِ الخُمَيْنِيِّ وإجْتِمَاعِ بَارِيسَ الَّليْلِيِّ والقَرَارِ الغَرْبِيِّ والإسْلامِ "السّياسِيِّ" والوَعْدِ الشِّيعِيِّ والجَّهْلِ الدِّينِيِّ. والعُنْصِريَّةُ وكَرَاهِيَةُ إسْرائِيل -- ومِحْوَرُ المُقاوَمَةِ -- وهُمْ لِإيرانَ تابِعِينَ ومِنَ الغَرْبِ وخاصَةً "فَرَنسَا" مَرْغُوبِينَ! ومَا أدْرَاكَ ما مِحْوَرُ المُقاوَمَةِ... هُوَ كابُوسٌ طالَتْ فُصُولُهُ فِي لَيَالِ العَرَبِ والغَرْبِ وإسرائِيل، وسَوْفَ يَتَّفِقَ الجَّميعُ عَلى الخَلاصِ مِنْهُ ومِن كُلِّ الميلشياتِ، رُبَّمَا فِي سَنَوَاتٍ، أو وَقْتٍ قَصِيرٍ لِتَكونَ صَدْمَةً للإرْهابيّينَ وتَهْجِيرٍ وشَتَاتٍ. مِحْوَرُ المُقاوَمَةِ؟! هُوَ مِحْوَرٌ وإتِّحادٌ بَيْنَ الجَّهْلِ الدِّينِيِّ والإنْحِطاطِ الإجْتِماعِيِّ والغَبَاءِ السِّياسِيِّ والإرْهابِ الإعْلامِيِّ، لكِنَّهُ إتِّحادُ الشَياطينِ والأفاعِيَ والثَّعابينِ وأوْلادِ إبْليس، والأُمُّ تُدْعَى إيران، وفِي طَهْرانَ خَلِيَّةُ السَّرَطانِ، قَدْ يَغْدِرونَ بالصَّديقِ والحَليفِ والأهْلِ قَبْلَ العَدُوِّ فِي أيِّ وَقْتٍ وزَمانٍ، أو يَبِيعونَ أنْفُسَهُم لِأنْفُسِهِم، ولا أبَ لَهُم، ويَقْتُلُونَ بَعْضَهُم عاجِلاً أو آجِلاً، لأنَّ حامِلَ السَّيفِ بالسَّيْفِ يُقْتَل، كَمَا قالَ السَيِّدُ المَسِيحُ لِتِلْمِيذِهِ "رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ، لأَنَّ كُلَّ الذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" بِإخْتِصَارٍ، يا سَادَة، فإنَّ المُقَاوَمَةَ "ونِهَايَتُهَا مَحْتُومَةٌ بَعْدَ سَنَوَاتٍ" ما هِيَ إلاّ مُقاوَمَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ وبِناءٍ وفَرَحٍ ولِقاءٍ وسَلامٍ وإزْدِهارٍ -- وهِيَ "مُقاوَمَةٌ" لِكُلِّ ما هُوَ مُسْتَقِرٍّ وراقٍ وهادِئٍ وجَميلٍ، لِتَكونَ إسرائيلُ "الدّيمقراطيّةُ الوَحيدَةُ فِي الشَّرْقِ" هِيَ العدُوُّ ولَيْسَ إيرانُ التي إسْتَوْطَنَتْ أوْطانَ العَرَبِ ورَفَضَتْ الرَّحيلَ! وأَقُولُ، إنَّ الحِفَاظَ عَلى الأَرْضِ أو مَا تَبَقّى مِنْهَا لا يَكُونَ بِقَتْلِ الأبْرِيَاءِ والإِرْهَابِ وإشْعَالِ حُرُوبٍ غَبِيَّةٍ بَيْنَ فَرِيقَيْنِ لَيْسَا فِي تَكافُؤٍ عَسْكَرِيٍّ ولَوْ الشَيءِ البَسِيطِ، بَلْ بالسِّياسَةِ وتَبَادُلِ الأَفْكارِ والمُحَاوَلاتِ والتَّنَازُلاتِ ومُعَادَلاتِ "الأَرْضِ والسَّلامِ" وتَقْليلِ الخَسَائِرِ والحِفَاظِ عَلى مَا تَبَقَّى قَبْلَ ضَيَاعِ مَا تَبَقَّى وإنْشَاءِ دَوْلَةٍ للفِلِسْطينيّينَ لِيَعِيشُو بِسَلامٍ مَعَ إسْرائِيل. وأَمَّا الإتَّكالُ عَلى عِمَامَاتِ إيرَانَ "وهِيَ لا تُرِيدُ الخَيْرَ والسَّلامَ للعَرَبِ، بَلْ شِعَارُهَا بَيْعُ القَرِيبِ وشِرَاءُ الغَرِيبِ والأَهَمُّ هُوَ الغَرْبُ والمَكْسَبُ" أَو مَا كانَ ويَكونَ مِنْ أوْهَامِ "تَحْريرِ القُدْسِ" والشِّعاراتِ فَهِيَ لَيْسَتْ حَقائِقٌ بَلْ أكاذِيبٌ بَرَعَ فِيهَا المُنَافِقُونَ وتَوَارَثَها الشَّبابُ جِيلٌ بَعْدَ جِيلٍ لِعَوامِلَ "رِبْحِيَّةٍ" ودينيَّةٍ وطَائِفِيَّةٍ وإِجْتِمَاعِيَّةٍ مَعْرُوفَةٍ. والبُؤْسُ والفَقْرُ فِي إيرانَ والعِراقَ ولُبْنانَ وسُوريةَ وفِلِسطينَ واليَمَنَ وأفغانِسْتانَ، والدَّمَارُ القادِمُ بَعْدَ سَنَواتٍ قَليلَةٍ، خَيْرُ دَليلٍ. والبِلادُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالفَنِّ والسَّلامِ والرَّخَاءِ والإِسْتِقْرَارِ، ولَيْسَ بِالجَّهْلِ والحُرُوبِ والفَوْضَى والدَّمَارِ. والمُجْتَمَعَاتُ الرَّاقِيَةُ تُعْرَفُ بِالعِلْمِ ومَشَارِيعِ المُسْتَقْبَلِ ومَاكِنَاتِ البِنَاءِ، ولَيْسَ بِاللَّطْمِ وخُرَافَاتِ المَاضِيَ وخَيْمَاتِ البُكَاءِ! فَإِنْ أرَادَ العَرَبُ أنْ يَكُونَ لَهُم شَأنٌ بَيْنَ الأُمَمِ، فَلَيْسَ بالشِّعاراتِ والمُسَيَّرَاتِ والصَّوَارِيخِ والحُرُوبِ والإِرْهَابِ والعَمَالَةِ وعُبُودِيَّةِ البَشَرِ لِلبَشَرِ والمُظَاهَرَاتِ والعَنْتَرِيَّاتِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ، وإنَّمَا بالعِلْمِ والتَّعْلِيمِ والفَنِّ والرُّقِيِّ والفَرَحِ والسَّفَرِ والحِكْمَةِ والسِّيَادَةِ والعِلاقَاتِ الطَّيِّبَةِ والسَّلامِ والإِزْدِهَارِ والبِنَاءِ. فالنَاسُ عَشِقُو لُبْنَانَ، مَثَلاً، لَيْسَ بِالأَحْزَانِ والحَرْبِ الأَهْلِيَّةِ وحِزْبِ اللهِ والقَتْلِ والإِغْتِيَالاتِ والجَّهْلِ والفَقْرِ والعَمَالَةِ والفَوْضَى وإِرْهَابِ الحُكُومَاتِ السُّورِيَّةِ ونِفَاقِ الحَرَكَاتِ الفِلِسْطِينِيَّةِ ومُؤَامَرَاتِ العِمَامَاتِ الإيرانِيَّةِ، إنَّمَا بِصَوتِ فَيْرُوزَ والثَّقَافَةِ والجَّمَالِ والجِّبَالِ والقُرَى والجِّنَانِ، والإِيمَانِ والكَنَائِسِ والأَدْيِرَةِ وأَقْلامِ جُبْرَانَ، وذِكْرَى بَشِيرِ الجميّل وكَلِمَاتِهِ والعَذْرَاءِ مَرْيَمَ والمِسْبَحَةِ والقُلُوبِ الوَرْدِيَّةِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. والعالَمُ عَرَفَ مِصْرَ وأَحَبَّهَا لَيْسَ بِحُرُوبِ عَبد النّاصِرِ العَبَثِيَّةِ وأَمْرَاضِهِ النَّفْسِيَّةِ وقَتْلِهِ لِلقَرِيبِ وسَجْنِهِ لِلغَرِيبِ وحَتّى المُحِبِّينَ، ولا بِنِفَاقِ الإِخْوَانِ المُسْلِمِينَ، بَلْ بِأَحمَد رامِي وبَلِيغ حَمْدِي ونَجِيب مَحفوظ وأَحمَد زويل وجَوائِزِ نُوبِلَ والأَدَبِ والعُلُومِ والفَنِّ وعُمَرِ الشّريفِ وفَاتِن حَمَامة وعَادِل إِمَام، وبَسَاطَةِ الشَّيْخِ الشَّعْرَاوِي وعِلْمِهِ وأُسْلُوبِهِ السَّهْلِ والمَحْبُوبِ وتَوَاضُعِ الإِمَامِ، وعِلْمِ وإِيمَانِ الدّكتُور مُصطَفَى مَحمُود ورُقِيِّ المَقَامِ، وجَمَالِ كَلِمَاتِ البَابَا شنُودَة وإِيمَانِهِ بِالسَّلامِ، وحِكْمَةِ الدّكتُور أَحمَد الطَّيِّبِ والأَزْهَرِ والوَسَطِيَّةِ والوِئَامِ، وخِفَّةِ دَمِ المِصْرِيّينَ وأَرْوَاحِهِم الجَّمِيلَةِ وحُبِّهِم لِلمُسْتَقْبَلِ والحَيَاةِ، والمَخْطُوطَاتِ المُقَدَّسَةِ والآثَارِ وإبْدَاعِ الفَرَاعِنَةِ الرُّقَاةِ، وخَيْرَاتِ الأَرْضِ وجَمَالِ نَهْرِ النِّيلِ، وصَفَاءِ الأَرْبَعِينيَّاتِ ونَقَاءِ ذَلِكَ الجِّيلِ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. والنَّاسُ أَحَبُّو بِلادَنَا ويُحِبُّونَ العِراقَ ويَحْتَرِمُونَ سُمْعَةَ شَعْبِهِ وحَضَارَاتِهِ وتأرِيخِهِ الأَوَّلِ والأَخِيرِ، لكِن لَيْسَ بالحُرُوبِ والهِجْرَةِ والتَّهْجِيرِ، أَو سَفْكِ الدِّمَاءِ والنِّفَاقِ والشِّقَاقِ والتَّدْمِيرِ، ولا بِالعَمَالَةِ والبَطَالَةِ والفَسَادِ والتَّزْوِيرِ، أَو غِيَابِ النِّظَامِ والرِّقَابَةِ وفَوْضَى الزِّيَارَاتِ، وبَيْعِ الأَرْوَاحِ وشِرَاءِ النُّفُوسِ وتَدْمِيرِ العَائِلاتِ، والمُتْعَةِ والإِنْحِطَاطِ الأَخْلاقِيِّ والإِجْتِمَاعِيِّ وأَمْوَالِ بَاكِسْتَانَ وإِيرَانَ التي غَزَتْ مُجْتَمَعَاتِ العِرَاقِ وجَنُوبِهِ وتَشْوِيهِ سُمْعَةِ العِرَاقِيَّاتِ، ولا بِالسَّاسَةِ والعُمَلاءِ والسَّرِقَاتِ والصَّفَقَاتِ، أَو الفَضَائِحِ الإعْلامِيَّةِ والشَّخْصِيَّةِ والصِّرَاعَاتِ، والجُّهَلاءِ وسُرَّاقِ الكَلِمَاتِ، وسَرِقَةِ البَلاغَةِ وفَنِّ الخَطَابَةِ والخِطَابَاتِ "دُونَ خَوْفٍ مِنَ الفَضَائِحِ والمُلاحَقَةِ والمُحَاكَمَاتِ وهِيَ عَلى البَابِ والبَوَّابَاتِ، وقَدْ تُطْرَقُ أَبْوَابُهُم فِي أَيِّ مَكانٍ وزَمَانٍ إِذْ نَعِيشُ فِي زَمَنِ القَوَانِينِ والعُقُوبَاتِ وقَدْ تُقْطَعُ الأَرْزَاقُ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وأَقُولُ دَائِمَاً وهذِهِ وِجْهَةُ نَظَرِي... سَرِقَةُ الكلِمَاتِ غَبَاءٌ بِطَعْمِ الجَّهْلِ وجَهْلٌ بِطَعْمِ الغَبَاءِ" وسَلاطَةِ الِّلسَانِ وحُرُوبِ السُوشَال مِيدِيَا بَيْنَ الصَّغِيرِ والكَبِيرِ، التي، للأَسَفِ، أَصْبَحَتْ رَمْزَاً بَلْ عَلامَةً لِكَثِيرٍ مِنَ العِرَاقِيّينَ، كَثِيرُهُم أَو جُلُّهُم -- فَالمُشْكِلَةُ إِذَاً فِي المُجْتَمَعَاتِ العَرَبِيَّةِ لَيْسَتْ "تَاءُ" التَّأنِيثِ أَو "نُونُ" النِّسْوَة بَلْ "كافُ" المُخَاطَبَةِ! إنَّمَا أَحَبَّ النَّاسُ والكَوْنُ بِلادَنَا وعَرَفُوهَا بِحَمُّو رَابِي وشَرِيعَتِهِ التأرِيخِيَّةِ، وأُور نَمُّو وسُلالاتِهِ وشَرِيعَتِهِ الأَصْلِيَّةِ، وبَوَّابَةِ عِشْتَارَ بِأَحْجَارِهَا وأَلْوَانِهَا الزَهِيَّةِ، والمَلِكُ الحَبِيبُ فَيصَل الثَّانِي والرُّقِيُّ والمَقَامُ والمَلَكِيَّةُ الدُّسْتُورِيَّةُ، وزَهَا حَديد وتَصَامِيمِهَا البَهِيَّةِ، ومَعَارِضِ الجَمِيلَتَيْنِ لَيْلَى وسُعَاد العَطَّارِ والجَوَائِزِ الدُوَلِيَّةِ، وفَرَاشَةِ البَصْرَةِ سِيتَا هاكُوبيَان وأَغَانِيهَا فِي الحُبِّ والغَرَامِ والشَّوْقِ والرُّومَانسيَّةِ، وإِبْنَةِ البَصْرَةِ الرَّاقِيَةِ فِكتُوريَا نُعْمَان المُحَامِيَةِ والإِذَاعِيَةِ، وكُرَةِ القَدَمِ والبُطُولاتِ الدُّوَليَّةِ، والهُوسَاتِ والأَهَازِيجِ الشَّعْبِيَّةِ، والرَّقَصَاتِ العِرَاقيَّةِ، وحِسَانِ الشَّعْرِ الغَجَرِيِّ الأَحْمَرِ بِشِفَاهٍ وَرْدِيَّةٍ وعُيُونٍ عَسَليَّةٍ وأَجْسَادٍ مُخْمَلِيَّةٍ يَرْقُصْنَ كالفَرَاشَاتِ الرَّبِيعِيَّةِ، والمَطْبَخِ العِرَاقِيِّ والكَبَابِ والبِرْيَانِي والفَلافِلِ والعَمْبَةِ والدُّولمَةِ والمَأْكُولاتِ الهَنِيَّةِ، والسِّنْدِبَادَ وعَلِي بَابَا وبَغْدَادَ والبَصْرَةِ والحِلَّةِ والنَّاصِرِيَّةِ، وكِسْرَى والذِّكْرَى والقَادِسِيَّةِ، وحِكَايَاتِ الحُبِّ البَابِلِيَّةِ والشَّجَاعَةِ السُّومَرِيَّةِ، والأُصُولِ الآشُورِيَّةِ، وجَيسيكا مَائير "الشَّابَةُ الجَّمِيلَةُ ورَائِدةِ الفَضَاءِ وعَالِمَةِ الأحْيَاءِ البَحْرِيَّةِ والعَالِمَةِ الفِيزيَائِيَّةِ، وفِي أَيَّامِنَا واليَوْم هِيَ فَخْرٌ لَنَا فِي الأَبْحَاثِ الفَضَائِيَّةِ،" ومَرْكَزِ العُلُومِ فِي البَصْرَةِ فِي السَبعِينيَّاتِ وأَبْحَاثِهِ البَحْرِيَّةِ، وشَارِعِ المُتَنَبِّيَ واحَةِ الفَنِّ والأَدبِ والكُتُبِ والأَذْوَاقِ الرَّاقِيَةِ، وشَارِعِ الرَّشِيدِ وسَاحَاتِ بَغْدَادَ والنَّظَافَةِ فِي العُصُورِ المَاضِيَةِ، وسُوقِ السَّرَايَ والتأرِيخِ والمَحَلاَّتِ والأَنْتِيكَاتِ والذِّكْرَيَاتِ، وكَنَائِسِ نَيْنَوَى ومَارِ مَتَّى ويُونَانَ والمَعَابِدِ والزَّقُّورَاتِ، والقَوْمِيَّاتِ والطَّوَائِفِ والأَدْيَانِ والدِّيَانَاتِ، وبَابِلَ القُوَّةِ والعِلْمِ وأُورَ وبَيْتِ إِبْرَاهِيمَ وسَارَةَ والأَدْيَارِ والأَدْيِرَةِ ودُورِ الرَّاهِبَاتِ، ونِسَاءِ العِرَاقِ فِي الفَنِّ والإِعْلامِ والتَّعْلِيمِ والسِّيَاسَةِ والطَّيَرَانِ وقِيَادَةِ الطَّائِرَاتِ والعَرَبَاتِ، مَنْ كُنَّ قَبْلَ إِنْهِيَارِ 2003 ومَا تَلاهَا فِي الصَّدَارَةِ العَرَبِيَّةِ وأَوَّلَ مَا كانَ وكُنَّ ويَكُونَ، ولا زَالَ الأمْرُ هَكذا. إذَنْ، الجَّهْلُ هُوَ تَعْريفُ الدَّوْلَةِ الفاشِلَةِ، والعُنْفُ هُوَ تَعْريفُ الأُمَّةِ الفاشِلَةِ، والفَقْرُ هُوَ تَعْريفُ المُجْتَمَعاتِ الفاشِلَةِ، وهذا، يا سَادَة، هُوَ الدِّينُ والسِّياسَةُ فِي بِلادِ الفُرْسِ والعَرَبِ. وهِيَ وِلايَةُ الفَقِيهِ ومَا فِيهَا ومِنْهَا مِنْ خُبْثٍ وقَتْلٍ وجَهْلٍ ونِفَاقٍ وحِقْدٍ وبَيْعٍ وشِرَاءٍ للنُّفُوسِ وتَمَلُّقٍ للبَعيدِ وقَتْلٍ للقَريبِ وسَلامٍ باليَدِ اليُمْنَى وطَعْنٍ باليَدِ اليُسْرَى وإبْتِسَامَةٍ فِي النَّهَارِ وتَآمُرٍ فِي ظُلُمَاتِ الليْلِ! لِهَذا، أَقُولُ، إِنْ سَيْطَرَ الدِّينُ عَلى السِّياسَةِ شَوَّهَ مَا فِيهَا، وإنْ تَدَاخَلَتْ السِّياسَةُ فِي الدِّينِ شَوَّهَتْ مَا فِيهِ، مَهْمَا كانَتْ السِّياسَةُ ومَهْمَا كانَ الإيمَانُ أَو الدِّينُ... اليَهُودِيَّةُ كانَتْ أم المَسِيحِيَّةُ أم الإِسلامُ، وخاصَةً الإسْلامُ "المُتَطَرِّفُ" لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْويهٍ للإنْسَانيَّةِ وبَعْضِ الأسَاسِيَّاتِ التي تَعْتَمِدُ عَلى العُنْفِ والقَسْوَةِ وسَفْكِ الدِّمَاءِ فِي شُؤُونِ النَاسِ والحَيَاةِ، ونُصُوصٍ وتَفَاسِيرٍ وتَأْوِيلاتٍ، مُنْذُ أنْ دَخَلَ الإرْهَابُ فِي النُّصُوصِ والكِتَابَاتِ والكُتُبِ فِي تأرِيخٍ بَعِيدٍ وقَرِيبٍ حَتّى بَدَءَ عَصْرُ غَسْلِ الأدْمِغَةِ وغَسِيلِ العُقُولِ وسَرِقَةِ قُلُوبِ الجُّهَلاءِ مِنَ النَّاسِ فِي كُتُبِ حَسَن البَنَّا وسَيِّد قُطب وغَيْرِهِم مِنَ مٌؤَسِّسِي الإرْهَابِ. وخَيْرُ دَليلٍ عَلى هَذا وذاكَ مَا حَصَلَ فِي البِلادِ العَرَبيَّةِ وتُركيا وبِلادِ الشَّرْقِ، فِي المَاضِي والحَاضِرِ، ولِلأسَفِ، فِي المُسْتَقْبَلِ. والسِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، كمَا يَدَّعِيَ البَعْضُ، لأَنَّ الفَنَّ أَسْمَى وهُوَ حُبٌّ وسَلامٌ لَكَ ولَهَا، والفَنُّ يَبْنِي دَائِمَاً ولا يُدَمِّرُ كالسِّيَاسَةِ فِي أَحْيَانِهَا، وهِيَ لَيْسَتْ فَنُّ الطَّبْخِ، كمَا يَظُنُّ البَعْضُ، لأَنَّهَا لَيْسَتْ فَنٌّ ولَيْسَتْ مَطْبَخٌ، وهِيَ لَيْسَتْ مَبَادِئُ "الصَّدَاقَةُ الدَّائِمَةُ والصَّدِيقُ الدَّائِمُ أَو العَدَاوَةُ الدَّائِمَةُ والعَدُوُّ الدَّائِمُ" بَلْ هِيَ عِلْمٌ أَسَاسُهُ الحِكَمَةُ والصَّبْرُ والدِّرَاسَةُ والقِيَاسُ، وفُصُولُهُ السِّيَادَةُ الكامِلَةُ والإِحْتِرَامُ المُتَبَادَلُ بَيْنَ البِلادِ والشُّعُوبِ والنَّاسِ، وعَلامَاتُهُ المَصَالِحُ المُشْتَرَكَةُ دُونَ نِفَاقٍ أَو كَذِبٍ أَو تِجَارَةٍ فِي سُوقِ الجَّهْلِ حَيْثُ يُبَاعُ مَصِيرُ الإِنْسَانِ ويُشْتَرَى. إِذَنْ، السِّيَاسَةُ لَيْسَتْ فَنٌّ، ولَيْسَتْ طَبْخٌ، أَو مَطْبَخٌ، بَلْ هِيَ حِكْمَةُ تَنْظِيفِ المَطْبَخِ بَعْدَ الطَّبْخِ. ولا أَمَلَ فِي تَنْظِيفِ الإِنْسَانِ والمُجْتَمَعَاتِ إِنْ فُتِحَ بَابُ السِّيَاسَةِ بِمِفْتَاحِ الدِّينِ، فَالدِّينُ السِّياسِيُّ أَو مَا أُسَمِّيهِ "القَتْلُ البَطِيءُ" قَدْ أَسَالَ الدِّمَاءَ حَتّى فِي أُوروبّا، فَهَلْ تَعَلَّمَ البَشَرُ مِن تأرِيخِ البَشَرِ؟ لا! وتأريخُ القَهْرِ والظُّلْمِ والمُلُوكِ والمَلِكَاتِ كانَ واقِعُ الحَالِ فِي القُرُونِ الوُسْطَى، وإسبانيَا وفرنسَا وأَلمانيَا -- والحُرُوبُ "الدِّينيَّةُ" التي ذَهَبَ فِيهَا آلافُ الأبْرِياءِ مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والأطْفَالِ بَعْدَ كِتَاباتِ الرّاهِبِ اللاهُوتِيِّ الألمانِيِّ مارتِن لُوثَر، عِندَمَا فَكَّرَ وتَذَكَّرَ، وخاطَرَ وتَحَدَّى وثَارَ وقَامَ بِثَوْرَةٍ أدَبيَّةٍ وعَقْلِيَّةٍ عَلى الكَنيسَةِ الكاثُوليكيَّةِ، والأوَّلُ مَن تَرْجَمَ الكِتَابَ المُقَدَّسَ كَيْ يَفْهَمَ النّاسُ وتَنْتَهِيَ العُبُودِيَّةُ، وهَكذا، فَهِمَ النّاسُ وتَغَيَّرَ تأريخُ البَشَرِ، والبَشَرُ دُونَ فَهْمٍ لا يَتَغَيَّرَ. والآلافُ دّفَعَ الأثْمَانَ، وأسْتَمَرَّتْ الحُرُوبُ الدِّينيَّةُ...، والدَّوْلَةُ العُثْمَانيَّةُ وإِبَادَةُ الآشُورِيّينَ والمَجازِرُ ومَذابِحُ "سيفو" ومَذَابِحٌ أُخْرَى، صُغْرَى وكُبْرَى، إجْتَمَعَ الأتْرَاكُ والأكْرَادُ والإيرانِيُّونَ لِقَتْلِ مِئَاتِ الآلافِ مِنَ المَسيحيّينَ الأبْرياءِ فِي المُدْنِ والقُرَى، والإبَادَةُ الجَّمَاعيَّةُ للآشُوريّينَ والسُّرْيَانِ والكِلْدَانِ فِي التُّرَابِ والثَرَى، ومَعَهَا مَجَازِرٌ وحَرْقٌ للأَرمَنِ أثْنَاءَ وبَعْدَ الحَرْبِ العالَميَّةِ الأُولَى...، ثُمَّ جَاءَ النّازِيُّونَ فِي ألمانيا والنَّمْسَا، وخَلايَا فِي إيطاليَا، وعُشَّاقُ هِتْلَرَ هُنَا وهُنَاكَ وهُنَا، ومَقَابِرٌ جَمَاعِيَّةٌ فِي كُلِّ أُورُوبّا، مِن بَارِيسَ إِلى كِييفَ وأُودِيسَا، وقَتْلٌ فِي جَنُوبِ وشَمَالِ أَمريكا، ثُمَّ بريطانيا وأيرلَندا، بِنْتٌ صُغْرَى فِي الشَّمَالِ وفِي الجَّنُوبِ أُمٌّ كُبْرَى، عُنْفٌ وحُرُوبٌ "طَّائِفِيَّةٌ" لِتَسِيلَ الدِّمَاءُ والدُّمُوعُ وتَبْكِي العُيُونُ وتُكْسَرَ القُلُوبُ فِي أيرلَندا، ولا زالَتْ آثارُهَا وبَقَايَا مَآسِيهَا إلى يَوْمِنَا هَذا، وأمْثِلَةُ أُخْرَى!! وكُلُّ مَا كانَ ويَكُونُ، يَا سَادَة، أَسَاسُهُ غِيَابُ "الأَسَاسِ" المَتِينِ، وهُوَ الحُرِيَّةُ بِجَمَالِهَا وحُدُودِهَا المَعْرُوفَةِ والمُتَعَارَفُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّاً وإِجْتِمَاعِيَّاً وأَخْلاقِيَّاً. وأَنَا أُعَرِّفُ الحُرِّيَّةَ بَأَنَّهَا سُلْطَانُ الإِنْسَانِ عَلى نَفْسِهِ بِإِطَارِ الضَّمِيرِ والرَّقِيبِ، وقُبُولِ الآخَرِينَ بِإِطَارِ الإِحْتِرَامِ لِحُرِّيَّةِ وسُلْطَانِ البَعِيدِ والقَرِيبِ. فَأَنْتَ حُرٌّ طَالَمَا كانَ الآخَرُونَ أَحْرَاراً، والآخَرُونَ أَحْرَارٌ طَالَمَا أَنْتَ حُرٌّ سَعِيدٌ. وسُلْطَانُكَ عَلى نَفْسِكَ فَقَط -- فَأَنْتَ، مَثَلاً، إِجْتِمَاعِيَّاً وإِنْسَانِيَّاً، تُعَلِّمُ أَوْلادَكَ كُلَّ شَيءٍ لَكِنَّ خِيَارَاتِ الحَيَاةِ مِنْ تَعْلِيمٍ وإِيمَانٍ ودِينٍ وإِتِّجَاهَاتٍ سِيَاسِيَّةٍ هِيَ سُلْطَانٌ لَهُم فَقَط -- وسُلْطَانُهُم لَهُم وعَلَيْهِم. وأَمَّا دَوْرُكَ فَهُوَ الوُجُودُ والإِرْشَادُ والتَّعِلِيمُ والتَّرْبِيَةُ والحِمَايَةُ مِنْ شَرِّ الزَّمَانِ والمَكَانِ وتَشْوِيهِ الحَقَائِقِ والمَعْلُومَاتِ، ودَائِمَاً، التَّصْحِيحُ والإِجَابَةُ عَلى أَيِّ سُؤَالٍ وإِسْتِفْهَامٍ وعَلامَاتٍ. فَإِنْ كانَتْ التَّرْبِيَةُ حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ  كانَتْ قَرَارَاتُهُم وخِيَارَاتُهُم فِي الحَيَاةِ، غَالِبَاً، حَكِيمَةٌ وصَحِيحَةٌ أَيْضَاً، والأَعْمَالُ والنَّجَاحَاتُ،غَالِبَاً، بِخَوَاتِيمِهَا. إذَنْ، عَرَبِيَّاً، يا سَادَة، غِيَابُ الحُرِّيَّةِ وخَاصَّةً حُرِّيَّةُ الفِكْرِ والتَّفْكِيرِ والحَيَاةِ والإِخْتِيَارِ يَنْتَهِيَ تِلْقَائِيَّاً وزَمَانِيَّاً إِلى غَسْلِ العُقُولِ بِمَاءِ الجَّهْلِ والأكاذيبِ، وفِي يَوْمِنَا هَذا، الإسْلامِ السِّياسِيِّ، وهُوَ أَشْبَهُ بِمَاءِ النَّارِ القَاتِلِ أَو النتريكِ المُذِيبِ لِلعُقُولِ والأَبْدَانِ! ومَا أَدْرَاكَ مَا الإِسْلامُ السِّياسِيُّ...، هُوَ فيرُوسٌ قاتِلٌ أَصَابَ المُسْلِمِينَ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَ الأَدْيَانَ والأَوْطانَ، وأَصَابَ المُجْتَمَعاتِ الشَّرْقيّةَ لِسَنَواتٍ وعُصُورٍ، ويُحَاوِلَ اليَوْمَ أَنْ يُصِيبَ بَعْضَ المُجْتَمَعاتِ الغَرْبِيَّةِ ومُنْذُ شُهُورٍ، وحَوَّلَ أجْسَادَ العِراقِ واليَمَنِ ولِيبيا ولُبْنانَ إلى أطْلالٍ ودُوَيْلاتٍ إيرانِيَّةٍ تَتَحَدَّثَ العَرَبيَّةَ -- وأحْدَثَ دَمَارَاً إجْتِمَاعِيَّاً فِي غَزَّةَ وحَوَّلَهَا إلى مُعَسْكَرِ إعْتِقَالٍ وأنْفَاقٍ للإرْهابِ لِتُصْبِحَ مَشْرُوعَ دَمَارٍ وقُنْبُلَةً مَوْقُوتَةً سَوْفَ تَنْفَجِرُ وتَمْحُو غَزَّةَ مِنَ الوُجُودِ قَرِيبَاً -- وأحْدَثَ دَمَاراً وتَمَزُّقاً إجْتِمَاعيَّاً ومُجْتَمَعيَّاً فِي أحْيَاءٍ كامِلَةٍ فِي جَسَدِ سُوريَة ، وللأسَفِ، سَوْفَ يَرَى السُّورِيُّونَ هَذا ونَتَائِجَهُ التَّدْمِيريَّةَ قَرِيبَاً -- وسَبَّبَ جُرْحَاً فِي جَسَدِ مِصْر قَبْلَ أنْ يَتَعَافَى بِعَمَلِيَّةٍ جِراحيَّةٍ -- وأحْدَثَ جِرَاحَاً فِي جَسَدِ الجَّزائِرِ فِي عَشْرِ سَنَوَاتٍ سَالَتْ فِيهَا دِماءُ الأبْرِيَاءِ -- وشَرْخَاً في جَسَدِ تُونس، وهُنَا وهُنَاك...، وإنْ لَمْ تُطَهَّر مُجْتَمَعاتُ البَشَرِ وأجْسَادَهَا مِن فيرُوسِ المِيلشياتِ والإسْلامِ السِياسِيِّ الفَتَّاكِ فإنّ بِدَايَةَ النِّهايَةِ قَدْ "تَبْدَأَ" وقَرِيبَاً تَكُونَ. فَهَلْ تَبحَثُ عَن دَولةٍ فاشِلةٍ بِلا جُذُورٍ؟؟ أو تَبْحَثُ عَن الجَّهْلِ والقَتْلِ والخَرَابِ والدِّمَاءِ والأحْزَانِ والدُّمُوعِ والقُبُورِ؟؟ الأمْرُ، يا صَديقِي، هَيِّنٌ وبَسِيطٌ، إجْمَعْ بين الدِّينِ والسِّياسَةِ. وأَقُولُ إلى حُكَّامِ اليَوْمِ، وهُم حُكَّامُ القَدَرِ والأَقْدَارِ وصَنِيعَةُ الأَرْضِ وغَضَبُ السَّمَاءِ وغَدْرُ الزَّمَانِ... يَقُولُ المَثَلُ الصِّينِيُّ إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ الدَّاخِلِ، ولَكُم أَقُولُ، إِنَّ تَدْمِيرَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ الإِنْسَانِ، ولَكُم أُضِيفُ، إِنَّ بِنَاءَ أَيَّ حِصْنٍ يَبْدَأُ مِنَ السُّورِ ونَقْشِ الحَجَرِ، وإِنَّ بِنَاءَ أَيَّ وَطَنٍ يَبْدَأُ مِنَ النَّفْسِ وتَعْلِيمِ البَشَرِ، وإِنَّ الفَرْقَ واضِحٌ وجَلِيٌّ بَيْنَ الحِمَارِ والحِصَانِ، فَالحِمَارُ الصَّبُورُ "حَسَبَ تَعْرِيفِ الحِمَارِ لَدَيْكُم، وتَعْرِيفِ الصَّبْرِ عِنْدِي" وإِنْ لَمْ ولا يُشَارِكَ "الأَغْنِيَاءَ" فِي سِبَاقِ خَيْلِ الأَغْنِيَاءِ، لكِنَّهُ يَضْحَكُ عَلى الحِصَانِ إِنْ خَسِرَ السِّبَاقَ، وإِنْ كانَ سِعْرُهُ "أَيْ الحِصَانُ ولَيْسَ الحِمَارُ" أَغْلَى مِنْ سِعْرِ الإِنْسَانِ -- وإِنْ كانَ سِعْرُ الحِصَانِ أَعْلَى مِنْ سِعْرِ صَاحِبِ الحِصَانِ!! وَصَلَتْ؟؟ وأَقُولُ إِلى صَانِعِي الكَرَاسِيَ وتُجَّارِ المَقَاعِدِ وبَائِعِي المَنَاصِبِ فِي سُوقِ بَغْدَادَ الكَبِيرِ، فَعَلْتُم مَا أَرَدْتُم... سَرَقْتُم، قَتَلْتُم، صَنَعْتُم، بِعْتُم، إِشْتَرَيْتُم، إِغْتَنَيْتُم، أَحْرَقْتُم، إِنْتَقَمْتُم، دَمَّرْتُم، وبَغْدَادَ أَبْكَيْتُم، وكانَ مِنْكُم مَا كانَ مِنْ أَمْرَاضِ البَشَرِ وحَقَارَةِ الإِنْسَانِ وأَحْقَادِهِ وعُقَدِ الزَّمَانِ... لكِنَّكُم نَسِيتُم أَنَّ التأريخَ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ أَمْثَالِكُم... فَهُولاكو، مَثَلاً، فَعَلَ أَضْعَافَ مَا فَعَلْتُم، وقَتَلَ أَهْلَ بَغْدَادَ وأَفْقَرَ بُيُوتَهَا وكَسَرَ قُلُوبَ نَاسِهَا وأَحْرَقَ مَكْتَبَاتِهَا ودَمَّرَ تأرِيخَهَا وأَخْفَى مَعَالِمَهَا وأَدْمَى أَنْهَارَهَا وغَيَّرَ أَلْوَانَهَا وأَبْكَاهَا، لكِنَّ بَغْدَادَ بَقِيَتْ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! وأَخْرَجْتُم مَا فِي عُقُولِكُم مِنْ جَهْلٍ ومَا فِي بُطُونِكُم مِن جُوعٍ وحِرْمَانٍ ومَا فِي طُفُولَتِكُم مِنْ عُقَدٍ وأَحْدَاثٍ وإِنْحِرَافَاتٍ إِجْتِمَاعِيَّةٍ وخَلْقِيَّةٍ "والجُّوعُ والحِرْمَانُ لَيْسَ عَيْبَاً بَلْ هِيَ مِنْ فُصُولِ الأَقْدَارِ والأَرْزَاقِ ومَشِيئَةِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، لكِنَّ العَيْبَ أَنْ يُحَاسَبَ الآخَرُونَ عَلَيْهَا ويُنْتَقَمَ مِنْهُم بِسَبَبِهَا وهُم مِنْ جِيلٍ آخَر!" وأَصْبَحْتُم بِأَفْعَالِكُم مِثَالاً حَقِيقِيَّاً لِلمَثَلِ القَائِلِ "مِنَ الهُوشِ لِلمَاكِنْتُوش" ولا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُقَارِنَ إِنْحِطَاطَكُم الإِجْتِمَاعِيَّ والبَشَرِيَّ "لا الإِنْسَانِيَّ" حَتّى بِشَخْصِيَّاتٍ تأرِيخِيَّةٍ مِثْلِ "حَسْنَة مَلص" أَو "عَبَّاس بَيزة" ومَا عُرِفَا بِهِ -- سَمَاسِرَةُ الهَوَى والغَرَامِ والبَغَاءِ، أَيْ رَجُلٌ قَوَّادٌ وإِمْرَأَةٌ قَوَّادَةٌ أَرْزَاقُهُمَا مِنْ تَنْظِيمِ شُؤُونِ النِّسَاءِ البَغِيِّ وتَصْرِيفِ أُمُورِهِنَّ -- فَحَتّى حَسْنَة مَلص وعَبَّاس بَيزة لَهُمَا اليَوْم مِنْ إِحْتِرَامِ العِرَاقِيِّينَ مَا يَكفِي، إِذْ أَحَبَّا العِرَاقَ والمُجْتَمَعَ العِرَاقِيَّ وتَحَوَّلا إِلى أُنَاسٍ يُمَارِسُونَ دَوْرَاً مَا فِي سِيَاسَاتِهِ وصِرَاعَاتِهِ السِّيَاسِيَّةِ ولَوْ بِالشَّيءِ اليَسِيرِ والمُمْكِنِ. إِذَنْ، سَوْفَ تُطْرَدُونَ وتَهْرُبُونَ فِي لَيْلَةٍ وضُحَاهَا، بَلْ فِي لَمْحِ البَصَرِ، وزَعِيمُكُم فِي طَهْرَانَ مِنْ شِدَّةِ الأَمْرِ يَتَحَيَّرَ، وفِي لَيَالٍ يَتَغَيَّرَ، ولَكُم يَتَنَكَّرَ، فَيَبِيعَكُم بِفِلسٍ أَحْمَرٍ ودُولارٍ أَخْضَرٍ، ومَالِكُ زِمَامِ أَمْرِكُم فِي حَدِيقَةِ قَصْرِهِ الصَّغِيرِ يَتَسَمَّرُ، تَصَوَّرْ شِدَّةَ الأَمْرِ وتَصَوَّرْ، وتَصَوَّرْ "سُرْعَةَ" الأَمْرِ وتَصَوَّرْ! ولَنْ تَجِدُو وَقْتَاً حَتّى لِوَضْعِ السَّرَاوِيلِ، بَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ "لَيْلاً" الصُّرَاخُ والعَوِيلُ، وتَهْرُبُونَ وتَذْهَبُونَ وتَبْقَى بَغْدَادُ، لأَنَّهَا، بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، بَغْدَادَ! أَنْتُم بِأُصُولِكِم المَجْهُولَةِ وجُذُورِكُم المُشَوَّهَةِ أَصْغَرُ مِنْ بَغْدَادَ وأُصُولِهَا، وأَحْقَرُ وأَصْغَرُ مِنْ أَنْ تَقُودُو وتَحْكُمُو وتَتَحَكَّمُو بِالعِرَاقِ والبِلادِ وأَهْلِهَا، والعِرَاقُ هُوَ أَوَّلُ الأَرْضِ وآخِرُ الأَرْضِ وهُوَ الأَرْضُ والبِدَايَاتُ والتَّكْوِينُ وخَلِيقَةُ الرَّبِّ، والمَخْطُوطَاتُ المُقَدَّسَةُ حَكَتْ وحَكَمَتْ بِأَسْرَارِهَا أَنَّهُ لِلحَضَارَاتِ كالنَّبْضِ لِلقَلْبِ. ومَنْ يَدْرِي، قَدْ يَنَامُ الأَرْنَبُ فِي سُبَاتِ الَّليْلِ وقَدْ تَفُوزُ السُّلْحَفَاةُ فِي سِبَاقِ النَّهَارِ، وقَدْ يَبْكِيَ الحِصَانُ ويَضْحَكُ الحِمَارُ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ الدِّيَارِ، إِنَّ الحِصَانَ، عِلْمِيَّاً، بِإِمْكَانِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الحِمَارَ، لَكِنَّ النَّسْلَ،عِلْمِيَّاً أَيْضَاً، يَكُونُ مُشَوَّهٌ ومَحْدُودٌ. وأَمَّا الطَّيُورُ المُهَاجِرَةُ فَلا تَنْزِلُ عَنْ مُسْتَوَاهَا ولا تُشَوِّهُ نَسْلَهَا وتَنَاسُلَهَا لِلحِفَاظِ عَلى الجَّمَالِ والنَّقَاءِ والوُجُودِ. ولا تَنْسَ، يَا حَاكِمَ بَغْدَادَ وطَهْرَانَ، مَاذَا عَلَّمَنَا الزَّمَانُ، إِذْ تَضْحَكُونَ وتَضْحَكُ الأَقْدَارُ، ولا تَنْسَ مَاذَا عَلَّمَنَا القَدِيرُ، قَدْ يَبْكِيَ الفَلاّحُ وتَضْحَكُ الحَمِيرُ. ومَنْ يَضْحَكُ فِي الأَخِيرِ... لَهُ مِنَ الضَّحِكِ الكَثِيرِ!! ومَرَّةً أُخْرَى، وَصَلَتْ؟؟ قَتَلْتُم العِرَاقِيِّينَ ومِنَ العَرَبِ والأَبْرِيَاءِ الكَثِيرِينَ، لَكِنَّكُم تَجْهَلُونَ ولا تَعْلَمُونَ لأَنَّكُم تَجْهَلُونَ، أَنَّ مِنْ أَسْرَارِ السَّمَاءِ والأَرْضِ، إِنَّ الأَمواتَ الطَّيِّبِينَ يُشَارِكونَ أَقرِبَائَهُم الأَحيَاءَ طَعَامَ العَشَاءِ ويَفرَحُونَ، ولِصَلاتِهِم يَبْتَهِجُونَ، ومَعَهُم يُصَلُّونَ، واللهَ والرَّبَّ بِالخَيْرِ والعَدْلِ لَهُم ولِأَجْيَالِهِم يَبْتَهِلُونَ، وأَمَّا إِذَا كانَ طَعَامُهُم مِنَ السَّمَكِ وزَيْتِ الزَّيْتُونِ... إِذْ هُم يَبْتَسِمُونَ. وإلى أَحْدَاثٍ أُخْرَى كانَتْ وبَانَتْ، وفُصُولٍ أُخْرَى كُتِبَتْ، بِأَحْرُفٍ وكَلِمَاتٍ سُطِّرَتْ، وهَكذا، هِيَ أَفْكَارٌ نُقِشَتْ. وتَبْكِي أيَّامُنَا والأزْمانُ والّليالِ العَرَبِيّةِ من لَعْنَةِ الجُّغرافيا والعِمامَةِ الإِيرانيَّةِ! كانَ مَا كانَ... حَدَّثنِي جَدِّي عَن بِلادٍ "كانَ" يَتَبَاهَى ويَفْخَرُ بِهَا

.......

بِقَلَمِ: مازن لِن

حقوقُ الطّبعِ والنّشْرِ مَحفوظةٌ للكاتِب ©

2020

Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. All rights reserved.
Copyright
www.mentor-mazin.com
© 2024 Mazin Linn. Alle Rechte vorbehalten.